|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#46
|
|||
|
|||
![]() اقتباس:
الجزء من الحوار دا
فعلاً اثر فيا وفيه جزء كمان هييجي فالفصول الاخيرة هيوضح قد ايه اياس دا رائع ، اوك تمام هيبقى كويس جداً انا كنت ناوية انزل تعليقي عليها بعد اخر جزء بس هيكون أجمل ان الكل يكتب حاجة استفادها من الرواية وهو المطلوب ، ربنا يخليكِ ياقمر ومرسي جداً عالمرور الرائع ![]() |
#47
|
|||
|
|||
![]() الفصل الخامس عشر إياس : جنون .. وجنون فقط ، انقطعت عن دوامي أسبوعاً وكذلك غبت عن جامعتي ، كثيراً ما أجلس في صالة البيت لأخرج عن جوّ غرفتي التعيس .. وكثيراً ما تخنقني العبرة فأقوم نحو غرفتي لأخرج ما في صدري ، أشعر بأن الدنيا كلها انطبقة عليّ فلا مهرب لي منها ، أحس أني أتنفّس من ثقب إبرة صغيرة .. بالكاد يكفي الهواء الداخل منها لأن يشفي حشرجات صدري الباكي . صرتُ أخرج إلى الكورنيش لأسير فيه ، وما أكثر ما ابتعدت عن أعين الناس وجلست على أحد الصخرات المرصوفة على شاطيء البحر وبدأت أبكي ، دمع الرجل عزيز يا ريّان .. دمع الرجل ثمين .. الرجل لا يبكي إلا من عظيم يهزّ قلبه وروحه ، لم أكن أبكي لأن أمنية ما لم تتحقق لي فقط ؛ فهذا شيء اعتدناه في هذه الحياة ، كنت أبكي لشيئين اثنين ... أبكي لأن رؤى هي من ردني .. هي من جرحني ، وكان السبب أنها " لا تريدني آنا " ، وماذا فيّ أنا ؟ بقدر ما وهبتها ساعات التفكير والحب والخيال .. تركلني بقدمها ؟ أهذه هي طبيعة المرأة التي يخلص لها في الحب حبيبها ؟ أيلزم أن يقسو الرجل على المرأة لتسكن إليه ؟ أيلزم أن يرتفع عنها لتهفو نحوه ؟ وأكبر من رد رؤى لي .. شعرت بحقارتي عند ربي ، شعرت بأنه غاضب عليّ ، شعرتُ بأني لا أستحق رحمته وكرمه وجوده ، شعرت بأن لدي معصية كبيرة جداً .. جداً منعت عني فضل ربي ، أنا مؤمن أكثر من أي شيء آخر أن رحمة ربي واسعة وأن ربي حكيم عليم .. ولذا .. ما كان ليمنع رحمته عني إلا من جرم فعلته .. جرم عظيم .. صرت أبكي وأستغفر ربي .. أناديه من قلبي .. ( ربِ لا أريدها .. ربِ أريدك أنت .. ربِ أنا تائب .. ربِ بصّرني بذنوبي .. ربِ اغفر لي ما علمته وما لم أعلمه ) .. أريد أن أعرف ذنبي .. لا لأنالها .. ولكن أستغفر منه .. لأستغفر منه وأتوب إلى ربي اعتنق إياس المصحف الذي كان بيده مرة أخرى .. بقوة ، وشرع يبكي أمامي بكاء طفلٍ صغير ، يبكي ويجهش بالبكاء وصدره يهتز ويرجف حتى خفت أن يصيبه شيء من ذلك فابتدرته مفاتحاً له .. ريّان : أهذا هو الجنون الذي تتحدث عنه ؟ هذا ليس جنوناً .. ما أسعدك إذا بدأتُ تنقب في أخطائك ولم تبتعد عن ربك ، نحتاج كثيراً إلى تفكيرك هذا يا أخي في تصحيح ما نقع فيه من أخطاء ورفع ما يُلمّ بنا من مصائب وكوارث ! بدأ يسكن من بكائه رويداً .. رويداً - وأنا أغبطه على حساسيته في شعوره نحو ربه - ، ثم رفع رأسه بعد أن هدأ قليلاً ونظر إليّ بعينيه الحمراوين الباكيتين .. إياس : لم أنتهِ بعد .. لم أنتهِ ، ما رأيك لو عدنا إلي البيت لنتحدّث هناك فأنا أريد أن أريك شيئاً ؟ دخلنا شقته ثم قادني نحو مكتبه الذي توسّط مكتبته ، جلست على الكرسي بجانب الطاولة منتظراً له ، وتوجه هو نحو أحد رفوف مكتبته وسحب كتاباً طبيّا ضخماً كبيراً وأتى به ووضعه على الطاولة ، ما زلت أذكر شكل الكتاب الضحم الكبير والذي يُخيّل إليّ أن عدد صفحاته يتجاوز الألفي صفحة ، وسط الكتاب بيننا ثم فتحه من المنتصف وأخرج ورقتين ثنتين ، أخذ بكل يدٍ ورقة ورفعهما أمامي وقال بصوتٍ هادئ خافت بعد أن عقد حواجبه ... إياس : هذا هو الجنون ! ريّان : لم أفهم ! ورقتين .. وردية ورصاصية .. ما علاقة الجنون بهاتين ؟ إياس : بعد أسبوع من غيابي من دون عذر .. عُدتُ إلى المكتب مرة أخرى ، وكثيراً ما كنتُ أفكّر بتلك التي لا يفصلني عنها إلا حاجز خشبي لو رميت عليه أحد الملفات المرصوفة فوق بعضها أمامي .. لتهشّم ، كنتُ أفكّر بها كثيراً .. في عملي وجامعتي .. وأكثر ما كانت تتداعي صورتها الخياليّة إلي وأنا أقرأ هذا الكتاب الضخم .. كنتُ أراها في كل صفحة منه حتى أني لربما أقضي في الصفحة الواحدة ساعة كاملة ، كان تفكيري بها مؤثراً كثيراً على إنتاجيتي وعملي وبادياً كذلك على صفحة وجهي ، فجاءني الفضولي - هو نفسه الأول ! - يسليّني ويُحدّثني ، وكان مما أخبرني به أن زميلنا في المكتب / سلمان خطب الأسبوع الماضي وأقام احتفالاً صغيراً في المكتب بهذه المناسبة في غيابي ، واشار إلى وقوع أحداث دراماتيكية في خطبته ، كان يريد الزواج من ابنة خالته التي كان يحبها مذ كان صغيراً فمنعه زوج خالته من ذلك بحجة أنها هي التي لا تريـد .. بينما الحقيقة أنه هو لا يريـد أن يزوّج ابنته من صحفيّ - كما يقول - ، وهنا لم يستسلم سلمان للأمر بل بحث عن طريقة حتى وصل إلى ابنة خالته واستفسر منه فإذا هي موافقة وإنما الرد كان من أبيها ، فبحث عن من يتوسّط له عنده .. وفعلاً تمت الخطبة ! ريّان : صاحبك هذا فضولي ملقوف درجة أولى !! إياس : جاءني إبليس - نعوذ بالله منه - وقال لي .. ولمَ لا تفعل ما فعله سلمان ؟ بدأت أفكّر جدياً خصوصاً وأنه لا يلزمني ركوب مشاق للوصول إلى رؤى .. فهي هاهنا بجانبي ، وأيضاً هذا ينفي عني الشكوك في كونها من رفضني وردّني ويجعلني أكرهها ويقلب حبها في قلبي بغضاً .. ربما ، بداية استصعبتُ ذلك ورأيته فعلاً مشيناً فما عند الله من الفضل والخير والبركة والنعيم لا يُنال بسخه وغضبه ، لكني استمرأتُ ذلك مع تكرار التفكير وتزيين الشيطان لي ذلك العمل ، ولله در ابن القيم إذ يقول ( دافع الخطرة ..فإن لم تفعل صارت فكرة .. فإن لم تفعل صارت همّاً وإرادة .. فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً .. فإن لم تفعل صار عادة وسجية ! ) . ريّان : هنا الجنون بعينه .. وماذا فعلت !!؟ إياس : بلاوي !! |
#48
|
|||
|
|||
![]() الفصل السادس عشر
