اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-12-2013, 12:51 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسا – الحرمان من الشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أشد عطش الناس يوم القيامة ؟! ومن أشد الحرمان أن يحرم العبد المسلم من أن يشرب من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبدا، ويخشى على المبتدعة المفارقين لجماعة المسلمين أن يكونوا ممن يحال بينهم وبين الشرب من الحوض .
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجالا منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقول : لا تدري ما أحدثوك بعدك)) .

سادسا – الموت ميتة جاهلية
إن هذا المفارق للجماعة لو مات وهذا حاله فميتته ميتة جاهلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)).
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية))
والمراد بالمفارقة : السعي في حل عقد البيعة التي حصلت للأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير الحق .
فهذا وعيد شديد لكل من يسعى لقلب الحكم وحل البيعة بسيفه بالإفساد كالتفجير والتهديد وال*** وإخلال الأمن، أو بلسانه بتأليب الناس على الإمام وتحريضهم للخروج عليه، فمن هذا شأنه ومات على ذلك فحال موته كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لا أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا .

سابعا – البعد عن التوبة، واستدراجه في معصيته
لقد حجب الله سبحانه التوبة عن صاحب البدعة المفارق للجماعة الخارج عن الصراط المستقيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حجز - أو قال حجب - التوبة عن كل صاحب بدعة)) .
وعن يحيى بن أبي عمرو السيباني قال : "كان يقال: يأبى الله لصاحب بدعة توبة، وما ينتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منه" .
وتصديق ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه حتى يرجع السهم إلى فوقه)) .
ولعل بيان سبب حجب التوبة عنه وبعدها منه في قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الافتراق المشهور وذكره لافتراق أمته قال: ((وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله))
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله شارحا ذلك: "وسبب بعده عن التوبة أن الدخول تحت تكاليف الشريعة صعب على النفس لأنه أمر مخالف للهوى، وصاد عن سبيل الشهوات، فيثقل عليها جدا لأن الحق ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع، فعلى حكم التبع لا بحكم الأصل مع ضميمة أخرى: وهي أن المبتدع لابد له من تعلق بشبهة دليل ينسبها إلى الشارع، ويدعي أن ما ذكره هو مقصود الشارع، فصار هواه مقصودا بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك؟ وداعي الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به, وهو الدليل الشرعي في الجملة .
ثم ما الذي يصده عن الاستمساك بمنهجه، والازدياد من رأيه، وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى؟ أفيفيد البرهان مطلبا؟! كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء [المدثر:31] .
وينبغي أن نعلم أن هذه النصوص لا تدل على أن لا توبة أصلا للمبتدع المفارق للجماعة، بل قد يتوب ويرجع إلى السنة والجماعة، وقد وقع، فالعموم في الحديث ليس عموما بإطلاق يقتضي الشمول، بل هو عموم عادي يقتضي الأكثرية .
وأغلب من تحجب عنهم التوبة، وتكون بعيدة المنال عنه : من قد أشرب قلبه بهذه البدعة، وأعجب برأيه وفعله، وظن أنه يتقرب بذلك إلى الله، فأخذ يدعو إلى بدعته وفعله، ويوالي ويعادي على ذلك، فهذا بحق يتجارى به الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه .
ولقد توعد الله سبحانه هذا المفارق للجماعة المعجب ببدعته توعده باستدراجه على عمله، قال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
فهذا المفارق للجماعة السالك غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، المخالف سبيل المؤمنين يجازيه الله تعالى بأن نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى أي : نحسن فعله في صدره ونزينه له استدراجا له، وكما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5] .
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-12-2013, 12:54 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثامنا – عدم قبول العمل وإحباطه
إن هذا المفارق للجماعة، المحدث في دين الله، المخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله مردود عليه وإن ظن أنه حسن وصواب، أو كانت نيته حسنة فلا ينفعه ذلك ما دام أنه مخالف للسنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) ، فلا يقبل الله منه ما ابتدع وأحدث في دين الله فإنه ضلالة .
وقيل: إن صاحب البدعة لا يقبل منه عمل بإطلاق على أي وجه وقع، من وفاق السنة أو خلافها، قال ابن عمر رضي الله عنهما عن القدرية : "إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، فوالذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" .
وكذلك جاء عن عبادات الخوارج حينما ذكر من صلاتهم وصيامهم وعملهم الصالح قال بعد ذلك صلى الله عليه وسلم : ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))
ويؤيد هذا القول ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المدينة حرم من عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)) .
وذلك على رأي من فسر الصرف بالفريضة، والعدل بالنافلة، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين .
وقيل: بل يرد عمله ولا يقبل إذا كانت بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، أو كانت بدعته تخرجه عن الإسلام، أو كان اعتقاده في الشريعة ضعيفا بأن يدعي أنها مكملة أو تابعة لرأيه وعقله .

