|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() ما هو العارف بالله عند الصوفية والتصوف؟ كلنا نسمع بالعارف بالله فلان، ونقرأ في الكتب عن العارف بالله علان، كما نرى مكتوباً على أبواب ( بعض بيوت الأوثان ) المنتشرة في بلاد المسلمين طولاً وعرضاً: هذا مقام العارف بالله... وليس لهذه العبارة (العارف بالله) مدلول واضح في أذهان الكثيرين! وإنما تبعث في النفوس صوراً شاحبة لنوع ما من التزكية على الله، تزكية عريضة وغامضة مبهمة، هذا هو الشعور الذي تبعثه هذه العبارة في الأكثرية من الناس، الذين يعطونها تفاسير انطباعية غير موضوعية، تتناسب مع هوى المفسر ونفسيته ومستواه العلمي. فما هو معنى هذا المصطلح؟ وماذا يريدون به وله وفيه ومنه وعليه وإليه وعنه؟
الجواب، بكل بساطة، العارف بالله هو من عرف أن الله هو الكون!! وأن كل ما نرى ونسمع ونحس، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهم وهن ونحن وأنتم وبما في ذلك الحيوانات والحشرات والنباتات والجمادات، والأرض والشمس والقمر والنجوم والكواكب... كل هؤلاء هم أجزاء من الله! مع العلم أن بعض القوم لا يجيزون أن يقال: (أجزاء من الله) لأن الله كل لا يتجزأ، إنه وحدة غير قابلة للتعدد ولا للتجزؤ، ((سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)) [المؤمنون:91]، فالعارف وبكل بساطة، هو من توصل إلى معرفة وحدة الوجود بالذوق والمشاهدة. قال الجنيد: المعرفة وجود جهلك عند قيام علمه. قيل له: زدنا، قال: هو العارف وهو المعروف([1]). وسئل الحسين بن علي بن يزدانيار: متى يكون العارف بمشهد الحق؟ قال: إذا بدا الشاهد وفني الشواهد، وذهب الحواس، واضمحل الإحساس([2]). معنى: بدا الشاهد: يعني شاهد الحق. وفناء الشواهد: بسقوط رؤية الخلق عنك. وذهاب الحواس: هو معنى قوله: {فبي ينطق وبي يبصر}([3]). ويقول الغزالي: ...فمن عرف الحق رآه في كل شيء، إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله، فهو الكل على التحقيق..([4]). ثم يلوك الغزالي بعد هذا الكلام كلاماً يقصد به التمويه على غير أهل الحقيقة. ويقول ابن عربي (الشيخ الأكبر): ...فإن العارف مَنْ يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء([5])... ويقول ابن عطاء الله السكندري: ...والمعرفة رؤية لا علم، وعين لا خبر، ومشاهدة لا وصف، وكشف لا حجاب، ما هُمْ هُمْ، ولا هُمْ بإياهم، كما قال تعالى: ((إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ)) [الزخرف:59]. {فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً}([6]).... - يظهر من القراءة الساذجة لهذا النص أن فيه تنافراً بين جمله! لكن هذا يزول إذا تذكرنا أنهم يعنون بعبارة: (أنعمنا عليه)، أي: بالولاية والقرب. وعبارة: (كنت له سمعاً وبصراً)، أي: جعلته يستشعر ويتحقق أنه أنا. وأن (هو) من الأسماء الحسنى. ويقول لسان الدين بن الخطيب: ومحصول السعادة عندهم أن ينكشف الغطاء، وتظهر للعارف إنِّيَّة الحق، وأنه عين إنية كل شيء، ويعقل إنية ذاته وما هي عليه، ومن عرف نفسه عرف ربه([7])... - كلمة (إنية) منحوتة من قول القائل: إني إني.. ويقول ابن عجيبة: ...وأما العارفون فقد ظفروا بنفوسهم ووصلوا إلى شهود معبودهم، فهم يستأنسون بكل شيء، لمعرفتهم في كل شيء، يأخذون النصيب من كل شيء، ويفهمون عن الله في كل شيء، فإذا مُدِحوا انبسطوا بالله، لشهودهم المدح من الله وإلى الله، ولا شيء في الكون سواه([8]). ويقول عبد العزيز الدباغ([9]) (قطب الواصلين): ...إن الله تعالى لا يحب عبداً حتى يعرفه به، وبالمعرفة يطَّلع على أسراره تعالى، فيقع له الجذب إلى الله تعالى([10]). ويقول مصطفى العروسي: ...