اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-01-2010, 01:21 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

المطلب الثالث
بشارات من الإنجيل
وفي إنجيل متى الإصحاح (11) عدد (14) " وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي ، من له أذنان للسمع فليسمع " .
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس بينه وبين عيسى نبي ، فيكون إيلياء الذي بشر به عيسى هو محمداً صلى الله عليه وسلم . وإيليا بحساب الجمل الذي أغرمت به اليهود يساوي محمداً .
وفي إنجيل يوحنا إصحاح (14) عدد (15) " إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد ، وفي اللغات الأجنبية (( فيعطيكم باركليتوس )) ليمكث معكم إلى الأبد " والمعنى الحرفي لكلمة (( باركليتوس )) اليونانية هو أحمد ، وهو من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم (1) .
وفي إصحاح يوحنا (15) عدد (26) " ومتى جاء المعزى الذي أرسله أنا إليكم من الآب روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " "ويشهد لي" لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهد للمسيح بالنبوة والرسالة ، وروح الحقّ كناية عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعاني الواردة في هذه الترجمة الحديث ليست دقيقة ، لأن أصلها باليونانية ، وهي اللغة التي ترجمت منها هذه الأناجيل – مكتوبة (( بيركليتوس )) وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1821 ، سنة 1831 ، سنة 1844 ، في لندن تجدهـا (( فارقليط )) وهي أقرب إلى العبارة اليونانية المشار إليها (2) ، أمّا ترجمتها في الطبعات الحديثة إلى المعزى فهو من التحريف الذي ذم الله أهل الكتاب بـه ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) [ النساء : 46 ] . ويلاحظ أن هناك جملة ساقطة قبل الجملة الواردة في عدد (26) من هذا الإصحاح سقطت من الطبعات الحديثة ، لكنها واردة صراحة في الطبعات القديمة للإنجيل ، ونص هذه الجملة : " فلو قد جاء المنحمنا الذي يرسله الله إليكم " ومعنى المنحمنا الحرفي باللغة السريانية محمد (3) (4) .
بشارات أخرى من الإنجيل (5) :
1- من إنجيل ( مَتّى ) :
جاء في ( إنجيل متى ) في الإصحاح الحادي والعشرين :
" 42 قال لهم يسوع : أما قرأتم قط في الكتب : الحجر الذي رفضه البناؤون هوذا قد صار رأس الزاوية ، من قِبَل الرب كان هذا هو عجيب في أعيننا .
43 لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله يُنزع منكم ، ويعطى لأمة تعمل أثماره .
44 ومن سقط على هذا الحجر يترضض ، ومن سقط هو عليه يسحقه " .
وهذا الحجر إنما هو سيدنا محمد ، جاء في ( صحيحي البخاري ومسلم ) عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً ، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ، ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال: فأنا اللبنة ، وأنا ختم النبيين " .
قال ابن القيم (6) : " وتأمل قوله [ المسيح ] في البشارة الأخرى : ألم تر إلى الحجر الذي أخره البناؤون صار رأساً للزاوية ، كيف تجده مطابقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأتمها إلا موضع لبنة منها ، فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها ، ويقولون : هلاّ وضعت تلك اللبنة فكنت أنا تلك اللبنة .
وتأمل قول المسيح في هذه البشارة : إن ذلك عجيب في أعيننا . وتأمل قوله فيها : " إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ، ويدفع إلى آخر " كيف تجده مطابقاً لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [الأنبياء : 105] ، وقوله : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ) [النور: 55] .
ونحو هذا النص ما جاء في ( إنجيل متى ) في الإصحاح الثامن :
" 11 وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ، ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات ، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية ، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان " .
وهذه بشارة تشير إلى ظهور أمة الإسلام التي تأتي من المشارق والمغارب ، وتكون مرضية عند الله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
جاء في ( الفارق ) : " أيها المسيحي إذا أنصفت تحكم بأن هؤلاء الذين سيأتون من مشارق الأرض ومغاربها هم الأمة المحمدية ، لأنكم مخاطبون حاضرون إذ ذاك ، والمسيح سلام الله عليه يخبر عن قوم سيأتون في مستقبل الزمن ، وقد أخرجكم بقوله : " وأما بنو الملكوت " (7) .
ونحو ذلك ما جاء في ( إنجيل يوحنا ) في الإصحاح الرابع :
" 20-24 قال لها يسوع : يا امرأة صدقيني ، أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون لله " .
وهذا النص يشير إلى ظهور الدين الجديد ، وإنّه سيتحول مركزه عن أورشليم ويشير إلى تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المعظمة ، قبلة أصحاب الدين الجديد ، ويصدقه قوله تعالى : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) [ البقرة : 144 ] .
فقد كان المسلمون أول الأمر يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس ، ثم نزلت الآية بوجوب توجههم إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة .
2- من إنجيل لوقا (8) :
ذكر صاحب كتاب ( الإنجيل والصليب ) أنه جاء في ( إنجيل لوقا ) 2 :14 " الحمد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد " .
ولكن المترجمين ترجموها في الإنجيل هكذا :
" الحمد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " .
ومؤلف الكتاب يرى أن الترجمة الصحيحة ما ذكره هو .
يقول المؤلف أنّ ثمة كلمتين وردتا في اللغة الأصلية لم يدرك أحد ما تحتويان عليه من المعاني تماماً ، فلم تترجم هاتان الكلمتان كما يجب في الترجمة القديمة من السريانية .
هاتان الكلمتان هما :
أيريني – التي يترجمونها : السلامة .
و : أيودكيا – التي يترجمونها : حسن الرضا .
فالأولى من الكلمتين اللتين هما موضوع بحثنا الآن هي ( أيريني ) ، فقد ترجمت بكلمات ( سلامة ) ( مسالمة ) ( سلام ) .
والمؤلف يرى أن ترجمتها الصحيحة ( إسلام ) فيقول في ص : 40 : " ومن المعلوم أن لفظ ( إسلام ) يفيد معاني واسعة جداً ، ويشتمل على ما تشتمل عليه ألفاظ ( السلم ، السلام ) ( الصلح ، المسالمة ) ( الأمن ، الراحة ) .. وتتضمن معنى زائداً وتأويلاً آخر أكثر وأعم وأشمل وأقوى مادة ومعنى ، ولكن قول الملائكة : " على الأرض سلام " لا يصح أن يكون بمعنى الصلح العام والمسالمة ، لأنّ جميع الكائنات وعلى الأخص الحيَّة منها، ولا سيما النوع البشري الموجود على كرة الأرض دارنا الصغيرة هي بمقتضى السنن الطبيعة والنواميس الاجتماعية خاضعة للوقائع والفجائع الوخيمة كالاختلافات والمحاربات والمنازعات .. ، فمن المحال أن يعيش الناس على وجه الأرض بالصلح والمسالمة " .
ثم يستشهد بقول المسيح : " ما جئت لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً " ( متى 10 : 34 ) .
ويستشهد بقول آخر للمسيح : " جئت لألقي ناراً على الأرض ، فماذا أريد لو اضطرمت ؟ أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض ؟ كلا أقول لكم بل انقساماً " ( لوقا : 12 : 49-53 ) .
وعلى هذا فالترجمة لا تنطبق ورسالـة المسيح وأقواله والصواب " وعلى الأرض إسلام " . ( انظر البحث من ص38-44 ) .
كما يرى أن ( أيادوكيا ) بمعنى ( أحمد ) لا ( المسرة أو حسن الرضا ) كما يترجمها القسس ، وذلك لأنه لا يقال في اليونانية لحسن الرضا ( أيودوكيا )بل يقال : ( ثليما ) .
ويقول : إن كلمة ( دوكوته ) ، هي بمعنى ( الحمد ، الاشتهاء ، الشوق ، الرغبة ، بيان الفكر ) . وها هي ذي الصفات المشتقة من هذا الفعل ( دوكسا ) وهي ( حمد ، محمود ، ممدوح ، نفيس ، مشتهى ، مرغوب ، مجيد ) .
واستشهد بأمثلة كثيرة من اليونانية لذلك . وقال : إنهم يترجمون ( محمديتو ) في (أشعيا 64 : 11) بـ ( اندوكساهيمون ) ، ويترجمون الصفات منها ( محمد ، أحمد ، أمجد ، ممدوح ، محتشم ، ذو الشوكة ) بـ ( ايندكسوس ) .
واستدل بهذا التحقيق النفيس أن الترجمة الحقيقية الصحيحة لما ذكره لوقا هي ( أحمد، محمد ) لا ( المسرة ) ، فتكون الترجمة الصحيحة لعبارة الإنجيل :
" الحمد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد " (9) .
3- بشارات إنجيل برنابا :
هذا الإنجيل مليء بالبشارات الصريحة بالرسول المصطفى المختار ، ومما ورد فيه (ص161) : " قال الله اصبر يا محمد .. " وفي (ص162) " إن اسمه المبارك محمد .. " (ص162) : " يا الله أرسل لنا رسولك ، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم " .
