اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-04-2013, 08:54 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

ثورات صغيرة:
أبعاد وتداعيات موجة الاحتجاجات الفئوية في مصر



محمد عبد الله يونس

ارتبط تصاعد وتيرة الحراك الاجتماعي في دول الإقليم بموجة عاتية من الاحتجاجات الفئوية لا تستهدف إسقاط النظم الحاكمة بقدر ما تمثل ثورة على مؤسسات الدولة مع احتدام التناقضات بين المطالب المجتمعية المتصاعدة والقدرات الاستيعابية المحدودة لتلك المؤسسات، في خضم أزمات تخصيص الموارد، وتوزيع المنافع الاجتماعية، واستنزاف الموازنة العامة

، وفي هذا الصدد لم يكن الحراك الاجتماعي مقصورًا على دول الربيع العربي؛ إذ شمل دولا عديدة، لا سيما الكويت والمغرب مع ارتفاع معدلات التضخم، والأردن والضفة الغربية عقب رفع أسعار الوقود، بيد أن موجةً جديدةً من الاحتجاج الاجتماعي قد تفجرت في مصر في الآونة الأخيرة، بما يثير تساؤلات متعددة حول خصائصها وأسبابها كبادرة لظاهرة إقليمية صاعدة، وإلى أي مدى يمكن للنظام الحاكم احتواؤها.

خصائص موجة الاحتجاجات الفئوية

تتشابه موجة الحراك الشعبي الأخيرة مع مقدمات الثورات العربية؛ إلا أن تركيزها ينصب على مطالب اجتماعية واقتصادية كنتاج لعقود من اختلال التوازن الاجتماعي، وانسداد الأفق، والتهميش، بما أدى إلى فوران مجتمعي في ظل سياق سياسي مواتٍ عقب زوال القيود السلطوية، وفي هذا الإطار تمثلت الخصائص العامة لموجة الاحتجاجات الفئوية فيما يلي:

1- اتساع النطاق: حيث شهدت مختلف القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة في الآونة الأخيرة احتجاجات فئوية بدرجات متفاوتة، بداية من اعتصام المضيفين الجويين في مطار القاهرة، وتعطيل حركة الملاحة الجوية في 7 سبتمبر الجاري، مرورًا بإضراب موظفي الجامعات المصرية في 15 سبتمبر، بالتوازي مع إضراب واسع النطاق في هيئة النقل العام في العاصمة، وإضراب أوسع نطاقًا للمعلمين في المدارس الحكومية، واعتصام بعضهم أمام مبنى مجلس الوزراء، وانتهاء بإضراب سائقي الأجرة، وموظفي وزارة الآثار في 17 سبتمبر، واعتصام طلاب وأساتذة جامعة النيل احتجاجًا على نزع ملكيتها.

2- سرعة الانتشار: يأتي السكون المرحلي في الاحتجاجات الفئوية متبوعًا بانفجارها بصورة أكثر حدة؛ حيث رصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إحصائية صادرة في 20 سبتمبر تصاعد عدد الاحتجاجات خلال الفترة المنقضية من شهر سبتمبر إلى 300 نشاط احتجاجي في أعلى معدل منذ بداية العام الحالي، وامتدت الاحتجاجات إلى قطاعات سيادية مثل احتجاج ضباط الصف بالقوات المسلحة، وقطعهم الطريق الدائري في 12 سبتمبر، واعتصام مجندي سجن قنا، واحتجاج العاملين بهيئة الطاقة الذرية بمفاعل أنشاص والعاملين بالمصانع الحربية في 16 سبتمبر الجاري.

3- التركز في القطاع الحكومي والحضر: تركزت غالبية الاحتجاجات الفئوية في القطاعين الحكومي والأهلي في النصف الأول من شهر سبتمبر نتيجة اتساع نطاق المطالب الاقتصادية والاجتماعية مع امتداد الاحتجاجات إلى قطاعات جديدة مثل طلاب الجامعات الخاصة الرافضين لرفع المصروفات وملاك سيارات الأجرة المعترضين على دفع مخالفات المرور.

وعلى مستوى التوزيع الجغرافي فإن محافظة القاهرة ومحيطها الجغرافي شهدت العدد الأكبر من الأنشطة الاحتجاجية، تليها المحافظات الحضرية؛ غير أن ذلك لم يمنع امتداد آثارها وبصورة متفاوتة في الكثافة والحدة إلى محافظات أخرى.
4- تصاعد احتمالات العـنف: انعكس الاحتقان الاجتماعي وإحباط ثورة التوقعات الثورية في تصاعد وتيرة العـنف الذي يتخلل الاحتجاجات الفئوية، فإحصاءات وزارة الداخلية الصادرة في 21 سبتمبر الجاري أكدت تصاعد أعمال العـنف الاحتجاجي خلال 48 يوما مضت إلى 80 حالة قطع طرق، و60 حالة تعطيل سكك حديدية، والقبض على 642 من مثيري الشغب الاحتجاجي، واتضحت مؤشرات العـنف في تهديد المعتصمين بإحراق شركة بتروجيت، واقتحام وزارة الزراعة من جانب العمال المؤقتين، وإغلاق بعض الجامعات من قبل المعتصمين والاشتباك مع الأمن.