إياس : آهـ من تلك الأيام .. أرجو الله أن يعفو عني ويغفر لي ، فقد كنت حينها مجنوناً حقاً لا أدرك مالذي أفعله ، كنت واقعاً تحت ضغط نفسيٍ رهيب أفقدني صوابي .. أفقدني حسن التدبير .. أفقدني فهم حقيقة ما أفعله إن كان صحيحاً أو خاطئاً ، وما أكثر ما نعيش تحت الضغوط ونعيش في دوّاماتها التي تفسد بوصلة اتجاهاتنا وتجعلنا نسير من غير هدى .. دون وعي .. ولا أدنى استشراف للمستقبل ، كم كنتُ اتمنى لو أنني خرجتُ من المكتب مبتعداً عن ضغط الحب الذي أعماني لأفكّر في الأمور وأقيّمها بشكل صحيح بدل أن أجاري التيار في نفسي والذي لم يترك لك فسحة لأن أفكر بغير الحب ( ! ) ، تعلمتُ من تلك الأيام أن أبتعدَ دوماً عن مركز التأثير النفسي قبل اتخاذ قراراتي حتى لا أصاب بالعمى فأقدم على أمور أدرك لاحقاً أنها خاطئة .. بل هي محض جنون ! ريّان : ألمس من حديثك ندمك على محبة " رؤى " ...!؟ إياس : حب رؤى ؟ هـه ! لم أندم علي محبتي لتلك الإنسانة يوماً ، لكني ندمتُ على الذي أسرفت به نفسي باسم " حب رؤى " ، فضيّعت حقوقاً وارتكبتُ أخطاءاً ودمّرتُ حياتي وجرحتُ كبريائي وشوّهت صورتي .. وآذيتُ رؤى ! ريّان : طيب ومالذي قمتَ به ؟ يبدو فظيعاً ! إياس : ألا ألتمس منك العذر بأن تقيلني عن أن أخبرك إبقاءاً على كبريائي وصورتي عندك ؟ ريّان : صورتك عندي ؟ كلنا نرتكب الأخطاء يا إياس ، من منّا ذاك الذي لم يرتكب خطاً ؟ المهم هو تصحيح المسار بعد الانحـراف وأن لا يبقى الإنسان مداوماً على نفس الخطأ الذي ارتكبه سابقاً ، أن لا يبقى أسيراً له .. فكلما أراد الخروج من مستنقع الخطأ إلى واحة الراحة والطمأنينة .. تذكّر أن ثيابه نتنة وجسده متسخ بالأوحال .. فيعود مرة أخرى وكله يأس إلى ما كان يفعله سابقاً ، هاه .. ستكمل أم ستكمل ؟ إياس : الله المستعان .. لمّا أخبرني سلمانُ بما أخبرني به ؛ بدأت أفكّر بطريقة جدّية بأن أتواصل مع رؤى بأي وسيلة كانت وأرى إن كان ثمة موانع تمنع من إتمام ما أريده ، فكثير من الزيجات توأد من البداية عند وجود بعض العراقيل أو الغموض عن أحد الأطراف ، خشيت أن يكون هناك سرٌ ما في ذهنها ولذا أقدمت لأن أكتشفه ، بقيت أفكّر لأسبوع متردداً أأقدم أم أحجم .. ولو أقدمت .. فما هي الطريقة الأكثر قبولاً .. وهل ستقبل هي تصرفي هذا أم لا .. إلخ من الأسئلة . أتصوّر أنك تفكّر الآن بنفس ما كان يفكّر أهلي به يوماً ، وهو : ما هذه الثقة لديك بأنها ستوافق ؟ ما الثقة التي لديك بأنك ستتزوجها ؟ ولا أخفيك أني كنت أسأل نفسي كثيراً أسئلة من هذا النوع ، فأقنع نفسي أني دعوت الله كثيراً .. وأنا أثق بالله .. ومهما كان من عراقيل فسيستجيب الله دعائي .. كل ما عليّ أن لا أتعجل في طلب استجابة دعائي . ريّان : يا إياس .. لا تناور مبتعداً .. ما الذي فعلته ؟ إياس : ذات ليلة .. بقيت في المكتب وتأخرتُ عن الانصراف ، صحيح أن أنجزتُ أعمالي لكني بقيتُ أفكرّ في وسيلة أتواصل فيها مع رؤى ، وبينما أنا كذلك إذ سمعتُ صوت الباب يُغلق من المكتب المجاور ، فرفعتُ رأسي وأنا على مكتبي لأنظر من خلال الزجاجة الصغيرة المجودة طرف الباب فإذا رؤى خارجة .. والتقت عيني بعينيها وهي تنظر إلى مكتبي في لمحة عابرة ! استعذت بالله وصرفتُ نظري سريعاً وكانت قد ولّت وذهبت ، جاءني الشيطان مستعيناً بنفسي الأمّارة بالسوء ليُزينا لي أمراً محرماً ، حيث صرتُ أشعر باللوم والتأنيب مما جرى - رغم كونه عابراً - ، كنتُ أشعر وكأن أحداً ما يُحدثني .. ( أما تخاف الله ؟ كيف تنظر إلى امرأة أجنبية لا تحل لك ؟ وكيف تفكّر أن تكلّمها ؟ لا .. لا .. يجب أن تبحث عن أمرٍ مباح تستخدمه .. وأنت نيتك الخير والزواج .. وليست تنوي فعل الحرام .. ولذا ما رأيك لو كتبت لها ورقة صغيرة وتذكر فيها ما تريد .. في هذه الحالة لن تكلمها .. لن تسمع صوتها .. لم تراها .. ولن تشم عطرها لو كانت متعطرة .. ولن تخلو بها أيضاً ! .. كل ما في الأمر ورقة .. مجرد ورقة .. ألست تقرأ لها في المجلة الأسبوعية ؟ أليست هي تقرأ لك أيضاً ؟ ما المانع إذاً لو أرسلت لها ؟ ولا تدري .. ربما يوفقك الله للزواج منها فيرزقكما الله ذرية صالحة ترفع راية الإسلام عالياً ! ) ريّان : هذا شيطان محنّك يذكّرني ببعض الكتاب ممن يزينون المنكرات . إياس : جلستُ في مكتبي حتى منتصف الليل متظاهراً أني أنهي أعمالي حتى خرج معظم من في قسمنا من موظفي الشركة ، أخرجتُ ورقة من درجي وبدأتُ أكتب .. تحية وسلام .. ثم إظهار لاستحيائي من مراسلة فتاة .. ثم ثناء على عملها .. ثم التماس لأن تعيد النظر في موضوع ردها لي وعدم قبولها بي زوجاً ، كتبت كل ذلك بأسلوب رصين وجادٍ ليس فيه أي تمايع أو لين ، بعد ذلك ثنيتُ الورقة ووضعتها في مظروف ، ثم تسللت إلى مكتبها بخفّة ووضعتها في درجها الأوّل لتقرأها في الصباح . خرجتُ وقلبي ينبض بين زوايا تلك الورقة ، كنتُ آمل أن تُحـدث فرقاً أو تسرّني بنتيجة إيجابية ، أشغلني التفكير بها في كل وقت .. كيف ستتقبلها ؟ هل ستقرؤها ؟ ماذا ستكون نظرتها لي ؟ هل ستكرهني ؟ هل .. هل .. هل ؟؟؟ لم أتناول طعاماً ولا شراباً في ذلك .. إي وربي .. قلقي كان مذهلاً لي عن أي شيء ، كنت أنتظر عقارب الساعة أن تتحرك .. كنت أرقبها أن تلدغ موعد ذهابي ليصرخ بي أن أسرع وانظر ماذا جرى ! ذهبت ُ مبكراً للعمل ولم أنتظر عقاربي .. كنت آملُ أن أنهي أعمالي سريعاً حتى أخرج من مكتبي سريعاً لتتمكن رؤى إن أرادت أن ترد عليّ من وضع ما ستكتبه ، وقد حصل أن خرجتُ سريعاً حقاً ثم انتحيت بسيارتي نحو إحدى النواحي ونمتُ بها منتظراً نصف الليل والجوع والقلق قد فعلا بي الأفاعيل . ولمّا تأكدتُ أن الجميع قد ذهب عُدتُ إلى مكتبي كلي أمل وشوق لحرف ستخطّه رؤى .. لكنها لم تفعل ، أصبتُ بصدمة وألم .. ليس فقط من عدم ردها .. بل لخشيتي أن ما فعلته ربما أسقطني من عينها وبغّضني إليها فهي فتاة صالحة طاهرة تقيّة نقيّة عفيفة لا تحسن التعامل مع تلك السخافات .. وتحتقرها ، لكني - رغم ظني - ظللت أسلّي نفسي وأرقب ردها أسبوعاً ، فلربما أرادت أن تفكر في الموضوع ملياً . |
#49
|
|||
|
|||
