|
||||||
| الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
- إبوور - يؤلم هذا الكافر القديم أنه لا يستطيع أن يقدم القرابين لله ؛ لأنه لا يعرف أين يمكن أن يجد الله ، كما يرثى لموجات جرائم البالغين و انحراف الأحداث ، تلك الموجات التى عمت البلاد ، و لما كان يبشر بآرء شوبنهاور و تولستوى ، فإنه حبذ وضع حد للشقاء الانسانى عن طريق انتحار ال*** البشرى : (( من الأفضل أن تنتهى حياة البشر ، فلا حمل و لا ولادة . و إذا قدر للأرض أن تتوقف عن جلبتها ، و للصراع أن ينعدم ، أفلا تكون هذه نهاية جميلة للجميع ؟ )) ثم لا يلبث أن يمدد أوجه الفساد الذى اساشرى فى عصره فى كلمات لها فى كل عصر صدى حتى فى عصرنا الحاضر : إلى من أتحدث اليوم ؟ الإخوة الأشرار ، يخدع بعضهم بعضا ، الى من أتحدث اليوم ؟ قلوب شعة ، و كل امرئ يغتال متاع جاره ، الى من أتحدث اليوم ؟ لقد اختفى الرجل الشريف من الوجود ، بينما يعيش الباغى المتعجرف فائزا مظفرا ، الى من أتحدث اليوم ؟ ففى الوقت الذى يجب فيه أن يثير سلوك المرء سخطا نراه يبعث السرور أيضا ، و فى الوقت الذى يستحق فيه السارق الجلد بالسوط ، نراه يكافأ بالثرة و الشهرة . و بعد هذه الصيحة ضد شرور عصره ، ينظم إبوور قصديدة يمتدح فيها الموت – ذلك الإبراء الرقيق م المرض الذى نسميه الحياة . (( الموت أمامى اليوم ، و لقاؤه كلقاء رل مري قد استرد صحته ، و كخروجه الى الحديقة بعد إلاله م المرض ، الموت أمامى اليوم مثل رائحة أزهار اللوتس الزكية ، و كأنى جالس تحت الشراع فى يوم بليل النسيم . الموت أمامى اليوم كمجرى جدول ينحدر على سفح الجبل ، كعودة رجل من سفينة حربية الى داره . الموت أمامى اليوم كلهفة الرجل الى رؤية بيته بعد قضاء سنوات طويلات فى الأسر و العناء )) . و على نقيض المزولة فقد سجل هذا الفيلسوف ساعات الحية المظلمة ، لا ساعاتها المنيرة الشرقة . و بالرغم من ذلك كان دائم البحث عن الله الذى أنكر وجوده . و كان هذا الفيلسوف القديم الذى يمكن أن نطلق عليه " شيلى عصره " يحمل حملة شعواء الظلم ، إذ كان يؤمن فى صدق و حرارة بانتصار العدل فى النهاية . و لم تكن الكراهية و الحب عنده الا جانبين فى حقيقته . و كان فى قرارة نفسه مشتغلا بمثل حماسة المسيح المنتظر ، و تنبأ بزعيم روحى يصح هو الملك الفيلسوف الذى أراده أفلاطون ، أو هو " الفادى " اذى تحدث عنه الأنبياء العبرانيون ، أو هو " المخلص " الذى ذكره الانجيل . و كتب إبوور يقول : [ ينزل هذا الرائد بردا على لهيب الظلم ، فهو راعى البرية جميعها ، و إذا ما افترق أفراد القيع فى مرعاه ، و تاهوا و امتلأت قلوبهم بالخوف فإنه يقضى الساعات تلو الساعات يجمع شملهم و يلم شتاتهم ، و يضرب الأشرار منهم بالآفات ثم يخلص الأخيار – أين هو اليوم ؟ هل صادفه سبات ؟ لا ، اطمئنوا ، فعند ما يحين الوقت فمن المؤكد أنه يستيقظ ] . و كان إبوور أول فيلسوف اجتماعى فى تاريخ العالم . و لم يقم إبوور و بتاح حتب الا بتمهيد الطريق لفيلسوف أعظم منهما ، قدر له أن يظهر بعدهما . |