رأي في إنجيل برنابا :
لا شكّ أن هذا الإنجيل من الأناجيل التي كانت معروفة قديماً ، وقد ورد ذكره في كتب القرن الثاني والثالث للميلاد ، ثمّ لم يرد له ذكر بعد ذلك ، إلى أن عثر على نسخة منه في أوائل القرن الثامن عشر الهجري ، ولا تزال هذه النسخة في مكتبة بلاط ( فيّنا ) .
وعندما نشر هذا الكتاب أحدث ضجّة – كبرى في ذلك الوقت – في أوربا في نوادي العلم والدين ، وقد طبعت ترجمة هذا الكتاب مرتين باللغة العربية ، الطبعة الثانية نشرتها دار القلم بالكويت .
وقد اطلعت على هذا الكتاب ، وأمعنت النظر فيه ، فتبين لي فيه رأي لم أجد أحداً قد تنبه إليه ، تبين لي أن هذا الكتاب وإن كان له أصل فقد لعبت فيه يد مسلم ، فأدخلت فيه ما ليس منه ، والذي جعلني أذهب هذا المذهب ليست تلك التعليقات العربية التي وجدت على هامش النسخة الأصلية الموجودة في ( فينّا ) ، وإنّما تلك المبالغات التي وصف بها الإنجيل الرسول صلى الله عليه وسلم ، نحن نصدّق أن يبشر الإنجيل بالرسول صلى الله عليه وسلم ولكننا نستبعد كل البعد أن يكون قد شاع بين أهل الكتاب تلك الخرافات التي شاعت بين المسلمين بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم ، فنجد في هذا الإنجيل أنّ الله أعطى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم كل شيء ، وخلق من أجله كل شيء ، وجعله قبل كل شيء ، انظر ص ( 91 ، 93 ، 110 ) ، وفي ص (111) يقول حاكياً كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: " يا رب اذكر أنك لما خلقتني قلت : إنّك أردت أن تخلق العالم والجنة والملائكة – والناس حبّاً فيّ ليمجدوك بي أنا عبدك " .
وفي ص (161) ، اصبر يا محمد ، لأجلك أريد أن أخلق الجنّة والعالم وجمّاً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك .. " .
وفي ص (266) ، " هذا هو الذي لأجله خلق الله كل شيء " .
وفي ص (152) يقول : " ولذلك لما خلق الله قبل كل شيء رسوله " .
هذه الأقوال بدون شكّ غير صحيحة ، وهي تناقض الحقّ الذي بين أيدينا ، فالله خلق البشر والملائكة والجنَّ لعبادته ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 56] .
وأول المخلوقات القلم كما في الحديث " أول ما خلق الله القلم " وهذه الأقوال التي فيها غلو شاعت بين المسلمين ، وصاغوها أحاديث نسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة حديث " لولاك لما خلقت الأفلاك " ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة حديث رقم 282) وحديث " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " (حديث رقم 302 ، 303) وحديث : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث " (كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني ص326) .
وحديث : " لقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك علي ومنزلتك عندي ، ولولاك يا محمد ما خلقت الدنيا " ( تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة : ص325 ) .
وفي هذا المصدر ص337 حديث يقول : " خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري " .
وإذا أنت قارنت بين ما نقلته عن إنجيل برنابا وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة أدركت أن الذي أدخل هذه الأوصاف كان من هذا النوع الذي عشعشت أمثال هذه الأحاديث المكذوبة في ذهنه .
وهناك أمور منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم زوراً ، لأنها تخالف الحقَّ الذي في أيدينا ، فمن ذلك ما ورد (ص209) من " أن الجحيم ترتعد لحضور الرسول عليه السلام ، فيمكث بلا مكابدة عقاب مدة إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمشاهدة الجحيم" . فهذا مخالف لصريح القرآن ( لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) [الزخرف:75].
ومن ذلك نقل هذا الكتاب عن عيسى قوله في (ص92) " لست أهلاً أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله " ويقول قريباً من هذا في ص (96) و ص (160) ، ومثل هذا بعيد أن يصدر عن رسول من أولي العزم من الرسل .
ومع ذلك فقد وصف الكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأمور فيها تحقير له ، ففي ص (108) يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّه سيكون كالمخبول ، وفي ص (105) يقول : " إن الله سيجرد رسوله محمد في يوم القيامة من الذاكرة " .
--------------------------------
(1) محمد نبي الإسلام : ص36 .
(2) المصدر السابق : ص38 .
(3) المصدر السابق : ص39 .
(4) وقد استقصى شيخ الإسلام ، فأورد تلك الروايات التي بشر بها عيسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبين وجه الاستدلال بها ، انظر الجواب الصحيح : (4/6) .
(5) نبوة محمد من الشك إلى اليقين : ص297 .
(6) هداية الحيارى : 381-382 .
(7) الفارق : 54 .
(8) نبوة محمد من الشك إلى اليقين : ص300 .
(9) انظر كتاب (الإنجيل والصليب) للأب عبد الأحد داود : 34-35 .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-01-2010, 01:21 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

المطلب الرابع
بشارات من الأسفار العالمية الأخرى (1)
ألّف : ( مولانا عبد الحق قديارتي ) كتاباً باللغة الإنجليزية وسماه :
(( محمد في الأسفار العالمية )) واستفاد في مقارناته ومناقضاته بمعرفته للفارسية والهندية والعبرية والعربية وبعض اللغات الأوربية ، ولم يقنع فيه بكتب التوراة والإنجيل بل عمم البحث في كتب فارس والهند وبابل القديمة ، وكانت له في بعض أقواله توفيقات تضارع أقوى ما ورد من نظائرها في شواهد المتدينين كافة ..
يقول الأستاذ عبد الحق : إن اسم الرسول العربي ( أحمد ) مكتوبة بلفظه العربي في السامافيدا Samavida من كتب البراهمة ، وقد ورد في الفقرة السادسة ، والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ، ونصها إن " أحمد تلقى الشريعة من ربه " وهي مملوءة بالحكمة ، وقد قبست منه النور ، كما يقبس من الشمس ... " .
وفي مواضع كثيرة من كتب البراهمة يرى المؤلف أن النبي محمداً مذكور بوصفه الذي يعني الحمد الكثير والسعة البعيدة ، ومن أسمائه الوصفية اسم سشرافا Sushrava الذي ورد في كتاب أثار فافيدا Atharpha Vida ، وكذلك صنع بكتب زرادشت التي اشتهرت باسم الكتب المجوسية ، فاستخرج من كتاب زند افستا Zend Avesta نبوءة عن رسول يوصف بأنه رحمة للعالمين (( سوشيانت Soeshyant )) ، ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة أبو لهب ِِAngra Mainyu ، ويدعو إلى إله واحد ، لم يكن له كفواً أحد (( هيج جيز باونمار )) ، وليس له أول ولا آخر ، ولا ضريع ولا قريع ، ولا صاحب ولا أب ، ولا أم ولا صاحبة ولا ولد ولا ابن ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة (( جز آخاز وانباز ودشمن ومانند ويار وبدر ومادر وزن وفرزند وحاي سوي وتن آسا وتناني ورنك وبوي است )) .
وهذه هي جملة الصفات التي يوصف بها الله سبحانه في الإسلام : أحد صمد ليس كمثله شيء ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً .
ويشفع ذلك بمقتبسات كثيرة من كتب الزرادشتية تنبئ عن دعوة الحق التي يجيء بها النبي الموعود ، وفيها إشارة إلى البادية العربية ، ويترجم نبذة منها إلى اللغة الإنجليزية معناها بغير تصرف " إن أمة زردشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون ، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ، ويخضع الفرس المتكبرين ، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام ، ويومئذ يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين ، وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ ، وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم ، وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات (2) .
--------------------------------
(1) نبوة محمد من الشك إلى اليقين : ص204 .
(2) ص47 من كتاب Mohammed in World Scriptures نقلاً من كتاب (مطلع النور) للأستاذ عباس محمد العقاد : 14-17 .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-01-2010, 01:22 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

المطلب الخامس
شيوع هذه البشارات قبل البعثة
لقد كانت هذه البشارات منتشرة قبل البعثة النبوية ، فلم يكن أهل الكتاب يكتمونها في ذلك الوقت ، بل كانوا يذيعونها ، ويزعمون أنهم سيتابعون صاحبها عندما يبعث ، وقد حفظ لنا المسلمون بعض هذه البشارات ، ونقل لنا الأنصار من أهل المدينة أحاديث اليهود قبل البعثة عن هذه البشارات ، وقد تعرف بعض أهل الكتاب على الرسول صلى الله عليه وسلم في صغره ، وانتفع بعض أهل الكتاب بهذه البشارات وآمنوا .
1- صفة رسولنا صلى الله عليه وسلم في التوراة :
روى البخاري في صحيحه عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة ، قال : أجل ، " والله إنّه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ، ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) [الأحزاب : 45] ، وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سمّيتك المتوكل ، ليس بفظّ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق [ السخب : الصياح ] ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولا يقبضه الله حتى يقيم به الملّة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح أعينا عمياً ، وآذاناً صمّاً ، وقلوباً غلفاً " (1) .
