اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 28-09-2012, 05:21 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الحادية عشر
لم أستطع بحكم منصبى أن أعرب صراحة عن اعتراضى على الطريقة التى تمت بها معالجة أزمة كوريا الشمالية. والحقيقة أننى لم أكن لأحتاج إلى ذلك لأن الأمر جلب كثيرا من الانتقادات حتى من جانب كثيرين الذين التزموا الصمت وقت غزو العراق.
إن ردة الفعل المبالغ فيها لمعلومات استخباراتية غير مؤكدة قد تسببت فى دفع كوريا الشمالية إلى وضع تكون فيه أكثر عزلة؛ وهى العزلة التى أعطت رجال الجيش والعلماء فى بيونج يانج الوقت والدافع لتطوير أسلحة نووية وتجربتها.
وخلاصة الأمر أن كوريا الشمالية صارت فى وضع تفاوضى أفضل بكثير عن ذى قبل، ونموذجا لما يمكن أن ينتج عن اتباع سياسات مستوحاة من مواقف سياسية أيديولوجية بحتة تفرض نفسها على نهج التفاوض البراجماتى والعملى.
فى مارس 2007، بدأت زيارتى لكوريا الشمالية، وهى الأولى بعد خمسة عشر عاما، إلا أن هذه الزيارة بدأت بتعثر. كنت قد تقدمت بطلب عبر الصين إلى السلطات فى كوريا الشمالية لتشمل ترتيبات الزيارة لقاء لى مع الزعيم الكورى. وعندما توقفت فى بكين متوجها إلى بيونج يانج قال لى المسؤولون الصينيون إن نظراءهم من كوريا الشمالية ممتعضون لأننى لم أتوجه إليهم مباشرة بطلب لقاء الزعيم الكورى خصوصا وأن الدعوة لزيارتى كانت قد جاءت بمبادرة من بيونج يانج. وفى ردى على هذا الأمر أشرت إلى أنه ليس لكوريا الشمالية سفير معتمد لدى الوكالة، وبالتالى فلم يكن أمامى قناة اتصال مباشرة مع بيونج يانج. غير أن الرسالة كانت واضحة بالنسبة إلىّ وهى أن كوريا الشمالية لم تكن تريد لأحد أن يعاملها على أنها تابعة للمدار السياسى الصينى.
ولم تكن هناك طائرة من بكين إلى بيونج يانج سوى طائرة خطوط الطيران الكورية الشمالية، وبناء على خبرة سابقة مع هذه الشركة فى سنة 1992 فضلت أن أنتقل بطائرة خاصة صغيرة قامت الصين بتوفيرها. بدا مطار بيونج يانج لدى وصولنا مهجورا تماما، ولم نر أى طائرة بصدد الهبوط أو الإقلاع من ممراته. وعندما استفسرت أخبرنى بعضهم بأن حركة الطيران فى مطار بيونج يانج تقتصر على رحلة تذهب إلى بكين وتعود منها كل يومين.
وبدا لى أن كوريا الشمالية لم تبتعد عن الأجواء الصعبة التى سيطرت عليها لدى زيارتى السابقة قبل خمسة عشر عاما، فى 1992، فلم يكن هناك بعد سيارات أو موتوسيكلات خاصة، بل إن الدراجات الخاصة لم تكن موجودة بكثرة فى الطرق العامة التى لم يكن بها سوى بعض السيارات التابعة للحكومة. وكان معظم أهالى المدينة الذين رأيتهم يقطعون الطريق سيرا على الأقدام، وكانت الأغانى والموسيقى الوطنية تبث فى مناطق مختلفة من المدينة بما فى ذلك المنطقة التى أقمنا فيها.
وبدا الفندق «كوريو» مهجورا، فلم يكن هناك به من النزلاء سوانا عدا وفد أسترالى جاء إلى بيونج يانج للتشاور مع المسؤولين حول تقديم معونة إنسانية، إلى جانب بالطبع فريق العمل فى الفندق.
خُصصت لى غرفة وُصفت بأنها غرفة ممتازة؛ وهى عبارة عن غرفة نوم فى حالة متداعية، وملحق بها صالون صغير، مؤثث بقطع متواضعة من الأثاث لا بد أنها تعود إلى الخمسينيات من القرن السابق. ولم يكن حال الحمام الملحق بالغرفة أفضل حالا. غير أن سعر الغرفة كان نحو 200 دولار فى الليلة!
لقد كان واضحا أن الوضع الاقتصادى لكوريا الشمالية فى حالة سيئة للغاية، حيث إن الحكومة طلبت منا، رغم أننا ضيوف عليها، أن نقوم بتغطية كل النفقات بما فى ذلك مصاريف تنقلنا من مكان إلى مكان. ولم يكن الطعام المقدم لنا فى الفندق سيئا، غير أن رئيس الوفد الأسترالى لفت نظرنا إلى أن سوء التغذية منتشر فى كوريا الشمالية، وأنه يؤثر سلبا على نحو 60 بالمائة من أطفال البلد.
وحسبما قال لى القائم بالأعمال المصرى فى بيونج يانج فإن الخدمة متواضعة لدرجة أن ساكنى الحى الدبلوماسى فى المدينة لم يكونوا يحصلون على المياه والكهرباء سوى لساعات محدودة فى اليوم.
كان أملى من وراء هذه الزيارة القصيرة أن أُمهد الأجواء لإعادة العلاقات بين كوريا الشمالية والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكنت قد اصطحبت معى فريقا صغيرا من فنيى الوكالة للخوض فى التفاصيل اللازمة لتحقيق هذا الهدف فى حال ما أبدت كوريا الشمالية استعدادها لذلك. وقد كنت متفائلا بالنظر إلى أن جدول اللقاءات المقررة لنا فى بيونج يانج كان حافلا بلقاءات مع مسؤولين على مستويات مختلفة.
غير أنه بعد الترحيب الفاتر الذى قوبلنا به تعرضنا لسلسلة من الإشارات السياسية غير المفهومة ولم يكن ذلك مستغربا بالنسبة إلى ما هو معتاد من كوريا الشمالية، فعلى سبيل المثال تم إلغاء موعد كان مقررا لنا مع نائب الوزير الكورى الذى يترأس وفد بلاده فى المباحثات السداسية، ورغم أن الاعتذار جاء بسبب مرض المسؤول الكورى، غير أن التفسير الإعلامى لذلك كان معبرا عن الاعتقاد بعدم استعداد كوريا الشمالية للتعاون مع الوكالة الدولية فى تلك المرحلة.
وقبل لقاء لنا مع نائب رئيس البرلمان قمنا بجولة فى مبنى البرلمان نفسه، حيث كان هناك تمثال ضخم لـ«كيم إيل سونج»، الزعيم «الأبدى» لكوريا الشمالية فى وسط قاعة البرلمان، وذكرنى ذلك بما شهدته يوما فى شمال نيجيريا حيث كان ضيوف أمير قبيلة «زاريا» يَجْثون أمام الأمير تعبيرا عن الاحترام. وقد أثار هذا التمثال الضخم؛ الذى كان بمثابة تأليه لشخص ميت، حنقى، وطلبت بصورة تفتقر ربما إلى الود الذهاب مباشرة إلى لقاء نائب رئيس البرلمان.
وفى اللقاء تم تقديم شاى الـ«جين سنج» التقليدى، ثم أخذ نائب رئيس البرلمان فى الحديث عن أن القوات المسلحة هى محور سياسات بلاده. من جانبى قلت إن ما يهم فى النهاية هو قدرة أى بلد على أن توفر لأبنائها الحياة الكريمة والعيش فى حرية، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن لأى بلد أن يعيش فى عزلة دولية دائمة. ولم أفهم من الضحكة العصبية البادية على المترجم حول التعليقات التى قلتها ما إذا كانت الرسالة قد وصلت بالضبط إلى نائب رئيس البرلمان.
ثم جاء اللقاء التالى مع نائب وزير الخارجية ليردد معانى متقاربة مما سبق أن استمعت إليه، ذاكرا أن لبلاده «تاريخا سيئا» مع انحيازات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومضيفا بعدها رغبة كوريا الشمالية فى النظر إلى المستقبل. وقد كان ردى أن الوكالة تسعى دوما للقيام بعملها بصورة حيادية، وأشرت إلى إمكانية نظر بيونج يانج فى استعادة عضويتها فى الوكالة، وهو ما أجاب عليه نائب الوزير الكورى بالقول إنه سيكون من الضرورى قبل ذلك التيقن من طبيعة المواقف الأمريكية، غير أنه أعرب عن تقديره لدعوتى للتوصل إلى حل سلمى للمسألة الكورية وما قلته من ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الاهتمامات الأمنية والاقتصادية لكوريا الشمالية.
أما أفضل مقابلاتنا فكانت مع مدير هيئة الطاقة النووية فى كوريا الشمالية؛ رى يى سون، التى جرت فى الفندق الذى كنا ننزل به على مائدة طعام بها كثير من الأطباق الشهية من المطبخ الكورى التقليدى. وبصراحة نادرة قال رى يى سون فى رده على سؤال لى إن أبناء شعبه فى أغلب الأحيان لا يستطيعون الحصول على اللحم أو غيره من أنواع البروتين على مائدة طعامهم. غير أن تلك الصراحة لم تبعده عن اتباع موقف الحزب والحديث بنفس العبارات تقريبا عن «التجارب السيئة» لبلاده فى التعامل مع الوكالة، وعن الرغبة فى التركيز على المستقبل. وبعد كل هذه اللقاءات عدت إلى جناح الفندق البارد للغاية وأنا أفكر أنه بالرغم من كل شىء فإن حوارا قد بدأ بين الوكالة وبين كوريا الشمالية، وأن ذلك من شأنه أن يسهل سبل التعامل بين الجانبين خلال الأشهر القادمة. وعندما قمت بتشغيل التليفزيون لم أجد سوى المواد التى لا يكف التليفزيون الكورى عن بثها حول جرائم الحرب التى ارتُكبت بحق شعب كوريا الشمالية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان خلال الحرب العالمية الثانية. وشعرت بالسعادة لأن الزيارة لم تكن طويلة.
وفى 19 مارس 2007، أعلن كرستوفر هيل إنهاء التجميد المفروض على أرصدة كوريا الشمالية فى أحد بنوك أمريكا فى ماكاو، مشيرا إلى أن ذلك جاء للتجاوب مع التحركات الإيجابية التى قامت بها بيونج يانج. غير أن نقل الأموال من ماكاو إلى كوريا الشمالية استغرق شهورا، ولم يتم إلا فى شهر يونيه بعد تدخل من قِبل روسيا.
وفى الشهر التالى قامت كوريا الجنوبية بإرسال حمولة لا بأس بها من الوقود إلى جارتها الشمالية فى مساهمة من سيول لدفع الأمور فى الاتجاه الإيجابى. وفى الشهر ذاته التقيت رئيس كوريا الجنوبية الذى بدا غير مرتاح لإهدار الوقت جراء عدم كفاءة عملية التفاوض، وقال: «إن الأمر استغرق خمس سنوات لمجرد إقناع الأمريكيين بإجراء محادثات ثنائية مع بيونج يانج».
وكان لتحويل الأموال التى كانت مجمدة إلى كوريا الشمالية أثره الإيجابى والسريع؛ حيث بدأت كوريا الشمالية فى إغلاق مفاعل يونج بيون، بل إنه مع حلول السابع عشر من شهر يوليو كان مفتشو الوكالة قد تمكنوا من التأكد من إغلاق المنشآت، وقاموا بوضع الأختام المطلوبة وتركيب معدات المراقبة.
واستمرت النشاطات الإيجابية والتى أسهمت فى حل كثير من النقاط المتعلقة ببرنامج كوريا الشمالية النووى خلال معظم عام 2008. كما استمرت المباحثات السداسية ودخلت فى مرحلتها الثانية لتنفيذ الخطوات المقررة فى البيان المشترك. فى الوقت نفسه كانت شحنات الوقود تصل إلى كوريا الشمالية فى الأوقات المقررة. وبدأت كوريا الشمالية واليابان فى العمل على تطبيع علاقاتهما. كما وافقت كوريا الشمالية على تقديم سجل كامل ومدقق لكل منشآتها النووية وما بحوزتها من مواد نووية. واستمرت عملية تفكيك البرنامج النووى لكوريا الشمالية حسب الجدول المقرر لها، بل إن كوريا الشمالية سمحت لوفود من الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بزيارة موقع يونج بيون. وعندما سافر كريستوفر هيل إلى بيونج يانج لمزيد من المشاورات حمل معه رسالة ودية من الرئيس بوش إلى قائد كوريا الشمالية كيم يونج إيل.
دعت كوريا الشمالية وسائل الإعلام الغربى لزيارة الموقع النووى الذى تم إغلاقه. وفى فبراير 2008 قامت كبيرة المراسلين للشؤون الخارجية فى شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية؛ كريستيان أمانبور، ببث تقرير مباشر من يونج بيون، مشيرة إلى أن كوريا الشمالية «قد كشفت الغطاء النووى الذى كانت تضعه». وكذلك قام فنيون من وزارة الطاقة الأمريكية بزيارة موقع يونج بيون للمشاركة فى عملية التفكيك للبرنامج النووى، الأمر الذى أشارت إليه أمانبور على أنه يُظهر تحركا يباعد كثيرا بين اللحظة الحالية وبين اللحظة العدائية التى كان بوش قد أعلن فيها أن كوريا هى عضو فى «محور الشر». إلى جانب ذلك قام أوركسترا نيويورك الفيلهارمونى بتقديم عرض فى كوريا الشمالية، وهو ما وصفته أمانبور فى التقرير نفسه بأنه بداية الطريق الطويل جدّا نحو إقامة علاقات طبيعية يوما ما مع كوريا الشمالية.
غير أن ذلك كله لم يَعْنِ كثيرا بالنسبة إلى التطوير الفعلى لعلاقة الوكالة مع كوريا الشمالية. فعندما طلب إلينا الأطراف فى المحادثات السداسية التحقق من إغلاق منشآت بيونج بيون استجبنا لذلك بسرعة. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية، بمقتضى إعلان التفاهم مع كوريا الشمالية، كانت تقوم بنفسها بعمليات تفكيك المنشآت النووية لكوريا الشمالية دون مشاركة الوكالة مفضلة العمل الثنائى. كنت أتجنب الشكوى صراحة من ذلك لأن التقدم فى التفكيك كان مشجعا.
فى الوقت ذاته كان هناك اتفاق ضمنى بين الوكالة والولايات المتحدة الأمريكية؛ أن يقوم الفنيون الأمريكيون المكلفون بتفكيك البرنامج الكورى بالاحتفاظ بكل التفاصيل حتى تستطيع الوكالة أن تحصل عليها فى ما بعد. غير أن ذلك لم يَحُلْ دون قلق مفتشى الوكالة من أن بعض الخيوط الرئيسية قد تفقد إذا لم يكن من بينهم من هو موجود على الأرض فى كوريا الشمالية فى أثناء عملية التفكيك وهو ما يمكن أن يعرقل عملية التفتيش والمراقبة للمواد النووية فى مراحل لاحقة.
وفى السادس من مايو 2008، جاء جون رود مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون نزع السلاح لزيارتى فى فيينا، حيث أخبرنى برغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى أن تقدم كوريا الشمالية إعلانها عن منشآتها النووية إلى الصين وأن تقوم الوكالة بالتحقق مما جاء فيه. لتضمن أن يتم التقارب مع كوريا الشمالية فى الإطار متعدد الأطراف، عوضا عن الإطار الثنائى. وأخبرت رود استعدادنا للقيام بهذه المهمة، مشيرا فى الوقت نفسه إلى ما كان قد نما إلى علم الوكالة عبر كوريا الشمالية من رغبة واشنطن عدم إشراك الوكالة فى التعامل مع برنامج كوريا الشمالية النووى.
ومع هذا فقد أبديت استعدادى لتولى عملية التحقق من صحة وشمول ما يأتى فى إعلان كوريا الشمالية. ولكننى أوضحت لـ«رود» الغموض الذى يكتنف وضع الوكالة فى كوريا الشمالية، لأن عملها فيها محاط بمعوقات تتعلق بموقف بعض الدول، بما فى ذلك اليابان ودول أوروبية، بأن انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية غير قائم، وأنه بالتالى يكون لدى الوكالة صلاحيات قانونية بالتحقق من سلامة إعلان كوريا الشمالية عن أنشطتها النووية، وهو ما لا يتوافق مع ما تراه بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية من أن انسحاب كوريا الشمالية من المعاهدة قد تم بالفعل. وأضفت لـ«رود» أننى أرى من الناحية القانونية أن كوريا الشمالية لم تعد عضوا فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بعد قرار انسحابها منها فى يناير عام 2003.
وقد طلبت من الدول الأعضاء فى المعاهدة، من خلال مجلس محافظى الوكالة، إيضاحا عما إذا كانت كوريا الشمالية ما زالت عضوا فى الاتفاقية أم لا، ومن جانبى لم أكن أريد أن تُلام الوكالة لعدم قيامها بمسؤولياتها. ولم أتلق ردّا من جانب الدول الأعضاء فى المعاهدة. وما زال الأمر معلقا حتى الآن.
وفى السادس والعشرين من يونيه قدمت كوريا الشمالية الإعلان للصين، مصحوبا بكثير من الوثائق المتعلقة بماضى برنامجهم النووى وحاضره. وأعقبت ذلك بهدم جزء من برج التبريد فى مفاعل يونج بيون فى حضور مجموعة من الصحفيين والإعلاميين الأجانب. وبعد ذلك مباشرة جاء هيل إلى فيينا ليخبرنى بنتائج مباحثاته مع الكوريين حول طرق التحقق من سلامة الإعلان المقدم للصين، مشيرا إلى أن الدول الأعضاء فى المحادثات السداسية، فيما عدا كوريا الشمالية نفسها، تود أن تقوم الوكالة بدور رئيسى فى عملية التحقق. وكان باديا لى أن بعضا من المسؤولين فى كوريا الشمالية ما زالت لديهم تحفظات حول عمليات التفتيش التى قامت بها الوكالة فى 1993. كما نما إلى علمى أيضا أن هناك فى بيونج يانج من يرى أن قيام فرق عن الدول المشاركة فى المحادثات السداسية بعمليات التحقق سيكون أنسب من قيام فرق الوكالة بذلك بالنظر إلى النهج الصارم المعروف عن الوكالة.
وعلى أى حال، أعطانى هيل مسودة اقتراح يعرض أن تقوم الوكالة الدولية بدور «استشارى» للدول الست، فى حين تقوم هذه الدول الست بالتحقق الفعلى وبتقييم نتائج عملية التحقق. وبناء على هذا الاقتراح، ستعمل الوكالة تحت «رعاية» هذه الدول. ولقد رفضت هذه الشروط، وقلت لـ«هيل» إننى لا أقبل أن أتنازل هكذا عن سلطة التحقق التى تمتلكها الوكالة ودورها. وبالطبع فهمت أن الدول الست تسعى للحصول على المصداقية التى ستوفرها مشاركة الوكالة فى عملية التحقق والتقييم. ولكن فى الحقيقة، كان العكس هو ما سيحدث؛ ولن يكون لتفتيش الوكالة مصداقية إذا تم فقط تحت رعاية مجموعة من الدول ودون الاستقلالية اللازمة. فإما أن نقوم بالتحقق برعاية المجتمع الدولى كله، كما قمنا على مدار خمسين عاما، وإما يمكنهم أن يجدوا جهة أخرى تقوم بهذا العمل. وطلبت من زملائى فى الوكالة أن يبلغوا الرسالة نفسها لباقى الدول المشتركة فى المحادثات السداسية.
وعندما رأيت نسخة من الإعلان الذى قدمته كوريا الشمالية، الذى كان ينبغى أن يكون به تفاصيل كل النشاطات النووية لبيونج يانج فى الماضى والحاضر، وجدت أن الإعلان لا يقدم كل المعلومات المفترض فيه أن يقدمها. وعلى سبيل المثال فإن التقرير يقدم معلومات مفصلة عن كميات البلوتونيوم التى تم إنتاجها، ولكنه لا يقدم تفاصيل عن برنامج تطوير الأسلحة النووية أو عدد هذه الأسلحة، كما أن التقرير لم يشر إلى ما سبق الادعاء به من قيام كوريا الشمالية ببعض عمليات التخصيب لليورانيوم.
ووافقنى هيل، مشيرا إلى اعتقاده بأن بيونج يانج ربما تسعى لإطالة أمد احتفاظها بالأسلحة النووية لأطول مدة ممكنة. ومع ذلك كان هناك تقدم نتيجة تجميد برنامج السلاح النووى لكوريا الشمالية عند مستواه الحالى نتيجة لعمليات تفكيك المنشآت النووية. كما أنه كان هناك اتفاق على أن الانتهاء من عملية تفكيك البرنامج النووى الكورى سيتطلب مزيدا من الوقت والصبر، وأن عملية التحقق من دقة كمية البلوتونيوم المعلن عنها ستكون بدورها عملية طويلة ومعقدة.
وفى هذا الوقت تذكرت ما كان قد ألمح إليه هيل من أنه فى ضوء نظرة اليابان إلى أمنها الخاص فإن بعض المراقبين لم يعودوا يستبعدون أن تعيد اليابان التفكير فى موقفها الرافض من تطوير برنامج التسلح النووى. وسبق أن أشار لذلك وزير خارجية اليابان فى أكتوبر 2006 بصورة غير مباشرة وكذلك كبير المسؤولين عن السياسات فى الحزب الليبرالى الديمقراطى اليابانى اللذان أشارا إلى الحاجة إلى بدء نقاش فى اليابان حول برنامج تسلح نووى. كان هذا تطورا مذهلا بالنسبة إلى المفكرين اليابانيين، حيث إن اليابان كانت واحدة من أكثر الدول دعما لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما أن أى حديث علنى عن قيام اليابان بتطوير برنامج للأسلحة النووية كان يُنظر إليه دوما على أنه من المحرمات.
ولقد رأيت فى ذلك ما يدعم وجهة نظرى من أن قرار أى دولة لتطوير برنامج للأسلحة النووية، أو استخدامها من عدمه هو أمر يتأثر بالمتغيرات الأمنية التى ترى هذه الدولة أنها قد تكون معرضة لها فى مرحلة معينة؛ وهو ما يعنى أن التغيير وارد فى سياسات البلدان تبعا للتغيرات التى تطرأ على رؤية الدولة لأمنها القومى أو الإقليمى مهما طال الأمد على هذه السياسات.
وعادت الأمور إلى التدهور مرة ثانية فى صيف 2008 حيث ساءت العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، بسبب غضب كوريا الشمالية من عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع اسم كوريا الشمالية من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وحسب البيان المشترك القائم على الخطوات المتبادلة فقد كانت هذه هى الخطوة التالية التى ينبغى على واشنطن القيام بها فى أعقاب إغلاق كوريا الشمالية مفاعل يونج بيون.
وحسبما علمت فإن المتشددين فى واشنطن كانوا يريدون الحصول على مزيد من كوريا الشمالية فى مقابل هذه الخطوة حيث كانوا على وجه التحديد يريدون التريث حتى يتم التحقق من دقة ما جاء فى إعلان كوريا الشمالية عن نشاطاتها النووية. غير أن كوريا الشمالية بطبيعة الحال رأت فى ذلك تراجعا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية عن الوفاء بعهودها، فما كان من بيونج يانج إلا أن أمرت بإعادة بعض الأجهزة للمواقع التى كان قد تم إغلاقها، وتم إبعاد مفتشى الوكالة عن الموقع فى يونج بيون فى الثامن من أكتوبر.
وبعد ثلاثة أيام تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها، وتم بالفعل رفع اسم كوريا الشمالية من قائمة الدول الداعمة للإرهاب فى العالم، وفى اليوم التالى مباشرة عادت كوريا الشمالية بدورها إلى عمليات تفكيك منشآتها النووية، وعاد مفتشو الوكالة إلى الموقع فى يونج بيون
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 28-09-2012, 05:24 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثانية عشر
انتكاسة أخرى طالت ملف كوريا الشمالية مع حلول ربيع 2009، حيث قامت بيونج يانج، رغم الضغوط الدولية، بعملية إطلاق قمر صناعى، والتى صُوّرت على أنها اختبار للصاروخ الأطول مدى لدى كوريا الشمالية، وهى العملية التى وصفها الرئيس «باراك أوباما» بأنها «استفزازية»، وطالب مجلس الأمن باتخاذ إجراء إزاءها.
وفى الثالث عشر من إبريل أدان مجلس الأمن كوريا الشمالية جراء هذه العملية، وهى الإدانة التى ردت عليها كوريا الشمالية بغضب متوقع، حيث أعلنت اعتزامها مقاطعة المحادثات السداسية بصورة نهائية. ومرة ثانية كان على مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مغادرة كوريا الشمالية.
وتزامنت تلك التطورات مع تعرض كوريا الشمالية لأزمة متفاقمة تتعلق بوصول الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما أدى إلى تقليل الكميات الضئيلة من الأرز التى كانت الحكومة توفرها للمواطن الكورى، والتى لم تكن تتناسب مع الحد الأدنى للتغذية السليمة. فى الوقت نفسه كانت صحة الزعيم الكورى تتداعى، وكانت خلافاته مع القيادات الكورية العسكرية حول خلافة ابنه له فى الحكم تتصاعد مع رغبة كبار العسكريين فى اغتنام الفرصة للوصول إلى الحكم. وكان ذلك يعنى أن حدوث أية مواجهة خارجية كان يمكن أن يوفر ذريعة لقيام المتشددين فى كوريا الشمالية بعمل درامى.
وبحلول 25 مايو 2009 كانت كوريا الشمالية قد أجرت ثانى تفجير نووى لها بنجاح، ورغم أن التفجير كان صغيرًا حسب معايير الأسلحة النووية فإنه فى كل الأحوال كان أكبر كثيرًا من التفجير الأول. وتمت إدانة التفجير من قِبل مجلس الأمن ومن قِبل الأعضاء الخمسة الآخرين فى المحادثات السداسية التى كانت متوقفة بصورة كاملة عند وقوع هذه الأحداث.
ظهرت على السطح مرة أخرى قصة برنامج تخصيب اليورانيوم المزعوم، وهذه المرة فى صورة منشأة متكاملة للتخصيب، كشفت عنها كوريا الشمالية بكل فخر فى نوفمبر من عام 2010 لأحد أهم الخبراء الأمريكيين، «سيجفريد هكر»، وهو أستاذ فى جامعة ستانفورد وكان يرأس معمل لوس الأموس الوطنى. أطلع الكوريون «هكر» وزملاءه على غرفة متطورة للغاية وقاعة تخصيب مزودة بما قال المسؤولون الكوريون إنه 2000 جهاز طرد ينتج بالفعل اليورانيوم منخفض التخصيب. وكانت المنشأة تقع فى مركز سابق لتصنيع الوقود، مما أوضح أن منشأة التخصيب هذه بُنيت بعد إبريل 2009، وهى آخر مرة وجد فيها المفتشون الدوليون فى كوريا الشمالية. ودعت سرعة البناء على هذا النحو الكثيرين إلى أن يستنتجوا أن لدى كوريا الشمالية مواقع أخرى بالتأكيد تُجرى بها عمليات تخصيب اليورانيوم. وكان هذا الكشف دليلا مذهلا آخر على عبث محاولات احتواء انتشار الأسلحة والطموحات النووية من خلال المواجهة، والعقوبات، والعزلة.
■ ■ ■
وبالنسبة لى، كان الاختبار النووى الثانى لكوريا الشمالية أكثر إحباطا من الأول. فلقد قطعنا شوطا فى ملف كوريا الشمالية خلال العامين الماضيين. وبالنظر إلى سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، فإن التفجير جاء فى وقت كان يحدونا فيه، أكثر من أى وقت فى الماضى القريب، أمل أكبر تجاه نزع السلاح النووى فى العالم.