أسباب تصاعد الاحتجاجات الفئوية

ترتبط الموجة الاحتجاجية المتصاعدة في مصر بمطالب ثابتة من مختلف القطاعات تتمثل في تعديل جداول الأجور والعوائد المالية، وتثبيت العمالة المؤقتة، وتعيين بعض الكوادر، وتطهير المؤسسات من قيادات النظام السابق، بيد أن الأسباب الرئيسية الدافعة للاحتجاجات تمثلت فيما يلي:

1- تردي أداء الاقتصاد: تؤكد مختلف المؤشرات الاقتصادية أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة عصيبة في الفترة الأخيرة؛ حيث ارتفع عجز الميزان التجاري بنسبة 47.9% خلال العام الجاري، وتراجع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.2%، مع تصاعد معدلات البطالة بنسبة 13%، ومعدلات التضخم بنسبة 9%، وارتفاع عجز الموازنة العامة إلى 170 مليار جنيه بنسبة 25% بما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ 7 سنوات.

2- إعادة الهيكلة الاقتصادية: أدى اتجاه الحكومة المصرية لاقتراض 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لطرح برنامج لإعادة الهيكلة الاقتصادية، وتقليص الإنفاق الحكومي، بما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار، وخاصة أسعار الوقود والسلع الغذائية بنسب تتراوح بين 15% و45% و120%، وارتبط ذلك بأزمات نقص في مختلف السلع الحيوية في ظل تأخر وفاء الرئيس مرسي بتعهدات برنامجه الانتخابي في أول مائة يوم بالرئاسة، لا سيما القضاء على أزمات المرور والطاقة وارتفاع الأسعار.

3- استغلال السياق السياسي: ارتبط امتداد المرحلة الانتقالية وعدم حسم معادلات السلطة بإقرار الدستور، وتأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية بإدراك المواطنين لوجود فرصة سياسية مرتبطة بإعادة صياغة العقد الاجتماعي الحاكم لعلاقة الدولة بالمجتمع وسقوط القيود السلطوية والاستجابة الحكومية للاحتجاجات الفئوية على مدار المرحلة الانتقالية، بما شجع قطاعات أخرى في الانخراط بالحراك الشعبي حتى لا تتعرض للتهميش أو الغبن الاجتماعي في ظل ثورة الآمال والتوقعات كأحد خصائص حالة اليوتوبية الثورية المسيطرة على المجتمع.

4- الاستقطاب السياسي: انعكس احتدام التناقضات السياسية بين التيارات المدنية المعارضة ونظيرتها الإسلامية قبيل الانتخابات التشريعية في دعم أنشطة الاحتجاج الاجتماعي، والتنديد باستخدام القوة في التصدي لها، فاحتجاجات الموظفين في بعض الجامعات ارتبطت بتحفيز الاشتراكيين الثوريين والحزب الشيوعي، كما شارك الحزب الاشتراكي المصري في تنظيم احتجاجات الفلاحين بالنوبارية، واعترضت مختلف الأحزاب المدنية على فض اعتصام جامعة النيل بالقوة، وفي السياق ذاته فإن الحراك النقابي يُعد أحد محفزات تصاعد الاحتجاجات الفئوية، فالنقابة المستقلة للمعلمين تقود تنظيم الإضرابات المتوالية، وعلى النهج ذاته تقوم جمعية "أطباء بلا حقوق" بتنسيق الإضرابات الجزئية للضغط على الحكومة لتعديل هياكل الأجور.

مستويات تأثير الاحتجاجات الفئوية

أدى تصاعد وتيرة الاحتجاجات الفئوية إلى استنزاف موارد مؤسسات الدولة وعجزها عن أداء وظائفها، فاعتصام المضيفين الجويين بمطار القاهرة ترتب عليه خسائر تقدر بحوالي 50 مليون جنيه، فضلا عن أن الاستجابة الحكومية المتتالية لمطالب رفع الأجور أدت إلى تصاعد الإنفاق الحكومي إلى 533 مليار جنيه مع ارتفاع الرواتب في الموازنة إلى 136 مليار جنيه بنسبة 25% بما ترتب عليه ارتفاع عجز الموازنة، وتراجع قيمة الجنيه المصري، وتأزم أوضاع الاقتصاد.

وإدراكًا لخطورة الاحتجاجات الفئوية وتقويضها ركائز مؤسسات الدولة، تغير نهج الحكومة في التعامل معها، وهو ما بدت مؤشراته في استخدام القوة لفض خمسة اعتصامات يوم 17 سبتمبر، أهمها اعتصام سائقي النقل العام في المظلات، وطلاب جامعة النيل والمعلمين أمام مقر رئاسة الوزراء، بينما تمثلت الآلية الثانية في تجاهل الاحتجاجات الفئوية، ورفض الاستجابة لها، وهو ما بدا في رفض وزير المالية تحمل أي زيادة جديدة في رواتب المعلمين؛ إلا أن التسويات المؤقتة الآنية لا تزال النهج المسيطر على أداء الحكومة، وخاصة الوعود بدراسة المطالب، والتفاوض بشأنها.

