اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > إبداعات ونقاشات هادفة

إبداعات ونقاشات هادفة قسم يختص بما تخطه أيدي الأعضاء من شعر ونثر ورأي الخ...

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-01-2011, 06:38 PM
المفكرة المفكرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,413
معدل تقييم المستوى: 18
المفكرة is on a distinguished road
افتراضي بدأت أكتب

بدأت أكتب
كان درسي يومئذ عن الصوت ، تغيب عني تفاصيله الآن ، الهدوء ينتشر في أرجاء الفصل لينصت من يرغب ، أراقب تلاميذي أثناء الدرس لأقدم تقارير عن آدائهم للمدرسة و آبائهم لاحقًا .
لمحته ، يجلس في آخر الفصل، مفكر صغير في الثانية عشر من عمره ، بين الطفولة و الشباب ، به من النضج ما يجعله يفهم ما يقال له ، لكن حب الطفل للعب هو ما يجعله محبوباً بين أقرانه ، ملامح طفل و صوت لم تلونه خشونة الرجال بعد ، كرامة و حدة أعصاب تنبىء عن بذور رجولة تنبت، تزهر عما قريب .
و قد احتفت المدرسات بهذا الفتى ، أذِّن له بالدخول و الخروج من الفصل دون إذن ، أمر محرم على غيره لسوء فعالهم ، يلخص ما يسمع في كراسته بخط أنيق ، كفاءته العقلية في استيعاب الكتب جعلت له الصدارة بين أقرانه و عند مدرساته ، يمزح مع طالب فلا يطيل ، لا ألفت انتباهه، الاِنتباه هو ، استعنا به على سياسة الفصل ، نصلح الأمور ليصلح حاله.
اليوم لا ألمح استماعه لما أقول ، تشغله ورقة ، يقرأ بتمعن ، ترى ماذا تحوي؟ تشغل تلك الورقة انتباهي ، كيف يجرؤ أن لا يسمعني ؟!
أستمر كأنني لا ألحظ شيئًا ، حين أجاوره آخذها من مكتبه بهدوء، تأخذه المفاجأة ، يتركها لي.
يعلن الجرس انتهاء الحصة و حضور الفسحة ، أمر يستعجله الطلاب ، يكاد يدهس بعضهم بعضًا هربًا إليها ، خطفًا للملعب و الكرة ، فاللعب بلا نظام لذلك يرتبه الأولاد بالخطف حيثما اتفق ، أما هو فلازال في الفصل يعتذر لي ، و أنا لا أقبل اعتذاره.
يطالبني بمخطوطته ، لا .. حتى أعرف ما فيها ، أبدأ القراءة ، فيحاول خطفها من يدي ، أخبأها خلف ظهري و أصر : لن أعيدها .
يعلن العصيان من فوق المكتب ، يقفز منه إلى غيره ،
_ يمسك العناد زمام أمره : لن أنزل إلى الملعب حتى آخذها .
مطلوب مني إغلاق الفصل الفارغ أثناء الفسحة لكثرة السرقات و التخريب و تمرد الطلاب المستمر ، و ها هو ألينهم عريكة يفيض به الكيل ، يتمادى إذ أكتم ابتسامة لاحت مني .
_ لا لن أفعل ، هيا يا صديق فقد حان موعد نزولك ، لدي أشغال أخرى ، يطيل المكوث ، هيا يا صديق
_ لا تغضبي .
_ لا أقدر.
يقفز جواري ، أقارنه بطول قامتي ، أجل تقريبًا متساويان ، أنا لست طويلة و هو ليس بالقصير ،
_ الورقة مقالة للكاتب .
ينطلق في اللعب مع زملائه ، عسى أن يصلح اللعب ما أفسده الجلوس لمكتب وقتاً طويلاً ، بينما أذهب إلى المكتبة بجوار حجرة المدرسين ، أرتكب جريمة القراءة عوضاً عن الخوض في أخبار الممثلات و المطربين مع الزميلات و الزملاء ، ما لا أبالي به . لا انسجام بيني و بين من حولي . يودون لو أتركهم و شأنهم فأنا متزمتة و غير اجتماعية من وجهة نظرهم !