العارف: هو مَن أشهده الله تعالى ذاته وصفاته وأفعاله، إذ المعرفة حالة تحدث عن شهود، والعالم من أطلعه الله على ذلك لا عن شهود، بل عن يقين مستند إلى دليل وبرهان، والعلماء بهذا المعنى هم العامة في اصطلاح الصوفية([11])... ولو أراد باحث أن يجمع أقوالهم في العارف ومعنى المعرفة لاحتاج إلى مئات الصفحات. وفي القدر الذي مر كفاية لسد الطرق أمام مراوغاتهم، التي تخلو من الحياء والمنطق والعقل السليم، بل وتخلو من الخوف من الله! قال سعيد حوى: نحن نعلم أن هناك حالات للسالك يحس فيها بأحدية الذات الإلهية، ويستشعر فيها اسم الله الصمد، وهي حالة يستشعر فيها السالك فناء كل شيء، ولكن هذا الشعور لا بد أن يرافقه الاعتقاد بأن الله خالق، وأن هناك مخلوقاً، وأن الخالق غير المخلوق([12]). - هذا قول واضح في تعريف الصوفي الكامل، الذي يسمونه: العارف، ويسمونه أسماء كثيرة، منها: الولي، والصديق، والمقرب...وغيرها وغيرها مما مر معنا، ومما لم يمر، وعلى رأسها (الإنسان الكامل) أي: الواصل إلى مقام الفرق الثاني. ويجب أن نلاحظ الاستدراك الذي يستدركه على توضيحه للحقيقة، التي عبَّر عنها بقوله: يحس أحدية الذات، يستشعر اسم الله الصمد، يستشعر فناء كل شيء، ثم استدرك ليلتزم بالقاعدة التي يتواصون بها، فقال: ولكن... يجب أن يرافقه الاعتقاد بأن الله خالق وأن هناك مخلوقاً، وأن الخالق غير المخلوق، هذا الاستدراك صريح (بشيء من التأمل) في أن تلك الحالات التي يحس بها أحدية الذات الإلهية ينعدم فيها فكرة الخالق والمخلوق، فالكل واحد، ...كما أن هذا الاستدراك ما هو إلا التزام بالقاعدة القائلة: (اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً)، مع تطوير لها. إذ معنى قوله هنا هو: إن وحدة الوجود هي واقع الوجود، وإن الواصل يحس بها ويذوقها ويستشعرها وبالتالي سيعتقد بها، لكن يجب عليه أن يعتقد بالنقيضين معاً! يجب عليه أن يعتقد أن الخالق هو المخلوق، وأن يعتقد معها أن الخالق غير المخلوق! انظر إليه يقول:.. ولكن هذا الشعور لا بد أن يرافقه. الشعور بماذا؟ بأحدية الذات الإلهية، باستشعار الصمدانية، باستشعار فناء كل شيء، أي: باستشعار وحدة الوجود. وبديهي أن الإنسان إذا استشعر شيئاً وذاقه وأحس به فسيعتقد به اعتقاداً جازماً. ومع ذلك، فالشيخ يطلب من السالك أن يعتقد مع هذا الاعتقاد (أن يرافقه) نقيضه، أي أن يعتقد النقيضين معاً! وهذا منطق جديد وتطوير جريء للعقيدة الصوفية وعبارتها. * النتيجة: من كل ما تقدم، ومما يمكن أن يملأ مئات الصفحات مما لم يتقدم، يظهر بوضوح تام أن معنى المعرفة عند القوم: هو معرفة وحدة الوجود، وأن العارف عندهم: هو الذي يعرف أن الكون هو الله ذوقاً واستشعاراً، أي يذوق الألوهية ويستشعرها ويحس بها ويتحقق بها. ([1]) التعرف، (ص:66). ([2]) التعرف، (ص:136). ([3]) من شرح الكلاباذي في التعرف، (ص:136). ([4]) الإحياء: (1/254). ([5]) الفصوص، (فص حكمة إمامية في كلمة هارونية)، (ص:192). ([6]) القصد المجرد، (ص6). ([7]) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:611). ([8]) إيقاظ الهمم، (ص:215). ([9]) الشيخ عبد العزيز بن مسعود بن أحمد الدباغ، مغربي من فاس، ولد سنة (1095هـ)، وتوفي سنة (1132هـ). ([10]) الإبريز، (ص:217). ([11]) حاشية العروسي: (1/8). ([12]) تربيتنا الروحية، (ص:79). والكتاب هو اقتباسات وتفريعات وزيادات على كتابي ابن عجيبة: (إيقاظ الهمم، والفتوحات الإلهية). |
#2
|
|||
|
|||
![]() ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 2/2 نكمل موضوعنا السابق ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 1/2، ومما يقوله الوارث المحمدي الجامع الغوث محمد مهدي الصيادي الرواس:
وبويعت في الحضرة، على الإيمان بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل وبحياة جميع النبيين والمرسلين، وأن النبي صل الله عليه وسلم ذاق طعم الموت بالانتقال من هذه الدار إلى دار الآخرة، ورد الله عليه روحه، فهو في حضرة القرب عند مليكٍ مقتدر، يفعل بإذن الله في فلك الله ما يريد، وله التصرف المحض بأمر الله تعالى في ملك الله وملكوته، وهو شرارة الأزل والأبد...وعليه تعرض الأعمال وإليه تنتهي الأحوال([1])... - الجواب: هو أولاً سؤال: هل الرؤى الشيطانية التي يشاهدها المتصوفة في حالة غيبوبة هلوسية([2]) تنسخ آيات الله وقرآنه؟! - والجواب ثانياً هو من كتاب الله: ((مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) [الكهف:26]، ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) [آل عمران 8]، ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)) [الجن:21]. - والجواب ثالثاً: هو من قول رسول الله صل الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم..}. - والجواب رابعاً: إن ما يذكره الرواس من رؤياه الهذيانية منقول بدون تغيير من عقيدة النصارى بالمسيح عيسى صلوات الله عليه، وكل ما فعله الرواس هو تبديل الاسم بالاسم، ولنتذكر توجيهه للآية الذي مر معنا: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]، وكيف جعلها تعني: الله هو (أي: محمد) قل إي وربي إنه الله! ولعلهم لم يكتفوا بالحقيقة المحمدية، فأضافت بعض الطرق إليها الحقيقة العلوية، فمن أقوال جلال الدين الرومي (الطريقة المولوية): منذ كانت صورة تركيب العالم: كان علي. منذ نقشت الأرض وكان الزمان: كان علي. ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بحملة واحدة: كان علي. كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات: كان علي. إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي بدا في شمس تبريز: كان علي([3]). ومن جهة أخرى، أحرزت البكتاشية أيضاً قصبة السبق بإعلان التثليث، فصارت الأقانيم عندهم ثلاثة: صورة الله، محمد، علي. والبكتاشيون يعترفون بخطاياهم أمام مشايخهم فيغفرونها لهم، ويحللون الخمر، ويعتقدون تناسخ الأرواح([4]). ويقول آية الله الخميني: ...وبالمشيئة ظهر الوجود، وهي اسم الله الأعظم...وهي الحبل المتين بين سماء الإلهية والأراضي الخلقية، والعروة الوثقى المتدلية من سماء الواحدية، والمتحقق بمقامها الذي أفقه أفقها هو السبب المتصل بين السماء، وبه فتح الله وبه يختم، وهو الحقيقة المحمدية والعلوية صلوات الله عليه، وخليفة الله على أعيان المهيات، ومقام الواحدية المطلقة والإضافة الإشراقية([5])... نختم هذه النبذ بالنصوص التالية: ويقول مصطفى بن محيي الدين نجا([6])، في شرحه (على الممزوجة بصلاة ابن بشيش): ...والحاصل أن الله تبارك وتعالى جعل الحقيقة المحمدية واسطة الإيجاد لمخلوقاته تفضلاً منه وإحساناً، فالأرواح التي لا تشاهد ذلك ولا تدرك أنه صلى الله عليه وسلم روحها وعين حياتها كأنها أموات([7])... (الله منه بدئ الأمر) أي الشأن الكلي الجامع لكل الشئون، وهو النور المحمدي الشريف، وهو أول صادر عنه سبحانه...