وإجمالا تحكم سيناريوهات عديدة مآلات الاحتجاجات الفئوية في مصر. أولها يتمثل في الاستمرار في نهج الاستجابة الجزئية والحلول المؤقتة بما سيؤدي إلى مزيدٍ من العجز المالي، وتفجر مزيد من الاحتجاجات. وثانيها يتمثل في تجاهل الاحتجاجات بما سيؤدي إلى تحولها نحو ال***، وربما موجة ثورية جديدة. ويتمثل السيناريو الثالث في استخدام ال***، وعودة القيود السلطوية، بما سيحقق استقرارا هشًّا يُنذر بتفجر جديد للأوضاع. أما السيناريو الرابع والأمثل فيتمثل في حشد قطاعات المجتمع خلف برنامج تنموي واضح يتضمن تسوية كاملة للمطالب المجتمعية، ومد قنوات فعالة لاستقبال مطالب المحتجين، والتعامل معها بكفاءة.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-04-2013, 01:39 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

مقاتلو الشوارع:
استشراء العـنف والتحولات النفسية للمجتمع المصري



السفير د.عزمي خليفة

جرمت الديانات السماوية والمواثيق الدولية العـنف والتـعذيب، فالوصايا العشر التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام حرمت العـنف والإيذاء صراحة، وقد ظلت هذه الوصايا العشر جوهرًا للمسيحية ثم الإسلام فيما بعد، كذلك حرمت المواثيق الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية التعـذيب والعـنف. فقد اهتم ميثاق الأمم المتحدة بالتركيز على تحريم الحروب، والتأكيد على أهمية حل المشكلات الدولية بالطرق الودية عن طريق التفاوض والتحكيم والتوفيق، مؤكدًا إقامة العلاقات الدولية وفق الطرق السلمية، واستكمل الميثاق هذه الأساليب الودية باتفاقات جنيف الأربعة عام 1948 الخاصة بتنظيم العلاقات بين الدول المتحاربة، والتي نظمت معاملة الأسرى والجرحى وتبادلهم، فكانت هذه الاتفاقات نقلة موضوعية في مجال العلاقات الدولية بتقنينها حقوقًا لهم ينبغي تمتعهم بها، والتزامات على الدول تجاههم ينبغي عليها التقيد بها.

وفي منتصف السبعينيات من القرن العشرين، ومع تطور وسائل الإعلام -وخاصة المرئية منها- تطورت العلاقات الدولية مرة أخرى لتجعل من حقوق الإنسان مجالا من مجالات اهتماماتها، بعد أن كان هذا الحقل من الاختصاصات الداخلية للدول نتيجة خضوع العلاقة بين الدولة ومواطنيها لمبدأ السيادة، واشتد الجدل بين الولايات المتحدة من جانب والاتحاد السوفيتي من جانب آخر بشأن أسلوب التعامل مع المنشق السوفيتي حينذاك سولجـنستين إلا أنه وبدءًا من منتصف التسعينيات تأكد أن حقوق الإنسان موضوعٌ عالميٌّ، وبخاصة بعد بلورة القانون الإنساني، وتطوير مواثيق الأمم المتحدة بشأن المرأة والطفل، وحقوق الإنسان عامة، وقيدت بالفعل سيادة الدولة على مواطنيها، وأضحى الفرد -إلى جانب الدولة- أساسًا لتحليل العلاقات الدولية.

ولم تكن مصر بعيدة عن هذه التطورات، خاصة وأنها عانت في حروبها مع إسرائيل من عدم تقيد الأخيرة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بمعاملة الأسرى والجرحى، وفيما يتعلق باستهدافها أهدافًا مدنية كالمصانع والمدن والمدارس، وبخاصة خلال حرب الاستنزاف وخلال حرب 1973 وبعدها مباشرة.كذلك من المهم الإشارة إلى أنه بالرغم من تطور الفقه الدولي تطورًا كبيرًا في مختلف الميادين تقريبًا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ فإن القضاء الدولي كان معدل تطوره أقل بكثير من تطور الفقة الدولي، مما ساهم في إيجاد فجوة بين النظريات والأفكار والمبادئ التي تقوم عليها هذه المواثيق خاصة والعلاقات الدولية عامة وبين الأدوات اللازمة لتحقيق المُثُل العليا التي يستهدفها النظام العالمي، وهو اتجاه امتد أيضًا للفقه والقضاء الداخلي في كل دولة على حدة، في مرحلة اتسمت بالتغييرات السريعة عادة والمتناقضة أحيانًا مما ساهم في ترتيب نتائج غير متوقعة في كثير من الحالات في العديد من الدول والمجتمعات.