و الكاتب طالب في فصلي يعبر عن ذاته على الورق ، كلامه بسيط كهيئته ، وجهه ينضح طفولة بالغة و براءة. مفاد كلامه الكثير التالي:
( لكل رأيه الذي لا ينبغي أن يفرضه على من حوله ، حتى لا يخسر الأصدقاء بعضهم . )
أجل بطبيعته وديع يكره الخلاف الذي كثر بين الأولاد حد الضرب المؤذي و الإهانات التي لا تتوقف ، تخنق المكان و تخطف روح الوئام فيستحيل مرارًا لا يتوقف . أخبر الورقة أفكاره البريئة ، شكا لها عجزه عن مساعدة أقرانه .
الأولاد يكبرون ... يترددون بين البراءة و التلوث ، و المدرسة لا تراعي حاجات الصبيان ، الفصل مختلط ، بنين و بنات ، بعضهم نضج فأدرك و آخرون لم يزُل الستر عن عقولهم و هؤلاء أنكروا ، و ختم قوله لزملائه على الورق : (برجاء توقفوا عن المواء في الفصل ، أنا لست بائع كباب.)
كتبت رأيي بين السطور بقلم أحمر و الخروج على النص في مهنتي ممنوع منعًا باتًا. لكن جوهر فكري كسر القوالب. أمر كلفني وظيفتي و مكافأة الاِمتحان مرارًا .
أما في هذه المدرسة فقد قررت أن أغير طريقتي ، أراوغ نفسي و غيري و أنوّع ردودي و أفكاري ، لم يصلح أيضًا ، كلما رتبت أمرًا بشكل مغاير أجده يعود حيث كان!
لا حيلة تدرأ الخلاف سوى ترك المكان حفاظًا على السلام الإجتماعي به !
طويت الورقة ثم أعدتها للمفكر ، قرأها فأعجبته ،
_ قال : اكتبي .
_ قلت سلْ تُـجبْ .
يناولني سؤالًا فأناوله إجابة مكتوبة من بنات أفكاري ، فيقرأه في أقرب فرصة ، ثم يصوره و يعيد لي أصله طالبًا المزيد .
ناولته اختياراتي من الكتب و المجلات ، دؤوب لا يمل القراءة و الدرس و اللعب .
كنت قد وعدته أن أبقى في المدرسة حتى ينهي المرحلة الإعدادية ، لكن المرض اشتد بي حتى كدت أختنق . لابد من ترك العمل حاليًا ، أمر ضايقه لكنه أهداني كتاب في آخر يوم لي في المدرسة ، هدية وداع مناسبة لكلينا ، لا صبرًا لا فراق بعد فهي علاقة فكر لا لزوم فيها للحضور والإنصراف .
أخرجت له نسخة مصغرة من الجريدة ، بها اختياراتي من أخبار العالم من علم إلى سياسة و مقابلات مع من نجح من البشر أو خاب ، كنت أرسلها له بالبريد الإلكتروني.
ربطت بعض مبادىء الكيمياء البسيطة التي تعلمها في المدرسة بأفق الخلية الحية و أريته كيف تتحول الجزيئات كيانات حية ذات فاعلية ، غاية في الدقة ، آية في الجمال ، رونق وانضباط و تنافس و حيوية بلا مثيل ، صفات الخالق تتبدى في أصغر خلقه . تلك منهن .. بنات أفكاري ، نزلت بها من أفق الجامعة لعقل فتى شاب ، أعجبته تلك من بين ما كتبت ، قال زيديني منها ، فعلت زمناً ما . نشرتها و قرأها المئات و لاقت استحسان العشرات .
كتب ذات رسالة : أتذكرين الكاتب ؟ صار يخرب مع من يخربون ، فصلوه من المدرسة!
(استمرت مراسلاتنا نحو عام و نصف ثم شدته الإعدادية بعيداً ، أو ربما لم يعد الأمر مناسبًا أو شيء ما) .

*****************************
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:10 PM.