اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2007, 05:42 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

مجالس رمضان
17/ في أهْل الزكاة : الحمدُ لله الَّذِي لا رافعَ لما وَضَعَ، ولا واضِعَ لما رفع، ولا مانِع لما أعْطَى ولا مُعْطِي لما منَع، ولا قاطعَ لما وَصَل ولا وَاصِل لما قَطَعَ، فسبحانَهُ من مُدَبِّرٍ عظيم، وإِله حكِيم رحيم، فَبِحكْمتِه وقعَ الضررُ وبرحمته نَفَع، أحْمَدُه على جميع أفْعَاله، وأشْكُرُه على واسِع إفضالِه، وأشْهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له أحْكَمَ ما شَرَعَ وأبْدَعَ ما صَنَع، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أرْسلَه والْكُفْرُ قد عَلاَ وارتفع، وصالَ واجْتمع، فأهْبَطَه من عَلْيائِه وقَمعَ، وفَرَّقَ من شَرِّه ما اجْتَمع، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبه أبي بكرٍ الَّذِي نَجمَ نَجْمُ شجاعَتِه يومَ الرِّدَّةِ وطَلَع، وعلى عُمَرَ الَّذِي عَزَّ به الإِسلامُ وامتنَع، وعلى عثمانَ المقتولِ ظلْماً وما ابْتَدَعَ، وعلى عليٍّ الَّذِي دحضَ الْكُفْرَ بجهادِهِ وقَمعَ، وعلى جميع آلِهِ وأصحابِه ما سَجَد مُصَلٍّ وركع، وسلَّم تسليماً.

إخواني: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَـاكِينِ وَالْعَـامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَـارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 60].

في هذه الآيةِ الكريمةِ بيَّنَ الله تعالى مَصارفَ الزكاةِ وأهْلَهَا المسْتَحقينَ لها بِمُقْتَضَى عِلْمِه وحكمتِه وعَدْله ورحمتِه، وحَصَرها في هؤلاءِ الأصناف الثمانيةِ، وبيَّنَ أنَّ صرفَها فيهم فريضةٌ لازمةٌ وأنَّ هذه القِسْمَةَ صادرةٌ عن علمِ الله وحكمتِهِ، فلا يجوزُ تَعَدِّيها وصرفُ الزكاةِ في غيرِها؛ لأنَّ الله تعالى أعْلَمَ بمصالحِ خلقِه وأحكَمُ في وضْع الشَّيءِ في موضِعَه: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50].

فالصنف الأولُ والثاني: الفقراء والمساكين وهم الذين لا يجدون كِفَايتَهم، وكفايةَ عائلتهم لا مِنْ نقودٍ حاضِرةٍ ولا منْ رواتبَ ثابتةٍ ولا مِنْ صناعةٍ قائمةٍ ولا مِنْ غَلَّةٍ كافيةٍ ولا مِنْ نفقات على غيرهِم واجبة فهم في حاجةٍ إلى مواساةٍ ومعونةٍ. قال العلماءُ: فيعْطونَ مِنَ الزكاةِ ما يَكفيْهم وعائِلَتَهُمْ لمُدة سنةٍ كاملةٍ حتى يأتيَ حولُ الزكاةِ مرةً ثانيةً ويُعْطَى الفقيرُ لزواجٍ يحتاجُ إليهِ ما يَكْفِي لِزواجه، وطالبُ العلم الفقير لشراء كتب يحتاجها. ويعْطى منْ له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يُكمِّل كفايَتَهم لأنه ذو حاجة.

وأمَّا من كان له كفايةٌ فلا يجوز إعطاؤه من الزكاةِ وإنْ سألَها؛ بل الواجبُ نُصحُه وتْحذِيرُه من سُؤالِ ما لا يحلُّ له، فعن عبدِالله بن عُمَر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: «لا تَزَالُ المسْألةُ بأحَدِكُم حتى يَلْقَى الله عزَّ وجلَّ وليس في وجههِ مُزعةُ لحمٍ»، رواه البخاري. وعن أبي هريرةَ رضيَّ الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ سأل الناسَ أموالَهم تكثُّراً فإنما يسأل جمراً فَلْيَسْتقِلَّ أو ليسْتكثْر»، رواه مسلم. وعَنْ حَكيمِ بنِ حزامٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال له: «إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حلوةٌ فمنْ أخَذَه بسَخاوةِ نَفْسٍ بُوركَ فيه، ومن أخذَه بإشراف نفْسٍ لم يباركْ له فيه وكان كالَّذِي يأكُلُ ولا يشْبع، واليَدُ العُلْيا خيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى»، رواه البخاري ومسلم. وعن عبدالرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «لا يَفْتَحُ عبْدٌ بابَ مَسْألةٍ إلاَّ فتحَ الله عليه بابَ فقر»، رواه أحمد[42].

وإن سأل الزكْاةَ شخصٌ وعليه علامةُ الغنى عنها وهو مجهولُ الحَال جاز إعطاؤه منها بعد إعْلامِه أنَّه لا حظَّ فيها لغَنيٍّ ولا لِقَويِّ مُكْتَسبٍ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم أتاه رجُلان يَسْألانه فقَلَّبَ فيهما البَصَر فَرآهما جَلدَين فقال: «إنْ شئتُما أَعْطيتُكُما ولا حَظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقَويٍّ مُكْتَسِبٍ»، رواه أحمدُ وأبو داود والنسائيُّ[43].

الصنفُ الثالثُ مِنْ أهلِ الزكاةِ: العامِلُون عليها وهم الذينَ ينصِّبُهم وُلاَةُ الأمورِ لِجبايةِ الزكاةِ من أهلها وحِفْظِها وتصريفِها، فيُعْطَون منها بقدرِ عملِهِم وإنْ كانوا أغنِياءَ، وأمَّا الوكلاء لفَردٍ من الناس في توزيعِ زكاتِه فليسوا من العامِلين عليها فلا يستحقونَ منها شيئاً من أجْلِ وَكالتهم فيها، لكِنْ إن تَبرَّعُوا في تفريقِها على أهلِها بأمانةٍ واجْتهادٍ كانوا شركاءَ في أجْرِها لما روى البخاريُّ عن أبي موسى الأشْعَريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «الخازِنُ المسْلِمُ الأمينُ الَّذِي يُنَفِّذُ أو قال: يُعْطِي ما أُمِرَ به كاملاً موفَّراً طيِّباً به نَفْسُه فيدفَعُه إلى الَّذِي أمَر به أحدُ المُتصَدقِّين، وإنْ لم يتبرَّعوا بتَفرِيقِها أعْطاهُمْ صاحبُ المال من مالِه لا مِنَ الزكاةِ».

الصنفُ الرابعُ: المؤلَّفَةُ قلوبُهم وهم ضعفاءُ الإِيْمانِ أو مَنْ يُخْشَى شَرُّهُمْ، فيُعْطَونَ مِن الزكاةِ ما يكونُ به تقوية إيمانم أوْ دفعُ شرهم إذا لم يندفع إلاَّ بإعطائِهِمْ.

الصنفُ الخامسُ: الرقَابُ وهم الأرقاء المكاتُبون الَّذِين اشْتَروا أنْفُسَهُم لِيُحَرِّروا بذلك أنْفُسَهم، ويجوزُ أنْ يُشْترى عَبْدٌ فيُعْتَق وأنْ يُفَكَّ بها مُسْلِمٌ من الأسْرِ لأنَّ هذا داخلٌ في عموم الرِّقَاب.

الصنفُ السادسُ: الغارِمُون الَّذِين يَتَحَمَّلُون غَرَامةً وهم نوعانِ:

الأول: مَنْ تَحمَّلَ حَمَالةً لإِصْلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ وإطْفَاءِ الفتنةِ فيُعْطَى من الزكاةِ بقَدْرِ حَمَالتِه تشجيعاً له على هذا العملِ النَّبيْلِ الَّذِي به تأليفُ المسلمين وإصلاحُ ذاتِ بَيْنِهم وإطفاءُ الفتنةِ وإزالة الأحْقَادِ والتنافرِ. وعن قبيصةَ الهلاليِّ قال: تحمَّلتُ حمالةً فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أسْألُه فيها فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «إقِمْ حتى تأتِينَا الصدقةُ فَنَأمُرَ لك بها»، ثم قال: «يا قبيصةُ إنَّ المسألةُ لا تحِلُّ إلاَّ لأحَدِ ثلاثةٍ: رجل تحمَّل حمالةً فحلَّتْ له المسألةُ حتى يصيبَها ثُمَّ يُمْسِكُ» وذكر تمام الحديث. رواه مسلم.

الثاني: مَنِ تَحمَّل حمالةً في ذمتِه لنَفْسِه وليس عنده وفَاءٌ فيُعْطَى من الزكاةِ ما يُوفي به دينَه وإنْ كَثُر أو يُوفَى طَالِبُه وإنْ لم يُسلَّمْ للمطلوب؛ لأنَّ تسليمَه للطالبِ يحصُل به المقصودُ من تبْرِئَةِ ذمةِ المطلوب.

الصنفُ السابعُ: في سبيلِ الله وهو الجهادُ في سبيل الله الَّذِي يُقْصَدُ به أنْ تكون كلمةُ الله هي العُلْيا لا لحميَّةٍ ولا لعصبيَّةٍ، فيُعْطَى المجاهدُ بهذه النِّيَّةِ ما يكْفِيهِ لِجِهادِهِ من الزكاةِ أوْ يُشْترى بها سلاحٌ وعَتَادٌ للمجاهدين في سبيلِ الله لحمايةِ الإِسْلامِ والذَّودِ عنه وإعلاءِ كلمةِ الله سبحانَه.

الصنفُ الثامنُ: ابنُ السَّبِيْل وهو المسافُرِ الَّذِي انقطع به السَّفرُ ونَفَد مَا في يَدِه فيُعْطَى مِن الزكاةِ ما يُوصَلَه إلى بلدهِ وإنْ كان غنياً فيها وَوَجَدَ من يُقْرضُه، لكنْ لا يَجُوز أنْ يَسْتَصْحِبَ معه نفقةً قليلةً لأجْل أن يأخذ من الزكاة إذا نفدت، لأنها حيلةٌ على أخذ ما لا يستحق. ولا تُدْفَع الزكاةُ لكافر إلا أن يكونَ من المؤلَّفةِ قلوبهم، ولا تُدفع لِغَنيِّ عنها بما يكفِيه من تجارةٍ أو صناعةٍ أوْ حرفةٍ أوْ راتبٍ أوْ مَغَلِّ أو نفقةٍ واجبةٍ إلا أن يكون من العامِلينَ عليها أو المجاهِدينَ في سبيلِ الله أو الغَارمينَ لإِصْلاحَ ذاتِ البَيْن. ولا تُدْفَع الزكاةُ في إسقاطِ واجبٍ سِوَاها فلا تُدْفَع للضَّيْفِ بدلاً عن ضيافتِه، ولا لمن تجب نفقتُهُ من زوجةٍ أو قريبٍ بدلاً عن نفقتهما، ولا يجوز دفُعها للزوجةِ والقريبِ فيما سوى النفقةِ الواجبةِ، فيجوز أن يَقْضِيَ بها ديناً عن زوجتِه لا تَسْتَطِيعُ وفاءَه وأنْ يَقْضِيَ بها عن والِديْهِ أو أحدٍ منْ أقاربه ديناً لا يستطيعُ وفاءَه. ويجوز أن يدفعَ الزكاةَ لأقاربه في سَدادِ نَفَقَتِهم إذا لم تكنْ واجبة عليه لِكَوْنِ مالِه لا يَتَحمَّلُ الإِنفاقَ عليهم أو نحو ذلك. ويجوزُ دفعُ الزوجةِ زكاتَها لزوجها في قضاءِ دينٍ عليه ونحوه؛ وذلك لأنَّ الله سبحانَه علَّقَ استحقاقَ الزكاةِ بأوصافٍ عامة تشملُ من ذكرنا وغيرهم، فمن اتَّصفَ بها كان مستحقاً، وعلى هذا فلا يخرج أحَدٌ منها إلا بنص أو إجماع.

وفي الصحيحين من حديث زيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ امْرَأة عبدِالله بن مسعودٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أمَرَ النِّساءَ بالصدقةِ فسَألَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فقالَتْ: يا رسولَ الله إنَّك أمَرْتَ بالصدقةِ وكان عندي حُلِيٌّ فأردتُ أنْ أتصدقَ به، فزَعم ابنُ مسعودٍ أنَّه وولَدَه أحَقُّ مَنْ تَصدَّقتُ به عليهم فقال النبيُّ : «صَدَقَ ابن مسعودٍ زوجُكِ وولَدُك أحقُّ مَنْ تصدَّقتِ به عليهم». وعن سلْمَانَ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «الصدقةُ على الفقيرِ صدقةً وعلى ذَوِي الرَّحَمِ صدقةٌ وَصِلَةٌ»، رواه النسائيُّ والترمذيُّ وابنُ خزيمةَ والحاكمُ وقال: صحيحُ الإِسناد. وذوو الرَّحمِ هم الْقَرابَةُ قربُوا أمْ بَعُدُوا.

ولا يجوز أن يُسْقِطَ الدَّيْنَ عن الفقير ويَنْويهُ عن الزكاةِ لأنَّ الزكاةَ أخْذٌ وإعطَاء. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [التوبة: 103]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «إنَّ الله افْتَرَضَ عليهم صدَقةً تُؤخذُ مِنْ أغْنيائِهِم فَتُردُّ على فقرائِهم». وإسْقَاطُ الدَّيْنَ عن الفقير ليس أخذاً ولا رَدَّاً، ولأنَّ ما في ذمةِ الفقير دَيْنٌ غَائبٌ لا يَتَصَرَّفُ فيه فلا يجزأ عن مالٍ حاضرٍ يَتَصَرَّفُ فيه، ولأنَّ الدَّيْنَ أقلُّ في النَّفْسِ من الحاضرِ وأدْنَى فأداؤه عنه كأداءِ الرِدِيءِ عن الجيِّد. وإذا اجتهد صاحبُ الزَّكاةِ فَدَفَعَهَا لمنْ يَظُنُّ أنَّه من أهلِها فَتَبَيَّنَ بخلافِهِ فإنها تجزئُه؛ لأنَّه اتقى الله ما استطاعَ ولا يُكلِّف الله نفساً إلا وُسْعَها. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «قال رَجُلٌ: والله لأتَصَدَّقَّ (فَذَكَرَ الحديث وفيه) فَوَضَعَ صدقته في يد غَنِيٍّ فأصْبَحَ الناسُ يَتَحَدَّثُون تُصُدِقَ على غنِيٍّ فقال: الحمد لله على غَنِيٍّ فأُتِي فقيل أمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّه يَعْتَبِرُ فينْفقُ مما أعْطاه الله»، وفي رواية لمسلم: «أمَّا صدقتُكَ فقد تُقبِّلت». وعن مَعْن بن يزيدَ رضي الله عنه قال: كان أبي يُخْرجُ دنانيرَ يتصدقُ بها فوضعها عندَ رجُلٍ في المسجد، فجئت فأخَذْتُها فأتيتُه بها فقال: والله ما إيَّاك أَرَدْتُ فخاصَمته إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «لك ما نَوَيتَ يا يزيدُ ولك ما أخَذْتَ يا مَعْنُ»، رواه البخاريُّ.