لكن أكبر مصدر للإحباط والغضب كان متابعة هذه السلسلة من المد والجَزْر فى علاقة كوريا الشمالية بالغرب. كانت تصرفات وردود أفعال كوريا الشمالية متوقَّعة إلى حد كبير. وعندما كانت بيونج يانج طرفا فى حوار هادف كان الموقف أفضل بكثير. لكن عندما توقف الحوار، وحدثت الإهانات، وأعيد تقديم سياسة العزلة، تدهور الوضع كثيرًا. إن الموضوع بسيط بطريقة أكثر مما هو متصور. فإدانة مجلس الأمن لإطلاق كوريا الشمالية لتلك الصواريخ جعلت الوضع أسوأ مما كان. وربما كانت كوريا الشمالية قد تعمدت أن تستفز الإدارة الأمريكية الجديدة فى محاولة لجذب الانتباه والحصول على معاملة أفضل من تلك التى كانت تلقاها من إدارة «بوش». وكان من المؤكد أن كوريا الشمالية ستبالغ فى رد فعلها، كما فعلت فى كل المواقف السابقة. وقد سألت نفسى: هل أصبح الدبلوماسيون والسياسيون يركزون فقط على قضية اليوم وحدها وينسون الغاية الكبرى من كل ذلك، ألا وهى نزع السلاح النووى؟ وفى كل الأحوال فسواء كان مجلس الأمن يتعامل مع كوريا الشمالية أم أى قضية أخرى لمنع انتشار السلاح النووى، فإن المجلس كان يبدو دائمًا إما منقسما على نفسه، وإما محدودا جدّا فى خياراته، فلا يقدم سوى البيانات الواهية أو الأفعال التى تؤتى بنتائج غير مقصودة. وفى أزمة تلو الأخرى نجد أن المواقف التى يتخذها مجلس الأمن ردّا على تهديد انتشار السلاح النووى كانت جوفاء وغير ذات أثر. وبالطبع فحتى يصبح للمجلس تأثير قوى، فإنه يجب القيام ببعض المواءمات الضرورية، مثل: التركيز على الأسباب الجوهرية لمشكلة انعدام الأمن وليس فقط على أعراضها، والسير بسرعة وواقعية أكبر فى التعامل مع عدم امتثال الدول لاتفاقياتها، والتدخل المبكر وليس بعد وقوع الكارثة، واتخاذ إجراءات فعالة تستهدف الأنظمة الحاكمة المعنية، وليس المدنيين الأبرياء، وأخيرا، الثبات على المبدأ وعدم الكيل بمكيالَيْن فى المواقف المتشابهة. وهذه التعديلات الضرورية تبدو أكثر حتمية عند التعامل مع برنامج نووى مثل برنامج الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الفصل الخامس: إيران: 2003 – 2005
لغز «التقية»
يبدو أن دراما التحقق من القدرات النووية الجارية فى بلدين فى نفس الوقت لم تكن كافية، ففى منتصف عام 2002، بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى تلقى معلومات عن أزمة جديدة. فقد جاءت صور الأقمار الاصطناعية التى تم التقاطها لمبنى صناعى ضخم غير واضح المعالم فى مدينة «ناتانز» الواقعة بإقليم أصفهان بإيران والتى توحى بأن هذا المبنى ربما يكون مستخدمًا لأغراض تخصيب اليورانيوم.
وفى منتصف أغسطس عقد ممثلون عن المجلس الوطنى للمقاومة فى إيران، وهو كيان إيرانى سياسى معارض، مؤتمرًا صحفيًّا فى واشنطن ليعلنوا عن قيام طهران ببناء منشأة نووية سرّا فى «ناتانز».
وبدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى التحقيق فى الأمر، وفى شهر سبتمبر، وخلال المؤتمر العام للوكالة بحثت عن غلام رضا آغازاده للتحدث معه. وآغازاده رجل ضئيل البنية شديد الجدية، يشغل منصبين: فهو نائب لرئيس الجمهورية الإيرانية، كما أنه فى الوقت نفسه مدير للمنظمة الوطنية للطاقة النووية فى إيران.
وعلى هامش الاجتماع انفردت بآغازاده وسألته عن حقيقة المنشأة التى تم تصويرها فى «ناتانز»، وما إذا كانت فعلا تُستخدم لأغراض التخصيب؟ مقترحًا أنه ربما يجب أن نقوم بزيارة لهذا الموقع للتحقق من حقيقة ما يدور فيه.
وقد رد آغازاده بابتسامة! قائلا: «بالطبع سنوجه لكم الدعوة قريبا، وعندئذ سيتم إيضاح كل شىء». ولم أجد فى ما قاله آغازاده شيئا يطمئننى.
ومما زاد الشكوك هو تأخر تلك الدعوة لزيارة «ناتانز»، والتى توالت الحجج لتبرير هذا التأخير بدءا من غياب الرئيس الإيرانى خامنئى عن البلاد فى مهمة عمل بالخارج، أو إصابته بوعكة صحية، أو أن المواعيد المقترحة لا تتناسب وجدول مواعيد كبار المسؤولين فى إيران. واستمرت هذه المماطلة لشهور متتالية.
وفى خلال هذه الشهور كنت قد التقيت وزير الخارجية الأمريكى «كولين باول» و«ريتشارد آرميتاج» مساعد وزير الخارجية. وخلال هذا اللقاء أخبرتهما بأن السياسة الأمريكية إزاء إيران، والتى تقوم بالأساس على استخدام المقاطعة والعقوبات على طهران لمنعها من تطوير أسلحة نووية، ليست فى رأيى بالسياسة المُجدية.
فقد كان اعتقادى أنه لا فائدة ترجى من مجرد توقيع عقوبات على بلدٍ ما لسعى هذا البلد لامتلاك سلاح نووى فى غياب التعامل مع الأسباب الحقيقية التى أدت إلى السعى لذلك. كما أشرت إلى أن هذا النهج لا يمثل سياسة حقيقية ولا حتى يمثل استراتيجية بالمعنى البراجماتى للكلمة.
وقلت لـ«باول» و«آرميتاج» إن كل ما يمكن توقعه من هذا النهج هو تأخير قيام الدولة المعنية، فى هذه الحالة إيران، بتطوير السلاح النووى الذى تسعى له. ولم يعلق «باول» على ما قلت، لكن «آرميتاج» أبدى موافقته. واعتقدت عندئذ أن هذا دليل على أنهما ربما يتدبران فى ما قلت وهو ما قد يدعو للتفاؤل.
وفى الوقت ذاته كنت أدرس ملفات تعامل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع بلاد مثل الأرجنتين والبرازيل وجنوب إفريقيا. لقد تمكنت الأرجنتين والبرازيل من الحصول على التكنولوجيا اللازمة لتطوير دورة الوقود النووى، وذلك على الرغم مما تعرضتا له من تضييق على وارداتهما عبر سنوات طويلة. أما جنوب إفريقيا، والتى تعرضت لنفس القدر من التضييق فقد تمكنت من أن تطور دورة الوقود النووى بما يكفى لأن تُصنّع سلاحا نوويّا، وإن كانت قد اختارت بعد ذلك أن تتخلى طواعية عن هذا السلاح.
ووجدت أن أهم درس يجب تعلمه من خبرات التعامل مع هذه التجارب أن محاولة منع دولة ما من الحصول على التكنولوجيا النووية ذات الطبيعة الحساسة إنما يستفز الحماسة الوطنية لدى هذه الدولة، ويجعل هدف الوصول إلى تلك التكنولوجيا أولوية قومية تسعى لها هذه الدولة بكل طاقتها.
وفى النهاية، قررت طهران دعوتنا لزيارة إيران فى الأسبوع الثالث من فبراير من عام 2003 ولم يكن ذلك بالموعد المناسب على الإطلاق. ففى الوقت ذاته كانت كوريا الشمالية قد انسحبت لتوها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكان مجلس الأمن يشهد انقسامًا كبيرًا حول استخدام القوة فى العراق، وبدا أن وقوع هجمة عسكرية على العراق أصبح وشيكا. من ناحية أخرى فإن فِرق التفتيش التابعة للوكالة كان لديها أعباء تفوق طاقتها. ولكن الوقت كان قد حان للحصول على أجوبة للأسئلة التى طُرحت حول ما يجرى فى «ناتانز»، فقررت الذهاب برفقة «بيير جولدشميدت»، وهو عالم نووى بلجيكى كان نائبا للمدير العام للوكالة لشؤون الضمانات، و«أوللى هاينونين».
وفى أول مقابلة أجريناها فى طهران أقر آغازاده والفريق المعاون له بأن المبنى قيد التساؤل فى «ناتانز» هو بالفعل منشأة كبيرة لتخصيب اليورانيوم، لكنهم أصروا على أنه لم يتم بناؤه بغرض إخفائه عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأضاف أنه بناء على اتفاق الضمانات المبرم مع الوكالة فإنهم ليسوا ملتزمين بإبلاغها إلا قبل إدخال المواد النووية بـ180 يومًا إلى المنشأة، ومن ثَمَّ فإن موقفهم سليم، حيث لم يتم إدخال أى مواد نووية إلى المنشأة، ولم يتم فيها أى عمليات تخصيب.
وفى اليوم التالى توجهنا إلى «ناتانز»؛ وهى بلدة جبلية صغيرة معروفة ببساتينها ويحيط بها عدد من المواقع الدينية. رافقنا فى هذه الزيارة آغازاده ونائبه محمد سعيدى وعدد كبير من المهندسين والفنيين الإيرانيين. وتوقفنا فى البداية أمام مبنى بلا معالم واضحة لونه لون الرمال ويشبه المستودع، وعندما دخلناه وجدنا قاعة كبيرة مقسمة إلى ستة أجزاء، وقد ذكر أغازادة أن تلك القاعة هى منشأة تجريبية لتخصيب اليورانيوم. وقد تم تجميع عشرين جهاز طرد بالفعل، لكن كل جزء من الأجزاء الستة فيها يمكن أن يسع 164 جهازا، أى بعدد إجمالى يقرب من الألف، ثم توجهنا بعد ذلك إلى طابق تحت الأرض فى البناء نفسه، حيث وجدنا قاعة مدهشة، كانت فارغة تماما، لكنها يمكن أن تسع أكثر من خمسين ألف جهاز طرد. ولم يتردد آغازاده أو معاونوه فى تقديم الإجابات عن الأسئلة الفنية التى طرحناها عليهم فى هذا الصدد.
أوضحت لنا هذه الزيارة أمرين رئيسيين، الأول يتعلق بمدى الطموح النووى لإيران وهو ما يتطلب إعادة تقييم كاملة لطريقة التعامل معها من قِبل الوكالة، لأن ما رأيناه فى «ناتانز» يتجاوز بكثير المفاعل النووى الذى قدمته روسيا لإيران فى بوشهر، الذى تعاقدت فيه على توريد الوقود النووى. لكن منشأة «ناتانز»، عندما يتم تشغيلها بصورة كاملة ستكون قادرة على تزويد مفاعلَيْن أو ثلاثة مفاعلات قدرة 1000 ميجاوات بالوقود. فما المنشآت الأخرى التى تخطط لها المنظمة الإيرانية أو تقوم ببنائها؟ أما الأمر الثانى فيتعلق بطبيعة المعلومات التى قدمها آغازاده حول المنشأة التى زرناها فى إيران والتى أصر على أن طهران قد قامت ببنائها وتجهيزها معتمدة كلية على القدرات الإيرانية دون اللجوء إلى أى جهات خارجية، وأنها لم تبدأ بعد فى استخدام أى مواد نووية فى الاختبارات التى جرت فى هذه المنشأة، وهو الأمر الذى لم يكن خبراؤنا على يقين كامل من صدقه.
وقد تعززت هذه الشكوك خلال اللقاء الذى جمعنى مع الرئيس سيد محمد خاتمى، الرئيس الإيرانى الودود الذى يجيد الحديث بلغات أجنبية عديدة، وكان رئيسا للمكتبة الوطنية، والذى وصل إلى الحكم فى عام 1997 على أساس برنامج للإصلاحات الاجتماعية، وبقى متمتعا بشعبية كبيرة رغم عدم تمكنه من الوفاء بكامل وعوده فى إطلاق حرية التعبير وتقوية أسس المجتمع المدنى. كما كان معروفا دوليّا بدعوته إلى حوار الحضارات. وقد شارك فى لقائنا مع الرئيس الإيرانى، سفير إيران فى فيينا على أكبر صالحى الذى خلف آغازاده فى ما بعد فى ترأس المنظمة الوطنية للطاقة النووية فى إيران. وقد تولى صالحى عملية الترجمة.
وفى البداية رحّب بى خاتمى ترحيبًا حارّا، ثم تحدث باللغة العربية لدقائق قليلة وهى اللغة التى يجيدها بوصفه دارسًا للقرآن ثم انتقل إلى الفارسية، وقام صالحى بترجمة كلماته التى أكد فيها أنه ليس فى المنشأة الكائنة فى «ناتانز» ما يدعو لقلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأنها استخدمت فقط الغاز الخامل فى تشغيل أجهزة الطرد المتتابعة. لكن خاتمى تحدث بتفاصيل فنية متخصصة حول تبريد أجهزة الطرد بدون استخدام مواد نووية، وجدتها غير متطابقة مع خبراته وطبيعة دراسته واهتماماته. ورغم أننى كنت أتفهم رغبة خاتمى فى التأكيد على أن إيران لم تخرق تعهداتها القانونية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن ذلك لم يُجِب عن التساؤلات التى دارت فى ذهنى حول طبيعة حديثه الفنى، لكن الأشهر التالية قدمت بعض الإيضاحات.
كانت المعلومات الاستخباراتية قد أفادت بوجود مصنع لإنتاج أجهزة كهربائية فى منطقة قريبة من طهران اختبر فيها الإيرانيون عددا من أجهزة الطرد مماثلة لتلك الموجودة فى «ناتانز». ولم يكن المصنع منشأة نووية، وأكد لنا الإيرانيون أنه لم يتم فيه سوى «دراسات محاكاة». فإذا صح ذلك فإنهم يكونون فى حدود حقهم فى عدم إبلاغ الوكالة به. لكن كيف لنا أن نتأكد من ذلك إذا لم يُسمح لنا بالتحقق مما يقولون. وقعنا إذن فى المأزق التقليدى. فعدم الإخطار بأن هذا المصنع يقع ضمن المنشآت النووية يحول دون حق الوكالة من الناحية القانونية فى تفتيش هذا المبنى بناء على مجرد الاشتباه، لأن إيران لم تكن موقِّعة على البروتوكول الإضافى لمعاهدة منع الانتشار النووى الذى يسمح لمفتشى الوكالة بتفتيش أماكن لم تعلن عنها الدولة. وفى ضوء ما كانت تعلنه إيران دائما من أنها تتبع سياسة تقوم على الشفافية الكاملة فى تعاملها مع الوكالة فقد طلبنا من السلطات الإيرانية أن تسمح لنا بزيارة المصنع محل التساؤل وبأخذ عينات للمسح البيئى. كانت تلك هى الوسيلة الوحيدة للتحقق مما تقوم به إيران فى هذا المصنع.
وبعد فترة قبلت إيران على مضض بقيام مفتشى الوكالة بزيارة المصنع، لكنها لم تسمح لهم بأخذ العينات المطلوبة للمسح البيئى، ولكن بعد عدة أشهر وافقت إيران على السماح للمفتشين بأخذ عينات بيئية (باستخدام قطع من القماش تمسح بها أسطح محددة)، وهو ما قاموا به بالفعل، لكنهم لاحظوا وجود تعديلات واضحة فى المصنع خلال هذه الزيارة بالمقارنة لما كان عليه فى زيارتهم الأولى، وقد أدى ذلك إلى قلقهم من أن يؤثر ذلك على دقة تحليلاتهم. ومع هذا، فإن تحليل العينات أكد أن هناك ما يدل على استخدام مواد نووية فى اختبارات أجهزة الطرد. وفى ضوء هذا فإن إيران قد ضُبطت متلبسة بمخالفتها لالتزاماتها القانونية طبقا لاتفاق الضمانات مع الوكالة.
ومع الوقت بدأ مزيد من التفاصيل فى الظهور على السطح، ومن ذلك التماثل الكبير بين الأجهزة الموجودة فى منشأة «ناتانز» مع مثيلات لها فى دول أوربية على الرغم مما قاله الإيرانيون من أن هذه المنشأة تم بناؤها وإعدادها اعتمادا على القدرات الإيرانية الوطنية وبدون اللجوء إلى أى مساعدة من أى جهة خارجية. غير أنه بمواجهة المسؤولين الإيرانيين عن نتائج التحليل قرروا أن بعض مكونات الأجهزة المستخدمة فى منشأة «ناتانز» وفى المصنع تم استيرادها، وأن النتائج الإيجابية للتحليل ربما ترتبط باستخدامات سابقة لهذه الأجهزة فى بلد المنشأ. وفى الواقع أننا وجدنا في ما بعد أن تكنولوجيا أجهزة الطرد الموجودة فى إيران جاءت بالكامل من دول أخرى.
ولم تكن مسألة استيراد إيران أجهزة الطرد لمنشأة «ناتانز» من عدمها مسألة ثانوية، لأنه كان من شأن الإجابة عن هذا السؤال أيا كانت الإجابة أن تتحصل الوكالة على معلومات تحتاج إليها بشدة، فإذا كانت إيران اعتمدت حصريّا على قدراتها فإن ذلك يعنى أن برنامج البحث والتطوير النووى أوسع بكثير من ذلك الذى أقرت به إيران، وأن عملية البحث والتطوير ربما تكون قد شملت بعض النشاطات النووية غير المعلن عنها من قِبل طهران. أما فى الحالة الثانية فإن ذلك يعنى أن بلدا أو بلدانا أخرى هى التى زودت إيران بهذه التكنولوجيا.
بموازاة ذلك تم الكشف عن كميات من اليورانيوم غير المخصب التى استوردتها إيران من الصين فى معمل جابر بن حيان بمركز طهران للبحوث النووية. ولم يكن قد سبق لإيران أن أخبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن هذا المعمل أو عن هذه الكمية من اليورانيوم غير المخصب. وعلى الرغم من وجود بعض المؤشرات على أن عملية التحويل التى خضع لها هذا اليورانيوم توحى بأنه يُستخدم بالأساس لأغراض سلمية إلا أن المفتشين وجدوا فى المخازن ثلاث أسطوانات من غاز اليورانيوم «uf4» وهو مادة التلقيم اللازمة للتخصيب وكانت كمية الغاز فى إحداها ناقصة. وبسؤال الإيرانيين عن ذلك قالوا إن الغاز لا بد أنه تسرب. ولقد أدركت مبكرًا أننا بصدد التعامل مع فريق يبدو مستعدّا للمراوغة لتحقيق أهدافه، وعلى هذا فإن علينا أن لا نقبل بأى تأكيدات يقدمها الإيرانيون بدون الحصول على الأدلة المادية على هذه التأكيدات. صحيح أن التحقق أمر يدخل فى صميم عمل الوكالة فى كل الأحوال، إلا أنه بدا أكثر ضرورة فى هذه الحالة، ولا سيما وأن هذا النهج من المراوغة والخداع حظى بتأييد ومساندة أعلى المستويات فى الحكومة الإيرانية.
ففى مايو 2003، قام آغازاده بإلقاء كلمة أمام مجلس السفراء المعتمدين فى فيينا، حيث أكد أن بلاده لم تستخدم أى مواد نووية فى تجربة أجهزة الطرد لديها.
لقد التقيت بالعديد من المسؤولين الإيرانيين بجانب الرئيس خاتمى وآغازاده، ومهدى كروبى رئيس البرلمان الإيرانى وعلى أكبر رافسنجانى، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، والرئيس الإيرانى السابق. ولقد كانوا جميعا شخصيات لها هيبة وقدرة على الحديث الرصين، وبدوا لى جميعا أن لديهم معلومات دقيقة حول تفاصيل برنامج التخصيب، وقد أكدوا جميعا فى حديثهم معى أن البرنامج النووى الإيرانى مقصور على الأغراض السلمية فقط.
وربما كان رافسنجانى أكثر هؤلاء فى الحنكة السياسية، ولقد أخبرنى فى لقاء له فى القصر الذى يقيم به أنه رجل اختبر الحروب ورأى ويلاتها ورأى ضحايا الأسلحة الكيميائية من أبناء بلده خلال الحرب العراقية الإيرانية، وهو لا يمكن له أن يكون داعية لحوار الحضارات، وأن يدعو فى الوقت نفسه لتطوير سلاح نووى.
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 28-09-2012, 05:28 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثالثة عشر
أخبرنى كثيرون، بمن فى ذلك الرئيس المصرى مبارك، أن العقيدة الشيعية تسمح لأتباعها باستخدام المراوغة كوسيلة لتحقيق هدف مشروع. وقيل لى إن الكلمة المستخدمة فى هذا الصدد هى كلمة «تقية»؛ أى اتقاء الضرر الذى قد يصيب الإنسان أو هؤلاء المسؤول عنهم.
من جانبى فلقد أخبرت المسؤولين الإيرانيين أنه بغضّ النظر عن الأسباب أو الأهداف وراء مراوغتهم، فإن هذه المراوغة تسببت فى ضرر بالغ لعلاقتهم بالمجتمع الدولى، مشيرا إلى أن رصيدهم من الثقة لدى المجتمع الدولى بدأ ينفد بالفعل بل وأصبح سلبيّا. ولكن المسؤولين الإيرانيين لم يكونوا يشعرون بأى حرج إزاء مراوغتهم، بل إنهم كانوا يجدون تبريرات لهذه المراوغة فى ما وصفوه بعقود متتالية من اتّباع الغرب سياسة ازدواج المعايير فى التعامل مع إيران.
وكانت إيران فى عهد الشاه قد أعلنت اعتزامها بناء ثلاثة وعشرين مفاعلا نوويّا كبيرا لتوليد القوى للأغراض السلمية، بدعم واضح من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها، وبدأت بالفعل فى سنة 1975 فى التعاقد مع شركات ألمانية لبناء أولى هذه المحطات فى بوشهر. كما حصلت على حصة قدرها 10% فى شركة متعددة ال***يات تدير مصنعا لتخصيب اليورانيوم فى فرنسا، ولكن الأمر توقف تماما مع قيام الثورة الإسلامية فى 1979 التى أطاحت بحكم الشاه. فقد رفضت الشركة الألمانية الاستمرار فى بناء منشأة بوشهر وأوقفت الولايات المتحدة تزويد إيران بالوقود اللازم لمفاعلها البحثى، كما رفضت فرنسا الاستمرار فى إمداد إيران بمزيد من اليورانيوم المخصب على الرغم من محاولات إيران العديدة، وعلى الرغم من حصة إيران فى الشركة متعددة ال***يات. وفى ضوء تاريخهم السابق فإن المسؤولين الإيرانيين كانوا يصرون على أن لهم الحق فى ما يقومون به، خصوصا أنهم كانوا يؤكدون أن الحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية هو أحد أولويات السياسة الإيرانية.
كذلك فقد أكد الإيرانيون ضرورة حصولهم على دورة الوقود النووى لأنه ليس هناك فى العالم مَن يزودهم بالوقود النووى سوى روسيا، التى قالوا إنها لا تلتزم دائما بما يتم الاتفاق عليه، وإنها تبالغ فى المقابل المادى الذى تحصل عليه لهذا الوقود.
من ناحية أخرى، أكد الإيرانيون أنه لم يكن لديهم حيلة فى التزام السرية إزاء المنشآت والمواد النووية، وأرجعوا ذلك إلى النظام الصارم للعقوبات المطبقة عليهم من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، الذى حال دون إمكانية حصولهم على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، الأمر الذى تسبب فى اعتمادهم على السوق السوداء لاستيراد المعدات والمواد النووية اللازمة، والذى أدى إلى كلفة مالية طائلة بالنسبة إليهم وصلت فى بعض الأحيان لأربعة أضعاف الأسعار فى الظروف العادية. أما الاحتفاظ بسرية البرنامج لأطول وقت ممكن فقد كان أمرا ضروريا، كما أكدوا مرارا.
وفى الدوائر الدبلوماسية بڤيينا فإن الولايات المتحدة الأمريكية، التى تولت قيادة المجهود الغربى لعزل إيران لأكثر من عقدين، لم تُبْد أى رغبة فى محاولة تفهم التبريرات الإيرانية. وبالنسبة إلى واشنطن فإن كذب إيران دليل دامغ على أنها تسعى لتطوير أسلحة نووية. وبالطبع فإن الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج لم يكن لديه ما يؤيده من الدليل الفعلى. ولم تكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتعتد بأى شىء سوى الدليل الفعلى قبل أن تصل إلى مثل هذا الاستنتاج. لكن بلدانا غربية أخرى أخذت تردد المواقف الأمريكية المؤكدة عزم إيران على امتلاك السلاح النووى، بينما أبدى عديد من الدول النامية تعاطفها مع اضطرار إيران لالتزام السرية تفاديا لتعرضها لمزيد من العقوبات. وكانت هذه السابقة من جانب إيران مدعاة للقلق بالنسبة إلىّ. وبدأ الانقسام يظهر فى مجلس محافظى الوكالة بين دول الشمال ودول الجنوب.
وطَوال صيف وخريف 2003 كنا دوما نواجَه بمزيد ومزيد من الأسئلة التى لا إجابات لها حول البرنامج النووى الإيرانى، كما أن ملاحظات المفتشين ونتائج المسح جاءت على خلاف الموقف الإيرانى. والأكثر من ذلك أن المفتشين كانوا على قناعة بأن إيران لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه فى ما يتعلق بدرجة تطور برنامجها النووى لو لم تكن قد قامت بإجراء اختبارات أوسع بكثير مما أقرت به.
فعلى سبيل المثال أوضحت زيارة مفتشى الوكالة إلى منشأة لليزر فى عسكر أباد مدى التقدم فى استخدام بخار الليزر الذى يمكن أن يُستعمل مباشرة فى التخصيب، ومع ذلك أفاد الإيرانيون بأنهم لم يقوموا بإجراء أى تخصيب من هذا النوع. ولاحظ المفتشون كذلك أن رسومات المفاعل «IR 40»؛ وهو مفاعل بحثى يعمل بالماء الثقيل، كان من المقرر أن يبدأ بناؤه فى آراك فى سنة 2004، لم تشمل تخطيطا «للخلايا الساخنة»؛ وهى غرف خاصة مجهزة بمعدات تحكّم عن بُعد حتى يمكن فيها معالجة المواد المشعة، بما فى ذلك فصل البلوتونيوم، دون تعرض لمخاطر الإشعاع؛ ومع ذلك فإنه كانت هناك دلائل على جهود تبذلها إيران للحصول من الخارج على أجهزة التداول ونوافذ مصنوعة من الرصاص، لاستخدامها فى الخلايا الساخنة وفى منشآت تحويل اليورانيوم فى أصفهان وفى غيرها من المعامل، وهى ذات تصميم جيد ومكتملة إلى حد بعيد، صمم الإيرانيون على أنهم لم يقوموا بمحاولات لتحويل اليورانيوم. واستمر الأمر كذلك حتى واجهناهم بنتائج مخالفة للعينات وبأسئلة كثيرة من جانب مفتشى الوكالة. عندئذ تحول الإنكار المتكرر إلى اعتراف تدريجى بأن العلماء النوويين الإيرانيين قاموا بالفعل بتجارب فى جميع مراحل تحويل اليورانيوم تقريبا.
