|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#136
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ ارتفع صوت منبه السيارة في الخارج، فالتفتت إليّ سارة مبتسمة : ـ يبدو أن طارق قد وصل! تبادلت و راوية نظرة ذات معنا، ثم قمنا ثلاثتنا لجمع حاجياتنا. همست راوية في قلق: ـ هل سيرافقنا طوال النزهة؟ ـ لا تخافي... سيوصلنا و ينصرف... ثم ستتصل به سارة ليأتي لأخذنا بعد بضع ساعات. لقد تغير يا راوية، إنه مختلف جدا عن الشاب الذي رأيته معي أمام الكلية السنة الماضية غمزتني راوية في دعابة و هي تهمس : ـ إذن فهو يروق لك... أليس كذلك؟ دفعتها دفعة صغيرة في غيظ و قد احمر وجهي بعض الشيء و هممت بأن أزجرها حين التفتت إلي سارة متسائلة : ـ هل هنالك شيء ما؟ لوحت بكفي في نفي و أنا أهتف : ـ لا شيء يا عزيزتي... راوية فقط تحاول إغاظتي... ـ إذن تعالين نصعد إلى السيارة... طارق ينتظر! جلست سارة على المقعد المجاور للسائق، في حين جلست في راوية في المقاعد الخلفية. حيانا طارق في أدب جم، ثم أدار محرك السيارة و انطلق و الصمت يخيم علينا. بعد بضع دقائق همست راوية في أذني بصوت خفيض : ـ يبدو رزينا جدا هاته المرة! ابتسمت و أنا أهز رأسي موافقة. في تلك اللحظة التفت طارق إلينا مبتسما و هو يقول : ـ يسعدني أن سارة وجدت أخيرا من يقنعها بالخروج و الاستمتاع بوقتها... فهي قليلة الخروج، و ترفض بطبيعة الحال أن تخرج معي حتى لا يظن الناس أنني صديقها! ابتسمنا جميعا في حين احمر وجه سارة و همست : ـ ليس هنالك ما يدعوني في الخروج هناك... فما إن يرى الناس الشمس حتى يلقوا عنهم ملابسهم بلا خجل... هز طارق رأسه و هو يقول : ـ نعم... لا حول و لا قوة إلا بالله... بادرته مسرعة : ـ بما أنك تنوي الاستقرار في البلد، فلم لا تقنع عمي محمود بعودة سارة معك؟ ستكون بأفضل حال هنا! ابتسم طارق دون أن يلتفت و أجاب : ـ كنت أفكر في الأمر نفسه... فهي في حاجة إلى حياة اجتماعية سليمة... و إلى صحبة صالحة تساندها، بدل أن تعيش غربة مضاعفة... لم أتمالك نفسي أن صفقت في فرح و أنا أقول : ـ سأحاول أيضا أن أتحدث إلى عمتي... ما رأيك يا سارة؟ بدا الفرح على محيا سارة، لكنها ابتسمت في قلق و هي تقول : ـ آمل أن يوافقا... وصلنا إلى المنتزه فقفزنا من السيارة في فرح حاملات سلة اللّمجات و المفرش و زجاجات المياه، في حين انصرف طارق على أن يعود لاصطحابنا بعد ساعات ثلاث... كانت سارة أكثرنا انطلاقا فقد أخذت تركض هنا وهناك على الأرض المعشوشبة تطارد الفراشات الملونة كأنها طفلة صغيرة تخرج للحقول للمرة الأولى، ثم استلقت في إعياء تحت شجرة ضخمة و راحت تتأمل السماء الصافية في انشراح واضح و أشعة الشمس تداعب بشرتها السمراء و تدفئ ملامحها الشرقية التي جمدتها قسوة الشتاء الأمريكي... رأيت على شفتيها ابتسامة عذبة ذكرتني بأيام الطفولة الخالية. وقفت راوية و هي تقول : ـ سأشتري بعض الحلويات من المحل المقابل و أعود حالا... هتفت و أنا أراها تبتعد : ـ لا تتأخري و إلا فلن تجدي لمجتك! ضحكت سارة و هي تلتفت إليّ : ـ أنت محظوظة بصديقة مثل راوية! ابتسمت في ود و أنا أقول : ـ نعم... بالفعل... إنها أفضل صديقاتي و ألزمهن لي منذ الدراسة الثانوية... و ستكون صديقتك أيضا! خاصة إن بقيت للإقامة معنا! سنستمتع معا كثيرا، أنا واثقة! لبثت وسارة نلهو في مرح ونتراشق بوريقات الشجر التي تساقطت عند الجدع... و مرت الدقائق سريعة. انتبهت إلى أن راوية لم تعد بعد... محل الحلويات ليس بعيدا أبدا... فقد لمحته ونحن ننزل من السيارة. حاولت أن أتصل بها على هاتفها الجوال، لكنني لم أتلق أي جواب... كان القلق قد بدأ يتسلل إلى قلبي، و بدأت سارة تلاحظ انقباضي : ـ راوية تأخرت! ـ هل نذهب للبحث عنها؟؟ ما إن وصلنا إلى الباب الأمامي للمنتزه حتى فاجأنا مشهد غير متوقع... كان من الواضح أن معركة ما وقعت منذ لحظات قليلة! و أغرب ما في الأمر هم الأشخاص الذين دارت بينهم المعركة، فقد كان طارق يقف قبالتنا و هو يلوي ذراع شاب آخر و يثبته و وجهه إلى الحائط! في حين كان الشاب يتلوى من الألم و يئن طالبا الصفح! و غير بعيد عنهما كانت تقف راوية و هي تضم ذراعيها إلى صدرها و جسدها يرتعش في ذعر...ركضنا نحوهما في جزع. كانت عينا راوية مغرورقتين بالدموع، أمسكت بذراعها في قلق و أنا أهتف : ـ ما الذي يحصل؟ انفجرت راوية باكية و لم تنبس ببنت شفة. التفتت إلى طارق الذي كان وجهه متجهما و حاجباه معقودين و الغضب باد في عينيه، فقال في حزم : ـ ستصل الشرطة بعد لحظات... من الأفضل أن تذهبن إلى السيارة! ثم رمى إلي بالمفاتيح دون أن يعلق... كان صاحب محل الحلويات يطل من وراء طاولته في فضول. و حين لمح علامات الحيرة على وجوهنا هتف مخاطبا إياي : ـ ذاك الصعلوك و صديقه كانا يحاولان الاعتداء على الآنسة... لكن الآخر هرب حين وصل هذا الشاب الشهم... بارك الله فيك يا بني... نظر إليه طارق نظرة ذات معنى و هو يقول : ـ لكنك لن تشهد بهذا أمام الشرطة... أليس كذلك؟ التفتنا إليه جميعا في دهشة فواصل في حزم : ـ لا فائدة من جر الآنسة إلى التحقيقات... ستقول بأنهما حاولا سرقة محفظتي... ما رأيك؟ هز الرجل الطيب رأسه موافقا بلا تردد و هو يهتف من جديد رافعا صوته بالدعاء لطارق و مثنيا على أخلاقه و شهامته... جلسنا في السيارة ننتظر في حين لم تكف راوية عن البكاء و الارتجاف... ـ أخبريني ما الذي حصل بالضبط؟ أجابت راوية في إعياء : ـ حين خرجت من المنتزه أحسست بأن شخصا ما يتبعني... تظاهرت باللامبالاة و أسرعت الخطو... لكن فجأة أحسست بيد تجذبني من ذراعي و ظهر أحدهما أمامي دون سابق إنذار و هو يتفوه بكلمات معاكسة بذيئة... ذعرت و هممت بالصراخ، لكن الثاني كان يكمم فمي و يحاول حملي من خصري إلى داخل المنتزه حيث الأشجار كثيفة مما يمنع رؤية ما يحصل في الظل... أحسست بهلع شديد و أخذت أتململ بقوة محاولة الإفلات... و بالفعل نجحت في التخلص من قبضته و جريت لخطوات قليلة، لكن أحدهما لحق بي قبل أن أتخطى البوابة الرئيسية و شدني بشدة إلى أن مزق سترتي... و هنا أزاحت ذراعيها الذين كانا ملتصقين بصدرها لتخفي القطعة التي تمزقت من ثوبها... ثم واصلت قائلة : ـ ثم لطمني على وجهي في قسوة كادت تفقدني وعيي، و أحسست بقواي تخور حتى لم أقدر على المقاومة... لست أدري ما الذي حصل بعد ذلك، فقد وجدته يفلتني فجأة مثلما هاجمني... كان أحدهما يركض مذعورا و الآخر يقع على الأرض صريعا... ثم رأيت وجه طارق أمامي يسألني إن كنت بخير... كانت سارة تستمع إليها في انفعال واضح و تهتف في سرور باد من شجاعة أخيها و قوته... أما أنا فقد كنت أحس بفخر حقيقي بابن عمتي و موقفه الشهم... لكنني لم أستوعب شيئا واحدا : كيف ظهر في الوقت المناسب؟ و ما الذي جعله يعود أدراجه بعد أن تركنا في المنتزه؟؟ |
#137
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((6))ـــ*×*ـــــــــ انتظر طارق وصول سيارة الشرطة، و قص عليهم الحادثة حسب روايته المختلقة، و شهد صاحب المحل كما أراد. لم يتجرأ الشاب المعتدي على النفي أو الاعتراض لأن عقوبة الاعتداء بالتأكيد ستكون أكبر من مجرد الشروع في السرقة! استأذن طارق من العون المشرف على التحقيق ليوصلنا إلى المنزل على أن يتصل فيما بعد بمركز الشرطة ليدلي بشهادته... التفتت سارة في انفعال إلى أخيها و هو يتخذ مقعده في مكان السائق في سرعة و يدير محرك السيارة في عصبية : ـ كنت رائعا يا طارق! لقد فاجأتني بتصرفك السريع و المدهش! لبث طارق صامتا للحظات و قد بدا عليه التوتر ثم قال في شبه همهمة : ـ لم يعد هناك أمان في البلد... ران علينا الصمت من جديد و تبادلت و راوية نظرات قلقة. استطرد طارق : ـ لو لم أعد في اللحظة المناسبة، لكان حصل ما لا تحمد عقباه... كنت أحس بقلق غريب من هذه النزهة منذ البداية و لم أشأ أن أترك ثلاث فتيات بمفردهن في تلك المنطقة الخالية، لكنني في نفس الوقت لم أرد تقييد حريتكن... فانصرفت بالفعل، لكن ما إن ابتعدت عن المنتزه بضعة كيلومترات حتى سمعت رنين هاتف جوال في السيارة... كان هاتف الآنسة راوية قد وقع منها تحت الكرسي... فوجدت الفرصة مواتية حتى أعود و أتفقد المكان... و الحمد لله أن كان سببا في عودتي سريعا... استعادت راوية هاتفها و هي تمتم بكلمات الشكر و الامتنان... وصلنا إلى المنزل و نزلت راوية معنا حتى تتمالك أنفاسها و تغير ملابسها... فوالدة راوية ستقلق كثيرا إن رأت ابنتها في تلك الهيئة، أضف إلى ذلك أنها قد تمنعها من الخروج و تفرض عليها حصارا إن علمت بأنها تعرضت إلى محاولة اعتداء في نزهتها معنا... ظل طارق في السيارة و رفض الدخول إلى المنزل. كان يبدو على وجهه علامات التفكير العميق كأن موضوعا جللا يشغل باله... خرجت سارة لتقدم له كأسا من الماء و هو لا يزال في السيارة، ثم عادت بعد لحظات لتدخل علي في غرفتي، حيث جلست إلى راوية أحاول التخفيف عنها وقع الصدمة. اقتربت مني سارة في هدوء و همست في أذني كأنها تخشى إزعاج راوية و هي في حالتها تلك : ـ طارق يريد أن يتحدث إليك... نظرت إليها في دهشة : ـ إلي أنا؟ ـ نعم، إنه ينتظرك في الحديقة... ـ ألم يقل لك ماذا يريد؟ هزت كتفيها و مطت شفتيها علامة جهلها بما أسأل عنه، فهمست و أنا أقوم من مجلسي : ـ ابقي إلى جانب راوية حتى أنظر ما يريد... خرجت إلى الحديقة و أنا أسترجع عبارات عمتي الغريبة في لقائنا الماضي و تلميحاتها التي تقترب من التصريحات... هل يكون الأمر كذلك؟؟ كان طارق يقف قرب الباب الخارجي و قد أطرق إلى الأرض في اهتمام واضح. ما إن سمع وقع خطواتي على الممشى حتى رفع رأسه و رسم على شفتيه ابتسامة أقرب إلى الحزن منها إلى السرور و قال في صوت هادئ رصين : ـ آسف على إزعاجك في مثل هاته الظروف... أجبت في صوت خفيض : ـ لا بأس... سألني في اهتمام : ـ كيف حال راوية الآن؟ ـ إنها أحسن حالا... هدأت بعض الشيء، لكن تأثير الصدمة لم يكن هينا... هز رأسه في تفهم، فأردفت قائلة : ـ بارك الله فيك... فقد كان تدخلك رائعا... اكستى وجهه حمرة خفيفة و هو يتمتم في خجل : ـ لم أقم إلا بالواجب، و هو ما كان سيقوم به أي شخص آخر شهد الحادثة... ثم أضاف في صوت بدا فيه الغضب : ـ لكن من المؤسف أن الشاب الثاني أفلت من قبضتي... ابتسمت و أنا أقول مطمئنة : ـ الشرطة ستقوم بالواجب... كما أنني لا أظن شريكه سيتستر عليه طويلا... ران علينا الصمت من جديد قبل أن يرفع طارق رأسه من جديد قائلا : ـ مرام... هنالك موضوع ما أود أن أحدثك عنه... تسارعت دقات قلبي و أنا أرد في حذر : ـ خيرا إن شاء الله... تابع في لهجة مطمئنة : ـ كل الخير إن شاء الله... أنت تعلمين يا مرام أن حياتي تغيرت كثيرا في الشهور القليلة الماضية... و لا أنكر أن التغيير الذي طرأ في نفسي هو بفضلك بعد فضل الله تعالى... فقد فتحت عيني على حقائق كثيرة لم أكن أعيرها اهتماما، و قد وعيتها في زيارتي الأخيرة إلى بيتكم بعد أن رأيت تغيرك أنت... قاطعته قائلة : ـ أرجوك يا طارق... لا تنسب إلي أي فضل، فأنا لم أفعل شيئا على الإطلاق... لكن فطرتك السليمة و وعيك بالخطأ الذي كنت عليه هو ما دفعك إلى مراجعة نفسك و إعادة النظر في سير حياتك... و زيارتك لنا لم تكن إلا سببا من الأسباب، و الله يسوق لك السبب المناسب، حتى لو كنت بقيت في أمريكا، فربما كان حدث آخر سيصنع التغيير... ابتسم و هو يصغي إلى كلماتي و أردف بعد لحظات من الصمت : ـ الحمد لله على كل حال... الحمد لله مجري السحاب و مسبب الأسباب... المهم الآن... أنت تعلمين أنني عزمت على العودة إلى أرض الوطن للاستقرار بصفة نهائية... هززت رأسي علامة الإيجاب و أنا أنتظر بقية كلامه في وجل فواصل قائلا : ـ و أعني بالاستقرار، الاستقرار المهني... و العائلي أيضا... بدا عليه التردد للحظات و قد تعلق بصره بالأرض : ـ فأنا في حاجة إلى أن أبدأ مشواري هنا على أسس سليمة و... ربما كنت في حاجة أكثر إلى شريكة حياة تساندني و تقف إلى جانبي لتحقيق طموحاتي... فالاستقرار النفسي و العاطفي، كما تعلمين، مهم جدا لتحقيق النجاح على جميع الأصعدة... يا إلهي... إنه يتحدث عن موضوع الزواج بالفعل! لم يعد بالإمكان تغيير الموضوع بعد الدخول في صلبه! ولكن إلى أين سيأخذنا هذا الحديث يا ترى؟! بدا على طارق الإحراج و هو يتابع : ـ ربما بدا لك الوقت غير مناسب... لكن الأمر لا يتحمل التأجيل بالنسبة إلي، و ربما لا تحين فرصة أخرى في الأيام القادمة... لذا غامرت بمفاتحتك في الموضوع حتى تكون خطواتي المستقبلية على بيّنة... فأنا أبحث في الوقت الحالي عن موقع مناسب لفتح مكتبي الجديد... ثم سأقوم بتهيئة الطابق الثاني من منزل العائلة حتى يكون عشا للزوجية... لذا فمن الضروري أن تكون زوجتي المستقبلية على علم أيضا حتى تستعد هي الأخرى... صمت طارق، فسكتت بدوري و أنا أتساءل في سري : أي جواب ينتظره مني؟! ما هذه الورطة التي وضعني فيها؟ كيف سأصده هاته المرة دون أن أجرح مشاعره؟ ظننته استوعب الدرس في المرة الماضية، فإذا به يعود... و بجرأة أكبر هاته المرة! صحيح أنه تغير... و ربما يظن أن علاقتي بحسام لم تثمر، خاصة بعد أن صرحت أمي بأنني في حل من أية علاقة... ما العمل إذن؟؟ مضت ثواني قليلة قبل أن يتمالك طارق نفسه و يستعيد رباطة جأشه ليقول في صمت كالهمس : ـ مرام... هلا فاتحت صديقتك راوية برغبتي في الارتباط بها... للحظات لم أصدق أذني... راوية؟! غير معقول!!! ![]() ![]() ![]() انفرجت شفتاي و هممت بقول شيء ما لكن الدهشة كانت قد عقدت لساني و لم أملك التعليق بكلمة... هل هو جاد فعل؟! إذن فهو لم يفكر فيّ أنا بل في صديقتي راوية!! لكن منذ متى؟ و كيف؟ لكن عمتي... هل تعلم بما يزمع القيام به؟! لاحظ طارق الدهشة التي اكتست ملامحي، و فمي الذي ظل مفتوحا في بلاهة دون أن أنبس ببنت شفة فأردف موضحا : ـ ربما تقولين بأنني لا أعرف راوية جيدا و لم أرها كثيرا، فكيف قررت خطبتها... لكنني رأيتها بضع مرات... المرة الأولى كانت في زيارتي السابقة، أمام كليتك... و قد لاحظت حياءها و حسن تعاملها... لكنني في الحقيقة أعتمد أكثر على كونها صديقتك المقربة! لذا أعتقد أنها ستكون في مثل خلقك و التزامك... تضرجت وجنتاي و أطرقت هامسة : ـ حسن... سأفاتحها في الموضوع قريبا... لكن ربما كان وضعها غير مناسب اليوم... هز رأسها موافقا و قال : ـ أعتمد عليك في تحيّن الفرصة المناسبة... انصرف طارق و لبثت واقفة مكاني بالحديقة، متفكرة... هل من الممكن أن تنسى راوية قصة جاد بسهولة و توافق على طلب طارق؟! هل من الممكن أن توافق لمجرد العرفان بالجميل بعد أن أنقذها من محاولة الاعتداء؟ كما أن طارق مستعجل على الزواج... و راوية لا تزال في السنة الثالثة من دراستها الجامعية. فهل سيكون الزواج في مثل هاته المرحلة خيارا مناسبا بالنسبة إلى دراستها و مستقبلها المهني؟ على أية حال... الأمر لها قبل كل شيء... فلم أشغل بالي قبل مشاورتها! تمت الحلقة العاشرة بحمد الله
|
#138
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
جزاكي الله خيرا على تلك الكلمات الجميله واتمنى أن تباعي معنا باقي الحلقات وفقنا الله وإياكي أختي في الله مشكوووره لمرورك العطر اقتباس:
كده كتير اووووي يا أسماء هي 14 حلقه |
#139
|
||||
|
||||
![]()
ايون كده يا سارة متشوقين لمعرفة باقى الاحداث
حاسة ان طارق ده بقى غريب جدااااااا وخصوصا طلبه للارتباط براوية لما نستنى نشوف اللى هيحصل ان شاء الله بس برده جاد احسن من طارق
__________________
![]() |
#140
|
||||
|
||||
![]()
ايه ده الحكاية اتعقدت معقول هيترفض للمرة التانية
لما نشوف منتظرين الياقي
__________________
أجمل شي في الحياة حينما تكتشف وجود أناس قلوبهم مثل اللؤلؤ المكنون في الرقة واللمعان .. والصفاء والنقاء .. قلوبهم تحمل الحب والعطاء .. اللهم احفظهم واكرمهم واجمعنا بهم تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم ياارب لا تحرمنا من وجودهم فى حياتنا آمييييييييييين يا رب العالمين. |
#141
|
||||
|
||||
![]()
بجد الاحداث اتغيرت 360 درجة
الجمااااااااال ده ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() بس ماتتأخريش تاني لان الحلقات بات بجد مدهشة وفقك الله ![]() ![]()
__________________
اوعى المظاهر تخدعك ولا كلمه حلوه توقعك ولا صاحب ندل يضيعك ولا عيشه مره تغيرك ولا قلب عشقته يحيرك ولا ناس حبتها تدمرك ولا غربه صعبه تكسرك ولا حبيب مخلص يخصرك ولا دمعت حزن تسهرك ولا كلمه تقولها تصغرك دى الدنيا لحظات والناس مقامات والزمن مسافات والحب كلمات وانت زى الورد ان دبل مات |
#142
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
اه فعلا معاكي حق يا أسماء انا عن نفسي بحس إنه عاوز يثبت نفسه لمرام خصوصا بعد تغيره المفاجيء ده وفعلا انا بحس إن جاد أفضل بس متنسيش إن في مشاااااااااااااااااكل كتير أووووي هتحصل لو راويه وافقت على جاد خصوصا إن مامتها مش موافقه وباباها كمان تعالي نشوف إيه المفاجأااات اللي جايه ![]() اقتباس:
بس أعتقد لما تشوفي الحلقه الجايه الإجابه هتوضح ![]() اقتباس:
فغلا الأحداث إتغيرت كتير بس 180 درجه بس بعد الحلقه الجايه ممكن تبقى 360 ![]() من عيوني إن شاء الله مفيش تأخير تاني وتابعينا آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 01:37 AM |
#143
|
||||
|
||||
