اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-09-2012, 06:34 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي التعددية الثقافية الطائفية في العراق

فصل من الكتاب
التعددية الثقافية الطائفية في العراق

فنر الحداد
[فنر الحداد باحث في معهد الشرق الاوسط في جامعة سنغافورة و باحث زائر في جامعة لندن.]

[غلاف كتاب فنر الحداد "الطائفية في العراق". الصورة من المؤلف]
ترجمة: رضا الطاهر


تشكل العلاقات الطائفية في العراق ميدان جدل مثير للنزاع والاستقطاب. فمنذ عام 2003 يغالي مؤيدو تقسيم العراق (والمتعصبون في كلا طرفي التقسيم الشيعي ـ السني) في التوترات بين السنة والشيعة العراقيين. وفي الطرف الآخر من الطيف يقلل الوطنيون والمدافعون عن وحدة العراق، داخل وخارج المؤسسة الأكاديمية، من أهمية الهوية الطائفية في العراق، ويصلون، في بعض الحالات، الى حد نكران وجودها قبل عام 2003. وربما نتيجة لذلك أصبح مصطلح الطائفية مصطلحاً مداناً وسلبياً على نحو يتعذر الغاؤه. وعندما يسألون العراقيون عن الطائفية في العراق فانهم غالباً ما ينتفضون وهم يردون بنكران دفاعي. وقد يكون هذا نتيجة سنوات من نكران وجود قضية طائفية في العراق علناً على الأقل. ومايزال التعامل مع الموضوع، باعتباره شيئاً محرماً من الأفضل تجنبه أو كشيء يجري التذمر بشأنه خلف أبواب مغلقة، سمة للنفسية العراقية. وفضلاً عن ذلك فان الأفكار التي يحملها مصطلح الطائفية قد تكون مرتبطة بالنتائج الكارثية للانفتاح المفاجيء وغير المسبوق الذي عومل به الموضوع في أعقاب حرب 2003 وتحديد الهوية الطائفية الصريح والمتحمس لأقسام كبيرة من سكان العراق في الفترة بين عام 2003 وعام 2009. وسيؤدي الى جدل مثمر بصورة أكبر اذا ما تخلينا عن مصطلح النزعة الطائفية لصالح العلاقات الطائفية. انه أكثر دقة، ذلك أنه يرغمنا على تصوير المسألة باعتبارها مسألة علاقات بين جماعات اجتماعية، وبالتالي تطبيق آلية متحركة بدلاً من آلية متصلة ساكنة. وعلاوة على ذلك فانه سيكون منطلقاً جيداً باتجاه تغيير تمس الحاجة اليه في مقاربتنا لموضوع النزعة الطائفية / العلاقات الطائفية في العراق. وفي دراسته للعلاقات بين الجماعات في حيدر آباد عبر سودهير كاكار عن أسفه لاعتماد المؤرخين وأخصائيي العلوم السياسية على "المعطيات التجريبية الموضوعية وليس الذاتية …". ولكن على الرغم من المخاطر المتأصلة فانه في الذاتي والتجريبي، على وجه الدقة، يتعين علينا أن نركز جهودنا، ذلك أن قضية العلاقات الطائفية مرتبطة، في الجوهر وعلى نحو وثيق، بادراكات المرء والآخر وبنية مركبات الأسطورة ـ الرمز المتنافسة التي غالباً ما تفصل عن الواقع التاريخي.
لقد عاش الشيعة والسنة في ما يعرف اليوم بالعراق لفترة زادت على ألف عام. وخلال أغلب تلك الفترة كانت الجماعات قادرة على أن تحيا بتعايش سلمي على الرغم من تفجر العنف بين حين وآخر. والحقيقة أنه يجري الجدل بأن أحداث النزاع الطائفي الخطير لم تحصل الا في أعوام 1508 و1623 و1801، وكانت نتيجة مباشرة لعوامل اقليمية وليس عراقية. غير أننا عندما نقول هذا ربما ينبغي التأكيد على أن التعايش ليس مرادفاً للتسامح. فقد فند المؤرخ الأسباني جوزيف بيريز فكرة التسامح والتعايش الديني في أسبانيا العصور الوسطى: "التسامح يشترط غياب التمييز ضد الأقليات واحترام وجهات نظر الآخرين. وفي ايبيريا القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر لم يكن لمثل هذا التسامح وجود". وفضلاً عن ذلك لم يكن التسامح، كما هو معرف أعلاه، متوفر في معظم تاريخ العراق. ومع ذلك يتعين التأكيد على أن هذا لا يستدعي بالضرورة مظهر عنف. بل إن الدلالة تتمثل في أنه، بدون التسامح، يسهل تسييس واستغلال الانقسامات الطائفية كوسائل تعبئة عدوانية هجومية.