تاسعا – الحرمان من شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رجلان ما تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غشوم، وآخر غال في الدين مارق منه)) .

عاشرا – البعد عن رحمة الله، والوقوع في عذابه تعالى
إن أهل الفرقة بعيدون عن رحمة الله تعالى، إذ الرحمة تكون لأهل الاتفاق والائتلاف من الأمة، قال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118-119]. فأهل الاختلاف المذكورين في الآية مباينون لأهل الرحمة ، معرضون لعذاب الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب))، فالفرقة وأهلها بعيدون عن رحمة الله، واقعون في عذاب، معرضون أنفسهم لعقوبته تعالى.
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-12-2013, 12:57 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الحادي عشر – جواز *** المفارق المفرق للجماعة، وهدر دمه
لقد أجاز الشرع الحكيم *** المفارق لجماعة المسلمين الساعي لتفريقها إذا لم يندفع إلا بذلك، وما ذاك إلا لخطورة فعله على الأمة، بل وجعل دمه هدرا لا دية ولا قصاص فيه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان)). وقال أيضا: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فا***وه)) .

الثاني عشر – تسلط الشيطان عليه وملازمته له
إن شأن كل معرض عن الحق، مقبل على هواه مخلد إلى دنياه, شأنه أن يكون وليا للشيطان، تابعا له، يقول الله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 175-176].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)).
وقال أيضا: ((يد الله مع الجماعة، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم)) .
فليحذر المفارق للجماعة، الساعي في تفريق كلمة المسلمين، والعامل على شق عصا الطاعة، فليحذر المفارق للجماعة، والساعي في تفريق كلمة المسلمين، والعامل على شق عصا الطاعة، فليحذر من استزلال الشيطان إياه، وتزيينه له عمله، وليعد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليلزم الصراط المستقيم، جماعة المسلمين، وليكن وليا من أولياء الرحمن، وليبعد عن حزب الشيطان.

الثالث عشر – إن صاحب البدعة الساعي للفرقة تنزع منه العصمة، ويبعد عن الرحمة، ويوكل إلى نفسه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 102 -103].
فأشعر أن الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقا، وأن ما سوى ذلك تفرقة لقوله: وَلاَ تَفَرَّقُواْ والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة لأنه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام .
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-12-2013, 01:01 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الرابع عشر – ما يلقى المفارق للجماعة من الذل في الدنيا والغضب من الله
قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152]. فالآية وإن كانت في شأن عباد العجل من بني إسرائيل، ولكن قوله: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ عموم فيهم وفيمن أشبههم من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله.
فكل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي في عزه وجبروته فهم في أنفسهم أذلاء، وما العز الذي ينالوه إلا بسبب ملازمتهم للسلاطين واللوذ بأهل الدنيا، أما من لم يقدر على ذلك فهو ذليل مستخف ببدعته عن الجمهور . ومن ذلة أهل البدع والفرقة ما جاء في النهي عن توقيرهم ومجالستهم ومخالطتهم .

الخامس عشر – أن هذا المبتدع المفرق لجماعة المسلمين المفارق لصراطه المستقيم عليه إثم من عمل ببدعته
وسار على ضلالته إلى يوم الدين، فياله من إثم عظيم ووزر ثقيل؟! .
قال تعالى: لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ [النحل: 25].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء)) .

