اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > إبداعات ونقاشات هادفة

إبداعات ونقاشات هادفة قسم يختص بما تخطه أيدي الأعضاء من شعر ونثر ورأي الخ...

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-11-2011, 10:27 PM
Gehad Mostafa Gehad Mostafa غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
العمر: 30
المشاركات: 774
معدل تقييم المستوى: 16
Gehad Mostafa is on a distinguished road
افتراضي قصة : بريد سريع ..

<b>
وجهُ الليلِ يبرزُ مُعتماً لكن بقايا الشمسُ تأبى أن تُحيله إلى حلكةٍ قاتمة ، وثمراتِ أشجار القطن الصغيرة على جانبي الطريقِ كأنهن نجماتٌ سقطن من السماء سهواً في الفجرِ وهي تلملم أطرافَ ثوبها الظلاميّ ..

القِطارُ يُطلِق صفيره مُعلناً نِهاية الرحلة ، ينتظِرُ ياسين حتّى تهدأ حركتُه تماماً فيترجّل عنه حاملاً بيده حقيبةً تزدادُ صغراً مع كُلِّ زيارةٍ . يستعيدُ تفاصِيلَ مشهد الاستقبالِ المُعتاد ويُقسم على تغييرها ، ثم يُدركُ أن ما يَودُّ تغييرَه أعمق مِن تلك القُشورِ فيعُود ليسحبَ قسمه كما يَفعلُ كل مرّة !

كانَ من الممكنِ أن يكونَ المشهدُ مُختلفاً ؛ بُحيرةٌ يجلِسُ على ضفافِها ومِن خلفِه تماماً أو رُبَّما بِجوارهِ صفصافة تتمايلُ أغصانها استجابةً لنسماتِ الهواء ، يُمسِكُ بنايِهِ مُحدِّقاً في الأفقِ خشيةَ أن تقعَ عينُه على صفحةِ الماءِ فيرى وجهَه جميلاً آسِراً مُطابِقاً لوجهَ نرجس ، و يبدُأ عزفَ لحنٍ جدِيد ..
لكن لا بُحيرةَ هنا ، ولا صفصافةَ ، ولا ناي .. ولا نرجس !

لا يدرِي على أيّهما يستفِيقُ أولاً : صوت عبد الحميد خفير والدِه ، أم رائحةُ البلدةِ التي تُزكم أنفه مُنبِّهةً إيّاه أن قاهرةَ المُعزِّ صارت خلفَه الآن !
يلتَفِتُ للرجلِ الذي يهرعُ إليهِ مُرحِبّاً ويتفحصَهُ في نظرةٍ شاملة وكأنما يسترجِعُ صورةً في ذهنه ، جلبابه المُتسخ الطّرفِ الذي لا يَذكرُ أنه رآه بدونه يوماً ، والكنزة المُتهالكة ذاتها ، وسلاحه الذي صار أقربَ إليهِ من حبلِ الوتين ..
يُحدِّثُ نفسَه : من يرثى لحالِك أيها المسكين ؟

يَتذَكرُ أنه سيصبحُ طبيباً لا شاعراً ، ولا في نُدحةٍ من الوقتِ تسمَحُ له بأن يبدأ مرثيّة ، يناولُه حقيبتَهُ في لا مُبالاة مُحاولاً الابتسام تطييباً لخاطرِه ، فتخرجُ الابتسامة متأرجحةً بين السُّخريةِ والرثاء لتزيدَ الطِّينَ بِلّة !

يَسيرُ بتؤدةٍ مُطلقاً بصرَه في الخافقيْنِ وخفيره من ورائِه . دقائق ويبدأُ الطّريقُ في التثاؤبِ ، لكن لا ينامُ انتظاراً لخروجِ الرجال عندما يحينُ موعد حلقاتِ السّمرِ وحفلةُ الشّاي المُتواضعة . يضحكُ في سِرِّه على البلدةِ التي نساها الدّهرُ من تقلبّاته إذ لا يَرى شيئاً جديداً .. كُلٌ كما هو ، حتّى عبد الحميد رُغم كِبَرِ سنِّه لا تزال ثرثرتِه مستمرةً لا تتوقفُ إلا عندما يلتقطُ أنفاسه ، فلا يَصِلُ إلى أذني رفيقه إلا كلمة من عشر !

- مش البت بهيّة اتجوزت يا ياسين أفندي !

يمنعُ ضحكةً لو انطلقت لملأت الأسماعَ ويكتفي بالابتسامِ بمرحٍ دونَ أن تحيدَ عيناه عن الطَّرِيق ؛ كانت أمّه في صغره تخشى وقوعه في حبِّ بهيّة جارتهم التي تكبره بعامين ، فقط لأن موّالاً متوارثاً عندهم يروي عذابَ ياسين الذي أحبّ بهية ، حتى أنه يذكُرُ يومَ أمرَ أبوه خفراءه بضربِ " مغنواتي " القرية حتى يكفَّ عن إنشاد ذلك الموّال إرضاءً لوساوسَ والدته ..
يُشفقُ على رُوحهِ التي لم تسكنُها بهيّة ولا غيرها ، فلا هو ذاقَ عذابَ الحُبِّ ولا ذاق راحتَه .. لا شيءَ سوى علقمَ الوحدة والخواء ، حتى نَايَه الذي ارتبطَ بهِ طيلة حياته حطّمه والدُه عندما رفضَ الالتحاق بكلية الطب بالقاهرةِ مبرراً ذلك بشدةِ تعلقه بالأرض والنّاي . ها هو الآن لا يطيقُ المكوثَ بضعةَ أيامٍ !
صَدَق شيخُ المسجدِ عندما أخبره أثناءَ إقناعه بإكمال دراسته أن البُعدَ يُنسي ..

أمتارٌ قليلةٌ تفصله عن منزله ، يبحثُ في خلجاتِ صدره عن بقايا شوقٍ يُقابل بِها أهله فلا يَجِد ، يُعيدُ البحثَ لكن شعوره بالنفور طغى هذه المرّة على كل شيء . تنتصِبُ أمامه البوابة الحديديّة الضخمة ، ولا يزالُ يفشلُ جاهِداً في البحثِ !

- ما ناويش تدخل ولا إيه يا ياسين أفندي ؟

هي مُزحةٌ ، لكنها تروق له !
يَنظرُ في ساعتِه ثم يلتفتُ إلى البوابةِ ، يتحسس المال بجيبه ، وينتزعُ الحقيبةَ من يدِ الخفير لِيُخرجَ قلماً وورقةً ، يُحدِّقُ في الورقةِ الفارغِةِ ، يُسطّر بضعةَ كلماتٍ ، يطويها ويُعطيها له ..

- سلمها لأبويا !

ينظُرُ في ساعته ثانيةً ، يلتقط حقيبته ثم يركضُ ليلحقَ بالقطارِ العائدِ إلى القاهرة ، تُلاحقه نظرات عبد الحميد الذي لا يعلمُ بِمَاذا سيخبر سيده !
</b>
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:11 AM.