إخواني: إن الزكاةَ لا تجزأ ولا تقْبَلُ حتى توضع في المَحَلِّ الَّذِي وَضَعَها الله فيه فاجْتَهدوا رحمكم الله فيها، واحْرصُوا على أنْ تَقَع موقَعها وتَحِلَّ مَحلَّها لِتُبْرئوا ذِمَمَكُمْ وتُطَهِّروا أمْوَالَكُمْ وتُنَفِّذُوا أمْرَ ربِّكم وتُقْبَلَ صَدَقاتُكُمْ والله المُوَفِّقُ والحمد لله ربِّ العالمِينَ وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِه أجمعينَ.
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-09-2007, 05:44 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

رمضانيات (( 18 ))
حدث في رمضان 8/هدم مدينة عسقلان - الجزء الأول - : في غرة شهر رمضان سنة خمسمائة و سبع و ثمانين , كان بطل من أبطال المسلمين يمسك معولا كبيرا بكلتا يديه القويتين و يهوي به علي حصون مدينة من مدن أمته , و دره ثمينة من درر ملكته

وكان معه أبناؤه و أخوته , و قواده , و أجناده و جموع غفيره من أبناء شعبه , و في يد كل منهم معول ينهال به علي جانب من جوانب المدينة

أما صاحب المعول الكبير فهو البطل العظيم صلاح الدين .............
و أما المدينة المنكوبة فهي (( عسقلان )) ...........

لم تكن (( عسقلان )) أنئذ كفرا من الكفور النائية نزح عنه أصحابه , و تركوه لعوامل الطبيعة فهدمته و خربته , و لم تكن قرية من القرى الصغيرة المتداعية التي يهون علي النفوس أن تخرج عنها , و علي الأيدي أن تمتد أليها بالهدم , و أنما كانت مدينة من كبريات مدن (( فلسطين )) تقع بين (( غزة )) و (( بيت جبرين )) و تربض علي ساحل البحر الأبيض المتوسط شامخة الذرى منيعة الحصون , و تقف كالمارد في وسط الطريق بين مصر و الشام , و تطل كالديدان – الحارس – الحذر علي مشارف البحر.

و كانت (( عسقلان )) تجمع الي الجلال الجمال , فهي تمتلك بالأضافة الي حصونها الممردة و بروجها المشيدة , أيات بينات من البهاء و الحسن , حتى دعاها المؤرخون بعروس الشام , و هو لقب ضنوا به فلم يخلعوه ألا عليها و علي (( دمشق ))

و لهدم (( عسقلان )) بيد صلاح الدين قصة طويلة مثيرة تبدأ منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و حتى هدمها صلاح الدين.


فتح المسلمون مدينة (( عسقلان )) في عهد الفاروق رضي الله عنه , و ذلك حين أرسل الي (( معاوية بن ابي سفيان )) يأمره بفتح (( عسقلان )) و ما جاورها من مدن الساحل , فأنطاع معاوية للأمر و فتح المدينة الحصينة و أقام عليها حفظة يحرسونها من هجمات (( الروم )) , ثم طفقت تزور (( عسقلان )) جماعات أثر جماعات من الصحابة الكرام و التابعين العظام , حتى غدت حاضرة من حواضر العلم و الدين و ملاذا للحفاظ و المحدثين.

و ظلت (( عسقلان )) الحصينة في أيد المسلمين طوال خمسة قرون و ربع القرن تمسك بزمام الطريق بين مصر و الشام , و تسد منافذ البحر في وجه كل عدوان

و في سنة خمسمائة وثمان و أربعين , جرفها الغزو الصليبيي في جملة ما جرفه من بلاد المسلمين , فكان سقوطها في يد الفرنجة شجى في حلوق المسلمين و قذى في عيون المجاهدين , ذلك لأن من ملك (( عكا و عسقلان )) ملك بيت المقدس و قطع الطريق بين مصر و الشام

ظلت (( عسقلان و عكا )) في يد الصليبيين زهاء خمسة و ثلاثين عاما حتى كتب الله لهما أن تفتحا علي يد بطل الأسلام و المسلمين صلاح الدين , و يوم فتح صلاح الدين مدينة (( عسقلان )) ضحكت الأمال في صدره , وتملكه من السرور ما لم يتملكه بفتح قبله , و لا عجب فعسقلان ستقربه من الأمنية العظمى , و هي أمنية فتح بيت المقدس

و قد أرسل صلاح الدين رسالة الي أهله في (( مصر )) أثر فتح (( عسقلان )) قال فيها بعد حمد الله و الثناء عليه بما هو أهله : و نازلنا (( عسقلان )) و هي المعقل المنيع , و الحصن الحصين , و الجبل الرفيع , و فيها من القوة ما تتقاصر الأمال علي نيل مثله , فافتتحناها بعد أربعة عشر يوما امن نزولنا عليها , فنصبت أعلام التوحيد علي أسوارها و عمرت بالمسلمين ديارها , و كبر المؤذنون في سائر أقطارها و العزم معقود علي التوجة الي القدس , فاذا فتح الله علينا و نصرنا , توجهنا الي مدينة (( صور )) ................... و السلام عليكم

أدرك صلاح الدين بعد فتح (( عسقلان )) أن بابا من أبواب الخير قد فتح له , و أن عليه ان يلجه – يدخله - و كان يردد قول الرسول الله صلى الله عليه و سلم " من فتح له باب الي الخير فلينتهزه فأنه لا يدري متى يغلق دونه "

عند ذلك جمع عساكره المتفرقة و ضم قواه المشتتة , و جمع صفوة أجناده و خيرة قواده و أسرع الي الفتح الكبير

و في يوم الأحد الخامس عشر من رجب نزل صلاح الدين علي الصليبيين في القدس نزول المنون , و في السابع و العشرين منه , حرر البطل المدينة من أيدي الصليبيين , و أنزل الصليب الأكبر من فوق الصخرة المشرفة , و أحتفل المسلمون بذكرى الأسراء و المعراج في مكان الأسراء و المعراج , بعد ان ظل في قبضة الصليبيين لأكثر من تسعين عاما.

**************

مجالس رمضان
18/ في غزوة بدر : الحمدُ لله القويِّ المتين، القاهرِ الظاهرِ الملكِ الحقِّ المبين، لا يخفى على سمعِه خفيُّ الأنينِ، ولا يعزُب عن بصرِه حركاتُ الجنِين، ذلَّ لكبريائِه جبابرةُ السلاطين، وَقَضى القضاءَ بحكمتِه وهو أحْكَمُ الحاكمين، أحمده حمْدَ الشاكِرين، وأسْألُه مَعُونَةَ الصابِرين، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريكَ له إِلهُ الأوَّلين والآخرين، وأشَهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه المصطَفَى على جميع المرسلين، المنصورُ ببَدرٍ بالملائِكةِ المنزَلين، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابه والتابِعين لهم بإحْسانٍ إلى يومِ الدين، وسلم تسليماً.

إخواني: في هذا الشهرِ المُباركِ نصرَ الله المسلمينَ في غزوة بدرٍ الْكُبْرى على أعْدَائِهم المُشرِكينَ وسَمَّى ذلك اليومَ يومَ الفُرْقانِ؛ لأنَّه سبحانه فرَّقَ فيه بَيْنَ الحقِّ والبَاطِلِ بنَصْر رسولِهِ والمؤمنين وخَذْلِ الكفارِ المشركِين. كان ذلك في شهر رمضانَ من السَّنَةِ الثانية من الهِجْرةِ، وكان سببُ هذه الغزوة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بَلَغَهُ أنَّ أبا سفيانَ قد توجَّه من الشامِ إلى مكةَ بعيْرِ قريشٍ، فَدَعَا أصحابَه إلى الخروج إليه لأخْذِ العِيْرِ، لأنَّ قُريشاً حَربٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابِه ليس بَيْنَه وبينَهم عهْدٌ، وقد أخْرَجوهم من ديارِهم وأموالِهم وقامُوا ضِدَّ دعوتِهم دعوةِ الحقِّ، فكانُوا مُسْتَحقِّين لما أرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه بِعِيْرِهم. فخرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه في ثَلاثِمائةٍ وبضعةَ عَشَرَ رجُلاً على فَرسَين وسَبْعِين بَعِيراً يتعقبونها منهم سَبْعون رجُلاً من المُهَاجرين، والباقُون مِن الأنصارِ، يَقْصُدونَ الْعِيْرَ لا يريدونَ الْحَرْبَ، ولَكنَّ الله جمَعَ بينهم وبينَ عَدُوِّهم على غيرِ ميْعاد لِيَقْضيَ الله أمراً كان مفعولاً ويتمَّ ما أرَاد. فإن أبا سفيانَ عَلمَ بهم فبعثَ صارخاً إلى قُريشٍ يَستنجدُهم لِيحْمُوا عِيْرَهُمْ، وتَركَ الطريقَ المعتادةَ وسلكَ ساحلَ البحرِ فَنَجا.

أما قريشٌ فإنَّه لما جاءهم الصارخُ خَرجُوا بأشْرافِهِم عن بَكْرَةِ أبِيهم في نحو ألفِ رجلٍ معهم مئةُ فرسٍ وسبعُمائة بَعِيرٍ {بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [الأنفال: 74] ومَعهَم الْقِيَانُ يُغَنِّينَ بهجاءِ المسلمينَ، فلما عَلِمَ أبو سفيانَ بخروجِهم بعثَ إليهم يُخْبرهُم بِنَجَاتِه، ويُشير عليهِم بالرجوعِ وعدم الْحَربِ، فأبَوْا ذلك وقال أبُو جهلٍ: والله لا نرجعُ حتى نبلُغَ بدراً ونُقِيمُ فيه ثَلاثاً، نَنْحَرُ الجُزُورَ، ونُطْعِمُ الطعامَ، ونسقِي الْخَمْرَ، وتسمعُ بنا العَرَبُ فلا يَزالون يهابونَنَا أبداً.

أمَّا رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فإنه لما عَلِمَ بخروجِ قريشٍ جمعَ من معه من الصحابةِ فاستشارَهم وقال: إن الله قدْ وَعَدَني إحْدى الطائفتين إمَّا العيرَ أو الجيشَ، فقام المقْدَادُ بنُ الأسْودِ وكَان من المُهاجِرينَ وقالَ: يا رسول الله امْض لما أمرَكَ الله عَزِّ وجلِّ فوَالله لا نقُولُ كما قالتْ بنو إسْرائيلَ لمُوسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَـاهُنَا قَـاعِدُونَ } [المائدة: 24] ولكِنْ نقاتلُ عن يمينِك وعن شمالِك ومن بَيْنَ يَدَيْكَ ومن خَلْفِك، وقام سعدُ بنُ مُعَاذٍ الأنْصاريُّ سيِّدُ الأوْس فقال: يا رسول الله لعلَّكَ تَخْشَى أنْ تكونَ الأنصارُ تَرَى حقْاً عليها أن لا تَنصُركَ إلاَّ في ديارِهم وإني أقُولُ عن الأنْصارِ وأجيبُ عنهم فاظْعَنْ حيثُ شئتَ، وصِل حبل مَنْ شئتَ، واقطعْ حبْلَ مَنْ شئتَ، وخذْ من أموالِنا ما شئتَ، وأعطِنا منها ما شئتَ، ومَا أخَذْتَ منَّا كان أحَبَّ إلينا مما تركتَ، وما أمْرت فيه من أمْرٍ فأمْرُنا فيه تَبَعٌ لأمْرك، فوالله لَئِن سِرْتَ بناحتى تبلُغَ الْبركَ من غَمْدانَ لنَسيرنَّ معك، ولئن اسْتعرضتَ بنا هذا البَحْرَ فخضْتَه لنخُوضَنَّه معك، وما نَكرَهُ أنْ تكونَ تَلَقَى العدوَّ بنا غداً، إنَّنا لصبرٌ عند الْحَربِ، صِدْقٌ عند اللِّقاءِ، ولعلَّ الله يُريكَ منا ما تَقَرُّ به عَيْنُك. فسُرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لما سَمِعَ من كلامِ المهاجرينَ والأنصارِ رضي الله عنهم وقال: «سَيْرُوا وأبْشِرُوا فَوالله لَكَأنِّي أنْظُرَ إلى مَصارِعِ القومِ»، فَسَارَ النبي صلى الله عليه وسلّم بجنودِ الرحمنِ حتى نَزَلُوا أدنَى ماءٍ من مِيَاهِ بَدْرٍ، فقال له الْحبابُ بنُ المُنْذرِ بن عَمْرو بنِ الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المَنْزِلَ؟ أمَنْزلٌ أنْزَلَكَهُ الله ليس لنا أن نتقدمَ عنه أوْ نتأخر؟ أمْ هو الرَّأْيُ والْحَرْبُ والمَكيدةُ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: بل هو الرأْيُ والحربُ والمكيدةُ»، فقال: يا رسولَ الله إنَّ هذا ليس بمَنزِلٍ، فَانْهَضْ بنا حتى نَأتِيَ أدْنَى ماءٍ من القومِ فننزله ونُغَوِّر ما ورَاءه من الْقُلبِ ثم نَبْنِيَ عليه حوضاً فَنَمْلأه فنشربَ ولا يشربُونَ، فاسْتَحْسَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم هذا الرَّأيَ ونهض[44]، فنزلَ بالعْدُوَةِ الدُّنيا مما يلِي المدينةَ وقريشٌ بالْعُدْوةِ القُصْوى مما يلي مكةَ، وأنْزلَ الله تلك الليلة مطراً كان على المشركين وَابلاً شديداً وَوحَلاً زَلَقاً يمنعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلاًّ طهرَهم ووطَّأ لهم الأرض وشَدَّ الرَّمْلَ ومَهَّدَ المَنْزِلَ وثَبَّتَ الأقدام. وبنى المسلمون لِرسول الله صلى الله عليه وسلّم عَريْشاً على تل مُشْرِفٍ على مَيْدَانِ الحرب ثم نَزَلَ صلى الله عليه وسلّم من الْعَريشِ فَسَوَّى صفوف أصْحابِه، ومشى في موضِع المَعْرَكةِ، وجعَل يُشيرُ بيدهِ إلى مصارعِ المشركينَ، ومحلاَّتِ قَتْلِهم يقولُ: هذا مصرعُ فلانٍ إنْ شاء الله، هذا مصرعُ فلانٍ، فما جاوزَ أحَدٌ مِنْهُمْ موضعَ إشارتِه، ثم نَظَرَ صلى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وإلى قُرَيْشٍ فقال: اللَّهُمَّ هذه قريشٌ جاءت بفَخْرِها وخُيَلائِها وخَيْلِها تُحادُّك وتكذّبُ رسولَك، اللَّهُمَّ نَصْركَ الَّذِي وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ انْجِزْ لي ما وعدتنِي، اللَّهُمَّ إني أنْشُدُك عَهْدَك ووَعْدَك، اللَّهُمَّ إنْ شئتَ لم تُعْبَدْ، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هذه العِصَابَةُ اليومَ لا تُعْبَد، واستَنْصَرَ المسلمون رَبَّهُمُ واستغاثوه فاستجابَ لهم: {إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَـئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَـقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَـفِرِينَ عَذَابَ النَّارِ } [الأنفال: 12 -14].

ثُمَّ تقابَلَ الجَمَعانِ، وحَمِي الْوطِيسُ واستدارتْ رَحَى الحربِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلّم في العَرِيشِ، ومعه أبو بكرٍ وسَعْدُ بنُ مُعاذٍ يحرسانه، فما زالَ صلى الله عليه وسلّم يُنَاشِدُ ربَّه ويسْتَنْصِرُهُ ويَسْتَغِيْثُه، فأغْفَى إغْفَاةً ثم خرج يقول: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ» وحَرَّضَ أصحابَه على القتال وقال: والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بيدِهِ لا يقاتلُهُمُ اليومَ رَجُلٌ فَيَقْتَلُ صابراً مُحْتَسِباً مُقْبلاً غَيْرَ مُدْبر إلاَّ أدخله الله الجنّةَ. فقام عُمَيرُ بنُ الحِمَام الأنصاريُّ وبِيَدِه تَمَرات يأكُلُهُنَّ فقال: يا رسولَ الله جنة عَرْضُها السمواتُ والأرْضُ قال النبي صلى الله عليه وسلّم: نَعَمْ. قال: بَخٍ بَخٍ يا رسولَ الله ما بَيْنِي وبَيْنَ أنْ أدخُل الجنةَ إلاّ أنْ يقتُلَني هؤلاءِ، لَئِنْ حِييتُ حتى آكُلَ تمراتِي هذهِ إنها لحَيَاةٌ طويلةٌ، ثم ألْقَى التمراتِ وقاتلِ حتى قُتِلَ رضي الله عنه.

وأخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم كفَّاً مِنْ تُرابٍ أو حصاً فرَمَى بها القومَ فأصابتْ أعْيُنَهم فما مِنْهم واحِدٌ إلاَّ مَلأتْ عيْنَه، وشُغلوُا بالتراب في أعْينهم آيةً من آياتِ الله عزَّ وجلَّ، فَهُزمَ جَمْعُ المشركين، ووَلَّوُا الأدْبارَ، واتَّبعهم المسلمون يقْتُلون ويأسرون. قَتْلُوا سَبْعينَ رجلاً وأسَروا سبعين. أمَّا الْقَتْلى فألْقِي منهم أربعةٌ وعشرون رجلاً مِنْ صَنَاديدهِم في قليبٍ من قُلْبَانِ بَدْر، منهم أبو جهلٍ وشَيْبَةُ بنُ رَبيعةَ وأخوه عُتْبة وابنُه الوَليدُ بنُ عتبةَ، وفي صحيح البخاريِّ: عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم استقْبَل الكعبةَ فدَعَا على هؤلاء الأربعةِ قال: فأشْهَدُ بالله لقد رأيتُهم صَرْعَى قد غيَّرتهم الشَّمسُ وكان يوماً حاراً.

وفيه أيضاً عن أبي طلحةَ رضي الله عنه أنَّ نَبيَّ الله صلى الله عليه وسلّم أمر يومَ بدرٍ بأربعةٍ وعشرينَ رَجُلاً من صناديدِ قريشٍ فَقُذِفُوا في طَويٍّ من أطْواءِ بدرٍ خبيثٍ مُخْبثٍ، وكان إذا ظَهَر على قوم أقَامَ بالعَرْصَةِ ثلاثَ لَيالٍ، فلما كان ببدرٍ اليومَ الثالَثَ أمَرَ برَاحِلتِه فشُدُّ عليها ثم مشَى واتَّبعَهُ أصحابُه حَتَّى قامَ على شَفَةِ الرَّكِيِّ فجعل يُنَادِيْهم بأسمائِهِم وأسماءِ آبائِهِم يا فلانُ بنَ فلانٍ ويا فلانُ بنَ فلانٍ أيَسُرُّكُمْ أنَّكُمْ أطْعتُمُ الله ورسولَه، فإنا قد وَجَدْنَا ما وَعَدنَا ربُّنا حقَّاً فهل وجَدْتُم ما وَعَدَكُمْ ربُّكم حقَّاً؟ قال عُمَرُ: يا رسولَ الله مَا تُكلِّمُ مِنْ أجْسَادٍ لا أرواحَ لها؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بِيَدِه ما أنْتُم بأسْمَعَ لما أقولُ منهم».

وأمَّا الأسْرَى فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اسْتَشارَ الصحابةَ فيهم، وكان سعدُ ابن مُعاذٍ قد ساءَه أمْرُهُمْ وقال: كانتْ أوَّل وَقْعَةٍ أوْقَعها الله في المشركينَ وكان الإِثْخَانُ في الْحَربِ أحبَّ إليَّ من اسْتِبْقَاءِ الرِّجالِ. وقال عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم: أرَى أنْ تُمَكِّنَنا فنضربَ أعْنَاقَهم فتُمَكِّن عليَّاً من عَقِيْل فيضربَ عنقَه، وتمكِّنَنِي من فلانٍ يعنِي قريباًله فأضْرِبَ عنقَه، فإنَّ هؤلاء أئِمَّةُ الْكُفْرِ وصناديدُها.

وقال أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: هم بَنُو الْعِمِّ والعَشيْرةُ، وأرَى أن تأخُذَ منهم فِدْيةً فتكونُ لنا قُوةً على الكفارِ، فعسى الله أنْ يهديَهُم للإِسلامِ، فأخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم الفدية، فكان أكْثَرهم يفْتَدِي بالمَالِ مِنْ أربعةِ آلافِ درهمٍ إلى ألْفِ درهمٍ، ومنهم مَنْ افْتدى بتعليمِ صِبْيَانِ أهْلِ المدينةِ الكِتابَةَ والقِراءة، ومنهم مَنْ كان فِداؤُهُ إطْلاَقَ مأسورِ عند قريشٍ من المسلمينَ، ومنهم منَ قَتَله النبيُّ صلى الله عليه وسلّم صبراً لِشدَّةِ أذيِّتِه، ومنهم مَنْ مَنَّ عليه بدونِ فداءٍ لِلْمَصْلَحَةِ.

هذه غزوةُ بدرٍ انتصَرَتْ فيها فِئَةٌ قليلةٌ على فئةٍ كثيرةٍ {فِئَةٌ تُقَـتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } [آل عمران: 13]. انتصرت الفئةُ القليلةُ لأنها قائمةٌ بدِينِ الله تُقَاتِلُ لإِعْلاءِ كَلِمَتِهِ والدِّفاع عن ديْنِه، فنصَرَها الله عزَّ وجلَّ. فقومُوا بدِيْنِكَم أيُّها المسلمونَ لتُنْصَروا على أعدائِكم، واصْبِرُوا وصَابِرُوا وَرَابِطُوا واتقوا الله لعلَّكُمْ تفلِحُون.

اللَّهُمَّ انْصُرْنا بالإِسلامِ واجعلنا من أنصارِهِ والدعاةِ إليه وثبِّتَنا عليه إلى أن نلْقَاكَ. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنَا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

************

رمضانيات (( 19 ))
حدث في رمضان 8/ هدم مدينة عسقلان - الجزء الثاني - : أثار سقوط القدس ثائرة (( أوربا )) فامت و لم تقعد , و هز الحادث الكبير كرسي (( البابا )) فهب ينذر بالويل و الثبوور و يدعو الي الجهاد المقدس , فاندفع الرجال من كل صوب , و تدفقت الأموال من كل جيب و أنهال السلاح من كل درب

و كان الطريق الي القدس , أنما هو (( عكا و عسقلان )) , هاجم الصليبييون (( عكا )) هجوما لم يشهد له التاريخ مثيلا , و دافع عنها المسلمون دفاعا لم يشهد له التاريخ مثيلا.

وقف صلاح الدين وحده في وجه (( أوربا )) كلها فناله و نال عسكره من الجهد ما لا قبل لهم بمثله , و أدرك لنه مهزوم لا محاله أذا لم تمتد اليه يد العون من خليفة المسلمين , فبعث رسالة من ميادين الجهاد الي الخليفة الوادع المطكئن في (( بغداد )) قال له فيها :
" لقد أثرت فينا و في جندنا المدة الطويلة و النفقة الثقيلة , و الكفار يمدهم البحر بمراكب أكثر من أمواجه و جنود أوفر من أجاجة , فاذا قتل المسلمون واحدا منهم في البر , بعث البحر بدلا منه ألفا و أذا أبيد منهم صف أتوا بعشرين صفا "

ثم قال " لقد خرج ألينا عاهل الألمان , و ملوك الصلبان , و جموع ما وراء البحر , و حشود أجناس الكفر , و قد حرم باباهم عليهم كل مباح , و أستخرج من صناديقهم كل مذخور , و ألبسهم أثواب الحداد , و ألزمهم خطة الجهاد , حتى يستخلصوا من أيدينا مقبرة المسيح , و يستنقذوا منا كنيسة القيامة "

ثم أتبع يقول " و ان هذا يقضي علينا ان نستفرغ عزائم الرجال , و نستنفذ خزائن الأموال , و يوجب علي خليفة المسلمين أن يحفظ علي رعيته قبلتهم , و أن يزيح عنهم علتهم "

ثم قال " رب أني لا أملك ألا نفسي و أخي ........... و ها هو ذا أخي قد لحق بجوارك , و ها هم أولاء أولادي و قد أبرزت صفحات وجوههم لعدوك , و هان علي حبا بك ن أراى المكروه فيهم "

ثم أستصرخ الخليفة قائلا " يا عصبة محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم اخلفه في أمته , و وفه الحق فيهم و لا تؤخر عنا النجدة , فأن منفعة الغوث أنما تكون قبل العطب "

ثم ختم رسالته الحزينة قائلا " و بعد ......... فأن فينا و أن عض الزمانن بقية , و أننا لناعهد الله علي أن نبقى قائمين حتى ننصر او نغذر و علي ألا يصل الي ذرية أحمد ما بقى في ذرية بني (( أيوب )) واحد يذكر "


لم تجد رسالة صلاح الدين عند الخليفة و رجالة أذنا صاغية و لم تلق منهم أفئدة واعية , و ظل المسلمون يدافعون عن (( عكا )) حتى سقطت في أيدي الطليبيين بعد أن فلت السيوف و كلت السواعد و خارت العزائم , و كان يوما علي المسلمين عظيما

لم يضع الصليبيين الفرصة فوجهوا جيوشهم وجهه (( عسقلان )) و ما بعدها يبغون القدس الشريف , و وجد صلاح الدين نفسه عاجزا عن صد الصليبيين عن (( عسقلان )) و أن عليه ان يتخذ القرار الحازم في الموقف الحاسم , و هو أمر لا يقوى عليه ألا عظماء الرجال , كما حدث عندما بايع عمر بن الخطاب أبي بكر الصديق في السقيفة فحسم الشر و أقر الأمر , و مثلما فعل ابي بكر بعزمه محاربة مانعي الزكاة , فصان الأسلام و حفظ الدين.

و علي دربهم أتخذ صلاح الدين القرار الحازم في الموقف الحاسم , فقرر هدم (( عسقلان )) و أزالتها من الوجود حتى لا يتخذها العدو حصنا و سكنا و منطلقا


لقد كان صعبا علي صلاح الدين أن يتخذ قراره , لو لم يكن في مستوى القائد المفوض المطاع , و كان صعبا علي المسلمين ان ينفذوه لو لم يكونوا في مستوى القائد

لقد قال صلاح الدين يوم أصدر قراره " و الله لأن أفقد أولادي جميعا أحب الي من أن أهدم حجرا واحدا من عسقلان , و لكن ذلك في مصلحة الأسلام و المسلمين "

و في أواخر شعبان أرسل صلاح الدين جيشه ليعوق زحف الصليبيين نحو (( عسقلان )) , و في غرة رمضان رفع معواله ليهدم المدينه الكبيرة العريقة و معه جموع من المسلمين , ثم دار الزمان دورته فدفعت سيوف المسلمين فلول الصليبيين الي البحر , وأعاد أبناء صلاح الدين بناء (( عسقلان )) و أسكنوها أبناءهم و ذراريهم و ظلت في أيدي المسلمين الي أن أخذها منهم اليهود وأطلقوا عليها اسم (( أسدود ))

و المدينة المنكوبة بغزاتها الجدد , تنتظر اليوم القائد المحرر و البطل المنقذ ....................

فهنيئا لمن سيكون علي يديه الخلاص..........................

************

مجالس رمضان
19/ في غَزوة فتح مَكة شرّفها الله عز وجل : الحمدُ لله الَّذِي خلق كلَّ شَيْء فَقَدَّرَه، وعلِمَ مَوْردَ كلِّ مخلوقٍ ومصْدَرَه، وأثْبَتَ في أمِّ الكتاب ما أرَادَه وسَطَّره، فلا مُؤخرَ لِمَا قدَّمَه، ولا مُقَدِّم لما أخَّرَه، ولا ناصرَ لمَنْ خَذلَهُ ولا خاذِلَ لِمَنْ نَصَره، تفرَّد بالمُلْكِ والبقاءِ، والعزَّةِ والكبرياء، فمَنْ نازَعه ذلك أحْقَرَه، الواحدُ الأحَدُ الربُّ الصَّمَد، فلا شريكَ له فيْمَا أبْدَعَه وفَطَرَه، الحيُّ القَيُّومُ فما أقْومَهَ بشُؤُونِ خلْقِه وأبْصَرَه، العليمُ الخبيرُ فلا يخْفَى عليه ما أسَرَّه العبدُ وأضْمَرَه، أحْمَدُه على ما أوْلَى مِنْ فضلِهِ ويَسَّرَه.

وأشْهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ لَهُ، قَبِلَ تَوْبةَ العاصِي فعفَا عن ذَنْبِه وغَفَرَه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الَّذِي أوْضَح به سبيلَ الهدايةِ ونَوَّرَه، وأزال به ظلماتِ الشِّرْكِ وقَتَرَه، وفَتحَ عليه مَكَّةَ فأزَال الأصنامَ مِن الْبَيْتِ وَطَهَّرَه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه الكرامِ الْبَرَرَة، وعلى التابعينَ لهم بإحْسَانٍ ما بَلَغَ القَمَرُ بدرَه وسَرَرَه، وسلَّم تسليماً.

إخواني: كما كان في هذا الشهرِ المباركِ غزوةُ بدْرٍ الَّتِي انتصر فيها الإِسْلامُ وعلا منارُه، كان فيه أيضاً غزوةُ فتْحِ مكةِ البلدِ الأمينِ في السَّنَةِ الثامِنَةِ من الْهِجرَةِ فأنقَذَه الله بهذا الفتحِ العظيمِ مِنَ الشركِ الأثِيم، وصار بلداً إسلامياً حَلَّ فيه التوحيدُ عن الشِّرْكِ، والإِيْمَانُ عن الكُفْرِ، والإِسلامُ عن الاسْتِكْبَار، أعلِنَتْ فيه عبادةُ الواحدِ الْقَهَّار، وكُسِرَتْ فيه أوْثانُ الشركِ فمَالها بعْدَ ذَلِكَ انْجِبَار، وسَبَبُ هذا الفتحِ العظيمِ أنَّه لما تَمَّ الصلْحُ بَيْنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وبَيْنَ قريشٍ في الحُديْبيّةِ في السَّنَةِ السَّادسةِ كان مَنْ أحَبَّ أنْ يدْخُلَ في عهْدِ النبي صلى الله عليه وسلّم فَعلَ، ومَن أحبَّ أنْ يدخُلَ في عهدِ قريشٍ فَعَلَ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ في عهْدِ النبي صلى الله عليه وسلّم ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكان بَيْنَ القبيلتَين دماءٌ في الجاهليَّة فانْتَهَزَتْ بنو بكرٍ هذه الهُدنَةَ فأغَارتْ على خزاعةَ وهم آمِنُون، وأعَانَتْ قريشٌ حُلَفَاءها بَنِي بكرٍ بالرجالِ والسِّلاحِ سِرّاً على خزاعةَ حلفاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم، فقدِم جماعةٌ منهم إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فأخبروهُ بما صنعت بنو بكر وإعانة قريش لها.

أما قريش فسُقِط في أيدِيْهم ورَأوْا أنّهُمْ بِفِعْلِهم هذا نَقَضَوا عَهْدهم، فأرسَلُوا زعيمهم أبَا سُفْيَانَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لِيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيْدَ في المُدَّة، فَكَلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم في ذلك، فلم يَرُدَّ عليه ثم كلَّمَ أبَا بَكْرٍ وعُمَرَ لِيَشْفَعَا له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يُفْلِحْ، ثم كَلَّمَ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ فلم يُفلحْ أيْضاً، فقال له: ما تَرَى يَا أبا الحَسَنِ، قال: ما أرَى شَيْئاً يُغْنِي عنك ولَكنَّك سَيِّدَ بنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فأجِرْ بَيْنَ الناس، قال: أتَرَى ذلك مُغْنِياً عني شيئاً، قال: لا والله ولَكِنْ ما أجِدُ لك غَيَره، فَفَعَل أبو سفيانَ، ثم رَجَعَ إلى مكة فقالتْ له قريشُ: ما وَرَاءَكَ؟ قال: أتَيْتُ محمداً فكَلَّمْتُه فوَالله ما رَدَّ عَليَّ شَيْئاً، ثم أتَيْتُ ابن أبي قُحافةَ وابنَ الخطاب فلم أجدُ خيراً، ثم أتيتُ علِيَّاً فأشارَ عَليَّ بشيء صنَعْتُه أجَرْتُ بَينَ النَّاسِ، قالوا: فهل أجاز ذلك مُحمدٌ؟ قال: لا. قالوا: وَيْحَكَ، ما زادَ الرَّجُلُ (يعْنُون عليّاً) أنْ لَعِبَ بك.