نتائج عير متوقعة

إحدى هذه النتائج غير المتوقعة التي شملت العديد من المجتمعات ومنها المجتمع المصري هي تعرضه لحالة من العـنف غير المبرر، التي أدت بدورها إلى حالة من الاكتئاب الجماعي، خاصة وأنه مجتمع يلعب الدين فيه دورًا محوريًّا منذ قديم الأزل، بكل ما تعكسه الأديان من قيم تحض على الاعتراف بالآخر، وحرية العقيدة، وحرية التفكير، واحترام النفس البشرية التي كرمها الله بحملها الأمانة، وهي قيم تتعارض جذريًّا مع العـنف والاكتئاب.

وقد بدأت موجة العـنف هذه على استحياء بظهور جرائم بشعة في عقد التسعينيات، إلا أن معدل تكرار هذه الجرائم آخذ في التزايد، وقد ربط باحثون بين زيادة المعدل من ناحية وتزايد معدل البطالة والفقر في المجتمع المصري من ناحية أخرى، كما ربط باحثون آخرون بين انتشار هذه الجرائم والتدين الشكلي الناتج عن عملية تديين الدولة نفسها وليس الأفراد، إلا أن ثورة 25 يناير 2011 جاءت خلافًا لكل التوقعات التي تنبأت بثورة جياع عنيفة، فإذا بالثورة هادئة وسلمية، ويقودها شباب متعلم يتقن استخدام تكنولوجيا العصر، الا أنه منذ انتخابات الرئاسة عادت موجة ال*** للظهور في المجتمع المصري مرة أخرى.

سمات العـنف في مصر

هذه الموجة الحالية للعـنف في تصاعد مستمر بحكم مؤشرات كمية ونوعية عديدة، غير أنها تتسم بسمات ينبغي أخذها في الاعتبار، ولعل أهم هذه السمات:

أولا: أنها موجة ضد مؤسسات في الدولة أو تيار سياسي بعينه أو مدن كاملة، ولم يعد العـنف موجهًا ضد أفراد، ولكنه أضحى عـنفا جماعيًّا. فقد لاحظنا محاصرة المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومكتب النائب العام الجديد، ومحاولة إحراق دور بعض الصحف، ومقار بعض الأحزاب السياسية، وبعض مؤسسات الدولة، كما استمر استخدام العـنف كوسيلة لفض التظاهرات والاعتصامات، إلى درجة أنه ميز العلاقة بين الشرطة والشعب عامة، وتجسد هذا بصفة خاصة في العلاقة بينها وبين سكان بعض المدن والمحافظات في مصر مثل بورسعيد والدقهلية والغربية والسويس والإسماعيلية.

ثانيًا: أن هذه الموجة من العـنف أضحت أكثر علنية من سابقيها، مما يدل على تحولات نفسية لتعايش المجتمع المصري مع العـنف، وتراجع دور المعايير، فالملاحظ أن ممارسة العـنف فيما مضى كانت تتسم بالسرية والإنكار، فحتى في حالات ضبط إنسان متلبسًا بارتكاب أي جريمة حتى ولو كانت تمس أمن الوطن الذي يعد بمثابة قدس الأقداس في المجتمع المصري كان يتم إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم في هدوء، كما أن من كان يمارس العـنف ضد بعض المواطنين تعوّد أن يتم ذلك في سرية تامة، إلا أن الجديد في الأمر أن ممارسة التعـذيب والعـنف يتم علانية، بل ويتم بث هذه الممارسات على الهواء مباشرة مثل إلقاء زجاجات المولوتوف على بعض المؤسسات أو إحراقها بالفعل، وكذلك مشاهد سحل بعض الأشخاص، وتجريدهم من ملابسهم، ومشاهد الاعتداء بمختلف درجاته على المواطنين لفض اعتصاماتهم، والغريب أن المعتدين أصبحوا معروفين جيدًا لبعض المواطنين وأحيانًا بالاسم لبعض الجهات الأمنية والإعلامية، ولم يتم التعامل أمنيًّا وقضائيًّا مع هذه العناصر.

ثالثًا: أن عددًا من أحداث العـنف التي تعرض لها المجتمع المصري لا يمكن فهمها أو تفسيرها في ضوء تسلسل الوقائع المرتبطة بها، وهو ما يؤكد استقلالية العـنف عن التطور السياسي نتيجة تعايش المجتمع معه، فعلى سبيل المثال قضية إحراق مبنى اتحاد كرة القدم ونادي الشرطة بالجزيرة، فقد ذكرت العديد من وسائل الإعلام أن من ارتكب هذه الأعمال هم ألتراس النادي الأهلي احتجاجًا على باقي أحكام أحداث استاد بورسعيد، إلا أن الألتراس كان قد عبر عن ترحيبه وتقبله لهذه الأحكام فور سماعه منطوق الحكم، فكيف نفهم هذا التفسير في ضوء هذه المعطيات؟.
كذلك ما حدث خلال إحراق المجمع العلمي وما صاحبه من أحداث عـنف في شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، فقد ثبت أن من قام بها بعض الخارجين على القانون، وبالرغم من ترديد أسماء بعض من قاموا بهذه الأعمال إلا أنه لم يلق القبض على أي منهم.