وروى الدارمي عن عطاء عن ابن سلام ونحوه (2) وعن كعب – وهو من علماء اليهود الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم – قال : " نجد مكتوباً في التوراة محمد رسول الله عبدي المختار ، لا فظٌّ ولا غليظ ، ولا سخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، مولده بمكة ، وهجرته بطيبة ، وملكه بالشام ، وأمته الحمّادون ، يحمدون الله في السراء والضراء ، يحمدون الله في كلّ منزلة ، ويكبرونه على كل شرف ، رعاة للشمس ، يصلُّون الصلاة إذا جاء وقتها ، يتأزرون على أنصافهم ، ويتوضؤون على أطرافهم ، مناديهم ينادي في جوّ السماء ، صفهم في القتال ، وصفهم في الصلاة سواء ، لهم بالليل دويٌّ كدوي النحل " قال التبريزي : هذا لفظ المصابيح ، ورواه الدارمي مع تغيير (3) يسير .
أين هذه البشارة في التوراة :
وهذه البشارة ليست موجودة في التوراة المنتشرة اليوم بين اليهود والنصارى ، فإن كان المراد بالتوراة التوراة المعينة فتكون هذه البشارة مما أخفته اليهود ، وقد تكون مخفية عندهم مما لا يطلع عليه إلاّ أحبارهم (4) ، إلاّ أنه قد تطلق التوراة ولا يراد بها توراة موسى ، بل يراد بها الكتب المنزلة من عند الله ، وقد يطلق على الكتب المنزلة اسم القرآن ، كما في الحديث الصحيح " خفّف على داود القرآن ، فكان ما بين أن يسرج دابته على أن يركبها يقرأ القرآن " والمراد به قرآنه وهو الزبور . وجاء في بعض البشارات عن هذه الأمة " أناجيلهم في صدورهم " فسمى القرآن إنجيلاً ، وعلى ذلك فهذه البشارة موجودة عندهم في نبوة أشعيا ، فقد جاء فيها : " عبدي الذي سرّت به نفسي ، أنزل عليه وحيي ، فيظهر في الأمم عدلي ، ويوصيهم بالوصايا ، لا يضحك ، ولا يسمع صوته في الأسواق ، يفتح العيون العور ، والآذان الصمّ ، ويحيي القلوب الغلف ، وما أعطيه لا أعطيه أحداً ، يحمد الله حمداً جديداً ، يأتي من أقصى الأرض ، وتفرح البريّة وسكانها ، يهللون على كلِّ شرف ، ويكبرونه على كل رابية ، لا يضعف ، ولا يغلب ، ولا يميل إلى الهوى مشقح ، ولا يذلّ الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة ، بل يقوّي الصديقين ، وهو ركن المتواضعين ، وهو نور الله الذي لا ينطفي ، أثر سلطانه على كتفيه " (5) .
2- خبر ابن الهيبان :
ومما حفظته لنا كتب السنة عن علماء اليهود قبل الإسلام أن رجلاً من اليهود كان يدعى ابن الهيبان قدم المدينة ونزل في يهود بني قريظة قبل الإسلام بسنين ، قال راوي القصة : ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا إذا قحط عنا المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا ، فيقول : لا والله حتى تقدموا بين مخرجكم صدقة ، فنقول له : كم ؟ فيقول : صاعاً من تمر ، أو مدّين من شعير ، قال : فنخرجها ثمَّ يخرج بنا إلى ظاهر حرثنا ، فيستسقي لنا ، فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ويسقي ، وقد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً .
قال : ثَمَّ حضرته الوفاة عندنا ، فلمّا عرف أنّه ميت قال : يا معشر يهود ، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ قال : قلنا : الله أعلم .
قال : فإني إنّما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه ، هذه البلدة مهاجرة ، فكنت أرجو أن يبعثه الله ، وقد أظلّكم زمانه ، فلا تسبقّن إليه يا معشر يهود ، فإنّه يبعث بسفك الدماء ، وسبي الذراري ، فيمن خالفه ، فلا يمنعنكم ذلك منه ، وفد انتفع بوصية ابن الهيبان مجموعة من شباب يهود بني قريظة ، وهم ثعلبة بن سعيه ، وأسيد بن سعيه ، وأسد بن عبيد ، فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم – لما حاصر بني قريظة – قال هؤلاء الفتية وكانوا شباباً أحداثاً : يا بني قريظة ، والله إنّه للنبي الذي عهد إليكم ابن الهيبان ، قالوا : ليس به ، قالوا : بلى ، إنّه لهو صفته ، فنزلوا ، فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم ورحالهم (6) .
3- خبر يوشع :
وروى أبو نعيم في دلائل النبوة بإسناده عن محمد بن سلمة ، قال : لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد ، يقال له : يوشع ، فسمعته يقول – وإني لغلام في إزار – قد أظلَّكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت ، ثمّ أشار بيده إلى بيت الله ، فمن أدركه فليصدّقه ، فبعث رسول الله فأسلمنا وهو بين أظهرنا ، ولم يسلم حسداً وبغياً (7) .
4- خبر عبد الله بن سلام :
وقد كان عبد الله بن سلام سيد اليهود وأعلمهم وابن سيدهم وأعلمهم ، قال : لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكف له ، ( نتوكف : ننتظر ) فكنت بقباء مسراً صامتاً عليه ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلمّا قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة ، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبّرت ، فقالت عمتي حين سمعت تكبيري : لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت ، قال : قلت له : أي عمّة ، والله هو أخو موسى بن عمران ، وعلى دينه بعث بما بعث به .
قال : فقالت : يا ابن أخي أهو الذي كنّا نخبر أنّه يبعث مع الساعة ؟ قال : قلت : نعم ، قالت : فذاك إذاً (8) .
وقد ذكر البخاري قصة مجيء عبد الله بن سلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإسلامه وطلبه من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسل إلى اليهود ويسألهم عنه بل أن يعلموا بإسلامه ، فلما جاؤوا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا معشر يهود ، ويلكم اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقاً ، وأنّي جئتكم بحقٍّ ، فأسلموا " قالوا : ما نعلمه ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ، [ قالها ثلاث مرات ] قال : " فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ " قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : " أفرأيتم إن أسلم ، قالوا : حاش لله ما كان ليسلم [ سألهم ذلك ثلاثاً ، ويرددون عليه بالجواب نفسه ] ، قال : " يا ابن سلام ، اخرج عليهم " ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود ، اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو ، إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله ، وأنّه جاء بحق . فقالوا : كذبت . فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (9) .
5- شهادة غلام يهودي :
وروى أنس بن مالك أنَّ غلاماً يهودياً كان يخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا يهودي أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تجد في التوراة صفتي ومخرجي ؟ قال : لا .
قال الفتى : بلى والله يا رسول الله ، إنّا لنجد في التوراة نعتك ومخرجك ، وإنّي أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّك رسول الله " رواه البيهقي بإسناد صحيح (10) .
6- فراسة راهب :
وقد تعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الرهبان وهو صغير ، عندما كان في تجارة مع عمّه أبي طالب إلى الشام ، روى أبو موسى قال : خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش ، فلمّا أشرفوا على الراهب هبطوا ، فحلّوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ، قال : فهم يحلّون رحالهم ، فجعل يتخللهم الراهب ، حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هذا سيّد العالمين ، هذا رسول ربِّ العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين .
فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلاّ خرّ ساجداً ، ولا يسجدان إلاّ لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، ثمَّ رجع فصنع لهم طعاماً ، فلمّا أتاهم به ، وكان هو في رعية الإبل ، فقال : أرسلوا إليه ، فأقبل عليه غمامة تظلّه ، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلمّا جلس مال فيء الشجرة عليه ، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه (11) .
7- معرفة علماء اليهود بموعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم :
عندما اقترب موعد خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم علم أهل الكتاب بذلك بأمارات كانت عندهم ، فقد روى أبو زرعة بإسناد صحيح عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة أن الرسول صلى الله عليه وسلم التقى بزيد بن عمرو بن نفيل قبل البعثة ، وكان مما أخبر به زيد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رحل في طلب الدين الحق دين التوحيد فقال له حبر في الشام : إنك لتسأل عن دين ما نعلم عليه أحداً يعبد الله به إلاّ شيخ بالجزيرة .
قال فخرجت : فقدمت عليه ، فأخبرته بالذي خرجت له ، فقال : إن كلّ من رأيت في ضلالة ، ممنّ أنت ؟
قلت : أنا من أهل بيت الله ، ومن أهل الشوك والقرظ .
فقال : إنه قد خرج في بلدك نبيّ ، أو خارج ، قد خرج نجمه ، فارجع فصدقه واتبعه ، فرجعت فلم أحسّ شيئاً بعد (12) .
كان زيد يحدّث بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ، ولم يكن يعلم أنَّ الذي يحدثه هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ظهر نجمه ، ومات زيد قبل البعثة بسنوات .