|
#2
|
||||
|
||||
|
- اخناتون - يمكن أن نعتبر هذا الملك المصرى واضع نواة أسمى ادراك للفكر البشرى : إله واحد ، عالم واحد – توافق البشر . و كان الاسم الحقيقى لهذا الملك الفيلسوف ، الذى ظهر حوالى ألف و أربعمائة عام قبل الميلاد : امنحتب الرابع . ثم اتخذ لنفسه اسم اخناتون الذى معناه " مكرس لله " . و بالرغم من أنه لم يتعد ثلاثين عاما عند وفاته ، فقد خلف وراءه ميثاقا للحكمة يصلح لكل العصور . لقد تأثر بالفلاسفة المصريين الذين سبقوه ، كما تأثر " بكتاب طيبة عن الموتى " ، و كان هذا الكتاب نوعا من " الاعتراف السلبى " الذى كان من المفروض أن تتلوه أرواح الموتى فى يوم حشرهم ، و كان إقرارا منهم بأنهم قد أمسكوا عن مخالفة وصايا الله : لك المجد أيها الاله العظيم ، إله الحق و العدل ، لقد استدعيت لأقف أمامك ، ياسيدى ، حتى أرى بهاءك و أقدم حسابى ... لم أقم بإيذاء أى انسان ، و لم أظلم الفقراء ... و لم أكلف نفسا عملا فوق طاقتها ... لم أهمل واجباتى ، كما لم أرتكب منكرا يغضب الله ... لم أمنع عن الجياع طعاما ، لم أسبب لأحد ألما أو أسل له دمعا ... لم أغش فى مكيال أو ميزان ، و لم أحرم الرضع لبنهم ... و لم أغتصب شيئا يخص إنسانا أو يتعلق بالله ... إنى طاهر ، طاهر ، طاهر . " و قد كان هذا الاقرار عن الخير – أو قل – نفى الشر ، مادة للسخرية عند زمرة الكهنة الفاسقين . فالكهنة – كما هى القاعدة – كانوا متمسكين بمبدأ تعدد الآلهة بدلا من الاله الواحد . و كان همهم المحصور فى بيع التمائم و التعاويذ ( و كلما ازدادت الآلهة ، ازدادت التمائم ) أكثر منه فى تعليم الفضيلة . و من تعاليمهم لأتباعهم أنه إذا نسى المرء أن يتلوا إقراره و اكتفى بعرض التمائم السحرية التى اشتراها من الكهنة ، فإن الآلهة تغفر له ذنوبه . و هكذا انحطت المبادئ الخلقية فى مصر و تحولت الى طقوس من الشعوذة . و لذا كان هدف اخناتون أن يضع حدا لهذا الفساد . فبدأ ثورة دينية أخلاقية ، و لو أن هذا العمل قصر أجله فمات فى سن مبكرة . فقد كان شهيد الحق . و كان هذا الحق ، كما ارتآه إخناتون ، يصور الها واحدا أعظم ، تطل سماؤه حانية من عل فوق جسم الأرض . " من هذا العناق المقدس تخلق كل الأشياء بجسم يتكون من طين أرضى و روح أساسها نار سماوية " . و قد أعلن اخناتون أن هذه النار التى لا تنطفئ لا تحل فى المخلوقات البشرية فحسب ، و إنما فى كل مايخلق من أشياء – فى النخلة التى تمدنا بظلها الظليل ، و النهر الذى يروى سهلنا ، و عين الماء التى تطفئ ظمأنا ، و الزهرة تعبق الجو برائحتها الزكية و تدخل البهجة الى قلوبنا بجمالها ، و حتى البصلة الوضيعه التى تجعل لمأدبة الحياة طعما شهيا . و ما إيمان اخناتون بقوة علوية واحدة إلا أول تعبير رسمى عن التوحيد