رابعًا: ظهور جيل من مقاتلي الشوارع الذين يمارسون العـنف علانية في المجتمع في ظل غياب مختلف المعايير، وهو جيل يشمل فئتين، الفئة الأولى تتكون من المهمشين المحبطين، وهم أساسًا من أطفال الشوارع الذين وصلوا إلى سن الشباب دون أن يطرأ على حياتهم أي تغيير بخلاف تحولها نحو الأسوأ، ومن ثمَّ فهم فئة تغيب عنها المرجعية الاجتماعية (الأسرة)، والمرجعية الدينية، والمرجعية السياسية، وليس لهم عائل ولا مصدر رزق ولا أسرة، وبالتالي تفتقد إلى مختلف المعايير، أما الفئة الثانية فتتكون من شباب بعض التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية، والذين برز دورهم خلال الاحتجاجات الأخيرة، ويسعون إلى فرض أمر واقع يتخطى القانون والدستور مثل أولاد أبو إسماعيل، أو اللجان الشعبية التي تسعى بعض التيارات الدينية من وراء تكوينها إلى بناء قوات أمن موازية للشرطة، وتابعة لها، على غرار الحرس الثوري الإيراني الذي تفوق على القوات الرسمية بالدولة الإيرانية والشباب الذي يسعى إلى فرض التوجهات الدينية وفقًا لمنظوره الخاص.

وهنا قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن المهمشين المحبطين فاقدي المعايير المشار إليهم سابقًا لن يتوقفوا عن الاستمرار في دورهم الحالي مستقبلا بغض النظر عن الانتماء السياسي للحاكم في مصر، وبغض النظر عن نجاح الحكومة في تحقيق إنجازات ملموسة أم لا، لأن ما يقومون به قد حقق لهم كينونة افتقدوها طوال حياتهم، كما أن ما يقومون به اليوم في ظل الفوضى التي تعم الدولة المصرية قد أصبح مهنتهم التي توفر لهم دخلا لم يسبق لهم الحصول عليه.

والخلاصة، أن هذه الموجة الممتدة من العـنف قد أدت إلى تحولات في المجتمع المصري لا يتطلب علاجها سياسات أمنية وفقًا لما تقوم به الحكومات المصرية خلال السنوات العشر الماضية، بقدر ما يتطلب اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر انحيازًا للفقراء والفئات المهمشة والمحبطة، مع ضرورة البحث عن حلول إبداعية تخفف من وطأة الحياة على هذه الفئات، وذلك على غرار ما فكر فيه الراحل العظيم وجيه أباظة حينما تولى منصب محافظ البحيرة، ولاحظ ارتفاع نسبة المشردين بها، فكون بهم فرقة البحيرة للفنون الشعبية التي جابت العالم لعرض رقصاتها، فلم تعد التنمية الاقتصادية وفقًا للمؤشرات الكلية مثل معدل النمو السنوي كافية لتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع، فالأهم السياسات التوزيعية القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف فئات وقطاعات المجتمع.

فمن المؤكد أن مصر حققت مؤشرات مالية جيدة في عهد الرئيس السابق مبارك، فوصل معدل النمو السنوي إلى 7 في المائة، كما أن الدين الخارجي انخفض بنسبة 50 في المائة في أعقاب حرب تحرير الكويت فوصل إلى 22 مليار دولار، ووصل الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى حوالي 45 مليار دولار، وبالرغم من ذلك كانت سياساته التوزيعية أكثر انحيازًا لفئة محدودة من أثرياء المجتمع، فلم تحقق العدالة الاجتماعية التي كانت أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير التي استثمرتها التيارات الدينية للوصول إلى السلطة، وعجزت التيارات المدنية القائمة عن حمايتها، وما زال الشباب يسعى لحمايتها في إصرار يستحق التقدير والاحترام، وهذا أضعف الإيمان.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 30-04-2013 الساعة 01:46 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-04-2013, 11:16 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

الأفول التدريجي:
تراجع تأثير الحركات الشبابية الثورية في الدول العربية



أحمد زكريا الباسوسي

فرضت موجات المد الثوري التي اجتاحت العديد من الدول العربية تداعيات سياسية واجتماعية كبرى على أوضاعها الداخلية، ولعل أكثرها أهمية ظهور شريحة ثورية جديدة تتكون بالأساس من القوى الشبابية التي رفضت السياسات السلطوية للأنظمة الحاكمة خلال مراحل ما قبل الثورات الشعبية، وما زالت تطالب بالمضي قدمًا نحو تغيير هياكل السلطة القائمة، وترسيخ الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتمكين المجتمع المدني وتمثيل الفئات المهمشة؛ إلا أن تلك الحركات الشبابية تواجه في الوقت الحالي تحديات عديدة، ساهمت بشكل كبير في أفولها وانحسار نطاق تأثيراتها.