وفي العراق عاش الشيعة والسنة، على العموم، في سلام ولكن بدون تفكيك الحدود الطائفية. وعلى سبيل المثال فان الاندماج الاجتماعي والزواج المختلط بين السنة والشيعة، وهو ما يجري غالباً الثناء عليه باعتباره دليلاً على ضعف النزعة الطائفية في العراق، هو ظاهرة في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وإذا ما اقتبسنا من تحليل كاكار للعلاقات بين الهندوس والمسلمين مرة أخرى، فقد كان السنة والشيعة في ما قبل القرن العشرين "أكثر من غرباء، ليسوا أعداء في الغالب، ولكنهم أقل من أصدقاء".
وفي الحقيقة فان بعض الأمثلة المستخدمة للتقليل من شأن الاختلافات الطائفية في العراق هي، في الواقع، مؤشر على هوة واسعة تفصل بين الاثنين. وغالباً ما يجري الاستشهاد بـ "التحالف" بين السنة والشيعة في الاعداد لثورة العشرين كدليل على النزعة الوطنية العراقية التي تتجاوز الاختلاف الطائفي. غير أنه بينما يمكن أن يكون هذا صحيحاً بالنسبة لأحداث أيار 1920، فان حقيقة أن الأحداث التي شكلت أساساً لتعليقات من المراقبين البريطانيين والعراقيين مؤشر على كونها شيئاً جديداً غير مألوف. وفي الواقع كانت نزعة وطنية عراقية متجاوزة للهوية المستندة الى الطائفة تولد وتستمر على الوجود في العراق. غير أنه اعتماداً على الظروف يمكن للنزعة الوطنية العراقية أن تتراجع ويجري تخطيها بأشكال أضيق معتمدة على الطائفة من تحديد هوية الجماعة كما كان جلياً في الكثير من عراق مابعد 2003. ويخطئ من يأخذ أحداث 1920 أساسا في تقييم التاريخ الأوسع للعلاقات الطائفية على انها مؤشر للوئام والاندماج بين الطائفتين، كذلك يخطئ من، على سبيل المثال، يأخذ التحذير الذي وجهه قسم من علماء السنة في بغداد الى السلطات العثمانية من تحول العشائر الجنوبية الى الاسلام الشيعي أ لرسم صورة للانقسام اليائس والعداوات الأبدية.