وأمّا النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فقد أمر أصحابَه بالتَّجَهُّزِ لِلْقتالِ، وأخْبرهم بما يُريد واستَنْفَرَ مَنْ حولَه من القبائلِ وقال: اللَّهُمَّ خُذِ الأخبارِ والْعُيونَ عَنْ قريشٍ حتى نَبْغَتَها في بلادِها، ثم خرَجَ من المدينةِ بنحو عَشَرةِ آلاف مُقَاتِلٍ، وَوَلَّى على المدينةِ عَبْدَالله بنَ أمِّ مَكْتُومٍ ولما كانَ في أثْنَاءِ الطريق لَقِيَهُ في الْجُحْفَةِ عَمُّهُ العَبَّاسُ بأهْلِهِ وعيالِه مهاجراً مُسْلماً، وفي مَكَانٍ يُسَمَّى الأبْواءَ لقيه ابن عَمّه أبو سفيانَ بنُ الحارثِ ابنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ وابنُ عَمَّتِهِ عبدُالله بنُ أبي أمَيَّةَ، وكانا من أشَدِّ أعْدائِه فأسْلَمَا فَقَبِل منهما، وقال في أبي سفيانَ: أرجو أنْ يكونَ خَلَفاً مِنْ حَمْزَةَ.

ولمَّا بلغ صلى الله عليه وسلّم مكاناً يُسَمَّى مَرَّ الظَّهْرَانِ قريباً مِنْ مكةَ أمَرَ الْجَيْشَ فأوْقَدُوا عَشَرَةَ آلاف نارٍ، وجَعل على الْحرس عُمَرَ بنَ الخطابِ رضيَ الله عنه، وَرَكِبَ العباسُ بَغْلَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لِيلْتَمِسَ أحَداً يُبَلِّغِ قريشاً لِيَخْرُجوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فيطلبوا الأمانَ منه ولا يحصُل القتالُ في مكةَ البلدِ الأمينِ، فَبَيْنَمَا هو يَسِيرُ سَمِع كلامَ أبي سفيانَ بن حرب يقول لِبُدَيلِ بن وَرْقَاءَ: ما رأيتُ كاللَيلةِ نِيراناً قطُّ فقال بُديْلٌ: هذه خزاعَةُ، فقال أبو سفيان: خزاعةُ أقل من ذلك وأذلُّ فعرف العباسُ صوت أبي سفيانَ فنَادَاه فقال: مالك أبَا الْفَضْلِ؟ قالَ: هذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم في الناسِ قال: فما الحيلَةُ؟ قالَ العباسُ: ارْكَبْ حَتَّى آتِيَ بك رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم فأسْتأمِنَه لك، فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فقال: وَيْحَكَ يا أبا سفيانَ أمَا آنَ لكَ أنْ تَعْلَمَ أن لا إِله إلاّ الله؟ فقال: بأبِي أنتَ وأمِّي ما أحْلَمَكَ وأكرَمَك وأوْصَلَكَ لَقَدْ علمْتُ أنْ لَوْ كانَ مع الله غَيْرهُ لأغْنَى عنِّي، قال: أمَا آنَ لك أنْ تَعْلَم أنَّي رسولُ الله؟ فَتَلَكَّأ أبوُ سفيانَ، فقالَ له العباسُ: وَيْحك أسْلِمْ فأسْلَمَ وشَهدَ شهادةَ الحَقِّ.

ثم أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم العباسَ أن يُوْقِفَ أبا سفيانَ بِمَضَيقِ الْوَادي عِنْد خَطْم الْجَبَل حَتَّى يمُرَّ به المسلمون، فَمَرَّتْ به الْقَبَائِلُ على رَايَاتِها ما تَمُرُّ به قَبيلةٌ إلاَّ سَأل عنها العَبَّاسَ فيُخْبِرُهُ فيقولُ: ما لي وَلَهَا حَتَّى أقْبَلَتْ كَتِيبةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فقال: مَنْ هَذِهِ؟ قال العباسُ: هؤلاءِ الأنْصارُ عليهم سَعدُ بنُ عُبَادَةَ معه الرَّايةُ فلما حاذَاه سُعدٌ قال: أبا سفيان اليومُ يومُ الملحمةِ اليومَ تستحلُّ الكعبة، ثم جاءت كتِيْبَةٌ وهي أقلُّ الكتائبِ وأجَلُّها فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم وأصْحَابُه ورَايَتُه مع الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ، فَلَّما مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأبي سفيان أخْبَرَه بِمَا قال سعْدٌ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «كَذَبَ سَعْدٌ ولكِنْ هذا يومٌ يُعَظِّمُ الله فيه الْكَعْبةَ ويومٌ تكْسَى فيه الْكَعْبَة»[45].

ثمَّ أمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم أنْ تُؤْخَذَ الرَّايةُ من سَعْدٍ وتُدفَعَ إلى ابْنِهِ قَيْسٍ ورأى أنَّها لم تَخرُج عن سعْدٍ خروجاً كاملاً إذ صارت إلى ابنِه، ثم مضَى صلى الله عليه وسلّم وأمَرَ أن تُرْكَزَ رايتُه بالْحَجُونِ ثُمَّ دَخَلَ مكةَ فاتحاً مُؤَزَّراً منصوراً قد طأطأ رأسَه تَواضُعاً لله عزَّ وجلَّ حَتَّى إنَّ جبْهَتَه تَكَادُ تَمسُّ رَحْلَه وهو يَقْرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [الفتح: 1] ويُرَجِّعُهَا وبعثَ صلى الله عليه وسلّم على إحدى المَجْنَبَتين خالدَ بنَ الْوَلِيدِ وعلى الأخْرَى الزُّبيرَ بنَ العَوَّامِ وقال: مَنْ دَخَلَ المسجد فهو آمِنٌ، ومَنْ دخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومن دخلَ بيْتَه وأغْلَقَ بابَه فهو آمِنٌ، ثم مضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم حتى أتى المَسْجِدَ الْحَرَامَ فطافَ به على راحِلَتِهِ وكان حوْلَ البيتِ ستون وثَلاثُمائَةِ صَنَم، فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلّم يطْعُنُها بقَوْس معه ويُقول: {جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـاطِلُ إِنَّ الْبَـاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإِسراء: 81] {جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَـاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }[46] [سبأ: 49]، والأصنامُ تَتساقَطُ على وجوهِها، ثم دَخَلَ صلى الله عليه وسلّم الكعبة فإذَا فيها صورٌ فأمَرَ بها فَمُحِيَتُ ثم صلَّى فيها فلَّما فرغَ دَارَ فيها وكبَّرَ في نَواحِيْها وَوَحَّدَ الله عزَّ وجلَّ، ثُمَّ وَقَفَ على باب الكعبةِ وقُريشٌ تَحْتَه ينْتَظِرُون ما يَفْعَلُ، فأخذَ بعِضَادَتِي الباب وقال: لا إِله إِلاَّ الله وحدَّه لا شريكَ له، لَهُ المُلْكُ وله الحمدُ وهو على كَلِّ شَيْءٍ قديرٌ، صَدَقَ وَعْدَه ونَصرَ عَبْدَه وهَزمَ الأحزابَ وحْدَه، يا مَعْشَر قُريش إنَّ الله قد أذهَبَ عَنكم نَخَوَةَ الجاهِليَّةِ وتَعَظُّمَها بالآباءِ، الناسُ مِنْ آدمَ وآدمُ من تُرابٍ {يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَـاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَـارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَـكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]. يا مَعْشرَ قريشٍ، ما تَظُنُّونَ أني فاعِلٌ بكُمْ؟ قالوا: خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريم، قال: فإنِّي أقُول لكم كما قال يوسفُ لإخوَتِه {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَحِمِينَ } [يوسف: 92] أذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء[47].

ولما كان اليومُ الثاني من الفتح قام النبيُّ صلى الله عليه وسلّم خطيباً في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حرم مكة ولم يحرمْها الناس فلا يحلٌ لأمرئ يؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يسفكَ بها دماً ولا يعضدَ بها شجرةً، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقولوا: إن الله أذنَ لرسولِه ولم يأذنْ لكم وإنما أذنَ لي فيها ساعةً من نهارٍ، وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتِها بالأمس، فَلْيُبَلِّغ الشاهدُ الغائب[48]. وكانت الساعةُ التي أُحلِّتْ فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلّم من طلوعِ الشمس إلى صلاةِ العصرِ يومَ الفتح[49]ِ، ثم أقامَ صلى الله عليه وسلّم تسعةَ عشرَ يوماً بمكةَ يقصرُ الصلاةَ ولم يصمْ بقيةَ الشهرِ[50] لأنه لم ينوِ قطعَ السفرِ. أقامَ كذلك لتوطيدِ التوحيدِ ودعائمِ الإِسلام وتثبيتِ الإِيمان ومبايعةِ الناسِ. وفي الصحيح عن مجاشع قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بأخي بعد الفتح ليبايعَه على الهجرةِ فقال صلى الله عليه وسلّم: ذهبَ أهلُ الهجرةِ بما فيها ولكنْ أبايعَه على الإِسلامِ والإِيمانِ والجهادِ.

وبهذا الْفَتـحِ المُبِين تمَّ نصـرُ الله ودخل الناس في دينِ الله أفواجاً، وعادَ بلدُ الله بلداً إسلاميَّاً أعْلِنَ فيه بتَوْحِيْدِ الله وتصديق رسولِه وتحكيم كتابِه، وصارتِ الدولَةُ فيه لِلْمُسْلمينِ، وانْدَحَرَ الشركُ وتَبَدَّدَ ظلامُه، واللهُ أكبرُ وللهِ الْحَمْدُ وَذَلِكَ مِنْ فضلِ الله على عبادِه إلى يوم القيامةِ.

اللَّهُمَّ أرزُقْنا شُكْرَ هذه النعمةِ العظيمةِ، وحقِّق النِّصر للأمَّةِ الإِسلاميةِ كلَّ وقتٍ في كلِّ مكانٍ، واغفِرْ لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين برحمتِك يا أرحَمَ الراحمينَ وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين.

__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-09-2007, 05:59 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

رمضانيات (( 29 ))
مجالس رمضان 29/في التوبة : الحمدُ لله الَّذِي نَصب من كلِّ كائنٍ على وَحْدانيتِه بُرهاناً، وتصرَّفَ في خليقَتِه كما شاءَ عزّاً وسُلطاناً، واختارَ المتقينَ فوَهبَ لهم أمناً وإيماناً، وعمَّ المذنبينَ بحلْمِه ورحمتِه عفْواً وغُفراناً، ولم يَقطعْ أرزاقَ أهلِ معصيتِه جوداً وامتناناً، روَّح أهلَ الإِخلاصِ بنسيم قربه، وحذَّر يومَ الحساب بجسيمِ كربِه، وحفظ السالكَ نحوَ رضاه في سِرْبه، وأكرَمَ المؤمنَ إذْ كتب الإِيمانَ في قلبِه. حَكَمَ في بَرِيَّتِه فأمَر ونَهَى، وأقام بمعونتِهِ ما ضَعُفَ ووَهىَ، وأيْقَظَ بموْعظتِهِ مَنْ غفَل وَسَها، ودَعَا المُذْنِبَ إلى التوبةِ لغفرانِ ذنبه، ربٌّ عظيمٌ لا يماثل الأنام، وغنيٌّ كريمٌ لا يحتاجُ إلى الشرابِ والطعام، الْخَلْقُ مفتقرونَ إليه وعلى الدوام، ومضْطرُّون إلى رحمتِهِ في الليالي والأيام.

أحمدُه حمدَ عابدٍ لربه، معتذرٍ إليه من تقصيرِهِ وذنبِه، وأشهدُ أن لا إِلهَ إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له شهادةَ مُخلِصٍ من قلبِه، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى من حِزبه، صلَّى الله عليه وعلى أبي بكرٍ خيرِ صحبِه، وعلى عمرَ الَّذِي لا يسِيرُ الشيطانُ في سِرْبِه، وعلى عثمانَ الشهيد لا في صفِّ حَرْبِه،وعلى عليٍّ مُعينِه في حَرْبه، وعلى آلِهِ وأصحابِه ومن اهتدى بهدْيِه، وسلَّم تسليماً.

إخواني: اختمُوا شهرَ رمضانَ بالتوبةِ إلى الله من معاصِيْه، والإِنابةِ إليهِ بفعل ما يُرْضيه، فإنَّ الإِنسانَ لا يخلُو من الْخَطأ والتقصير، وكلُّ بنِي آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون، وقد حثَّ الله في كتابه وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلّم في خطابه على استغفار الله تعالى والتوبة إليه، فقال سبحانه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود: 3]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6]، وقال تعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31]، وقال سبحانه: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَـاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَـارُ} [التحريم: 8]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَبِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222]. والآياتُ في ذكرالتوبةِ عديدة.

وأما الأحاديثُ فمنها: عن الأغَرِّ بنِ يَسَار المُزنيِّ رضي الله عنهُ قال: قالَ النبي صلى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناسُ توبُوا إلى الله واستغفروه فإني أتوبُ في اليوم مئةَ مرة»، رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إني لأستغفر اللهَ وأتوبُ إليه في اليوم أكثرَ من سبعين مرة»، رواه البخاري. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «للهُ أشدُ فرَحاً بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليهِ من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضٍ فلاةٍ فانفلتت منُه وعليها طعامُه وشرابُه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجعَ في ظلِّها وقد أيِس من راحلتِه، فبينما هُو كذَلِكَ إذْ هو بها قائمةً عندَه، فأخذَ بخِطامِها، ثم قالَ من شدَّةِ الفرحِ: اللَّهُمَّ أنتَ عبِدي وأنا ربُّك أخطأ من شدَّةِ الفرحِ»، رواه مسلم. وإنما يفرحُ سبحانَه بتوبةِ عبدِه لمحبَّتِه للتوبةِ والعفْوِ ورجوعِ عبدِه إليه بعد هَربِه منه، وعن أنس وابن عباسٍ رضي الله عنهم أنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لو أن لابن آدم وادياً من ذهبٍ أحبَّ أن يكونَ له وادِيَانِ ولن يملأ فَاه إِلاَّ الترابُ ويتوبُ الله على مَن تابَ»، متفق عليه.

فالتوبةُ هي الرجوعُ من معصية الله إلى طاعتِه لأنَّه سبحانه هو المعبودُ حقاً، وحقيقةُ العُبوديةِ هي التذللُ والخضوعُ للمعبودِ محبةً وتعظيماً، فإذا حصلَ مِنَ العبدِ شرودٌ عن طاعةِ ربِّه فتوبتُه أن يرْجعَ إليه ويقفَ ببابِه موقفَ الفقيرِ الذليلِ الخائف المنكسرِ بينَ يديِه.