وقد سبق ذكر خبر ابن الهيبان ، الذي خرج من الشام إلى المدينة ، فقد قال لليهود عندما حضرته الوفاة : " إنّما أخرجني توقع خروج نبيّ قد أظلّ زمانه ، هذه البلاد مهاجره " .
وفي صحيح البخاري : كان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سُقُفاً على نصارى الشام ، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئتك ، قال ابن الناطور : وكان هرقل حزّاءً ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختانِ قد ظهر " وقال هرقل في آخر كلامه : " هذا ملك هذه الأمة قد ظهر " (13) يعني العرب .
--------------------------------
(1) رواه البخاري : 2125 . الأميون : العرب . والسخب : الصياح والجلبة . والفظ : القاسي القلب .
(2) مشكاة المصابيح : 3/125 .
(3) مشكاة المصابيح : 3/129 .
(4) الذي يظهر لنا أنه كان حتى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نسخ غير محرفة من التوراة والإنجيل بدلالة قوله تعالى : ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ ) [ المائدة : 47 ] وقوله : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) [ المائدة : 43 ] ، وقوله : ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) [ المائدة : 68 ] . فقد كانت هناك نسخ كثيرة محرفة وبعض النسخ لم يصبها التحريف ، ولكن اليهود كانوا يخفونها ، ولعلّ بعضاً من هذه النسخ لا تزال إلى يومنا يخفيها بعض علماء اليهود والنصارى ، ويذكر صاحب كتاب (( محمد نبي الإسلام )) ص (46) نقلاً عن مجلة (( الأيكونومست )) البريطانية أن أول عمل يؤديه المرشح لوظيفة في ( الكوريا ) أي الإدارية المركزية للكنيسة الكاثولوكية هو أن يقسم اليمين المقدسة على كتمان كل شيء يصل إلى علمه أو يقع تحت بصره ، من معلومات خصوصاً عن ثروة الكنيسة ومواردها إلى جانب ما يملكه الفاتيكان من تحف وثروة فنية تعتبر من أثمن الثروات في العالم . ولا شك أن عبارة ثروة فنية تشمل مكتبة الفاتيكان الضخمة بما تحويه من كتب في الديانة المسيحية لو تركت للبحث العلمي الحر لألقت أضواءً لامعة على حقبة مجهولة من تاريخ المسيحية في قرونها الأولى المظلمة .
(5) الجواب الصحيح لابن تيمية : (3/281) .
(6) البداية والنهاية : 1/310 .
(7) البداية والنهاية : 2/309 .
(8) ابن إسحاق في السيرة ( البداية : 3/211 ) .
(9) صحيح البخاري : 3911 .
(10) الجواب الصحيح : (3/287) .
(11) الحديث رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب . ( انظر مشكاة المصابيح : 3/187 ) وقال الشيخ ناصر في تعليقه على الحديث في المشكاة : رجاله ثقات. والحديث صحيح كما بينته في مقال نشرته في ( مجلة التمدن الإسلامي ) .
(12) الجواب الصحيح : 3/285 .
(13) صحيح البخاري : كتاب بدء الوحي حديث رقم : 7 . والأسقف مرتبة دينية عند النصارى . والحزاء : يقال للناظر في النجوم، لأنه يقدر الأمور بظنه .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28-01-2010, 01:22 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

النظر في أحوال الأنبياء
إذا شئت أن تسبر غور إنسان ، وتتعرف على صدقه وأمانته ، فإنّك تنظر في قسمات وجهه ، وتحصي عليه أفعاله وأقواله ، وتراقب حركاته وسكناته ، والذين يستغلق عليك أن تصل في شأنهم إلى اليقين هم أولئك الذين لا تقابلهم إلا مقابلة سريعة ، أو أولئك الذين يخفون أنفسهم ، ويتكلفون في أقوالهم وأفعالهم فلا يظهرون على طبيعتهم .
والأنبياء والرسل كانوا يخالطون أقوامهم ، ويجالسونهم ويعاشرونهم ، ويعاملونهم في أمور شتى ، وبذلك يتسنى للناس أن يدرسوهم عن كثب ، ويتعرفوا إليهم عن قرب ، ولقد كانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بالأمين ، وذلك لصدقه وأمانته ، وعندما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم في مطلع الدعوة : " لو أخبرتكم أنّ وراء هذا الوادي خيلاً تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذباً " (1) .
وقد أرشد القرآن إلى هذا النوع من الاستدلال ( قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) [ يونس : 16 ] .
يقول لهم : لقد مكثت فيكم زمناً ليس باليسير قبل أن أخبركم بأنني نبي ، فكيف كانت سيرتي فيكم ؟ وكيف كان صدقي إيّاكم ؟ أفأترك الكذب على الناس ، وأكذب على ربّ الناس ، ( أفلا تعقلون ) ؟ ألا تعملون عقولكم لتتهديكم إلى الحق ؟! .
إن المعدن الجيد يدلّ على نفسه بنفسه ، والفاكهة الصالحة يدلُّ على صلاحها لونها وشكلها ورائحتها وطعمها ، والمصباح الرائع ضوؤه يهدي إليه ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء ) [ النور : 35 ] .
بعض الناس لم يحتج إلى برهان ودليل ليستدل بذلك على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنّ شخصه وحياته وسيرته هي أعظم دليل ، ومن هؤلاء أبو بكر الصديق ، فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دعاه لم يتردد . ونظر عبد الله بن سلام في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة واحدة ، ولكنَّها كانت كافية لتدلّه على أنّ هذا وجه صادق ليس بكاذب ، قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة ، وخرج عبد الله ابن سلام عالم اليهود مع الخارجين ينظر في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " فلما رأيت وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذّاب " (2) .
وخديجة التي عرفت الرسول زوجاً وخالطته عن قرب قبل أن تعرفه نبياً رسولاً ، لم تتردد في أنّ الله لن يخزيه أبداً ، ولن يصيبه ضير ، ذلك أنّ سنة الله في أمثال الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكرّموا ويشّرفوا ، ولذلك قالت له عندما جاءها قائلاً : " لقد خشيت على نفسي " وذلك بعد أن فجأه الوحي في غار حراء قالت : " كلاّ والله لا يخزيك الله أبداً ، إنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " (3) .
هرقل وأبو سفيان :
وقد أعمل هرقل ملك الروم عقله وفكره وعلمه بأحوال الرسل وصفاتهم ، فاهتدى إلى أنّ محمداً مرسل من ربّه ، ولكنه لم يؤمن ضنّاً بملكه .
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض في عصره يدعوهم إلى الإسلام، وكان هرقل ملك الروم من هؤلاء الذين أرسل إليهم ، فلما جاءه كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من كان هناك من العرب ، وكان أبو سفيان قد قدم في طائفة من قريش في تجارة إلى الشام ، وسألهم عن أحوال النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فسأل أبا سفيان ، وأمر الباقين إن كذب أن يكذبوه ، فصاروا بسكوتهم موافقين له في الأخبار .
وإليك الحوار الذي جرى بينهما يحكيه أبو سفيان .
" كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟
قلت : هو فينا ذو نسب .
قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
قلت : لا .
قال : فهل كان من آبائه مِن مَلِك ؟
قلت : لا .
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟
فقلت : بل ضعفاؤهم .
قال : أيزيدون أم ينقصون ؟
قلت : بل يزيدون .
قال : فهل يرتدّ أحد منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قلت : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قلت : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ، قال : ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة .
قال : فهل قاتلتموه ؟
قلت : نعم .
قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟
قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منّا وننال منه .
قال : فماذا يأمركم ؟
قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق ، والعفاف والصلة .
فقال للترجمان :
قل له : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنّه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت : رجل يأتسي بقول قيل قبله .
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من مَلكِ قلت : رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على الناس ، ويكذب على الله .
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءَهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتمَّ .
وسألتك أيرتد أحد سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك بما يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف .
فإن كان ما تقول حقّاً فسيملك موضع قَدَمَيَّ هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظنُّ أنّه منكم ، فلو أني أعلم أنّي أَخْلُصُ إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه " (4) .
زهدهم في المتاع الدنيوي :
ومما يدلُّ على صدق الرسل من خلال التأمل في سيرتهم ، أنَّ الرسل أزهد النّاس في متاع الدنيا وعرضها الزائل ، وبهرجها الكاذب ، لا يطالبون الناس الذين يدعونهم أجراً ولا مالاً ، فهم يبذلون لهم الخير لا ينتظرون منهم جزاءً ولا شكوراً ، هذا أوّل الرسل يقول لقومه : ( وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ) [ هود : 29 ] .
وهذا آخر الرسل يأمره الله بمثل ذلك : ( قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلاَّ من شاء أن يتَّخذ إلى ربه سبيلاً ) [ الفرقان : 57 ] .
وقص الله علينا في سورة الشعراء طرفاً من قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وكلّ منهم يقول لقومه : ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الشعراء : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180 ] .