وربما أدت تجربة الدولة القومية العراقية الى مفاقمة مخاطر التوترات الطائفية. ويمكن أن تكون الحجة الأكثر بساطة متمثلة في أنه في عام 1921 أصبح العرب السنة والشيعة أصحاب حق أساسيين في العراق الجديد: وبالتالي فان توزيع الوظائف والموارد يمكن أن يؤثر، بل أثر بالفعل، على نظرات الناس الى أنفسهم والى الآخرين، وأضافت المعرفة السياسية والنضج السياسي حساً بالتأهيل بين الجماعتين، ساعد، في بعض الأحيان، على تعقيد العلاقات الطائفية في ظل غياب توزيع عادل لموارد الدولة. والأمثلة على حالات التفاوت الاقتصادي والسياسي (الفعلية أو المحسوسة) المرتبطة بالاختلاف الطائفي أمثلة وافرة: وعلى سبيل المثال أفاد القنصل العام البريطاني في تقرير له في شباط 1951 من البصرة بأن وجهاء السنة كانوا يتذمرون من أن الشيعة كانوا يعززون هيمنتهم على القطاعات الحيوية للدولة بينما السنة، كما تشكى أحد الوجهاء "منقسمون على نحو يبعث على اليأس ويتعين عليهم أن يراقبوا وثوب محدثي النعمة الشيعة الى المقدمة في جميع مجالات الادارة". وكان لمثل هذه المخاوف أن تبدو، بلا ريب، مضحكة بالنسبة للكثير من الشيعة الذين هم أنفسهم غالباً ما يتذمرون من كونهم محدودي التمثيل في ادارة الدولة. ويمكن رؤية هذا في ميثاق الشعب في آذار 1935: فهذه الوثيقة البالغة الأهمية، المقدمة الى الملك غازي، وقعت من جانب زعماء عشائريين ودينيين من الفرات الأوسط ومحامين شيعة في العاصمة، وطالبت بتمثيل أفضل للشيعة في الحكومة ودعت الى تمثيل التشريعات الشيعية في السلطة القضائية، اضافة الى الاصلاح الانتخابي والزراعي وحرية الصحافة. وعلاوة على ذلك فان "قضية النصولي" في عام 1927 تظهر كيف أنه من السهل اشعال المشاعر الطائفية عندما ينظر الى القصة التاريخية للطائفة باعتبارها تتعرض الى هجوم. وفي هذه الحالة نشر أنيس النصولي، وهو مدرس سوري يعمل في العراق، كتاباً اعتبر من جانب كثير من الشيعة هجوماً على آل بيت النبي.
ويمكن للأحداث التي وصفت أعلاه أن تستخدم لتأكيد الانقسام الطائفي في العراق وأهمية المشاعر الطائفية في تشكيل النفسية العراقية. غير أنه في جميع الأحداث التي ذكرت أعلاه، وأحداث أخرى غيرها لا تحصى، فان الثنائية الشيعية ـ السنية التبسيطية بعيدة عن أن تكون مقنعة. وعلى سبيل المثال فان ميثاق الشعب كان وثيقة مثيرة للخلاف بين شيعة الفرات الأوسط أنفسهم: فقد رفض جزء كبير من زعماء العشائر التوقيع على الوثيقة على أساس أنها تضع المصلحة الطائفية فوق المصلحة الوطنية. وإنهم، في الحقيقة، مضوا في توقيع وثيقة مضادة تدور حول ذلك الموضوع. كما أنه من الجدير بالذكر أن توقيع واحدة من الوثيقتين كان مرتبطاً، الى حد كبير، بعلاقة المرء بالحكومة القائمة وموقفه منها. أما بالنسبة لقضية النصولي فانه بينما استقطبت الرأي في أقسام من السكان العراقيين العرب، فان ايريك ديفيز استخدم هذا الحدث لتوضيح مخاطر اللجوء الى ثنائية شيعية ـ سنية أحادية البعد عبر لفت انتباهنا الى انقسام عام بين الوجهاء الذين عبأوا المواقف ضد النصولي والطلاب الذين أفلحوا في تجاوز الانقسام الطائفي وأعلنوا عن الدفاع عنه بغض النظر عن الطائفة. والشيء الذي يمكن استخلاصه من هذه الحالات هو، أولاً، أن المشاعر الطائفية موجودة، بالفعل، في العراق، ويمكن، في السياق المناسب، إثارتها بطريقة المجابهة. وهذا يتسم بامكانية التحول الى عنف، وهو ما لم يتحقق الا نادراً لحسن الحظ. ومن ناحية ثانية فان نجاح التعبئة الطائفية يعتمد على جملة عوامل منفصلة عن العلاقات الطائفية. وهذا ما وصفه المنظرون، أساساً، بالطبيعة المتعددة المستويات للنزاع الأهلي: تحت "الانقسام الرئيسي"، وفي هذه الحالة التوتر الشيعي ـ السني، هناك مجموعة من العوامل المحلية الثانوية التي تؤثر على علاقات المرء أو الجماعة مع الطرف الآخر. وأخيراً فان الاستخدام السياسي للهوية الطائفية نفذ دائماً في اطار عراقي. فلا التعددية الطائفية للعراق ولا العراق ككيان سياسي جرى تحديه. بل إن تقاسم السلطة والتنافس من أجل الهيمنة داخل العراق هو أصل المشكلة.
