|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() -6- بعد هذه الجولة الخاطفة مع طرائف الشعراء الانكليز، ننتقل في سياحة شعرية مع الشعراء الفرنسيين الانتقاديين المرحين مرحاً أسود، إذ يُقال إن الشاعر (شارل بودلير) وصف مرة الحياة مع المرض فهتف: الحياة مستشفى.. كل مريض فيها يبحث عن سرير جديد في غرفة أخرى، لأنه يعتقد بأنه إذا انتقل إلى فراش غير الفراش الذي ينام عليه فسوف تفارقه علّته، حتى إذا أحسَّ بأن موعد تركه المستشفى قد اقترب تمنّى لو أنه بقي فيها. وكانت معشوقته الخلاسية_(جان دوفال) مُرَائية، كاذبة، فاسقة، مبذّرة، سِكّيرة، ناهيك عن جهلها وحمقها وقد كان هو معجباً بغبائها، لذلك تراه يوحي الأدباء الشباب بحب النساء الغبيات كما محبوبته فيكتب: "من الناس مَنْ يحمّر خجلاً من حبه امرأة يوم يدرك أنها حمقاء.. إن هؤلاء لحمير أغرار خُلقوا ليرعوا أقذر أشواك الخليقة، فالغباوة هي غالباً زينة الجمال وهي التي تُضفي على العيون ذلك الصفاء الكئيب البادي في المستنقعات السوداء، وذلك الهدوء الزَّيتيّ في البحار الاستوائية.. إن الغباوة تصون الجمال.. دوماً.. وتُبعد عنه الغضون... إنها دهن إلهيّ يقي معبوداتنا من النَّهش الذي يلحقه التفكير بنا نحن العلماء والمساكين" وكان يقول: "حبّ النساء الذكيّات هو متعة اللّواطي". -7- أما (أبولينير) الفرنسي أيضاً والرمزي كبودلير فله رأي فَكِهٌ في الحياة ومُتفائل إذ يقول في قصيدة له ماترجمته "أتمنى في البيت امرأة بكامل عقلها وقطة تمرّ بين الكتب وأصدقاء في كل فصل، بدونهم جميعاً لا أستطيع الحياة" وسُئِلت -على سيرة العقل- (مدام دوستال) الشاعرة والكاتبة الفرنسية ذات يوم: "ما السبب في أن الجميلات بين النساء أكثر حظوة لدى الرجال من ذوات العقول الرَّاجحة؟.." فأجابت: -السبب بسيط وهو أن القليلين هم العميان ولكنّ الأغبياء كثيرون لا يُحصر عددهم، وقد قارنت في إحدى فكاهاتها بين الفرنسي والألماني فقالت: "إنّ الفرنسي يعرف كيف يتكّلم ولو لم تكن لديه أدنى فكرة من الأفكار، بينما الألماني، على العكس من ذلك: في ذهنه شيء أكثر مما لايستطيع التعبير عنه". ومن أشهر أقوالها: "إن صوت الضمير من الرقة وسرعة العطب بحيث يسهل خنقه ولكنه من الصفاء بحيث يستحيل إنكاره". أما مُواطن بودلير وأبولينير ومدام دوستال الشاعر والكاتب (مارسيل إيميه) فكان يقول: "أنا أفضّل موسيقا تشايكوفسكي على كل ماعداها: فهي صاخبة بحيث أن المرء يمكنه أن يثرثر طوال الوقت دون أن يُزعج جيرانه". ويُقال إن بعضهم أورد ملاحظة أمام (إيميه) حول مستشفيات الأمراض العقلية وأنها تضمّ من الرجال أكثر مما تضمّ من النساء بنسبة 35%، فردّ معلقاً: -طبعاً.. ولكنْ مَنْ أوصل الرجال إلى تلك الأماكن..؟! ويُقال إنه حين بلغ الشاعر (رامبو) سيّد الرمزيين في العالم وأميرهم عامه الرابع، روى بريشون عنه نادرة