--------------------------------
(1) رواه البخاري : (4770) ، ومسلم : (208) (355) من حديث ابن عباس . وانظر (( جامع الأصول )) : 2/286-288 (739) .
(2) رواه أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه وقال : حديث صحيح وابن ماجة في سننه ( البداية والنهاية : 3/ 210 ) .
(3) صحيح البخاري : كتاب بدء الوحي ، حديث رقم (3) .
(4) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب بدء الوحي حديث رقم : 7 .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-01-2010, 01:23 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

دعوة الرّسُل
النظر في دعوة الرسل مجال خصب يدلنا على مدى صدقهم ، فقد جاءت الرسل بمنهج متكامل لإصلاح الإنسان ، ولإصلاح المجتمع الإنساني ، ودين كهذا يقول الذين جاؤوا به إنّه منزل من عند الله لا بدّ أن يكون في غاية الكمال ، خالياً من النقائص والعيوب ، لا يتعارض مع فطرة الإنسان ، وسنن الكون ، وقد وجهنا القرآن إلى هذا النوع من الاستدلال ، فقال : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) [النساء : 82] .
فكونه وحدة متكاملة يصدق بعضه بعضاً ، لا تناقض فيه ولا اختلاف – دليل واضح على صدق الذي جاء به .
والنظر في المقاصد التي تدعو إليها الرسل ، والفضائل والقيم التي يُنادون بها كلُّ ذلك من أعظم الأدلة على صدقهم ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [ الإسراء : 9 ] .
ولقد ألَّف العلماء مؤلفات في بيان كمال هذا الدين وشموله وبيان حكمة التشريع ، وبيان القواعد والأسس التي تجعل هذا الدين بناء محكماً ، يردد الناس النظر فيه فلا يجدون فيه عيباً ولا نقصاً .
وقد ميز الله البشر بالعقل ، وأودع عقولهم إدراك قبح القبيح ، وإدراك حسن الحسن، إلاّ أنّ رحمته جلّ وعلا اقتضت ألاّ يعذب خلقه على تركهم الحسن وفعلهم القبيح ما لم يُقِم عليهم الحجةَ بإرسال الرسل .
وقد سئل أعرابيُّ : بم عرفت أنّ محمداً رسول الله ؟ فقال : ما أمر بشيء فقال العقل: ليته ينهى عنه ، ولا نهى عن شيء ، فقال العقل : ليته أمر به (1) .
وهذا الذي استدل به الأعرابي في غاية الجودة ، فإن الرسل جاءت من عند الله بعلوم وشرائع يعلم العاقل المنصف عند التأمل فيها أنّه لا يمكـن أن تكون آراء البشر ولا أفكارهم .
دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
والناظر في دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكون مكابراً أعظم المكابرة إن لم يعتبر ولم يؤمن ، فنبينا عليه السلام جاء بهذا القرآن الذي عجزت الإنس والجنُّ عن الإتيان بمثله ، وقد حوى من الأخبار الماضية والآتية ، والعلوم المختلفة ما يخضع له المنصف ، ويجعله يسبح بحمد الله طويلاً .
هذا الكتاب وتلك العلوم تصل إلينا على يد رجل أميّ ، لم يمسك بالقلم يوماً ، ولم يكن يقرأ ما سطره العلماء والكتاب من قبل ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) [ العنكبوت : 48 ] .
ليس أمراً عادياً أن يتحول رجل أميّ بين عشية وضحاها إلى معلم بشرية ، يبذل العلم للناس ، ويقوّم علوم السابقين ، ويبين ما فيها من تحريف وتغير .
لقد كان هذا الدليل يجول في نفوس أهل مكة ، فهم يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتيهم بما أتاهم به ، ويعلمون أُميته ، ولذلك لم يكن منهم إلا التمحل وجحود الحقّ بعد معرفته ( فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) [الأنعام : 33] لقد وصلت بهم السفاهة إلى الزعم بأن الذي يأتي محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا العلم حداد رومي كان بمكة ، وإنه لفرية مضحكة ( لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) [ النحل : 103 ] .
--------------------------------
(1) مفتاح دار السعادة : 2/6-7 .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-01-2010, 01:23 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

تأييد الله لرسُله ونصرته لهم
ومما يدلنا على صدق الأنبياء والمرسلين نصرة الله لهم وحفظه إياهم ، فإنّه يستحيل على الله تعالى أن يتقول عليه متقول ، فيدعي أنّه مرسل من عند الله وهو كاذب في دعواه، ثمّ بعد ذلك يؤيده الله وينصره ، ويرسل الملائكة لتثبيته وحمايته ، لو فعل هذا ملك من ملوك الأرض ، فادعى مدع أنّه مرسل من قبله كذباً وزوراً ، وعلم بذلك الملك المفترى عليه ، فإنّه سيلاحقه ، وإذا ظفر به فسيوقع به أشدَّ العذاب ، فكيف يليق بخالق الكون العليم الحكيم أن يرى ويسمع رجلاً يكذب عليه ، ويزعم أنّه رسوله ، ويحلل باسمه ويحرم ، ويشرع الشرائع ، ويضرب الرقاب ، ويزعم أنه يفعل ذلك بأمر الله وبرضاه ومشيئته ، ثم يؤيده الله وينصره ، ولا يوقع به عقابه وعذابه ؟ هذا لا يكون أبداً ، وإن وقع مثل هذا من كاذب مارق وظهر أمره ، وقويت شوكته يوماً ، فلن يطول ذلك ، ولا بدَّ أن يكشف الله أمره ، ويهتك ستره ، ويسلط عليه من يقهره ، ويجعله عبرة لغيره ، كما فعل الله بمسيلمة وسجاح والأسود العنسي من قبل (1) .
وقد أشار الله تعالى لهذا النوع من الاستدلال فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) [ النحل : 116 ] فحكم عليهم بعدم الفلاح ، وقال : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ - لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ - ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) [الحاقة : 44-46] والمعنى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لو تقوَّل على الله ما لم يقله الله لأهلكه الله .
وهذا الدليل ذو تأثير كبير على نفوس الناس ، فإن العرب لمّا رأت انتصار الإسلام صدقت وآمنت ودخلت في دين الله أفواجاً ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) [النصر : 1-2] .
شبهة :
وما يذكره بعض المكذبين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من أنّ النصر تمّ لفرعون ونمرود وجنكيزخان وغيرهم من الملوك الكفرة في القديم والحديث ، جوابه ظاهر ، فإن هؤلاء لم يدع أحد منهم النبوة ، وأن الله أمره أن يدعو إلى عبادته وطاعته ، ومن أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار بخلاف من ادعى أن الله أرسله ، ثمّ يؤيده الله وينصره، وينصر أتباعه ويجعل العاقبة لهم فإنّه لا يكون إلاّ رسولاً صادقاً ، فلو كان كاذباً فلا بدّ أن ينتقم الله منه ، ويقطع دابره ، واعتبر في هذا بحال مسيلمة والأسود العنسي وسجاح ، واعتبر هذا بحال المسيح الدجال ، فإنّه يفتري على الله الكذب ويدعي الألوهية ، فيكشف الله ستره ، ويظهر أمره لمن كان عنده بصيرة ، فهو رجل أعور ، مكتوب بين عينيه كافر، وإنّما يلتبس أمره على من لم يرزق نور الإيمان .
--------------------------------
(1) راجع شرح العقيدة الطحاوية : ص 165-167 وقد استدل بشيء قريب من هذا ابن القيم في كتابه هداية الحيارى انظر الجامع : (ص562) .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28-01-2010, 01:41 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

فضل الأنبياء وتفاضلهم
المبحث الأول
فضل الأنبياء على غيرهم
المطلب الأول
الأدلة على هذا التفضيل
خلق الله الخلق وفاضل بينهم : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ) [القصص : 68] وقد اختار من أرضه مكة ، فجعلها مقرّ بيته العتيق الذي من دخله كان آمناً ، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليه ، وأوجب على الناس الحج إليه من استطاع إليه سبيلاً ، وحرّم صيد الحرم وقطع شجره ، وجعل الأعمال الصالحة فيه مضاعفة ، وجعل إرادة الظلم فيه مستحقة العذاب الأليم ، ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) [الحج:25] واختار من الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، ومن الأيام يوم عرفة ، ومن أيام الأسبوع يوم الجمعة ، وفاضل الله بين الملائكة فاختار منهم الملائكة الذين يحملون رسالته إلى رسله وأنبيائه ، واصطفى الله من بني آدم الأنبياء ، فالأنبياء أفضل البشر ، وأفضل الأنبياء الرسل ، ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [ الحج : 75 ] .
وقد أجمعت الأمة على تفضيل الأنبياء (1) على غيرهم من الصديقين والشهداء والصالحين .
ويدلَّ على تفضيلهم قوله تعالى : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) [ الأنعام : 83-86 ] .
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه : " ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر " (2) .
ويؤخذ من الحديث أن الأنبياء والمرسلين أفضل الخلق ، وأنّ أفضل رجل بعدهم أبو بكر الصديق .