كان الوقت قد حان لمواجهة صريحة مع الإيرانيين، فسافرت إلى طهران فى 16 أكتوبر والتقيت هذه المرة مع حسن روحانى الأمين العام لمجلس الأمن القومى الإيرانى، ولقد كانت تلك المقابلة فاصلة بالفعل. وبعد تبادل عبارات المجاملة تحدثت معه بصراحة مطلقة عن سلسلة من الأمور الموضوعية مثل اختبار أجهزة الطرد وفصل نظائر الليزر وتحويل اليورانيوم ومشروع مفاعل الماء الثقيل ونتائج اختبارات الوكالة للعينات، وضعتها أمامه كاملة، وأكدت له فى الوقت نفسه أن سياسة المراوغة والتراجع التى تتبعها طهران لا يمكن أن تستمر.
ويبدو أن روحانى كان متوقعا لما قلته، وبالتالى فبدلا من الاستمرار فى المراوغة أكد لى أن إيران مستعدة لفتح صفحة جديدة من التعاون مع الوكالة. وأن القيادة السياسية فى إيران قررت مد الوكالة بكل تفاصيل نشاط طهران النووى السابق والحالى، على أن يتم ذلك خلال الأسبوع التالى. كما قال لى إن إيران مستعدة للانضمام إلى البروتوكول الإضافى للوكالة الدولية للطاقة الذرية طبقا لأحكام البروتوكول الإضافى، بل وإنها يمكن أن تسمح بتوسيع نطاق التفتيش أمام مفتشى الوكالة طبقا لأحكام البروتوكول الإضافى إلى أن يدخل البروتوكول حيز النفاذ.
وكان روحانى فى الوقت نفسه يجرى مفاوضات غير معلنة مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وفى 21 أكتوبر صدر إعلان طهران؛ وهو اتفاق بين طهران وباريس وبرلين ولندن، يؤكد النقاط الرئيسية التى كان روحانى قد طرحها علىَّ خلال اللقاء معه فى طهران، ويؤكد استعداد إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما فى ذلك العمل على تطبيق البروتوكول الإضافى، بل ويعلن استعداد إيران لوقف أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة خلال فترة المفاوضات التى تجرى مع الدول الأوروبية الثلاث فى بادرة لحسن النية من قِبل طهران. فى المقابل أقرت الدول الأوروبية الثلاث بالحقوق المشروعة لإيران فى تطوير تكنولوجيا نووية، كما اتفقت على التفاوض للوصول إلى حزمة من الضمانات التى تقدمها إيران حول الطبيعة السلمية لبرنامجها النووى. وأقرت الدول النووية، بموجب نفس الإعلان، أنه فور التوصل إلى حزمة الضمانات اللازمة فإن هذه الدول ستقدم لإيران تكنولوجيا متقدمة، بما فى ذلك التكنولوجيا النووية.
وبعد يومين من صدور هذا الإعلان، تلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسالة من آغازاده يعلن فيها اعتزام إيران بدء مرحلة جديدة من الثقة والتعاون مع الوكالة. وقد أقر خطاب آغازاده بكثير من النشاطات التى طالما أنكرتها إيران، بل إنه إضافة إلى ذلك قام بتقديم معلومات لم تكن متاحة للوكالة من قبل حول البرنامج النووى الإيرانى.
وقد تبين من خطاب آغازاده أن إيران اختبرت أجهزة طرد بمواد نووية فى مصنع «كالاى» باستخدام غاز «UF6» الذى كان قد «تسرب» من إحدى أسطوانات معمل جابر بن حيان، وأجرت اختبارات تخصيب بواسطة الليزر طَوال التسعينيات. وقامت بتجارب لإعادة المعالجة فى مركز طهران للبحوث النووية وقامت بفصل كمية صغيرة من البلوتونيوم. كما أنه تبين استخدام مواد نووية لم يسبق الإبلاغ عنها من قبل، فى تجارب موسعة لتحويل اليورانيوم. ولم يشر أى من هذه الأنشطة صراحة إلى وجود برنامج تسلح نووى، ولكنها كانت تشكل معا برنامجا يكاد يكون شاملا لدورة الوقود النووى تم فى معظمه سرا.
-وفى العاشر من نوفمبر 2003 قدمت لمجلس محافظى الوكالة تقريرا مفصلا حول عمل الوكالة المتعلق بإيران، وأشرت فى هذا التقرير إلى «سياسة المراوغة» التى اتبعتها إيران، وإلى أن تقديم المعلومات من قِبلها جاء «محدودا» وفى الأغلب فى إطار إجابات عن أسئلة طرحتها الوكالة على طهران. كما شمل التقرير أيضا، تفصيلا عما تلا ذلك من استعداد إيران لإبداء التعاون وحُسن النية والتعامل بشفافية وتعليق نشاطات التخصيب والتحويل لليورانيوم، بل وقرارها توقيع البروتوكول الإضافى وتنفيذه.
ولم يكن هناك اختلاف مع أىٍّ مما جاء فى هذا التقرير من قِبل مجلس المحافظين. وفى الجزء الختامى من التقرير أوضحت تقديرنا المرحلى لوضع إيران من حيث انتشار الأسلحة النووية، وأكدت أن ما عثرت عليه الوكالة من دلائل على نشاطات نووية ومن مواد نووية «حتى الآن لا يعد دليلا على وجود برنامج لدى إيران لامتلاك السلاح النووى»، وأضفت أنه فى ضوء ما سبق من سياسات مخادعة من قِبل إيران فلا بد للوكالة من «مزيد من الوقت قبل أن تستطيع القول بصورة نهائية إن برنامج إيران النووى هو فقط لخدمة أغراض سلمية».
كان التقرير قائما على الحقائق بصورة كاملة، وتمت صياغته بلهجة مباشرة. غير أن هذا التقرير قوبل بانتقاد حادٍّ من قِبل جون بولتون مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشؤون نزع السلاح والأمن الدولى، والذى قال إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان ينبغى عليها أن تتبع نهجا أكثر تشددا إزاء إيران. واستتبع ذلك نقاش مطول فى أروقة الوكالة والدوائر الدبلوماسية فى ڤيينا حول المعنى القانونى الدقيق لكلمة «دليل» بالنظر إلى ما جاء فى تقريرى بأنه «لا دليل حتى الآن» على سعى إيران لامتلاك السلاح النووى. وصمم بولتون على الرد بعنف، وكلف كين بريل؛ مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى الوكالة بقراءة بيان فى مجلس المحافظين قال فيه: «إن المؤسسة التى كلفها المجتمع الدولى بالتحقق من مخاطر الانتشار النووى تتجاهل وقائع هامة أسفرت عنها تحقيقاتها ذاتها»، وأضاف أن «استعادة الوكالة لمصداقيتها التى تعرضت لكثير من الأذى» هو أمر سيتطلب مزيدا من الوقت.
ولقد كان لدى بريل من الكياسة ما يكفى لأن يحيطنى علما مسبقا بالبيان الذى سيلقيه أمام مجلس المحافظين، وبرغم ذلك فقد شعرت بالغضب لدى تلاوته فى المجلس فقمت على الفور ودون أن يكون لدىّ نص معد بالرد على ما جاء فيه والدفاع عن عمل الوكالة ونزاهتها، مشيرا إلى أن التقدم الذى حققته الوكالة فى الكشف عن الصورة الحقيقية لبرنامج إيران النووى فى خلال عشرة أشهر يتجاوز بكثير ما استطاعت أفضل أجهزة المخابرات فى العالم تحقيقه فى عشر سنوات كاملة.
وفى المداخلة ذاتها وجهت نقدا شديدا لما وصفته بـ«التركيز الأمريكى المفتقر إلى المنطق» على ما يمكن اعتباره بـ«الدليل» على نية إيران امتلاك السلاح النووى. وفى هذه المداخلة اعتمدت على التوصيف القانونى لكلمة «دليل» حسبما يُشار إليه فى واحد من أهم المراجع القانونية التى كنت أعتمد عليها خلال سنوات دراستى للقانون الدولى فى نيويورك منذ أكثر من 30 عاما.
وقلت بوضوح إن الوكالة الدولية تجيد اختيار الألفاظ المستخدمة، وتعرف بدقة ما الذى يمكن وصفه بـ«الدليل»، وما الذى لا يمكن وصفه بذلك، مشيرا إلى المصداقية التى حققتها الوكالة فى هذا الصدد خلال تعاملها مع برنامج العراق النووى، وكانت إشارتى واضحة أن الأمريكيين وحلفاءهم هم الذين لم يعرفوا ما الذى يمكن اعتباره دليلا على سعى دولة ما لتطوير سلاح نووى، عندما سارعوا ببدء حرب كارثية مع العراق. حيث كنا نرى كل يوم الدليل على تبعات رغبة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اتباع معلومات مخابراتية غير موثقة باعتبارها دليلا على أن العراق كان ما زال لديه برنامج للأسلحة النووية. وكان ما يدور فى خاطرى فى تلك اللحظة أنه من غير الأمانة على الإطلاق أن يهاجم أحد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاختيارها توخّى الدقة فى عملها.
ولقد كان وَقْع هذه المداخلة على الجالسين فى قاعة الاجتماع صادما؛ فلم يكن أىّ من الحضور يتصور إمكانية حدوث مثل هذه المصادمة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وخلال إلقائى مداخلتى لم أرفع صوتى مرة، ولكن المواجهة المباشرة كانت أسلوبى. وعندما بادر رئيس المجلس لدعوة المتحدث التالى لأخذ الكلمة رأيت أن أغادر القاعة لأستعيد كامل هدوئى. وبعد انتهاء الاجتماع قال لى بعض من المشاركين فيه، بما فيهم سفير الصين، إن هذا كان «يوما تاريخيّا» تمكَّن فيه موظف دولى من الوقوف أمام محاولة الولايات المتحدة الأمريكية فرض آرائها وأجندتها قسرا.
بمجرد الإعلان عن النشاطات النووية الإيرانية التى لم يسبق الإبلاغ عنها، كتبت مقالا فى مجلة «الإيكونومست» البريطانية مقترِحا أن يتم تشغيل دورة الوقود النووى فى كل أنحاء العالم تحت مراقبة دولية، متعددة الأطراف. ولم تكن هذه الفكرة جديدة بل إنها كانت منذ سبعينيات القرن العشرين محل دراسات ومناقشات فى لجان عديدة. بل إن هذا الأمر كان قد طُرح، ولو بصورة غير مباشرة، فى سنة 1953 من جانب الرئيس الأمريكى آيزنهاور، فى خطابه الشهير بشأن «الذرة من أجل السلام».
ولكن هذا الأمر أصبح أكثر إلحاحا مع الانتشار السريع والمتزايد للتكنولوجيا والخبرة النووية بالطرق القانونية والطرق غير القانونية على حد سواء؛ لأن قيام كل دولة بتشغيل دورة الوقود النووى الخاص بها يفتح بابا لا يمكن إغلاقه أمام أخطار انتشار الأسلحة النووية. وبالتالى فإن الحل يكمن فى التعامل الدولى مع هذا الأمر من خلال بناء منشآت مركزية تحت إشراف وإدارة عدد من الدول لتشغيل دورة الوقود النووى وبحيث يستفيد منها كل المشاركين فى ملكية وإدارة هذه المنشآت، وهذا يمكن أن يَحُول دون أخطار انتشار التسلح النووى، وفى الوقت نفسه يمكّن الدول التى تستخدم الطاقة النووية بصورة قانونية أن تحصل على احتياجاتها من الوقود النووى لتشغيل مفاعلاتها. إضافة إلى ذلك فإن الفوائد الاقتصادية لهذا المشروع واضحة؛ لأنه يخفض من التكاليف الباهظة التى تنفق من قِبل كل دولة لبناء المنشآت اللازمة لتخصيب اليورانيوم أو فصل البلوتونيوم. لكن الهدف الأهم الذى يمكن لهذا الاقتراح أن يحققه هو الحيلولة دون تحويل أىّ من المواد النووية إلى أسلحة نووية.
وحظى هذا المقال بكثير من الاهتمام، وبدأ تداول الفكرة المطروحة فيه والنقاش حولها على نطاق واسع. وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى السعى للترويج لفكرة «شراكة دولية من أجل الطاقة النووية». واقترح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إنشاء شبكة من مراكز تشغيل دورة الوقود النووى. واقترحت ألمانيا إنشاء مركز يمكن من خلاله أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالإشراف على عملية دولية لتخصيب اليورانيوم.
أما تيد تيرنر وسام نان، ولكليهما دور مرموق فى مجال مكافحة انتشار التسلح النووى، فقد تحركا نحو إقناع وارين بافيت وهو رجل أعمال أمريكى ينفق من أمواله لخدمة الأغراض النبيلة للإنسانية بتقديم تبرع بمبلغ 50 مليون دولار لبناء مخزون من الوقود النووى يكون تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شريطة أن تقوم الحكومات بتقديم 100 مليون دولار من جانبها كخطوة أولى نحو دعم هذا المشروع.
ولكن مناخ الثقة الذى كان آخذا فى التزايد لم يستمر طويلا؛ فلقد تقدمت ست دول هى: أمريكا وروسيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا بمقترح لمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يضمن توفير الوقود النووى للدول الراغبة فى الحصول عليه، شريطة أن تقوم هذه الدول بالتخلى عن حقوقها المقررة وفقا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فى ما يتعلق بحق التخصيب وحق إعادة معالجة البلوتونيوم.
وكان هذا الطرح مختلفا بصورة جذرية عن الطرح الذى كنت عرضته من خلال مقالى بمجلة «الإيكونومست». ذلك أننى كنت أرى أن إقامة منشآت دولية متعددة الأطراف لدورة الوقود النووى يعتبر المرحلة الأولى فى عملية متعددة المراحل من شأنها تقريب المسافة بين الدول التى تمتلك التكنولوجيا والقدرة النووية وتلك التى لا تمتلكها، بما يسهم فى خدمة هدف الحد من انتشار التسلح النووى وصولا إلى مرحلة نزع الأسلحة النووية.
أما الاقتراح المقدَّم من الدول الست فلم تتجاوز أهدافه سوى الهدف العاجل المتعلق بالحد من انتشار التسلح النووى، بطريقة ليس من شأنها إلا توسيع الفجوة بين الدول النووية والدول غير النووية لأن الرسالة التى كان ينطوى عليها هذا الاقتراح مفادها تأكيد رغبة الدول التى تمتلك تكنولوجيا دورة الوقود النووى فى الاستمرار فى احتكار تلك التكنولوجيا.
ولأننى كنت أستطيع أن أتوقع أن ذلك الاقتراح بصورته الحالية لن يلقى التوافق، بل سيكون محل خلاف كبير، طالبت برفع الشرط المتعلق بتنازل الدول عن حقوقها المقررة فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية المتعلقة بتشغيل دورة الوقود النووى، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية أصرت على بقاء الشرط ووزع الاقتراح على جميع أعضاء مجلس المحافظين. وكما توقعت، أثار الأمر كثيرا من الهواجس، ليس فقط لدى الدول النامية، ولكن أيضا لدى دول متقدمة لم تقم باستكمال دورة الوقود النووى مثل كندا وإيطاليا وأستراليا، وكلها كانت تريد أن تظل الخيارات متاحة أمامها فى المستقبل. كما أن هناك دولا أخرى مثل اليابان وألمانيا وهولندا والبرازيل والأرجنتين اتخذت موقفا وسطا: فهى لم تكن تمتلك أسلحة نووية لكن تمتلك تكنولوجيا دورة الوقود النووى مما جعلها فى وضع أفضل. وما من دولة لها مثل هذه الميزة على استعداد للتخلى عنها لصالح برنامج دولى من شأنه الحد من مخاطر الانتشار.
وقد سمم هذا الاقتراح الأجواء. فالدول التى لم تكن لديها تكنولوجيا دورة الوقود النووى أصبحت تنظر إلى كل اقتراح لاحق بكثير من الريبة باعتباره حلقة فى سلسلة من الحيل التى ترمى إلى حرمانهم من حقوقهم. وتفاقمت فجوة الثقة بين الدول النووية والدول غير النووية، التى كانت ملموسة أصلا، وظلت تسيطر على آفاق الدبلوماسية النووية الدولية.
فمنذ سقوط أول قنبلة نووية على هيروشيما، أصبح امتلاك قلة من الدول الأسلحة النووية حافزا للتنافس بين الآخرين من أجل الحصول عليها. ولم يؤد رفض معظم الدول المالكة الأسلحة النووية الاعتراف بتلك العلاقة السببية إلا إلى ترسيخ ذلك. ورغم أن المعاهدة أوضحت أن امتلاك خمس دول الأسلحة النووية ليس إلا مرحلة انتقالية تمهيدا لنزع السلاح النووى، فإن الأمر بعد ثلاثة وثلاثين عاما ظل على ما كان عليه. فكل بيان صادر عن إحدى الدول المالكة السلاح النووى يؤكد قيمة الردع التى يمثلها، وكل تصرف لتحسين أو تحديث ترساناتها النووية، يأتى بمثابة مؤشر على سوء النية بالنسبة إلى الذين لا يملكون هذا السلاح.
ولقد كان لهذا التباين فى وجهات النظر أثره الواضح على النقاش الدائر بين أعضاء مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول ملف إيران، رغم أن أحدا لم يكن مرتاحا لما قامت به طهران من نشاطات نووية سرية حتى أولئك الذين كان لديهم التفهم لدواعى السرية التى اتخذتها إيران. واستمر مجلس المحافظين فى مطالبة إيران بتقديم كل ما لديها من معلومات حول منشآت أو مواد نووية، لكن فى الوقت نفسه كان هناك إحساس واضح بعدم الارتياح لرغبة الاحتكار النووى المسيطرة على الدول النووية. وبالتالى تفهم كثيرون رغبة إيران فى الحصول على تكنولوجيا دورة الوقود النووى. وإزاء عدم وجود دليل على سعى إيران للحصول على أسلحة نووية فإن هذه الدول لم تكن على استعداد لإدانة تصرفات إيران صراحة. ولم تؤد ضغوط الحكومات الغربية إلا إلى تعميق الفجوة بين الجانبين.
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 30-09-2012, 01:13 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الرابعة عشر
شهدت السنوات من 2003 وحتى خريف 2005 الكثير من الشد والجذب غير المعلن بين إيران والمجتمع الدولى. فمن جهة، كانت هناك لحظات تفاؤل نتجت عن صدور إعلان طهران، وتعهد إيران بالتزام الشفافية إزاء برنامجها النووى، ومن جهة أخرى ظهرت خلافات دولية حادة حول كيفية التعامل مع ملف إيران النووى. والواقع أن هذه الفترة شهدت كل المظاهر التى اتصف بها هذا الصراع المعقّد: التضحية بالحلول العملية فى سبيل مبادئ شديدة الغموض، والآثار السلبية لسياسات متشددة فى غير محلها، وتصعيد المواقف تمامًا كلما ظهرت دلائل معارضة جديدة.
أصبحت الوكالة -وبوجه خاص اجتماعات مجلس المحافظين- ساحة للصراع بين المواقف المتعارضة بشأن إيران. وكان من بين القضايا التى ثار حولها الخلاف فى المجلس فى مارس عام 2004 نوع أجهزة الطرد المركزى التى تستخدمها إيران فى تخصيب اليورانيوم، وما إذا كانت قاصرة على نموذج أولى من طراز «1-P» زودتها به باكستان أو إذا ما كان هذا النموذج قد تم تطويره إلى أكثر من ذلك وثبت بعد التحقيق والتفتيش خارج إيران أنها ربما سعت إلى إنتاج نموذج أكثر تطورًا من طراز «2-P»، وكان كلا الطرازين منقولين عن طراز أوروبى تمكّن من نقله العالم النووى الباكستانى عبد القدير خان فى أثناء عمله فى منشأة للتخصيب فى هولندا.
حتى هذه اللحظة لم يكن لدى مفتشى الوكالة علم بالعمل الذى يجرى بشأن الأجهزة من طراز «P-2». لكننا كنا نعرف أن الإيرانيين كانوا يحاولون البحث والتطوير لمختلف جوانب دورة الوقود النووى. كان هذا الطراز أكثر تقدمًا من سابقه وأكثر قدرة على التخصيب. وكان من غير المرجح أن يتخلى الإيرانيون عن العمل على إنتاج هذا الطراز إذا أُتيحت لهم الفرصة لذلك.
وأكد مفتشو الوكالة هذه النقطة. وفى يناير 2004 أقر الإيرانيون بأنهم كانوا قد تلقوا فى أواخر 1994 رسومات لأجهزة طرد من طراز «P-2». وقام مهندسو إحدى الشركات الخاصة فى طهران بإجراء اختبارات محدودة، بناءً على تكليف من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، على تصميم معدل لأجهزة «P-2». ولم تكن إيران قد أشارت إلى ذلك فى إخطارها للوكالة فى أكتوبر 2003.
وكان هناك موضوع آخر يتعلق بمركز «لافيزان شيان» للبحوث الفنية الواقع فى إحدى ضواحى طهران. وكان قد ذكر احتمالا بأن يكون هذا المركز منشأة للبحوث حول أسلحة الدمار الشامل. وكانت الوكالة قد تلقت معلومات عن أن المركز اشترى أجهزة للكشف عن الإشعاعات. وأظهرت صور السواتل التى أخذت بعد أغسطس 2003 أن هذا المركز قد أزيل وأن أبنيته هُدمت ورفعت أنقاضه، مما يوحى بأن هناك محاولة للإخفاء.
وذكر الإيرانيون أن هذا المركز كان تابعًا لوزارة الدفاع، وكان يقوم بالبحوث لتطوير وسائل صد الهجمات والحوادث النووية، وأنه أزيل بعد أن صدرت التعليمات للوزارة بإعادة الأرض المقام عليها المركز إلى بلدية طهران بعد نزاع بين هاتين الجهتين الحكوميتين. وبالنظر إلى ماضى إيران فى الإخفاء والخداع فإن مسائل مثل اختبار أجهزة «P-2»، وهدم موقع يقال إنه خاص بأسلحة الدمار الشامل، أثارت الشبهات بطبيعة الحال.
لقد كان الموقف معقدًا بالفعل، لأنه بالرغم من هذه الإشكاليات كانت إيران قد قدمت بالفعل بعض الخطوات الإيجابية فى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ أكتوبر 2003، حيث تمكن مفتشو الوكالة بمقتضى موافقة إيران على تطبيق البروتوكول الإضافى بصفة مؤقتة إلى حين دخوله حيز النفاذ من زيارة مواقع التخصيب وغيرها من المنشآت دون اختلاف حول ما إذا كانت هناك مواد نووية استخدمت فيها أم لا، بما جعل الوكالة تشعر بأنها أخيرا بدأت تكوِّن صورة أوضح عن طبيعة النشاطات النووية لإيران.
لكن فى الوقت نفسه فإن التعاون الإيرانى مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يكن دائمًا ومتواصلا ولم يكن ذلك بالتأكيد فى مصلحة إيران. ومن أمثلة ذلك القرار المفاجئ للسلطات الإيرانية بوقف زيارة كانت مقررة لمفتشى الوكالة فى مارس لـ«ناتانز» وبعض المواقع الأخرى، وذلك قبل أيام فقط من توجه المفتشين إلى إيران بدعوى أن موعد الزيارة يوافق بدء العام الإيرانى الجديد، وهو العذر الذى لم يكن لأحد أن يأخذه على محمل الجد، لأن موعد العام الإيرانى الجديد كان معروفًا لطهران لدى تحديدها موعد زيارة المفتشين، ولم تكن طهران تريد الإفصاح عن السبب وراء قرارها إلغاء زيارة المفتشين وأعطى الإيرانيون، مرة أخرى، انطباعًا بأنهم يريدون إخفاء شىء ما.
ثم قام حسن روحانى بزيارتى مرتين لمطالبة الوكالة برفع ملف إيران من أجندة اجتماعات مجلس المحافظين المقررة فى مارس، باعتبار أن ذلك سيعطى إشارة بأن قلقنا تجاه إيران قد تناقص. ولكن الأمر لم يكن محل توافق، ففى حين دعم الأوروبيون المطلب الإيرانى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت تسعى لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، أصرت على أن يبقى الملف على أجندة اجتماعات شهر مارس.
ومن جانبى فقد أكدتُ للجميع أن جدول أعمال مجلس محافظى الوكالة لن يكون أداة لخدمة أى أغراض سياسية، وأخبرتُ الإيرانيين والأوروبيين أننى على استعداد لرفع الملف الإيرانى من على أجندة أعمال مجلس المحافظين لاجتماع شهر مارس فورًا فى حال ما حصلت الوكالة على إجابات للأسئلة التى تطرحها على إيران، أما فى حال عدم حدوث ذلك، فإن الملف سيبقى على جدول الأعمال دون تغيير.
على أية حال فإن الصك الرسمى الذى تُحدد الدول الأعضاء مواقفها بناء عليه ليس هو جدول الأعمال، ولكن القرارات التى يعتمدها المجلس فى اجتماعاته. ومن المتعارف عليه أن القرارات تصاغ ويتم التفاوض عليها بواسطة ممثلى الدول الأعضاء دون تدخل من أمانة الوكالة. وفى حالة إيران، كانت مشروعات القرارات تأتى عادة من الدول الأوروبية الثلاث صاحبة المبادرة، لمحاولة إيجاد حل للمسألة، ثم توزع بعد ذلك على باقى الدول.
لكن الأمر كان بالغ التعقيد، فلأول مرة تنقسم الدول الغربية هكذا حول ما ينبغى فعله، فلقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية، مدعومة من كندا وأستراليا تريد أن يُصاغ مشروع القرار الذى يطرح على مجلس المحافظين صياغة متشددة تدين إيران، وكانت الدول الأوروبية الثلاث المتفاوضة مع إيران تسعى للتخفيف من هذه الصيغة.
وفى إيران كان المفاوضون النوويون يؤكدون للصحافة الإيرانية وللمؤسسات السياسية فى طهران أن استمرار التعاون مع الوكالة له فوائده السياسية لصالح إيران، وعلى هذا فإن قيام مجلس المحافظين بتبنى صيغة متشددة تجاه إيران كان من شأنه أن يُضعف موقف هؤلاء المفاوضين. فى الوقت نفسه فإن الدول النامية كانت بدورها غير راضية عن صياغة المسودة الأولى لمشروع القرار.
وفى ما يمثل سابقة، طلب الإيرانيون وساطتى، وفعل الأمريكيون الشىء نفسه من خلال رسالة نقلها إلىّ سفير الولايات المتحدة الأمريكية فى ڤيينا من وزير الخارجية الأمريكى «كولين باول»، وفى النهاية تم التوصل إلى قرار توافقى قَبِل به الأمريكيون والإيرانيون. وعلى الرغم من أن الأمر انتهى بصورة مُرضية، إلا أنه أصبح من الواضح أن مجلس المحافظين صار مسرحًا للتجاذب والاختلافات حول الملف الإيرانى بصورة تنذر بالمزيد من الانقسام الدولى.
وبعد أيام من اجتماع مجلس المحافظين ذهبتُ للقاء الرئيس الأمريكى «بوش» بناءً على دعوة غير متوقعة. كنت قبل فترة وجيزة قد نشرت مقالا فى صحيفة «نيويورك تايمز» حول مسألة منع انتشار الأسلحة النووية وسبل مكافحة الانتشار السرى لهذه الأسلحة، وهو الأمر الذى كان «بوش» قد تطرق إليه بدوره فى خطاب أخير له. ولقد جاءت دعوة «بوش» للزيارة قبيل انعقاد اجتماع مجلس المحافظين عبر وزير الخارجية الأمريكى «كولين باول»، وهى الدعوة التى قبلتها بالطبع، وإن كنت فضلت أن لا تأتى الزيارة إلا بعد الانتهاء من أعمال مجلس المحافظين، خشية أن يُنظر إليها على أنها تؤثر على الموقف الذى سأعرضه أمام المجلس.
