|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#18
|
||||
|
||||
![]() من مشاهد الإيمان في شهر رمضان
الشيخ عادل يوسف العزازي مشهد التوبة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدة الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتَح منها باب، وفتِّحت أبواب الجنة، فلم يُغلَق منها باب، ونادى منادٍ، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أَقصِر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))[1]. يا مَن أكثر عمره مع الذنوب قد مضى، إن كان ما فرط يُوجِب السخط فاطلب في هذا الشهر الرضا، يا كثير القبائح، غدًا تَنطِق الجوارح، فأين الدموع السوافح، يا ذا الداء الشديد الفاضح، سُدَّ أبواب اللهو والممازح. يا مَن قد سارت بالمعاصي أخباره، يا من قد قَبُح إعلانه وأسراره، أتؤثِر الخسران - قل لي - وتختاره؟ يا كثير الذنوب وقد دنا إحضاره. قد ضاعت في الذنوب الأعمار، فأين يكون لهذا الغرس إثمار؟! أخي القارئ: هكذا ينادي المنادي في شهر رمضان ((يا باغي الشر أَقصِر))، إنها دعوة إلى التوبة فأيام رمضان أيام محو الذنوب، وقد ثبَت في الحديث عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد مَن أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: يا محمد، مَن أدرك شهر رمضان فمات ولم يُغفَر له فأُدخِل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: ومَن ذُكِرت عنده فلم يُصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))[2]. نعم، إنه شهر رمضان الذي يَمُن الله فيه على عباده بالعِتق من النيران، فالمحروم من أدرك رمضان فلم يُغفَر له، فقد اجتمع فيه كثير من أسباب المغفرة، فمن ذلك: 1- الصيام: فالصوم يُكفِّر الله به الذنوب، فقد ثبت في الحديث: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[3]. وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يُكفِّرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))[4]. 2- التهجد: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[5]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم وقُربة إلى الله تعالى، ومَنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومَطرَدة للداء من الجسد))[6]. شهر رمضان شهر المصابيح، شهر التهجد والتراويح، واهًا لأوقاته من زواهر ما أشرفها، ولساعاته التي كالجواهر ما أَظرفَها، أشرقت لياليها بصلاة التراويح، وأنارت أيامها بالصيام والتسبيح، حِليتها الإخلاص والصدق، وثمرتها الخلاص والعِتق. 3- ليلة القدر: ((مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه))[7]. فيا مَن ضاع عمره في لا شيء، استدرك ما فات في ليلة القدر فإنها تُحسَب بالعمر. 4- قراءة القرآن: وشهر رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ï´¾ [البقرة: 185]. كان قتادة يَختِم القرآن في كل سبعِ ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة. وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: كنتُ أختِم القرآن في رمضان ستين مرة. وهكذا كان حال السلف إذا دخل رمضان ينشغِلون بقراءة القرآن. عن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب مَنعته الطعامَ والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان))[8]. يا من ضيّع عمره في غير الطاعة، يا مَن فرَّط في شهره، بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة، يا مَن جعل خَصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خَصمك الشفاعة؟ فعليك أخي الصائم أن تصون صومَك وإياك وكثرة المعاصي، وإياك وذَهاب ثواب صومك بالعكوف أمام الأفلام والمسرحيات والفوازير والأغاني ونحو ذلك. وهذه الأيام فرصة لك لكي تُقلِع عن ذنوبك ومعاصيك، فأيام رمضان أيام محو ذنوبكم، فاستغيثوا إلى مولاكم من عيوبكم، هي أيام الإنابة فيها تُفتَح أبواب الإجابة، فأين اللائذ بالجَناب، أين المتعرِّض بالباب، أين الباكي على ما جنى، أين المستغفِر لأمر قد دنا. أين المعتذِر مما جناه، فقد اطَّلع عليه مولاه، أين الباكي على تقصيره قبل تحسُّره في مصيره. قال عبدالله بن مسعود: "ودِدتُ لو أن الله غفر لي ذنبًا واحدًا، وألا يُعرَف لي نَسب". وقال: "وددتُ أني عبدالله بن روثة، وأن الله غفر لي ذنبًا واحدًا". الأمر بالمعروف: وقد أمر الله عباده وأرشدهم إلى التوبة في مواضع كثيرة، فقال تعالى: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [النور: 31]. قال ابن القيم: "وهذه الآية في سورة مدنيَّة خاطَب الله بها أهلَ الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم وصبْرهم، وهجرتهم، وجهادهم. ثم علَّق الفلاح بالتوبة تعليق المسبَّب بالسبب، وأتى بأداة (لعل) المُشعِرة بالترجي إيذانًا أنكم إذا تُبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم". وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [الحجرات: 11]، قسم العباد إلى تائب وظالم، وما ثَمَّ قِسم ثالث البتة، وأوقع اسم (الظالم) على من لم يَتُب، ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه، وبعيب نفسه وآفات أعماله[9]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))[10]. يا قليل العِبَر وقد رحل أبوه وأمه، يا مَن سيجمعه اللحد عن قليل ويَضمه، كيف يُوعَظ من لا يَعِظه عقله ولا فَهْمه، كيف يُوقَظ من نام قلبه لا عينه ولا جسمه. شروط التوبة: ينبغي أن تكون التوبة نصوحًا خالصة لله، وذلك يتحقَّق بثلاث شروط: الأول: الإقلاع عن الذنب. الثاني: الندم؛ لأنه فرَّط في حق الله - عز وجل. الثالث: العزم على ألا يرجع إليه مرة أخرى. فإن كانت هناك حقوق تتعلَّق بالعباد فيشترط مع هذه الشروط شرطًا: الرابع: وهو أن تُرَد الحقوق لأصحابها أو يتحلَّل منهم. أمور تحتاج إلى توبة غفل عنها الكثير: يجب على العبد أن يتوب من جميع الذنوب والآثام من الشرك والبدع والكبائر والصغائر. وإنه مهما بلغت الذنوب فإن الله يقبل توبة التائب، قال تعالى: ï´؟ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [الزمر: 53]. فهلم أيها الصائم وأقصِر عن الذنوب والمعاصي: يا باغي الشر أقْصِر لتنال رحمة الله، وليُبدِّل الله سيئاتك حسنات؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ï´¾ [الفرقان: 68 - 70]. [1] صحيح، رواه الترمذي وابن ماجه، معنى صفدت: شدت بالأغلال والقيود. [2] صحيح رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع وله شواهد أخرى بمعناه، انظر صحيح الترغيب والترهيب (985- 986). [3] رواه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن. [4] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه. [5] رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. [6] صحيح، رواه الترمذي والبيهقي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع. [7] رواه البخاري ومسلم. [8] صحيح، رواه أحمد والطبراني وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع. [9] مدارج السالكين (1: 178). [10] رواه مسلم (2702) وأبو داود (1515) من حديث الأغر المزني. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|