![]() بعد أسبوع .. كررت المحاولة مرة أخرى .. خصوصاً بعد أن سقط الكثير من الحاجز النفسي الذي كان يمنعني مما أقوم به ، كتبت لها هذه المرة بعض مشاعري .. صدق أو لا تصدّق .. كتبت لها شعراً .. ترجيّتها .. قدّمت لها كل ما تريد .. طلبت منها أن تشترط عليّ أي شيء وأنا موافق على أي شيء .. تريد تركي للطب ؟ تريد سفري لمدينة أخرى ؟ تريد أن أتخصص بتخصص معين ؟ تريد معيشة معينة ؟ تخشى من كوني طالباً ؟ أجبتها عن كل تلك الأسئلة وأني رهن إشارتها ، وأني أمتلك مالاً كافياً لي أنا يكفيني لأن أعيش ست سنوات دون عمل .. لعلها أن توافق .. أو حتى أن ترد .. لكنها لم تفعل !! بقيت أرسل لها كل ثلاثة أو أربعة أيام بنفس الطريقة الأولى علّ قلبها أن يلين فتجيبني ، لكنها لم تكن تفعل ، وبقدر الألم الذي سببه لي تجاهلها لي .. إلا أنها كبرت في عيني كثيراً ، أحببتها أكثر وأكثر .. أحببت طهرها ونقاءها وصفاءها . ريّان : كم مرة أرسلت لها يا إياس ؟ إياس : كثيراً .. كثيراً .. ربما اثني عشر أو ثلاثة عشر مرة .. كلها بنفس الفكرة ونفس الترجي والاستجداء ، كنتُ أطلب منها على الأقل أن ترُد بالرفض فقط ليطمئنّ قلبي فلا ألوم نفسي لاحقاً كوني لم أوفر سبباً ولا باباً لنيلها إلا طرقته . وذات ليلة ... وفي منتصفها .. بعد أن فرغ قسمنا من موظفيه ، أخرجتُ قلمي لأكتب لها كما كنت كما أكتب سابقاً ، لكني الكلمات استعصت علي هذه المرّة .. في مقابل خيانة من عيني التي استرسلت هذه المرّة تسبل دمعها ثراً ، كنت رغم ما أفعله أشعر بتأنيب ضميرٍ أسكته باستمرار بالأماني الكاذبة التي أحلم بها ، لكن ضميري هذه المرة استيقظ .. بعد أن عصيتُ ربي .. وأفسدتُ صورتي .. وارتكبتُ الأخطاء تلو الأخطاء . أقفلت أضواء مكتبي وخرجتُ محزوناً متجهاً نحو سيارتي ،أول ما ركبتها بحثتُ عن أي شريط قرآن .. كنت أشعر بوحشة في قلبي .. ولن يطمئن إلا بذكر الله .. وليس ثمة أفضل ذكر من كلام الله .. من القرآن ، انطلقتُ عبر شوارع مدينتي النائمة نحو البيت ، وفي طريقي كنت أستمتع بسياط الآيات وهي تجلد قلبي العاصي الذي فرّط في جانب ربّه وأراد أن يأتي البيوت من غير أبوابها .. شعرتُ بوقاحة ما فعلته .. شعرتُ بسوء ما اقترفته .. نعم .. لقد استيقظتُ من غفلتي ! دخلتُ غرفتي .. استلقيتُ على سريري وشرعتُ أبكي .. أبكي .. لم أتصوّر نفسي يوماً قليل أدبٍ وسيء خلق ! لم أتصوّر نفسي يوماً ملاحقاً لفتاة ومعاكساً لها ! لم أتصوّر أن حافظ القرآن الذي عاش في بيت مؤمن .. الذي تعرّض لكثير من المشاكل والمضايقات بسبب تمسّكه بدينه .. قد صار عديم غيرة على أعراض المسلمين . وبعد أن أخرج دمعي كل ما في قلبي .. جلستُ على المكتب في غرفتي وكتبت خطابين ، الأول كان خطاب استقالة من العمل سأقدمه إلى مدير الشركة غداً - إن شاء الله - ، والخطاب الثاني .. وهو هذا الذي نسخته في يدك .. قررت أن أرسله إلى رؤى .. ولكني لن أقتحم هذه المرة مكتبها ولن أقترب منها .. حيث أرسلته لها عبر البريد .. تفضل .. اقرأهُ . ريّان : حسناً ، تقولُ في الرسالة .. السلام عليكم ورحمة الله أختي الكريمة أرسلها لكم أخيرة وكلي حياء .. فقط .. أود أن أعتذر عن كل إزعاج سببته ، ربما جرحتكم وآذيتكم وأقلقتكم فاعذروني يا أخيّة ، عسى الله أن يتقبّل ما أدعو به لكم ، لقد كنتم أرقى مني سلوكاً وأدباً زادكم الله من فضله ، تصرفت معكم بسوء وبما لا يليق ، لكنكم واجهتموني باحترام أكبره فيكم .. كنت كمثل النائم أو المجنون الذي لا يـدري ماذا يفعل ، استيقظت على أفعال سيئة قمت بها ، دمعي يا أختي يغطي وجهي وأنا أكتب لك الآن .. وخذيها مني يا رؤى .. أنتي راقية حقاً ! تمنيتك .. وزادت رغبتي لحبي لأبيك وشخصيته ، حتى إن أمي تشبهني به أحياناً ، لكني بعد ذلك ملتُ عن والدك إليك وصرت أريدك أنتِ لذاتك ، ربما .. سأكتب قصة يوماً عن كيف انقدت إليك ، وأني لم أعرف أنك رؤى خالد التي معي في العمل إلا في رمضان الماضي !! رغم انقيادي .. تمنعت عليّ تكراراً .. أهديتك قلبي لكنك رددته .. ربما قدر الله أني لا أستحقك .. فأنت أعلى مني قدراً .. أخيراً .. أردت أن أنقطع عن العمل في الأيام القادمة وربما لا أعود أبداً ، فأحببت أن أودعك يا أختي وأتحلل مما سببته لك ، آسف يا رؤى بقدر الدموع التي تهلّ من عيني ، أعتذر منك بصدق .. سامحني يا أخيّة ، والله لا أدري .. أما في قلبي من حزن هو لفراقك أم لأني آذيتك !!! سأفرح .. ربما أطير فرحاً لو جاءني يوماً خبر أنك غيّرت رأيك .. صدقيني ربما أموت فرحاً ، ولكن مهما يكن .. فأنت الدرة في عيني ما بقيتُ !! انتبهي على نفسك .. الله الله في دينك وعلاقتك بربك .. أرجو أن أكون صفحة بيضاء في كتابك .. تذكريني بالخير يا رؤى وادعي لي .. ادعي لي بأن أنجح هذه السنة .. فدرجاتي سيئة جداً مما كنت أجده في نفسي .. أسأل الله أن يحفظك .. ويسترك .. ويسعدك .. أسأل الله أن يحقق أمانيك .. يا رب .. إن أمتك هذه سترتني وعفت عن خطأي نحوها ولم تفضحني رغم إساءتي لها ولو أرادت أن تفعل لفعلت ، اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. في حفظ الله يا أختي .. إياس ! |
#50
|
|||
|
|||
![]() إياس : في صباح اليوم التالي ذهبتُ إلى مكتب البريد وأرسلته إلى عنوان عملنا باسم ( رؤى خالد ) ، وأيضاً ذهبتُ إلى مقر العمل صباحاً أيضاً بخلاف المعتاد وهو دوامي المسائي .. وقدّمت استقالتي من العمل إلى مدير المؤسسة ثم عُدتُ إلى البيت ، استقبلتني أمي وأنا عائد من جولتي السريعة هذه ، وهي تُزغرد ووجهها يتطاير منه الفرح في كل اتجاه ... تقول ... أم إياس : أينك يا ولدي ؟ تأخرت البارحة في العودة إلى البيت ، أبشرك .. البارحة اتصل بي أهل خطيبتك يبدون موافقتهم عليك ويرحبون بك زوجاً لابنتهم ، أتصدق .. هؤلاء من ينبغي أن نفرح بمناسبتهم ليس غيرهم . إياس : خطيبة ؟ وافقوا ؟ عن ماذا تتحدثين يا أمي !؟ أم إياس : ألم تفوضني تفويضاً كاملاً بعد اتصالي الأخير بأم رؤى قبل أشهر بأن أخطب لك تلك الفتاة التي حدثتك عنها ؟ كنت طول الفترة الماضية أستزيد من السؤال عنها وأستخير ربي لنا دون أن أخبرك ، ثم اتصلت بهم أمس ظهراً خاطبة ابنتهم لك فلم يمهلوني ولا حتى عشر دقائق إلا وردوا المكالمة موافقين يرضونك زوجاً لابنتهم ! إياس : ما شاء الله ... أم إياس : اسمها لينة .. طالبة في السنة الثالثة في كلية العلوم .. ذات دين وخلق وعقل راجح .. حافظة للقرآن .. متفوقة في دراستها .. جميلة جمالاً ساحراً .. كل من حولها في مجتمعها يحبها .. ماذا تريد أكثر ؟ إياس : غشاني صداع فظيع كِدتُ أن أسقط من فرطه على الأرض ، ابتسمتُ مجاملة في وجه أمي شاكراً ثم رميت نفسي بأقوى ما أستطيع على إحدى الكراسي الموجودة في صالة البيت .. وأنا أتعجب من تسارع الأحداث هكذا ، ذهلتُ ودهشتُ مما فعلته أمي بي ومثله من قبول أهل لينة السريع ، تناولت الصحيفة اليومية الملقاة على بجانبي وبدأت أقرأ الأخبار متشاغلاً علّ الصداع الذي استولى على رأسي أن يخف قليلاً . تريد الحقيقة ؟ لم أعد أستوعب أنني خطبت وأن أهل المخطوبة موافقون وأنهم معجبون بي ، ما زلتُ أعيش وهماً اسمه " رؤى " ، لم تخرج رؤى من ذاكرتي بعد ، ما زلت معششة في رأسي مستولية على عرش قلبي وليس لأحد أن يداني منزلتها . مرّ اليوم كأي يومٍ من أيامي .. إلا أني لم أذهب إلى العمل الذي استقلت منه ، وكنتُ قد أضمرتُ في نفسي أن أذهب إلى مكتبي آخر الليل لألملم أوراقي وأجمع أغراضي بعد ذهاب الموظفين ، وهذا ما حدث .. فبعد تناولي للعشاء صعدتُ إلى غرفتي ولبستُ ثيابي ثم خرجتُ متخفياً من باب المطبخ كي لا يراني أيّ من والديّ خارجاً . سرتُ والأيام الخوالي تتبارى في خيالي أيها يستدعي نفسه أولاً .. ليجرحني أولاً ، الأحلام والخيالات والأماني والدعوات تضطرم محترقة في رأسي .. كلها من الماضي ، أسير وأتأمل المدينة والناس نيام .. كانت عيني تهلّ ببعض الدمعات وأنا أذكر الله وأستغفر مما كنت أفعل .. أدعو الله أن يلطف بقلبي الذي ما يزال يحبها .. أسأله أن يرحمني ويجبر انكساري .. آه من أيام السهر تلك التي كنت أتقلب فيها على فراشي مستحضراً ما سأفعله معها من ضحكات ونزهات وسفرات .. من آلام وآمال ستنغص علينا حياتنا .. كنت .. وكنت .. وإلى أنت وصلت إلى المبنى ! ترجلتُ ودخلتُ وتوجّهت إلى مكتبي ، استثارني الضوء المنبعث من مكتب رؤى وأنا أسير في الممر ، اقتربت وأنصتُ فإذا بي أسمعها وهي تبكي .. لا تتكلم .. كانت تبكي فقط ، تألمتُ لحالها كثيراً وبقيتُ هكذا متلصصاً عليها وقد رابني أن تكون بسوء ، وفجأة .. أسمع وقع خطواتها متجهة نحو الباب ، جريتُ سريعاً نحو مكتبي واختبأتُ تحت الطاولة ، فتحت باب مكتبي ودخلت بكامل حجابها وسترها .. وأثناء دخولها رنّ هاتفها .. فأجابت ( حـالاً حالاً يا أبي .. دقيقة فقط وآتيك ) ، تسمرتُ مكاني خشية أن تعلم بي وعندها ستحدث مشكلة ، لم تمضِ ثوانٍ حتى خرجت وأنا أسمع لها نشيجاً . انتظرت لدقائق حتى أتيقن خروجها من المبنى ثم جلستُ على الكرسي وأوقدت الأضواء ، فإذا هي قد وضعت على طاولتي مظروفاً صغيراً ، استعجلتُ كلّي إليه لأفتحه ، فإذا هو يحوي هذه الرسالة التي بيدي ! ريّان : عجيب .. عجيب .. إذاً ردت عليك في آخر الآمر ! ماذا كتبت فيها ؟ إياس : كتبت لي في ذلك المظروف ... أجبرتني على الرد حتى أريح قلبي براحة قلبك .. لعلها الأولى والأخيرة .. ليتك لم تعتذر .. فمن تقرأ له الآن هو من كان يجب عليه الاعتذار عن كل ألم وهم وضيق سببه لك ،اعلم يا إياس أني لم أعب عليك شي مما مضى ، كنت أشعر بما تشعر به ، وكنت كلما رأيت كتاباتك ؛ تزداد حرارة دعائي وبكائي لك ! إياس .. والله إني أحبك ، ومنزلتك الرفيعة عندي لم تتغير ولن تتغير ،أدعو لك في كل ليلة .. وبين آذان وإقامة .. وأتحيّن قطرات المطر .. وفي وقت رجوعي من العمل ، حيث لا أحد معي في السيارة .. أسبح في دعوات أسأل الله أن يتقبلها ، امتحاناتك .. ومذاكرتك كانت أحد همومي ، صدقات تصدقتها نويتها لك ، مفكرتي .. دفتري .. يحملان الكثير الكثير لكني أخفيها . اعلم يا إياس علماً يقينيـاً .. إن كتبك الله لي ستأتي رغم كل مانراه عائقاً بمنظورنا نحن البشر ، وإن لم تكن أنت .. فمهما فعلت لن يجدي ، رزقك لن يأخذه أحدٌ غيرك ، ولن تأخذ رزق غيرك ، هذا ما كنتُ أؤمن به في الفترة الماضية ، لذا فعلت ما بوسعي واستسلمت تمااااماً للقدر . وفي النهاية ..أشكرك على كل شي .. على كل نبضة قلب أهديتها .. على كل حرف كتبته .. على حسن ظنك العظيم العظيم فيّ ! اسمع لتمتمات قلبي ورددها معي : رب عجل بخير القضاء .. رب انزع حبي من قلبه إن كنت تعلم في سابق علمك اني لست له .. الآن وفوررررررررراً ! رب انزع كل ميل له إن كنت تعلم في سابق علمك أنه ليس الشخص الذي اخترته لي .. الآن وفوررررررررراً ! رب عوضه خيراً مني إلم أكن له، أسعد حياته بفتاة تملأ حياته رضا وسرور ، واجعله ينساني إلى الأبد ، رب عوضه بفتاة تجمع ميزات رآها بي - حسن ظن منه - ، و لا تجعل فيها من عيوبي التي أعلمها شي . يارؤوف ارأف بقلبين سلما لك الأمر كله ، استسلما وعلما أنه مهما كان و مهما سيكون هو الخير بعينه ، والشر بغيره ومهما فعلا و قالا ، فدعاؤهما سيسّير القدر لما فيه خيرٌ لهما .. ثقة بك .. ونِعم بك ، وأن ماكُتب سيقع .. مهما كانت الظروف ! ربي تعلم مافي نفسيهما ... تعلم طبيعتهما وما يصلح لهما ... فاكتب الخير حيث كان ورضهما به ! أرجوك .. انتبه لدراستك وأشغل نفسك بها ، لا تنقطع عن العمل في المجلة إلى الأبد فالعمل الإعلامي يحتاجك ،أرجو أن تطمأنني على نفسك بعد هذه الرسالة ولو بحضور عابرٍ لك في المجلّة ، لم أستطع النوم بعد رسالتك !! سامحني سامحني عن كل شيء فهذا آخر شيء بيننا ، إلى اللقاء يا إياس .. وإن لم يكتب في هذه الدنيا ؛ ففي الجنة المتلقى بإذن رب إياس ورؤى . والله لا أعلم هل ما كتبته لك يرضاه ربي أم لا ؟ فالشيطان يقول لي .. هو ليس رجلاً أجنبياً أجنبياً ، إنما هو خاطب أجنبي .. لكن لعلها الأخيرة ... و خبايا القدر لايعلمها إلا الله ! نبض وفاء لك مادام نبضي لم يقف ... رؤى ، ريّان : يا أخي هذه لعّابة .. تريد أن تعلقك بها ولكن لا تريد أن تتزوج بك . إياس : دعك من كونها لعّابة أو غير لعّابة ؛ لمّا قرأتُ أحرفها ما تمالكتُ نفسي إلا أن سجدتُ شُكراً لله ، أحسست بأن الأمل عاد من جديد ، وأن زواجي من رؤى بات غير مستحيل الآن ، فهي - إن شاء الله - لن تمانع لو تقدمت لأبيها بنفسي . ريّان : تتقدم لأبيها ؟ يا رجل أمك خطبت لك فتاة أخرى ! إياس : أعلم .. وهذا ما جعلني أتعجل أمر خطبتها مرة ثالثة ، وجعلني لا أنام تلك الليلة منتظراً أذان الفجر لأظفر بأول خيط من الخيوط التي ستقودني إلى رؤى وأبيها ، حيث قررت أن أصلي الفجر في مسجد الدكتور ( مراد ) لأحصل منه على مكان عيادة الدكتور خالد وأوقات تواجده فيها .. ورقم جوّاله أيضاً . ريّان : اسمح لي أن أقول بأنك متهوّر يا إياس . إياس : ربما .. ولكني حصلت على ما أريد ! |
#51
|
|||
|
|||
![]() ... انتظرونا غداً فالجزء الاخير ان شاء الله .. ...