طفولية، إذ بعد ولادة أخته "فيتالي" أخذه صاحبُ مكتبة، جارٌ لأسرته، ليريه بعض صور المجلات ثم سأله: - ما الذي أعجبك أكثر من غيره..؟! وحين بيّن له رامبو ما الذي راق له منها سأله مُدَاعباً: -هل تودّ شراء بعض هذه الصور. -لا نقود لديّ. -آه... لاتملك أية نقود..!! -لا.. ولكن أستطيع الدفع بإعطاء أُختي الصغيرة... -8- ونظلُّ في فرنسة مع الشاعر (بييرموتان) الذي كتب هذه الأبيات: "من الآن فصاعداً لن يكون للعاقلة ولا للحمقاء أي نصيب في قلبي فالأولى منهما لاترفع ثوبها إلا بعد فوات الأوان والثانية ترفعه باكراً جداً". ولقد جرى الحوار التالي بين الشاعر الفرنسي (دوفرفيل) وبين صديق له، قال الصديق: -في الحبّ.. مَنْ يحصل على لذة وخير أكثر.. الرجل أم المرأة..؟! فأجاب الشاعر: -لو أنّ أُذنك سبّبت لك الحكّ وحككتَها بخنصرك، فمن منهما يحصل على لذة وخير أكثر... أليست هي الأُذن؟! ويُقال إن المركيزة (ماري فرنسوا كاترين 1711-1787) الملقبة بسيّدة الشهوة قد نظمت الأبيات التالية لتنقش على ضريحها: "هنا ترقد بسلام آمن تلك المرأة الملقبة ب "سيدة الشهوة" التي أوجدتْ فردوس لذائذها في هذا العالم على سبيل الاحتياط". -9- ومن الشعر الفرنسي نعرّج في طريقنا على الشعر الألماني وشعرائه، فلقد كان الفيلسوف والشاعر شيلر يرمز في قصائده فكتب مرّة يقول: "الكلب المدلّل مهما أنَامَتْه صاحبته في حضنها الوثير الدافئ ومهما أطعمته المآكل الفاخرة، ومهما عطّرته بالند والمسك، فإنه عندما يرى باب الدار مفتوحاً أمامه يجري سريعاً إلى تنكة الزبالة يفتش فيها عن نفاياتها، يأكلها أيضاً بنهم.. فالكلب كلب... ولو طوّقته بالذهب". -10- ونُنهي هذه الجولة مع طرافة أو طرفة حصلت للشاعرة السوفييتية (آنا أخماتوفا) التي تعرّضت في حياتها إلى ألوان من الشقاء لا يُوازيه إلا المجد الذي نالته، فعندما كانت في الخامسة والثلاثين من عمرها، وفي قاع العوز والحصار مَرَّتْ بجانبها في الشارع امرأة عجوز فحسبتها من رثاثة ثيابها وبؤس منظرها أنها متسولة فقدّمت لها صدقةً، قطعة نقدية ظلّت هذه الشاعرة تحتفظ بها للذكرى ويُقال أيضاً أن (ديوستوفسكي) كان يحتفظ بقطعة كوبيك تحسَّنت عليه بها امرأة في الطريق بعد أن قالت لها ابنتُها قدِّمي كوبيك لهذا التّعس، أما الشاعر التشيلي بابلونيرودا فيروي هذه الطرفة عن صديق له شاعر اسمه (ميغيل ايرنانديث) من أبدع شعراء إسبانيا وكان فقيراً معدماً بسيطاً، حتى أنه كان ينتعل نعلاً مصنوعاً من خيوط القنّب، وقد توسّط له بابلو أن يُعيّن في منصب بوزارة الخارجية في بلده واستُشير في نوعية الوظيفة الرفيعة التي يود أن يتقلّدها، ولما سُئِل عنها مرَّت الساعات ولم يجب، وبعدئذ قال لبابلو وعيناه تومضان كمن وجد حلاً لمشاكل حياته: -ألا يستطيع صديقك الذي سيُعيّنني في وزارة الخارجية أن يجد لي قطيعاً من الغنم أرعاه هنا قرب مدريد؟!
