#5
|
|||
|
|||
![]()
ونستطيع أن نجمل اعتراض المخالفين ، ونرد عليهم فيما يلي :
1) أنكروا فضل ليلة النصف من شعبان ، وقالوا : لم يصح في فضلها حديث ، وليس لهم حجة في ذلك ولا مستند إلا قولة القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المالكي رحمه الله : ( ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه ) . قال الشيخ عبدالله ابن الصِّديق الغماري : ( في هذا غلو وإفراط ) . وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (367/3) بعد أن ساق أحاديث ليلة النصف من شعبان : ( فهذه الأحاديث بمجموعها حجَّة على من زعم أنَّه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء ) . وأورد الألوسي في تفسيره روح المعاني (111/5) كلام القاضي أبي بكر ابن العربي ثم قال : ( ولا يخلو من مجازفة ) . قلتُ : قد ورد في فضل ليلة النصف من شعبان وفي إحيائها بالعبادة أحاديث صحاح وحسان وضعاف يشدُّ بعضها بعضاً ، وتدفع قول كل جاحد ومعاند ( كما سترى في هذه الرسالة ) . بل قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (ص 302) : (وليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنّها مفضلة، وإن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة ) . ثُمَّ قال بعد كلام : ( لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد ، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من آثار السلف ، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن ، وإن كان قد وُضِعَ فيها أشياء أخر ) . وقال الشيخ ابن تيمية أيضاً في مجموع الفتاوى (131/23) : ( إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة خاصّة كما كان يفعل طوائف من السلف فهو حسن ) . وقال فيه (132/23) : ( وأمَّا ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنّهم كانوا يصلون فيها ، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجّة ، فلا ينكر مثل هذا ) . فهذه أقوال ابن تيمية رحمه الله ، ولكن كما قيل عن إخواننا - غفر الله لنا ولهم - فهم تيميون فيما لم يتبع فيه ابن تيمية الإمـام أحمد ، ووهـابيون فيـما لم يتبـع فيه ابن عبد الوهاب ابن تيمية .. وألبانيون ، وبازيون ... وهكذا . وأزيدك - أيها القارىء الكريم - أنَّ الشيخ الألباني رحمه الله قد صحح حديث فضل ليلة النصف بمجموع طرقه في صحيحته (1144) ، وفي صحيح ابن ماجه (233/1) ، وفي تعليقه على كتاب ( السُّنَّة ) لابن أبي عاصم (509 ، 510 ، 511 ، 512) . وفي كتاب ( السُّنَّة ) المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد (273/1) - بإسناد صحيح - عن عبَّاد بن العوام قال : ( قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث : إنَّ الله ينزل ليلة النصف من شعبان ، قلنا : إنَّ قوماً ينكرون هذه الأحاديث ، قال : فما يقولون ؟ قلنا : يطعنون فيها ، قال : إنَّ الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن ، وبأنَّ الصلوات خمس، وبحج البيت ، وبصوم رمضان ، فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث ) . 2) أنكروا إحياء هذه الليلة بالعبادة والاجتماع لها ، والدليل العام وحده ينقض ما ذهبوا إليه ويهدمه ، فإحياء الليل عموماً ( أيَّ ليلة من السَّنة ) سُنَّة نبوية ثابتة ، قال تعالى : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) ، فهي في حقِّه صلى الله عليه وآله وسلم فرض ، وفي حق أمته سُنَّة ، كما ذكر العلماء ، والأحاديث في ذلك كثيرة ثابتة . أمَّا أنواع العبادات من استغفار ودعاء وقراءة قرآن والصلوات النوافل ... إلخ ، فأدلتها أشهر من أن أسردها في هذه التقدمة ، وكل ذلك مطلق ( غير مقيد بوقت ) فمن أتى به في أي وقت فقد أتى بالسُّنَّة ، في ليلة النصف وغيرها . 3) وأنكروا صيام نهار نصف شعبان ، مع أنّ صيامه سُنَّة بالدليل العام ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صيام شعبان كله ، وصيام أكثر شعبان ، ولا شك أنَّ يوم النصف داخل في هذا ، كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، من حديث أبي ذر رضي الله عنه وغيره ، أمره بصيام الثلاثة أيام البيض من كل شهر ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، ونصف شعبان داخل فيها أيضاً . فإنْ قال المعترض : فما الحاجة إلى تخصيص ليلة النصف إذا كانت تدخل فيما سبق؟!. قلتُ : بل لليلة النصف من شعبان مزيد فضل واهتمام واختصاص ، وهذه الأدلة التفصيلية توضحه وتبينه وتؤكده ، وذكرنا للدليل العام إنما هو حجةٌ وإلزام للمخالف . وانظر إلى فقـه الأئـمة فيما أورده النجم الغيطي في ( فضل ليلة النصف ) (ص 105 ، 106) مما يرويه أبو حاتم الرازي بسنده عن عبد العزيز بن أبي داود (1) قال : نظر عطاء إلى جماعة في المسجد الحرام ليلة النصف من شعبان ، فقال : ما هذه الجماعة ؟ ، قالوا : هذا النميري يزعم أنّ الله - عزَّ وجل - ينزل هذه الليلة إلى سماء الدنيا ، فيقول : هل من داع فأستجيب له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ . فقال عطاء : زيادة على النّاس : هذا في كل ليلة في السنة كلها . قال الحافظ أبو موسى المديني : وقول عطاء هذا صحيح ، غير أن تخصيص ذكر النزول في هذه الليلة يقتضي تأكيداً ، إمَّا في تكثير الرحمة كما تقدَّم ، أو زيادة زمانه ، يعني كما في الحديث المتقدم ( إنَّ الله ينزل فيها لغروب الشمس ) بخلاف بقية الليالي ، فحين يبقى ثلث الليل الآخر . اهـ وفي ( فيض القدير شرح الجامع الصغير ) للمناوي (317/2) : ( قال الزين العراقي : مزية ليلة نصف شـعبان مـع أنَّ الله تعالى ينزل كل ليلة أنَّـه ذكر مـع النـزول وصفاً آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله : ( فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) ، وليس ذا في نزول كل ليلة ، ولأنَّ النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب ، وخصَّ شعر غنم كلب لأنَّه لم يكن في العرب أكثر غنماً منهم ) . وقد قيل : إنَّ آية الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلت في شهر شعبان ، نقله العلامة الشهاب القسطلاني في كتابه ( مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ) (2). |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|