ويسمى بالقلم الأعلى، وبالدوة البيضاء، وبالعقل الأول، وبروح الأرواح، وبالأب الأكبر، وبإنسان عين الوجود، وبالإنسان الكامل، وغير ذلك من الأسماء المشهورة عند العارفين([8]). - الرجاء أن يلاحظ القارئ في هذه النصوص: الكذب على الله ورسوله، والشرك الأعظم، واليونانيات (العقل الأول). والذي يريد استقصاء أقوالهم في الحقيقة المحمدية يستطيع أن يملأ منها مجلدات. إذن، فالمتصوفة كلهم، من دون استثناء، يؤمنون بالحقيقة المحمدية، وقد وهم الذي خصوا بذلك جماعة منهم دون آخرين. لأن الصوفية مذهب واحد. * وملخص أقوالهم هو: إن الله (سبحانه وتعالى عما يصفون) عندما أراد أن يجعل قسماً من ذاته متعيناً بشكل مخلوقات، كان أول شيء فعله هو أنه قبض قبضة من نور وجهه وقال لها: كوني محمداً، فكان محمد هو أول التعينات. وهذه القبضة من النور هي التي يطلقون عليها اسم (الذات المحمدية). ومن هذه الذات المحمدية انبثقت السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، التي يسمونها فيما يسمونها (تعينات) فهي كلها تصدر عن الذات المحمدية ثم تعود إليها. وهذا هو ما يسمونه (الحقيقة المحمدية). وأكرر، إنهم كلهم يؤمنون بالحقيقة المحمدية، وإن أنكر أحدهم ذلك فهو مخادع يستعمل التقية. ولننتبه إلى الشبه التام بينهم وبين الهنادكة الذين يقولون: إن الخلائق صدروا من وجه براهمان، ومن يديه ومن فخذيه، ثم من قدميه (حسب الطبقات الهندوكية). وأعيد فأكرر، إنهم كلهم يؤمنون بالحقيقة المحمدية، كلهم بدون استثناء، وما مضى براهين. وبعض الباحثين الذين خصوا بذلك جماعة منهم دون آخرين كانوا واهمين. وكثيراً ما يعبرون عنها بعبارة (أسبقية النور المحمدي). والمولد المكذوب على ابن الجوزي والذي كانت قدسيته متزامنة مع دلائل الخيرات، إن لم تتقدمها في كثير من الأحيان، والذي كان يؤمن بما فيه كل المسلمين، إلا من رحم ربك، هذا المولد المكذوب فيه تفصيل للحقيقة المحمدية يستطيع الرجوع إليه كل من يريد ذلك، فهو متداول وصغير الحجم ومحشو بالشرك بالله والكذب على رسوله، وكذلك مولد البرزنجي. ([1]) فصل الخطاب، (ص:142). ([2]) أطلق أحد الأدباء الشباب على الجذبة الصوفية اسم (التحشيش الروحاني)، وهي تسمية صحيحة. ([3]) الصلة بين التصوف والتشيع، (ص:79). ([4]) الفكر الشيعي والنزعة الصوفية، (فصل البكتاشية). ([5]) شرح دعاء السحر، (ص0). ([6]) من تلاميذ علي اليشرطي. ([7]) كشف الأسرار، (ص6). ([8]) كشف الأسرار، (ص:139). يُتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع |
#3
|
|||
|
|||
![]() لا توجد عقيدة الحلول و الاتحاد في الصوفية يتردد بين كثير من العلماء وفي بعض الكتب، أن المتصوفة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم يؤمنون بالحلول، وقسم يؤمنون بالاتحاد، وقسم يؤمنون بوحدة الوجود. ويجعلون الحلاج مثلاً للحلوليين، وعمر بن الفارض مثلاً للاتحاديين. والحقيقة، أن هذا التقسيم وهم لا حقيقة له في الواقع، فجميع متصوفة المسلمين من أولهم إلى آخرهم هم على مذهب وحدة الوجود (باستثناء المبتدئين)، وكل ما مر هو براهين على ذلك، نضيف إليه قولاً للحلاج ينفي الاثنينية، وآخر لعمر بن الفارض ينفي به الاثنينية أيضاً، وأقوالاً لبعضهم تنفي الحلول والاتحاد. * معنى الحلول: أن الله سبحانه وتعالى عما يصفون خلق الخلق، وحلّ فيه، كما يحل الإنسان في الثوب الذي يلبسه، أو كما يحل الماء في التراب عند مزجه، فيكونان بذلك اثنين متماسَّين تعالى الله. * معنى الاتحاد: أنه سبحانه خلق الخلق و اتحد به، وضرب بعضهم مثلاً لذلك: اتحاد الماء بالخمر، مع أن هذا هو حلول في حقيقته وليس اتحاداً، وأصح منه مثلاً: اتحاد الكلور مع الصوديوم حيث يشكلان ملح الطعام. فيكونان بذلك متحدين، أومتماسَّين بالاتحاد. * معنى وحدة الوجود: فقد عرفناها جيداً من النصوص السابقة، إنها تعني أنه ليس في الوجود إلا واحد هو الله، وكل ما نرى هو أجزاء منه تتعين بأشكال مختلفة، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهما وهم وهن، والأرض والشمس والقمر والنجوم والملائكة والجن، بما في ذلك الشياطين والحيوانات والحشرات. يروى عن عبد الودود بن سعيد بن عبد الغني الزاهد قال: ...