ومما يثير الدهشة أن يأتي أحد التوصيفات الدقيقة للعلاقات الطائفية في العراق من السفير البريطاني في العراق عام 1950 السير هنري ماك. فقد تحدث السير هنري بتفصيل عن الطبيعة المتغيرة للعلاقة بين السنة والشيعة، وما رآه كتوترات ناشئة ارتباطاً بتحديات الشيعة لهمينة السنة غير المشكوك فيها حتى ذلك الحين. وقد أثار هذا، بالمقابل، المخاوف بين النخب السنية "من امكانية التفوق عليهم من جانب الأغلبية" مما يسبب "رد فعل بالقوة المتزايدة". وما هو جلي من رسالة السير هنري هو أنه في عام 1950 كان تسييس الهوية الطائفية قد تصاعد. ولا ينبغي أن يفسر هذه باعتباره حقيقة أبدية، ولا يشكل بالضرورة جزءاً من اتجاه متصاعد. بل إنه يجب أن ينظر اليه باعتباره تصويراً للوضع في عام 1950 حتى على الرغم من أن أحداثاً سابقة ربما تكون قد أثرت على الآليات التي جرى وصفها في الرسالة. وعندما تكون الهوية الطائفية وثيقة الصلة سياسياً بالموضوع، أو عندما تتصاعد التوترات الطائفية لأي سبب كان، تبرز المخاوف من الآخر والآراء السلبية المقولبة التي كانت ساكنة منذ زمن بعيد. ومن هنا التكرار، عبر قرون، للاتهامات ذاتها وقضايا الخلاف ذاتها بين الشيعة والسنة. ومن أجل توضيح الأمر يقدم السير هنري مثالاً على المخاوف السنية التي يمكن أن نجدها بسهولة على الانترنت في الوقت الحالي أو في محادثات غير رسمية:
جرى توضيح لاعقلانية موقفهم (السنة) بصورة مناسبة من جانب وكيل وزارة الخارجية (العراقية) عندما أبلغ أحد موظفينا من أن الشيعي لا يمكن الثقة به اطلاقاً لأن دينه يسمح له بالمراوغة مع الحقيقة (وهي اشارة الى ممارسة التقية).

إن بروز مثل هذه المشاعر بعيد عن أن يكون ثابتا أو مستمراً، ولكنها تشكل جزءاً من ذخيرة الأساطير المضادة التي يمكن الاستناد اليها في أوقات التوتر الطائفي المتصاعد. وكمثال على ذالك، فقد جرى ابلاغي، في مقابلة مع دبلوماسي سني عراقي سابق من عهد صدام، بأن "المشكلة" مع الشيعة هي أنهم يجدون من السهل جداً أن يكذبوا بسبب مبدئهم المسمى التقية. غير أن هذا لم يمنع من أجريت معه المقابلة من اقامة صداقات وعقد وزواج مختلط مع عوائل شيعية. فاحدى بناته متزوجة من شيعي. ومن الناحية الجوهرية فان ما قاله الرجل هو أن لدى الشيعة نزوعاً للخداع، ومع ذلك فان هذا لم يمنعه من تزويج ابنته من شيعي. والافتراض الطبيعي الذي يمكن للمرء اتخاذه هو أن مثل هذه المشاعر والآراء المقولبة السلبية هي، في العادة، معلقة وغير ذات صلة بموضوع العلاقات الشيعية ـ السنية ما لم تثرها الأحداث أو الظروف أو المؤسسة الأكاديمية الميالة للبحث والتحقيق. وهذا هو السبب الذي يجعل الرأي العراقي بشأن موضوع العلاقات الطائفية يكشف أحياناً عن ميول شيزوفرينية تقريباً: فالكثير من العراقيين يمكن أن يؤكدوا، على نحو متصلب، عدم ارتباط الهوية الطائفية في العراق بالموضوع، ومع ذلك فانهم يشاركون في أكثر النزاعات هجومية في ما يتعلق بالآخر.