مؤشرات التراجع

شهد أداء الحركات الشبابية في المنطقة العربية تراجعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة عما كان عليه في بداية موجات المد الثوري، وتتمثل أبرز مؤشرات هذا التراجع فيما يلي:

1- تلاشي التأثير في قيادة المعارضة السياسية المنظمة لصالح القوى السياسية التقليدية، ففي مصر، قادت "جبهة الإنقاذ الوطني"، والتي تشكلت في أواخر نوفمبر الفائت بمبادرة من الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، والذين يمثلون القوى التقليدية، المعارضة ضد الرئيس محمد مرسي على إثر إصداره الإعلان الدستوري ودعوته للاستفتاء على مسودة الدستور، في الوقت الذي غابت فيه الحركات الشبابية، لا سيما حركة "6 أبريل" وائتلافات شباب الثورة عن المشهد السياسي.

2- تراجع الدور في تنظيم التظاهرات والاحتجاجات، ففي الأردن، خرجت حركة "24 مارس" عن قيادة المشهد الاحتجاجي، في مقابل تصاعد دور جبهة الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين اللتين تمثلان التيارات التقليدية، لا سيما مع اتساع وتيرة الاحتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات في 12 نوفمبر الفائت.

3- التعرض للتهميش من قبل النظم السياسية، وهو ما يبدو جليًّا في محاولة إقصاء التنظيمات الشبابية من الحوار المزمع إجراؤه في أوائل يناير 2013 في اليمن، وذلك من خلال الدعوة لتمثيلهم كجزء من كياناتهم السياسية، وليس بصفتهم حركات ساهمت في الحراك الثوري الذي أطاح بالرئيس السابق على عبد الله صالح، إلى جانب استبعاد حركة "24 مارس" الأردنية من المفاوضات التي تُجرى بين النظام وقوى المعارضة عقب اندلاع احتجاجات رفع الأسعار.

أسباب الأفول

وثمة عوامل عديدة تفسر أفول الحركات الشبابية الثورية، تنقسم إلى نوعين: الأول، يرتبط بالهياكل والبنى المؤسسية الداخلية لتلك الحركات، ويمكن تناولها على النحو التالي:

1- الانقسامات الداخلية، حيث شهدت بعض تلك الحركات الشبابية حالات انقسام عديدة، تعتبر أكثرها وضوحًا حركة "6 إبريل" في مصر، والتي انقسمت إلى جبهتين هما "جبهة أحمد ماهر" و"الجبهة الديمقراطية"، ما أضعف الحركة بشكل كبير، ونال من قدرتها على التأثير السياسي والاجتماعي، وحركة "20 فبراير" في المغرب والتي تتعرض للانحسار بسبب انسحاب عدد كبير من أعضاء الحركة الذي ينتمون لجماعة العدل والإحسان ذات التوجهات الإسلامية.

2- التباينات الأيديولوجية والفكرية، والتي انعكست بوضوح داخل حركة "20 فبراير" المغربية، والتي تضم أعضاء من اليسار الراديكالي والتيار السلفي وجماعة العدل والإحسان.

3- ضعف القدرات التنظيمية، إذ إن غالبية تلك الحركات تفتقد الخبرة السياسية والاقتصادية، والهياكل التنظيمية المحددة والملزمة بشكل واضح لأعضائها.

4- الحل الذاتي للكيانات السياسية، حيث قامت بعض تلك الحركات الشبابية بحل نفسها، مثل "اتحاد شباب الثورة" في مصر، والذي كان يضم ممثلين عن التيارات السياسية الليبرالية والإسلامية واليسارية والقومية.

أما النوع الثاني، فيتصل بالعلاقة بين هذه الحركات والنظم السياسية التي تسعى بشكل مباشر إلى عرقلة مسيرتها، حيث تستخدم الأخيرة آليات عديدة لتحقيق ذلك مثل:

1- الملاحقة والتضييق، إذ عانت تلك الحركات من محاولات استهداف، مثل حركة "20 فبراير" المغربية، التي يتعرض بعض أعضائها للاعتقال، أو السجن، أو الغرامة.

2- الاحتواء والاستيعاب، وهو ما حدث بالفعل في الحالة المصرية تحديدًا، لا سيما مع حركة "6 إبريل - جبهة أحمد ماهر"، والتي بدأ موقفها يتغير بشكل كبير نحو جماعة الإخوان المسلمين، خصوصا بعد ضم أحمد ماهر ذاته للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.

3- الاستبعاد وعدم الدمج في الكيانات الحزبية المنظمة، فعلى الرغم من الدور الفعّال الذي تمارسه تلك الحركات الشبابية ضد الفساد والاستبداد، فإن القوى التقليدية التي وصلت إلى الحكم سعت إلى تحجيمها، ما أدى إلى انحسار دورها داخل مؤسسات الدولة.

4- تشويه السمعة والاتهام بالتمويل الخارجي، حيث قامت السلطات الرسمية بعملية تشويه ممنهجة لتلك الحركات، وهو ما حدث مع حركة "6 إبريل" في مصر، والتي اتُهمت قياداتها بتلقي تمويلات خارجية من الولايات المتحدة وصربيا، وحركة "14 فبراير" في البحرين، والتي اتُهمت بالحصول على أموال من إيران، بل وصل الأمر إلى حد اتهامها بالإرهاب ومحاولة قلب نظام الحكم، وحركة "20 فبراير" المغربية التي وُصفت بأنها عميلة لقوى خارجية لا سيما إسبانيا والجزائر ومرتزقة البوليساريو.