وقريب من هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلاّ النبيين والمرسلين " (3) .
وقد رتب الله عباده السعداء الذين أنعم عليهم أربع مراتب ، قال تعالى : ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) [ النساء : 69 ] .
فأول هذه المراتب وأعلاها الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ، ثم الصالحون .
لا مجال للمصادفة :
قد يظنّ ظانٌ أن للمصادفة هنا محلاً ، وأن من الأنبياء من أصابته النبوة وهو لا يستحقها ، معاذ الله ، ولكنّ الله العليم الحكيم الخبير نظر في معادن العباد وقلوبهم ، واختار منهم واصطفى الأفضل الأكمل ، وصدق الله إذ يقول : ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام : 124] .
إنّ حكمة الله وعلمه قاضيان بأن لا تمنح النبوة والرسالة إلاّ للمستعد لها والقادر على حملها (4) ، وإذا تأملت في سيرة أنبياء الله ورسله رأيتهم أبرّ الناس قلوباً ، وأعمقهم علماً ، وأحضرهم بديهة ، وأشدّهم تحملاً ، وأرقهم طباعاً ، .. فلا عجب أن يختارهم الله ليكونوا أمناء وحيه ، والعاملين على إقامة دينه ، فهم القمم السامقة التي تعجز النفوس عن أن تبلغ مداها .
المطلب الثاني
دعوى تفضيل الأئمة على الأنبياء
وقد خالفت في هذه المسألة التي أجمعت عليها الأمة طوائف من الذين ينتسبون إلى الإسلام ، فمن هؤلاء الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، يقول عالم من علمائهم البارزين المعاصرين (5) في هذا الموضوع : " إن من ضرورات مذهبنا أنّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبيٌّ مرسل " (6) وقال أيضاً : " ورد عنهم (أي الأئمة) : إنّ لنا مع الله حالات ، لا يسعها ملك مقرب ، ولا نبيٌّ مرسل ، ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء " (7) (8) .
قال الألوسي رحمه الله في (( مختصر التحفة ص 100 )) مبيناً قول الشيعة في هذه المسألة : " أجمع الإمامية على أن الإمام أفضل من غير أولي العزم من الرسل والأنبياء ، وليس بأفضل من خاتم النبيين عليه وعليهم السلام ، وأما غيره من سائر أولي العزم فقد توقف فيه بعضم كابن المطهر الحلي وغيره ، ويعتقد بعضهم أنه مساوٍ لهم ، وهذا مخالف لما ورد عن الأئمة ، فقد روى الكليني عن هشام الأحوال عن زيد بن علي أن الأنبياء أفضل من الأئمة ، وأن من قال غير ذلك فهو ضال ، وروى ابن بابويه عن الصادق ما ينص على أن الأنبياء أحبّ إلى الله من عليٍّ " .
وقد رد الألوسي – رحمه الله – قولهم بنصوص الكتاب وبالمعقول وبتضعيف النصوص التي اعتمدوا عليها لضعف رجالها ، ولكونها معارضة للنصوص الأخرى الموجودة في كتبهم ، وهي ردود شافية لمن أراد معرفة الحقّ واتباعه فارجع إليه .
وقد ترددت هذه الأقوال المفضلة للأئمة على الأنبياء في كتب الشيعة كثيراً ، فقد ذكر علي موسى البهبهاني في كتابه مصباح الهداية في إثبات الولاية (9) (ص61-62) أن الأمامة مرتبة فوق النبوة .
ولذلك فقد حكموا بكفر من أنكر إمامة أئمتهم أو إمامة واحد منهم ، قال ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق :
" اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنّه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء ، واعتقادنا فيمن أقرّ بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنّه بمنزلة من أقرّ بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد " (( رسالته في الاعتقاد ص 103 )) .
وقال المفيد : " اتفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمة ، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة ، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار " بحار الأنوار للمجلسي ((23/390)) والمجلسي ذكر قول المفيد لتأييد رأيه .
ويرى بعضهم أنّ إنكار الإمامة شر من إنكار النبوة ، يقول الحلي الملقب عند الجعفرية بالعلامة : " الإمامة لطف عام ، والنبوة لطف خاص ، لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام ، وإنكار اللطف العام شرٌّ من إنكار اللطف الخاص " (( كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين للحسن بن يوسف المطهر الحلي 1/3 )) وعقب أحد علمائهم على هذا بأنّه " نعم ما قال " وأضاف : " وإلى هذا أشار الصدوق بقوله عن منكر الإمامة هو شرّ الثلاثة ، فعنه أنه قال : الناصبي شرّ من اليهودي ، قيل : وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ فقال : إن اليهودي منع لطف النبوة وهو خاص ، والناصبي منع لطف الإمامة وهو عام " (( انظر حاشية ص 43 من كتاب النفع يوم الحشر لجمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري )) .
المطلب الثالث
الزعم بأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء (10)
وزعم بعض المتصوفة أنّ الولاية أفضل من النبوة ، وزعم هؤلاء أنّ خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء ، ومن هؤلاء الذين زعموا هذا الزعم الباطل الحكيم الترمذي ، وابن عربي القائل بوحدة الوجود ، وهؤلاء كذبوا فيما ذهبوا إليه ، فلم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنّ هناك خاتماً للأولياء ، ولم يرد أنّه أفضل من غيره من الأولياء فضلاً عن أن يكون خيرهم ، ولم يتكلم في هذه المسألة أحد من الذين لهم باع في العلم ممن يقتدى ويتأسى بهم .
وأصل غلطهم أنّهم نظروا فوجدوا أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ، وأفضل الرسل ، فقالوا : هو أفضلهم لأنّه آخرهم ، وهذا فاسد فالتأخر والتقدم ليس عليه مدار التفضيل ، ولذلك كان إبراهيم متقدماً وهو أفضل من موسى ، وإبراهيم وموسى متقدمان ، وهما أفضل من عيسى ، وصحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أفضل هذه الأمة صحابته الذين كانوا معه ، ولو أنّ المسلم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ، وثبت عنه أنه قال : " خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم " (11) .
وفي العلوم قد ينبغ المتقدم نبوغاً لا يدرك شأوه المتأخر ، واعتبر في هذا بسيبويه في علم النحو ، وقد يكون هذا في العلوم المترقية التي يكمل المتأخر فيها المتقدم صحيحاً ، أمّا في النبوة والرسالة فالأمر مختلف ، إذ النبوة وعلومها هبة إلهية ، ومنحة ربانية ، لا تنال بالكسب والمجاهدة ، وقد فتحت هذه المقالة باب شرّ ، فأصبح كلّ من ظنَّ في نفسه خيراً، وكلّ من أراد بهذه الأمّة شراً يزعم أنّه خاتم الأولياء ، وأنّه يأخذ علومه عن الله من غير واسطة ، وهذا ضلال كبير ، فليس لأحد من هذه الأمة أن يزعم أنه أفضل من أحد من الأنبياء ، وليس لأحد يزعم الصلاح أن يتعبد الله بطريقة تخالف طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم .
--------------------------------
(1)مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 11/321 .
(2) أخرجه بنحوه عبد بن حميد في ((مسنده)) ورقمه : (212) من حديث أبي الدرداء ، وأخرجه أيضاً عبد الله بن أحمد في كتاب ((فضائل الصحابة)) ورقمه : (508) .
ولفظه في ((مسند عبد بن حميد)) : عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل ، وأخير ، من أبي بكر ، إلا أن يكون نبيٌّ " .
(3) أخرجه الترمذي : (3664) من حديث أنس بن مالك ، و (3665) من حديث علي بن أبي طالب ، وكلاهما صحيح .
(4) المهتدون بهدى الكتاب والسنة يرون أنّ الرسل أفضل الخلق وأكملهم ، وقد اختارهم العليم الخبير كي يكونوا سفراءه إلى خلقه ، وينبغي أن نفرق بين ما جبلهم الله عليه من الفضائل والمزايا وبين ما أوحاه إليهم ، فالذي أوحي إليهم به لم يكن لهم به علم، وليس لذكائهم وفظنتهم من شيء فيه ، ولذلك قال الله لرسوله : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإيمانُ ) [ الشورى : 52 ] وهذا يرد على ذلك الصنف من الذين يزعمون أنهم يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويصفونه بالعبقرية ، ثم ينسبون كل شيء إلى عبقريته ، حتى العلوم التي جاء بها ، وهذه خدعة ماكرة ، يريدون من ورائها إنكار الوحي ، ونسبة هذه العلوم الإلهية الربانية إلى العبقرية المحمدية ، ونحن في الرد عليهم لا نشتط فننكر مزايا الرسول وفضله ، ولكننا نبطل باطلهم، ونثبت الجانب الحق فيه ، وهو أن محمداً ليس عبقرياً فقط ، بل هو مع ذلك رسول رب العالمين .
(5) هو الخميني الذي فجّر الثورة في إيران .
(6) انظر كتاب الحكومة الإسلامية للخميني : ص52 .
(7) المرجع السابق .