وقُبيل لقائى مع «بوش» التقيت مع «ريتشارد آرميتاج» مساعد وزير الخارجية الأمريكى الذى ذكّرنى ببوادر حُسن النية التى أبدتها واشنطن إزاء طهران من خلال المساعدات الإنسانية التى قدمتها لإيران بعد تعرض مدينة بام الإيرانية لزلزال شديد التدمير فى ديسمبر من عام2003، وهى المساعدات التى رفضتها إيران فى البداية ثم عادت وغيرت موقفها. وقد تصادف أن ذلك جاء بعد أسبوع من توقيع إيران البروتوكول الإضافى وما تبعه من تصريحات إيجابية أدلى بها «باول» حول إمكانية الحوار مع طهران، لكن الأمور لم تتطور أكثر من ذلك.
واستقبلنى «بوش» بحديث ودود حول لعبة البيسبول التى أهتم بها وأتابعها، وتحدثنا قليلا عن أحد الفرق، ثم انتقل اللقاء، الذى تم بمشاركة «آرميتاج» ووزير الطاقة «سبنسر إبراهام» و«كوندوليزا رايس» و«بوب جوزيف» الذى يعمل مع «رايس» فى مجلس الأمن القومى، إلى ملف الأسلحة النووية، وكان يرافقنى الأمريكى «دافيد واللر» نائب المدير العام لشؤون الإدارة بالوكالة، وهو صديق أثق فيه. وقد بادر «بوش» بالقول: «سمعت أن لديك أفكارًا حول تعزيز نظام منع انتشار الأسلحة النووية».
وقدمتُ له عرضًا موجزًا للأفكار التى تضمنتها مقالة «نيويورك تايمز»، مشيرا إلى أهمية السعى لتقليل استخدام اليورانيوم عالى التخصيب للأغراض السلمية، والتوسع فى استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، لا سيما فى المفاعلات البحثية، بما يمثل تقليلا مباشرًا لمخاطر انتشار الأسلحة النووية، مشيرًا إلى أن عملية تحويل مفاعلات الأبحاث من استخدام يورانيوم عالى التخصيب إلى يورانيوم منخفض التخصيب ستحتاج إلى نحو 50 مليون دولار كل عام على مدى أربعة أو خمسة أعوام، فكان تعليقه «إن هذا لا يبدو بالمبلغ الكبير»، ثم وجّه سؤاله لوزير الطاقة الأمريكى حول «ما إذا كان من الممكن تنفيذ هذه الخطة»، فأجابه «إبراهام»: «بالطبع يمكننا تنفيذ هذا الأمر». وقد نما إلى علمى فى ما بعد أن وزارة الطاقة الأمريكية كانت تعمل على خطة مشابهة، ولكن بعد هذا اللقاء مع «بوش» أصبحت تتابع تنفيذ الخطة بتعليمات مباشرة من الرئيس.
من ناحية أخرى، تطرقتُ فى حديثى إلى ضرورة تقليل عدد الدول المالكة لدورة الوقود النووى الكاملة، مشيرًا إلى أنه يوجد بالفعل نحو 13 دولة لديها القدرة للوصول إلى المراحل النهائية لهذه الدورة، قلت إننا إذا حاولنا الحيلولة دون زيادة هذا العدد من الدول، فإن الدول التى شارفت على الحصول على التكنولوجيا اللازمة لتشغيل الدورة الكاملة للوقود النووى لن تكون بالضرورة سعيدة بأية خطوات تُتخذ فى هذا الصدد.
وعند تلك النقطة انتقل الحديث منطقيًّا إلى الملف الإيرانى، ولأن أجواء النقاش كانت جيدة فقد قررت أن أنتهج الصراحة الكاملة، وذكرت أنى -بصرف النظر عن الخلافات الأيديولوجية- لا بد أن يكون هناك تحرك جاد للتعامل مع إيران على نحو عملى من خلال منح طهران حزمة جيدة من الحوافز يصعب عليها رفضها، ثم العمل بعد ذلك للوصول إلى وَقْف طوعى لحصول أى دولة أخرى على التكنولوجيا اللازمة لامتلاك دورة الوقود النووى، فما كان من «بوش» إلا أن قال: «أنا مستريح لهذا الشخص الذى يفكر بصورة براجماتية». وقد كان هذا التعليق مفاجئًا لى.
ثم قال «بوش» إنه يود أن يكون هناك تحرك قانونى نحو منع الدول التى تمتلك منشآت لتشغيل دورة الوقود النووى من نقل هذه التكنولوجيا إلى دول أخرى، فأشرت إلى أن ذلك يتعارض مع ما تسمح به معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأن النجاح فى هذا الصدد من الأرجح أن يتحقق من خلال توافق دولى على فرض حظر طوعى على نقل هذه التكنولوجيا، على أن يكون ذلك مقترنًا بضمانات حول توفير الوقود النووى، مع تأكيد الدول النووية التزامها بنزع الأسلحة النووية.
وفى ما يخص إيران على وجه التحديد أكدتُ للرئيس «بوش» أن إطلاق التهديدات فى وجه طهران لن يجدى، فالمهم أن تكون هناك أسباب لتحفيز إيران على التعاون، مشيرًا إلى أن «الحل الأمثل للتعامل مع الملف الإيرانى يكمن فى الجمع بين الدبلوماسية، والتحقق من خلال الوكالة الدولية مما يجرى على الأرض هناك».
ومرة ثانية فاجأنى الرئيس «بوش»، حيث قال لى إن ما اقترحتُه «لا يمثل فقط الحل الأمثل، بل هو الحل الأوحد، بخلاف الحل الإسرائيلى»، مشيرًا إلى أن «هناك خشية أن تلجأ إسرائيل لاستخدام القوة» ضد إيران.
ولقد تريثتُ على أمل أن يُفصح عن شىء ما حول التوجهات الإسرائيلية فى هذا الشأن، ولكنه لم يقل شيئًا واضحًا، وظل حديثه يتسم بالتعميم الشديد، فلم أكن أعرف إذا ما كانت لديه معلومات بالفعل حول الخطط الإسرائيلية أم أنه ليست لديه معلومات محددة. وألمح «بوش» فى هذه الجلسة إلى أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية من تشديد الضغط على إيران هو تفادى لجوء إسرائيل لاستخدام القوة، وتذكرت محادثة دارت بينى وبين وزير الخارجية البريطانى «جاك سترو» و«يوشكا فيشر» وزير الخارجية الألمانى، حيث قالا لى إن الدول الأوروبية الثلاث المشاركة فى المفاوضات النووية إنما تسعى لأن تكون «درعًا بشريّة» لإيران من خلال الحوار الذى تأمل أن يحول دون قيام الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران.
ولقد شهدت هذه المرحلة تباينًا للرؤى داخل الإدارة الأمريكية حول سبل التعامل مع إيران، فكان جناح الصقور يرى ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران والقيام بعملية لتغيير النظام الحاكم بها دون أن يأخذوا أى عظة مما حدث فى العراق. لقد كان هؤلاء الصقور ينظرون إلى إيران بوصفها تهديدًا لوجود إسرائيل، وكانوا يرفضون أى حوار قد يعطى أى شرعية للنظام بها. أما الجناح الآخر والذى كنت أعتقد أنه كان يضم الرئيس «بوش» نفسه و«كوندوليزا رايس»، بغض النظر عن التصريحات المتشددة التى يدليان بها، فقد كان يرى أن الحوار والتفاوض هما الطريق الأمثل للتعامل مع هذا الأمر، لكنهم كانوا يُصرون فى الوقت نفسه على أن الطريق إلى التفاوض يجب أن تسبقه تلبية إيران مجموعة من الشروط المسبقة. وكان هناك فريق ثالث يضم مسؤولين مثل «باول» و«آرميتاج»، وكان يميل إلى الدخول فى حوار دون شروط مسبقة عن قناعة أن الحل للملف الإيرانى هو بالضرورة حل دبلوماسى.
وكنت قد أحضرتُ معى رسالة من حسن روحانى، نيابة عن النظام الإيرانى، تفيد باستعداد إيران للدخول فى حوار مع الولايات المتحدة حول جميع القضايا، بما فى ذلك البرنامج النووى لطهران، وقضايا أوسع تتعلق بالأمن الإقليمى. ولقد كانت هذه الرسالة مكتوبة على صفحة واحدة من ورق أبيض لا يحمل أى إشارة لهوية الراسل، كما أن الرسالة لم تكن تحمل توقيعًا، ولكننى قمت بتقديم هذه الرسالة إلى «بوش» مؤكدًا أنها موجهة من روحانى، ومشددًا على أهمية شروع الولايات المتحدة فى حوار مع إيران.
وكان تعقيب «بوش»: «أحب أن يكون الحديث بين القادة بصورة مباشرة، ولكننى لا أظن أن الزعيم الإيرانى مستعد لذلك، لأنه منشغل جدًّا بأفكار تدمير إسرائيل»، وكان ذلك إشارة منه إلى آية الله خامنئى. ثم أشار «بوش» إلى أن إيران تحتجز نحو 40 من عناصر «القاعدة» من أصول سعودية ومصرية كورقة للتفاوض، مع علمها باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالوصول إلى هذه العناصر.
وفى المجمل شعرتُ أن «بوش» كان يؤكد -على طريقته الخاصة- اعتقادى بأن الحوار بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يجلب الكثير من الفوائد للطرفين، بما فى ذلك قيام إيران بدعم فُرص الأمن فى العراق بالنظر إلى العلاقة التى تربطها مع الشيعة هناك. ولقد أشرتُ إلى أن الحوار هو أحد دلائل الاحترام، وأنه بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط وثقافتها، فإن إبداء الاحترام هو أمر أساسى فى اتجاه الوصول إلى تسوية سلمية لأية مشكلة.
وكان هناك العديدون فى النظام الإيرانى الذين يودون إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بهدف التوصل إلى «صفقة كبرى» تشمل ملفات الأمن والتجارة، ونظرة إسرائيل إلى الخطر العسكرى الإيرانى، وأمورًا أخرى تتعلق بتطبيع كامل للعلاقات بين طهران وواشنطن. وهذا كان فى رأيى فحوى رسالة روحانى، ولكن لم يَبْد لى أن «بوش» أو «رايس» كانا فى هذا الوقت على استعداد للتعامل مع آفاق مثل هذا التوجه.
وقرب نهاية اللقاء اقترحتُ عقد مؤتمر دولى لدعم أهداف نظام منع انتشار الأسلحة النووية، وعلى الفور لاقى هذا الاقتراح قبولا واضحًا من «رايس» التى قالت إنه «طالما فكرت فى أننا نحتاج لمثل هذا المؤتمر»، وكان واضحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن وسيلة لإثبات الزعامة الدولية، خصوصًا فى هذا العام الانتخابى الذى كان ملف أسلحة الدمار الشامل فيه ملفًا بارزًا.
وقد منحنى هذا الاجتماع بعض أسباب التفاؤل، حيث إن الاجتماع كان أكثر عمقًا مما كنتُ قد توقعت، ثم زادت أسباب التفاؤل خلال لقاء تالٍ مع «جورج تنيت» مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذى يتمتع بمهنية عالية وقدرة على الحديث المباشر، وقد لاحظتُ تحسب «تنيت» من استخدام العبارات المبالغ فيها حول تقييم الوضع بالنسبة إلى البرنامج النووى فى إيران، وهو ما مثَّل اختلافًا كبيرًا عن لغة الاستخبارات قبل حرب العراق. وكان «تنيت» نفسه مقتنعًا بأن الهدف من البرنامج النووى الإيرانى هو إنتاج أسلحة نووية، غير أنه أقر بأنه لم يكن لديه دليل مباشر على ذلك، أو حسب لغة العاملين فى أجهزة المخابرات، لم تكن لديه «معلومات يمكن التحرك على أساسها»، وبالتالى فلقد كان «تنيت» يأمل أن تنكشف النوايا الإيرانية فى مرحلة ما من مراحل التفتيش على منشآتها النووية.
ولقد قدم لى «تنيت» بذلك توضيحا لِما كنت أسمعه عبر وسائل الإعلام الأمريكية ومن المسؤولين الأمريكيين حول تأكد واشنطن من سعى إيران لامتلاك الأسلحة النووية، على الرغم من عدم تقديم أى دليل على ذلك. وفى ما استطعتُ أن أخلص إليه فإن أجهزة المخابرات الأمريكية تمكنت من خلال تتبع لمحادثات تليفونية وما إلى ذلك، أن تضع يدها على انخراط بعض أفراد الحرس الثورى الإيرانى فى البرنامج النووى الإيرانى، بما فى ذلك القيام ببعض المشتريات الخاصة بهذا البرنامج، ولكن لم تكن هناك معلومات تفيد بوجود رابطة بين هذا البرنامج وبين برنامج نووى عسكرى. وبالتالى فإن التحرك الأمريكى كان يهدف للضغط على إيران فى انتظار التوصل إلى دليل دامغ أو فى انتظار أن يتقدم شخص ما بمعلومات حاسمة فى هذا الصدد.
ولم تكن إيران تساعد نفسها فى علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإخفاؤها المتعمد لمعلومات حول جهود تطوير أجهزة التخصيب من طراز «P-2» وإلغاؤها المفاجئ للزيارة المقررة لمفتشى الوكالة إلى «ناتانز» خلق انطباعًا سلبيًّا لدى الوكالة. ورأيتُ أنه لا بد أن يتم الحديث مع طهران بصورة حاسمة، وقررتُ أن أقوم بنفسى بهذه المهمة من خلال زيارة لطهران.
وفى طهران أخبرتُ كل مسؤول التقيتُ به بدءًا من الرئيس خاتمى ووصولا إلى وزير الخارجية كمال خرازى أننى سئمت سياسة المماطلة والتأخير التى تتبعها إيران فى تعاملاتها مع الوكالة. ولقد أبديتُ للرئيس خاتمى -على وجه التحديد- معاملة جافة تختلف عما أبديته خلال آخر لقاء جمعنى به، لأنه وببساطة خدعنى فى ذلك اللقاء، واخترت أن لا أدخل فى مواجهة حول هذا الأمر، واكتفيت بأن يكون حديثى معه دالا على أن موقفى منه قد تغير.
كما أحطتُ الرئيس خاتمى وكل من قابلتهم بأن صبر مجلس محافظى الوكالة أخذ فى النفاد، وأن إيران لم يعد لديها نفس القدر من الدعم والمساندة، وأن ملفها أصبح خلافيّا. وأكدتُ لهم أنه لم يعد أمام إيران سوى التعاون المتواصل والأمين مع الوكالة، وأن أى شىء خلاف ذلك سيُلحق الأذى بالموقف الإيرانى.
فى الوقت نفسه أحطتُ روحانى وخاتمى بالنقاط الأساسية التى خلصت إليها من لقائى مع «بوش»، بما فى ذلك تشكك الرئيس الأمريكى فى نوايا إيران للحوار. وأخبرتهم أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتظر أن تقوم إيران بتسليم عناصر «القاعدة» المحتجزين لديها إلى بلادهم، كما أخبرتهم بعدم ارتياح واشنطن لما أبدته طهران من تردد فى قبول المساعدات الإنسانية الأمريكية فى أعقاب زلزال «بام» فى ديسمبر 2003
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 01-10-2012, 11:14 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الخامسة عشر

محمد البرادعى وكولين باول
أبدى خاتمى استياءه من التشكك الأمريكى، وأشار إلى تحسن العلاقات بين واشنطن وطهران فى عهد الرئيس الأمريكى كلينتون، الذى جعل خاتمى يقدم اعتذارا لأُسر الرهائن الأمريكيين الذين كان قد تم احتجازهم فى إيران عند اندلاع الثورة الإسلامية، وقال إنه فى ردها على هذه اللفتة قامت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بالاعتراف بدور المخابرات المركزية الأمريكية فى عملية الإطاحة برئيس الوزراء مصدق فى 1953، وإعادة الشاه إلى موقعه، كما أنها أيضا قامت برفع الحظر عن الصادرات الإيرانية من الكافيار والفستق والسجاد وقد فتحت هذه اللفتة الباب أمام تجارة بملايين الدولارات.
وألح خاتمى فى القول على أن مجىء إدارة الرئيس بوش كان السبب وراء تراجع التقدم الحادث فى العلاقات الأمريكية الإيرانية، وذلك على الرغم من الدعم الذى قدمته طهران لحرب الولايات المتحدة فى أفغانستان وفى أثناء الاستعداد للحرب على العراق، مشيرا على وجه التحديد إلى لقاءات تمت فى هذا الصدد فى السليمانية بكردستان العراق ولندن. وقال خاتمى إنه فى مقابل هذه المساعدة وهذا التعاون فإن كل ما جنيناه هو أنه أصبح يطلق علينا أننا جزء من محور الشر.
كما أبدى وزير الخارجية خرازى أيضا استياءه إزاء المساعدة الأمريكية بعد زلزال بام، وقال إنه بعد عقود من العقوبات والمقاطعة الاقتصادية التى خلفت آثارا مروعة فإن الولايات المتحدة الأمريكية تأتى بعد الزلزال لتقدم لنا عشرة ملايين دولار، كما لو كانت صدقة. وأضاف: إن هؤلاء ليس لديهم أى تقدير لذهنية الآخرين وطريقة تفكيرهم.
فى الوقت نفسه أبدى خرازى استعداد طهران للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية فى ما يخص عناصر القاعدة، لكنه أضاف أن إيران تريد فى المقابل أن تتعاون الولايات المتحدة الأمريكية معها فى ما يتعلق بمجاهدى خلق؛ وهى منظمة مسلحة من المعارضين الإيرانيين الذين يسعون للإطاحة بالنظام الإيرانى.
وأبدى الإيرانيون استعدادا لمزيد من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكنهم لفتوا إلى أن الانطباع السائد فى طهران هو أن العلاقة بين إيران والوكالة لم تفد إيران بشىء، بل إن المتشددين الذين أصبحت لديهم أغلبية فى البرلمان الإيرانى يلومون الحكومة الإيرانية على قرارها وقف تخصيب اليورانيوم، لمجرد إرضاء الغرب دون الحصول على أى شىء فى المقابل، وأن المعتدلين الذين كانوا يسعون لحل سلمى وتحسين العلاقات مع الغرب لم يعد لديهم نفس التأثير فى دوائر اتخاذ القرار أو فى الرأى العام.
وأشار روحانى إلى أنه إذا جاء تقريرى حول تطورات الوضع بالنسبة إلى إيران فى اجتماع يونيه لمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتقييم سلبى، فإنه وزملاءه لن يكون بمقدورهم الاستمرار فى التعاون مع الوكالة أو حتى الاحتفاظ بمناصبهم. لقد كان المعتدلون يأملون على الأقل فى الحصول على رد فعل إيجابى من الأوروبيين حتى يتمكنوا من إبلاغ الرأى العام فى بلادهم أن السياسة التى يتبعونها هى سياسة مجدية.
كانت مشكلة الإيرانيين حسبما كنت أراها أنهم بالغوا فى الاحتفاء ببرنامجهم النووى أمام شعبهم، بل إنهم قدموه على أنه بمثابة جوهرة التاج بالنسبة إلى الإنجازات العلمية للأمة الإيرانية، وبالتالى أصبح من الصعب عليهم أن يشرحوا أسباب قرار تعليق العمل فى هذا البرنامج، وبالطبع فهم لم يهتموا بأن يبلغوا الشعب الإيرانى أن أسباب وقف نشاط البرنامج النووى إنما ترجع إلى أن إيران قد خدعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لسنوات طويلة، واختاروا بدلا من ذلك أن يخبروا مواطنيهم أن الضغوط التى تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الوكالة هى السبب وراء تباطؤ عملية التحقق من تفاصيل البرنامج النووى الإيرانى. ولم يكن الموقف الإيرانى فى هذا الشأن يختلف عما كان عليه الأمر فى العراق وكوريا الشمالية، فادعاء كل من واشنطن وطهران سوء نية الطرف الآخر من أجل الاستهلاك المحلى.
والحقيقة أنه بمجرد إطلاق حملة الدعاية من طرف ضد الآخر فإنه يصعب السيطرة عليها أو كبح جماحها، ولعل ما تعرضت له شخصيّا أحيانا من جانب الصحافة الإيرانية يوضح كيف يُصنع الرأى العام، حيث نشرت جريدة «طهران تايمز» أن البرادعى أصبح شخصا سلبيّا ومحبطا بالنظر إلى الضغوط الشديدة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية. وسألنى الصحفيون الإيرانيون مرارا كيف أتعامل مع هذه الضغوط. قلت مبتسما: إننى أتعرض لضغوط من الجميع، سواء من الأمريكيين أم الإيرانيين أم غيرهم. ولكننى فى الحقيقة لم آخذ الأمر بهذه الخفة، لأنه أصبح واضحا بالنسبة إلىّ، ليس فقط من هذه الأسئلة، ولكن أيضا من مجمل التغطية الصحفية، أن البرنامج النووى الإيرانى أصبح بالفعل مسألة مرتبطة بالكرامة الوطنية فى إيران، ولم يكن هذا مما يسهل التوصل إلى حل حول الخلافات القائمة.
ومما زاد الأمر صعوبة أن الإيرانيين كان لديهم اعتقاد بأنهم يملكون أوراقا يستطيعون بها الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تعقيد الوضع على الساحة العراقية بصورة أكبر، كما أشار روحانى إلى ذلك فى حديثه معى، وهو الأمر الذى حاولت أن أُثنيه عنه.
وعند عودتى من طهران اقترحت على كين بريل؛ السفير الأمريكى، وعلى جون وولف مساعد وزير الخارجية الأمريكى، النظر فى إيجاد طريق لبدء الحوار مع طهران أو على الأقل إبداء بادرة لحسن النيات. وقلت لهما: إذا ما كنا جميعا نتفق على أن الهدف هو أن لا تحصل إيران على السلاح النووى فيجب علينا أن نتفق على استراتيجية تمكننا من تحقيق هذا الهدف فى النهاية.
وأبلغت ممثلى الدول الأوروبية الثلاث بنفس الرأى، وأوضحت لهم أن موقف المتشددين يقوى فى إيران بسبب ضعف النتائج التى تخرج بها طهران من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقلت لهم إن السياسة القائمة على ممارسة الضغوط لن تكفى وحدها، خصوصا أن أحدا فى الغرب ليس لديه الدليل على أن إيران تطور سلاحا نوويّا. وأشرت إلى أنه فى حال لم تحصل إيران على حوافز فإن النظام قد يلجأ إلى عديد من الخطوات من بينها إعادة تخصيب اليورانيوم، أو التراجع عن الالتزام بالبروتوكول الإضافى، أو حتى الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية كليّا.
ولكن كل هذا لم يؤد إلى النتيجة المبتغاة، وعوضا عن ذلك تبنى مجلس المحافظين فى يونيه موقفا يستنكر عدم تعاون إيران تعاونا كاملا فى التوقيت السليم وبصورة إيجابية مع الوكالة. وبالطبع فإن هذه الانتقادات كان لها ما يبررها إلى حد ما، ولكنها أدت إلى إغضاب طهران بصورة شديدة. لقد كان من شأن هذا التقييم أن يقوى موقف المتشددين الرافضين التعاون مع الوكالة الدولية، وبالفعل فبعد عدة أسابيع أبلغت طهران الوكالة أنها ستعاود برامجها لتطوير أجهزة التخصيب ولكن دون استخدام مواد نووية. ولقد طالبتُ طهران بإعادة النظر فى هذا الموقف، ولكن مطالبتى لم تؤد إلى أى نتيجة، وبالفعل بدأت إيران فى إعادة تشغيل المنشآت التى كانت الوكالة قد أغلقتها ووضعت بذلك حدّا للوقف الطوعى للبحث والتطوير فى مجال التخصيب.
بعد ما حدث فى اجتماع مجلس المحافظين فى يونيه، وما تبعه، توجهت بنداءات شخصية إلى كولين باول ومعاونيه فى الخارجية الأمريكية للبدء فى الانخراط فى حوار مباشر مع إيران، مشيرا إلى أن كل ما تحتاج إليه إيران هو ستة أشهر تستطيع خلالها، فى ظل استمرار عدم وجود دليل على سعيها لامتلاك سلاح نووى، أن تجعل عملية تخصيب اليورانيوم أمرا واقعا، وأن ثمن وقفه سيكون باهظا. وأشرت فى الوقت نفسه إلى أن الاقتراح الذى يردده البعض بإحالة الملف الإيرانى إلى مجلس الأمن لن يجدى، لأن الرد الإيرانى على هذه الخطوة قد يكون بالانسحاب تماما من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما يعنى أننا سنكون أمام نموذج مكرر لحالة كوريا الشمالية.
وفى إحدى المحادثات المغلقة التى أجريتها مع كولين باول قال لى «لو أن الأمر بيدى لالتقيت غدا وزير الخارجية الإيرانى خرازى».
وكانت المشكلة فى تحليل باول هو أن الشعور المعادى لإيران فى الولايات المتحدة الأمريكية لم يضعف منذ أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين فى السفارة الأمريكية بطهران عند اندلاع الثورة الإسلامية؛ وهو ما يجعل من الصعب البدء فى حوار مباشر بين أمريكا وإيران. ومن جانبها أبدت كوندوليزا رايس أيضا تجاوبا غير متوقع مع حديثى، وطرحَتْ علىَّ بعض الأسئلة حول روحانى وشخصيته، مبدية الانطباع بأنها على الأقل ليست رافضة فكرة الحوار.
وفى خلال لقاء جمعنى به فى منزله الصيفى فى موسكو، قدم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إسهاما بنّاءً؛ فلقد أبدى بوتين، عكسا لما كان يردَّد فى الغرب، رفضه إصرار إيران على الحصول على الأسلحة النووية وتشكك فى احتياجها إلى القدرات المتعلقة بالتخصيب، غير أنه قال إن إيران فى الوقت نفسه يجب أن تحصل على حزمة من المساعدات الجذابة بما فى ذلك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. وأيد فكرة وجود ضمان دولى لإمدادها بوقود المفاعلات. وفى اللقاء نفسه تقدم بوتين باقتراح لإنشاء مستودع دولى للوقود النووى المستنفد، ولقد رحبت بهذه الفكرة بشدة لأننى كنت أعتقد أنه سيكون لها إسهام إيجابى فى الحد من مخاطر الانتشار وفى تحقيق بعض أسباب الأمان النووى، وخرجت من لقائى مع بوتين يحدونى الأمل فى أن تُسهم روسيا فى إيجاد حل ما للأزمة الإيرانية.
بالتوازى مع ذلك كان خبراء الوكالة يبذلون كل ما فى وسعهم للتعرف على مصدر جزيئات اليورانيوم المخصب التى عُثر عليها فى أماكن مختلفة فى إيران، وما إذا كانت مماثلة لتلك المستخدمة فى البرنامج النووى الباكستانى، وهو الأمر الذى كان يتطلب الحصول على عينات بيئية من أجهزة الطرد المستخدمة فى باكستان، ولكننى علمت بعد ذلك من سفير باكستان أن واشنطن أبلغتهم أن باكستان تعاونت مع الوكالة بما فيه الكفاية، وبدا لى من هذا أن البعض فى واشنطن كان لا يريد تسوية هذه المسألة؛ بحيث تستمر معلقة للضغط على إيران.