ويتعين تحديد استثناءات بالنسبة للمتطرفين الطائفيين الذين لابد أن يفترض المرء أنهم يشكلون أقلية عددية. فالتاريخ العراقي يبلغنا أنه "في العادة"، وبالنسبة للأغلبية الساحقة من العراقيين العرب، تعتبر أهمية الهوية الطائفية ثانوية مقابل الأشكال الأخرى من تحديد هوية الجماعات، على الأقل النزعة الوطنية العراقية. ومن سوء الحظ فانه عندما تشتد التوترات الطائفية، لأي سبب كان، يمكن للمتطرفين الطائفيين كسب اتباع، وإن كانوا في الغالب أتباعاً مؤقتين. ويقدم السير هنري خلاصة لطبيعة العلاقات الشيعية ـ السنية في العراق ماتزال صحيحة على الرغم من الاستثناءات مثل عام 1991 او عام 2006 " ... يبقى الصراع (بين الطائفتين) مخفياً جزئياً، وهو ما يشعر كلا الطرفين بسببه بالخجل على نحو غامض ويود الطرفان رؤية حل له بدون صدام سياسي سافر".
وقبل الانتقال الى عراق مابعد 2003، لابد من الاشارة الى نقطة أخرى هامة بخصوص العلاقات الطائفية في العراق وهي ذات صلة بالطبقة. وغالبا ما يصاغ خطابنا حول الآليات الشيعية ـ السنية في العراق من جانب عراقيين من فئات اجتماعية ـ اقتصادية وثقافية معينة. وقد جرى تجاهل تأثير الطبقة، بدلالاتها الثقافية وكذلك الاقتصادية، على العلاقات الطائفية، الى حد كبير. وبينما يعتبر صحيحاً وجود أحياء بغدادية قليلة مكونة حصراً من طائفة واحدة، يمكن القول أن المناطق المختلطة الى حد كبير هي المناطق التي تسود فيها الطبقة الوسطى. وليس بعيداً عن المنطق أن نفترض علاقة سلبية بين الحراك الاجتماعي ـ الاقتصادي وتحديد الهوية الطائفية. ومن المألوف أن نسمع نكراناً للنزعة الطائفية من جانب عراقيين في كل مناحي الحياة. غير أنه بعيداً عن هذا الاعلان الدوغماتي عن الوحدة الشاملة، فانه من السليم الافتراض بأن الأواصر التي تربط الشيعة والسنة أقل بكثير في مناطق الطبقة العاملة منها في مناطق الطبقة الوسطى. وبالتالي فان سكان مناطق بغدادية مثل مدينة الصدر أو الشعلة أو الفضل أقل تجانساً بكثير من سكان مناطق ميسورة مثل زيونة أو الجادرية أو اليرموك. وتضم الكرادة، التي غالباً ما توصف باعتبارها شيعية، مناطق عدة بعضها أكثر تجانساً من الأخرى حيث نجد علاقة اجتماعية ـ اقتصادية جلية بين الطبقة والتجانس الطائفي. وهذا ليس خاصاً بالعراق أو القرن العشرين: ففي تعليقه على العنف الطائفي في الولايات العربية للامبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، يرى بروس ماسترز أن "... نخبة العرب المسلمين المدينية في ذلك الوقت ألقت باللوم على "الغرباء" ـ البدو، الأكراد، الفلاحين، والدروز ـ ذلك أنه لم يكن لرؤيتهم للعالم أن تعترف بأن مواطنيهم المدينيين الأفقر يمكن أن يرتكبوا مثل هذه الانتهاكات مهما كانت اثارة المسيحيين لهم كبيرة". والعجز نفسه عن ادراك العداء والعنف الطائفي جلي لدى كثير من العراقيين اليوم للأسباب نفسها. ففي صيف عام 2006، حيث استمر العنف الشيعي ـ السني في بغداد على التفاقم على نحو منفلت، قال دبلوماسي عراقي سابق (شيعي هذه المرة) بابتسامة تنم عن دراية: "لابد أن يبدأ الأمر في غرفة النوم !" والتنويعات على هذا الموضوع التي تؤكد شيوع الزواج المختلط كمتراس ضد الحرب الأهلية تنويعات مألوفة، ولكنها تضع قيمة أكبر بكثير لممارسة مقيدة الى حد كبير بالطبقة والجغرافيا. وفي كل الأحوال فقد فشل الزواج المختلط في سياقات أخرى كما هو الحال في البلقان.