والتوبةُ واجبةٌ على الفَوْرِ لا يجوزُ تأخيرُها ولا التسويفُ بها، لأنَّ الله أمَرَ بها ورسولُه، وأوَامِرُ الله ورسولِهِ كلُّها على الفورِ والمبادرةِ لأنَّ العبدَ لا يدري ماذا يحصلُ له بالتأخيرِ، فلعلَّهُ أن يفجأه الموتُ فلا يستطيعُ التوبةَ، ولأنَّ الإِصرارَ على المعصيةِ يوجبُ قَسْوةَ القلب وبُعْدَه عن الله عزَّ وجلَّ وضعفَ إيمانه، فإنَّ الإِيمانَ يزيْد بالطاعاتِ وينقصُ بالعصيانِ، ولأنَّ الإِصرارَ على المعصيةِ يوجبُ إلْفَهَا والتَّشبُّثَ بها، فإنَّ النفسَ إذا اعتادتْ على شيء صعُب عليها فِراقُه وحيئنذٍ يعسرُ عليه التخلصُ من معصيتِه ويفتحُ عليه الشيطانُ بابَ معاصٍ أخرى أكبرَ وأعظمَ مما كانَ عليه. ولِذَلِكَ قال أهلُ العلم وأربابُ السلوكِ: إن المعاصيَ بَرِيدُ الكفر ينتقلُ الإِنسانُ فيها مرحلةً مرحلةً حتى يزيغَ عن دينِه كلِّه نسأل الله العافيةَ والسلامةَ.

والتوبةُ التي أمر الله بها هي التوبةُ النصوحُ التي تشتمِلُ على شرَائطِ التوبةِ وهي خمسةٌ:

الأولُ: أن تكونَ خالِصةً لله عزَّ وجلَّ بأن يكونَ الباعِثُ لها حبَّ الله وتعظيمَه ورجاءَ ثوابِه والخوفَ من عقابِه، فلا يريدُ بها شيئاً من الدَنيا ولا تزَلُّفاً عند مخلوقٍ، فإن أراد هذَا لم تقبلْ توبتُه لأنَّه لم يَتُبْ إلى الله وإنما تابَ إلى الغرضَ الَّذِي قصدَه.

الثاني: أن يكونَ نادماً حزِناً على ما سلفَ من ذنبه يتمنَّى أنه لم يحصلْ منه لأجلِ أن يُحدثَ له ذلكَ الندمُ إنابةً إلى الله وانكساراً بينَ يديه ومَقْتاً لنفسه التي أمَرَتْه بالسوءِ فتكونُ توبتُه عن عقيدةٍ وبصيرةِ.

الثالثُ: أنْ يُقْلِعَ عن المعصيةِ فوراً، فإن كانتِ المعصيةُ بفعلِ محرمٍ تَرَكَهُ في الحالِ، وإن كانتْ المعصيةُ بتركِ واجبٍ فَعَله في الحالِ إنْ كان مما يمكن قضاؤه كالزكاةِ والحجِّ، فلا تصحُّ التوبةُ مع الإِصرارِ على المعصيةِ فلو قال: إنه تابَ من الرِّبا مثلاً وهو مستمرٌ على التعامُل به لم تصحَّ توبتُه ولم تكنْ هذه إلاَّ نَوْعَ استهزاءٍ بالله وآياتِه لاتزيدُه مِنَ الله إِلاَّ بُعداً. ولو تابَ من تركِ الصلاةِ مع الجماعةِ وهو مستمرٌ على تركِها لم تصح توبتُه.

وإذا كانتِ المعصيةُ فيما يتعلقُ بحقوقِ الخلقِ لم تصحَّ التوبةُ منها حتى يتخلَّصَ من تلك الحقوقِ، فإذا كانتْ معصيتُه بأخذِ مالٍ للغيرِ أو جحدِه لم تصح توبتُه حتى يؤدِّيَ المالَ إلى صاحبِه إن كان حيَّاً أو إلى ورثتِه إن كان ميتاً، فإن لم يكنْ له ورثةٌ أدَّاهُ إلى بيت المالِ، وإن كانَ لا يدري مَنْ صاحبُ المالِ تصدَّقَ به له والله سبحانَه يعلمُ بِه، وإن كانتْ معصيتُه بغِيْبَةِ مسلم وجبَ أن يَسْتحلَّهُ من ذلك إن كانَ قد علمَ بِغيبتِه إيَّاه أو خافَ أن يَعلَمَ بِها وإِلاَّ استغفَرَ له وأثْنَى عليهِ بصفاتِه المحمودةِ في المجلسِ الَّذِي اغتابَه فيه فإن الحسناتِ يُذْهِبْن السيئاتِ.

وتصحُّ التوبةُ من ذنبٍ مَعَ الإِصرارِ على غيرِه، لأنَّ الأعمال تتبعَّضُ والإِيمانَ يتفاضلُ، لكن لا يستحقُّ الوصفَ المطلقَ للتوبةِ وما يستحقُّه التائبون على الإِطلاقِ من الأوصافِ الحميدةِ والمنازلِ العاليةِ حتى يتوبَ إلى الله من جميع الذنوبِ.

الرابعُ: أن يعزمَ على أن لا يعودَ في المستقبل إلى المعصيةِ؛ لأنَّ هذه ثمرةُ التوبةِ ودليلُ صِدْقِ صاحبِها. قإن قالَ: إنه تائبٌ وهو عازمٌ أو متردِّدٌ في فعلِ المعصيةِ يوماً مَّا لم تصح توبتُه لأنَّ هذه توبةٌ مُؤقَّتةٌ يتحَّينُ فيها صاحبُها الْفُرَصَ المناسبةَ ولا تدل على كراهيتِهِ للمعصيةِ وفرارِه منها إلى طاعةِ الله عزَّ وجلَّ.

الخامسُ: أن لا تكونَ بَعْدَ انتهاءِ وقتِ قبولِ التوبةِ. فإن كانتْ بعد انتهاءِ وقتِ القبولِ لم تُقْبَلْ. وانتهاءُ وقتِ القبولِ نوعانِ. عامٌ لكلِّ أحدٍ وخاصٌ لكلِّ شخصٍ بنفسِه.

فأما العامُّ: فهو طلوعُ الشمسِ من مغربها، فإذا طلعتْ الشمسُ من مغربها لم تنفع التوبةُ. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَـاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَـانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] والمرادُ ببعضِ الاياتِ طلوعُ الشمس من مغربها فسَّرَها بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلّم، وعن عبدالله بن عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال التَّوبَةُ تُقْبَلُ حَتَّى تطلعَ الشَّمسُ من مغربها، فإذا طلعتْ طُبعَ على كلِّ قلبٍ بِما فيهِ وكفَى الناسَ العملُ». قال ابنُ كثيرٍ: حسنُ الإِسنادِ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «مَنْ تابَ قبلَ أن تطلُعَ الشمس مِنْ مغربِها تاب الله عليه»، رواه مسلم.

وأما الخاصُّ: فهو عندَ حضورِ الأجلِ فمتَى حضر أجلُ الإِنسانِ وعاينَ الموتَ لم تنفعْه التوبةُ ولم تُقْبلْ منه. قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَـاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الاَْنَ} [النساء: 18] وعن عبدِالله بن عمرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إن الله يَقْبَلُ تَوبةَ العبدِ ما لَمْ يُغرغِرْ» يعني بِرُوحِه، رواه أحمدُ والترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ.

وَمَتَى صحَّتِ التوبةُ باجتماع شروطِها وقُبِلتْ محا الله بها ذَلِكَ الذَّنْبَ الَّذِي تابَ منه وإنْ عَظُمَ. قال الله تعالى: {قُلْ يعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 35].

وهذه الآيةُ في التائبينَ المنيبينَ إلى ربِّهم المسلِمين لَهُ. قال الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 110].

فبادِرُوا رَحِمَكم الله أعماركم بالتوبةِ النصوحِ إلى ربِّكم قبل أن يفجأكم الموتُ فلا تستطِيعون الخلاص.

اللَّهُمَّ وفقْنَا للتوبةِ النصوحِ التي تمْحُو بها ما سلَفَ من ذنوبنا ويسِّرْنَا لليُسْرى، وجنِّبْنَا العسرى، واغفرْ لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمينَ في الآخِرةِ والأولى، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وآلِهِ وصحبِه أجمعين.




مجالس رمضان 30/ في ختام الشهر : الحمدُ لله الواسعِ العظيم، الجوادِ البَرِّ الرَّحِيم، خلقَ كلَّ شَيْء فقدَّره، وأنزلَ الشرعَ فَيَسَّره وهو الحكيمُ العليم، بدأ الخلقَ وأنهاه، وسيَّر الفَلَكَ وأجراه، {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَـهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 38-40].

أحمدُهُ على ما أوْلى وهدَى، وأشكرهُ على ما وهبَ وأعطَى، وأشهدُ أنه لا إِله إِلاَّ هو الملك العليُّ الأعلى، الأولُ الَّذِي ليس قَبْلَه شَيْء، والاخِرُ الَّذِي ليس بَعْدَه شيء، والظاهرُ الَّذِي ليس فوقَه شيء، والباطِنُ الَّذِي ليس دونَه شيء، وهو بكلِّ شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى على المرسلين، صلَّى الله عليه وعلى صاحبِه أبي بكر أفضل الصِّدِّيقين، وعلى عمرَ المعروفِ بالقوةِ في الدِّين، وعلى عثمانَ المقتولِ ظلماً بأيدي المجرمين، وعلى عليٍّ أقربِهم نسباً على الْيقين، وعلى جميعِ آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً.

إخواني: إن شهرَ رمضانَ قَرُبَ رحيلُه وأزِفَ تحويلُه، وإنه شاهدٌ لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك وليَبْشِر بِحُسْنِ الثوابِ، فإن الله لا يضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، ومن أودَعه عملاً سيئاً فَليتُبْ إلى ربِّه توبةً نصوحاً فإن الله يتوبُ على من تاب، ولَقَدْ شرعَ الله لكم في خِتامِ شهرِكم عباداتٍ تزيدُكم من الله قُرْباً وتزيدُ في إيمانكم قُوَّةً وفي سِجلِّ أعمالِكم حسنات، فشرعَ الله لكم زكاةَ الفطرِ وتقدَّم الكلامُ عليها مفصَّلاً، وشرع لكم التكبيرَ عند إكْمالِ الْعِدَّةِ من غروبِ الشمس ليلة العيدِ إلى صلاةِ العيدِ. قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185] وصِفتُهُ أنْ يقولَ الله أكبر الله أكبر لا إِله إِلاَّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويُسَنُّ جهرُ الرجالِ به في المساجدِ والأسواقِ والبيوتِ إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادتِه وشكرِه ويُسِرُّ به النساءُ لأنهن مأموراتٌ بالتَستُّر والإِسرار بالصوتِ، ما أجملَ حالَ الناسِ وهُمْ يكبِّرون الله تعظيماً وإجلاَلاً في كلِّ مكانٍ عندَ انتهاء شهرِ صومِهم يملأون الآفاق تكبيراً وتحميداً وتهليلاً يرجون رحمةَ اللهِ ويخافون عذابَه. وشرَع الله سُبحانه لعبادِه صلاةَ العيدِ يومَ العيد وهي من تمام ذكر الله عزَّ وجلَّ، أمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم بها أمَّتَه رجالاً ونساءً، وأمْرُه مطاعٌ لقولِه تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـلَكُمْ } [محمد: 33]. وقد أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم النساءَ أن يَخْرُجنَ إلى صلاةِ العيد، مع أنَّ البيوتَ خيرٌ لهن فيما عدَا هذه الصلاة.

وهذا دليلٌ على تأكيدها، قالت أمُّ عطيةَ رضيَ الله عنها: أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم أن نُخرجهُن في الْفِطْرِ والأضحى؛ العَوَاتِقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخُدورِ، فأمَّا الحيَّضُ فيعتزِلْنَ المُصَلَّى ويشهدنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين. قلتُ: يا رسولَ الله إحْدانَا لا يكونُ لها جِلبابٌ، قال: «لِتُلْبِسْها أختُها مِنْ جلبابِها». متفق عليه. الجلبابُ لباسٌ تلتحفُ فيه المرأة بمنزلةِ العباءةِ.

ومن السُّنَّة أنْ يأكُلَ قبلَ الخروجِ إلى الصلاة في عيدِ الفطرِ تَمَرَاتٍ وتراً ثلاثاً أوْ خمساً أو أكثرَ من ذلك يَقْطَعُها على وِترٍ لقولِ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لا يَغْدُو يومَ الفطرِ حتى يأكل تمراتٍ ويأكلُهن وِتراً»، رواه أحمدوالبخاري. ويخرُجُ ماشياً لاَ راكباً إلا مِنْ عذرٍ كعَجْزٍ وبُعْدٍ لقولِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «من السنةِ أن يخرُجَ إلى العيدِ ماشياً»، رواه الترمذيُّ وقال: حديث حسن[68]. ويسنُّ للرجلِ أنْ يتجَمَّل ويلبسَ أحسنَ ثيابِه لما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: أخَذَ عُمَرُ جبةً من إسْتَبرقٍ ـ أي حريرٍ ـ تباعُ في السوقِ فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالَ: يا رسولَ الله ابْتَعْ هذِه يعني اشتَرِها تجمَّلُ بها للعيدِ والوفودِ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنما هذِهِ لباسُ مَنْ لا خلاقَ له»، وإنما قالَ ذلك لكونها حريراً. ولا يجوزُ للرجل أن يلبسَ شيئاً من الحريرِ أو شيئاً من الذهب لأنهما حرامٌ على الذكورِ من أمَةِ محمد صلى الله عليه وسلّم. وأما المرأةُ فتَخرجُ إلى العيدِ غير متجمِّلةً ولا متطيِّبةً ولا متبرجةً ولا سافرةً لأنها مأمورةٌ بالتَّسَتر منهِيةٌ عن التبُّرِجِ بالزينةِ وعن التطيُّبِ حالَ الخروجِ.

ويُؤَدي الصلاةَ بخشوعٍ وحضورِ قلبٍ، ويكثرُ من ذكرِ الله ودعائِه ويرجو رحمتَه، ويخافُ عذابَه، ويتذكرُ باجتماع الناس في الصلاةِ على صعيد المسجدِ اجتماعَ الناسِ في المَقَام الأعظمِ بينَ يدي الله عزَّ وجلَّ في صعيدِ يومِ القيامةِ، ويَرى إلى تفَاضِلِهم في هذا المجتمع فيتذكر به التفاضلَ الأكبرَ في الآخرةِ، قال الله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلاَْخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [الإِسراء: 21]. ولْيكُنْ فَرحاً بنعمةِ الله عليه بإدراكِ رمضانَ وعمل ما تَيَسَّرَ فيه من الصلاةِ والصيام والقراءةِ والصدقةِ وغير ذلك من الطاعاتِ فإنَّ ذلك خيرٌ من الدنيا وما فيها {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58] فإنَّ صيامَ رمضانَ وقيامَه إيماناً واحتساباً من أسباب مغفرةِ الذنوبِ والتخلصِ من الآثام. فالمؤمِنُ يفرحُ بإكمالِه الصومَ والقيام، لتَخلُّصِه به من الآثام، وضعيفُ الإِيمانِ يفرحُ بإكمالِه لتَخلُّصِه من الصيامِ الَّذِي كان ثقيلاً عليه ضائقاً به صدرُه، والْفَرقَ بين الفرحين عظيم.

إخواني: إنه وإن انْقَضَى شهرُ رمضانَ فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران: 102]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «إذا مات العبدُ انقطعَ عملُه»، فلم يَجْعلْ لانقطاع العملِ غايةً إلاّ الموتَ، فلئِن انقضى صيامُ شهرِ رمضانَ فإن المؤمنَ لن ينقطعَ من عبادةِ الصيام بذلك، فالصيام لا يزالُ مشروعاً ولله الحمد في العام كلِّه.

ففي صحيح مسلمٍ من حديثِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «من صامَ رمضانَ ثم أتْبَعه ستاً من شوالٍ كان كصيام الدهرِ». وصيامُ ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله»، رواه أحمد ومسلم. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصانِي خَلِيلي صلى الله عليه وسلّم بثلاثٍ وذكر منها صيام ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر.

والأوْلَى أن تكونَ أيامَ الْبِيض وهي الثالث عشرَ والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ،لحديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا ذرٍّ إذا صمت من الشهر ثلاثةً فصُم ثلاثَ عشرةَ وأربعَ عشرةَ وخمسَ عشرةَ»، رواه أحمد والنسائي في الصحيح.