السادس عشر – أنه يخشى عليه فتنة وسوء الخاتمة
جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله وسأله: يا أبا عبدالله من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل، قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني سمعت الله يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] .
وهذه الفتنة التي ذكرها مالك رحمه الله تفسير الآية هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنيانهم، فإنهم يرون أن ما ذكره الله في كتابه، وما سنه نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما اهتدوا إليه بعقولهم .
لذلك قال عبد الله بن مسعود لمن رآهم في المسجد يذكرون الله بطريقة جماعية قال لهم: "لقد أحدثتم بدعة ظلما أو قد فضلتم أصحاب محمد علما . وفي لفظ آخر: "لقد هديتم لما لم يهتد له نبيكم أو أنكم تمسكون بذنب ضلالة .
وأما ما يخاف عليه من سوء الخاتمة لأن صاحب البدعة الساعي في الفرقة مصر على ما نهى الله عنه، ومن مات مصرا على المعصية فيخاف عليه .
ويلخص الشاطبي ما تقدم ويزيد فيقول: "فاعلموا أن البدعة لا يقبل معها عبادة من صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا غيرها من القربات، ومجالس صاحبها تنزع منه العصمة، ويوكل إلى نفسه، والماشي إليه وموقره معين على هدم الإسلام، فما الظن بصاحبها، وهو ملعون على لسان الشريعة، ويزداد من الله بعبادته بعدا؟! وهي مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، ومانعة من الشفاعة المحمدية، ورافعة للسنن التي تقابلها، وعلى مبتدعها إثم من عمل بها، وليس له من توبة، وتلقى عليه الذلة والغضب من الله، ويبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخاف عليه أن يكون معدودا في الكفار الخارجين عن الملة، وسوء الخاتمة عند الخروج من الدنيا، ويسود وجهه في الآخرة، يعذب بنار جهنم، وقد تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منه المسلمون، ويخاف عليه الفتنة في الدنيا زيادة إلى عذاب الآخرة .
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-12-2013, 01:06 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

إن ضرر الفرقة عظيم، وخطرها جسيم على المسلمين أجمع، ولعل القارئ لحظ معنا في الفصول الماضية كيف أن شرر الفرقة كان باديا، وضررها كان فاشيا ينهش في جسد الأمة، ومن هذه المضار:

أولا – تعطيل الجهاد في سبيل الله، وتسلط الأعداء على الأمة المسلمة
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].
وقال سبحانه: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة: 41]. ولقد جعل الجهاد ذروة سنام الإسلام التي يعلو بها الأمم، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) .
ثم إن الذل والمهانة تقع على الأمة إذا تركت الجهاد في سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) .
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف ... فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا" .
إن الأمة القوية والدولة المتماسكة العاملة بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي تستطيع أن تقيم الدين وترفع علم الجهاد، ومتى ما شغلت الأمة بهمومها، وانصرفت الدولة إلى تسكين الثائرة بين أبنائها، وتوطيد حكمها، فهي مشغولة عن جهاد عدوها.
وحينما تنشغل الأمة بآلامها، وتضعف لتفرقها وتترك جهاد أعداء الدين، فلا ريب أن العدو يتربص بها، ويتسلط عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذ قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) .
ومعنى الحديث: إن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح ما حازوه من البلاد. فالله لا يسلط الكفار على معظم المسلمين وجماعتهم وإمامهم ماداموا بضد هذه الأوصاف المذكورة في قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا. فأما إذا وجدت هذه الأوصاف فقد يسلط الكفار على جماعتهم ومعظمهم وإمامهم كما وقع .
فإن هذه الأمة لما جعل بأسها بينها تفرقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فاستولى .
وحاضر العالم الإسلامي برهان واقع، وتاريخها الماضي أصدق شاهد؛ أنه متى عز المسلمون دينهم، وأقاموا شرع الله تعالى، وامتثلوا أمره ونهيه علماء وأمراء وعامة، وائتلفوا واجتمعوا صفا واحدا ضد عدوهم فهم الأعلون الغالبون.
أما إذا ضعف الامتثال لأمر الشريعة، وتفرقت الأمة واشتغلت بقتال بعضها بعضا، فهنا يتسلط العدو ويغلب وينتصر.
يقول ابن كثير واصفا حال الخلافة الإسلامية من عز وجهاد عند اتحاد صف المسلمين في خلافة عمر وعثمان وواليه معاوية رضي الله عنهم للشام، فيقول: "ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في بلاد الروم والفرنج وغيرها، فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي، وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده ودحاهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي؛ تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: "والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت". فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة.
ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسين بن علي فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته. فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته؛ والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية،والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو .
هذا هو حال أعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر، فما أن تحل الفرقة بين المسلمين حتى يثوروا ويغزوا بلاد الإسلام، يقول ابن كثير: "ثم دخلت سنة 70هـ فيها ثارت الروم واستجاشوا على من بالشام، واستضعفوهم لما يرون من الاختلاف الواقع بين بني مروان وابن الزبير، فصالح عبدالملك ملك الروم وهادنه على أن يدفع إليه عبدالملك في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على الشام .
فالله المستعان، بعد أن كان ملك الروم يدفع الجزية للمسلمين، صار المسلمون يدفعون له ثمن سكوته وكفه عن بلادهم، فأي ضرر أشد على الأمة من تسلط أعدائها بسبب فرقتها واختلافها فيما بينها، فهل ينظر المسلمون إلى تاريخهم، ويتعظوا بأسلافهم، ويعودوا إلى الاجتماع صفا مرصوصا ويدا واحدة وجماعة متحدة، تعمل بكتاب ربها وتهتدي بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ضد عدوها؟ نسأل الله ذلك.
ويعطينا شيخ الإسلام ابن تيمية صورا عدة تظهر تسلط العدو الكافر على الأمة المسلمة حينما تتفرق وتختلف فيقول: "وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها، كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها .
ويقول: "وفي دولة بني بوية ونحوهم كان منهم أصناف المذاهب المذمومة، قوم منهم زنادقة، ومنهم قرامطة كثيرة، ومتفلسفة، ومعتزلة، ورافضة، وهذه الأشياء كثيرة فيهم غالبة عليهم، فحصل في أهل الإسلام والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف، حتى استولى النصارى على ثغور الإسلام، وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك، وجرت حوادث كثيرة .
ويقول مبينا سبب هذا التسليط: "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة – علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها- هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى:
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14] .نعم، إن الله يعاقب الأمة المسلمة حينما تعصيه, ويعذبها بما يدب بينها من فرقة وتناحر حينما تتهاون في العمل بكتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهل من عودة إلى الدين والعمل به؟ ليعود للأمة مجدها وسيادتها
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-12-2013, 01:09 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيا- ذهاب قوة المسلمين