قلتُ له (أي: للحلاج): كيف الطريق إلى الله تعالى؟ قال: الطريق بين اثنين، وليس مع الله أحد. فقلت: بيِّن! قال: مَن لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا، ثم قال: أأنت أم أنا هذا في إلهين حاشاك حاشاك من إثبات اثنين([1]) وأقوالهم في استنكار الحلول والاتحاد ونفي وجود من يؤمن بهما كثيرة، نكتفي منها برشفات: ونزهه في حكم الحلول فما له سوى وإلى توحيده الأمر راجعيقول الطوسي، صاحب اللمع (عنواناً لباب في كتابه): باب في ذكر غلط الحلولية وأقاويلهم، على ما بلغني، فلم أعرف منهم أحداً، ولم يصح عندي شيء غير البلاغ([2]). ويقول محمود أبو الفيض المنوفي: ... فمَنْ مِن الصوفية يا ترى يعتقد أن الذات الإلهي العظيم المقدس المنزه الذي لا يحيط به شيء، ولا يحتويه شيء من المكان على سعته، ولا الزمان على امتداده، يتحد أو يحل بشيء من مخلوقاته، إلا أن يكون جاهلاً بالتصوف وبالإسلام، أومدعياً أو متطفلاً على التصوف والإسلام، وإذن فلْيَكُفَّ المتخرصون الجاهلون عن تخرصهم بغير علم عن التصوف الحق وأهل التصوف، وليدعوا أمر الخالق الذي له في خلقه الكثير من الشئون([3]). * ملحوظة: لقد أحسن عندما فرق بين التصوف والإسلام. ويقول ابن عجيبة: ... فلا وجود للأشياء مع وجوده، فانتفى القول بالحلول، إذ الحلول يقتضي وجود السوى (يعني الغير) حتى يحل فيه معنى الربوبية، والفرض أن السوى عدم محض فلا يُتصور الحلول... فقد تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم، فانتفى القول بالاتحاد، إذ معنى الاتحاد هو اقتران القديم مع الحادث، فيتحدان حتى يكونا شيئاً واحداً، وهو محال، إذ هو مبني أيضاً على وجود السوى، ولا سوى، وقد يطلقون الاتحاد على الوحدة كقول ابن الفارض: وهامت بها روحي بحيث تمازجا اتحاداً ولا جرم تخلله جرم([4]) ويقول محمد بهاء الدين البيطار: ولا عن قلىً كان القطيعة بيننا كنه دهرٌ يُشتّ ويَجْمع....فالمظاهر عين الظاهر، فليس إلا الله بلا مزج ولا حلول ولا اتحاد، بل القوم بريئون من جميع ذلك والله على ما نقول وكيل([5]). * الملحوظات: نلاحظ في هذه النصوص (وكثير غيرها) ما يلي: 1- ينفون وجود من يؤمن بالحلول أو بالاتحاد، لأن ذلك يقتضي أن في الوجود موجودين اثنين خالقاً ومخلوقاً، أو حسب تعبيرهم، الحق والسوى، وبما أنهم كلهم يؤمنون بوحدة الوجود ولذلك فإن السوى لا وجود له، إذن فلا يوجد فيهم من يؤمن بالحلول أو الاتحاد. 2- الحلاج يتبرأ من الاثنينية وينزه الخالق عن إثبات اثنين، إذن فهو لا يقول بالحلول. 3- ينفي ابن الفارض الاثنينية([6])، وينفي وجود المعية مع الحق، إذن فهو لا يقول بالاتحاد، وفي شعره يردد كلمة (الاتحاد) وهو يعني بها وحدة الوجود، ولا شيء غير ذلك. * الخلاصة: الصوفية مذهب واحد، لا يوجد فيهم من يؤمن بالحلول ولا الاتحاد ولا المزج ولا الوصل ولا الفصل، بل كلهم يؤمنون بوحدة الوجود، وتلك كلها تتناقض مع وحدة الوجود، وقد غلط العلماء الذين قالوا: إن في الصوفية حلوليين واتحاديين، وكانوا واهمين. جملة يتسلى القارئ بتحليلها: يقول أحدهم: ...وفي الحقيقة، لا فصل ولا وصل، ولذلك قيل: ([1]) أخبار الحلاج، (ص:57). ([2]) اللمع، (ص:541). ([3]) معالم الطريق إلى الله، (ص:410). ([4]) إيقاظ الهمم، (ص:45، 46). ([5]) مرت في صفحة سابقة. ([6]) مر هذا في الأبيات المنقولة من تائيته في صفحة سابقة. |
![]() |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|