شعرت بالسأم من تلك المناورات التى تدور خلف الأبواب المغلقة، وما تؤدى إليه من إبطاء فى تحقيق أى تقدم، وناشدت باكستان التعاون بشدة، وهى ما قررت أن تفعله ولكن على الطريقة التى تتناسب مع كونها ليست عضوا فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما اضطررنا معه إلى أن نقبل أن يقوم خبراء باكستانيون بإمدادنا بالعينات المطلوبة عوضا عن أن يقوم مفتشو الوكالة بالذهاب إلى المواقع النووية الباكستانية، التى هى مواقع عسكرية، لأخذ العينات. وتم الاتفاق على أن يتم نقل العينات بآلية محددة تضمن أنه لا يتم التلاعب بها.
ومع منتصف أغسطس تبين لنا أن العينات التى حصلنا عليها من باكستان مقاربة إلى حد كبير لتلك التى وجدناها فى ناتانز وفى شركة «كالاى» مما يدعم ما كانت إيران قد قالته. ولكننا كنا ما زلنا ندرس العينات للوصول إلى نتيجة قاطعة.
وكنا نقترب من موعد اجتماع مجلس المحافظين المقرر فى شهر سبتمبر 2004، وكنت أشعر أننا سنواجَه مرة ثانية بنفس الأسلوب من جانب الولايات المتحدة وإيران: حملة إعلامية أمريكية شديدة ضد إيران تدّعى الحصول على دليل جديد على سعى إيران للحصول على أسلحة نووية، ومعلومات مهمة تقدمها إيران للوكالة أو دعوتها لزيارة مواقع معينة، ولكن فى وقت متأخر قبل إصدار التقرير الدورى للوكالة بما يحول دون تمكّن الوكالة من التحقق منها وإدراجها فى تقريرها إلى مجلس المحافظين.
وكما هى عادته فى سعيه للتأثير على مناقشات المجلس، كان جون بولتون هو من أطلق شرارة البدء هذه المرة من خلال حوار مع برنامج «نيوز نايت» على الـ«بى بى سى»، حيث أشار إلى عودة إيران إلى تصنيع أجهزة الطرد، ومن ثَمَّ فإنه لم يعد كافيا قصر معالجة الملف الإيرانى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأضاف بنوع من السخرية: تلك المنظمة الرائعة وغير المعروفة القابعة فى ڤيينا. واقترح بولتون إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولى، وكان أعجب ما فى هذا الاقتراح أنه يأتى من بولتون الذى لم يكن أبدا من دعاة الدبلوماسية متعددة الأطراف.
وبعد ثلاثة أيام من بدء اجتماعات المجلس، وقبل مناقشة برنامج إيران النووى، أذاعت محطة «إيه بى سى» صورا ملتقطة بالقمر الصناعى لموقع عسكرى فى بارشين؛ على بُعد أربعين كيلومترا جنوب شرق طهران، ومع هذه الصور أذاعت القناة التليفزيونية الأمريكية تعليقا لـديفيد أولبرايت مدير أحد المعاهد الأمريكية المتخصصة فى دراسة قضايا الأمن، خصوصا مع ما يتعلق منها بقضايا الانتشار النووى. وفى تعليقه قال أولبرايت إنه يعتقد أن هذه الصورة قد تكون لموقع أُجريت فيه اختبارات لتفجيرات نووية. عقب ذلك مباشرة نقلت وكالة «الأسوشيتد برس» تصريحا نقلا عن مصدر رفض ذكر اسمه فى بعثة الولايات المتحدة الأمريكية بڤيينا يوجه إلىَّ النقد لأننى لم أُشر فى تقريرى الذى قدمته حول إيران إلى موقع بارشين، مع التلميح أننى تعمدت عدم الإشارة إلى هذا الأمر.
وكان هذا الادعاء لا أساس له من الصحة بالمرة، ولم يكن وراءه من دافع سوى محاولة الإيحاء بانحياز الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحقيقة أن الوكالة كانت قد أثارت ملف موقع بارشين مع طهران، وأن المعلومات التى لدينا كانت تفيد بأنه موقع عسكرى استُخدم لصنع واختبار متفجرات كيميائية. وكانت الوكالة عازمة على الاستمرار فى أسئلتها لإيران حول هذا الموقع، ولكن فى تلك اللحظة لم يكن هناك أى دليل على الإطلاق بارتباط هذا الموقع بأى نشاطات نووية. ولم تساعد مثل هذه الألاعيب الأمريكية بطبيعة الحال على إقناع الإيرانيين بعدم استئناف إنتاج أجهزة الطرد المركزى.
وفى منتصف أكتوبر 2004 تحققت خطوة متقدمة. فقد أفادت الدول الأوروبية الثلاث التى لم تتوقف عن محاولة إيجاد حل دبلوماسى؛ باستعداد إيران للدخول فى حوار حول مستقبل برنامجها النووى. وقد طالبت الدول الأوروبية إيران، كشرط مسبق لبدء التفاوض، أن تعود لوقف نشاطاتها النووية بما فى ذلك إنتاج الأجهزة الخاصة بالتخصيب، وجاء الرد الإيرانى إيجابيّا حيث وافقت طهران على أن تتوقف جميع هذه النشاطات فى الوقت الذى تُجرى فيه المفاوضات.
وكان التوقيت بالغ الحساسية؛ حيث إن مزاج السياسة الداخلية الإيرانية كان يتجه نحو التشدد.
وحسب ما خلصت إليه من نقاش مع سيروس ناصر؛ وهو واحد من ألمع وأذكى المفاوضين الإيرانيين، فإن كل المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة فى إيران ينتمون إلى التيار المتشدد الذى يدعو إلى المواجهة مع الغرب. وبالطبع فكان مما يخدم هذا التيار أن يدعو إلى المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل على مزيد من الأصوات، حتى إذا تحول بعد عام أو عامين أو نحو ذلك ليحاول الحصول على رصيد سياسى جديد بالعمل على الحصول على تسوية سياسية مع واشنطن. وفى الوقت نفسه كان من شأن ذلك التوجه أن يقوّى من شوكة الحرس الثورى الإيرانى؛ وهو ما يعنى النكوص عن عديد من الإصلاحات التى شهدتها إيران خلال السنوات القليلة السابقة.
وحسب ما قاله لى ناصرى فى تلك المقابلة، فإنه بغض النظر عمن سيتم انتخابه للرئاسة فإنه ولأسباب محلية سيستحيل على إيران أن تستمر فى وقف برنامجها للتخصيب النووى؛ لأنه لا يمكن لأى زعيم إيرانى أن يوقف ذلك البرنامج النووى الذى تحملت إيران كثيرا فى سبيله. وتطرق الحديث مع ناصرى لما تردد عن احتمالات عمل عسكرى أمريكى أو إسرائيلى ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو الأمر الذى لم يبد لى أن الإيرانيين كان لديهم كثير من القلق بشأنه؛ لأن إيران بدا أن لديها التكنولوجيا النووية لإعادة بناء أى منشأة قد يُجرى هدمها فى خلال أشهر قليلة وبعيدا عن الأعين وهكذا قال لى ناصرى.
وفى ظل كل ذلك كان الاقتراح الأوروبى بالوقف الاختيارى لأنشطة التخصيب فرصة لإيران لا يمكن إهدارها، ولكن الخلاف انصبّ على ما يمكن وصفه تحديدا بأنه أنشطة متعلقة بالتخصيب. فإعلان طهران فى أكتوبر 2003 يقوم على الوقف الاختيارى لجميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وتجهيزه، فهل يشمل ذلك المرحلة التحضيرية لتحويل اليورانيوم؟ وهل يشمل صنع أجهزة الطرد؟ وبعد مناقشات فنية مطولة أصبح من الواضح ضرورة اللجوء إلى محكم.. وهكذا قررت إيران والدول الأوروبية الثلاث اللجوء إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وهكذا وجدنا أنفسنا مرة أخرى فى مفترق طرق بين التكنولوجيا والسياسة. حيث إن التوصيف الفنى البسيط لما يمكن اعتباره أنشطة تخصيب كان سيقتصر على وقف استخدام مواد نووية فى أجهزة الطرد المتوالية، وكان من شأن ذلك أن يناسب إيران كثيرا، ولكن ذلك لم يكن ليرضى الأوروبيين الذين أرادوا لإيران أن تتحرك فى إطار بناء الثقة، وبالتالى فإن التعريف الذى كانوا سيقبلون به كان أوسع كثيرا من ذلك التعريف الذى ترضى به إيران. وبالرغم من كل الجهود التى بذلتها الوكالة لتقديم التعريفات المطلوبة إلا أن عام 2004 اقترب من الانتهاء بينما لم يكن قد تم التوصل إلى اتفاق بعد.
وكان الغرب قد بدأ يشعر بنفاد الصبر بينما كانت إيران مستمرة دون توقف فى نشاطاتها النووية بما فى ذلك إنتاج غاز «UF6»؛ وهى مادة التلقيم اللازمة للتخصيب، ثم قامت فى شهر أغسطس بتجهيز 37 طنّا من الكعكة الصفراء وهى مادة مركزة من اليورانيوم، من أجل تجربة خطوط الإنتاج فى منشأة تحويل اليورانيوم فى أصفهان.
وفى النهاية توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تعريف كان الطرفان على استعداد للقبول به مما فتح الباب أمام توقيع اتفاقية باريس فى 14 نوفمبر، واتفق الطرفان على التفاوض بحسن نية، ووافقت إيران على وقف جميع أنشطة تحويل اليورانيوم، وتجميع واختبار أجهزة الطرد، بل ووَقْف استيراد مكوناتها. وأقرت إيران بأن استمرار عملها بوقف نشاطات التخصيب، حسب التعريف الذى تم التوصل إليه، هو أمر ضرورى لاستمرار التفاوض.
ولقد ساد التفاؤل بما يكفى لوضع خطة للتفاوض تتجاوز الملف النووى لتشمل جملة من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، بما فى ذلك الاتفاق على ضمانات مؤكدة للتعاون فى مجال التكنولوجيا النووية السلمية. بل إن الدول الأوروبية وافقت على تقديم دعم لإيران للتفاوض من أجل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. كما اتفق الطرفان على العمل من أجل مكافحة الإرهاب بما فى ذلك نشاطات تنظيم القاعدة وجماعة مجاهدى خلق. كما أعرب الجانبان عن دعمهما عملية سياسية تؤدى إلى وصول حكومة عراقية منتخبة إلى الحكم.
وفى أثناء التوقيع قام روحانى، بوصفه كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين بالتركيز على عدة نقاط، طالب الجميع بأخذها فى الاعتبار؛ وأولها أن قرار إيران بوقف النشاطات النووية كان قرارا اختياريّا، وليس هناك إلزام قانونى بشأنه، وثانيها أن المفاوضات التى ستُجرى لا يجب أن يكون الهدف من ورائها محاولة دفع إيران نحو وقف قدرتها على تطوير دورة الوقود النووى الكاملة، ولم يكن هناك خلاف حول تلك النقطة الأخيرة؛ لأن الأوروبيين كما ذكروا لم يكونوا يسعون للحيلولة دون تطوير إيران دورة الوقود النووى، بل الحصول على ضمانات لها مصداقية أن البرنامج النووى الإيرانى هو برنامج للأغراض السلمية فقط.
وتحركت إيران بسرعة لتنفيذ الاتفاق، وبعد أسبوع واحد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قد قامت بالفعل بتنفيذ ما تعهدت به.
رد مع اقتباس
  #21  
قديم 02-10-2012, 08:22 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة السادسة عشر
كان لتوقيع اتفاقية باريس، كما اتُّفِق على تسميتها، أثر إيجابى على اجتماع مجلس محافظى الوكالة فى شهر نوفمبر. وفى البداية بدا أن الأمريكيين كانوا يشعرون بالرضا، بل إنهم أعربوا عن التقدير للعرض الشامل الذى قدمتُه حول أعمال التفتيش التى تمت فى إيران حتى ذلك الوقت، فى ما مثَّل اختلافًا كبيرًا عن المواقف الأمريكية المعتادة، والتى استمرت حتى أشهر قليلة مضت عندما أثاروا الضجة المفتعلة حول موقع «بارشين».
والأكثر من ذلك أن أمريكا لم تعمل على إيقاف قرار مجلس المحافظين الصادر عن اجتماع نوفمبر حول إيران على الرغم من عدم رضا واشنطن عنه، وعلى الرغم مما قالته «جاكى ساندرز» مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية، وأحد أقرب معاونى «بولتون»، من أن شيئًا ذات قيمة لم يتغير فى الملف الإيرانى، وإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت «تتوقع للأسف ما جاء فى هذا التقرير»، وإنها كانت أيضًا على استعداد لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن بمفردها دون الحصول على توافق من مجلس المحافظين، ولكنهم مع ذلك تركوا القرار يمر.
أما الإيرانيون فكان لديهم تفاؤل بأنهم حققوا نقلة كبيرة فى التعامل مع هذا الملف، وبالتالى ادّعى ناصرى أنه راح فى إغفاءة فى أثناء الاجتماع بينما كانت «ساندرز» تُدلى بكلمتها، بينما وصف روحانى دعم مجلس المحافظين لاتفاقية باريس بـ«الانتصار الكبير».
ثم أدلى روحانى بحديث لـ«بى بى سى»، وقال: «إن العالم بأسره تجاهل دعوة أمريكا لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن». وفى محاولة فى ما يبدو للحصول على إعجاب الإيرانيين، بالغ روحانى بعض الشىء فى وصفه الحالة المزاجية «المنهزمة» لمندوبة الولايات المتحدة الأمريكية، وقال: «إن المفاوضات القادمة هى فرصة تاريخية لإيران والدول الأوروبية أن تثبت أن الدبلوماسية القائمة على القرارات الأحادية لا تجدى».
وكان التوصل إلى الاتفاق هو الجزء الأسهل من عملية التفاوض، ولقد بدا واضحًا لى من خلال محادثاتى مع الأوروبيين أنهم يعلمون يقينًا بوجوب تقديم حزمة حوافز مشجعة للإيرانيين، فى نهاية التفاوض. وكان الألمان هم الأكثر تفاؤلًا بالنتائج المتوقعة للمفاوضات، بينما اتسم الموقف البريطانى بالتحفظ حرصًا على عدم إغضاب الأمريكيين. أما الفرنسيون فقد اتخذوا موقفًا وسطًا بين الألمان والبريطانيين، غير أنهم جميعًا بدوا متفائلين، خصوصًا بعد أن دعمت مجموعة الثمانى الاتفاق وأقرت تقديم تنازلات كبيرة لإيران.
بعد ذلك تزايدت التوقعات طوال عدة أشهر، بأن تؤدى عملية التفاوض هذه إلى إيجاد حل للأزمة الإيرانية. وكانت إيران تتعاون بقوة مع الوكالة ولم يبقَ سوى بعض المسائل الواجب التعامل معها فى ما يتعلق بالتفتيش. وبحلول جلسة مجلس المحافظين فى مارس 2005 فإن ملف إيران لم يكن على الأجندة للمرة الأولى فى نحو عامين، وهو الأمر الذى سارع الإيرانيون بالإشارة إليه على أنه دليل على حدوث تقدم. بل إن البعض أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على استعداد ربما للتعاون مع الأوروبيين فى تقديم حوافز إلى إيران.
لكن مع الوقت بدأ القلق الإيرانى يتزايد، حيث لم تكن المفاوضات تحقق التقدم المرجوّ، وكان روحانى يقع تحت ضغط كبير من حكومته ليأتى بثمار التعاون الذى أبداه فى صورة ملموسة وواضحة. وكان روحانى يُلح على الأوروبيين للموافقة على قيام إيران باستئناف بعض جوانب عملياتها النووية ولو على مستوى البحث والتطوير. وحسبما فهمت فإن خطة إيران كانت تهدف إلى استكمال منشأة لتحويل اليورانيوم دون أن تصل إلى مرحلة تطوير هذه العملية لأغراض التصنيع، وكذا مشروع صغير للتخصيب. على أن يتم الاتفاق بعد ذلك مع الأوروبيين على إيقاف منشأة التخصيب الكبيرة فى «ناتانز» لعدد من السنوات. هذا الأمر صاغه روحانى فى صورة مقترح مكتوب تقدم به إلى الدول الأوروبية المفاوضة فى مارس 2005، مشيرًا إلى أن إيران يمكن أن تبدأ التخصيب بخمس مئة جهاز طرد يمكن أن تزداد مع الوقت إلى ثلاثة آلاف، وهى تقل كثيرًا عن الأربعة والخمسين ألف جهاز التى يمكن تشغيلها فى «ناتانز» عندما تعمل بكامل طاقتها. وأشار روحانى إلى أن هذا المقترح هو صياغة أولية قابلة للتعديل فى ضوء المناقشات مع الأوروبيين. وكان أهم ما فى الأمر بالنسبة إليه الرسالة التى يوجهها إلى الشعب الإيرانى بأن برنامج التخصيب الإيرانى ما زال جاريًا. وكان بوسع الوكالة أن تراقب الأنشطة فى المنشأة الصغيرة، كما أن إيران كانت ستوقف أنشطتها لأغراض التصنيع. وكانت إيران تأمل فى الحصول مقابل ذلك على مفاعلات الطاقة النووية من الغرب وغيرها من أشكال التكنولوجيا، والاتفاقات التجارية والحوافز الإضافية.
وكانت الانتخابات الرئاسية الإيرانية تقترب، حيث كان الموعد المقرر لها هو يونيو، وكانت لهجة الحوار السياسى فى إيران تحتدم. وفى مايو قالت إيران إن عدم تقديم الأوربيين عرضًا محددًا لإيران يمثل مخالفة لاتفاقية باريس، بل إن طهران هددت باستئناف النشاطات النووية التى كانت قد أوقفتها، وطالب الأوروبيون بمزيد من الوقت لصياغة مقترح يقدمونه إلى الإيرانيين الذين وافقوا على الانتظار حتى منتصف أغسطس.
وفى منتصف يونيو انتخب الإيرانيون محمود أحمدى نجاد، وهو واحد من أكثر الرجال المتشددين من بين كل الذين كانوا يخوضون انتخابات الرئاسة الإيرانية. وبعد هذه الانتخابات مباشرة، وقبل حصول إيران على المقترح الأوروبى، كانت طهران تلمّح بالفعل إلى اعتزامها استئناف بعض من الأنشطة التى كانت قد أوقفتها، وعادت أجواء التشاؤم لتسود الدوائر الدبلوماسية.
وبعد شهرين بدت المفاوضات على وشك الانهيار الكامل، حيث جاء العرض الأوروبى خاليًا من الكثير من النقاط المتفق عليها خلال اجتماع باريس، كما أنه جاء خاليًا من أى إشارة إلى تقديم مفاعلات نووية لتوليد الطاقة، واقتصر على عرض تقديم مفاعلات للأغراض البحثية.
وكان بإمكان الفرنسيين أن يقدموا إلى إيران تكنولوجيا مفاعلات القوى لو لم تكن شركة «آريفا» الفرنسية المنتجة للمفاعلات النووية تخشى إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية حرصًا على معاملاتها التجارية مع السوق الأمريكية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد رفضت منح «آريفا» الموافقة على تقديم مفاعل لإيران، ومن ثَمَّ اقتصر العرض الأوروبى على إشارة مبهمة إلى منح إيران إمكانية الوصول إلى أسواق التكنولوجيا النووية الأجنبية.
وقد قال لى بعضهم إن الأوروبيين حاولوا تطبيق سياسة إيران فى التفاوض القائمة على المساومة، كما يحدث فى المحلات التجارية، بمعنى أن لا يقدموا أقصى ما لديهم فى العرض الأول، ولكن النتائج كانت كارثية لأن العرض لم يكن فقط متواضعًا، بل إنه وصل إلى الدرجة التى يمكن وصفه بأنه جسَّد تعاليًا على إيران. ووصل الأمر إلى حد أن الأوروبيين ذكروا أنهم سيتولون العلماء الإيرانيين برعايتهم إذا لم تعد هناك حاجة إليهم بعد أن يتوقف التخصيب فى إيران. لقد تحدث اتفاق باريس، شأنه شأن إعلان طهران، عن التزام إيران بتقديم «ضمانات موضوعية» عن الطبيعة السلمية لأنشطتها النووية. لكن الأوربيين بدؤوا يحاولون تفسير ذلك فى العرض المقدم منهم على أنه التزام بحظر الأنشطة الخاصة بدورة الوقود النووى على عكس كل التصريحات والبيانات التى أدلى بها روحانى وزملاؤه.
وحاول الإيرانيون حَمْل الأوروبيين على النظر فى إمكانية قيام إيران بتحويل اليورانيوم على الأقل، بوصف أن ذلك من شأنه أن يُحسن من صورة النظام أمام الرأى العام، وأن يشير إلى أن إيران لم تتخل تمامًا عن إنجازاتها النووية. وكان هناك اقتراح بأن تقوم إيران بإنتاج «uf6» ثم تصدّره إلى جنوب إفريقيا لتخزينه. ولكن العواصم الغربية لم تكن مستعدة للقبول بالطلب الإيرانى. وقبل أن يعلن الأوروبيون عن مقترحهم كنت قد أشرت عليهم بالنظر فى أن يتضمن المقترح إشارة إلى إمكانية استئناف إيران لبعض من النشاطات التى قررت إيقافها، وذلك لأننى كنت أخشى انهيار المفاوضات بصورة كاملة.
ولأن الفرنسيين كانوا قد تولوا صياغة العرض الأوروبى فقد ذهبت مباشرة إلى المدير السياسى فى وزارة الخارجية الفرنسية «ستنسيلاس دولابولاى» بهذا المقترح، ولكن جاء الرد بأن هذا المقترح متأخر لأن التوافق قد تم التوصل إليه بين الأطراف الأوروبية الثلاثة، ولم يعد من الممكن تعديله.
وقبل الإعلان عن العرض الأوروبى ألمحتْ فرنسا لإيران بفحواه، فكان ذلك مخيبًا لآمال الإيرانيين الذين شعروا أن أشهر من المفاوضات ذهبت هباء.
وفى 3 أغسطس تولَّى أحمدى نجاد الحكم، وقام بإعادة تشكيل الحكومة، وكان من بين الذين تم إعفاؤهم من مناصبهم روحانى وفريقه المعاون، وتم تعيين على لاريجانى أمينًا عامًّا لمجلس الأمن الوطنى الأعلى فى إيران. وبدأت إيران بسرعة فى تزويد منشأة التحويل فى أصفهان بأكسيد اليورانيوم. وبعد إعلان المقترح الأوروبى فى العاشر من أغسطس قررت إيران استئناف كامل نشاطاتها وفضت الأختام التى كانت الوكالة قد وضعتها على المنشأة.
وعقد مجلس محافظى الوكالة الدولية جلسة خاصة حث فيها إيران على العودة إلى وقف أنشطتها النووية، وفى 24 سبتمبر ذهب المجلس إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن تاريخ إيران الطويل من محاولة إخفاء الحقائق، وعدم الإبلاغ عن أنشطتها يعد من قبيل «عدم الامتثال»، وهى إشارة توحى بأن احتمال إحالة الملف إلى مجلس الأمن أصبح مؤكدًا.
وبهذا بدأت مرحلة جديدة من مراحل الأزمة النووية الإيرانية.
ينص نموذج اتفاق الضمانات النابع من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية على أن قرار إحالة الدول التى توصم بـ«عدم الامتثال» من عدمه هو أمر يخضع لتقدير مجلس المحافظين. وبالنسبة إلى حالة إيران كنت دومًا أسعى لتفادى استخدام تعبير «عدم الامتثال» وأستخدم تعبيرات أخرى، مثل خرق أو انتهاك الالتزامات لتفادى التأثير على مجلس المحافظين. ومن جانبه لم يكن المجلس مندفعًا نحو إحالة إيران إلى مجلس الأمن، واكتفى باستخدام هذا الاحتمال كوسيلة من وسائل الضغط والتفاوض، مع العلم أن أمريكا كانت تود لو تم إحالة الملف إلى مجلس الأمن منذ البداية وأنها كانت تلوم على الوكالة عدم استخدام تعبير «عدم الامتثال».
ومما جعل مسألة إحالة موضوع إيران إلى مجلس الأمن محل شك أنه فى ذلك التوقيت لم تكن هناك أى مستجدات فى ما يتعلق بما يمكن وصفه بعدم امتثال إيران، وهو الأمر الذى كان معروفًا منذ عامين. بل إن الفترة الأخيرة قد شهدت تطورات إيجابية تتعلق بقيام الوكالة بنشاطات محددة فى ما يتعلق بالتحقق من طبيعة النشاطات النووية للبرنامج الإيرانى. وبالتالى فإن إحالة الملف إلى مجلس الأمن كان يهدف بالأساس إلى وقف التخصيب الذى تقوم به إيران، وهو الأمر الذى يعتبر من حقها حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، عن طريق الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بتهديد السلم والأمن الدوليين.
ولطالما سُئلت إذا ما كان العرض الأوروبى بالصورة التى جاء عليها قد أهدر فرصة للتوصل إلى اتفاق نهائى حول البرنامج النووى الإيرانى؟ وما إذا كانت محدودية العرض والضغوط التى مارستها أمريكا على الشركة الفرنسية لعدم منح إيران التكنولوجيا الفرنسية قد أهدر هذه الفرصة؟ والإجابة عن هذا السؤال أمر صعب لأن أحدًا لا يعلم يقينًا ما الذى كانت ستكون عليه الأمور لو اختلفت بعض المعطيات، ولأن أحدًا لا يستطيع الجزم بالنوايا الحقيقية لأى من الأطراف: إيران، والدول الأوروبية، وأمريكا. لقد كان الموقف بالغ التعقيد.
لكن الواضح هو أن إيران كانت تعتقد أن تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان يمكن أن يَحُول دون تحويل ملفها إلى مجلس الأمن، وأنها كانت تنظر للتفاوض مع الأوروبيين على أنه بداية الطريق للتوصل إلى تفاهم مع الأمريكيين. وإزاء عدم تحقق هذه النتائج، الأمر الذى بات واضحًا بحلول أغسطس 2005، قررت طهران الحد من تعاونها مع الوكالة على أمل أن يؤدى ذلك إلى تنازلات من الغرب. وكما اتضح فى الشهور والسنوات التالية فإن الموقف الغربى المتشدد والإصرار على رفض المطلب الإيرانى باستعادة جزء صغير من نشاطها النووى لم يؤدِّ إلى شىء.
إن محاولة تغليب مبادئ نظرية على التفكير العملى لم تؤدِّ إلى شىء. وفى اعتقادى أنه لو جاء العرض الأوروبى أفضل قليلًا وتضمن مزايا محددة لإيران، لكانت إيران قد استمرت فى وقف برنامجها للتخصيب، أو حتى قصرته على عمليات البحث والتطوير، مع استمرار التفاوض للوصول إلى اتفاق. إن ما كانت إيران تسعى للحصول عليه هو التكنولوجيا الغربية، سواء التكنولوجيا النووية لتوليد القوى أم غيرها من أنماط التكنولوجيا التى حالت العقوبات الأمريكية المفروضة دون حصول إيران عليها. ولكن المعارضة الأمريكية حالت دون تحقيق ذلك الهدف، وكانت النتائج متوقعة بأن تعود إيران إلى أنشطة تحويل اليورانيوم ثم تخصيبه، وأن ترفع سقف المطالب مع مرور الوقت.
ولم يفقد المجتمع الدولى الأمل مباشرة فى التوصل إلى حل، ففى نوفمبر 2005 كان هناك مقترح لتقوم إيران بأولى مراحل تحويل اليورانيوم فى منشآت أصفهان ثم شحن الناتج من «uf6» إلى روسيا لتخصيبه ثم استخدامه وقودًا للمفاعل الإيرانى، إلا أن قوى الرفض ضد هذا المقترح كانت شديدة.