__________________
Im faded |
#2
|
|||
|
|||
![]() البارودى
له امتداد في ذاكرة المجتمع والبلد امتداداً قلّ نظيره، فحنت الدنيا عليه تبادله الحب بالحب والوفاء بالوفاء مرددة في كل حين أشعاره على شجن النواعير ونسيمات العاصي. لنتعرف أكثر على عوالم حياة الدكتور "وجيه" التقى موقع ايسيريا الستا المحامي معتز البرازي الذي حدّثنا من خلال أبحاثه قائلاً: «إن عالم الطبيب المرحوم "وجيه البارودي" عالم رحب وواسع وشامل وهو الحكيم الإنسان، والشاعر الفنان والناقد الواعي والجريء المقدام والعاشق العُمري وشاهد القرن العشرين من عقده الأول إلى عقده الأخير». وعن نشأة الدكتور "وجيه" وبداياته في مدينته "حماة" قال: «ولد "البارودي" في "حماة" أوائل آذار عام 1906، وأمضى دراسته الأولى في الكتاتيب ومدرسة "ترقّي الوطن" في "حماة" ثم كانت الحرب العالمية الأولى التي أوقفت كل شيء، ومع نهايتها تمّ إرساله إلى "لبنان" ليتابع دراسته في "الكلية السورية الإنجيلية" في بيروت (الجامعة الأميركية اليوم) عام 1918. وأمضى الطالب "وجيه" هناك أربعة عشر عاماً شملت الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية وتخرّج طبيباً عام 1932». وعن تعامل الدكتور "وجيه" بعد عودته من لبنان مع مجتمعه أجاب: «عاد مباشرة إلى "حماة" وفتح عيادته الطبيّة في نفس العام وبقي يعمل ليلاً نهاراً. في البداية اقتنى درّاجة عاديّة وتعاقد مع بعض الأسر في "حماة" لمعالجتهم دون في النظر إلى عدد أفرادها لقاء أجر سنوي يتقاضاه في آخر العام، مثله مثل الحلاقين الذين كانوا يتبعون نفس الأسلوب في تعاملهم مع الناس. فقد كان يتم استدعاؤه للكشف على المرضى ووصف الدواء وزرق الإبر وتوليد النساء وإجراء الإسعافات الأولية. تطورت الأمور معه فاقتنى دراجة نارية وبقيت لديه حتى أواخر الأربعينيات من القرن المنصرم حيث استطاع اقتناء سيارة خاصة به. وأول إشكال حدث بينه وبين مجتمعه عندما رفع الطربوش الذي كان وضعه على الرأس عرفاً إلزامياً في المجتمع الحموي، حيث خرج الدكتور "وجيه" عن هذا العرف وخلع الطربوش ووضع بدلاً عنه "البرنيطة" ليُجابه بنقد جارح من قبل المجتمع الذي لم يعرف حتى الآن إنساناً تعامل مع مجتمعه في شتى المناسبات والأحوال مثل الدكتور "وجيه البارودي" فمن قمة المديح إلى ذروة الهجاء فقد أراد أن يجرب حظه في السياسة بناءً على اعتماده أن شعب "حماة" الذي مدّ له يد المساعدة طبيّاً وأدبياً ومعنوياً ومادياً سيقف معه في ترشيحه للمجلس النيابي عام 1949 فلم ينجح، فقال: «يعزُّ عليّ هجوك يا حماة/ ولكن الصفات هي الصفات سلي ينبئك هذا الليل عني/ وساعات النهار المحرقات وأطفال بعثت بها حياة/ سيلحقها الجميل الأمهات وكان بين "وجيه" و"حماة" مساجلات ومناقرات ومهاترات لكنه في الوقت ذاته لم يبخل في مديحها، وعلى الرغم مما لاقاه منها ومن شعبها تبقى بلده ومسقط رأسه ويبقى العاشق لها ومرتع طفولته، فقال في ذلك: وفي حماة مقيم لا أغادرها/ شاطئ البحر عندي ضفة النهر فيها النواعير والعاصي و/ شاعرها ثلاثة ميّزتنا حكمة القدر والمعروف عن الدكتور "وجيه" جمال طرائفه فذكر لنا الأستاذ "معتز" بعضها قائلاً: «قال الدكتور "وجيه" واصفاً نفسه (أنا أقدم طبيب في "حماة"، وأقدم سائق في حماة، وأقدم شاعر، وأتعس عاشق). كذلك كان له طرفة حين أتى إليه ابن عمه يطلب منه بعض أبيات الشعر في رثاء عمه المتوفى فطلب الدكتور "وجيه" مهلة ليكتب له الرثاء، ولكنه لم ينفذ ذلك لا في اليوم الأول ولا الثاني وفي اليوم الثالث ونتيجة