فى التاريخ . و لكن فكرة وجود الإله فى كل شئ تجعل فلسفة اخناتون أقرب – نوعا ما – الى المذهب الحلولى ( ألوهية الكون ) منها الى مذب التوحيد –. و قد عبر الملك المصرى عن فلسفته الدينية فى قصيدة شعرية ، و هى أحد أناشيد العالم السامية : أيها الاله الحى ، يا مبدع الحياة إشراقك جميل فى أفق السماء لقد خلقت كل الأشياء و تسير كل شئ حسب مشيئتك إنك تربط جميع الأقطار و الأمم برباط محبتك * * * تضئ الأرض عندما ينبزغ نور فجرك فتصحو الأرض من نومها مبتهجة و ترفع جميع المخلوقات أصواتها بأنشودة العبادة لك يامصدر النور و الضياء كل الأشياء الحية على الأرض و فى الجو و البحر تمتلئ جوانبها بلهب مجدك أنت خالق النبات فى الأرض و البذور فى الأرحام أنت قد غرستها و أخرجتها الى الحياة عندما يتحرك جنين الطير فى بيضته تمنحه الأنفاس ليكسر قشرتها و يخرج الى ضوء الحياة كل شئ حى و أنت حياة العالم * * * كم من عجائب تصنعها أيها السيد الإله الواحد الحى لجميع الكون أنت الأب المحب للناس جميعا فى مصر و سوريا و جميع أقطار الأرض " و هنا نجد أول شعاع للأخوة العالمية التى تضم أعضاء أسرة آدمية واحدة منتشرة فى جميع أنحاء العالم . و يذكر اخناتون فى هذا الصدد : " أن هناك نيلا للمصريين تحت أبصارهم ، بينما هناك نيل آخر من الماء الحى فى السماء لجميع الغرباء من الأقطار الأخرى ، و للماشية التى تعيش فى كل أرض " . و قال اخناتون إنه على ضفتى نهر الحياة فى السماء توجد قصور رحبة كثيرة ينزل الله فيها جميعا لأن قلب الإنسان هو مسكنه . و هكذا نرى أن فجر التاريخ لم يكد يبزغ حتى قدم ملك مصر الفيلسوف الى العالم المذهب الذى هداه تفكيره و خياله اليه : أسرة انسانية واحدة و إله واحد – الأب الرحيم للجميع ، إله الحب . و أمر اخناتون بتحطيم جميع التماثيل المقامة لآلهة المذاهب البدائية التى سبقته ، كما أغلق معابدها ، و هجر مدينة طيبة الملكية لأن اعتبرها نجسة ، و بنى لنفسه عاصمة جديدة أطلق عليها اسم " مدينة الله " و لفترة قصيرة اذدهرت أفكار اخناتون فى هذه المدينة الجديدة و جعل منها مركزا للأدب و الفن . و لكن كهنة المذاهب القديمة حنقوا عليه لضياع ما كان يدخل لهم من بيع التمائم و التعاويذ ، فكان هلاكه على أيديهم . و هكذا لم يكن عيسى أول ضحية للصيارفة فى هياكل العالم . و يظهر هذا العرض المقتضب للفكر المصرى – و هو أول ما سجل من فلسفة فى العالم – أقول يظهر هذا العرض حقيقة هامة : القديم إن هو الا الجديد بعينه ، و الجديد إن هو الا القديم بعينه ، و ما حكمتنا الحديثة كلها الا تكرار لحكمة المفكرين و الأنبياء القدامى . و سنرى هذه الحقيقة تتكرر فى أشكال كثيرة مختلفة ، و فى أضواء كثيرة مختلفة أيضا ، عندما نتتبع تيار الفلسفة من منابعها الأولى حتى يومنا هذا . |
![]() |
| العلامات المرجعية |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|