ليبيا الاكتشاف والتفكيك
فى مايو 2003 وبينما كنا منشغلين بالكشف عما تخفيه إيران مما يتعلق ببرنامجها النووى، علمت لأول مرة، من مسؤول بريطانى أنه ربما يكون هناك ما يستدعى القلق بشأن ليبيا، وأشار إلى مفاعل بحثى نووى بمدينة تاجورا شرق طرابلس، ولم يحدد الأسباب التى تثير هذا القلق. وعندما طرحت عليه أسئلة حول هذا الأمر قال إنه سيرتب لى زيارة إلى لندن حيث أستطيع أن أحصل على معلومات أكثر توثيقًا وعمقًا.
وعندما نما أمر هذا اللقاء إلى علم بعض أعضاء الخارجية الأمريكية من المحافظين الجدد طلبوا من بريطانيا عدم إطلاع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ما لديها من معلومات. وكان هذا الموقف متطابقًا مع طبيعة تفكير تلك المجموعة ونظرتها إلى الأمم المتحدة ومنظماتها، والقائم على أفضلية عمل الولايات المتحدة بمفردها وليس فى إطار المجتمع الدولى. نظرة قاصرة ولكنها كانت سائدة فى أثناء ولاية الرئيس بوش الابن.
وعلى الرغم من أن السلوك البريطانى إزاء مثل هذه الأمور كان يتسم بدرجة أعلى من التفهُّم بالنسبة إلى أهمية المنظمات الدولية فى إدارة المشكلات الدولية فإننى وبعد مضى ثمانية أشهر على هذا اللقاء لم يكن لدىّ أى معلومات إضافية حول هذا الملف.
وفى الثامن عشر من ديسمبر 2003 علمت من «جراهام أندرو»، وهو بريطانى ال***ية وواحد من مساعدىّ المقربين، أنه تلقى رسالة من بلاده تفيد بقرب الإعلان عن أمر هام بشأن ليبيا، مشيرا إلى أن أهمية الإعلان المتوقع كبيرة لدرجة أنه ربما يأتى على لسان الرئيس «بوش» ورئيس الوزراء «بلير». ورأى «أندرو» أنه ربما يكون من الأفضل أن أرجئ رحلة كنت أعتزم القيام بها إلى الهند اليوم التالى بعد تأجيل متكرر.
وفى مساء اليوم ذاته تلقيت رسالة من معتوق محمد معتوق نائب رئيس الوزراء الليبى لشؤون العلوم والتكنولوجيا، الذى أخبرنى أن وزير خارجية ليبيا على وشك الإعلان عن اعتزام بلاده القيام بتفكيك برنامج للأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل كانت بحوزتها. وبالنسبة إلىّ فإن أمر امتلاك ليبيا أسلحة دمار شامل كان جديدًا تمامًا، واقترح علىّ معتوق أن يقوم بزيارة إلى فيينا ليطلعنى على مزيد من التفاصيل، وهو ما تم الاتفاق عليه وبالتالى تأجلت زيارتى إلى الهند مرة أخرى.
وبالفعل فى اليوم التالى وصل معتوق وهو رجل قصير القامة له شعر مصبوغ باللون الأسود ومعه وفد مرافق من نحو 20 شخصًا من الدبلوماسيين والعلماء والمسؤولين، كان سلوكه بادى الاحترام والمهنية. وبعد المجاملات التقليدية دخلت إلى اجتماع منفرد وحديث مباشر مع معتوق، الذى ظل لسنوات عديدة ضمن دائرة الحكم فى ليبيا.
وملخص القصة أن ليبيا تقوم منذ سنوات بتنفيذ برنامج لتخصيب اليورانيوم، وأشار إلى أن ليبيا حصلت على المعدات والتكنولوجيا النووية والمواد اللازمة لتطوير البرنامج عن طريق العالِم النووى الباكستانى الشهير عبد القدير خان، ومن خلال شبكة من الشركات والأفراد.
وبينما كنت أستمع لمعتوق أدركت أن ما يخبرنى به لا يتعلق فقط بما قامت به ليبيا للحصول على سلاح نووى، ولكن بما يدور فى السوق السوداء للتكنولوجيا والمواد النووية. ولقد أشار معتوق فى حديثه إلى المساعدة التى تلقتها ليبيا من بعض أصدقائها فى جنوب إفريقيا، كما أشار إلى حادثة تسرب بعض المعلومات المخابراتية التى أدت إلى غارة إيطالية على سفينة شحن ألمانية كانت تنقل معدات نووية إلى ليبيا صُنعت فى ماليزيا.
وأكثر ما أقلقنى فى ما قاله لى معتوق إن خان كان قد زار ليبيا مؤخرًا ومعه كيسان عليهما اسم ترزى فى كراتشى، ولكن فى الحقيقة فإن ما كان بداخل هذين الكيسين هو تصميمات لتصنيع السلاح النووى، وقد ذكر خان لمعتوق عندما أعطاه هذين الكيسين أنه «قد تحتاجون إلى تلك المعلومات فى المستقبل»، وقد ذكر معتوق أنه ما زال يحتفظ بهذين الكيسين فى الخزانة الخاصة به.
ويجب أن أُقر بأننى ذُهلت من مدى اتساع الأنشطة النووية السرية لليبيا كما وصفها معتوق. وفى الوقت نفسه فإننى كنت أفكر فى ما يمكن أن تحصل عليه الوكالة من معلومات إضافية عن تلك الأنشطة من خلال التفتيش حيث إن ليبيا هى طرف فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأخبرنى معتوق أن حكومته دخلت فى مفاوضات سرية مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لمدة تسعة أشهر للوصول إلى صفقة تقوم ليبيا بموجبها بالتخلى عن برنامجها لأسلحة الدمار الشامل، وأشار إلى أن ليبيا «أرادت أن تخبر الوكالة، ولكنهم لم يسمحوا لنا أن نقوم بذلك». اعتدلت فى مقعدى ولم أعلق بشىء على تلك الملاحظة الأخيرة.
وفى اليوم التالى زارنى مسؤولون أمريكيون وبريطانيون فى منزلى للنقاش حول ملف ليبيا، ولم أَسْع لإخفاء استيائى وقلت لهم بصراحة: «أنا لا أفهم ما الصعوبات فى الموضوع، فأمريكا وبريطانيا وليبيا، أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والمفترض حسب ما تقتضيه هذه المعاهدة أنه على أمريكا وبريطانيا أن تبلغا الوكالة عندما تصل لهما معلومات تفيد بأن ليبيا تقوم بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية، بحيث تستطيع الوكالة أن تتخذ الإجراءات اللازمة».
ولم يعلق ضيوفى على ما قلت، ولكن بعد فترة وجيزة تلقيت اتصالًا هاتفيًّا من وزير الخارجية البريطانى «جاك سترو»، يعتذر لى عن عدم إطلاعى على المعلومات التى قال لى إنها لم تكن متاحة سوى لما لا يزيد على أربعة أشخاص فى الحكومة البريطانية.
وبعد ذلك اتصل بى وزير الخارجية الأمريكية «كولن باول»، الذى عبّر عن نفس الموقف، مشيرًا إلى أن قرار إبقاء الأمر قيد السرية الشديدة إنما يرجع إلى أن أحدًا لم يكن واثقًا من الطريقة التى ستسير بها المفاوضات مع الجانب الليبى، ولم يكن أحد يريد أن يتعرّض للحرج فى حالة ما لم تنجح المفاوضات.
ولم أجد فى ما قاله «باول» ما يقنعنى. وفى ما بعد علمت من أحد المسؤولين فى المخابرات البريطانية أن السبب وراء التكتم الشديد الذى أحاط بهذا الأمر كان يتعلق بالرغبة فى عدم وصول أى معلومات عنها إلى المتشددين فى الولايات المتحدة الأمريكية خشية إفساد المفاوضات الهادفة للتوصل إلى تسوية سلمية لملف أسلحة الدمار الشامل الليبية. وبالتالى كان هناك حرص أن لا يُعلموا بالأمر إلا عندما يتم التوصل إلى اتفاق مع ليبيا.
لم يكن ذلك هو الفارق الوحيد، فالأمريكيون عادة ما يكون لديهم رؤى محددة حول كيفية تفسير المعلومات الأولية، بينما ينظر إليها البريطانيون بغير جمود بحيث يتركون الوقائع تتحدث عن نفسها. ومما يلفت الانتباه ما ذكره لى معارفى فى بريطانيا من أنه على الرغم من قيام رئيس المخابرات المركزية الأمريكية بإحاطة الرئيس الأمريكى بما لديه من معلومات كل صباح، فإن المخابرات المركزية الأمريكية نادرًا ما تشارك فى صنع القرار، على خلاف الحال بالنسبة إلى المخابرات البريطانية.
قيل لى إن نشأة البرنامج النووى الليبى، وغيره من برامج أسلحة الدمار الشامل لدى القذافى، جاءت ردًّا على الغارات التى قامت بها الولايات المتحدة فى أبريل 1986، والتى قتلت فيها ابنة القذافى المتبناة.
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 03-10-2012, 09:22 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة السابعة عشر
قررت أن أتخذ موقفًا إيجابيًّا إزاء كل ما يجرى، فاصطحبت فريقًا من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوجهنا إلى طرابلس فى زيارة استغرقت الأيام القليلة التى تفصل بين عطلة عيد الميلاد ورأس السنة. واصطحبَنَا الليبيون إلى مستودعات المعدات النووية، حيث وجدنا أن برنامجهم كان محدودًا. قيل لنا إنهم كانوا قد بدؤوا تركيب عدد قليل من أجهزة الطرد المتتابعة لاختبارها فقط، وإن مجموعة من تسعة أجهزة هى فقط التى اكتملت، وإن أيًّا منها لم يختبر بمواد نووية. وقال لنا الليبيون إنهم لم يقتربوا بعد من الوصول إلى مراحل الإنتاج الصناعى، كما أنه ليس لديهم برنامج لصنع سلاح نووى.
وكان من الواضح أن ليبيا لديها نحو عشرين جهاز طرد كامل ومكونات لمئتى جهاز آخر من طراز «P–1»، وهو الجيل الأول من الطراز الباكستانى الذى رأيناه فى إيران، وأنها كانت قد طلبت عشرة آلاف جهاز من طراز «P–2» الأكثر تقدمًا، ولكن العديد من مكوناتها الرئيسية لم يكن قد سُلّم بعد. ويبدو أن عبد القدير خان قد حاول المساعدة عن طريق إحدى الشركات فى جنوب إفريقيا، ولكن مسعاه لم ينجح فلجأ إلى شركة أخرى فى ماليزيا، ولكن الليبيين كانوا قد كشفوا عن برنامجهم قبل تصنيع هذه المعدات.
وفى تصريحات صحفية حول ما رأيتُ فى ليبيا وصفتُ حال البرنامج النووى لطرابلس بأنه فى أولى مراحله. غير أننى بالرغم من ذلك كنت قلقًا، حيث إن معدات تحويل اليورانيوم كان قد تم تركيبها بأسلوب منهجى ومنظم فى شكل وحدات، الأمر الذى يدل على أن طرابلس كانت قد حصلت على مساعدة فنية جيدة ومتقدمة من جهة ما، وأن من وضع هذا التصميم السهل ربما يكون فى ذهنه أن يتكرر ذلك مع دول أخرى.
ولم يكن أحد يعلم على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين نقل لهم عبد القدير خان ما لديه من معلومات، رغم كثرة ما سمعناه من آراء وشائعات، وفى الوقت نفسه كان القليلون فى ليبيا هم الذين يعلمون حجم المبالغ المالية التى حصل عليها خان نظير الخدمات التى قدمها إلى ليبيا. وبالتالى فإن السؤال المُلِحّ فى أذهاننا جميعًا كان يدور حول العملاء الآخرين الذين استطاعوا التعامل مع هذه الشبكة السرية للإمدادات النووية وتوافرت لهم الموارد المالية اللازمة لدفع مقابل هذه الخدمات.
وبينما كنت فى ليبيا تلقيت دعوة للقاء العقيد معمر القذافى؛ وهو اللقاء الذى تم فى ثكنة باب العزيزية العسكرية فى وسط طرابلس.
وانتظرتُ لقاء القذافى فى غرفة باردة، وكنت سعيدًا بارتداء معطفى فى هذه اللحظات. ثم جاء لتحيتى واحد من أقرب معاونى القذافى؛ وهو بشير صالح بشير الذى أكد لى التزام ليبيا بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعاونًا كاملا. وبعد فترة قصيرة دخل وزير الخارجية عبد الرحمن شلقم إلى الغرفة ودعانى إلى الدخول للقاء العقيد القذافى. وتم اصطحابى إلى غرفة جيدة التدفئة، بها القليل من الأثاث ومكتب كبير ومكتبة واسعة بها مجموعة قليلة من الكتب العربية المتناثرة على رفوفها.
وخلف هذا المكتب كان العقيد القذافى يجلس مرتديًّا جلبابًا ليبيًّا تقليديًّا، ودعانى أنا وشلقم لنجلس على المقاعد المواجهة للمكتب من الناحية الأخرى. ولقد تحدث القذافى بصوت خفيض أكثر مما توقعت، وجاء حديثه به قدر من الود وأيضا قدر من التحفظ.
وما زلت أتذكر بوضوح الكلمات الأولى التى قالها لى خلال هذه الجلسة: «الحقيقة أنا لا أفهم لماذا تكرهك الحكومة المصرية! لقد قال لنا المصريون إنهم يستطيعون مساعدتنا فى تفكيك برنامج أسلحتنا النووية بصورة أفضل من الوكالة الدولية التى ترأسها، ومن العاملين فيها».
ثم سألنى القذافى إذا ما كنت ناصريًّا. وقال: «لقد نشأتَ فى زمن عبد الناصر ولا بد أنك من أشد معجبيه؟»، فأجبتُه بالنفى؛ وهى الإجابة التى ربما خيبت آماله، لأنه كان ينظر إلى عبد الناصر على أنه مثله الأعلى، وأضفت قائلا «إن عبد الناصر كانت لديه أفكار ومبادئ جيدة جدّا، لكن كثيرا من هذه الأفكار وهذه المبادئ أخفق فى التطبيق العملى».
ثم بدأ القذافى يتحدث عن قراره تفكيك الأسلحة النووية التى بحوزة ليبيا، بعد أن وصل إلى قرار أن مثل هذه الأسلحة لا تسهم فى زيادة الأمن الليبى. وأعرب القذافى عن اعتقاده بأنه لا ينبغى لأى دولة، سواء فى الشرق الأوسط أو فى العالم بأسره أن تقتنى الأسلحة النووية. ولقد اتفقتُ مع هذا الطرح بالكامل وبكل حماس. ثم بدأ القذافى يتحدث عن أمور أخرى، بما فى ذلك مكانة ليبيا التى كان يرى أنها على صغر حجمها -من وجهة نظره- لها مكانة كبيرة على ساحة السياسة الدولية، وأخذ يسوق بعض الوقائع للتدليل على ما قاله، ولم تكن كل هذه الوقائع إيجابية على كل الأحوال.
وبدا لى مما قاله القذافى أنه غير متابع لتطورات التحالفات والتغييرات على الساحة الأمنية فى العالم، ومن ذلك أننى عندما تحدثت إليه عن مظلة التأمين النووى لحلف الأطلسى (الناتو) فإنه أمسك بقلم رصاص وبدأ يدون بعض الملحوظات.
والحقيقة أن القذافى تحدث بحماس خلال هذا اللقاء عن رغبته فى تطوير ليبيا، وعن رغبته فى تحسين البنية التحتية، وبناء مزيد من الطرق، وكذلك عن رغبته فى أن يحصل الطلاب الليبيون على مِنح دراسية فى الجامعات الغربية، وأن تحقق ليبيا تقدمًا فى مجال العلوم والتكنولوجيا. وسألنى القذافى عما إذا كنت أستطيع أن أثير هذه الأمور مع «جورج بوش» و«تونى بلير» لأحصل على دعمهما لأفكاره بالنسبة إلى مستقبل ليبيا.
وخلال اللقاء نفسه طلب منى القذافى أن أُدلى بتصريحات تفيد بأن ما قامت به ليبيا ينبغى أن يكون مثلا يُحتذى لغيرها من دول الشرق الأوسط، بما يمكن أن يجعل هذه المنطقة خالية من الأسلحة النووية. وأكدت للقذافى دعمى جهود إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، كما وعدته أن أتحدث مع الأمريكيين والبريطانيين عن تقديم الدعم الاقتصادى لليبيا. وبالفعل فقد أثَرْت هذا الأمر مع «جاك سترو»، وزير الخارجية البريطانى، وعدد من المسؤولين الأمريكيين الذين وعدوا بأن يُبدوا تجاوبا إزاء الاحتياجات الليبية، حيث كانوا يرون أنه من مصلحة الجميع أن تحقق ليبيا نقلة نوعية اقتصادية ومالية بما يسمح بتطبيع العلاقات بين طرابلس والمجتمع الدولى.
ولم تكن زيارتى ليبيا، والتى أتت مباشرة بعد الإعلان الذى قام به «بوش» و«بلير»، مُرحّبًا بها من قِبل جميع المعنيين فى واشنطن، حيث أراد بعض المسؤولين الأمريكيين أن يحصلوا وحدهم على التقدير الكافى للكشف عن برنامج ليبيا السرى لأسلحة الدمار الشامل وأن يتفاوضوا هم مع طرابلس من أجل تفكيكه وإنهائه.
وبالنسبة إلى فإن مسألة التقدير لم تكن ذات بال، وما كان يشغلنى فعلا فى هذا الصدد هو أن أمريكا وبريطانيا لم تقوما بالوفاء بالالتزامات المقررة عليهما بوصفهما طرفين فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فى ما يتعلق بوجوب إبلاغ الوكالة عن البرنامج السرى الليبى للأنشطة النووية. ولكن بعد أن حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على هذه المعلومات أصبح لزاما عليها أن تقوم بواجبها القانونى بمتابعة هذا الملف.
وفى 2 يناير 2004، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تصريحات لرئيس الوزراء الليبى شكرى غانم يطالب فيها الولايات المتحدة الأمريكية بالوفاء بما تعهدت به من التزامات بموجب الصفقة التى قامت ليبيا على أساسها بتفكيك برنامجها للأسلحة النووية، وأهمها رفع العقوبات التى طال عليها الأمد، ومن بينها أن تقوم واشنطن بإنهاء الحظر المفروض على شركات النفط الأمريكية إزاء التعامل مع ليبيا، وكذلك أن ترفع الحظر عن أرصدة ليبية قيمتها مليار دولار أمريكى. وأشار غانم فى نفس التصريحات إلى أن ليبيا ترى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هى المسؤولة عن تفكيك برنامج التسلح النووى الليبى.
ولأن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من زيارتى ليبيا فلقد أثارت بالطبع الحساسية الأمريكية. كما نقلت «نيويورك تايمز» فى نفس المقال الذى تضمن تصريحات غانم، تصريحات منسوبة إلى مصدر بالإدارة الأمريكية وصف فيه زيارتى ليبيا بأنها «محاولة غير موفقة للدعاية». وحسب ما نقلته «نيويورك تايمز» عن المسؤول نفسه فإن تفكيك البرنامج الليبى للأسلحة النووية سيتولاه خبراء أمريكيون وبريطانيون. وبدا من تصريحاتهم أن الولاية القانونية الصريحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى ما يتعلق بالتحقق من الأنشطة النووية فى الدول الأطراف فى المعاهدة لم تكن أمرًا يدخل فى الحسبان لديهم.
كما أن الأمريكيين لم يرُق لهم ما صرحتُ به بأن الوصف المبدئى للبرنامج النووى الليبى يوضح أن هذا البرنامج فى مراحله الأولى وبالنسبة إليهم فإن دور المخابرات الأمريكية والبريطانية فى الكشف عن البرنامج الليبى النووى كان سيكون أكبر لو أنه تم تصوير هذا البرنامج على أنه فى مراحل متقدمة، وأنه يمكن لليبيا أن تكون قريبة من إنتاج أسلحة نووية. وفى كل الأحوال فإن تقييمى الأول تَوافق مع ما خلص إليه خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذين قاموا بزيارات متتالية إلى ليبيا فى الأسابيع والشهور التالية لزيارتى، للتحقق من تفاصيل وطبيعة البرنامج الليبى.
والمثال الجيد على ذلك هو منشأة تحويل اليورانيوم فى صلاح الدين. فقد تبين أن العلماء الليبيين كانوا يعملون من الثمانينيات على مستوى الاختبارات المعملية والتجريبية فى أنشطة تحويل اليورانيوم بمساعدة أحد العلماء الأجانب. وفى سنة 1984 طلبت ليبيا من الخارج معدات منشأة تجريبية لتحويل اليورانيوم فى شكل مكونات محمولة تسلمتها فى 1986، ثم تم تخزينها فى مواقع مختلفة بالقرب من طرابلس حتى سنة 1998 عندما تم تجميعها جزئيًّا ونقلها إلى موقع الخلة. وفى فبراير 2002 بدأ العلماء الليبيون اختبارات «على البارد»، لكنهم عادوا بعد شهرين، وبسبب مخاوف من اختراقات أمنية، بتفكيك المنشأة وتعبئة كل مكوناتها وشحنها إلى موقعها الحالى فى صلاح الدين.
فماذا كان حجم قدرات تحويل اليورانيوم فى موقع صلاح الدين؟ دلت تحاليل العينات التى أخذناها، على أن ليبيا لم تستخدم اليورانيوم فى أى وقت فى هذه المنشأة. وكانت الوحدة التجريبية ذات قدرة محدودة، وليس بإمكانها إنتاج غاز «هيكسا فلورايد» من اليورانيوم، وهو مادة التلقيم اللازمة لتخصيب اليورانيوم. وحتى على المستوى المعملى لم يقم العلماء الليبيون بإنتاج «UF6» محليًّا.
كذلك فإن دورة الوقود النووى لديهم كانت محدودة النطاق والقدرة، كما كانت تفتقر إلى الخبرة العملية. ولم تكن هناك أى عمليات تعدين أو طحن، فقد اقتصرت قدرات التخصيب لديهم على عدد محدود من أجهزة الطرد التى لم يكن بها أى مواد نووية سواء للإنتاج أو لمجرد الاختبار. لقد اشتروا ورش آلات دقيقة لإنتاج أجهزة الطرد محليّا. لكن أجزاءها ظلت فى صناديقها التى تم شحنها فيها. وفى المفاعل البحثى فى تاجورا قاموا بتشعيع عدة مجموعات من أجزاء اليورانيوم معظمها لا يزيد على جرام واحد، وقاموا بفصل البلوتونيوم من اثنين منها بكميات ضئيلة للغاية. ولم يقوموا بأى عمل يتعلق بالتسلح النووى. كانوا قد تلقوا تصميمات، ولكن هذه التصميمات ظلت حبيسة «الأكياس» التى جاءت فيها وظلت محفوظة كما هى فى خزينة معتوق.
وبينما كان عمل مفتشى الوكالة ما زال فى بداياته فقد كانت وكالات الأنباء الغربية تنقل عن مسؤولين فى بريطانيا وأمريكا أن خبراء من البلدين فى طريقهم إلى ليبيا لتفكيك برنامجها للتسلح النووى وشحن المعدات إلى خارج ليبيا. فما كان منى إلا أن اتصلت بمندوب بريطانيا لدى الوكالة «بيتر جينكنز» وقلت له بصراحة ودون مواربة إنه فى حال حدوث ذلك قبل أن تنهى الوكالة عملها، فإننى لن أتردد فى الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس محافظى الوكالة لأخبرهم «أننى بسبب تدخلات بريطانيا وأمريكا فإننى لم أعد قادرًا على القيام بالمسؤوليات القانونية التى تقع على عاتقى بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأرجوك أن تبلغ حكومتك بموقفى هذا». كنت قد سئمت من تلك الألاعيب وقررت أننى لن أبقى صامتًا.
وبعد أيام قليلة اتصل بى «كولين باول» ليخبرنى أنه سيرسل «بولتون» ونظيره البريطانى «ويليام إهرمان» إلى فيينا ليتناقشا معى حول سبل التعاون بشأن الملف الليبى. وقال لى «باول»: «إنه ينبغى علينا أن نحترم اختصاص الوكالة؛ فى إشارة إلى التفويض القانونى للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمقتضى معاهدة منع الانتشار». ثم أضاف «باول»: «وبالطبع نحن أيضا لدينا مصالحنا».
وأجبته: «إننى أتفهم ذلك، ولكننى فى الوقت نفسه لدىّ تفويض من قِبل الدول أعضاء الوكالة ولا يمكنى بأى حال التفريط فيه».
وقد قرر «باول» أن يتوقف عند هذا الحد، وأبلغنى أنه التقى «بولتون» صباح اليوم وأن «بولتون» «يتطلع جدّا للقائى»!
لم أكن واثقًا من مسألة تطلع «بولتون» للقائى، لأننى أتذكر من خلال لقاء سابق لى معه، لدى توليه منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولى، قوله إنه سيضطر إلى العمل بطريقة مخالفة لما كان يكتبه، مشيرًا بذلك إلى انتقاداته اللاذعة حول الأمم المتحدة ومنظماتها. ولكن رسالة «باول» المبطنة لى كانت مطمئنة، وهى أن «بولتون» قادم إلى فيينا بتعليمات محددة بأن لا يثير المشكلات.
وفى الحقيقة فإن اللقاء الذى تم بينى وبين «بولتون» بعد هذه المكالمة اتسم بالمهنية. وقد بدا «بولتون» حريصًا على التوصل إلى اتفاق، وبدورى قلت له إننى لا أعتزم التنازل عن الصلاحيات الممنوحة للوكالة ولا عن المسؤوليات المنوطة بها. وفى خلال هذا اللقاء اتفقنا على أن الوقت سيُترك لمفتشى الوكالة للانتهاء من عملهم المتعلق بالتفتيش والتحقق وأخذ العينات، ثم ستتاح الفرصة بعد ذلك للخبراء من أمريكا وبريطانيا لأن يقوموا بتفكيك برنامج ليبيا النووى تأسيسًا على الاتفاق المقرر بين هذه البلدان الثلاثة.
وانتهت المقابلة بصورة ودية، وهو الأمر الذى استراح له جدّا «وليليام إهرمان» الذى يبدو أنه كان يتوقع احتكاكًا بينى وبين «بولتون». والحقيقة أن الاتفاق تم تنفيذه أيضًا بسلاسة دون حدوث أى مشكلات بين مفتشى الوكالة وخبراء أمريكا وبريطانيا.
ومما سهل مهمة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بصورة تكاد تكون غير معتادة، هو التعاون الكامل والابتعاد عن المراوغة من قِبل الليبيين. وإلى جانب ذلك فقد حرص معتوق على القيام بزيارات دورية لى فى فيينا للتأكد من انتظام العمل وعدم وجود أى عوائق. لقد كان عملنا فى ليبيا تغييرًا إيجابيًّا بالمقارنة بالتجارب التى مررنا بها فى العراق وكوريا الشمالية وإيران. وبنهاية يناير كان مفتشو الوكالة قد أنهوا الجزء الأكبر من المرحلة الأهم فى عملية التفتيش والتحقق، ومباشرة بعد ذلك تم تفكيك معدات مخصصة لتشغيل دورة الوقود النووى، وحسب الاتفاق الذى تم بين واشنطن وطرابلس تم شحن هذه المعدات إلى أمريكا.