إلحاح ابن عمه كتب له هذه الأبيات قائلاً: تُكلفني حزناً ونفسي طروبة/ وروحي تأباه وأنت تريد وهل يألف الأحزان من كان/ عاشقاً تجود له أحبابه ويجود فلا ترجو مني وصف حزن ٍ لأنني/ طروب والعهد بالبكاء بعيد ومن طرائفه أيضاً التي تأخذ طابع الحكمة الطبية قوله (من يأكل تازا ما بيتأذا). (نظّم الواصل، وفرّغ الحواصل، تبرى المفاصل). وطرفة أخرى تدلل على مدى استخدامه للعلاج النفسي في مداواة مرضاه (حيث طُلب إلى منزل امرأة على وشك الولادة ولكنها متعثرة، شاهدها الدكتور "وجيه" فطلب مباشرة من الأهل طبلة (دربكة) وبدأ بالنقر عليها والرقص مع الصبايا مما أدى إلى غرق المرأة الولادة بالضحك وأنجبت مع صديقه الباحث وليد قنباز مولودها دون أن تشعر بذلك، ولدى سؤال الدكتور "وجيه" عن سبب فعلته هذه أجاب: إن المرأة خائفة ومتشنجة وهذه الحالة لا يفكها إلا الضحك أو الفزع، لم أستطع على الثانية فقمت بالأولى). كانت طرائفه كثيرة ككثرة الناس التي عالجها وتعامل معها». وعن شعر الغزل الذي طغى في أشعار الدكتور "وجيه" حدثنا الأستاذ قائلاً: «يتميز شعر "وجيه" أغلبه بالغزل، فقد كان شاعراً هاوٍ لا محترف، لديه أربعة دواوين تحتوي الكثير من قصائد الغزل وله قصيدة مشهورة بعنوان "الصب الزائر" يقول فيها: أرى قدميّ نحوك تحملاني/ بروحي لا بعقلي تمشيان ولو أني ملكت زمام نفسي/ أهبت فلم أبرح مكاني فقد كان معجباً بالمطربة "ميادة الحناوي" ويحمل صورتها معه يريها لزواره ومرضاه معبراً عن حبه لها، وكان يرفض معاينة كل من يقول له (أنا لا أحبها) فكتب قائلاً: ميادة للقلب ينفذ صوتها/ فالسامعون متيمون سكارى ميادة أعجوبة الدنيا سأفتنها/ وأرسم مجدها أشعارا وكان معجباً أيضاً بغزل الشاعر "نزار قباني" ولكن كان له مأخذ عليه بأنه شاعر الحب فقط، أما الدكتور "وجيه" فهو شاعر العشق وفي ذلك كتب يقول: ونزار يهوى لا حدود لحبه/ ملك له كل الملاح جواري لا يعرف العشق الذي أنا غارق/ في بحره فنجا من الأخطارِ العشق غير الحب موهبة لها/ رهبانها والحب للأغرارِ وبعيداً عن الغزل كان الدكتور "وجيه" يحلو له سماع قصائد بعض الشعراء منهم الشاعر "المتنبي" وكذلك الشاعر "عمر أبو ريشة" وعن المراحل الأخيرة التي عاشها الدكتور "وجيه" قبل وفاته حدثنا يقول: «في مراحله الأخيرة حيث اقترب من التسعين فترهّل الجسد وأزفت النهاية، وبعد أن تهتكت شبكية عينيه وازداد ضعف سمعه وأضحى عزمه ضعيفاً أنشد يقول: أمشي إلى غايتي في منتهى التعب/ كأن ساقيّ قضباناً من الحطب فإن أكلت فأكلي جدُّ مختصر / من الخضار وحبات من العنب وقد فارق الشاعر "وجيه البارودي" الحياة في الساعة الثانية من صباح يوم الأحد 1131996 ولسان حاله يردد: أصلي لا أمل وفي صلاتي/ دعاءٌ يمحق الذنب الرديّا ولا موت أخاف لأن ربي/ سيلقاني بجنّته حفيّا وهكذا مضى سيد العشاق وسيد الأطباء وسيد المصلحين الدكتور "وجيه البارودي" بعد أن ملأ دنيانا بالرحيق والعبق الذكي. سيبقى صوته الرنان يدوي في كل مكان وزمان معلناً خلوده الأبدي السرمدي من خلال منجزات نضاله الاجتماعي وشعره العذب الندي الذي ما ذكرت هو نقطة من بحره، إضافة إلى طبّه المتفوق السامي وخبرته العميقة الطويلة وحبه العجيب النادر مرددين في نهاية المطاف ما قاله في هذين البيتين: أنا حيٌّ بمنجزات نضالي/ وبشعري الذي يظل طريّا وبطبي وخبرتي وحبي/ سوف أبقى مخلّداً أبديّا». -----------------------------------------
__________________
Im faded |
![]() |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|