|
#52
|
|||
|
|||
![]()
لا حول ولا قوة إلا بالله
نقاء هي الفصول القادمة على هذا الشكل !! نقاء والله أعصابي خلاااااااص أنا لا أتمالك دموعي ورعشة جسمي من هذا الكلام أول مرة أحس إن لا أستطع أن أكمل القصة الآن يعني لو كنتي وضعتيها كلها مكنتش هقد أكملهاوالله الحوار دا صعب جداااااااا حقيقي فيه ناس كدا حقيقي هناك من يفكر هكذا حقيقي هناك من يضحي او يحب او يتمسك هكذا حقيقي وسط كل هذه الهموم لا يبعد الانسان عن ربه لما كل هذا التأكد والأمل والإصرار والعزيمة وووووووووووووووووووووووووووووووو ياالله يا إلهي |
#53
|
|||
|
|||
![]() هوه فيه ناس كده
![]() بجد اياس خلى الواحد فى نص هدومه ![]() لن اعلق وساترك تعليقى النهائى لاخر القصة ,, ومنتظرين الاكشن ![]() فى رعاية الله .. |
#54
|
|||
|
|||
![]() اقتباس:
اياس جعلنا نتضائل امام مايفعله ،
جزاكِ الله خيراً عالمرور والتعليق |
#55
|
|||
|
|||
![]() اقتباس:
ان شاء الله .. شكراً لمرور حضرتك والف مبرووووووووك عالاشراف ![]() بالتوفيق ياارب |
#56
|
|||
|
|||
![]() الفصل الأخــير
ريّان : حصّلت ما تريد ؟ ومن قال لك أنك حصلت عليه ؟ أما زلتَ متعلقاً بتلك العفيفة - كما تقول - بعد رسالتها !؟ إياس : احفظ لسانك .. وانتقِ ألفاظك .. وأحسن صياغة ما تقوله ، نعم .. هي عفيفة شريفة تقيّة نقيّة صالحة طاهرة غصباً عنك وعن كل ما لا يريد ، عجباً لك أيها الإنسان الانتقائي ! ريّان : ما لكَ غضبت ؟ كنتُ أسأل فقط ، ولم أصفها بشيء ! إياس : وكيف لا أغضب !؟ لا داعي لتعريضك بها والسخرية بطريقة الضرب ثم الهروب ، ما كان عليك أن تقول ما قلته عنها ، ليس لأنها " رؤى " ، ولكن لأنها فتاة مسلمة قبل أي شيء له حق حماية العرض والشرف . ريّان : اعذرني ما كنت أعلم أن سيتبادر إلى ذهنك كل هذا .. إياس : أتعلم يا ريّان ! لدينا جميعاً مشكلة في النظر إلى الأخطاء عموماً والأخطاء في هذا المجال خصوصاً ، تأمل معي .. أرسلتُ لها أنا أربعة عشر رسالة ( 13 الأولى + 1 الأخيرة ) ولم تُنكر عليّ ذلك ، بل إنني لما ترددت في الحديث عن رسالتي الأخيرة أقنعتني بأنه خطأ من الماضي وأن علّي تصحيحه وعدم الالتفات إليه ، لم تشر إلي أني منافق .. ولا إلى أني خدعت الناس بمظهري الصالح .. حتى وجهك لم يكن ليتمعّر وأنا أحدثك عن أفعالي المشينة ، بينما هي برسالة واحدة أسقطتها وجرحتني بالحديث عن عفتها ، ما لكم كيف تحكمون ؟!! هي رسالة .. مجرّد رسالة .. لستُ أهوّن من خطئها .. هي بأسوأ أحوالها ستكون خطأ من صغائر الذنوب تجبه التوبـة الصالحة ، لا يجب أبداً أن نصوّر الأخطاء أكبر من حجمها الطبيعي ، تخيّل معي رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادماً على تقبيله امرأة أجنبيّة عنه .. ليست رسالة .. بل قبلة ! .. خطأ شنيع .. لكن مُعلمنا لم يصوّر الأمر على أنه زنا .. لم يصوّر الأمر على أنه نقص في الشرف .. لأنه يعلم أن الأمر لا يعدو كونه قبلة .. الأمر انتهى وانقضى ولا يسعنا الحكم على حياة ممتدة سنوات .. بناء على موقف واحد ، ولك أن تتخيل أن الله أنزل في ذلك الرجل قُرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنـات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، سبحانك يا الله .. تأمّل الآية .. سمّى المخطئ ذاكراً .. لم يسمّه قليل عفة .. لم يسمّه بأي وصف سوى وصف الذكرى لأنه تذكّر بعدما حاد عن الصواب ( إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) . أتصدّق ؟ نحن نقع في الخطأ الأكبر من حيث لا نشعر ؛ حينما نصف المخطيء بأبشع الأوصاف وكأننا نوعز له بأن لا عودة إلى مكانك بيننا ، نخلق بيننا وبينه حاجزاً .. نجعله يفرّ منّا .. لا يمكن لإنسانٍ أن يعيش بين قومٍ يرونه ناقصاً ، هذا لو افترضنا حقاً أن الإنسان قد ارتكب جرماً بشعاً .. فما بالك والخطأ أصغر بكثير مما نتصوّر . أما الخطأ الثاني فهو أننا نخلط المعصية المحرمة شرعاً .. بما يُحرّمه المجتمع عُرفاً ، بل وأحياناً نصوّر ما يراه المجتمع محرماً عرفاً أكبر من الحرام الشرعي ، أنت أنت يا ريّان .. كم مرّة وقعت عينك على صورة محرّمة وُضعت على صفحة غلاف إحدى المجلات ثم نسيت نفسك وبقيت تتأملها !؟ أتعلم أن خطأك هذا أعظم عند الله من رسالة رؤى !؟ أتعلم أن انتقاصك أنت لرؤى وغيبتك لها أعظم عند الله من رسالتها !؟ لكنك غافل عن هذا وساهٍ ؛ لأن المجتمع لا يرى في هذا شيئاً كبيراً وقد اعتاد الناس عليه ، بخلاف ما فعلته هي مما نستقبحه عُرفاً .. أكثر من استقباحنا له شرعاً ! هذا كلّه .. عدا أن عيب الفتاة مضروب في عشرة مقارنة بعيب الرجل ، أربعة عشر رسالة مني لم تشفع لي أن أنال وصفاً قبيحاً منك ؛ بخلاف رسالة واحدة جاءت منها على تردد فنسفت بسببها برج عفتها ، يا ريّان .. الإنسان إنسان .. ليس ملاكاً .. له مشاعر .. لديه نفس أمّارة بالسوء .. خلفه شيطان يدفعه .. كل هذا عدا لحظات ضعف تصيبه فتجعله قريباً من ارتكاب الأخطاء ، أبونا آدم نبيّ يا ريان .. ليس بشراً عادياً .. ولكنه عصى ربّه فأكل من الشجرة ، أفأسقط هذا الفعل الخاطيء من آدم وصف النبوّة !؟ أبونا آدم سمّى ابنه عبد الحارث يا ريّان .. أفأسقط ذلك منه شرف الأبوّة !؟ لن نكون منصفين أبداً إن حكمنا على الأخرين من خلال مواقف عابرة ، وتأكد أننا سنقع يوماً ضحيّة لتصنيف غيرنا لنا بناء على أخطاء لنا عابرة أيضاً ؛ إن لم نحاول تصحيح الوضع من خلال رؤية الخطأ بحجمه الطبيعي دون الاستعانة بعدسات مكبرة .. ومن خلال تقبل المخطيء ونسيان خطأه الذي وقع فيه على حين ضعف منه وعدم اجتراره كل حين . ريّان : أظنك مصيباً فيما قلت .. إيـه .. أسأل الله أن يغفر لنا .. إياس : وبخلاف ما تظنّه أنت .. رسالتها تلك قربتها لي كثيراً .. كثيراً جداً ، زادت محبتها في قلبي .. شعرتُ أني أحب أحداً يحبني ولستُ أبادل الحب مع أحدٍ لا يراني شيئاً ، ولك أن تتصور قدر الدموع التي سكبتها حين سجدت شكراً لله .. دموع شكرٍ أن الله كان سميعاً لدعائي .. دموع ألمٍ وشفقة على ما سببته لـ " رؤى " من ألم حتى أخرجها ذلك عن طورها وعن ما اعتادته من رزانة ، أدركتُ كم كنتُ جارحاً لها ومضايقاً لمشاعرها بعد أن كنت أظن أني أنا الوحيد الذي يتألم ويُحس . ريّان : طيب هل خطبتها مرة ثالثة حقاً ؟ وما علاقة د. مراد بذلك !؟ إياس : د. مراد ؟ لم أنطق اسم ( مراد ) في حديثي كله . ريّان : يا رجل ! لتوّك قلت أنك ستصلي الفجر في مسجد د. مراد . إياس : أنا قلتُ مراد ؟ ريّان : نعم ! إياس : لا لا .. كنت أقصد الدكتور مؤيّد صديق الدكتور خالد المقرّب . ريّان : آها .. إياس : صليت الفجر في مسجد د. مؤيّد والتقيته .. سلمت عليه .. تعجب من حضوري له فجراً ، تساءل عن السبب .. فأجبته بأني أريد رقم جوّال الدكتور خالد ومكان عيادته لأمر لا يحتمل التأخير ، نظر إليّ نظر ريبة ثم قال لولا أنه يعرفني جيداً ويعرف أني لست أريد الدكتور خالد بسوء لما أعطاني تلك المعلومات عنه . وحتى بداية الدوام .. وأنا أدور بسيارتي حول مبنى عيادة الدكتور خالد انتظاراً لمقدمه ، كنتُ أحضّر ما الذي يمكن أن أقوله له وما الذي يمكن أعرّف به عن نفسي ، بيّت حديثاً منمّقاً وزخرفته وجمّلته حتى لا أرتبك أو أتلعثم ؛ فقد زرع الله للدكتور مهابة في قلبي .. إضافة إلى هيبة ما أنا مُقدم عليه من عمل . رأيتُ الدكتور يدخل بنايته أمامي فإذا بأطرافي ترتعد .. ارتبكتُ .. حتى طريقة قيادتي لسيارتي نسيتها فما صرت أفرّق بين المكابح ودواسة الوقود .. وقد حماني الله بصلاتي للفجر جماعة وإلا لكنت حتى الآن أرقد في المستشفى نتيجة حادث اصطدام مع شاحنة البلدية المخصصة لجمع القمامة ! توقفت أستجمع قواي وأرتب أفكاري من جديد ، قررت حينها أن أعدل عن فكرة مقابلة الدكتور وجهاً لوجه إلى الاتصال به هاتفياً ؛ ربما سيكون ذلك أقل هيبة في نفسي ، أخرجتُ هاتفي الجوال لأتصل به .. أدرتُ الاتصال .. ثم قطعته سريعاً ، ماذا سأقول للدكتور امممـ... يا للمصيبة ، ألهذه الدرجة أجد أني لا أستطيع التصرف بشكل تلقائي !؟ هل سأُحرم من رؤى لأني لا أستطيع أن أحادث والدها وأطلب يدها منه !؟ هل بعد كل هذا الجري الطويل وراءها سأقف قبل خط النهاية !؟ كنت متوتراً جداً لدرجة لا يمكن أن أصفها ، كنت خائفاً أيضاً من أن لا أجد ترحاباً من الدكتور خالد ، كنت خائفاً أن لا يكون اللقاء الأول بالشخصية الأولى لديّ لقاءاً ودوداً ؛ وحينها سأخسر رؤى .. وسأخسر والدها أيضاً ، عزمتُ أن أتريّث إلى العصر حتى أرتاح قليلاً وأهدأ ، وأن أتّصل به حينها لعل الله أن يُحدث حينها أمراً . بعد صلاة العصر .. أمسكت جوالي وبدأت أستحضر بعض الحديث الذي يمكن أن أتحدث به مع الدكتور ، فشلتُ أيضاً في أن أهيّء نفسي هذه المرة أيضاً ، جلستُ أفكّر .. رأيتُ أن أصلي استخارة ثم أتصل به وليحصل ما يحصل . صليت ركعتين ثم أمسكتُ جوّالي بيدي المرتعشتين .. فيد واحدة لا تكفي لأن تمسكه ( ! ) .. واتصلتُ ، طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. ولا ثمة من يرد على الجوال ، جلست واتكأت على مساندَ وضعت للصف الأول وأنا أفكّر .. هل أتصل به مرة أخرى أم ماذا أفعل !؟ |
#57
|
|||
|
|||
![]() لم آخذ الوقت الكافي حتى بدأت شاشة جوّالي الذي كنتُ وضعته على وضعية الهدوء - كوني في مسجد - تومض .. والرقم رقم الدكتور خالد وهاهو قد عاود الاتصال بي حين لم يُجب على هاتفه ، بدأ قلبي يقرع الطبول ويستنفر الأدرينالين في دمي لأصبح في أعلى وضعية للاستعداد ... إياس : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. د.خالد : السلام عليكم ورحمة الله .. إياس : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. حياك الله د. خالد .. أهلاً وسهلا .. د.خالد : أهلاً وسهلاً .. من معي ؟ إياس : معك إبنك إياس بن ... د.خالد : ونعم .. أنعم وأكرم .. مرحباً بك يا إياس .. سعيد بسماع صوتك يا بني ! إياس : أنا أسعد بذلك وأشرف يا دكتور .. د.خالد : أهلاً بك يا بني .. خيرٌ إن شاء الله .. مالذي يمكنني أن أخدمك به ؟ إياس : أولاً وقبل شيء يا دكتور .. أشهد الله وملائكته أني أحبك في الله يا دكتور ! د.خالد : الله يحبك ويرفع قدرك . إياس : أتصل بك يا دكتور بخصوص ابنتك " رؤى " سبق وأن خطبها أهلي مرتين ولم تحصل موافقة ، ولا أخفيك يا دكتور أني بها راغب ولمناسبتك طالب ، فما رأيت إلا أن أتصل بنفسي لأعبر لك عن رغبتي بها يا دكتور وأن أخطبها منك أنت مرة ثالثة . د.خالد : أتشرف بك يا بني .. سألتُ عنك في المرتين الأولى والثانية وما جدت إلا ما ترفع به رأسك .. لا أعيب عليك شيئاً ، لكن الرد لم يكن مني ولا من أمها ، هي التي رفضت يا إياس وليس أنا ، لا أفشي سراً إن قلت لك أنني في مسألة الزواج بالذات لا أحب التدخل بين الطرفين ، هذه حياتهما ويجب أن يتخذا قرار الارتباط بنفسيهما دون تدخل من أحد ، صحيح أني أشير مجرد إشارة ورأي لكني أترك الأمر في النهاية لأصحاب القرار ، لكني أعدك هذه المرة أن أكلّمها بنفسي وأن أعرض عليها رأيي . إياس : جزاك الله خيراً يا دكتور وبارك فيك .. لي طلب أخير إذا سمحت لي .. أرجو أن يكون اتصالي هذا بيننا ، فأنا أحدثك الآن دون علمٍ من أهلي ؛ لأني لا أعتقد أنهم سيخطبون لي نفس الفتاة مرة ثالثة ، أنت أدرى بحساسية هذه الأمور عند الأهالي يا دكتور . د.خالد : ههههه .. وهذه صفة أخرى تزيد من إعجابي بك يا إياس ، أعجبتني كثيراً ثقتك بنفسك واتخاذك للقرار وإصـرارك عليه حتى لو تخلى عنك أقرب الأقارب ، أكبر فيك نفسك هذه يا بني .. وأعدك أن لا يكون إلا الخير إن شاء الله . إياس : شكراً لك يا دكتور .. السلام عليكم .. د.خالد : مع السلامة ! ... إياس : وأقفلت السمّاعة ونفسي كلها انشراح وطمأنينة ، سقطت عني هموم كثيرة كنت لا أعرف كيف أستخرجها من صدري ، والحمد لله أن ذهب ما كان في صدري منها . ريّان : يبدو د. خالد شخصاً لطيفا طيباً ... إياس : إي والله .. ما كنت أتصوّره بهذه الطيبة التي غمرني بها ، صحيح أنه لم يكن في بالي إنساناً غضوباً أو سيء الخلق لكني ما توقعته بهذه النفسية اللطيفة التي تكسر الحواجز بينك وبينها ، جزاه الله عني خيراً فلقد امتص حماسي واندفاعي ، لكن رغم جوابه المطمئن والذي يدعو للتفاؤل ، لم أكن هذه المرة متفائلاً ولم أعقد الآمال ، بل تريثتُ حتى أعلم ما نهاية الأمر . بعد أسبوعٍ من اتصالي .. زارتني قريحتي الشعرية المهلهلة ، فكتبتُ أبياتاً وأرسلتها إلى جوال الدكتور - رغم تخوفي - ، أحببت أن تكون تذكيريّة بالموضوع الذي بيننا ؛ إذ لم أشأ أن أعيد عليه الاتصال . ريّان : إلا هذه .. أنت تكتب الشعر ؟ ههههه ، وماذا كتبت ؟ إياس : دعني أفتح ملفي أستخرجها منه .. أينها .. أينها .. امممـ .. ليست هذه .. ولا هذه .. وجدتها .. هذه هي ، أرسلتها للدكتور خالد أذكر بعد صلاة العصر مباشرة بعد أسـبوعٍ تماماً .. أقول فيها : إليكم أسـوق الحرف يأتي مسلّماً ويزجي التحايـا بالمـودة ترفلُ ويطرق بابـاً بت أرجو دخـوله ويذكر أني أرتضيـه ، وأقـبلُ فباطنـه أصـل المكـارم والنهى وظاهـره عـز وفخر مُـدوّلُ وأني لكم بـاغٍ أريـد وصالكم فما قولكم يا عمُ راضٍ وقابلُ ؟ سأبهج إمّا كنت ذا حظـوة بكم وأنك يا عمي رضيت وتقـبلُ وإني إذا شطّـت ركـابي عنكمُ وصـار نتاج الأمر ما ليس آملُ سـأبقى وفيـاً بالمحبّـة نحوكم وتبقون لي رمـزاً يقول ويعملُ لكم قدركم عندي عليـاً مكرماً وإن قصرت فيكم حروفٌ تبجلُ فما الـود تمثيل وتدبيج أحرفٍ ولكن على ما في القلوب المعولُ ريّان : ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. ست سنوات بجواري ولا أعلم أنك شاعر .. ماذا جرى بعد إرسال الأبيات ؟ إياس : بعدها مباشرة .. اتصل بي د. خالد وهو يضحك ويقول : د.خالد : ما شاء الله .. ما شاء الله .. ماذا أبقيت لغيرك يا إياس ؟ شاعر أيضاً ؟ أعجبتني أبياتك كثيراً زادك الله من فضله ، لا تقطع عنّا رسائلك إن كانت كهذه يا بني ، حتى أنا أحبك وليس الحب تمثيلاً كما قلت . إياس : ثناؤك وسام على صدري يا دكتور .. شكراً لك ! د.خالد : بالنسبة للموضوع الذي اتصلت عليك من أجله .. امممـ .. لا أدري بمَ أقدم ولا ماذا أقول .. الحقيقة أن رؤى ما زالت متمسكة بموقفها ، ربما لكونها متخرجة حديثاً ولديها بعض الخطط والأعمال التي تريد أن تفعلها ، فهي - كما علمت منها - لا تفكر في الزواج حالياً . إياس : الحمد لله على كل حال .. الحمد لله ! د.خالد : لا تيأس يا بني .. ثق أن الخيرة فيما اختاره الله لنا ولك .. دعوت الله كثيراً بأن يكتب لكما الخير .. تأكد يا بني أنك لست معيباً لدي بشيء .. بل إني أشهد الله أنك كبير في عيني كثيراً .. أشريك بمال الدنيا أنت ووالدك الذي سمعت عنه كل خير .. ولو كان الأمر بيدي لما تأخرت لحظة .. لكنه خيارها وعليّ أن أحترمه . إياس : الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله .. ( كنت أقولها والعبرة تخنقني وقد بدا ذلك في صوتي .. فتنبه لذلك الدكتور ) د.خالد : يا بني .. لا تحزن ولا تحمل في صدرك هموماً لست تملك أمامها شيئاً .. والله يا بني عندما أتأمل حياتي أجدها مليئة بالمشكلات والآلام .. لكنه قدر الله ويلزمنا الرضى به .. وإلا كيف نكون من المؤمنين إن لم نكن كذلك ؟ عندما أشاهد نفسي الآن بعد خمسٍ وعشرين سنة من تخرجي أحمد ربي على تصريف قدره .. كانت كثير من الأمور تحدث لي وأتألم منها وأتمنى عكسها .. لكني علمت الآن أنها الخيرة ،أتعلم يا بني أن خطبت خمس مرات قبل أن أتزوج أخيراً ؟ بل في إحدى المرات ألغي الزواج رغم أننا وصلنا إلى مراحله الأخيرة ؟ تألمتُ حينها وصاق صدري ولكني أدرك الآن أن الخير والسعادة فيما اختاره الله لي رغم تضجري منه في حينه . إياس : صدقت يادكتور .. صدقت . د.خالد : وفقك الله لكل خير يا إياس .. ورزقك الزوجة الصالحة التي تعفك وتسرك إذا نظرت إليها .. لا تنسَ أن تزورني في مكتبي ، فأنا أرقب لقياك وأتمنى لو تشرفت معرفتك عن قرب . إياس : رفع الله قدرك يا دكتور .. أنا من يتشرف بك حقاً ! د.خالد : أتركك في حفظ الله .. السلام عليكم إياس : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ! ... ريّان : ياااااه .. أنا أحببت الدكتور خالد هذا رغم أني لا أعرفه ولم يسبق أن قرأتُ له ولا التقيتُ به ، يبدو رجلاً محترماً خلوقاً من النوع المحبوب الذي يأسرك بطيب تعامله ، أما أنت فرثيت لحالك يا صاحبي .. رغم كل ما تحمله في صدرك إلا أنك لم تلق التي تحمله لها . |
#58
|
|||
|
|||
![]() إياس : يا رجل .. الحمد لله ، سبحان الله العظيم .. رغم الحزن الألم الذي أحسست به وما زلتُ أحس بها إلى الآن .. إلا أن لكلمات الدكتور خالد أثراً كبيراً في نفسي .. أحببته أكثر وأكثر مما مضى ، كلّما ضاق صدري واشتعل حنيني لرؤى تذكرت كلماته فتأتي لتغسل وجهي مما هطل عليه من دمع الوجد . ومنذ ذلك الحين .. لستُ أدري أين رؤى .. ولا أدري عمّا حلّ بها .. أسير في شوارع مدينتي فأتذكرها .. حتى حين ذهبتُ لأرى لينة كنت أراها رؤى .. حاولت أن أقنع نفسي أن رؤى ليست لي وأن لينة هي زوجتي فعجزتُ .. طلبتُ من أهل لينة تأجيل الزواج سنتين بحجة أن أنتهي من دراستي والحقيقة أني كنتُ أريد أن أنسى رؤى ، تحملتُ نفسي حتى تخرجي .. سافرتُ إلى هنا .. إليك .. لأنسى رؤى ! ريّان : لمَ لا تبحث عنها الآن بعد ثمان سنوات مما جرى لكما .. ربما إن كانت عزباء ستقبل بك ! إياس : ولينة ؟!! ريّان : ما بها لينة !؟ ألم يُبح الشرع أربعاً !؟ إياس : حرام عليك .. لينة هذه هي من انتشلني من الحضيض .. هي من أزهرت حياتي .. هي من بنت قلاع الآمال وأعادت الطموح في صدري بعد أن هدّه ما جرى لي .. هي من تحمّلني أوّل أيامي يوم أن كنت أعرض عنها أحياناً .. لم تعترض يوماً على قرارٍ لي .. لم تُكشر في وجهي ولم ترفض لي طلباً ولو كان تافهاً .. لم تلقني إلا بابتسامتها التي تغسل همي كلما عدتُ من عملي .. وفوق هذا أكسر قلبها !؟ أعلم أن شرعنا يُبيح أربعاً .. لكني لا أريد أن أجرح من داوتني .. أحب لينة يا ريّان .. صحيح أني كنتُ أحب رؤى وما زلتُ ، ولكن لينة بتعاملها معي أصبحت في قلبي تحتل مساحة كبيرة ربما تفوق تلك التي تحتلها رؤى . عشتُ مع لينة ست سنين .. أعترف أن أولاهن كانت سنة عجفاء قاحلة من المشاعر ، صحيح أني لا أسيء إليها ولا أجرح إحساسها بشيء ؛ لكني ما كنت أغرقها بما يغرق بها الأزواج زوجاتهم من معسول الحديث ، ورغم هذا كانت هي من يتودد إلي .. لم تسخط مني .. لم تغضب .. لم تحمل حقيبتها وتخرج من بيتي ، بل بقيت فيه وأسست لها دولة تحكمها الآن ، كنتُ أنا حاكم تلك الدولة .. لكنها أسرتني بطيبة قلبها .. باحترامها لي .. بتعففها عن الحرام .. جعلت نفسها لي خادمة فلم أملك إلا أن أكون لها عبداً ! في أحايين كثيرة .. أفكّر في عجيب تصريف الله لقدره .. وأنه - سبحانه - لا يرد الدعاء .. وإني لأحسب ما رزقني الله به حين تزوجت لينة تعويضاً عن دعائي تلك الأيام وانطراحي بين يدي الله ، فالله - تعالى - لربما يدّخر بعض الدعوات ويرزق عباده من الخير لاحقاً مثل ما كان يسألونه . ولأني أحب لينة .. وأحب رؤى أيضاً .. لا أريد أن أختبر أي الحبين في قلبي له السيادة ، لا أريد أن أبحث عن رؤى رغم محبتي لها ، تكفيني محبتي للينة رغم الجروح التي تُنكأ كلما تذكرتُ حبيبتي السابقة وتخيلت أني كدتُ لأكون يوماً معها . ريّان : لستُ أفهمك ..! إياس : اعذرني .. لأنك لا تفهم الحب .. الحب لا يستشيرك حينما يغشاك .. لا يستأذنك في الدخول .. لا يعرف طرق الباب .. إنما يكسره ويتربع على العرش فيذعن له كل شيء ، ثم هو إن دخل وكان رب البيت مضيفاً كريماً لم يخرج منه أبداً ، أحببت رؤى لسمعتها الحسنة ودينها وأخلاقها وعقلها .. وأحببت لينة لتعاملها الراقي وسلوكها الحساس وطاعتها لي .. ولذا استدام حبهما في قلبي رغم الزوابع ، ولتعلم كل النساء أن حباً لا يقتحم قلب الرجل من هاتين الجهتين فهو حبٌ زائل .. فلا الحب القائم على الجمال ولا المبني على المال ولا المعتمد على الجاه .. سيبقى .. كل تلك الأنواع مملولة إلا ما ذكرته لك ! أتمنى من الله أن يُسعد رؤى فوق أي أرضٍ وتحت أي سماء .. وأن يقرّ عيني بما وهبني إياه من نعيم وخير اسمه لينـة ، وأن يصلح لي رؤايَ الجديدة الصغيرة ، عسى أن تكون يوماً كمثل رؤى ! ××××××××××× النهاية ××××××××××× بقلم يحيى بن صالح السليم |
#59
|
|||
|
|||
![]() تمت الرواية بحمد الله
رواية حب من وراء حجاب من اروع الروايات التي مرت عليّ اعجبتني في انها تناولت الحب بطريقة عفيفة نقية واحترام لشريعتنا واحترام لعقلية القارئ وهي ان كانت واقعية فعلاً كما قال الكاتب فهذا خلق في نفسي شعورين متضادين الاول فرح وسعادة بأنه لايزال هناك اشخاص بتلك الروعة والنقاء والايمان والقرب من الله والاخر حزن و حزن عميق فأين نحن او انا بالذات من هؤلاء ..! ربنا يعفو عنا ويغفر لنا .. ... كل شخصية تركت انطباعاً في نفسي صاحبني حتى انتهيت من قرأتها .. الاولى : منال شخصية ودودة جداً وكمايقولون فالخليج / راعية واجب اتضح هذا من خلال موقفها مع لينة فبداية الرواية لكنها خسارة في زوجها الثانية : ريان شخصية ظريفة جداً لكن وكأغلب الشباب ذو تفكير معطوب يحتاج لكثير من التعديلات اتمنى ان يكون كلام اياس قد اصلح شيئا منها ..! لكن اضفى عالرواية جو من المرح الثالثة : الدكتور خالد ، شخصية احببتها جداً بالرغم من عدم يقيني بحقيقتها او لا لكن شخصية رائعة بكل ماتحمله الكلمة من معنى مثال مشرف لدكتور وطبيب مسلم عربي واب مربي .. الرابعة : ام اياس ، هنيئاً لاياس بهكذا ام ام بحق ، زرعت فحصدت طيبّ الثمار تعامل رائع وتربية سليمة ومعالجة للأمور بشكل تربوي اكثر من رائع .. الخامسة : ابو اياس ، ربما لم تظهر لكن ظهرت في شخص اياس فلدي قناعة بأن الاب يلعب دور جوهري فنشأة الابناء وخصوصاً الذكور فكل شاب هو نسخة مصغرة لوالده يسير على نهجه ويكتسب منه صفاته .. فبارك الله فيه وفيه تربيته السادسة : رؤى شخصية غامضة لم افهم موقفها فبعد اعترافها بحب اياس اذ بها ترفضه للمرة الثالثة حاولت ان استنبط اسباب رفضها فأجدها تنفيها في رسالتها لكنها آلمتني واحسست بقسوتها بعدما رفضت اياس فالبرغم من كل ماقام به الا انه لم يظفر بها لكن فالنهاية كل شيء نصيب لكن هي شخصية نادرة في تدينها وعفتها وطهارتها ولعلي اذكر شخصية اخرى لم تظهر كثيراً لكن ظهرت ايضاً في شخص رؤى وهي ام رؤى بالتأكيد هي ام فاضلة لذا كانت ابنتها على قدر كبير مما امها عليه الشخصية الاخيرة والاكثر روعة والاهم اياس لا اجد مااصفه به فالحقيقة ففي مواضع كثيرة اجد عقلاً راجحا ولساناً بليغاً والاهم قلباً خاشعاً طاهراً نقياً اذهلنتي رؤيته وتحليله للمواقف وتفسيره لها ورجوعه عن الخطأ وعدم تماديه فيه تمنيت لو قرأها الشباب فهو يصحح الكثير من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة احزنني عدم اقترانه بمن احبها قلبه لكن لعله خير له ولها ومن اكثر المواضع التي اثرت فيّ وبشدة اخر جزء حين اعترف بفضل زوجته لينة وكيف انه لايمكن ان يجرح مشاعرها بالبحث عن رؤى مجدداً او حتى التفكير في الزواج منها بعد تلك السنين فالكثير من الرجال مهما قامت وفعلت الزوجة ينظرون لذلك كله بعدم قيمة او نظرة استهزاء وهنا اضطر لذكر شخصية لم تظهر لكن شعرنا بها وهي لينة الزوجة التي استطاعت بفضل الله مساعدة زوجها استطاعت كما قال اياس ان تبني مملكتها فالكثير من الزوجات لا تمتلك هذا الفن وهذه المعاملة فالنهاية كانت رواية رائعة تمنيت خلالها ان يكون هناك مئة اياس وحتى لا اكون متحيزة وان يكون هناك مئة رؤى ايضاً فمثلهم قدوة يُحتذى بهم لكن لي عتب او اعتراض على اياس لم اكن ارغب في ان يسمي ابنته على اسم محبوبته فهذا سيكون جارحاً لزوجته ان علمت فكيف لابنتها فلذة كبدها ان تحمل اسم من تنافسها على قلب زوجها ؟! ومن جانب اخر سيكون تجديداً لاحزانه وذكراها في نفسه لكن وفالنهاية ربما اراد ان تكون رؤاه في صفاتها واخلاقها كـ سميتها ، |
#60
|
|||
|
|||
![]() انتهت الرواية بفضل الله اتمنى ان اكون وفقت فيما قرأت و نقلت واتمنى ان يكون استفاد منها كل من قرأها وان يشاركنا تلك الاستفادة .. شكراً لكم على متابعتكم وشكراً لكل من تابع الرواية من خلف الكواليس (: وشكر خاص لـ أ/ طاهر ( T!to ) ![]() لمتابعته وتعليقاته الدائمة شجعتني على اكمالها .. شكراً لكم جميعاً والقاكم في رواية اخرى ان شاء الله همسة : اعتذر على الاطالة
![]() صدعتكو معلش ![]() |
![]() |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|