وفى الثالث والعشرين من فبراير توجهتُ إلى طرابلس لإجراء محادثات، ووجدت فى الفندق الذى أقيم فيه عددًا كبيرًا من رجال الأعمال الغربيين، خصوصًا من العاملين فى مجال البترول، وبعد ذلك تسربت معلومات حول قرب رفع العقوبات المفروضة على التعامل مع ليبيا. وخلال حديثى مع المسؤولين الليبيين الذين كانوا يحاولون اللحاق بكثير من التطورات المتتالية بدا لى أنهم يمكن أن يقعوا فريسة للاستغلال فى هذه المرحلة التى تشهد انفتاحًا جديدًا على ليبيا.
وخلال حديثى مع وزير الخارجية شلقم قال لى إن المشكلة التى تواجه ليبيا هى نقص الكفاءات من المديرين، وبالطبع فإن ذلك كان أمرًا متوقعًا، كون أن ليبيا قد تعرضت للعزلة الدولية لأكثر من عشرين عامًا. وخلال هذه الأعوام العشرين فإن الكثير من الكفاءات والعقول الليبية كانت قد هاجرت، وباستثناء بعض الليبيين الذين حصلوا على التعليم فى الخارج وبعض كبار المهنيين والعلماء النوويين، فإن حظوظ ليبيا من كفاءات الوظائف الحكومية كانت محدودة للغاية.
ومن المسؤولين القليلين التى كانت لديهم خبرة الشؤون الدولية موسى كوسا رئيس المخابرات الليبية، الذى كان قد ذهب لاستكمال دراسته العليا فى العلوم الاجتماعية بجامعة ميتشيجان، وخلال هذه الدراسات قام بكتابة رسالة الماجستير عن معمر القذافى. كما أن شلقم أيضا عاش سنوات طويلة فى الغرب، من بينها السنوات التى أمضاها سفيرًا لبلاده لدى إيطاليا. وقد تبادلتُ الحديث مع الاثنين حول ضرورة اكتساب ليبيا الكفاءات والمهارات التفاوضية، وضرورة أن تحصل ليبيا على عوائد مناسبة وعادلة مقابل مواردها الطبيعية.
وتطرق الحديث مع شلقم وكوسا أيضا إلى التعقيدات التى تحيط بالعلاقات مع دول شمال إفريقيا، وإلى الاتهامات التى تواجه ليبيا فى العالم العربى بعد إعلانها تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل بأنها باعت ثلاثين عامًا مما يطلق عليه المواقف «الثورية» فى الكثير من الموضوعات.
وقد علمتُ خلال هذه المحادثات أن النظام المصرى -على وجه الخصوص- كان مستاءً من أن ليبيا لم تُخطره عن برامجها لأسلحة الدمار الشامل التى كانت تحاول تطويرها، أو عن مفاوضاتها مع أمريكا وبريطانيا. وكان الرئيس مبارك قد قال فى أحد خطاباته قبل فترة وجيزة من الكشف عن برنامج ليبيا للأسلحة النووية: «أنا أعلم ما لدى ليبيا.. والليبيون ليس لديهم أسلحة دمار شامل». وبالطبع فإن الكشف عن هذا البرنامج مثَّل إحراجا له.
وأرسل الليبيون عبد الله السنوسى رئيس المخابرات العسكرية الليبية وصهر القذافى، إلى مصر لمحاولة تطييب خاطر مبارك، ومع ذلك فإن الصحافة المصرية وجهت النقد إلى القذافى على تخليه عن برنامج التسلح، وهو ما أتبعه القذافى بإنهاء دخول المصريين ليبيا دون تأشيرات، وكان ذلك القرار قاسيًا بالنظر إلى أنه كان هناك قُرابة نصف مليون مصرى يعملون فى ليبيا فى ذلك الوقت. وفى النهاية قرر المصريون وضع حد لانتقادات الصحافة المصرية للقذافى، وبعثت القاهرة بوفد من الحكومة المصرية لمحاولة حمل القذافى على تعديل قراره.
ولم يكن من الصعب أن يخلص المتابع لهذا الأمر إلى أن العلاقات الليبية- المصرية تحكمها الأهواء والانفعالات اللحظية، لا التعاون القائم على التخطيط المنطقى.
من جانبهم كان لدى المسؤولين الليبيين الكثير من النقد للحكومة المصرية، خصوصًا فى ما أشاروا إليه من «تقدم مبارك فى العمر بدرجة لم يعد من الممكن معها أن يقدم الكثير، سواء على الصعيد الداخلى لمصر أم للعالم العربى». وعلق أحدهم قائلا «أنت تعلم أهمية مصر من حيث قيادة العالم العربى، فإذا توقفت القيادة المصرية فإن العالم العربى لا يتحرك كثيرًا، أما إذا تحركت مصر للأمام فإن العالم العربى سيتبعها».
لم تُسهم حملة إعلامية أطلقها وزير الطاقة الأمريكى «سبنسر إبراهام» فى تحسين موقف ليبيا فى العالم العربى. ففى السادس عشر من مارس اتصل بى معتوق ليعرب لى عن غضبه مما يقوم به «إبراهام» الذى أحضر عددًا كبيرًا من الصحفيين ليصوروا بأنفسهم المعدات النووية التى أرسلتها ليبيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرارها التخلى عن برنامج التسلح النووى، بينما وصفه «إبراهام» بأنه «انتصار كبير للغاية»، وأن هذه المعدات هى مجرد بداية لما سيصل من ليبيا. وأضاف «إبراهام» أنه «بأى معيار موضوعى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم المتحضر بأسره أصبح أكثر أمانًا، نتيجة الجهود التى أدت إلى تخلص ليبيا من هذه المواد النووية».
وبغض النظر عن الإهانة التى تضمنتها تصريحات «إبراهام» فى حديثه عن «العالم المتحضر»، فإن تقييمه لما كان يمكن أن يتسبب فيه البرنامج النووى الليبى كان تقديرًا مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة، خصوصًا فى ما قاله عن امتلاك ليبيا أربعة آلاف جهاز طرد، لأن معظم هذه الأجهزة لم يكن قد اكتمل. ولفت هذا الأمر انتباه المتخصصين داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، واستدعى انتقاداتهم. وكان من بين هؤلاء «ديفيد أولبرايت» رئيس واحد من أهم المعاهد المتخصصة فى دراسات الأمن النووى والذى قال «إن الحديث عن أن البرنامج الليبى كان خطيرًا جدًّا وأننا يجب أن نكون جميعًا سعداء، هو جزء من حملة دعائية مبالغ فيها يقوم بها البيت الأبيض للحصول على مكاسب سياسية».
ولقد جاء اتصال معتوق بى وأنا فى واشنطن للقاء الرئيس «بوش»، وطالبنى معتوق بالتدخل لدى الأمريكيين لوقف مثل هذه الأنشطة الدعائية التى تضر بصورة ليبيا فى الداخل وفى العالم العربى، وتجعل ليبيا تبدو وكأنها خضعت لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى تفكيك برنامجها للتسلح.
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 03-10-2012, 11:57 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثامنة عشر
لم أكن واثقًا ما إذا كان الأمريكيون غير مدركين أن ما قاموا به يمثل إحراجا لليبيا، أو ما إذا كانوا غير مهتمين بهذا الأمر من الأساس. لكن بالنسبة إلى اليبيين كان من الضرورى أن يكون واضحًا للإعلام أن قرار طرابلس التخلص من الأسلحة النووية كان قرارًا متفقًا عليه بين الطرفين، وأنه تم تنفيذه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد مناقشة طويلة، وفى ضوء قوانين دولية، وتحت إشراف منظمة دولية. ولم تكن للولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الشعبية فى العالم العربى فى هذه السنوات، وبالتالى فإن آخر ما كانت تريده ليبيا أن تبدو أنها قد خضعت لضغوط أمريكية عنيفة.
وفى اليوم التالى التقيت «بوش»، وعندما تطرق الحديث إلى ليبيا أعرب لى عن شكره للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن جانبى أشرت إلى الحساسيات التى تحيط بالتعامل فى هذا الملف، وأشرت على وجه الخصوص إلى الاستياء الليبى جراء الطريقة التى تم بها عرض المعدات الليبية أمام وسائل الإعلام. وأضفت أنه ينبغى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوخى الحذر فى أن لا تصور القذافى أمام العالم العربى على أنه الرجل الذى خان أمته من أجل العلاقات مع الغرب، مشيرًا إلى أن القذافى لا يحتاج إلى المزيد من النقد فى هذه اللحظة، وأن استمرار أمريكا وبريطانيا فى تصويره على أنه رجل مهزوم لن يخدم على الإطلاق مستقبل العلاقات بين ليبيا وكل من أمريكا وبريطانيا.
ولقد تفهم «بوش» الأمر على الفور وقرر إلغاء استعراض آخر لوصول المعدات الليبية إلى أمريكا بناءً على أوامره. وقال لى «بوش» إنه سيرسل «بيل بيرنز» مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط إلى ليبيا ليعرب لطرابلس عن التقدير لقرارها التخلى عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما أكد لى «بوش» «الالتزام بتطبيع العلاقات مع ليبيا»، وطلب منى إذا ما سنحت الفرصة أن أنقل مودته إلى القذافى.
لكن التعقيدات المحيطة بتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع ليبيا لم تنته، ففى مايو 2004 أخبرنى معتوق أن «جون بولتون» يلح على ليبيا لتوقيع اتفاقية ثنائية بشأن أسلحة الدمار الشامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبموجب الاتفاقية المقترحة من «بولتون» فإن واشنطن سيكون لها الحق فى اتخاذ تدابير، تشمل أعمال التفتيش، فى حال ما قامت ليبيا بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية أو فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما أخبرنى معتوق كذلك أن واشنطن تريد من طرابلس رفع شرط السرية المفروضة على سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بليبيا حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاطلاع عليها.
ونصحت معتوق بأن لا يستجيب إلى أى من المطلبَيْن، وأننى لا أوافق على أن يطَّلع أى شخص على ملفاتنا. فشرط السرية إجراء اعتيادى فى كل ما يتعلق بنظام الضمانات فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن ليبيا لا تحتاج إلى التوقيع على ضمانات إضافية، لأن الضمانات التى تلتزم بها ليبيا مع الوكالة كافية، وبالتالى فإن مثل هذا التوقيع لا يمكن فهمه إلا على أنه رخصة غير مبررة من ليبيا للأمريكيين للتدخل فى أى وقت. وبالطبع لم يكن من الصعب إقناع معتوق بذلك.
وفى يونية التقيت شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا الذى أصبح فى ما بعد وزيرا للبترول فى مؤتمر فى فرنسا. وكانت تربطنى بغانم صداقة منذ السنوات التى عمل فيها مديرا للدراسات فى منظمة الأوبك بڤيينا. وأراد غانم أن يُعرفنى بأحدهم: سيف الإسلام القذافى، ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسؤول عن التوصل للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا للأسلحة النووية.
وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف الإسلام ثم انصرف، وكان واضحًا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصح حول جملة من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى الغرب عموما. ولم أجد هناك داعيا لمحاولة إخفاء الحقيقة أو تجميلها، فقلت له إن «الغرب لا يثق فى ليبيا، وإنه سيكون عليكم بناء الثقة معهم، وهذا الأمر سيستغرق وقتا». ثم أضفت أنه من الناحية الأخرى فإن ليبيا تثبت الآن أنها تريد أن تأخذ منحى جديدًا بوصفها عضوًا مسؤولا فى المجتمع الدولى، وهو ما يعنى أنه يحق لليبيين طلب المساعدة فى مجالات مثل التعليم والإدارة المالية وغيرها من الاحتياجات الوطنية.
وتحدث سيف الإسلام عن افتقار ليبيا للكفاءات الإدارية الرفيعة فى الحكومة، فكان اقتراحى له اعتماد آلية للتدريب تقوم على إرسال بعض من الإداريين الليبيين إلى الخارج للتدريب والاستعانة فى نفس الوقت ببعض الكفاءات الخارجية لتقديم دورات تدريبية لليبيين فى بلادهم. فى الوقت نفسه كان على ليبيا أن تعمل على تطوير بنيتها التحتية فى أسرع وقت ممكن.
ولقد لاحظت أن عزلة ليبيا عن العالم خلال العقود الماضية كانت لها أثر سلبى كبير على البلاد، ففى عام 1964 كان هناك خط طيران مباشر بين نيويورك وطرابلس، التى كانت تعد فى ذلك الوقت واحدة من المدن المزدهرة على ساحل المتوسط. وفى عام 1970 لجأ الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات إلى ليبيا ليحصل على قرض وليجرى عملية جراحية، وبالطبع منذ ذلك الحين تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى قوة اقتصادية صاعدة، بينما تراجع حال ليبيا كثيرًا عامًا بعد آخر.
إن أسلوب القذافى فى الحكم يمكن أن يوصف على أقل تقدير بأنه مختلف، ففى أحد الأعوام قرر القذافى وقف مهنة الحلاقة لأنه لم يكن يعتقد أنها مهنة منتجة، وهو ما دفع الليبيين خلال تلك الفترة إلى أن يعتمدوا على أنفسهم فى تهذيب شعرهم، أو للحلاقة فى الخفاء.
كما كان للقذافى أيضا طريقة غريبة فى التعامل مع الشخصيات الدولية، بما فى ذلك قراره لقاء «كوفى أنان» فى خيمة فى وسط الصحراء فى منتصف الليل خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، لأن القذافى كان مستاءً من قيام الأمم المتحدة بفرض بعض العقوبات على ليبيا مؤخرًا. وإضافة إلى ذلك فإن وصول «أنان» إلى خيمة القذافى استغرق ساعتين مر خلالهما فى دوائر عبر الصحراء فى عتمة الليل مع اختراق صمت الصحراء المطبق لأصوات حيوانات كان «أنان» لا يراها أو يعرف ماهيتها بالضبط.
وفى عام 2004 قام الرئيس الفرنسى «شيراك» لأول مرة بزيارة إلى ليبيا فأحضره القذافى أيضا إلى خيمته، وفى أثناء المباحثات دخل عمال النظافة لتنظيف الخيمة، وبعد أن انصرفوا دخلت عنزة تتجول فى الخيمة.
وإذا ما صدقت مثل هذه الروايات فلا يمكن بسهولة معرفة السبب وراء مثل هذه التصرفات غير المألوفة، وعما إذا كان السبب هو إبداء عدم رضا القذافى عن بعض السياسات التى تتبعها الأمم المتحدة أو فرنسا، أو التأكيد على أن القذافى لا يلتزم بالقواعد البروتوكولية المتعارف عليها فى التعامل مع الشخصيات الدولية الرفيعة.
وفى كل الأحوال فإن آثار عدم الخبرة الناجمة عن سنوات العزلة الطويلة على ليبيا كانت بادية فى الأوجه، سواء فى ذلك نقص الكفاءات الإدارية أم البنية التحتية المتدهورة أم السياسات الداخلية والخارجية «الفريدة» من نوعها، وذلك كله بينما ممثلو الشركات الدولية يتوافدون على ليبيا للحصول على صفقات لاستغلال الموارد الليبية.
ولا بد من القول إننى مع ذلك كنت مندهشا بأن ليبيا، على الرغم من كل العزلة التى تعرضت لها، وعلى الرغم من العقوبات الدولية التى فرضت عليها، فإنها تمكنت بسهولة من تطوير برنامج لأسلحة الدمار الشامل بما فى ذلك برنامج بدائى لتطوير السلاح النووى.
وفى الحقيقة فإننى كنت قلقا من رغبة الكثيرين فى التعامل بسرعة مع هذا الوضع، دون النظر بعمق إلى الدواعى وراء مثل هذا البرنامج النووى السرى، سواء فى ليبيا أم غيرها، والذى تم تطويره عبر عدة عقود من الزمن. فمثل هذه الدواعى لا تستأصل بتوقيع اتفاق واحد أو بعقوبات تفرض على عجل أو بحملة قصف خاطفة أو حتى بخطوات دبلوماسية متفرقة، فتفكيك المعدات والمواد الخطرة هو خطوة أولية فقط فى عملية معقدة. والتغيير الحقيقى فى مثل هذه الحالات يتطلب التزاما طويل الأجل بإقامة علاقات قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة. والنجاح النسبى الذى يمكن أن تحققه ليبيا فى إقامة مثل هذه العلاقات مع شركائها الدوليين سيتضح فقط بمرور الوقت.
وقد كنت دائما، وما زلت، منزعجا لرغبة بعض الدول فى ممارسة الخداع وحجب المعلومات بالمخالفة لالتزاماتها الدولية: فليبيا خرقت التزاماتها المقررة حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكلٌّ من أمريكا وبريطانيا حجبت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات استخباراتية كشفت عن برنامج ليبى سرى للتسلح النووى إلى أن قررت الكشف عن هذه المعلومات فى الوقت الذى يناسبها هى، ثم قامت بعد ذلك بنشر أحاديث مبالغ فيها عن هذا البرنامج لتحقق أهدافا دعائية.
تساءلت كثيرا وما زلت: إلى أى مدى يمكن أن يتسامح المجتمع الدولى مع مثل هذه الممارسات؟ وإلى أى مدى يمكن أن تستمر قبل أن تأخذ فى النَّيل من مصداقية نظام منع التسلح النووى بكامله؟
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 04-10-2012, 12:17 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة التاسعة عشر
لقد مثّل الكشف عن الشبكة السرية لعبد القدير خان الحلقة الثالثة فى سلسلة من التغيرات العميقة فى الوضع النووى حول العالم. كان التطور الأول هو خرق دول أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لالتزاماتها المقررة فيها، بسعيها سرّا لتطوير أسلحة نووية، كما كان الحال بالنسبة إلى العراق وكوريا الشمالية. ولم تكن ليبيا سوى المثال الأحدث على ذلك. أما الحلقة الثانية فكانت قيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة، وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون فى ما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن المجموعات الإرهابية دخلت إلى سوق المواد المشعة. ورأى الخبراء النوويون أن من لديه القدرة على القيام بمثل هذا العمل المنظم والمعقد يمكن له أيضا أن يضع يديه على مواد الإشعاع، التى يمكن أن يصنع منها «قنبلة قذرة» أو الأسوأ أن يتمكنوا من الحصول على كمية كافية من المواد النووية يتمكنون بها من صُنع قنبلة نووية حتى ولو كانت بدائية. ولقد زاد القلق من مثل هذا الوضع عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة تنظيم القاعدة الحصول على أسلحة دمار شامل.
وتمثلت ردة فعل المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات لتقييم كيفية حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمن النووى من مليون دولار إلى 30 مليون دولار، وقد جاءت الزيادة فى أغلبها من إسهامات طوعية. وقامت الوكالة بإرسال فِرق للبحث فى مصير المواد المشعة المهملة فى دول الاتحاد السوفييتى السابق مثل جورجيا وغيرها. فى الوقت نفسه تم رفع مستوى التأمين الفعلى على كل محطات القوى النووية والمفاعلات البحثية وغيرها من المنشآت النووية. وتحرك العالم بموازاة ذلك لإعادة تقييم السيناريوهات المحتملة للقيام بأعمال تخريبية فى المنشآت النووية.
ولم يكن الرد على هذا التهديد موحدًا عبر العالم. فقد بادرت الدول الغربية والمنظمات الأهلية فى كثير من هذه الدول بتقديم إسهامات طوعية لدعم أعمال الأمن النووى التى تقوم بها الوكالة. غير أن الدول النامية أصرّت على أن لا تأتى هذه الزيادة من الميزانية العادية للوكالة. وفى المناقشات التى دارت فى الكواليس أشاروا إلى أن الوكالة عليها، كما جرت العادة، أن توجد التوازن المطلوب بين تقديم التمويل للنهوض بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مثل علاج مرض السرطان أو تحسين الإنتاجية الزراعية وبين تحقيق الأمن النووى، فقد كانت هذه الدول تخشى أن تصبح هذه الاستثمارات الضخمة الجديدة بندا دائما فى ميزانية الوكالة وتصبح بالتالى ملزمة بالمساهمة فيها.
وقد كان هذا الخلاف فى المواقف مؤشرًا جديدًا من ضمن مؤشرات التباين بين تعاطى دول الشمال ودول الجنوب مع الشأن النووى إجمالا. وكان عديد من الدول النامية يرى أن أخطار التهديدات النووية تستهدف فى المقام الأول الدول المتقدمة صناعيّا وغالبيتها غربية، وبالتالى فعلى الدول الغربية أن تدفع فاتورة تأمين منشآتها، وكانت هذه الرؤية قاصرة، لأن الأحداث أكدت لنا أن الأخطار تهدد كذلك الدول الصغيرة والأقل نموّا كما دلت عليه محاولات تهريب المواد النووية والمواد المشعة، وهى المحاولات التى تشير معلومات الأجهزة الأمنية فى العالم إلى أنها لا تفرق بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد دل على ذلك أيضا تزايد الطلب من جميع أنحاء العالم على خدمات الأمن النووى التى تقدمها الوكالة. وبالفعل فقد قامت الوكالة خلال السنوات التالية لأحداث الحادى عشر من سبتمبر بتقديم الدعم الفنى للنهوض بترتيبات حماية للمواقع النووية فى أكثر من 30 دولة، كما قامت بعقد المئات من ورش العمل والدورات التدريبية للتوعية بأسباب وطرق الأمن النووى فى أكثر من 120 دولة، ذلك إلى جانب قيامها بتوزيع ما يزيد على 3000 معدة لتقصى أى تسريبات إشعاعية وتأمين نحو 5000 مصدر للمواد المشعة فى العديد من بلدان العالم.
وفى أوائل عام 2004 كنا بصدد مواجهة تغيرات جديدة كشفت عنها التطورات التى رأيناها فى إيران وليبيا، وهى وجود سوق سوداء للمواد والمعدات النووية. ولأن كل سوق يقوم على أساس العرض والطلب فقد كان واضحًا بالنسبة إلينا أن الطلب موجود سواء من قِبل بعض الدول، أم من قِبل بعض الجماعات المتطرفة التى تسعى للحصول على المواد النووية وعلى تكنولوجيا الأسلحة النووية. أما جانب العرض فقد كان متاحًا من خلال شبكة عبد القدير خان والمتعاملين معه. وفى السنوات التالية، ومع زيادة أعمال المراقبة والمتابعة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قاعدة البيانات لدى الوكالة رصدت أكثر من 1300 حالة لمحاولة تهريب غير مشروع للمواد النووية والمواد المشعة. لقد كنا بصدد اكتشاف سوق كبيرة للبضائع النووية تخدم كل العملاء حسب الطلب.
لكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل عبد القدير خان ليقوم بما قام به؟ والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته فى الهند، حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية. وبعد فترة ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان، حيث استقر هناك منذ عام 1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين من الزمن وعندما كان خان يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراه وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان ليصبح بنجلادش. وفى عام 1974 عندما قامت الهند بأول تفجيراتها النووية كان خان يعمل فى شركة «urenco» وهى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم، والمملوكة لبريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبًا مهمّا فى سوق الوقود النووية.
ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالحماسة الوطنية، أو الرغبة فى دعم المسلمين الذين رآهم يتعرضون للقمع، أو بمجرد الطموحات والمكاسب الشخصية، ولم تمكن باكستان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استجواب خان بطريق مباشر حتى تستطيع أن تكوّن تصورًا وراء أهدافه وعملائه.
ولكن كان من الواضح أنه عندما عاد خان إلى باكستان ليرأس معامل البحوث الهندسية، التى سميت باسمه من بعد، فإن الموارد والإمكانات اللازمة قد سخرت له، والتى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات باكستان النووية. ولقد لجأ خان فى ذلك لاستخدام معلومات وتكنولوجيا استحوذ عليها بطريقة غير قانونية من خلال عمله فى شركة «urenco» شملت تصميمات لأجهزة الطرد ومجموعة كبيرة من قوائم الاتصالات وأسماء الشركات التى يمكن من خلالها شراء المعدات والمواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم وغيرها من أجزاء دورة الوقود النووى. وإلى جانب تطوير القدرات النووية الباكستانية فمن المؤكد أن خان استخدم السوق النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات فى أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار. واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات، وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كوَّنها كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى.
وبعد أن حصلنا على أول حصيلة من المعلومات حول ما كان خان يقوم به فى إيران وفى ليبيا قام «أوللى هاينونين»، أحد المدراء المسؤولين عن نظام الضمانات بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعملية دراسة وبحث موسَّعَيْن فى نشاط هذه الشبكة غير القانونية. ومن خلال هذه الدراسة والتحريات اللتين اشترك فيهما مع «هاينونين» عدد كبير من المعاونين تمكنَّا من أن نضع أيدينا على معلومات مهمة حول المتعاونين مع خان، ووسائل تحويل الأموال فى إطار هذه الشبكة، بل ووضعنا أيدينا أيضا على أسماء بعينها وتواريخ محددة لتحويلات مالية تمت عبر بنوك تم رصدها لعمليات إمداد الجهات والدول المختلفة بهذه المواد والتكنولوجيا النووية، إلى جانب قائمة بأسماء الوسطاء.
وبالطبع فإنه بالتوازى مع عملنا هذا كانت أجهزة المخابرات الرئيسية فى العالم تقوم بدورها بعمليات الرصد للأذرع المختلفة لهذه الشبكة غير القانونية وكانت تمدنا بمعلومات مهمة تساعدنا فى عملنا المتعلق بالكشف عن تفاصيل البرامج النووية سواء فى إيران أم ليبيا أم كوريا الشمالية أم غيرها.
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 04-10-2012, 12:18 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة التاسعة عشر
لقد مثّل الكشف عن الشبكة السرية لعبد القدير خان الحلقة الثالثة فى سلسلة من التغيرات العميقة فى الوضع النووى حول العالم. كان التطور الأول هو خرق دول أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لالتزاماتها المقررة فيها، بسعيها سرّا لتطوير أسلحة نووية، كما كان الحال بالنسبة إلى العراق وكوريا الشمالية. ولم تكن ليبيا سوى المثال الأحدث على ذلك. أما الحلقة الثانية فكانت قيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة، وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون فى ما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن المجموعات الإرهابية دخلت إلى سوق المواد المشعة. ورأى الخبراء النوويون أن من لديه القدرة على القيام بمثل هذا العمل المنظم والمعقد يمكن له أيضا أن يضع يديه على مواد الإشعاع، التى يمكن أن يصنع منها «قنبلة قذرة» أو الأسوأ أن يتمكنوا من الحصول على كمية كافية من المواد النووية يتمكنون بها من صُنع قنبلة نووية حتى ولو كانت بدائية. ولقد زاد القلق من مثل هذا الوضع عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة تنظيم القاعدة الحصول على أسلحة دمار شامل.
وتمثلت ردة فعل المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات لتقييم كيفية حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمن النووى من مليون دولار إلى 30 مليون دولار، وقد جاءت الزيادة فى أغلبها من إسهامات طوعية. وقامت الوكالة بإرسال فِرق للبحث فى مصير المواد المشعة المهملة فى دول الاتحاد السوفييتى السابق مثل جورجيا وغيرها. فى الوقت نفسه تم رفع مستوى التأمين الفعلى على كل محطات القوى النووية والمفاعلات البحثية وغيرها من المنشآت النووية. وتحرك العالم بموازاة ذلك لإعادة تقييم السيناريوهات المحتملة للقيام بأعمال تخريبية فى المنشآت النووية.
ولم يكن الرد على هذا التهديد موحدًا عبر العالم. فقد بادرت الدول الغربية والمنظمات الأهلية فى كثير من هذه الدول بتقديم إسهامات طوعية لدعم أعمال الأمن النووى التى تقوم بها الوكالة. غير أن الدول النامية أصرّت على أن لا تأتى هذه الزيادة من الميزانية العادية للوكالة. وفى المناقشات التى دارت فى الكواليس أشاروا إلى أن الوكالة عليها، كما جرت العادة، أن توجد التوازن المطلوب بين تقديم التمويل للنهوض بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مثل علاج مرض السرطان أو تحسين الإنتاجية الزراعية وبين تحقيق الأمن النووى، فقد كانت هذه الدول تخشى أن تصبح هذه الاستثمارات الضخمة الجديدة بندا دائما فى ميزانية الوكالة وتصبح بالتالى ملزمة بالمساهمة فيها.