وفي صحيح مسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم سُئِلَ عن صومِ يومِ عرفة فقال: «يُكَفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقيةَ». وسُئِلَ عن صيامِ عاشُورَاءَ فقال: «يُكَفِّر السنةَ الماضيةَ». وسُئِلَ عن صومِ يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يومٌ وُلِدتُ فيه ويومٌ بُعِثْتُ فيه أوْ أُنزِلَ عَلَيَّ فيه». وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم سُئِلَ: أيُّ الصيامِ أفضلُ بَعْد شهرِ رمضانَ؟ قال: «أفضلُ الصيامِ بعد شهرِ رمضانَ صيامُ شهر الله المحَرَّمِ».

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: «ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اسْتَكْمَل شهراً قطُّ إِلاَّ شهرَ رمضانَ. وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صياماً منه في شعبانَ». وفي لفظ: «كان يصومُه إِلاَّ قليلاً». وعنها رضي الله عنها قالتْ: «كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يتَحَرَّى صيامَ الاثنين والخميس»، رواه الخمسة إلاَّ أبا داودَ فَهُوَ له من حديثِ أسامةَ بن زيدٍ. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ فأحبُّ أن يُعْرَضَ عملِي وأنا صائمٌ»، رواه الترمذيُّ[69].

ولئِن انقَضَى قيامُ شهرِ رمضانَ فإنَّ القيامَ لا يزالُ مشروعَاً ولله الحمدُ في كلِّ ليلةٍ من ليالِي السَّنَةِ ثابتاً من فعلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وقولِه، ففي صحيح البخاري عن المغيرةِ بن شعبةَ رضي الله عنه قال: إن كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لَيَقُومُ أو لَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدمَاه، فيقالُ لَهُ فيقولُ: «أفَلاَ أكونُ عبداً شكوراً؟»، وعن عبدِالله بن سَلاَم رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أيُّها الناسُ أفْشُوا السَّلامَ وأطِعموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليل والناسُ نيامٌ تَدْخلوا الجنةَ بسَلامِ»، رواه الترمذيُّ وقال: حسن صحيح[70].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أفضلُ الصلاةِ بعد الفريضة صلاة الليل». وصلاة الليل تشمل التطوع كلَّه والوتر فيصلِّي مَثْنَى مثنى فإذا خَشِيَ الصبحَ صلَّى واحدةً فأوتَرَت ما صَلَّى، وإن شاءَ صلَّى على صفةِ ما سبقَ في المجلس الرابعِ.

وفي الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «يَنْزلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلِّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حينَ يبقى ثلثُ الليل الآخِرُ فيَقولُ: مَنْ يدعونِي فأسْتجِيبَ له؟ مَن يسألُني فأعطيه؟ من يستغفَرُني فأغفرَ له؟».

والرواتبُ التابعَةُ للفرائِض اثنتَا عشْرةَ ركعةً: أربعٌ قبل الظهرِ وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاةِ الفجرِ، فَعَنْ أمِّ حبيبةَ رضي الله عنها قالتْ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يقولُ: «ما من عبدٍ مسلمٍ يصلَّي لله تعالى كلَّ يومٍ ثِنْتَيْ عَشْرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة»، وفي لفظ: «من صلَّى ثِنْتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلة بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة»، رواه مسلم.

والذِّكرُ أدْبارَ الصلواتِ الخمس أمرَ اللهُ به في كتابه وحثَّ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَـماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إذا سلَّم استغفرَ ثلاثاً وقال: «اللَّهُمَّ أنتَ السلامُ ومنكَ السلامُ تباركتَ يا ذَا الجلالِ والإِكرام»، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «من سبَّح الله في دُبُرِ كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثينَ وحمدَ اللهَ ثلاثاً وثلاثين وكبَّرَ ثلاثاً وثلاثين فتلك تِسْعةٌ وتسعون، ثم قالَ تمام المئةِ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ الملكِ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَد البحرِ»، رواه مسلم.

فاجتهدُوا إخوانِي في فعلِ الطاعاتِ، واجتنبُوا الخطايَا والسيئاتِ، لتفوزُوا بالحياةِ الطيبةِ في الدنيا والأجْرِ الكثير بعد المَمَات قال الله عزَّ وجلَّ: {مَنْ عَمِلَ صَـلِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ طَيِّبَةً} [النحل: 97].

اللَّهُمَّ ثبِّتنا على الإِيمانِ والعملِ الصالحِ، وأحينَا حياةً طيبةً، وألْحِقْنَا بالصَّالحين، والحمد لله ربِّ العالمينَ وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين.

وإلى هنا انتهى ما أردنا كتابته في هذا، نسألُ الله أن يجعلَ عملنَا خالصاً لوجهه ومقرباً إليه ونافعاً لعباده، وأن يتولانا في الدنيا والآخرةِ ويهدينَا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وكان الفراغ منه يوم 29 محرم

من عام ستة وتسعين وثلاث مئة وألف

على يد مؤلفه الفقير إلى مولاه محمد بن صالح العثيمين

والحمد لله رب العالمين

وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِه أجمعين.



كلمة الختام الحمد لله رب العالمين , و الصلاه و السلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد و علي أله و أصحابه في الملاء الأعلى الي يوم الدين

أما بعد , فكل عام و انتم بخير , ها هو شهر رمضان الذي طال أنتظارنا و شوقنا اليه قد جائنا , و رحل قبل ان ينطفئ شوقنا اليه , اسأل الله العلي العظيم ان يجعلكم و أيان و سائر المسلمين ممن ربحوا في هذا الشهر الكريم , و ان يكتبنا من عواد رحماته و نفحاته

الحق انه أسعدني كثيرا جدا وجودي معكم طوال الشهر الكريم , و لم أتوقع ان يكون تفاعلكم مع الموضوع بهذه الصورة و هو ما كان أكبر دافع لي في الأستمرار طوال الشهر الكريم

و أعتذر منكم جميعا عن اي تقصير حدث مني


كل عام و انت بخير , و أعاده الله عليكم و علينا بالخير و الصحة و الأمان

__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-09-2007, 05:56 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

رمضانيات (( 25 ))
مجالس رمضان 25/ في وصف النار : ـ أعاذنا الله منها ـ
الحمدُ لله الحيِّ القيومِ، الباقِي وغيْرُه لا يدوم، رَفَعَ السماءَ وزيَّنَها بالنجوم، وأمْسَك الأرض بجبالٍ في التُّخوم، صوَّر بقدرتِه هذه الجُسوم، ثمَّ أماتها ومحا الرُّسوم، ثم ينفخُ في الصُّورِ فإذا الميْتُ يقُوم، ففريقٌ إلى دار النعيمِ وفريقٌ إلى نارِ السَّمومِ، تفْتَحُ أبوابُها في وجوهِهِم لكلِّ بابٍ منهم جزْءٌ مقسوم، وتُوْصَدُ عليهم في عَمَدٍ ممَدَّدَةٍ فيها للهمُوم والغُموم، يوم يغْشاهُمُ العذاب مِنْ فوقِهم ومن تحتِ أرجُلِهمْ فما منهم مرْحُوم، وأشهدُ أن لا إِله إِلاَّ الله وحده لا شريكَ له شهادةَ مَنْ للَنجاةِ يَرُوم، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، الَّذِي فَتحَ الله بدينِه الْفُرْسَ والرُّوم، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه ومن تبعهم بإحسانٍ ما هطَلَتْ الغُيوم، وسلَّم تسليماً.

إخواني: لقد حذَّرنا اللهُ تعالى في كتابه من النارِ وأخبرَنا عن أنواعِ عذابِها بما تَتَفَطَّرُ منه الأكبادُ وتتفجرُ منه القلوب، حَذَّرنَا منها وأخْبَرَنا عن أنواع عذابِها رحمةً بنا لنزدَادَ حَذراً وخوْفاً، فاسمَعوا ما جاء في كتاب الله تعالى وسنةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلّم من أنْواع عذابِها لعلكم تذَكَّرُون. وأنيبُوا إلى ربكم وأسلمُوا له من قبل أنْ يأتِيَكم العذابُ ثم لا تُنصرون. قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـافِرِينَ } [آل عمران: 131]، {إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَـافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَـلاً وَسَعِيراً } [الإِنسان: 4]، وقال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29]، وقال تعالى مُخاطباً إبليسَ: {إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } [الحجر: 42-44]، وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَـفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71]، وقال تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [الملك: 6 8]، وقال تعالى: {يَوْمَ يَغْشَـاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [العنكبوت: 55]، وقال تعالى: {لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يعِبَادِ فَاتَّقُونِ } [الزمر: 16]، وقال تعالى: {وَأَصْحَـابُ الشِّمَالِ مَآ أَصْحَـابُ الشِّمَالِ * فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } [الواقعة: 41-44]، وقال تعالى: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا } [التوبة: 81]، وقال تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 10، 11]،وقال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } [القمر: 47، 48]، وقال تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } [المدثر: 27-29]، وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]، وقال تعالى: {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَـالَةٌ صُفْرٌ } [المرسلات: 32، 33]، وقال تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى الاَْصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ } [إبراهيم: 49، 50]، وقال تعالى: {إِذِ الاَْغْلَالُ فِى أَعْنَـاقِهِمْ والسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِى الْحَمِيمِ ثُمَّ فِى النَّارِ يُسْجَرُونَ } [غافر: 71،72]، وقال تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } [الحج: 19- 22]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَايَـاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } [النساء: 15]، وقال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الاَْثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِى الْبُطُونِ * كَغَلْىِ الْحَمِيمِ } [الدخان: 43-46]، وقال في تلكَ الشجرةِ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَـاطِينِ } [الصافات: 64، 65]، وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لاََكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَـارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَـارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَـذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } [الواقعة: 51-56]، وقال تعالى: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29]، وقال تعالى: {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15]، وقال تعالى: {وَيُسْقَى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [إبراهيم: 16، 17]، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَـاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ هُمُ الظَّـالِمِينَ * وَنَادَوْاْ يمَـالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـاكِثُونَ } [الزخرف: 74 77]، وقال تعالى: {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا جَهَنَّمُ } [الإِسراء: 97]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } [النساء: 168، 169]، وقال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكٍّ مُّرِيبِ } [الأحزاب: 64، 65]، وقال تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَـلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} [الجن: 23]، وقال تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الاَْفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } [الهمزة: 5-9].

والآياتُ في وصفِ النارِ وأنواعِ عذابِها الأليمِ الدائمِ كثيرةٌ.

أما الأحاديثُ فعنْ عبدِالله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «يُؤتى بالنارِ يومَ القيامةِ لها سبعون ألفَ زمامٍ مع كلِّ زمامٍ سبعون ألفَ ملَكٍ يجرُّونَها»، رواه مسلم. وفي الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «نَارُكم هذِه ما يُوقدُ بنُو آدمَ جُزْءٌ واحدٌ من سبعين جزءاً من نار جهنَّم، قالوا: يا رسولَ الله إنَّها لَكَافيةٌ قال: إنها فُضِّلَتْ عليهَا بِتِسْعَةٍ وستينَ جزءاً كلُّهن مثلُ حرِّها». وعنه رضي الله عنه قال: كنَّا عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فسَمِعنَا وَجبَةً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «أَتَدْرُونَ ما هَذَا؟ قلْنَا: الله ورسولُه أعلمُ. قال: هذا حجرٌ أرْسَلَه الله في جهنَّمَ مُنْذُ سبعينَ خَريفاً (يَعْنِي سبعينَ سنةً) فالان حينَ انتَهَى إلى قعْرها»، رواه مسلم.

وقال عُتْبَة بنُ غَزوانَ رضي الله عنه وهو يَخْطب: «لَقَدْ ذُكِرَ لنَا أنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِير جَهَنَّمَ فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدركُ لها قَعْراً والله لتُمْلأنّ أفعَجِبْتُم؟»، رواه مسلم. وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «لَوْ أنَّ قطْرةً من الزَّقُّومِ قَطَرَتْ في دار الدُّنْيَا لأفْسَدَتْ على أهلِ الدنيا مَعَايِشَهُمْ»، رواه النسائيُّ والترمذيُّ وابنُ ماجة[60]. وعن النعمانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ أهْوَنَ أهل النارِ عذاباً مَنْ لَهُ نَعْلانِ وشِرَاكانِ من نارٍ يَغلي منهما دماغُه كما يغلي المِرْجَل ما يَرَى أنَّ أحداً أشدُّ منهُ عَذَاباً وإنَّهُ لأهْونُهمْ عذاباً»، رواه مسلم وللبخاريِّ نحوه.

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: «يُؤتَى بأنْعَم أهل الدنيا مِنْ أهل النار فيُصْبَغُ في النارِ صَبْغَةً ثم يُقَال: يا ابنَ آدمَ هل رأيتَ خيراً قطُّ هل مَرَّ بكَ نعيمٌ قط؟ فيقولُ لا والله يا ربِّ، ويؤْتَى بأشَدِّ الناسِ بؤساً في الدنيا مِنْ أهل الجنة فيصبغُ صبغةً في الجنة فيقال: يا ابن آدمَ هل رأيتَ بؤساً قط؟ هل مَرَّ بك من شدة قط؟ فيقولُ: لا والله يا ربِّ ما رأيتُ بؤساً ولا مرّ بِي مِنْ شدةٍ قَطُّ»، رواه مسلم. يعني أنَّ أهل النارِ ينسُون كلَّ نعيمٍ مَرَّ بِهِم في الدُّنيا، وأهْلَ الجنة ينسون كلَّ بؤْسٍ مرّ بهم في الدنيا.

وعنه رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «يُقَالُ للرجلِ من أهل النارِ يومَ القيامةِ: أرأيْتَ لو كانَ لكَ ما على الأرض من شيء أكنتَ تفتدي به؟ فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردتُ منكَ ما هُو أهْونُ من ذلكَ، قد أخذتُ عَلَيْك في ظهرِ آدم أن لا تُشْرِكَ بي شيئاً فأبيتَ إلاَّ أنْ تشركَ بي»، رواه أحمدُ ورواه البخاريُّ ومسلمٌ بنحوه. وروى ابنُ مَرْدَوَيْهِ عن يَعْلِي بنِ مُنْيَة وهو ابنُ أمَيَّةَ، ومنية أمُّهُ قال: «يُنْشِيءُ الله لأهل النار سحابةً فإذا أشْرَفَتْ عليهم نادَاهُمْ: يا أهل النَّارِ أيُّ شيءٍ تطلبون وما الَّذِي تسْألون فيذكرونَ بها سحائبَ الدنيا والماءَ الَّذي كان ينزلُ عليهم، فيقولون: نَسْأَلُ يا ربِّ الشرابَ فيُمطرُهم أغلالاً، تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيدُ في سلاسِلِهم وجمراً يُلْهبُ النارَ عليهم».

وعن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثةٌ لا يَدْخُلون الجنّةَ: مُدْمِنُ خمرٍ، وقاطعُ رحم، ومُصدِّقُ بالسحرِ. ومَنْ مات مدمنَ الخمرِ سقاه الله من نَهْرِ الغوْطَةِ. قيل: وما نهرُ الغوطةِ؟ قال: نهرٌ يجري من فروج المُومِسَاتِ يؤذي أهلَ النار ريحُ فروجهن»، رواه أحمد[61].