وهناك لازمة أخرى شائعة تتمثل في أن العراقيين كانوا، في الماضي، لا يعرفون من هو شيعي ومن هو سني، وفي بعض الحالات لا تفهم مصطلحات الشيعي والسني الا على نحو هزيل. وربما كان هناك شيء من الحقيقة في ذكريات عراق ماقبل 1990. ومع ذلك فان إحدى الموضوعات الرئيسية لهذا البحث تتمثل في أن بروز الهوية الطائفية يتغير اعتمادا على الظروف. غير أن مثل هذه الذكريات لا تعكس تجاوزاً للاختلاف الطائفي بقدر ما تعكس قلة الارتباط بموضوع الهوية الطائفية في فترة معينة من تاريخ العراق. إن تجاهل طائفة الآخر ليس رمزا للانسجام الطائفي، وانما يلقي ضوءاً على حقيقة أن القضية عوملت كشيء محرم من الأفضل تجنبه. وفي دراسته العميقة للهوية العراقية جادل سليم مطر بأن الحاح الدولة العراقية والشعب العراقي على المبالغة في تأكيد هوية العراق الموحد على حساب فهم الاختلافات الطائفية كان له تأثير ضار على التلاحم الاجتماعي. وكان الفهم الذي عوملت به المسائل الطائفية يعني أن القضايا الطائفية كانت تطرح في اطار طائفة وليس في اطار حوار شامل، ومن باب المفارقة أن هذا أدى الى تقوية نزعة الجماعات بدلا من تعزيز الوحدة. وهكذا فان المعرفة المحدودة التي كانت لدى العراقيين لفهم بعضهم بعضاً جرى الحصول عليها الى حد كبير عبر الحكمة الموروثة وليس عبر البحث المعرفي. ونتيجة لذلك فان الشكوك بين الجماعات موروثة من جيل الى جيل مع قليل من الفعل المضاد لتأثيرها في صياغة آراء الآخر. وفضلاً عن ذلك أود أن أضيف بأن وعي المرء بطائفته وطائفة الآخر والأهمية المعلقة على الاختلافات بينهما مرتبطة، على نحو وثيق، بالقدرة على استيعاب الظلم الاجتماعي. في عراق ماقبل 2003 كان الشيعة أكثر احتمالاً في الحديث عن قضية طائفية بالمقارنة مع مواطنيهم السنة، لأن كثيراً منهم كانوا يعتقدون بأن هناك آصرة مباشرة بين هويتهم الطائفية واضطهاد الدولة (الفعلي أو المحسوس). فالسنة لم يصوروا النزعة السنية / الهوية السنية كبؤرة هجوم من جانب الدولة أو أي شخص آخرـ وفي ذلك السياق، وفي انعكاس لما كان جار في ذالك الزمان، جرى تصور ايران باعتبارها تهديدا للنزعة القومية العربية أكثر منها تهديداً للاسلام السني. وشعر الشيعة، في الجانب الاخر، بأن حريتهم في التعبير عن هويتهم الشيعية كانت تواجه قمع الدولة، وأنه كان يجري التمييز ضدهم لصالح العراقيين السنة. ومن هنا فان العراقيين الشيعة أكثر احتمالاً بكثير في التعبير عن "قضية طائفية" في عراق ماقبل 2003. ولا حاجة بنا الى القول إن الأدوار انقلبت منذ عام 2003، حيث بات الشيعة أكثر احتمالاً لنسيان ونكران التمييز الطائفي الذي ترعاه الدولة. واذا ما أخذنا بالحسبان أن الهوية الطائفية جرت تغذيتها عبر الاضطهاد والتمييز المحسوس بين الشيعة لفترة أطول بكثير مما بين السنة، فان هذا المنطق يفرض أن الهوية الطائفية الشيعية ربما مصاغة على نحو أكثر تماسكاً وتتسم بهيكل أغنى من الرموز والأساطير ـ وبكلمات أخرى فان الهوية الشيعية العراقية تتسم بمركب أسطورة ـ رمز أكثر قوة بكثير من نظيرتها السنية.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 24-09-2012 الساعة 09:26 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:21 AM.