وقد كان هذا الخلاف فى المواقف مؤشرًا جديدًا من ضمن مؤشرات التباين بين تعاطى دول الشمال ودول الجنوب مع الشأن النووى إجمالا. وكان عديد من الدول النامية يرى أن أخطار التهديدات النووية تستهدف فى المقام الأول الدول المتقدمة صناعيّا وغالبيتها غربية، وبالتالى فعلى الدول الغربية أن تدفع فاتورة تأمين منشآتها، وكانت هذه الرؤية قاصرة، لأن الأحداث أكدت لنا أن الأخطار تهدد كذلك الدول الصغيرة والأقل نموّا كما دلت عليه محاولات تهريب المواد النووية والمواد المشعة، وهى المحاولات التى تشير معلومات الأجهزة الأمنية فى العالم إلى أنها لا تفرق بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد دل على ذلك أيضا تزايد الطلب من جميع أنحاء العالم على خدمات الأمن النووى التى تقدمها الوكالة. وبالفعل فقد قامت الوكالة خلال السنوات التالية لأحداث الحادى عشر من سبتمبر بتقديم الدعم الفنى للنهوض بترتيبات حماية للمواقع النووية فى أكثر من 30 دولة، كما قامت بعقد المئات من ورش العمل والدورات التدريبية للتوعية بأسباب وطرق الأمن النووى فى أكثر من 120 دولة، ذلك إلى جانب قيامها بتوزيع ما يزيد على 3000 معدة لتقصى أى تسريبات إشعاعية وتأمين نحو 5000 مصدر للمواد المشعة فى العديد من بلدان العالم.
وفى أوائل عام 2004 كنا بصدد مواجهة تغيرات جديدة كشفت عنها التطورات التى رأيناها فى إيران وليبيا، وهى وجود سوق سوداء للمواد والمعدات النووية. ولأن كل سوق يقوم على أساس العرض والطلب فقد كان واضحًا بالنسبة إلينا أن الطلب موجود سواء من قِبل بعض الدول، أم من قِبل بعض الجماعات المتطرفة التى تسعى للحصول على المواد النووية وعلى تكنولوجيا الأسلحة النووية. أما جانب العرض فقد كان متاحًا من خلال شبكة عبد القدير خان والمتعاملين معه. وفى السنوات التالية، ومع زيادة أعمال المراقبة والمتابعة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قاعدة البيانات لدى الوكالة رصدت أكثر من 1300 حالة لمحاولة تهريب غير مشروع للمواد النووية والمواد المشعة. لقد كنا بصدد اكتشاف سوق كبيرة للبضائع النووية تخدم كل العملاء حسب الطلب.
لكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل عبد القدير خان ليقوم بما قام به؟ والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته فى الهند، حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية. وبعد فترة ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان، حيث استقر هناك منذ عام 1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين من الزمن وعندما كان خان يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراه وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان ليصبح بنجلادش. وفى عام 1974 عندما قامت الهند بأول تفجيراتها النووية كان خان يعمل فى شركة «urenco» وهى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم، والمملوكة لبريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبًا مهمّا فى سوق الوقود النووية.
ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالحماسة الوطنية، أو الرغبة فى دعم المسلمين الذين رآهم يتعرضون للقمع، أو بمجرد الطموحات والمكاسب الشخصية، ولم تمكن باكستان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استجواب خان بطريق مباشر حتى تستطيع أن تكوّن تصورًا وراء أهدافه وعملائه.
ولكن كان من الواضح أنه عندما عاد خان إلى باكستان ليرأس معامل البحوث الهندسية، التى سميت باسمه من بعد، فإن الموارد والإمكانات اللازمة قد سخرت له، والتى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات باكستان النووية. ولقد لجأ خان فى ذلك لاستخدام معلومات وتكنولوجيا استحوذ عليها بطريقة غير قانونية من خلال عمله فى شركة «urenco» شملت تصميمات لأجهزة الطرد ومجموعة كبيرة من قوائم الاتصالات وأسماء الشركات التى يمكن من خلالها شراء المعدات والمواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم وغيرها من أجزاء دورة الوقود النووى. وإلى جانب تطوير القدرات النووية الباكستانية فمن المؤكد أن خان استخدم السوق النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات فى أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار. واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات، وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كوَّنها كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى.
وبعد أن حصلنا على أول حصيلة من المعلومات حول ما كان خان يقوم به فى إيران وفى ليبيا قام «أوللى هاينونين»، أحد المدراء المسؤولين عن نظام الضمانات بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعملية دراسة وبحث موسَّعَيْن فى نشاط هذه الشبكة غير القانونية. ومن خلال هذه الدراسة والتحريات اللتين اشترك فيهما مع «هاينونين» عدد كبير من المعاونين تمكنَّا من أن نضع أيدينا على معلومات مهمة حول المتعاونين مع خان، ووسائل تحويل الأموال فى إطار هذه الشبكة، بل ووضعنا أيدينا أيضا على أسماء بعينها وتواريخ محددة لتحويلات مالية تمت عبر بنوك تم رصدها لعمليات إمداد الجهات والدول المختلفة بهذه المواد والتكنولوجيا النووية، إلى جانب قائمة بأسماء الوسطاء.
وبالطبع فإنه بالتوازى مع عملنا هذا كانت أجهزة المخابرات الرئيسية فى العالم تقوم بدورها بعمليات الرصد للأذرع المختلفة لهذه الشبكة غير القانونية وكانت تمدنا بمعلومات مهمة تساعدنا فى عملنا المتعلق بالكشف عن تفاصيل البرامج النووية سواء فى إيران أم ليبيا أم كوريا الشمالية أم غيرها.
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 04-10-2012, 12:25 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

بارك الله فيك على هذه الحلقات الرائعة
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 06-10-2012, 09:52 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة العشرون
كان جانب كبير من التحريات التى تقوم بها الوكالة يرمى إلى تتبع سلسلة الإمدادات من مختلف المكونات. فقد استخرجنا من أوامر الشراء عناوين وأسماء الشركات والاتصالات، وأيضا الكشوف المالية متى كانت متاحة. واستخدمت بطاقات المعدات لمعرفة مورديها المحتملين، واستخدمت الأرقام المسلسلة لتتبع تواريخ وأماكن الإنتاج (ما لم تكن الأرقام قد تم محوها). وقمنا بالطبع بإجراء مقابلات وبجهود مضنية لمقارنة المعلومات التى كنا قد حصلنا عليها من العلماء والمسؤولين الإيرانيين والليبيين بالقصص التى يرويها الوسطاء الذين كان لهم دور ما. وبدأت معالم الصورة تتضح.
ومما تم كشفه فى إطار عملية البحث هذه أن واحدة من أولى عمليات خان تمت عام 1987 من خلال مجموعة من معاونى خان. كان هؤلاء المعاونون قد أجروا لقاءً مع بعض الإيرانيين فى دبى ليتفقوا على صفقة لبيع بعض مكونات وتصميمات أجهزة الطرد المستخدمة فى عمليات تخصيب اليورانيوم. واستطاعت الوكالة الحصول على ورقة مكتوبة بخط اليد كشفت عن الصفقة، تضمنت الورقة المواد النووية التى كانت إيران ترغب فى شرائها، وكانت أشبه بقائمة تسوق منزلى. وحصلت إيران ضمن هذه الصفقة على قائمة بأسماء الشركات الأوروبية وغير الأوروبية التى تستطيع أن تشترى منها التكنولوجيا اللازمة لبرنامجها.
وحسب نفس التحريات فإن أقرب مساعدى خان فى عملياته هذه هو رجل أعمال من ****انكا اسمه بوهارى سيد أبو طاهر، ويمتلك واحدة من أهم شركات إنتاج الأجهزة الإلكترونية فى دبى ورثها هو وأخوه عن والدهما. وكانت علاقة طاهر مع خان قد بدأت مع قيام شركة الأول بتوريد أجهزة تكييف إلى أحد أكبر المعامل الوطنية البحثية فى باكستان فى وقت كان فيه خان هو المسؤول عن هذه المعامل، ومع الوقت توطدت العلاقة بين خان وطاهر وأصبح هو الوسيط الذى يقوم بكثير من المهام نيابة عن خان مع وسطاء آخرين.
ولقد كان طاهر هو من تولى عملية نقل بعض أجهزة الطرد المستخدمة لتخصيب اليورانيوم إلى إيران فى صفقة تالية جرت فى عام 1994 وتم خلالها نقل المعدات من دبى إلى إيران على متن باخرة نقل مملوكة لأحد المواطنين الإيرانيين.
كانت دبى بوصفها مركزا تجاريّا هامّا تتسم نظمه الجمركية بالمرونة مكانا مناسبا لإجراء عمليات الشحن هذه، وقام خان بشراء منزل فى واحد من أحيائها السكنية الراقية ليدير منها أعمال شبكته.
وكانت ماليزيا موقعا مهمّا آخر فى نشاطات خان، وكان طاهر متزوجا من سيدة ماليزية وله علاقات عمل مع شركة هندسية تقوم بإنتاج أجزاء من أجهزة الطرد المستخدمة فى عمليات تخصيب اليورانيوم وهناك تم التعاون مع مهندس سويسرى هو «أورس تينر»، نجل المهندس النووى «فريدريك تينر» الذى كان شريكا لخان فترة طويلة، لإنشاء مصنع فى ماليزيا والإشراف على إنتاجه. وكانت المواد الخام، من الألمنيوم رفيع المستوى، تُستورد من سنغافورة. ولأن الأجزاء المستخدمة فى تجميع أجهزة الطرد الخاصة بعمليات تخصيب اليورانيوم كانت تصنَّع كقطع منفصلة فإنها كانت قابلة أيضا للاستخدام فى بعض الأجهزة المنزلية فلم يكن للعاملين فى الشركة أو إدارتها أن يعرفوا على وجه اليقين، أو ربما حتى يرتابوا، فى أن الأجزاء سيتم استخدامها لأغراض أخرى. وكانت أجهزة الأمن الماليزية قد كشفت عن تورط طاهر فى هذه النشاطات، وقامت بالقبض عليه مع آخرين فى مايو 2004 بوصفه يهدد الأمن القومى لماليزيا.
وبعد القبض عليه طالبتُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعدة أشهر متتالية أن تقوم باستجواب طاهر وهو ما تم بعد فترة طويلة، وكشف الاستجواب أن شبكة خان يعمل من خلالها عدد من المهندسين ورجال الأعمال ومجموعة من المعارف والأقرباء يعملون معا دون تسلسل محدد للمهام والأدوار. وكان يتعاون مع هؤلاء مجموعةٌ غير قليلة من الوسطاء، تم الكشف عن بعضهم عندما قررت حكوماتهم ملاحقتهم قضائيّا لاتهامهم بتهم جنائية مختلفة. وكان من بين هؤلاء مواطن ألمانى يعيش فى سويسرا ومواطن بريطانى يعيش فى فرنسا، ورد ذكرهما فى قضية فى ألمانيا وجنوب إفريقيا، واعترف كلاهما بمعرفته بخان، لكنهما أنكرا أنهما متواطئان فى عمليات غير قانونية تتعلق ببرامج نووية غير مشروعة ولم يقدما للمحاكمة. كما تم القبض على مواطنَيْن أحدهما جنوب إفريقى أُسقطت عنه التهمة بعد أن وافق على الإدلاء بشهادة ضد مواطن ألمانى يقيم بجنوب إفريقيا قيل إنه هو الذى أدخله فى الشبكة. كما أن هذه الشهادة ورطت مواطنا سويسريّا آخر يقيم أيضا فى جنوب إفريقيا.
كما علمنا أيضا أن كلّا من البائع والمشترى فى هذه السوق، كما هو الحال فى جميع الأسواق الأخرى كانا يتخذان المبادرة. وعلى سبيل المثال، فإن إيران مثلا كانت تقوم بمحاولات مستقلة لشراء معدات نووية يمكن استعمالها فى مجالات أخرى، وذلك من عدد من الدول، بخلاف اتصالها برجال خان. وكانت فى الوقت نفسه تسعى فى منتصف التسعينيات للحصول على مواد وأدوات من جنوب إفريقيا، ولكن ذلك لم يتحقق حيث إن جنوب إفريقيا كانت قد انضمت فى هذا الوقت إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وفى كل الأحوال فإن مَن يقوم بالشراء كان يتحرك بصورة يصعب معها كشف هويته أو نواياه، وبالتالى، وإمعانا فى التمويه، فإنه كان يستعين بعديد من الوسطاء الذين لا يعرف أحدهم الآخر. ولم يكن المورِّد يعرف المقصد النهائى أو الاستخدام الحقيقى للبضائع. وفى بعض الأحيان كان يتم استخدام شركات حقيقية كأحد الوسطاء، وفى أحيان أخرى كان يتم إنشاء شركات وهمية فى دبى بواسطة خان أو أحد مساعديه لتولى مهمة الوساطة، ثم يجرى تصفيتها بعد انتهاء مهمتها. أما الدفع فكان يتم دوما من بلد آخر غير البلد الذى ستنتهى إليه المعدات التى يتم شراؤها على أجزاء من جهات مختلفة، وكان الدفع يتم من حسابات مختلفة يصعب التأكد من هوية أصحابها، وأحيانا كان الدفع يتم نقدًا، كما حدث مع إيران فى بعض الحالات، وكان خان يعتمد على تجار الذهب فى دبى لتولِّى مهمة غسل هذه الأموال وتبييضها.
وكان أبسط ما لدى خان من سلع وأكثرها قيمة قائمة طويلة من المعارف، أفرادا وشركات، فى بلدان عديدة لتسهيل مهمته فى إمداد عملائه بالتكنولوجيا والمواد اللازمة لتكوين برنامج نووى، فخلال عمله فى هولندا، مثلا، كان يستخدم نوعًا من الصلب شديد الصلابة من خلال شركة موردة للشركة الأم التى يعمل فيها وعُرِف من خلال ذلك الشركات الهندسية التى تقوم بتوريد هذا النوع من الصلب، وهو مادة أساسية لصنع الروتور الخاص بأجهزة الطرد. ومن خلال معارفه فى الشركات تمكن عملاؤه من أن يعرفوا أسماء العاملين ووسيلة الاتصال بتلك الشركات.
ونفذت الشبكة أحد مشروعاتها الهامة فى بلدة صغيرة بالقرب من جوهانسبرج فى جنوب إفريقيا. كان المشروع يشتمل على إقامة منظومة لوحدات المعالجة اللازمة لتخصيب اليورانيوم بخلاف أجهزة الطرد. وكانت المنظومات فى ما عدا ذلك مكتملة بطلمباتها وصماماتها ووسائل تلقيمها ومراجلها المصنوعة من الصلب، والأنابيب التى يمر بها غاز (UF6) إلى أجهزة الطرد المتتابعة. وقد رتبت هذه الأخيرة بطريقة المراحل التدريجية بحيث يتم تخصيب اليورانيوم الطبيعى أولا بنسبة 3.5% «U-235»، ثم يتم تخصيبه بعد ذلك بنسبة أعلى تصل إلى 90% التى تكون صالحة لصنع الأسلحة. وكان صاحب المصنع يصف هذه المنظومة بأنها «عمل فنى» (A work of art).
وفى سبتمبر 2004 داهمت شرطة جنوب إفريقيا المصنع، بناءً على معلومة وصلتها وبالتنسيق مع المسؤولين فى جنوب إفريقيا عن مكافحة الانتشار النووى ومفتشى الوكالة، وكانت المنظومة قد تم تفكيكها قطعة قطعة ووضعت فى حاويات استعدادا لشحنها.
ولقد كانت الصدمة كبيرة فى جنوب إفريقيا لدى الكشف عن هذه العملية السرية، لأن هذا البلد بالذات كان قد اختار طوعا التخلى عن برنامجه النووى، وأصبح زعماؤه من أقوى الدعاة لعدم الانتشار ونزع السلاح النووى. وبالتالى فقد أدى هذا الكشف إلى إدراك واسع للحاجة الشديدة لمزيد من الجهود الوطنية لمراقبة إنتاج وتجارة الصادرات النووية أو متعددة الاستخدامات.
ولم تكن جنوب إفريقيا هى وحدها المعنية بالأمر. فقد بدأت التفاصيل تتوالى وتبين أن الشبكة كانت تتعامل مع جهات عديدة وأفراد كثيرين فى إسبانيا وألمانيا وسويسرا. وكان التعاون يشمل عمل مواطنين من بلدان مختلفة يعملون فى بلدان أخرى مثل عمل مهندس سويسرى فى شركة مقرها ماليزيا تقوم باستخدام رسوم هندسية واردة من باكستان، لكن تصميمها الأصلى تم فى هولندا، أو مهندس إسرائيلى من أصل مجرى يعمل فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومهندس بريطانى لجأ إلى التعاون مع مصنع فى إيطاليا، وآخر فى تركيا لتوفير معدات تذهب لليبيا. لقد كانت الشبكة واسعة ومتداخلة ومتقاطعة، وشملت نحو 30 شركة فى عدد مماثل من البلدان.
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 06-10-2012, 10:46 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الواحد و العشرون
فى عام 2003 كان مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجوبون أنحاء العراق المختلفة بحثًا عن أسلحة نووية لم يكن لها وجود، وبعد عام فها نحن نجد الدليل القاطع تلو الآخر على عملية واسعة للانتشار النووى، ها نحن نرى ليبيا تعترف بطموحاتها النووية، بينما كوريا الشمالية تقترب من الحصول على سلاح نووى، وإيران تُفصِح عن معلومات حول برنامجها للحصول على دورة الوقود النووى الذى بدأ منذ عقدين، وذلك بعد عامين كاملين من الأسئلة والمراوغة وأنصاف الإجابات. ومع ذلك لم نكن واثقين تمامًا إلى أين وإلى أى مدى وصلت شبكة خان.
فى 12 فبراير 2004 نشرتُ مقالًا فى «النيويورك تايمز» تحت عنوان «لننقذ أنفسنا من الدمار» أشرت فيه إلى شبكة خان لنشر المواد والتكنولوجيا النووية، مؤكدًا أن الأسواق تنفتح أكثر فأكثر أمام هذه الشبكة. وفى المقال نفسه، اقترحتُ مجموعة من الإجراءات لمواجهة الانتشار النووى من بينها تشديد الرقابة على الصادرات، وتوسيع دائرة انضمام الدول إلى البروتوكول الإضافى لنظام ضمانات الوكالة الدولية الذى يمنح الوكالة حقًّا أوسع فى القيام بأعمال التفتيش وتقصى الحقائق، ومنع الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإحياء المفاوضات حول معاهدة منع إنتاج المواد الانشطارية التى تمنع إنتاج المواد النووية التى تستخدم فى تصنيع الأسلحة، وكذلك المزيد من الأمن للمواد النووية بالإضافة إلى وضع خارطة طريق لتخلى الدول التى تمتلك بالفعل أسلحة نووية عن أسلحتها.
وكنت فى طرحى هذا أعلم أننى بالأساس أتحدث عن آليات للتعامل مع مشكلة لها جذور عميقة تتعلق بالتباينات الواسعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية بين دول الشمال والجنوب، وغياب التوازن عن نظام الأمن الدولى الذى يُدار على أساس من المعايير المزدوجة، والمشاكل والصراعات التى ما زالت تلبد أجواء مناطق بعينها، ولهذا فإننى أضفت فى هذا المقال: «يجب علينا أيضًا أن نتعامل مع الأسباب الأساسية التى تؤدى إلى غياب الإحساس بالأمن». وذكرت فى المقال أنه:
«فى مناطق مثل الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشبه الجزيرة الكورية يمكن لنا دومًا أن نتوقع استمرار السعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ورغم أن مثل هذا السعى يبقى غير مبرر فإنه أيضًا مُعبّر عن غياب البدائل السلمية للتعامل مع النقص الأمنى الذى تواجهه هذه المناطق».
«فى الوقت نفسه أعتقد أننا يجب أن نضع حدًّا للتصور بأن بعض الدول لها الحق الأخلاقى فى امتلاك الأسلحة النووية وبناء منظومتها الأمنية على أساس هذه الأسلحة، بينما أن المطلوب أخلاقيًّا من دول أخرى أن لا تسعى لامتلاك هذه الأسلحة»،
«من ناحية أخرى يجب أن نتخلى عن التوصيف التقليدى لأمن دولة ما بأنه يبدأ وينتهى عند حدود بعينها أو مدن بعينها، وأن ندرك أن أمن الدول فى يومنا هذا أصبح متداخلًا بصورة لا رجعة فيها، ولم يعد يرتبط بالضرورة بسياقات دينية أو عِرقية كما كان عليه الحال فى مراحل سابقة، لأن حراك الأفراد والبضائع والأفكار لا يتوقف ويفتح آفاقًا أوسع للتواصل بين المجتمعات».
«وفى مثل هذا العالم يجب علينا أن نسعى لمكافحة الإرهاب من خلال ثقافة أمنية تتعدى الحدود وتتلاقى فيها أفكار ثقافية مختلفة وتأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية المختلفة فى إطار من التضامن القائم على تقدير قيمة الحياة الإنسانية. فى مثل هذا العالم ليس هناك مكان لأسلحة الدمار الشامل».
وقبل أيام من نشر هذا المقال علمت أن الرئيس الأمريكى بوش بصدد الإعلان عن حزمة من الإجراءات المتعلقة بمجابهة انتشار الأسلحة النووية، وبالتالى رأيت أنه من المناسب تأجيل نشر المقال لبضعة أيام حتى لا يبدو أننى أحاول أن أستبق بمقالى خطاب بوش المتوقع.
وقبل ساعات من خطاب الرئيس بوش اتصل بى «كولين باول» ليخبرنى أن بوش سيعلن عن سبعة إجراءات تستهدف مواجهة انتشار الأسلحة النووية. وبدأت أُصغى باهتمام أكبر عندما علمت أن «باول» لا يوافق على كل هذه الأفكار بالضرورة «وأن بعض هذه الأفكار قد تكون خلافية، وربما يحتاج الأمر إلى عرضها على مجلس محافظى الوكالة لدراستها».
ومع عرض بوش لأفكاره وجدت أن بها الكثير من الأفكار التى طرحتُها فى مقالى بـ«النيويورك تايمز»، فكلانا أثار الحاجة إلى تشديد المراقبة على الصادرات وتجريم الأفعال التى من شأنها المساعدة عمدًا على انتشار الأسلحة النووية. كذلك اقترح بوش أيضًا تخصيص ميزانية أكبر لتأمين المخزون الموجود من المواد النووية، إضافة إلى ما أعرب عنه من دعم قوى للبروتوكول الإضافى، وأوصى ببذل مزيد من الجهد فى ما يتعلق بالمبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار.
ولكن، وعلى العكس من الطرح الذى تقدمت به، فإن الرئيس بوش اقترح أن الدول التى لا تمتلك بعد دورة الوقود النووية يجب أن لا تكون لديها فرصة الحصول على التكنولوجيا اللازمة للحصول عليها. وبالطبع فهو لم يتحدث عن تخلص الدول النووية من ترسانتها من الأسلحة النووية.
والواقع أن كثيرًا من مقترحات بوش كانت تهدف لسد الثغرات التى أظهرتها شبكة خان فى نظام حظر الانتشار.
ولكن كان هناك أمران فى ما اقترحه بوش رأيت فيهما شططا، الأول يتعلق بمطالبته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإنشاء لجنة خاصة فى مجلس المحافظين تتولى أمور الضمانات والتحقق من التزام الدول بقواعد حظر الانتشار، والثانى يطلب من الوكالة حرمان الدول التى يُجرى التحقيق معها لخرقها هذه القواعد من عضوية مجلس محافظى الوكالة.
وفى ما بعد علمت أن «جون بولتون» و«بوب جوزيف»، هما اللذان كتبا لـبوش خطابه دون أن يتم تمريره أو إقراره من قِبل وزارة الخارجية الأمريكية. وفى هذا السياق فإننى رأيت أن المقترح الخاص بإنشاء لجنة خاصة للضمانات، رغم أنه وسيلة جيدة لتعزيز برنامج التحقق فى الوكالة، فإنه جاء وليد الرغبة فى التدخل الأمريكى المباشر فى عمل الوكالة فى هذا الصدد، بما يمكّن أصحاب السياسات المتشددة من تحقيق أهدافهم فى ما يتعلق بالملف الإيرانى.
أما فى ما يخص الاقتراح باستبعاد الدول التى يُجرَى التحقيق معها لخرقها قواعد التحقق من عضوية مجلس محافظى الوكالة، والذى كان يستهدف إيران تحديدًا، فلم تتم صياغته على نحو يُخفى الغرض منه فضلًا عن أنه لم يكن قابلًا للتطبيق. فقد كشف عن عدم فهم الأساليب الدبلوماسية متعددة الأطراف والاحترام المتبادل الذى تعمل على أساسه الهيئات الدولية والتى تقوم كما هو الحال بالنسبة إلى آليات التعامل فى المجتمعات الديمقراطية على التفاهم وليس على التعصب والضغط والأحكام المسبقة.
وفى مارس 2004 التقيت بالرئيس بوش وتناول حديثنا الخشية من تبعات اتساع السوق النووية السوداء. ذكرت لـبوش أنه رغم ما يبدو من أن خان رئيس لهذه الشبكة التى تتاجر سرًّا فى التكنولوجيا والمعدات النووية إلا أنه فى النهاية لا يعمل بمفرده وأنه بالنسبة إلى الحالة الإيرانية على سبيل المثال كان يعمل مع بعض عناصر من الجيش الباكستانى، بينما فى حالة كوريا الشمالية كان يقوم بدوره فى إطار تعاون بين باكستان وكوريا الشمالية. وقد بنيت هذا الافتراض على أساس خطاب اطلعت عليه حرره خان بخط يده يؤكد أن عمله مع إيران وكوريا الشمالية هو بتعليمات من عناصر فى الجيش الباكستانى، وكان الهدف من هذا الخطاب هو حماية خان لنفسه فى حال تعرضه للتوقيف من قِبل السلطات الرسمية فى بلاده.
ورغم أن بوش أقر بأن هناك دلائل لتورط عناصر باكستانية أخرى فى أعمال خان، فإنه فى الوقت نفسه بدا غير عازم على التحرك فى هذا الصدد، لأنه لم يُرِد أن يخسر التعاون والدعم الذى كانت باكستان تقدمه للولايات المتحدة فى أفغانستان.
وقد رأيت أن الأولوية من الناحية العملية ينبغى أن توجه لتحديد الجهات الأخرى التى قد تكون قد حصلت على التكنولوجيا النووية من خلال شبكة خان.
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 06-10-2012, 11:22 AM
رحييق رحييق غير متواجد حالياً
عضو خبير وعضو مثالى للعام 2011
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 1,337
معدل تقييم المستوى: 16
رحييق is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك في حضرتك

اسمح لي بالعودة مرارا حتى أكمل كل الحلقات الرائعة

تقبل مروري وتقديري
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 06-10-2012, 04:24 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحييق مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا وبارك في حضرتك

اسمح لي بالعودة مرارا حتى أكمل كل الحلقات الرائعة

تقبل مروري وتقديري
جزيل شكرى وتقديرى على مرورك الكريم
بالفعل هذه المقالات تستحق القراءة
خاصة أنها للدكتور محمد البرادعى
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:23 AM.