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إن على الله عهداً لمنْ شرب المسكرات لَيَسقيِه من طِينةِ الخبَالِ. قالوا: يا رسولَ الله وما طينةُ الخبَالِ؟ قال: عَرقُ أهل النار أو عُصَارةُ أهلِ النارِ». وفي الصحيحين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «يُقَال لليهودِ والنصارى ماذا تَبْغُون؟ فيقولونَ: عطِشْنَا ربَّنَا فأسقنا فيُشارُ إليهم: ألا تَرِدُوْنَ؟ فيُحْشَرونَ إلى جهنَم كأنها سرابٌ يحطِمٌ بعضُها بعضاً، فيتَساقطونَ في النار». قال الْحَسَنُ: ما ظَنُّك بقومٍ قاموا على أقدامهم خمسينَ ألْفَ سنةٍ لم يأكلوا فيها أكلةً ولم يشربوا فيها شربةً حتى انقطعت أعناقُهم عطشاً واحتَرقَتْ أجوافُهم جوعاً، ثم انْصُرفَ بهم إلى النارِ فيُسْقَون من عينٍ آنِيَةٍ قد آنَ حَرُّها واشتد نُضْجُها.

وقال ابن الجوزيِّ رحمه الله في وصفِ النار: دارٌ قَدْ خُصَّ أهلُها بالبِعادِ، وحرمُوا لذةَ المُنَى والإِسْعاد، بُدِّلَتْ وضاءةُ وجوهِهِم بالسَّواد، وضُرِبُوا بمقَامِعَ أقْوى من الأطواد، عليها ملائكةٌ غِلاظٌ شداد، لو رأيتَهم في الحميمِ يسرحون، وعلى الزمهرير يُطْرَحون، فحزنُهم دائمٌ فما يفْرَحون، مُقَامهُم محتومٌ فما يبْرَحون، أبَدَ الآباد، عليها ملائِكةٌ غلاظ شداد، يبكُون على تضييع أوقات الشباب، وكلَّما جَادَ البكاءُ زاد، عليها ملائكة غلاظٌ شِداد، يا حسرتهم لِغَضَبِ الخالق، يا محنَتهُمْ لِعظَمِ البَوَائِق، يا فضيحتَهم بين الخلائق، على رؤوس الأشْهاد، أينَ كسْبُهُم للْحُطام، أينَ سعيُهم في الاثام، كأنَّه كان أضغَاثَ أحْلام، ثم أُحْرِقَتْ تلك الأجسام، وكلما أحْرِقَتْ تُعَاد، عليها ملائكةٌ غلاظٌ شِداد.

اللَّهُمَّ نَجِّنا من النار، وأعِذْنَا من دارِ الخزْيِ والْبَوَار، وأسكنَّا برحمتِك دارَ المتقينَ الأبرار، واغفرْ لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحمَ الراحمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين.

**********

رمضانيات (( 26 ))
حدث في رمضان 26/ في أسباب دخول النار : الحمدُ لله القويِّ المتين، الظاهر القاهر المُبين، لا يعزب عن سمْعِه أقَلُّ الأنين، ولا يخْفَى على بصرِه حركَاتُ الجَنِين، ذَلَّ لكبريائِه جبابرة السلاطين، وبطلَ أمَام قدرتِه كَيدُ الكائِدين، قضى قضاءه كما شاء على الخاطِئين، وسبقَ اختيارهُ من اختاره من العالمِين، فهؤلاء أهلُ الشِّمَالِ وهؤلاءِ أهلُ اليمين، جرَى الْقَدَرُ بذلك قبلَ عمَلِ العامِلين، ولولا هذَا التقسيمُ لبطلَ جهادُ المجاهِدين، وما عُرِف أهلُ الإِيمانِ مِن الكافِرين، ولا أهلُ الشكِّ من أهل اليقين، ولولا هذا التقسيمُ ما امتلأتِ النارُ من المُجْرمين. {وَلَوْ شِئْنَا لاََتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنْى لاََمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13]. تلكَ يا أخِي حكمةُ الله وهو أحْكمُ الحاكِمين، أحمدُه سبحانَه حمدَ الشاكِرين، وأسأله معونَة الصابِرِين، واسْتَجِيرُ بِهِ من العذابِ المُهين، وأشهد أنْ لا إِله إِلاَّ الله الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى الأمين، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبه أبي بكرٍ أول تابعٍ من الرجال على الدِّين، وعلى عمرَ القويِّ في أمر الله فلا يَلِين، وعلى عثمانَ زوجِ ابنتِي الرسولِ ونعمَ القرِين، وعلى عليٍّ بَحْر العلومِ الأنزع البطين، وعلى جميع آل بيت الرسول الطاهرين، وعلى سائِر أصَحابِه الطَّيِّبين، وعلى أتباعِه في ديِنه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً.

إخواني: اعلمُوا أنَ لدخولِ النار أسباباً بيَّنها اللهُ في كِتابِه وعلى لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلّم ليَحْذَرَ الناسُ منها ويَجتنبُوها. وهذِه الأسبابُ على نوعين:

النوعُ الأولُ: أسبابٌ مُكَفِّرةٌ تُخرِج فاعلَها من الإِيمانِ إلى الكفرِ وتوجبُ له الخلودِ في النار.

النوعُ الثاني: أسبابٌ مُفَسِّقَةٌ تُخْرجُ فاعلَها مِنَ العدالةِ إلى الْفِسق ويَسْتَحِقُ بها دخولَ النارِ دونَ الخلودِ فيها.

فأمَّا النوعُ الأولُ فنَذْكُرُ منه أسباباً:

السبب الأولُ: الشركُ بالله: بأنْ يجعلَ لله شريكاً في الرُّبوبيةِ أو الألُوهيةِ أو الصِّفَاتِ. فمَن اعتقد أنَّ مع الله خالقاً مشاركاً أو منفرداً، أو اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أنَ يُعْبَد، أو عَبَد مع الله غيره فصرف شيئاً من أنواع العبادة إليه، أو اعتقد أنَّ لأحدٍ من العلمِ والقدرةِ والعظمةِ ونحوها مثل ما لله عزَّ وجلَّ فقد أشركَ بالله شرْكاً أكْبَرَ واستحقَّ الخلودَ في النار، قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّـلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة: 72].

السبب الثاني: الكفرُ بالله عزَّ وجلَّ أوْ بملائكتِه أوكتبِه أو رسلِه أو اليومِ الآخرِ أو قضاءِ الله وقدرِه، فمَنْ أنكر شيئاً من ذلك تكذيباً أو جَحْداً أو شكَّ فيه فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النار. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } [النساء: 150، 151]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَـفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَـلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ يَقُولُونَ يلَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ * وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ * رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } [الأحزاب: 64-68].

السبب الثالثُ: إنكارُ فرض شيء من أركانِ الإِسلامِ الخمسةِ، فَمَنْ أنكرَ فَرِيضَةَ توحيدِ الله أو الشهادةِ لرسولِه بالرسالِة أو عمومِها لجميع الناسِ أو فريضةَ الصلواتِ الخمسِ أو الزكاةِ أو صوم رمضانَ أو الحجِ فهو كافرٌ لأنه مُكذِّبٌ لله ورسولِه وإجماع المسلمين، وكذلك مَنْ أنكر تحريمَ الشركِ أو قتلِ النفسِ التي حَرَّم الله أو تحريمِ الزِّنا أو اللواطِ أو الخمرِ أو نحوها مما تَحْريمُه ظاهرٌ صريحٌ في كتاب الله أو سنة رسولِه صلى الله عليه وسلّم لأنه مُكَذِّبٌ لله ورسولِه، لكن إن كان قريبَ عهدٍ بإسلامٍ فأنكر ذلك جهلاً لم يَكفُر حتى يُعَلَّم فينكرُ بعد عِلْمِهِ.

السبب الرابعُ: الاستهزاءُ بالله سبحانه أو بدينهِ أو رسولِه صلى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَـاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـانِكُمْ } [التوبة: 64، 65] والاستهزاء هو السُّخْريَّةُ وهو من أعظم الاستهانةِ بالله ودينه ورسولِه وأعظمِ الاحتقارِ والازدراءِ تعالَى اللهُ عَنْ ذلك عُلوَّاً كبيراً.

السبب الخامسُ: سبُّ الله تعالى أو دينِه أو رسولِه وهو القَدْحُ والْعَيْبُ وذِكْرُهُمْ بما يقتضي الاستخفافَ والانتقاصَ كاللَّعنِ والتَقْبِيحِ ونحوِ ذلك.

قال شيخُ الإِسلام ابن تيميةَ رحمه الله: مَنْ سَبَّ الله أو رسوله فهو كافرٌ ظاهراً وباطناً سواءُ كان يعتقد أنَّ ذلك محرمٌ أو كان مُسْتَحِلاًّ له أو كان ذاهلاً عن اعتقاد. وقال أصحابنا: يكفر سواء كان مازحاً أوجاداً. وهذا هو الصواب المقطوع به، ونقل عن إسحق بن راهويه: أن المسلمين أجمعوا على أن من سبّ الله أو سبَّ رسولَه أو دفع شيئاً مما أنزَل الله فهو كافرٌ وإن كان مقرَّاً بما أنزل الله، وقال الشيخ أيضاً: والْحُكْمُ في سَبِّ سائِر الأنْبياءِ كالحكم في سبِّ نبيِّنا صلى الله عليه وسلّم، فمَنْ سبَّ نبيَّاً مُسَمَّى باسمه من الأنبياء المعروفينَ المذكورينَ في القرآنِ أو مَوْصُوفاً بالنُّبوةِ بأن يُذْكرَ في الحديثِ أن نبيَّاً فَعلَ أو قَالَ كذا فَيَسُبَّ ذلك الفاعلَ أو القائل مع عِلمِهِ أنه نبيٌّ فحكمه كما تقدم. اهـ.

وأما سبُّ غير الأنبياء فإن كان الغرض منه سبَّ النبي مثلُ أن يَسبَّ أصحابَه يقصد به سبَّ النبيِّ لأنَّ المقارِنَ يقتدي بمَنْ قارنَه، ومثلُ أن يقذِفَ واحدةً من زوجاتِ النبي صلى الله عليه وسلّم بالزِّنا ونحوه فإنَّه يكفرُ لأن ذلك قَدْحٌ في النبيِّ وسبٌّ له، قال الله تعالى: {الْخَبِيثَـتُ لِلْخَبِيثِينَ } [النور: 26].

السبب السادسُ: الْحُكْمُ بغير ما أنزلَ الله مُعْتَقِداً أنَّه أقربُ إلى الْحَقِّ وأصلحُ للخلْق، أو أنه مساوٍ لحكم الله أو أنه يجوز الحكم به، فهو كافرٌ لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ } [المائدة: 44] وكـذا لو اعتقَدَ أنَّ حكمَ غيرِ الله خيرٌ من حكم الله أو مساوٍ له أو أنه يجوزُ الحكمُ به فهو كافرٌ وإن لم يَحْكَمْ به لأنه مكذِّبٌ لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50]، ولما يقتضيه قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ }.

السبب السابعُ: النفاقُ وهو أنْ يكونَ كافراً بقلبِه ويظهرَ للناسِ أنه مسلمٌ إما بقولِه أو بفعلِه، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء: 145]. وهذا الصنفُ أعظم مما قَبْلَه، ولذلك كانَتْ عقوبةُ أصحابه أشَدَّ، فهمْ في الدركِ الأسفل من النار، وذلك لأن كُفْرَهم جامعٌ بين الكفر والخِداع والاستهزاءِ بالله وآياتِهِ ورسولِه. قال الله تعالى عَنْهُمْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَـطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَـانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 8-15].

وللنفاق علاماتٌ كثيرةٌ منها: الشَّكُّ فيما أنزلَ الله وإن كان يُظْهِرُ للناس أنه مؤمنٌ. قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } [التوبة: 45] ومنها كراهةُ حُكْم الله ورسوله، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّـاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَـافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [النساء: 60، 61]، ومنها كراهةُ ظهورِ الإِسلامِ وانتصار أهلِه والفرحُ بخُذْلانِهم، قال تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: 50]، وقال تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الاَْنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 119، 120].

ومنها طلبُ الفتنةِ بينَ المسلمينَ والتفريق بينهَم ومحبَّة ذلك. قال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّـاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّـلِمِينَ } [التوبة: 47].

ومنها محبةُ أعْداءِ الإِسلامِ وأئِمَّةِ الكفرِ ومدحُهم ونشرُ آرائِهم المخالفة للإِسلام. قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [المجادلـة: 14].

ومنها لمز المؤْمِنِينَ وعيبُهم في عباداتِه. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَـاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة: 79] فيعيبونَ المجتهدينَ في العبادةِ بالرِّياءِ ويعيبون العاجِزينَ بالتَّقْصِير.

ومنها الاستكبارُ عن دُعاءِ المؤمنينَ احتقاراً وشكّاً. قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } [المنافقون: 5].

ومنها ثِقَلُ الصلاةِ والتكاسلُ عنها. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَـفِقِينَ يُخَـدِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 142]. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «أثقلُ الصلاةِ على المنافقينَ صلاةُ العشاءِ وصلاة الفجرِ»، (الحديث) متفق عليه.

ومنها أذِيَّةُ الله ورسولِهِ. قال الله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ } [التوبة: 61]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَـاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } [الأحزاب: 57، 58].

فهذه طائفةٌ من علاماتِ المنافقينَ ذكرناها للتحذيرِ منها وتطهيرِ النفسِ من سلوكِها.

اللَّهُمَّ أعذْنَا من النفاق وارزقنا تحقيقَ الإِيمَان على الوجهِ الَّذِي يرضيكَ عنَا واغَفر لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمينَ يا ربَّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وآلِهِ وصحبِه أجمعين.
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-09-2007, 06:01 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

مجالس رمضان 28/ في زكاة الفطر : الحمدُ لله العليم الحكيم، العليِّ العظيم، خلقَ كلَّ شَيْءٍ فقَدَّره تقديراً، وأحْكَمَ شرائعَه ببالغِ حكمتِهِ بياناً للْخَلق وتَبْصيراً، أحمدُه على صفاتِه الكامِلة، وأشكرُه على آلائِه السابغة، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وحده لا شريكَ له لَهُ الملكُ وله الحمدُ وهوَ على كلِّ شَيْء قدير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه البشيرُ النذير، صلَّى الله عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ المآبِ والمصِير، وسلَّم تسليماً.

إخواني: إن شهرَكُمُ الكريمَ قد عزَم على الرحيل، ولم يبقَ منه إلاَّ الزمنُ القليلُ، فمَنْ كان منكم محسِناً فليحمدِ اللهَ على ذلك ولْيَسْألْه القَبولَ، ومَنْ كان منكم مهملاً فلْيتبْ إلى اللهِ ولْيَعْتَذِرْ من تقصيرِه فالعذرُ قبْلَ الموتِ مَقْبولٌ.

إخواني: إن الله شرعَ لكم في ختامِ شهرِكم هذا أنْ تؤَدُّوا زكاةَ الفطر قبْلَ صلاةِ العيدِ، وسنتكلم في هذا المجلسِ عن حُكْمِها وحكمتِها وجنسِها ومقدارِها ووقتِ وجوبِها ودفعِها ومكانِها.

فأما حكمُها فإنها فريضةٌ فرضَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم على المسلمينَ، وما فرضَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم أوْ أمَرَ به فلَهُ حكمُ ما فرضَه الله تعالى أو أمَرَ به. قال الله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [النساء: 80]، وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115]، وقال تعالى: {وَمَآ ءَاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ} [الحشر: 7]. وهيَ فريضةٌ على الكبيرِ والصغيرِ والذكرِ والأُنثى والحرِّ والعَبْدِ من المسلمينَ. قال عبدُالله ابنُ عَمرَ رضي الله عنهما: فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر من رمضانَ صاعاً من تَمْرٍ أو صاعاً من شعيرٍ على العبدِ والحرِّ والذكر والأنثى والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين. متفق عليه.