(8) غلا الخميني في الأئمة غلواً عظيماً فقد رفعهم فوق مرتبة البشر ، وعدهم في مرتبة الآلهة ، يقول في كتاب الحكومة الإسلامية ص 52 : " إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون" ولا أفهم من هذه الخلافة التكوينية التي تخضع لها جميع ذرات الكون إلا تلك التي حدثنا الله بها عن نفسه ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ يس : 52 ] . ويقول في الكتاب السابق أيضاً : " والأئمة كانوا قبل هذا العالم أنواراً ، فجعلهم الله بعرشه محدقين ، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله " تأمل كيف وصفهم بأنهم كانوا موجودين قبل خلق العالم ، وكان وجودهم نوراً ، وكانوا محدقين بالعرش ، وكل ذلك من الغلو الشديد المخالف لصريح الكتاب والسنة .
وبعد إعداد هذا البحث وقبل دفعه إلى المطبعة طالعتنا وكالات الأنباء والصحف بكلام للخميني لا يقل خطورة عن الكلام الذي أثبتناه من كتابه ، قال بمناسبة ميلاد المهدي الغائب الذي تزعم الشيعة اختفاءه منذ أكثر من ألف عام ويزعمون بقاءه حياً وأنه سيعود مرة أخرى ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً . وفي كلامه هذا يزعم أن الأنبياء والرسل جميعاً وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم لم ينجحوا في إصلاح البشرية وتنفيذ العدالة ، وأن الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر ، وأنه الشخص الوحيد في العالم الذي سيحقق ذلك . يقول في كلامه الذي نشرته بنصه صحيفة الرأي العام الكويتية بتاريخ (30/6/1980) " الأنبياء جميعاً جاؤوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم كله، لكنهم لم ينجحوا ، وحتى إن النبي محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك في عهده .. وإن الشخص الذي سينجح في ذلك ويرسى قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم ويقوم بالانحرافات هو المهدي المنتظر " . لا والله ما ذلك بحق وليس بصدق ، فإن أحداً لم ينجح محمد صلى الله عليه وسلم في تحقيق العدالة ، ولن يأتي أحد بعده يحقق ما حققه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه . ويؤكد الخميني كلامه السابق فيقول : " لا يوجد في العالم أحد سوى المهدي من أجل تنفيذ العدالة بمعناها الحقيقي .. " ويقول : " إن الإمام المهدي عليه السلام سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما فشل في تحقيقه الأنبياء والأولياء بسب العراقيل التي كانت في طريقهم .. " ومن هنا يرى الخميني أن عيد المهدي هو أكبر أعياد المسلمين " إن عيد المهدي هو أكبر عيد للبشرية بأجمعها " وهذا يعني أنه أعظم من عيد الفطر والأضحى ، وقد فضله على عيد مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم من جهة : " إن هذا العيد الذي هو عيد كبير بالنسب للمسلمين يعتبر أكبر من عيد ميلاد النبي عليه السلام من جهة واحدة ، ويقول : " إن عيده هو عيد جميع أبناء البشرية ، لأنه سيهدي جميع أبناء البشر " . وختم كلامه مفضلاً إياه على غيره : " إني لا أتمكن من تسميته بالزعيم لأنه أكبر وأعظم وأرفع من ذلك ، ولا أتمكن من تسميته بالرجل الأول لأنه لا يوجد أحد بعده ، وليس له ثان ولذلك لا أتمكن من التعبير عنه بأي كلام سوى المهدي المنتظر الموعود " إننا لا نستغرب هذا الكلام بعد ما قرأناه في كتاب الحكومة الإسلامية . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(9) هذه النقول أخذناها بمصادرها من كتاب الإمامة للدكتور علي أحمد السالوس : ص19 .
(10) راجع في هذه المسألة : لوامع الأنوار البهية : 2/300 ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام : 2/222 ، 11/221 ، 363 .
(11) أخرجه البخاري : (2652) من حديث عبد الله بن مسعود . وانظر ((مسند أحمد)) : 6/76/(3549) والتعليق عليه .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28-01-2010, 01:42 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

تفاضُل الأنبياء والرّسُل
أخبرنا الحقُّ – تبارك وتعالى – أنّه فضّل بعض النبيين على بعض ، كما قال جلّ وعلا : ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) [ الإسراء : 55 ] .
وقد أجمعت الأمّة على أنّ الرسل أفضل من الأنبياء ، والرسل بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم كما قال تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) [ البقرة : 253 ] .
المطلب الأول
أولو العزم من الرسل أفضل الرسل
وأفضل الرسل والأنبياء خمسة : محمد صلى الله عليه وسلم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل ، ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) [الأحقاف : 35] ، وقد ذكرهم الله في كتابه في أكثر من موضع ،( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) [ الشورى : 13 ] .
وفي قوله وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) [ الأحزاب : 7 ] .
بم يتفاضلون الأنبياء والرسل ؟ (1) :
الذي يـتأمل في الآيتين اللتين أخبرتا بتفاضل الأنبياء والرسل يجد أن الله فضّل مَن فضّل منهم بإعطائه خيراً لم يعطه غيره ، أو برفع درجته فوق درجة غيره ، أو باجتهاده في عبادة الله والدعوة إليه ، وقيامه بالأمر الذي وكل إليه .
فداود عليه السلام فضله الله بإعطائه الزبور ، ( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) [الإسراء :55] ، وأعطى الله موسى التوراة ( وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [البقرة: 53] والكتاب هو التوراة ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ) [ المائدة : 44 ] وأعطى عيسى الإنجيل ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ) [ المائدة : 46 ] .
وقد اختص الله آدم بأنّه " أبو البشر ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا له " .
وفضل نوحاً بأنّه " أوّل الرسل إلى أهل الأرض ، وسمّاه الله عبداً شكوراً " .
وفضل إبراهيم باتخاذه خليلاً ( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) [ النساء : 125 ] وجعله للناس إماماً ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) [ البقرة : 124 ] .
وفضل الله موسى برسالاته وبكلامه ، ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ) [الأعراف : 144] واصطنعه لنفسه ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) [ طه : 41 ] .
وفضل عيسى بأنّه رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وكان يكلّم الناس في المهد ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) [ النساء : 171 ] .
ويتفاضل الأنبياء من جهة أخرى ، فالنبي قد يكون نبياً لا غير ، وقد يكون نبياً ملكاً، وقد يكون عبداً رسولاً ، " فالنبي الذي كُذِّب ، ولم يتبع ، ولم يطع ، هذا نبيٌّ ، وليس بملك ، أمّا الذي صدق ، واتبع ، وأطيع ، فإن كان لا يأمر إلاّ بما أمره الله به فهو عبد نبي ليس بملك ، وإن كان يأمر بما يريده مباحاً له فهو نبي ملك ، كما قال الله لسليمان : ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ ص : 39 ] .
فالنبي الملك هنا قسيم العبد الرسول ، كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : " اختر إمّا عبداً رسولاً ، وإمّا نبياً ملكاً " (2) وحال العبد الرسول أكمل من حال النبي الملك ، كما هو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنّه كان عبداً رسولاً ، مؤيداً مطاعاً متبوعاً ، وبذلك يكون له مثل أجر من اتبعه ، وينتفع به الخلق ، ويرحموا به ، ويرحم بهم ، ولم يختر أن يكون ملكاً، لئلا ينقص ، لما في ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال ، عن نصيبه في الآخرة .
فالعبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك ، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ابن مريم أفضل عند الله من داود وسليمان ويوسف " (3) .
المطلب الثاني
فضل الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم
عندما يبعث الله الأولين والآخرين في يوم الدين يكون رسولنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه سيّد ولد آدم ، بيد لواء الحمد ، والأنبياء والمرسلون في ذلك اليوم تحت لوائه، فعن أُبيٍّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبيٍ يومئذٍ آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي، وأنا أوّل من تنشق عنه الأرض ولا فخر " رواه الترمذي (4) ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ : " أنا سيد ولد آدم ، وأول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع وأول مشفع " (5) .
وعندما يشتدُّ الكرب بالناس في ذلك اليوم يستشفع الناس بالرسل العظام ليشفعوا إلى الله ليقضي بين عباده فيتدافعها الرسل ، كلُّ واحد يقول : اذهبوا إلى غيري ، حتى إذا أتوا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال : " اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر " .
هذا فضله في ذلك اليوم العظيم ، وما ذلك إلاّ لما حباه الله من عظيم الصفات ، وكريم الأخلاق ، والمجاهدة في الله ، والقيام بأمره ، وقد فضله الله في نفسه ودعوته وأمته بفضائل ، فمن ذلك أنّه اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه وأبو عوانة " إنّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً " (6) ، وآتاه القرآن العظيم الذي لم يُعط أحدٌ من الأنبياء والرسل مثلَه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) [ الحجر : 87 ] .
وخصّه الله دون غيره بستٍّ لم يعطها أحد من الأنبياء قبله ، ففي الحديث : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأرسلت إلى الخلق كافّة ، وختم بي النبيون " رواه مسلم والترمذي (7) .
يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّ الله فضله على غيره بست ، أوتي جوامع الكلم، وذلك بأن يجمع في القول الوجيز المعاني الكثيرة .
ونصر بالرعب ، وذلك بما يلقيه الله في قلوب أعدائه من الخوف من رسوله وأتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأحلّت له الغنائم ، وكانت غنائم من قبلنا من الرسل وأتباعهم تجمع ثمّ تنزل نار من السماء تحرقها .
وجعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً ، فحيثما أدركت رجلاً من هذه الأمة الصلاة فبإمكانه أن يتوضأ فإن لم يجد يتيمم ، ثمّ يصلي في مسجد مقام ، أو في منزل أو في الصحراء .
وأرسل إلى النّاس كافة عربهم وعجمهم أبيضهم وأصفرهم وأحمرهم (8) ، من كان في وقت بعثته ومن يأتي من بعده حتى تقوم الساعة : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) [ الأعراف : 158 ] .
وأرسله إلى الجنّ كما أرسله إلى الإنس ، وقد رجع وفد الجنّ بعد استماع القرآن ، والإيمان بما نزل من الحق . داعين قومهم إلى الإيمان : ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) [ الأحقاف : 31-32 ] .
والفضيلة السادسة أنّه خاتم الأنبياء فلا نبيّ بعده ( وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) [ الأحزاب : 40 ] . وإذا كان رسولنا خاتم الأنبياء فهو خاتم المرسلين من باب أولى ، ذلك أنّ كل رسولنا خاتم الأنبياء فهو خاتم المرسلين من باب أولى ، ذلك أنّ كل رسول فهو نبي لا شك في ذلك ، فإذا كانت النبوة بعد نبينا ممنوعة مقطوعة ، فالرسالة ممنوعة أيضاً ، لأن الرسول لا بدَّ أن يكون نبيّاً .
ومعنى كونه خاتم الأنبياء والمرسلين أنّه لا يبعث رسول من بعده يغير شرعه (9) ويبطل شيئاً من دينه ، أمّا نزول عيسى آخر الزمان فهو حقٌّ وصدق – كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم – ولكنه لا ينزل ليحكم بشريعة التوراة والإنجيل ، بل يحكم بالقرآن ، ويكسر الصليب ، ويقتـل الخنزير ، ويؤذن بالصـلاة .
المطلب الثالث
النصوص التي تنهى عن التفضيل بين الأنبياء
وردت أحاديث تنهى المسلمين عن تفضيل بعض النبيين على بعض ، فمن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم ، قال : " لا تخيروا بين الأنبياء " (10) وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تفضلوا بين أنبياء الله " (11) . أي : لا تقولوا : فلان خير من فلان ، ولا فلان أفضل من فلان ، يقال : خيَّر فلان بين فلان وفلان ، وفضل بينهما ، إذا قال ذلك .
فهذه الأحاديث لا تعارض النصوص القرآنية التي تدلُّ على أنّ الله فضّل بعض الأنبياء على بعض ، وبعض المرسلين على بعض ، وينبغي أن يحمل النهي الذي ورد في الأحاديث على النهي عن التفضيل إذا كان على وجه الحميّة والعصبية والانتقاص ، أو كان هذا التفضيل يؤدي إلى خصومة أو فتنة (12) ، يدلنا على هذا سبب الحديث ، ففي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " استبَّ رجل من المسلمين ورجل من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم على العالمين ، فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، فرفع المسلم عند ذلك يده ، فلطم وجه اليهودي ، فذهب اليهودي عن ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فأخبره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون ، يوم القيامة ، فأصعق معهم ، فأكون أوَّل من يفيق ، فإذا بموسى باطش جانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صَعِقَ فأفاق قبلي ، أو كان مِمَّن استثنى الله " (13) .
وفي رواية عند البخاري : " لا تخيروا بين الأنبياء " (14) .
قال ابن حجر في هذه المسألة : " قال العلماء في نهيه عن التفضيل بين الأنبياء : إنَّما نهى عن ذلك من يقول برأيه ، لا من يقوله بدليل ، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول ، أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع ، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة " (15) .
ونقل عن بعض أهل العلم أنه قال : " الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنّما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة ، لأنّ المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر ، فأمّا إذا كان التخيير مستنداً إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي " (16) .
--------------------------------
(1) الأنبياء والرسل يتفاوتون في الفضل كما بينا هنا بتفضيل الله لهم ، وبما أعطاهم إياه من خير ، وبعض الناس ينسبون إلى الأنبياء والرسل أموراً يظنون أنهم يعظمونهم بها فيخرجون عن دائرة الصدق والعدل ، فمن ذلك دعاء كثير من المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم قائلين : " يا أول خلق الله ، يا نور عرشه الله " ، وهذا القول جمع أنواعاً من الضلال ، منها دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونداءه ، وهذا لا ينبغي إلا لله فهو المدعو دون سواه . ومنها الإدعاء بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور ، وأنه أول خلق الله ، وهذا لا برهان عليه إلا أحاديث باطلة لم يصح إسنادها ، فأول ما خلق الله القلم الذي كتب مقادير كل شيء ، والرسول صلى الله عليه وسلم مخلوق مما خلق منه البشر ، وكونه مخلوقاً مما خلق منه البشر وأنه في آخر الخلق لا يضيره ، فالمخلوقات لا تتفاضل باعتبار ما خلقت منه فقط ، فقد يخلق المؤمن من كافر ، والكافر من مؤمن ، كابن نوح منه ، وإبراهيم من آزر ، وأدم خلقه الله من طين ، فلما سوّاه ، ونفخ فيه من روحه – أسجد له ملائكته وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء ، وبخلقه إياه بيده .
(2) أخرجه بنحوه في ((المسند)) : 12/76-77(7160) من حديث أبي هريرة ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين ، وانظر تمام تخريجه في ((المسند)) .
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 35/34 .
(4) رواه الترمذي : 3148 . وقال فيه : هذا حديث حسن صحيح .
(5) ابن ماجه (4308) ، وهو في صحيح سنن ابن ماجه .
(6) صحيح مسلم : 532 .
(7) صحيح مسلم : 523 ، والترمذي : 1553 .
(8) يزعم ( نهرو ) في كتابه لمحات من تاريخ العالم أن محمداً مرسل إلى العرب خاصة ، وهذا الزعم قال به طوائف من النصارى في القديم والحديث ، وقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الجواب الصحيح ، في الرد على شبهات رجل نصراني ، وإحدى تلك الشبهات التي أطال شيخ الإسلام في الرد عليها زعم ذلك النصراني أن محمداً مرسل إلى العرب دون سائر الأمم ، ويكفي في الرد على هذه الفرية أن نبين لهؤلاء تناقضهم ، فإن إقرارهم بكونه نبياً مرسلاً يقتضي تصديقه فيما أخبر ، وقد أخبر ببعثه إلى الناس كافة ، فإذا آمنوا بأنه نبي مرسل ، ثم كذبوه ، وقالوا : أنت مرسل إلى العرب وحدهم ، فقد تناقضوا تناقضاً بيناً ، ووضح أن مرادهم تبرير كفرهم به .
(9) ظهر بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من أدعياء النبوة ، كمسيلمة والأسود العنسي وسجاح ، ولا يزال يظهر بين الفينة والفينة من أمثال هؤلاء ، وقد ظهر في القرن الماضي علي محمد الشيرازي ( ولد سنة 1819م ) ولقب بالباب ، وأتباعه يدعون البابية ، وادعى النبوة حيناً والألوهية حيناً ، وسار على نهجه تلميذه الذي لقب ( ببهاء الدين ) وأتباعه يدعون البهائية ، ومن هؤلاء الأدعياء ميرزا غلام أحمد القادياني ، وله أتباع منتشرون في الهند وألمانيا وإنكلترا وأمريكا ، ولهم فيها مساجد يضلون بها المسلمين ، وكانوا يسمون بالقاديانية ، وهم يسمون اليوم – أنفسهم بالأحمدية إمعاناً في تضليل عباد الله - .
وآخر هؤلاء الأدعياء رجل ظهر في السودان يدعى أنه نبي وقد تكفل الله بفضح كل من ادعى هذه الدعوى وهتك ستره . ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) [يونس: 69] .
(10) متفق عليه مشكاة المصابيح : (3/114) ، وهو عند البخاري : 2412 ، 6916 ، ومسلم : 2374 (163) .
(11) أخرجه البخاري : 3414 . وصحيح مسلم : 2373 .
(12) راجع شرح الطحاوية : ص170 .
(13) صحيح البخاري : 2411 ، ومسلم : 2373 .
(14) صحيح البخاري : 2412 .
(15) فتح الباري : 6/446 ، ولمزيد من البحث راجع تفسير ابن كثير ، وتفسير القرطبي عند تفسيرهما الآية : 253 من سورة البقرة .
(16) المصدر السابق ، ولمزيد من البحث راجع تفسير ابن كثير ، وتفسير القرطبي عند تفسيرهما الآية : 253 من سورة البقرة .
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:03 PM.