والخلاصة، أن تعثر المراحل الانتقالية في مختلف الدول العربية ساهم بشكل واضح في إحداث خلل كبير في خريطة القوى السياسية الداخلية، وبما أن الحركات الشبابية الثورية كانت إحدى إفرازات المد الثوري، فقد طالها هي الأخرى هذا التعثر، مما حجّم من قدرتها وساعد بشكل كبير على أفولها وانحسار نطاق تأثيرها. ولعل عودة هذه الحركات للصعود يرتبط بمحددات رئيسية ثلاث: أولها، إعادة بناء هياكلها التنظيمية بما يخولها القدرة على المنافسة والتأثير في البيئة السياسية الناشئة. وثانيها، تطوير رؤية واضحة إزاء المشهد السياسي في إطار الدمج بين منهجين هما المنهج الثوري والعملية التفاوضية السياسية عبر المشاركة في مؤسسات الدولة الرسمية، إضافة إلى ممارسة دور نشط في عمليات الحوار الوطني والمجتمعي التي تُجرى في العديد من دول الإقليم. وثالثها، توعية الرأي العام الداخلي بمحاولات التشويه الممنهج التي تعرضت لها، وذلك عبر الكشف عن مصادر تمويلها وبرامجها السياسية وأطروحاتها الاجتماعية للمرحلة المقبلة.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-05-2013, 12:03 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المحور الرابع: تداعيات صعود الإسلام السياسي

صراع مفتوح:
التداعيات السياسية للخلافات بين التيارات السلفية في مصر



علي بكر
باحث في شئون الجماعات الإسلامية

تشهد الساحة السياسية المصرية حالةً من الاحتقان الشديد بين الدعوة السلفية بالإسكندرية وجناحها السياسي حزب النور، وبين جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، على خلفية الأزمة التي نشبت إثر إقالة خالد علم الدين (القيادي بحزب النور السلفي) من منصب مستشار رئيس الجمهورية، لأسباب تتعلق باستغلال نفوذه، كما ذكرت مؤسسة الرئاسة، وهي الأزمة التي رأت قوى سياسية وإسلامية، أنها ستلقي بظلالها على الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد أن ضرب الانشقاق أكبر حزبين إسلاميين في مصر.

وبناءً على الخلافات السابقة، شهدت الساحة خلافات كبيرة في صفوف التيار السلفي، بسبب تأييد سلفية القاهرة أو ما يطلق عليها اسم "السلفية الحركية" للرئيس مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين، وانتقادهم اللاذع للدعوة السلفية بالإسكندرية، واتهامهم بأنهم يعوقون المشروع الإسلامي، وأنهم يتعاونون مع القوى السياسية العلمانية المعادية للمشروع الإسلامي "القوى المدنية"، أكثر من تعاونهم مع الإسلاميين.

ومن بين كل التيارات السلفية الموجودة على الساحة تمثل الدعوة السلفية بالإسكندرية حالة خاصة ونموذجًا متفردًا، لأنها تجمع بين عدد من السمات التي قلما توجد في تيار سلفي آخر في المظلة السلفية، من التمسك بالنهج السلفي وأصوله الثابتة، وعدم تسرب أي أفكار دخيلة على الفكر السلفي مثل تكفير الحاكم والخروج عليه (وهو ما يوجد لدى السلفية الحركية)، وكذلك حرصها على نشر العلم الشرعي على أوسع نطاق، وهي السمة البارزة لأي تيار سلفي.

يضاف إلى ذلك احتراف العمل الخدمي على نطاق واسع، وهو ما أوجد قاعدة شعبية قوية لها في الإسكندرية ومحافظات الدلتا، إضافة إلى استخدامها طرقًا دعوية غير تقليدية، وهو ما جعلها منافسًا قويًّا لجماعة الإخوان المسلمين.

صراع على جبهتين

وتتصارع الدعوة السلفية الآن على جبهتين متحالفتين، هما الإخوان المسلمون والسلفية الحركية بالقاهرة، ولكل طرف من الطرفين خلافاته الخاصة والقديمة مع الدعوة السلفية. بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فالخلافات بين الطرفين، خلافات فكرية وسياسية، حيث إن الدعوة السلفية لم ولن ترضى يومًا عن الفكر الإخواني الذي رفضت الانصياع له على مدار 40 عامًا، وظلت عصية عليه رغم كل المحاولات المستميتة من جماعة الإخوان لإدخال الدعوة السلفية تحت عباءتها، ورفض الدعوة السلفية لهذا الأمر، لأنها ترى أن الفكر الإخواني فكر يميع القضايا الدينية، وأن الإخوان يأكلون الدنيا باسم الدين.