ولا تجبُ عن الحمل الذي في البطن إلاَّ أنْ يتطوعَ بها فلا بأسَ، فقدْ كانَ أميرُ المؤمنينَ عثمانُ رضي الله عنه يخرجُها عن الحمل. ويجبُ إخراجُها عن نفسِه وكذلك عمن تَلْزَمُه مَؤُونَتُه من زوجةٍ أو قريبٍ إذا لم يستطيعوا إخراجَها عن أنفسِهم. فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجُوهَا عن أنفسِهم لأنَّهُم المخاطَبُون بها أصْلاً، ولا تَجِبُ إلاَّ على مَنْ وَجَدَها فاضلةً زائدةً عما يحتاجُه من نفقةِ يومِ العيدِ وليلتِه. فإنْ لم يجد إلاَّ أقلَّ من صاعٍ أخْرَجَه لقولِه تعالى: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، وقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم»، متفق عليه.

وأما حِكمتُها فظاهرةٌ جدّاً ففيها إحسانٌ إلى الفقراءِ وكفٌّ لهم عن السؤالِ في أيام العيدِ ليُشَاركوا الأغنياءَ في فرحِهم وسرورِهم بِه ويكونَ عيداً للجميع. وفيها الاتصافُ بخلق الكرمِ وحبِّ المواساة وفيها تطهيرُ الصائمِ مما يحصلُ في صيامِه من نقصٍ ولَغْوٍ وإثْمٍ، وفيها إظهارُ شكرِ نعمةِ الله بإتْمامِ صيامِ شهرِ رمضانَ وقيامِه وفعلِ ما تَيَسَّرَ من الأعمالِ الصالحةِ فيه.

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرفثِ وطعمةً للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصلاةِ فهي صدقةٌ من الصدقاتِ. رواه أبو داودَ وابنُ ماجة[66].

وأمَّا جنسُ الواجبِ في الفطرةِ فهو طعامُ الادميين من تمرٍ أوْ بُرِّ أوْ رزٍّ أو زبيبٍ أوْ أقِطٍ أو غيرها من طعامِ بِني آدمَ، ففي الصحيحين من حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم زكاةَ الفطر من رمضانَ صاعاً من تمرٍ أوْ صاعاً من شعيرٍ. وكانَ الشَّعيرُ يومَذَاك مِنْ طعامِهم كما قال أبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنه. كنا نُخْرِجُ يومَ الفطرِ في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم صاعاً من طعامٍ وكان طعامُنَا الشعيرَ والزبيبَ والأقِطَ والتمرَ. رواه البخاري.

فلا يُجزِئُ إخراجُ طعامِ البهائمِ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فرضَها طعمةً للمساكين لا للبهائم.

ولا يجزئُ إخراجُها من الثياب والفُرُش والأواني والأمتعةِ وغيرِهَا مما سوى طعام الآدميين لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فرضَها من الطعامِ فلا يُتَعَدَّى ما عيَّنَه الرسولُ صلى الله عليه وسلّم.

ولايُجزِئُ إخراجُ قيمةِ الطعامِ لأنَّ ذلك خلافُ ما أَمَرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم. وقد ثبتَ عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قالَ: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، وفي روايةٍ: «من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ»، رواه مسلم. وأصلُه في الصحيحين ومعنى رَدٌّ مردودٌ. ولأنَّ إخراجَ القيمةِ مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم حيث كانوا يخرجونَها صاعاً من طعامٍ، وقد قال النَبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «عليكم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ من بعْدِي»[67] ولأن زكاةَ الفطرِ عبادةٌ مفروضةٌ مِن جنسٍ مُعيَّن فلا يجزئُ إخراجها من غير الجنسِ المعيَّن كما لا يُجْزئُ إخراجها في غير الوقتِ المعيَّنِ. ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عيَّنَها من أجناسٍ مختلفةٍ وأقْيامُها مختلَفةٌ غالباً. فلو كانت القيمةُ معتبرةً لكان الواجبُ صاعاً من جنسٍ وما يقابلُ قيمتَه من الأجناس الأخْرَى. ولأنَّ إخراج القيمةِ يُخْرِجُ الفطرةَ عن كَوْنِها شعيرةً ظاهرةً إلى كونها صدقةً خفيةً فإن إخراجَها صاعاً من طعامٍ يجعلُها ظاهرَةً بين المسلمينَ معلومةً للصغير والكبير يشاهدون كَيْلها وتوزِيعَها ويتعارفونها بينهم بخلاف ما لو كانت دراهم يُخْرِجها الإِنسانُ خفية بينه وبين الآخذ.

وأما مقدارُ الفطرةِ فهو صاعٌ بصاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم الَّذِي يبلغُ وَزْنُه بالمثاقيلِ أربعَمائةٍ وثمانينَ مِثقالاً مِن الْبُرِّ الْجيِّد وبالغرامات كِيْلوَين اثنين وخْمُسَيْ عُشْر كِيْلو من البرِّ الجيِّد، وذلك لأنَّ زنَةَ المثقالِ أربعةُ غراماتٍ ورُبُعٌ فيكون مبلغُ أربعمائةٍ وثمانين مثقالاً ألْفَيْ غرام وأربعين غراماً. فإذا أراد أن يعرفَ الصاع النبويَّ فلْيزن كيلوينِ وأربعين غِراماً من البُرِّ الجيِّد ويضعها في إناءٍ بقدرِها بحيثُ تَملَّؤُه ثم يَكيلُ به.

وأما وقتُ وجوبِ الفطرةِ فهو غروبُ الشمسِ ليلةَ العيدِ، فمن كان مِنْ أهلِ الوجوبِ حينذَاك وجبتْ عليه وإلاَّ فلا. وعلى هذا فإذا مات قبلَ الغروب ولو بدقائقَ لم تجب الفطرةُ. وإن ماتَ بعدَه ولو بدقائقَ وجبَ إخراجُ فطرتِه، ولَوْ وُلِدَ شخصٌ بعدَ الغروب ولو بدقائقَ لم تجبْ فطرتُه، لكنْ يسن إخراجُها كما سبقَ وإن وُلِدَ قبل الغروبِ ولو بدقائقَ وجب إخراج الفطرةِ عنه.

وإنما كان وقتُ وجوبها غروبَ الشمس من ليلةِ العيدِ لأنَّه الوقت الذي يكونُ به الفطرُ من رمضان وهي مضافَةٌ إلى ذلك فإنه يقالُ: زكاةُ الفطرِ من رمضانَ فكانَ مناط الحكم ذلك الوقتُ.

وأمَّا زمنُ دفعِها فله وقتانِ: وقتُ فضيلةٍ ووقتُ جوازٍ. فأمَّا وقتُ الفضيلةِ: فهو صباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ لما في صحيح البخاريِّ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدرِيِّ رضي الله عنه قال: «كنَّا نُخْرِجُ في عهدِ النبي صلى الله عليه وسلّم يومَ الفطرِ صاعاً من طعامٍ»، وفيه أيضاً من حديثِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم أمَرَ بزكاةِ الفطر أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاةِ»، ورواه مسلم وغيره.

ولذلك كان من الأفضل تأخيرُ صلاةِ العيد يومَ الفطرِ ليتسعَ الوقتُ لإِخراج الفطرةِ. وأمَّا وقتُ الجوازِ فهو قبْل العيدِ بيوم أو يومين. ففي صحيح البخارَيِّ عن نافع قال: كانَ ابنُ عمرَ يعْطِي عن الصغير والكبير حتى وإنْ كانَ يعطِي عن بَنِيَّ، وكان يُعْطِيها الَّذِين يَقْبلونَها، وكانُوا يُعْطَون قبْلَ الفطرِ بيومٍ أو يومين.

ولا يجوزُ تأخيرُها عن صلاةِ العيدِ فإنْ أخَّرها عن صلاةِ العيدِ بلا عُذرٍ لم تُقْبَلْ منه لأنه خلافُ ما أمَرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم، وقد سبق من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ مَنْ أدَّاها قبْلَ الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصدقاتِ أمَّا إن أخَّرها لعذرٍ فلا بأسَ، مثلُ أن يصادفَه العيدُ في الْبَرِّ ليس عنده ما يدفعُ منه أو ليسَ عنده مَنْ يدفُع إليه، أو يأتَي خبرُ ثبوتِ العيدِ مفاجِئاً بحيثُ لا يَتَمَكَّنُ مِن إخراجها قبْلَ الصلاةِ أو يكون معتمداً على شخصٍ في إخراجها فينسى أنْ يُخْرِجَهَا فلا بأسَ أن يخرجها ولو بعدَ العيدِ لأنَّه معذورٌ في ذلك.

والواجبُ أنْ تصلَ إلى مستحقِّها أو وكيْلِهِ في وقتِها قبلَ الصلاةِ، فلو نَوَاها لشخصٍ ولم يصادفْه ولا وكِيْلَه وقتَ الإِخراجِ فإنه يدفعها إلى مستحق آخرَ ولا يؤخِّرُها عن وقتِهَا.

وأما مكانُ دفِعها فتدفعُ إلى فقراءِ المكانِ الَّذِي هو فيه وقت الإِخراج سواءٌ كانَ محل إقامتِهِ أو غَيرَه من بلادِ المسلمينَ لا سيَّما إن كانَ مكاناً فاضلاً كَمكَّة، والمدينةِ، أو كانَ فقراؤه أشدَّ حاجةً. فإن كان في بلدٍ ليس فيه مَنْ يدفعُ إليه أو كانَ لا يعرفُ المستحِقينَ فيه وكَّلَ من يدفعها عنه في مكانٍ فيه مستَحِقٌ.

والمستحِقُون لزكاةِ الفطرِ هُمْ الفقراءُ ومَنْ عليهم ديونٌ لا يستطيعونَ وفاءَها فيُعْطَون منها بقدر حاجتِهم. ويجوزُ توزيعُ الفطرةِ على أكثرَ من فقيرٍ. ويجوزُ دفعُ عددٍ من الْفِطَر إلى مسكينٍ واحدٍ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَدَّر الواجبَ ولم يقدِّر مَنْ يدفعُ إليهِ، وعلى هذا لو جَمَعَ جماعةٌ فطرَهم في وعاءٍ واحدٍ بعدَ كيلها وصارُوا يدفُعون منه بلا كيلٍ ثانٍ أجْزَأهم ذلك، لكنْ ينبَغِي إخبار الفقِير بأنَّهم لا يعلمُون مقدارَ ما يدفعون إليه لئَلاَّ يَغْتَرَّ به فيدفعه عن نفسه وهو لا يدري عن كيلِه. ويجوز للفقير إذا أخَذَ الفطرةَ من شخصٍ أن يدفَعَهَا عن نفسِه أو أحدٍ من عائلتِهِ إذا كالَهَا أو أخبرَه دافعها أنَّها كاملةٌ ووَثِقَ بِقَوْلِه.

اللَّهُمَّ وفِّقْنا للقيام بطاعتِك على الوجهِ الَّذِي يرضيكَ عنَّا، وَزَكِّ نفوسَنا وأقوالَنا وأفعالَنَا وطهِّرنَا من سوءِ العقيدةِ والقولِ والعملِ إنك جوادٌ كريمٌ. وصلَّى الله وسلَّم على نبيَّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين.
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-09-2007, 06:18 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي إذاعات إسلاميه

__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26-08-2009, 06:19 PM
الصورة الرمزية مستر/محمد أبو عمرو
مستر/محمد أبو عمرو مستر/محمد أبو عمرو غير متواجد حالياً
مشرف اللغة الإنجليزية( المرحلة الايتدائية)
 
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 1,017
معدل تقييم المستوى: 19
مستر/محمد أبو عمرو is on a distinguished road
افتراضي


__________________
(¯`v´¯)» مستر / محمد أبو عمرو »(¯`v´¯)
مدرس أول اللغة الانجليـــــــــزية
الســــنبلاوين - الدقهـــــــلية
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-09-2007, 06:04 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي برامج

وده برنامج هديه منى ليكم قمه فى الروعه والجمال

<<< إلـــى صـــلاتـــى >>>




بــرنامج قمــة فى الأهميــه بقوم بتزكيــرك باوقات الصــلاه
ويوجد به اخبــارس اســلاميه ومجموعه من اذاعات الراديــو الأســلامى




مــوقع البرنامج : يحتــوى على اضافات للبرنامج وشــرحه يمكنك زيارته من هنــا
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13-09-2007, 06:08 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي لقاء نادر ما ترى مثله هديه منى ليكم

الأســـرة المسلمــة فى رمضــان

لقاء نادر وممتع مع الدكتور عمر عبد الكافي ، يتناول الحديث عن كيفية استعداد الأسرة المسلمة لدخول شهر رمضان .

__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13-09-2007, 11:26 PM
الصورة الرمزية mR . mOstafa Fathi
mR . mOstafa Fathi mR . mOstafa Fathi غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
العمر: 34
المشاركات: 8,312
معدل تقييم المستوى: 0
mR . mOstafa Fathi is an unknown quantity at this point
افتراضي

يسلمو يا غالى
يوركت
__________________
قالوا سكتُّ وقد خوصمتُ قلتُ لهم
إنَّ الجوابَ لبابِ الشرِّ مفتاحُ
والصمَّتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفُ
وفيه أيضاً لصونِ العرضِ إصلاحُ
أما تَرَى الأُسْدَ تُخْشى وهْي صَامِتة
والكلبُ يخسى لعمري وهو نباحُ
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 17-08-2008, 05:49 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mR . mOstafa Fathi مشاهدة المشاركة
يسلمو يا غالى
يوركت
جزاك الله خيرا
على
المرور
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 13-09-2007, 11:30 PM
الصورة الرمزية CrazY Bo$S
CrazY Bo$S CrazY Bo$S غير متواجد حالياً
عضو متواصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
العمر: 35
المشاركات: 643
معدل تقييم المستوى: 0
CrazY Bo$S is an unknown quantity at this point
افتراضي

لا استطيع ان اعبر عن مدى اعجابى وانبهارى بالموضوع .. جزاك الله من خيره
بس من سيسمع هذا كله ؟ ... ياالاه طول رمضان حنسلى فيه

ده رد مؤقت كده لغاية لما نشوف وننزل ونسمع والمهم نعمل ونغير
ده اقوى موضوع لرمضان .. يستاهل التثبيت

شكرا يا محمد وجزاك الله خيرا
__________________
لا اله إلا الله *** محمد رسول الله[/
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 17-08-2008, 05:49 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة CrazY Bo$S مشاهدة المشاركة
لا استطيع ان اعبر عن مدى اعجابى وانبهارى بالموضوع .. جزاك الله من خيره
بس من سيسمع هذا كله ؟ ... ياالاه طول رمضان حنسلى فيه

ده رد مؤقت كده لغاية لما نشوف وننزل ونسمع والمهم نعمل ونغير
ده اقوى موضوع لرمضان .. يستاهل التثبيت

شكرا يا محمد وجزاك الله خيرا

الشكر لله وحده
وعن جد أخجلتم تواضعنا والحمد لله إن الموضوع نال إعجابك
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 30-09-2007, 06:00 AM
الصورة الرمزية ..Just Stop
..Just Stop ..Just Stop غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2006
العمر: 35
المشاركات: 6,331
معدل تقييم المستوى: 0
..Just Stop is an unknown quantity at this point
افتراضي

ايه دا يا محمد

الكلام دا عايز سنة على ما نقراه

افادكم الله

وجزاك الله به خيرا
__________________
......استودعكم الله الذى لاتضيع ودائعه....
....closed 4 ever
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 17-08-2008, 05:49 PM
الصورة الرمزية MohammeD el_SadaT
MohammeD el_SadaT MohammeD el_SadaT غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
العمر: 36
المشاركات: 8,089
معدل تقييم المستوى: 0
MohammeD el_SadaT is an unknown quantity at this point
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Mahmoud_taha مشاهدة المشاركة
ايه دا يا محمد

الكلام دا عايز سنة على ما نقراه

افادكم الله

وجزاك الله به خيرا
سنه سنتين عشره
مش دى القضيه
المهم يتقرأ

وجزانا وإياكم الله خيراً يا محمود على المرور الجميل
__________________

Always remember two things
Don’t' take any decision when you are Angry
Don’t' make any promises when you are Happy
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:22 PM.