إن من مضار الفرقة الجسيمة والتي تقع على الأمة ما يحدث بسببها من ذهاب قوة المسلمين: القوة المعنوية، والقوة المادية، لما تسببه الفرقة من تناحر وتقاتل بين الجماعات المسلمة كما في الحديث: ((حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا))
ولما نزل قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 65].
فاستجاب الله دعاء نبيه وأعاذه من الأمرين الأولين، ولم يجبه في الأمرين الآخرين وهو أن يجعلهم فرقا مختلفين، ويذيق بعضهم بأس بعض بالحروب وال*** .
إن الفرقة متى ما دبت في الأمة قاتل بعضهم بعضا، وصار كل يريد الغلبة لنفسه، والسيادة لملكه، وتحقيق مصلحة نفسه، حتى لو *** أخاه المسلم، وسبى أهله واعتدى على أرضه وماله.
ولعل المسلم ينظر ويعتبر بما حصل من مفاسد عظيمة جراء الخروج على عثمان رضي الله عنه، ومفارقة الجماعة والإمام؛ فخرج عليه السفهاء الجهلاء حتى ***وه شهيدا مظلوما رضي الله عنه وأرضاه.
ولقد نبه عثمان رضي الله عنه وحذر الذين حاصروه يريدون ***ه ونبههم على ضرر الفرقة فقال: "يا أيها الناس لا ت***وني واستتيبوني، فوالله لئن ***تموني لا تصلون جميعا أبدا، ولا تجاهدون عدوا جميعا أبدا، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه" .
ولما *** عثمان قال حذيفة بن اليمان : "والله لئن كان ***ه خيرا ليحلبنها لبنا، ولئن كان ***ه شرا ليمتصن بها دما . وقال عبدالله بن سلام رضي الله عنهم يوم *** عثمان: "اليوم هلكت العرب" . وقال: "والله لا تهرقون محجما من دم إلا ازددتم من الله بعدا" .
ولقد امتصت الأمة الدماء ب*** عثمان رضي الله عنه، فبعد الرخاء والأمن بدأت الفتن تثور بين المسلمين وفي بلادهم، وبدأ القتال والتفرق يطحن في كيان الأمة، فجاءت وقعة الجمل، وأعقبتها صفين، و*** من المسلمين خلق كثير، ف*** في الجمل قرابة العشرين ألفا، وفي صفين سبعون ألفا . وما توالى على المسلمين من وقائع ونكبات أشد وأنكى.
وانظر كيف أشغلت الخلافة الإسلامية في العصور الماضية والحاضرة بقتال الفرق الخارجية الشاقة لعصا الطاعة، وكم من الدماء سفكت لتسكين ثائرتها؟ وكم من الأموال أنفقت لإسكات هذه الفرق؟
إن زعزعة الأمن، وإثارة القلاقل والفتن في المجتمع المسلم تنهك اقتصاده، وتبعثر طاقاته التي من المفترض أن تجتمع لإعمار الأرض بدين الله، والدعوة إلى توحيد المولى سبحانه، والجهاد في سبيله لإقامة الحق ورد الباطل.
فهل يكف هؤلاء المبتدعة أصحاب الفرقة عن مساعدة أعداء الإسلام على الإسلام وأهله؟ وليتقوا الله فيما يقومون به ويفعلونه من إذهاب قوة المسلمين، وإضعاف مواردهم. وليعودوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليسيروا مع الجماعة المسلمة على الصراط المستقيم لتكون صفا واحدا يعلو ويعلو ...، ويرد كيد الأعداء، ويتذكروا قول المولى عز وجل: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-12-2013, 01:11 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثا: الهزيمة والفشل
مما لا شك فيه أن الهزيمة والفشل تصيب الجماعة المتفرقة، المختلفة فيما بينها، والمعترضة على قيادتها، إذ كيف ينتصرون ويغلبون وهم لم ينتصروا بعد على هوى أنفسهم، ولم يغلبوا شيطانهم.
ولقد نبه المولى العزيز سبحانه عباده المؤمنين على ذلك، وأمرهم بالاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتحقق لهم النصر على عدوهم، ولكن إن أبو إلا التفرق والاختلاف فالضرر لاحق بهم من الهزيمة والفشل.
يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 45-46].
فيا أيها المؤمنون أطيعوا ربكم ورسولكم فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، وَلاَ تَنَازَعُواْ أي : لا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم. فَتَفْشَلُواْ أي : فتضعفوا وتجبنوا. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي : تذهب قوتكم وبأسكم ووحدتكم، وتنقطع دولتكم، ويدخلكم الوهن والخلل ، والضعف عن جهاد العدو والانكسار له .
لذلك يوصيهم الله عز وجل بالصبر فيقول في ختام الآية: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والجيوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت المماليك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم تواب .
إن القوة والنصر مع الوحدة والجماعة: وحدة الرأي، ووحدة القيادة، ووحدة القوة، وإن الهزيمة والفشل مع الفرقة والاختلاف وتعدد القيادات حتى لو كثر العدد.
مثال ذلك ما حكاه الإمام ابن كثير رحمه الله يقول: "لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ليمانعوا به أهل الشام، فلم يتم لهم ما أرادوه وحاولوه، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآراؤهم المختلفة المخالفة لأمرائهم، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المسلمين، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.
وعن الزهري أنه قال: لما بايع أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون من سالمت، محاربون من حاربت، فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب؟ فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه، فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه" . ثم كان ما كان من الصلح مع معاوية وتنازله عن الخلافة له، فرضي الله عنهم وأرضاهم .
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:16 AM.