يضاف إلى ذلك أنه عقب الثورة المصرية، ووصول الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، تخوف التيار السلفي بشدة من هذا الصعود، لأنه يعلم أن الإخوان سيسعون جاهدين إلى أخونة الدولة، ثم مع مرور الوقت القضاء على كل التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، لأن فكر الحركات الإسلامية بطبيعته فكر إقصائي، يرفض الآخر، ولا يقبل التنوع، وبالتالي فالدعوة السلفية تخشى على نفسها وعلى دعوتها وفكرها من الإخوان المسلمين، فضلا عن تلك الرغبة القوية لدى حزب النور لمنافسة الإخوان المسلمين على السلطة، والجلوس مكانهم على سدة الحكم، حيث يرون أنهم الأجدر بالحكم من جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم يمثلون التيار السلفي التقليدي، وهو التيار الأكبر والأوسع في البلاد.

أما بالنسبة لخلاف الدعوة السلفية مع السلفية الحركية، فهو خلاف فكري بشكل أساسي، حيث إن السلفية الحركية قد تتبنى بعض المفاهيم (مثل تكفير الحاكم وجواز الخروج عليه)، التي كانت تتبناها بعض التيارات الجهادية مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد قبل المراجعات الفكرية، وهذه الأفكار تخالف النهج السلفي الصحيح، وهي بذلك تكون خرجت عن النهج السلفي التقليدي، وأصبحت أقرب إلى النهج الجهادي، الأمر الذي اضطر الدعوة السلفية بالإسكندرية إلى مهاجمة فكر السلفية الحركية، وتحذير الناس منه، وهو ما أدى إلى اشتعال معارك فكرية ضارية بين الطرفين، لم تهدأ إلا عقب الثورة المصرية، حتى نشب الخلاف بين الدعوة السلفية والإخوان، لتقف السلفية الحركية إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، وتدعمهم ضد كل معارضيهم، وعلى رأسهم الدعوة السلفية، بحجة الدفاع عن المشروع الإسلامي الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين، (متناسين كل المآخذ والانتقادات التي كانوا يوجهونها إلى جماعة الإخوان المسلمين في الماضي، ومنها اتهامهم بأنهم متخاذلون ومتعاونون مع نظام مبارك، وأنهم يقدمون المصلحة على الدين)، الأمر الذي فجر الخلاف القديم بين أبناء التيار السلفي، حيث وجدت السلفية الحركية الفرصة لرد الصفعات للدعوة السلفية التي كانت تعطيها لها طوال الفترة الماضية.

تداعيات معارك الدعوة السلفية الخلافية:

مما لا شك فيه أن المعركة التي يخوضها حزب النور السلفي ضد الإخوان المسلمين والسلفية الحركية، سوف يكون لها عدد من التداعيات الهامة، ومنها:

- الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين جعل للدعوة السلفية مكانة خاصة في الشارع، وعند باقي فصائل المعارضة، من دون باقي فصائل التيار السلفي، ليعلم الجميع أنها المنافس الأكبر في صفوف الحركة الإسلامية للإخوان المسلمين، ولكن في الوقت نفسه إذا ما استقرت الأمور لجماعة الإخوان المسلمين في حكم البلاد، فسوف يكون أول من يعصف به الإخوان هو الدعوة السلفية قبل أي فصيل آخر في الحركة الإسلامية.

- أما بالنسبة للخلاف مع السلفية الحركية، فإنها بلا شك سوف تزيد من الانقسامات داخل البيت السلفي الذي أصبح يعاني أصلا من التصدعات المتتالية، حيث ستنقسم فصائل التيار السلفي بين مؤيد ومعارض للدعوة السلفية، وبالتالي الاتجاه نحو مزيد من الانقسام، خاصة وأن هناك العديد من القادة السلفيين كانوا يحذرون من الدخول إلى العملية السياسية، والاكتفاء بالعمل الدعوي فقط لأنه المهنة الأساسية لكل التيارات السلفية، كما أن من السياسة ترك السياسة، حيث إن السياسة تزيد الفرقة والخلاف، والدعوة تدعم الوحدة والائتلاف.

- في ظل الانقسامات السلفية السابقة، سنجد أن الإخوان المسلمين هم المستفيد الأكبر من هذه الانقسامات، لأنها فتّتّ الكتلة المعارضة الأكبر لهم في أوساط الحركة الإسلامية، وبالتالي تزيد فرصة جماعة الإخوان في الحفاظ على مكانتهم المتقدمة في الحركة الإسلامية، وفي الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات القادمة.

وأخيرًا، سيظل حزب النور السلفي الرقم الصعب في المعادلة السياسية الحالية في مصر، والنموذج المتفرد في الحركة الإسلامية، نظرًا لصعود نجمه السياسي في خلال عامين فقط من ممارسة العمل السياسي، لذا فإن صراعات حزب النور ستُلقي بظلالها على الحالة الإسلامية بصفة خاصة، لأنها ستكون سببًا في العديد من الانقسامات التي ستؤدي إلى تنوع في الحركة الإسلامية لم تشهده من قبل، هذا التنوع غالبًا لن تستطيع معه الحركة الإسلامية -وخاصة التيارات السلفية- أن تصمد طويلا في العمل السياسي، وغالبًا ما ستعود مرة أخرى إلى الدعوة والمساجد، بعد أن تكون قد عادت من العملية السياسية بخفي حنين.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:23 AM.