![]() الحلقة الحادية عشر ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ موافقة... لم أصدق أذنيّ و أنا أسمع تلك الكلمة، و اتسعت عيناي عن آخرهما و أنا أحملق في الفراغ، و قد ارتخت يدي عن سماعة الهاتف التي كانت في يميني... هتفت في تنبيه : ـ راوية، هل فكّرت جيدا في قرارك؟ لا تتسرعي... إنه زواج و ليس لعبة! جاءني صوتها و قد شابه بعض التردد : ـ إنها موافقة مبدئية يا مرام... ثم فترة الخطبة ستمكن كلينا من اتخاذ القرار النهائي... أليس كذلك؟ قلت في قلق : ـ و جاد؟ ماذا عنه؟ أجابت راوية في استغراب : ـ ماذا عنه؟ هتفت من جديد و الدهشة تغمرني : ـ هل نسيته بسرعة؟ ألم تكوني تعيشين في أرق و سهاد متواصل لأنك ظننتك أنك تسرعتِ في رفضه؟ تنهدت راوية تنهيدة قصيرة و قالت : ـ حين فكرت في الأمر أكثر، وجدت أنني قد أغامر طويلا و أحارب عائلتي و أهلي و أهله إلى أجل غير مسمى من أجل هدف غير مضمون... و قد أرفض خطابا كثيرين في انتظاره، ثم لا يكون هنالك نصيب! لذا فقد استخرت الله و قررت الموافقة على طارق... و إن لم نكن متوافقين فسيظهر ذلك جليا في فترة الخطوبة. ما رأيك؟ تنهدت في تسليم... لم أكن أستطيع أن أقول أية كلمة أخرى! راوية لم تكن تعلم عن مشاعر طارق السابقة ناحيتي... و لم أملك أن أخبرها عن شيء منها حتى لا تساورها شكوك في نواياه... لكنني في نفس الوقت كنت متخوفة منه. و خطرت على بالي كلماته الأخيرة في الحديقة... حياني و ابتعد باتجاه الباب الخارجي، لكن قبل أن يختفي تماما، التفت نصف التفاتة و همس مبتسما، نفس الابتسامة المرة التي لمحتها على شفتيه حين مغادرته منزلنا منذ بضعة أشهر : ـ وفقك الله مع حبيبك... ثم انصرف دون أن ينتظر تعليقي... أما أنا فقد وقفت مشدوهة، لا أدري ما علي عمله أو قوله! أخرجني نداء أمي القادم من خارج الغرفة من تخيلاتي فقلت لراوية : ـ حسن، أتركك الآن... نداء عاجل من والدتي... أراك لاحقا... السلام عليكم و رحمة الله... وضعت السماعة في نفس اللحظة التي أدارت فيها أمي مقبض الباب و هي تقول مبتسمة : ـ عندك ضيوف... ثم ظهرت من خلفها دالية و على شفتيها ابتسامة واسعة. قفزت من مكاني و سارعت إلى معانقتها في فرح : ـ ما هذه المفاجأة الرائعة! و أخيرا ظهرت!! جلست إلى جانبي على السرير و هي تقول : ـ لا تعلمين يا مرام كم كنت مشغولة في الفترة الماضية... هززت رأسي في عتاب و قلت : ـ طبعا مشغولة عن كل الناس... فتختفين بكل بساطة، و إن اتصلت بك تقول أمك بأنك خرجت إلى مكان ما... و لا تكلفين نفسك عناء الاتصال فيما بعد! حتى في الكلية لا تظهرين بتاتا... ما الأمر يا دالية؟ أنت تخفين شيئا ما! احمر وجه دالية و هي تطرق في خفر و قد علت شفتيها ابتسامة جذلة... حملقت فيها في دهشة : ـ انطقي بسرعة، فقلبي يحدثني بأمر جلل! ضحكت دالية ضحكة قصيرة وقالت : ـ في الحقيقة... كنت أجهز... لزفافي... ظهرت علي علامات عدم التصديق و قلت في بلاهة غير مقصودة : ـ زفاف من؟! ضحكت من جديد و قالت معتذرة : ـ حدث كل شيء بسرعة شديدة، و لم تكن لدي فرصة لأخبرك... أنا آسفة حقا لأنني لم أخبرك في الإبان... عانقتها في فرح حقيقي و أنا أقول مهنئة : ـ ألف مبروك يا حبيبتي... مع أنني أعتب عليك كثيرا! لكن اشرحي لي بالتفصيل، من هو و كيف حصل ذلك... ولماذا و متى ووو... اعتدلت في جلستها و قالت : ـ حسن... في الحقيقة هو أحد أقربائنا... لكنه سافر للدراسة ثم العمل في كندا، و لم أكن قد رأيته منذ فترة طويلة... لكن أمه تزورنا باستمرار و هي من صديقات أمي المقربات... و قد طلب منها مؤخرا بأن تبحث له عن زوجة مناسبة، فوقع اختيارها علي! فسأل أبي عن العريس عن طريق أحد معارفنا في كندا... ثم تمت الموافقة! نظرت إليها في دهشة و هتفت : ـ و أنت ما رأيك في العريس؟ اكتسى وجهها حمرة من جديد : ـ يقولون بأنه على قدر من التدين و الأخلاق... و مستواه الاجتماعي جيد... يعمل مهندسا في شركة مرموقة في كندا... وسيم و أنيق... عاجلتها بسؤال ثان : ـ هل رأيته؟ ـ كنت أعرفه في الصغر... ثم رأيته في الصور... ثم التقينا منذ أسبوع حين جاء للقاء أبي... ـ هل تحدثت إليه؟ ـ قليلا... كان مستعجلا نوعا ما... و عليه الاهتمام بالكثير من الترتيبات قبل السفر... فهو سيبقى هنا ثلاثة أسابيع فقط، سيتم خلالها عقد القران... على أن يقام الزفاف في أجازته المقبلة... هتفت في استغراب شديد : ـ أية معاملات من الممكن أن تكون أكثر أهمية من الجلوس إلى زوجته المستقبلية و التعرف عليها عن كثب؟! خطر على بالي سؤال آخر بدا لي ملحا : ـ كم عمر العريس؟ بدا عليها الارتباك و هي تقول : ـ فارق السن ليس مهما... فكلما كان الرجل أكبر، كلما كان أكثر نضجا و كلما كانت حنكته في الحياة و خبرته المهنية كافية ليتحمل مسؤولية بيت و زوجة، خاصة في الغربة... قاطعتها في إصرار : ـ دالية، كم عمره؟ ـ 38 سنة... شهقت في فزع و هتفت في استنكار : ـ دالية! أنت لم تبلغي الثانية و العشرين بعد! كيف ترتبطين برجل يكبرك بأكثر من 15 عاما؟! ابتسمت دالية و هي تقول في حرج : ـ لماذا ترين المسألة على أنها كارثة؟ هتفت من جديد و أنا أقول : ـ طبعا كارثة، أن تنقطعي عن دراستك و ترتبطي بشخص يكبرك بعدد لا يستهان به من السنوات، لا تعرفينه، و لا يهتم هو بأن يتعرف عليك، ثم تسافرين و تبتعدين عن أهلك لتلاقي حياة مجهولة المعالم في الغربة! و ما رأي حسام في الأمر؟ أطرقت دالية للحظات و هي تقول : ـ حسام لم يكن موافقا في البداية... و قد قال نفس كلامك... لكن وليد تحدث إليه و أقنعه بأنني لن أنقطع عن دراستي بل سأواصلها هناك، كما أنه وعده بأن يسهل له الانضمام إلى كلية الطب في كندا، حتى يسافر معنا... أحسست بدوار عنيف، و مادت الأرض تحت قدمي و لم أنطق بكلمة... حسام؟! هل تبيع أختك بسهولة من أجل مستقبلك المهني؟ كيف تفكر بهاته الطريقة؟ لاحظت دالية علامات الذهول في عيني فقالت مطمئنة : ـ لا تسيئي الظن بحسام، فهو لم يوافق من أجل دراسته و مستقبله... بل لأنها طريقة تمكنه من البقاء إلى جانبي حتى لا أحس بالغربة وحدي و حتى يتأكد من سلامة نوايا وليد و معاملته الحسنة لي! ثم هو لم يوافق إلا لأن أمي و أبي كانا موافقين على وليد و لم يملك أن يغير رأيهما فوافق على اقتراحه... ثم ألا تجدين أن اقتراح وليد يدل على إخلاصه و صدقه؟ كنت قد هدأت بعض الشيء... و سرحت قليلا أفكر في سفر حسام إلى كندا، فانتابني قلق مفاجئ... هل كل من يسافر إلى الغرب يتغير؟ و ما أدراني بأنه يعود مثلما سافر، حسام الذي عرفته و أعجبت به؟ التفتت إلى دالية مجددا و أنا أقول : ـ و لكن يا دالية... أنت حتى لم تحضي بفترة خطبة تدرسين فيها شخصية زوجك المستقبلي لتعرفي مدى ملائمة طباعه لطبعك! ألا تحسين بالغيظ لأنه اهتم بكل التفاصيل إلا الجلوس إليك و محادثتك عن مشاريعه و اهتماماته؟ ـ في الحقيقة هو جلس إلى أبي و حسام... حتى حسام كان مقتنعا بشخصيته، لكن جل ما يقلقه هو فارق السن... ساد الصمت للحظات قبل أن تهتف دالية : ـ كدت أنسى سبب زيارتي لك... تطلعت إليها في اهتمام فقالت مبتسمة : ـ حسام يقرئك السلام... و يطلب موعدا مع والدك قبل سفره... ثم اقتربت مني و همست : ـ كما أنه يريد أن يراك... غدا... في المكتبة... آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 01:19 AM |
#144
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ جلست إلى طاولة غير بعيدة عن المدخل، حتى تسهل رؤيتي للداخل إلى المكتبة، ثم أخرجت كتبي و كراساتي و وضعتها أمامي، مبعثرة على الطاولة، و أكببت عليها كأية طالبة مجتهدة منسجمة مع مراجعتها غير عابئة بما يدور حولها... غير أنني كنت أرفع رأسي بين الفينة و الأخرى لألقي نظرة على المدخل كلما سمعت صرير الباب و هو يفتح... كانت راوية تجلس إلى جانبي و هي تكتم ضحكتها بصعوبة : ـ من يراك لا يمكن أن يشك بأنك على موعد! حدجتها بنظرة تنمّ عن التحدي و تفصح عن الغضب الذي يعتمل في صدري : ـ و من قال بأنني أهتم لموعده؟! أنا هنا مثل العادة، أراجع دروسي... أطلقت راوية ضحكة قصيرة و هي تقول : ـ إذن توقفي عن مراقبة الباب! فإن عيونك تفضحك... أشحت بوجهي في عصبية و هتفت : ـ هل تتصورين يا راوية... يفكر و يقرر و لا يهتم حتى برأيي! كأنني طرف ثانوي في حياته... ثم يطلب موعدا لتوديعي!! ما الداعي يا ترى؟ ألم يكن من الأفضل أن يرسل إلي بطاقة معايدة من كندا بعد بضعة شهور؟! قالت راوية مهدئة : ـ أنت تعلمين أن كل شيء حصل بسرعة و دون سابق تخطيط... فهو اضطر إلى السفر حتى يكون إلى جانب أخته... ـ نعم، ذكرتني... و قصة دالية أيضا... ألم بإمكانه أن يتخذ موقفا ليمنعها من الارتباط بذاك الشخص الذي في سن والدها؟ ـ يا مرام، يا حبيبتي... إن كانت دالية موافقة و والداها موافقان، فهل سيعني رفضه شيئا؟!!! تنهدت في حسرة و ألم ثم هتفت في مرارة : ـ و لكن ذلك لا يمنع أنني مغتاظة منه... جدا!!! لم تعلق راوية على كلماتي... بل أنها لم تملك الوقت لتعلق، لأنه في تلك اللحظة تناهى إلى مسامعنا صوت مألوف ألقى علينا السلام : ـ السلام عليكم و رحمة الله... رفعت رأسي مذعورة لأجده أمامي مباشرة... يا إلهي، لقد غفلت عن مراقبة الباب و انهمكت في الحديث مع راوية! منذ متى و هو هنا يا ترى؟ هل سمع ما قلته؟ على أية حال لا يهم، بل من الأفضل أن يعلم موقفي منه... اكتسى وجهي بعض الحمرة و أنا أرد بصوت لا يكاد يسمع : ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... جذب حسام الكرسي المقابل و جلس إلى الطاولة في هدوء و على شفتيه تلك الابتسامة الأزلية التي لا تكاد تفارقهما... كم اشتقت إليه، و كم اشتقت إلى حديثه، إلى صوته و ضحكته... لكنني كنت مغتاظة، تتصارع في داخلي رغبتي في الابتسام و السؤال عن حاله بعد غياب دام بضعة شهور، و حاجتي إلى التنفيس عن غضبي و معاقبته على تجاهله لي... ـ كيف حالك يا مرام... و كيف أحوال الدراسة؟ انتصرت الابتسامة على التكشيرة فرفعت رأسي لأقول في استسلام : ـ الحمد لله... كل شيء على ما يرام... ثم التفت إلى راوية و قال : ـ راوية، قولي الحقيقة... هل تأكل جيدا، و تهتم بصحتها؟ ابتسمت راوية و قالت : ـ كما ترى... وجهها شاحب يحاكي شحوب الأموات... لكنني لست واثقة إن كان في الأمر مرض ما... أم أنها عوامل نفسية... الامتحانات و ما شابهها... و ما إن أنهت عبارتها تلك حتى وقفت و هي تقول : ـ أحتاج بعض الكتب... سأعود بعد قليل... ثم ابتعدت و اختفت بين الرفوف... خيم علينا الصمت للحظات قبل أن يبادر حسام : ـ أعلم أنك مستاءة مني... لأنني لم أسأل عنك منذ فترة... و لكن أتذكرين ما اتفقنا عليه... أن نجاهد أنفسنا... و قد حدثتني نفسي كثيرا بالقدوم إلى الكلية، و رؤيتك حتى من بعيد... و لكنني أعلم أنني إن أذعنت لرغباتي مرة فلن أقدر على مقاومتها مرات، لذلك آثرت أن نضل بعيدين عن بعضنا البعض... حتى أنتهي من الدراسة النظرية. لم يتبق الكثير... بضعة شهور فقط... ثم... رفعت رأسي و قاطعته قائلة : ـ ثم تسافر إلى كندا!!! زمّ شفتيه و تنهد قائلا : ـ كنت أعلم أن هذا ما يزعجك... عقدت ذراعي أمام صدري و قلت دون أن أنظر إليه : ـ ماذا كنت تتوقع مني؟ أن أهنئك على قرارك السليم الذي جاء في الوقت المناسب؟ كنت أنتظر نهاية السنة بفارغ الصبر حتى يوافق والدي على إعلان الخطبة رسميا... لكن الآن... نظر إلي في قلق و لهفة : ـ الآن ماذا يا مرام؟ هل ستغيرين رأيك؟ اغرورقت عيناي بدميعات منعتها من التدحرج على خدي و أشحت بوجهي حتى لا يتفطن إليها و أنا أهمهم : ـ سفرك إلى كندا لم يكن في الحسبان و أنت حتى لم تسألني عن رأيي! ثم ما مصير علاقتنا برأيك بعد سفرك؟ و كم سيدوم هذا السفر؟ بدا عليه الارتباك و هو يقول في توسل : ـ أعلم أنني وعدتك بأن نتزوج في أقرب فرصة ممكنة... و لن أخلف بوعدي... إلا أن بعض الظروف تغيرت... إن سافرت إلى كندا فإنني سأتم هنالك الدراسة التطبيقية و التخصص... يعني خمس أو ست سنوات... و بالطبع يمكننا أن نتزوج في الأثناء و تسافرين معي... رفعت رأسي وقلت في حدة : ـ و من قال لك بأنني أرغب في العيش في كندا؟ حين عرفتك ووافقت عليك لم يكن هذا مشروعك... ألا ترى أنه من حقي أن أغير رأيي بعد أن تغيرت المعطيات؟ اكتسى وجهه مسحة من الوجوم، ولبث ساكتا للحظات، ثم قال و قد تغيرت نبرة صوته لتصبح أكثر عمقا... و حزنا : ـ مرام، أنت تعلمين أنني أفعل ذلك من أجل أختي... دالية... و مسألة السفر لم تكن لتخطر على بالي في يوم من الأيام... و لو كان أمامي أي حل آخر لما ترددت... لكن للضرورة أحكام... صحيح، لست أنت المسؤولة عما يحدث مع دالية، بل أمي و أبي و دالية نفسها... لكن ألا ينبغي أن يكون أحدنا عاقلا ويفعل شيئا ما لحمايتها؟ كنت أنتظر منك قدرا أكبر من التفهم... اختفت الحدة من صوتي و أنا أقول في لين أكبر : ـ و لكنك فاجأتني يا حسام! وضعتي في موقف لا أحسد عليه! أليس من المفروض أن نخطط لحياتنا معا... نفكر معا و نقرر معا... ثم حتى إن وافقت أنا، فمن قال بأن أبي سيوافق؟ إن ما يلاحظه من تغييرات في حياة أبناء عمتي سيجعله يقلق علي، و أكيد لن يعجبه الوضع! عادت الابتسامة لتزين وجهه الوسيم و هو يقول : ـ من أجل ذلك طلبت موعدا معه... حتى أوضح له خططي المستقبلية و أشرح له التغييرات التي طرأت... المهم أن تكوني أنت موافقة... ترددت للحظات قبل أن أقول : ـ و إن لم أوافق... كيف ستتصرف؟ ألقيت بسؤالي كالمقاتل الذي يلقي قنبلته في ساحة المعركة ثم ينبطح وراء كثبان الرمال... لكنني لم أجد كثبانا قريبة أختفي خلفها فنظرت إليه مترقبة ردة فعله... لكنه أجاب في هدوء حزين : ـ مرام... أنت أعقل من تضعيني في خيار بينك و بين أختي... أطرقت في خجل... فتابع : ـ لكن... إن عارض والدك، فعليك مساعدتي لإيجاد حل مناسب... وقف من مجلسه و هو يهمس : ـ مرام... أنا آسف حقا لأنني وضعتك في موقف كهذا... لم أرد أن يكون لقاؤنا بعد شهور طويلة من الفراق كئيبا هكذا... لكنني في حاجة إلى مساندتك حقا... اعتبريها إحدى التضحيات الكثيرة التي ستقابلنا في مشوارنا معا... كنت لا أزال مطرقة و في عيني ألم و خوف و قلق... فقال و هو يهم بالانصراف : ـ فكري جيدا... و أنا في انتظار ردك... السلام عليكم و رحمة الله... رفعت رأسي و هممت بأن أقول شيئا ما، لكنه كان قد ابتعد في خطوات واسعة سريعة... فظلت عيناي معلقتين بطيفه الذي توارى خلف الباب و تمتمت شفتاي بصوت مهموس كان من المستحيل إلى أن يصل إلى مسامعه : ـ وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته... هزت راوية كتفي في رفق و هي تهتف : ـ مرام، ما بك؟ هل انصرف حسام؟ ثم التقطت شيئا كان موضوعا على الطاولة أمامي : ـ و ما هذا؟ هدية؟ انتبهت ونظرت إلى المغلف الظريف الذي كان بين يديها، ثم اختطفته من بين يديها و قلبته في حرص... لقد أحضر لي هدية! إنها المرة الأولى التي تصلني فيها هدية منه! كنت لا أزال أمسك بالمغلف دون أن أفتحه، فهتفت راوية : ـ هيا... هيا... افتحيها و دعينا نرى! هززت كتفي في عناد و أخفيت العلبة في حقيبتي و أخذت أجمع أدواتي في عجلة... ثم التفتت إلى راوية و في عيني نظرة غريبة : ـ راوية... يجب أن نقنع دالية برفض العريس! آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 01:19 AM |
#145
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ أمسكت راوية بذراعي في صرامة، بينما كنت أحث الخطى إلى قاعة المحاضرات و هي تقول : ـ إن كنت تريدين حقا مصلحة دالية فانسي تماما مسألة سفر حسام! مرام، أنا معك في أن راوية ربما تكون تسرعت في موافقتها على هذا الزواج... و ربما تكون مبهورة بالسفر، و اكتشاف عالم جديد... لكن علينا أن نستمع إليها و نفهمها قبل أن نحكم على قرارها بأنه خاطئ... و أن نكون لها صديقتين، تنصحانها و تخافان عليها... دون أن نترك لمصالحنا الشخصية الفرصة للتشويش على حكمنا... قاطعتها في انفعال قائلة : ـ لكن قرارها لا يلمسها وحدها! زواجها سيغير مستقبل حسام و مخططاته تماما! و أنا أيضا... قرارها يمسني بشكل غير مباشر... هزت راوية رأسها علامة عدم التأييد : ـ حسام اختار أن يسافر مع أخته... و زواجها لا يلزمه بالسفر معها... إطلاقا... كان عرضا من الخاطب، و حسام وافق... يعني لا سبيل إلى إلقاء اللوم على دالية و لا على زواجها... توقفت فجأة و تنهدت بعمق، قبل أن أواصل السير من جديد، بخطوات أكثر بطأ. تابعت راوية نسقي و هي تتطلع إلي متسائلة : ـ ماذا الآن؟ التفت إليها و أنا أحاول الابتسام : ـ حسن... ربما تستطيع دالية إقناع حسام بالبقاء... نظرت إلي راوية في دهشة، بينما تابعت سيري إلى قاعة المحاضرات... و أنا أقول : ـ بالتأكيد، هنالك حل لهذه الورطة... و سأجده بإذن الله... لحقت بي راوية و هي تلهث و هتفت : ـ هل ستقابلين دالية اليوم؟ ابتسمت في هدوء قائلة : ـ لا تخافي, سأحاول قدر الإمكان أن أنصحها بإخلاص... و سأفصل الموضوعين تماما... ثم أنت ستكونين معي لتنبيهي... أليس كذلك؟ ابتسمت راوية موافقة و هي تتمتم : ـ أرجو أن تنتهي هاته القصة على خير! ما إن انتهت المحاضرات حتى تركت راوية و طرت بسرعة إلى المنزل... بالطبع، فأنا منذ مغادرة حسام لقاعة المكتبة أنتظر الفرصة المناسبة حتى أختلي بنفسي... و أفتح الهدية! كانت العلبة في شكل متوازي أضلاع... تشبه شكل الكتاب... لكن ارتفاعها يوحي بأنها لا يمكن أن تكون كتابا... ربما كتاب ضخم؟! أو كتابان؟ أو كتاب و شيء آخر له نفس الشكل؟ أعياني التفكير في محتوى العلبة! دخلت المنزل مسرعة بعد أن ألقيت السلام و توجهت مباشرة إلى غرفتي... لكن... سارة كانت في الغرفة... تجلس أمام حاسوبي... اممم... حسن... أريد أن أكون بمفردي حين أفتحها... لكن لا بأس... سأفتحها أمام سارة... فهي ليست غريبة، و سترى الهدية عاجلا أم آجلا... ألقيت السلام على سارة و جلست على الفراش و أنا أخفي ابتسامتي... ردت سارة السلام دون أن تلتفت إلي، فقد كانت منهمكة في إحدى الألعاب الجديدة التي يدمن أخي ماهر اقتناءها... أخرجت العلبة من حقيبتي في هدوء و أنا ألحظ سارة بطرف خفي. هل ستنتبه إلي؟ لكن كان يبدو عليها الانسجام التام مع لعبتها، فأخذت أنزع الغلاف في هدوء تام حتى لا أثير انتباهها... لكن يبدو أن خشخشة ورق التغليف المميزة جعلتها تلتفت إلي في فضول... و ما إن لمحت العلبة بين يدي حتى أهملت الحاسوب و لعبة الحاسوب و قفزت لتجلس إلى جانبي و على شفتيها ابتسامة مميزة : ـ ممن الهدية إذن؟ ابتسمت و قد احمر وجهي في خفر : ـ من حسام... قفزت سارة في حماس في مكانها، و هي تهتف : ـ ماذا تنتظرين... هيا افتحيها... امتدت أصابعي في حذر لتزيل ما تبقى من ورق التغليف... ثم وقعت عيناي على الهدية المكونة من جزئين... كان الجزء الأول علبة أقراص مضغوطة... فتحتها و قد اتسعت ابتسامتي سرورا... فأنا أثق في ذوق حسام، و أنه بالتأكيد قد اختار عددا من الدروس الدينية و التنموية المتميزة التي يعرف مدى شغفي بها... و بالفعل، لم أكن مخطئة في تقديري... لبثت أقلب كنزي الثمين بين يدي و الابتسامة لا تفارق شفتي... كم أنت رائع يا حسام! فقد عرفت كيف تسترضيني و تطيب خاطري... انتبهت على صوت سارة و هي تهتف مداعبة : ـ مرام... ألن تفتحي هذه؟ التفتت لأجدها تمسك بين يديها الجزء الثاني من الهدية، الذي غفلت عنه في غمرة سروري بالجزء الأول... مددت يدي بسرعة لآخذ منها علبة الشكولاطة التي كادت تشرع في فتحها... و فجأة تقلصت الابتسامة على شفتي لتختفي تماما... و حلت في عيني نظرة دهشة و استغراب... و حزن... تطلعت إلي سارة في دهشة بدورها و هي تلحظ التغيير المفاجئ الذي طرأ علي : ـ مرام... هل هنالك ما يزعجك؟ ما الأمر؟ كانت علبة شكولاطة فاخرة و شهية... تنم عن ذوق رفيع... و قد كنت من محبي الشكولاطة... إلى هنا ليس هنالك أية مشكلة... لكن... حين قرأت اسم الشركة المصنعة على العلبة تملكني حزن مفاجئ... نعم، إنها شركة تساند العدوان الصهيوني على إخواننا الفلسطينيين... شركة من أول الشركات الموضوعة على لائحة المقاطعة الإسلامية! و لكن حسام لا يدرك كل هذا؟! كيف يمكنني أن أفرح بهديته؟! و سارة هي الأخرى، لم تفهم سبب انزعاجي... هذا يعني أن الاسم لا يعني لها شيئا... بل ربما كانت ثقافة المقاطعة نفسها لا تعني لها شيئا! و لكن، كيف لي أن ألومها و هي قد عاشت سنوات طويلة في المجتمع الأمريكي حيث تختلف القيم و المبادئ... بل ربما لم تكن تعي شيئا من التغيرات و التحولات التي يعيشها عالمنا العربي... نظرت إليها في و أنا أقول في مرارة : ـ إنها شركة يجب مقاطعة منتجاتها... لأنها تساند العدوان الإسرائيلي و الأمريكي على إخواننا في فلسطين... من المفروض أن لا يقتني منتجاتها، فضلا على أن يهديني منها! رأيت علامات الدهشة في عيني سارة... و بعد تردد قصير قالت : ـ و هل تؤمنين أنت بأهمية المقاطعة؟! اتسعت عيناي دهشة و أنا أتفحص ملامحها اللامبالية : ـ طبعا!!! و هل في الأمر شك؟ هل من المفترض أن نساعد اقتصاديا من يسعى إلى أخذ القدس منا؟ من هدفه سلب أراضي المسلمين و تشريد أبنائهم؟! عقدت حاجبيها في غير اقتناع و هي تقول : ـ و هل تظنين أن مقاطعتك أنت و حسب... بل فلنقل مقاطعة عدد من المسلمين لهاته المنتجات سيؤثر كثيرا على اقتصادها و مرابيحها؟ هل تظنين أنهم سيتأثرون بفقدان عدد قليل من الزبائن؟ إن هذه الشركات ذات رؤوس أموال ضخمة... و مبيعاتها في العالم تتسع كل يوم... إضافة إلى أن منتجاتها ذات جودة عالية مقارنة بما يوجد في الأسواق... فلم نحرم أنفسنا من منتوج متميز، سعيا وراء تحقيق هدف شبه مستحيل؟! كما أن هاته الشركات الأجنبية تساهم في الرقي باقتصادنا... و تشارك في عملية التشغيل... لم أستطع السيطرة على انفعالاتي و أنا أهتف في اعتراض : ـ ألا تعلمين أن هاته الشركات التي تحظى بتمويل من رؤوس أموال صهيونية تسعى إلى القضاء على منتجاتنا المحلية و إغراق السوق بمنتجاتها حتى تضمن استمرار التبعية الاقتصادية العربية إلى كل ما هو أمريكي و صهيوني،حيث يتم تقديمها بأقل الأسعار و مدعومة بحملة إعلانية مميزة تتسبب في انهيار المنتج الوطني والانفراد بالسوق، ثم يرتفع السعر تدريجيًّا لتعويض خسارته، إضافة إلى أن المشروعات الأمريكية والصهيونية التي تقام في بلدنا هدفها الربح فقط دون مساهمة في دعم البنية الاقتصادية الوطنية مثل مشكلة البطالة... حيث إنَّ كل فرصة عمل لديهم تؤدي إلى ضياع ثلاثة فرص لدى الشركات الوطنية ناهيك عن أنها وظائف دنيا لا تكسب خبرة أو كفاءة يستفيد منها المجتمع... رفعت سارة حاجبيها في عدم تصديق، فواصلت في اصرار : ـ ثم من قال أن المقاطعة لا تحدث أضرارا لدى هاته الشركات؟ بالعكس... فقد أثبتت المقطعة فاعليتها على امتداد السنوات القليلة الماضية... فقد ساهمت في إلحاق خسائر بالولايات المتحدة وتراجع صادرتها من 22 مليار سنة 98 حتى وصلت إلى 16 مليار دولار سنة 2003... لدا فإن علينا أن نواصل الطريق و نستمر في دعم المنتج المحلي و مقاطعة كل الشركات التي تساند عدونا... ثم تابعت في شيء من الفتور : ـ و يؤسفني أن حسام لا يؤمن بضرورة المقاطعة... بدا الأسف في صوت سارة التي بدأت تقتنع بموقفي : ـ ربما لم يكن يعلم أن هاته الشركة بالدات هي من الشركات التي تجب مقاطعتها... فلا تلوميه و تعنفيه... فعلى أية حال، نواياه كانت حسنة... و لم يرد إلا أن يسعدك بهديتك، لا أن يعكر مزاجك... ابتسمت و قد راقني تحليلها... نعم، ربما لم يكن يعلم... لكن يبدو أن هنالك الكثير من النقاط التي يجب وضعها على الحروف قريبا... في لقائي المقبل مع دالية... |
#146
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ جلست دالية بيني و بين راوية و قد ارتسمت على شفاهنا ابتسامات ودودة... ابتسمت دالية بدورها ابتسامتها البريئة التي توحي إلي بأنها لا تزال طفلة غرة و من غير الممكن أن تكون مقبلة على زواج قريب! التفتت دالية إلي و قالت في مرح : ـ ما الجديد يا فتيات؟ أراكما منشرحتين... ضحكت و أنا أربت بكفي على كتفها : ـ و هل تركت لنا فرصة معك! فأنت في كل يوم لك جديد متجدد و أخبارك متسارعة كأنك تسابقين الزمن... هااااا... ماذا بعد الخطبة؟ هل قررتما متى يكون عقد القران؟ احمر وجه دالية و هي تقول : ـ لازلت غاضبة لأنني لم أدعك للخطبة! كان غصبا عني يا حبيبتي فقد تم كل شيء بسرعة فائقة و بحضور عدد قليل من المقربين... قاطعتها و أنا أهز رأسي مؤيدة : ـ طبعا... و وليد كان جد مستعجل و لديه الكثير من المعاملات التي عليه إنهاؤها قبل السفر... على أية حال، يجب أن ألوم حسام لأنه لم يفكر في دعوتي! ضحكنا معا في مرح، ثم التفتت إلى دالية متصنعة الغضب و قلت في حزم : ـ على فكرة... أنا غاضبة من حسام... ابتسمت دالية مداعبة : ـ من أجل السفر؟ أعلم أنه لم يكن في الحسبان... و لكن لمَ لم تتحدثي إليه في الموضوع؟ قاطعتها شارحة : ـ طبعا أنا منزعجة من سفره... لكن تلك نقطة أخرى سنعود إليها بعد قليل... لكنني أتحدث عن شيء آخر... ثم أخرجت من حقيبتي علبة الشكولاطة الأجنبية التي أهداها إلي حسام. تناولتها دالية من بين يدي و هتفت بعد أن تعرفت عليها بسهولة : ـ أليست الشكولاطة التي أهداها إليك حسام؟ إن لم تعجبك فالذنب ليس ذنبه! في الحقيقة هو طلب مني أن أشتري لك شيئا ما على ذوقي... لأنه لا يعرف ما يمكنه أن يهديه إليك... غير الكتب و الأقراص... فذاك عالم أخي المحدود... ضحكت دالية ثانية في حين اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول : ـ هكذا إذن! أنت من اشترى هاته العلبة يا شقية! سارعت دالية تقول في اعتذار : ـ أنا آسفة حقا... إن كنت وجدت في مكوناتها شيئا من الكحول فأنا آسفة حقا، فهي شوكلاطة أجنبية و الحقيقة أنني كنت مستعجلة و لم أملك الوقت الكثير لأتحقق مما كتب على العلبة... آسفة حقا يا مرام! حدقت فيها في استغراب : ـ كحول في مكوناتها؟؟ و هل يسوقون في بلدنا شوكلاطة فيها نسبة من الكحول؟! يا إلهي... ألا يستحون! غير معقول؟! هذا آخر ما كنت أتوقعه!! قاطعتني دالية و قد احمر وجهها خجلا : ـ في الحقيقة الشكولاطة ليست مصنعة في بلدنا و هذا ما جعلني أشك في مكوناتها... فحين طلب مني حسام أن أساعده بخصوص الهدية كنت مشغولة للغاية و لم أستطع الخروج في الوقت المناسب... فكان الحل أن وضعت في المغلف علبة من العلب التي أحضرها وليد من كندا... و لم أتمعن كثيرا فيها، بل أعجبني شكلها و بدت لي من النوع الفاخر... لذا آسفة جدا إن لم تعجبك... فهو ليس خطأ حسام بل خطئي... هززت رأسي في تفهم و أنا أرد : ـ بل هو خطأ وليد على ما يبدو! نظرت إلي دالية في دهشة فواصلت قائلة : ـ الشركة صاحبة المنتج هي من الشركات التي تجب مقاطعتها يا عزيزتي... تطلعت إلي دالية في دهشة ثم أمعنت النظر في العلبة و قالت في حرج : ـ آنا آسفة حقا يا مرام لم أتفطن للأمر... ثم أضافت و هي تحك ذقنها في تفكر : ـ يجب أن أنظر في الهدايا التي أحضرها وليد جيدا... بادرتها راوية التي ظلت صامتة إلى تلك اللحظة قائلة : ـ لم تخبرينا... أي نوع من الشباب... أقصد الرجال، هو وليد؟ كيف هي طريقة تفكيره و ماهي نظرته إلى الحياة؟ ابتسمت دالية في خجل و هي تقول : ـ إنه يبدو لي من النوع العملي... عملي في كل شيء... في حياته الخاصة كما في حياته المهنية... يكره إضاعة الوقت و يحب أن يكون كل شيء في مكانه المحدد... لا يقدم على أية خطوة قبل أن يدرس نتائجها جيدا و يدرك جدواها... ضحكت راوية و هي تعلق قائلة : ـ لذا فقد استمر في دراسة جدوى الزواج قرابة الخمسة عشر عاما! بدا الضيق على دالية فعاجلتها راوية على الفور : ـ ألم تسأليه لمَ لم يتزوج إلي الآن؟ أطرقت دالية قائلة : ـ بلى... سأله حسام عن ذلك... فقال بأنه كان يبني مستقبله المهني حتى يكون قادرا على تحمل مسؤولية زوجة و أطفال و يضمن لهم أفضل الظروف... ضحكت راوية من جديد و هي تقول مداعبة : ـ حسام المسكين! لا بد أن نظرية وليد حطمت معنوياته تماما! كم عليك أن تنتظري يا مرام!!! حدجتها بنظرة صارمة اعتراضا على دعابتها الثقيلة، فتنحنحت و قالت مستعيدة جديتها و هي تقول مخاطبة دالية : ـ و لكن، كيف يمكنك أن تعرفي أنه لم تكن لديه علاقات مع فتيات قبلك... خاصة أنه عاش زمنا غير قصير في كندا... فهل من المعقول أنه لم يعجب بأية فتاة منذ فترة الدراسة؟ و العلاقات غير المشروعة ممكنة جدا هنالك... كانت كلمات راوية صريحة جدا... و قاسية نوعا ما على دالية التي بدت في حيرة من أمرها، و لم يخف علينا أنها كانت ربما تطرح على نفسها نفس التساؤلات دون أن تجد جوابا شافيا. التقت عيناي بعيني راوية فأشرت إليها بأن تتوقف... لكن بدا الاحتجاج في عينيها و هي تهز كتفيها في عدم اقتناع... و تواصل الحوار بيني و بين راوية عبر الإشارات و الإيماءات، و لم نتفطن إلى دالية التي كانت تجلس بيننا مطرقة في حيرة... و لم ننتبه إلا على صوتها الذي بللته الدموع و هي تقول في مرارة ظاهرة : ـ مرام... راوية... أنتما أختاي أليس كذلك؟ نظرنا إليها في دهشة و قلق و أسرعت أقول و أنا أمسك بكفها بين كفي : ـ طبعا يا حبيبتي... و هل في ذلك شك؟ ما الأمر يا حبيبتي قولي... رفعت رأسها إلي و هي تمسح عينيها بكمها و قالت : ـ أريد أن أفضي إليكما بشيء ما... اقتربت راوية أكثر و قالت في اهتمام : ـ طبعا يا عزيزتي... كلنا آذان صاغية... بدا على دالية نوع من التردد، لكنها حسمت أمرها بسرعة و قالت : ـ إنه بخصوص وليد... كل شيء بدا مطمئنا في البداية... فهو من أقاربنا... والده المتوفي كان من المقربين إلى أبي و له عليه فضل كبير... حيث ساعده في بداية حياته المهنية و استقراره الزوجي و كان أبي يلجأ إليه في كل الصعوبات... و يبدو أن حب والده جعل أبي يحب وليد كثيرا... و كان يقص علينا كيف كان يحمله على كتفيه عندما كان صغيرا و يأخذه معه إلى المسجد و يلهو معه بشتى لعب الأطفال... قبل أن يتزوج أبي و ينجب حسام... و استمرت العلاقة بينهما بعد وفاة والد وليد، كأنه شقيقه الأكبر... لكنها انقطعت نوعا ما بعد سفره إلى كندا، حيث لم يكن يتصل كثيرا... لكن والدته كانت تزورنا باستمرار، فقد كانت تربطها علاقة طيبة بأمي... كما أنها بقيت وحيدة بعد سفر وليد و أبي كان يريدها أن تتقرب أكثر من العائلة و فاء لذكرى المرحوم... ثم حين رغب وليد في الزواج، لم تتردد والدته في مفاتحة والدتي في الأمر... و قد سر أبي كثيرا لأنه يحب وليد... و لم يعط أهمية تذكر لفارق السن بيننا، لأنه كان واثقا من تربية المرحوم و يعتقد بأن ابنه لا بد أن يكون على نفس الخصال... بادرتها معترضة و أنا أقول : ـ لكنه لم يضع في اعتباره أن الغربة الطويلة من الممكن أن تغير طباعه... كما أنه لم يعد ذاك الولد الصغير البريء الذي كان يلهو معه في السابق! تنهدت دالية و هي تواصل : ـ المهم... أبي وافق بدون تردد... و أمي لم تعترض كثيرا، لأنها تقدّر والديه و تحترمهما... و مسألة فارق السن لم تبد لها مزعجة جدا... لأنها تصغر والدي بأحد عشرة سنة... و هو فارق يبدو عاديا جدا في عائلة أبي... حيث الفارق بين عمي الأكبر و زوجته يقارب الثلاثة عشرة سنة... و عمي الأصغر أيضا زوجته تصغره بعشر سنوات... و كلاهما يعيش سعيدا مع زوجته... بل لعل فارق السن الهام يبدو مستحسنا عندهم لأنه يعني نضج الرجل و استعداده المادي و النفسي لتحمل مسؤولية ثقيلة... و لا أحدثك عن السخرية التي لقيها حسام من طرف أعمامي حين أبدى رغبته في الزواج و هو لم ينته من دراسته بعد... احمر وجهي دون أن أشعر حين أتت على ذكر ارتباطي بحسام، و ابتسمت في خجل. واصلت دالية حديثها قائلة : ـ كان حسام الوحيد المعترض... فهو يرى وليد كهلا في حين لازلت في بداية الشباب. و نظرية حسام تقول : كلما كان الزوجان متقاربين في السن، كلما كانت فرصهما للتفاهم و التواصل أكبر... و هي نظرية تعارض بالطبع كل ما أسمعه من أمي و خالاتي عن سرعة نضج الفتاة و تأخر نضج الرجل، و أهمية الفارق بين الزوجين لأن المرأة تظهر عليها علامات الهرم بسرعة أكبر من الرجل... خاصة بعد الحمل و الولادة... كما أن الرجل الناضج يكون أكبر قدرة على الاستقرار من الشاب... فهو يكون قد خبر الدنيا و تعلم الكثير و يقدر الحياة الزوجية... و بالطبع لن يبحث عن مغامرات الشباب... قاطعتها راوية في دهشة : ـ هل هذا ما تعلمك إياه أمك و خالاتك؟ أن يكون الرجل قد جرب و خبر كل أصناف البنات قبل أن يختار شريكة حياته؟ طبعا! و بذلك يكون أكيدا بأنها الصنف الذي يريد... و كيف يمكنه أن يختار إن لم يملك المعرفة الكافية بتلك السلعة التي تسمى المرأة!!! تنهدت دالية في حزن و هي تقول : ـ كنت أعلم في قرارة نفسي بأن ما يقلنه مخالف للشريعة الإسلامية... و أن الرجل الشريف الملتزم لا يمكن أن يعيش شتى أنواع المغامرات حتى يقرر في النهاية أن يتزوج... بل هو يتزوج ليعف نفسه و يصون زوجته. لكنني كنت أتساءل : كيف يمكنني أن أضمن في الزوج الذي سيتقدم إلي أنه شخص ملتزم لم تكن له مغامرات سابقة؟ ثم اقتنعت بأن أهم ما في الأمر أن يكون قد تاب بعد مغامراته توبة نصوحا... و هدفه من الزواج هو بناء أسرة مسلمة... و عزمت في نفسي أن أنفذ إلى قرار وليد و أعرف نواياه و أهدافه... تطلعت إليها في فضول و أنا أقول : ـ هاااا... و ما هي نواياه و أهدافه؟ ـ حسن... لست متأكدة بعد... لكن من خلال أحاديثنا القليلة و القصيرة عرفت أنه شخص جريء و قوي الشخصية... ثقته بنفسه ليست لها حدود. ربما بدا كذلك أمامي، لأنني صغيرة و قليلة التجربة بالنسبة إليه... و طوال لقاءاتنا كان يحدثني عن حياته في كندا... عن منزله الكبير الفخم المحاط بحديقة جميلة... به بركة سباحة في الطابق تحت الأرضي... حدثني كذلك عن الأثاث الذي أولى أهمية كبرى لاقتنائه و تنسيقه... حدثني عن عمله و عن انجازاته المهنية... لكن ما أقلقني هو أنه لم يقل شيئا عن نفسه! و حين سألته عن هواياته، ضحك بقوة كأنني رويت طرفة على مسمعه و قال كأنه يحدث طفلة صغيرة : الهوايات يتسلى بها الشباب المتفرغ في مثل سنك... أما رجال الأعمال أمثالي فلا يملكون الوقت لإضاعته، بل لاستثماره فيما يدر الربح الوفير! ربما لا أدرك بالفعل أهمية وقته لأنني لازالت في بداية الشباب و لا أعرف أهمية العمل... لكنني بدأت أتساءل : هل سيجد الوقت بعد زواجنا ليجلس إلي و نتحدث، أما أن ذلك سيكون مضيعة لوقته الثمين أيضا؟ حسن... لكنني وافقت عليه، لأن أبي كان متحمسا و مسرورا بهاته المصاهرة... و لأنني كنت أتطلع إلى حياة الرفاهية في كندا و خيالي المحدود يعجز عن تصور ماهية العيش هنالك... ثم وليد لم يكن فيه عيب يجعلني أنفر منه... إلا عمليته المفرطة! لكنني حدثت نفسي بأنه سيكون من السهل علي فيما بعد أن أتعود على نمط حياته... و لكن... أطرقت دالية من جديد في انزعاج، فبادرتها راوية مشجعة : ـ و لكن ماذا؟ تنهدت دالية و هي تقول : ـ و لكن لقاءنا الأخير جعلني في حيرة من أمري... تذكرين حين جئت إليك يا مرام، و استغربت من قلة اهتمامه بالحديث إلي و التعرف على زوجته المستقبلية... ظل سؤالك يرن في أذني حين عدت إلى البيت... و حين جاء في المساء مع والدته لزيارتنا قررت أن أفعل شيئا. و كانت والدته من فتح لي الباب حيث بادرته قائلة : لم لا تجلس قليلا مع خطيبتك بينما نعد العشاء... ثم قامت هي أمي إلى المطبخ، و لم يكن حسام و لا والدي في البيت... و الحقيقة أنه جاء ليناقش مع والدي مسألة ما، فكان مضطرا لانتظار قدومه... لذا فقد جلسنا سوية في قاعة الجلوس المفتوحة على المطبخ. فسألته بكل جرأة : ما الذي تنتظره من زوجة المستقبل... و تصوري بم أجابني؟ قال بكل برود أنه يريد زوجة جميلة و شابة تمنحه المتعة حين يريد و تلبي رغباته و تسهر على راحته!!! كنت في غاية الذهول... ربما كنت أدرك أنها الحاجة الطبيعية لكل الأزواج لكنني لم أتصور أن يكون صريحا إلى تلك الدرجة... ثم وضعه يده على كفي التي كانت مستقرة على ركبتي و قال ضاحكا : فهل ستكونين لي تلك الزوجة؟ سحبت كفي بسرعة و عاجلته و أنا في حيرة من أمري : ألا تهمك أخلاقها، تدينها، شخصيتها، طموحاتها؟ فارتفعت ضحكته ثانية و هو يقول : إلى أين تريدين الوصول بهاته الأسئلة؟ فأجبته بإصرار : أريد أن أعرف رأيك حقيقة! فتغيرت ملامح وجهه و هي يقول في جدية : أنت لازلت صغيرة و لا تعرفين الكثير عن العالم، لذا لا يمكن أن تكوني مكتملة بناء الشخصية... و أنا سأساعدك على تنمية شخصيتك كما يجب حين نكون هناك. أما الدين و الخلق فهو أمر مفروغ منه بما أن اختيار أمي الحبيبة وقع عليك... لذا لا يجب أن أقلق من تلك الناحية... في تلك اللحظة دخل والدي، فانسحبت بهدوء إلى غرفتي و أفسحت لهما المجال كي يناقشا موضوعهما المهم... دخلت إلى غرفتي و جلست إلى أفكاري و قد أدركت شيئا ما بكل مرارة : إنه لا يتهم بالتعرف إلي، لأنني لا أعني له شيئا... بل أنه يعتبرني لعبة سيقوم هو بتقويمها و تعديلها كيفما يشاء... و فهمت حينها لمَ وقع اختياره على فتاة صغيرة لم تختبر الحياة بعد : حتى يسهل عليه التحكم فيها، و بناء شخصيتها على طريقته! تبادلت و راوية نظرات حائرة و قلقة ثم قلت في جزع : ـ و علام استقر رأيك بعد كلامه ذاك؟ هزت دالية رأسها في استسلام : ـ لست أدري... فأنا في نهاية الأمر لا أزال غرة و خبرتي لا تقارن بخبرته... كما أن الغربة تساعد كثيرا على تنمية الشخصية... فأقول أحيانا بأن التجربة تستحق المحاولة، و هي ستشكل إثراءا كبيرا لحياتي... لكنني في نفس الوقت أشعر بقلق لا أدري مصدره... قاطعتها راوية في حدة : ـ كل هذا و لا تدرين مصدره؟ أنا أحدثك عن مصدره! مصدره هو هذا الرجل الأناني الذي يظن أنه يشتري بنات الناس بثروته و وجاهته الاجتماعية و يقمع شخصيتهن و يتحكمن فيهن كيفما يشاء كأنهن لم يكن شيئا قبله! إنها عقدة التفوق! يظن أنه اكتسب كل خبرة العالم و بناء على ذلك فتصرفاته سليمة مائة بالمائة و ما أنت إلا تحفة صغيرة و جميلة يضيفها إلى مجموعة تحفه... طبعا فهو أنفق الكثير من المال على الأثاث و الرياش و تلزمه تحفة أنيقة أخيرة ليزين بها كل ذلك! و هو طبعا إن أعجبه منظر التحفة فلن يفكر كثيرا في داخلها لأنه من السهل عليه أن يلمعها و يصقلها جيدا على طريقته حتى تناسب ذوقه في جميع الأوقات!!! يا حبيبتي يا دالية، ما الذي يجبرك على المضي في هاته التجربة التي لا تضمن لك أدنى فرص تحقيق ذاتك؟ ثم هو لم يذكر صفة مثقفة في تعريفه للمرأة المناسبة التي يبحث عنها... فما أدراك بأنه سيسمح لك بعد الارتباط بأن تواصلي تعليمك؟ ثم هو يريدك دائما جاهزة لخدمته و متعته... فهل سيقبل أن تنشغلي عنه بعمل ما يا ترى؟؟ عليك أن تفكري جيدا في كل هذه النقاط فالمسألة ليست هينة يا حبيبتي!! إنها رحلة عمر... تنهدت دالية من جديدة و هي تقول : ـ ربما كنت على حق... ربما علي أن أفكر جيدا في الأمر... ثم نظرت إلي مبتسمة و قالت : ـ قبل أن يدخل حسام في دوامة التأشيرة و معاملات السفر... ضحكنا معا ضحكات شابها بعض التوتر و القلق، قبل أن تستدرك دالية كأنها تذكرت شيئا مهما : ـ مرام... هل تذكرين ذاك الشاب المسيحي الذي أسلم... جاد... الذي طلبت من حسام أن يتصل به و يساعده على التعرف أكثر على الإسلام؟ فوجئت بسؤالها و نظرت إلى راوية مباشرة دون وعي مني... فوجدت وجهها قد شحب فجأة... فعاجلت دالية قائلة : ـ نعم... ما شأنه؟ ـ أنا آسفة لأنني تأخرت في إخبارك... فقد مضى على الحادثة حوالي أسبوعين... لكنني كنت مشغولة كما تعلمين. و حين حدثني حسام، فكرت بأنني سأتصل بك قريبا و أخبرك... لكنني سهوت عن ذلك لفترة و لم أذكر الأمر إلا البارحة... قاطعتها بنفاد صبر : ـ و لكن ما الأمر؟ قولي... ـ حسن... لقد أخبر حسام بأنه قد تعلق بالفتاة التي ساعدته على دخول الإسلام... و هو واثق من أنها تعلقت به هي الأخرى رغم أنها رفضت طلبه حين تقدم إليها... و طلب من حسام النصح و المشورة... فأخبره حسام بأنه يتفهم موقف الفتاة و خوفها من ارتباط مماثل قد يسبب لها توترات و مشاكل هي في غنى عنها... و لكن بإمكانه أن يطلب منهامنحه فرصة إضافية ليقنعها بأنه الشخص المناسب لها و أنه مستعد لفعل أي شيء لإسعادها... فحسم جاد أمره و هو عازم على القدوم إلى بلدنا في أجازته المقبلة... أوه يا إلهي... قال أن الأجازة تبدأ بعد أسبوعين! يعني أنها بدأت بالفعل... و قد يكون وصل! لقد تأخرت كثيرا... أرجوك يا مرام، أخبري تلك الفتاة بأنه سيتصل بها قريبا ليطلب موعدا مع والدها... و عبري لها عن أسفي الشديد لأنني تأخرت في إيصال الخبر، مع أنني لا أعرفها... هل أعرفها؟ ابتسمت في هدوء و أنا أرى راوية تشير إلي من وراء دالية بأن أجيب بالنفي... فقلت : ـ حسن سأبلغها... لا تقلقي... لم أجب على سؤالها الأخير... و الحمد لله أنها لم تصر. فقد التفتت إلى راوية كأنها تذكرت شيئا من جملة الأشياء الكثيرة التي نسيتها في الفترة الماضية : ـ و أنت يا حبيبتي... ما أخبارك؟ هل من جديد؟ فبادرتها هاتفة : ـ ألم تصلك الأخبار بعد؟ ابن عمتي طارق تقدم لخطبتها... و هي وافقت! احتضنت دالية راوية في سعادة مهنئة... في حين ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي راوية، و احمرت وجنتاها... و بدت في عينيها نظرة ساهمة، تشي بالدوامة التي وجدت نفسها فيها... |
#147
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ دفعت باب الحديقة في هدوء و أنا ألقي نظرة على السيارة المتوقفة أمام المستودع... طارق عندنا اليوم... خيرا إن شاء الله... قبل أن أتجاوز الباب الرئيسي تناهت إلي، كالعادة ضحكات أخي ماهر... ألا يكبر هذا الشقي و ينضج قليلا!! ضحكه العالي يصل إلى مسامع الجيران... كانت عمتي سهام و سارة تجلسان في قاعة الاستقبال رفقة أمي، في حين كان طارق يبادل ماهر الدعابات في غرفة هدا الأخير. ألقيت التحية و جلست في قاعة الاستقبال... و مند الوهلة الأولى لاحظت النظرة الغريبة التي طالعتني بها عمتي. صحيح أنها نظراتها كلها غريبة مذ جاءت إلى بيتنا أول مرة... لكنها نظرات مختلفة، نظرات عتاب... أو انزعاج... على أية حال، كنت أتوقع خيبة أملها من رغبة طارق في خطبة راوية، فقد تبعثرت أحلامها في لم شمل الأسرة من جديد عبر المصاهرة! لكنني تجاهلت تماما نظراتها تلك و اقتربت من سارة هامسة : ـ هل اتفق طارق مع عمتي على موعد زيارة والدي راوية؟ أشارت إلي سارة أن أغير الموضوع و هي تقول في صوت خفيض : ـ يبدو أنهما تجادلا في السيارة في طريق قدومهما... سأحدثك لاحقا بما حصل... رفعت رأسي لأجد عمتي تحدجني بنظرات فاحصة، فابتسمت بسرعة و أنا أقوم من مجلسي قائلة : ـ آسفة يا جماعة... لدي الكثير من الدراسة هاته الأيام، فالامتحانات على وشك أن تبدأ... لذا سأذهب إلى غرفتي... غادرت الصالة تتبعني دعوات أمي و عمتي بالنجاح و التوفيق. و ما إن أغلقت باب الغرفة خلفي حتى طرق أحدهم الباب. عقدت حاجبي في تساؤل و استغراب ثم فتحت الباب من جديد. كان طارق الذي سمع صوتي و وقع أقدامي في الرواق فتبعني! ـ آسف على الإزعاج... كنت فقط أريد أن أتحدث إليك في أمر ما، بعجالة... لن آخذ من وقتك الكثير... ـ طبعا... تفضل... بدا عليه بعض التردد ثم قال : ـ أمي ليست موافقة على ارتباطي براوية... لكنني وعدتها بأن أتقدم في أقرب وقت ممكن. و لا أريد بأي حال من الأحوال أن تشك في جديتي في مسألة الارتباط... لذلك، سأضطر إلى لقاء والدها و أمي غير راضية... على أمل أن تقتنع فيما بعد... لذا هلا أخبرتها بأنني سأزورهم في نهاية الأسبوع؟ نظرت إليه في دهشة... لكنني سرعان ما أومأت برأسي قائلة : ـ طبعا... سأخبرها... ـ شكرا جزيلا لك يا مرام... عاد طارق أدراجه إلى غرفة ماهر... و ماهي إلا لحظات قليلة حتى لحقت بي سارة إلى غرفتي. ارتمت على الفراش و هتفت في إعياء : ـ طارق المسكين... أبي يضيق عليه من أجل مسألة العودة النهائية إلى الوطن... و أمي تعكر عليه مسألة الزواج! جلست إلى جانبها و أنا أقول في اهتمام : ـ أخبريني... ما الذي حصل بين طارق و عمتي؟ اعتدلت سارة في جلستها مستعدة لحديث طويل، ثم تنحنحت و هي تقول : ـ حسن... أنت تعلمين كم أمي متعلقة بطارق، خاصة أنه ولدها الذكر الوحيد... و هي تخاف عليه كأنه لا يزال طفلا صغيرا، و عندما أعرب عن رغبته في الاستقرار في البلد شجعته على الزواج حتى تطمئن عليه بسرعة... لكنها كانت تفكر في ارتباطه بإحدى فتيات العائلة... يعني أنت أو حنان ابنة خالتي هيام... امتقع لوني مع جملتها الأخيرة، و واصلت سارة قائلة و هي تلاحظ تغير سحنتي : ـ لكن طارق أخبرها بأنك مرتبطة بحسام... و بما أن الخبر لم ينتشر بعد في العائلة و الخطبة لم تعلن رسميا، فهي كانت تميل إلى عدم تصديق ذلك... و أصرت على المحاولة، لكن طارق كان يمنعها بشدة في كل مرة تجنبا للإحراج... ثم حين أخبرها بأنه عزم على خطبة راوية، صديقتك، جن جنونها... و قالت بأنه إن لم يتزوجك أنت فالأولى أن يتزوج حنان... و هي ذهبت البارحة بالفعل لزيارة خالتي هيام، و حاولت جس النبض... و لعلها وجدت ترحيبا من خالتي و حنان نفسها فأصرت على رفضها لراوية... لكن كما ترين، طارق مصر على موقفه... و هي أكثر منه إصرارا، و لست أدري ما الذي سيحصل بينهما!! سرحت للحظات في مشكلة طارق، و مشكلة راوية... فطارق ممزق بين رغبته التي لا أدري ما دافعها، هل هو حب صادق أم تحد أم خداع لنفسه و للعالم... و بين رغبة والدته في لم شمل الأسرة من جديد. و راوية هي الأخرى ممزقة بين حبها القديم لجاد... و بين رغبتها في الخلاص من الدوامة التي تكاد تغرقها بتفكيرها المستمر في الصعوبات و العراقيل التي تعيق ارتباطهما... ماذا لو كان طارق غير واثق من مشاعره تجاه راوية... فهو حينها سيظلمها بإبعادها عن جاد و يظلم نفسه معها بزواج لم يكن مقتنعا به يوما! يا إلهي... يجب أن أعرف سبب تعلق طارق براوية و دوافعه الحقيقية من الارتباط بها... لكن كيف؟! التفتت إلى سارة التي كانت تتأملي ملامحي القلقة المتفكرة و على شفتيها ابتسامة غامضة، فقلت في اهتمام : ـ سارة... هناك مشكلة كبيرة... ترددت للحظات... لا يمكنني أن أخبرها عن مشاعر راوية السابقة نحو جاد، فقد يزل لسانها أمام طارق و يفسد كل شيء... ـ سارة، هل حدثك طارق عن ارتباطه براوية؟ نظرت إلي في استغراب و هي تقول في تساؤل : ـ ماذا تقصدين؟ قلت موضحة : ـ هل قال مثلا أنه يحب راوية، أو معجب بها... هل ذكر أسباب رغبته في الارتباط بها؟ رفعت سارة عينيها نحو السقف و عقدت حاجبيها في تفكير ثم قالت في بطء : ـ لست أدري... ربما... لكنه لم يفصح تماما... و لكنني أظنها تعجبه و إلا لما فكر في الارتباط بها... أليس ذلك منطقيا؟! تنهدت في يأس و أنا أقول في نفسي : لو كانت تصرفات البشر دائما منطقية، لانتشر السلام في أرجاء المعمورة... و لكن هيهات... فقد تعمي بعض المشاعر الطفيلية بصيرة الإنسان و تدفعه إلى تصرفات حمقاء لا يدرك نتائجها إلا بعد فوات الأوان! فكيف تفكر يا طارق؟ هل تحاول مجرد نسيان القصة القديمة... أم أنك شفيت منها و تبحث عن استقرار حقيقي؟! انتبهت إلى سارة التي لازالت تتأملني و نفس الابتسامة الغريبة على شفتيها و قلت : ـ و حنان؟ ماهو موقفه منها؟! هزت رأسها و هي تقول : ـ لقد رفض الذهاب إلى منزل خالتي هيام حين عرف عن رغبة أمي تلك في تزويجه من حنان... و هو إلى الآن لم يزرهم! أيمن جاء لزيارتنا... لكن حنان لم تأت... أليس الأمر غريبا؟ انتبهت إلى اتساع ابتسامة سارة و هي تطرح سؤالها الأخير و ترمقني بنظرة عميقة. ظهرت علامات الدهشة على وجهي و أنا أنظر إلى عيني سارة التي صارت تتصرف بغرابة. فقلت : ـ ما الغريب في الأمر؟ ـ أن طارق يزوركم باستمرار... في حين أنه لم يزر خالتي هيام أبدا! تملكتني الدهشة و أنا أقول في حيرة : ـ ربما كان يشعر بالحرج بما أنه يعلم أن عمتي تريد تزويجه من حنان! قاطعتني سارة : ـ لكنها كانت تريد منه الارتباط بك أنت قبل حنان... فلم لا يشعر بالحرج من لقائك؟ ـ سارة ماذا تقصدين؟ طارق يعلم أنني مرتبطة بحسام، و الأمر منته! هزت سارة كتفيها في لامبالاة و هي تقول : ـ لكن والدتك أكدت بأنك غير مرتبطة... و أنت لم تتحدثي معه عن حسام مجددا منذ قدومنا... كما أنك غاضبة من حسام مؤخرا، أليس كذلك؟ اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول في حيرة متزايدة : ـ و ما علاقة كل هذا بموضوعنا؟ ثم كيف سيعلم طارق بغضبي من حسام... توقفت الكلمات على لساني و نظرت إليها في عدم تصديق : ـ أنت؟! هزت سارة رأسها موافقة و هي تقول : ـ طارق كان يسألني باستمرار عن علاقتك بحسام... و أخبرته البارحة بأنك غاضبة منه للغاية و أنه سيسافر و يتركك... ـ و لكن لماذا؟! لماذا يسأل طارق عن علاقتي بحسام؟ و كيف تخبرينه أنت بكل التفاصيل؟ كيف؟! تجاهلت سارة سؤالي و هي تقول : ـ مرام... هل أنت منزعجة من ارتباط طارق براوية؟! أحسست بجمود ملامحي، فقد استفرغت كل دهشتي و لم يعد لدي طاقة لأعبر أكثر عما اعتراني من الذهول أمام نظرات سارة الغريبة و عباراتها الأغرب... لكنني نطقت بعد فترة من الصمت العجيب : ـ و ما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟ وقفت سارة و هزت كتفيها و هي تقول : ـ لست أدري... إحساس خامرني... كما أنك تتساءلين عن مشاعر طارق نحو راوية... فهل لديك تفسير آخر؟ وقفت بدوري في عصبية و أنا أهتف : ـ كنت أتساءل لأنني أتمنى لصديقتي كل الخير و أخشى أن يطلبها طارق دون اقتناع منه بما يفعل فيظلمها و يظلم نفسه! حاصرتني نظرات سارة و هي تتساءل : ـ و لم يطلبها دون اقتناع؟ ما الذي يدفعه إلى ذلك؟! حارت الكلمات على شفتي و لم أدر كيف يجب أن أتصرف. لكن سؤال سارة الموالي فاجأني للغاية : ـ هل تصالحت مع حسام؟ ـ و هل تشاجرنا لنتصالح؟! ـ و مسألة السفر... و المقاطعة؟! ـ حتى هذه أخبرت بها طارق؟! لماذا يا سارة؟ و أنا التي ظننتك تكتمين أسراري و تحافظين على كل ما يقال بيننا؟ و لكن ما يجنني هو ما الذي ينويه طارق و لماذا يتتبع تفاصيل علاقتي بحسام؟ ترددت سارة ثم قالت و هي تتوجه ناحية باب الغرفة : ـ ابحثي عن الجواب في نظراته... فهي تقول الكثير لمن يهتم بفهمها... ثم فتحت الباب و اختفت وراءه تاركة إياي في منتهى الدهشة... و الأسى... أيقظني من ذهول رنين هاتفي الجوال... إنها راوية! أحسست بالألم يعتصر قلبي... ما الذي سأقوله لها؟ ابن عمتي لا يزال يحبني و لم يطلب الارتباط بك إلا ليبقى قريبا مني؟! أجبت بعد تردد قصير فجاءني صوت راوية الحزين... تذكرت المشكلة الأخرى التي تتربص بها : زيارة جاد غير المتوقعة! ـ كيف حالك اليوم؟ هل اتصل جاد؟ ـ لا... ليس بعد... ساد صمت قصير قبل أن أقول و أنا أحاول إخفاء انفعالي : ـ طارق عندنا اليوم... لقد أخبري مند قليل بأنه ينوي زيارتكم في نهاية الأسبوع للقاء والدك... هل يناسبك الموعد؟ أجابت راوية بدون تردد... بل ربما بدا عليها الحماس، مما جعل قلبي ينقبض بشدة : ـ طبعا... لا بأس! سأخبر أمي حالا! لست أدري لم استوقفتها و أنا أقول في صوت ضعيف : ـ راوية... هل أنت مقتنعة بطارق؟ أحسست بدهشة راوية التي لم تجب على الفور، لكنها عاجلتني بسؤال آخر : ـ مرام... هل أنت مقتنعة بحسام؟ تملكتني الدهشة و أنا أجيب باعتراض : ـ ما هذا السؤال يا راوية؟ طبعا مقتنعة به! و إلا لما قبلت بالارتباط به! قاطعتني راوية و هي تقول : ـ لكنك لا تعرفينه! بل جل ما تعرفين عنه هي مواقف قليلة أثارت إعجابك... تمهلت قبل أن أرد عليها و أنا أفكر فيما قالت. لكنها واصلت قائلة : ـ مرام لا يمكنني الجزم الآن إن كنت مقتنعة بطارق أم لا، لأنني لا أعرفه جيدا... لكنني أدين له بإنقاذ حياتي و سمعتي... كما أنه شخص ملتزم و أخلاقه عالية، و إضافة إلى ذلك فهو يرغب في الاقتران بي... فأقل ما يمكنني فعله هو أن أمنحه فرصة إقناعي بنفسه... و لا يمكن أن يحدث ذلك إلا في فترة الخطوبة... استمعت إلى راوية بانتباه و لم أملك إلا أن أجيب : ـ نعم... أنت محقة! وضعت الهاتف، ثم ارتميت على الفراش في إعياء شديد... قلبي متعب، عقلي متعب، روحي متعبة... ما الذي أملك فعله من أجل حبيبتي راوية؟ سأكون مذنبة إن تركتها ترتبط بطارق دون أن أحذرها. أو ربما يمكنني أن أتحدث إلى طارق و أجعله يعدل عن قراره... أو إلى عمتي و أجعلها تصر أكثر على رفضها لزواجه من راوية... أو حتى عمي محمود، فأشجعه على رفض استقرار طارق هنا... كيف يمكنني أن أمنع مأساة من الوقوع دون أن يتحطم قلب ما؟ كيف؟ يا إلهي ألهمني الصواب... يا رب! فتحت سارة الباب فجأة فانتفضت في مكاني و انتصبت جالسة. نظرت سارة طويلا إلى الدموع التي تجمعت في مقلتي منذرة بالنزول... ثم قالت في صوت خال من التعابير : ـ لدينا ضيوف... خالتي هيام و حنان... و أيمن... غادرت سارة الغرفة بسرعة، مثلما ظهرت. سارعت بالوقوف و تعديل حجابي أمام المرآة و أنا أفكر... علاقتنا بعائلة عمتي هيام ليس جد مميزة, فهي على خلاف متواصل مع أبي حول مواضيع قديمة بخصوص الميراث و ما إليه، على خلاف عمتي سهام التي تحبنا كثيرا... أما حنان فهي من النوع المنطوي... و المغرور! صحيح أن سارة خجولة أيضا، لكننا كبرنا معنا و كنا مقربتين لزمن طويل. أما أيمن و حنان فلم أكن أراهما إلا في المناسبات و الأعياد... فما المناسبة التي دعتهم إلى زيارتنا هاته المرة؟! خرجت من غرفتي باتجاه قاعة الجلوس... فالتقيت في الرواق بطارق الذي خرج لتوه من غرفة ماهر. توقفت فجأة و التقت عيناي بعيني طارق... تذكرت في تلك اللحظة عبارة سارة : "ابحثي في عينيه عن الجواب" فغضضت بصري بسرعة و واصلت سيري بعد أن أفسح لي الطريق و تبعني في خطوات بطيئة... كنت أشعر بالاضطراب و أنا أحس بعينيه تتبعان حركاتي من ورائي... كانت عمتاي سهام و هيام تتبادلان الأحاديث رفقة أمي... في حين جلست حنان على الأريكة المقابلة في صمت و نظراتها مركزة على الباب. أيمن لم يكن هنالك. سارعت لأسلم على عمتي التي لم أرها منذ زمن بعيد، و جلست إلى جوار حنان التي لم تفارق عيناها المدخل. فجأة التفتت إلي وقالت : ـ أليس طارق هنا؟ التفتت إليها في دهشة... و لكنني لم أملك الجواب، فقد كان يسير خلفي و ظننته قادما لإلقاء التحية لكنه لم يظهر! تمالكت نفسي و ابتسمت قائلة : ـ إنه مع ماهر في الداخل... ثم سألتها بدوري : ـ سارة قالت بأن أيمن جاء معكم... ألم يدخل؟ ـ نعم... لكنه فضل البقاء في الحديقة... فهو خجول و لا يحب جلسات النساء... سكتت للحظات قبل أن تعاجلني في اهتمام : ـ لم لا تدعين طارق و ماهر و سارة و ننضم جميعا إلى أيمن في الحديقة؟ ثم أضافت ضاحكة : ـ و نترك العجائز يتبادلن أحاديثهن و ذكرياتهن المملة... تطلعت إليها في ذهول. كانت عيناها الخضراوان الجذابتان تلتمعان في سرور ظاهر، و هي تسوي خصلات شعرها الكستنائي في رفق و حرص. حنان تكبرني بسنة واحدة، لكن الناظر إلينا يجد فرقا شاسعا بيننا... فهي كانت تبدو باهتمامها المتواصل بمظهرها و هندامها سيدة مكتملة النضج... في حين تفضح ملابسي الفضفاضة و أظافري المقلمة قلة خبرتي في مجال الزينة و الأزياء... وقفت بناء على طلبها و توجهت إلى الداخل باحثة عن سارة. فتحت باب المطبخ فجأة فالتفت إلي طارق و سارة بحركة واحدة و قد توقفا عن الكلام... تلعثمت و أنا أقول في حرج : ـ هل تريدان الانضمام إلينا في الحديقة؟ حنان و أيمن يريدان الجلوس إليكما... أحنى طارق رأسه موافقا... في حين ابتسمت سارة نفس الابتسامة الغامضة التي باتت تثير اشمئزازي... و لست أدري كيف تمالكت نفسي بصعوبة حتى لا أصرخ في وجهها و أنا أعلم أنها كانت تقص على طارق تفاصيل الحوار الذي دار بيننا منذ قليل!! لماذا تفعلين هذا يا سارة؟ أعلم أنه أخوك... لكن يجب عليك أن توقفيه بدل أن تشجعيه و تساعديه! فالموضوع منته بالنسبة إلي... و لست أدري ما الذي تضمره يا طارق و ما الذي تخفيه من مفاجآت لي... و لراوية المسكينة! تحلقنا حول المائدة الصغيرة في طرف الحديقة. وضعت طبق الحلويات و العصير و أنا أرسم ابتسامة على شفتي أردتها أن تكون تلقائية قدر الإمكان و قلت : ـ تفضلوا... ما أجمله من لقاء بين أبناء العم... تناول أيمن كأسه و هو يقول في صوت مهذب و دافئ دون أن يرفع رأسه عن الأرض : ـ سلمت يداك... أما حنان فإنها أطلقت ضحكتها العذبة و هي تناول طارق كأسه، ثم تتناول كأسها بدورها و ترفع ساقها اليمنى فوق اليسرى ثم هتفت في حماس مخاطبة طارق : ـ ألا تحدثنا عن حياتك في أمريكا يا ابن الخالة؟ و الله إني عجبت حين عملت من أيمن أنك تنوي العودة النهائية قبل أن تقطف ثمار مشروعك الذي بدأته هناك... قاطعتها سارة في برود و هي تقول : ـ أخبرينا أنت أولا يا ابنة خالتي العزيزة... ماذا فعلت بدراستك؟ فقد سمعت أنك تخليت عنها قبل أن تقطفي ثمار شهادة ختم التعليم الثانوي... فوجئت بهجوم سارة غير المتوقع، و رأيت علامات الغيظ على وجه حنان الجميل و قد تشنجت أعصابها و همت بالدفاع عن نفسها أو ربما رد الهجوم و الثأر لكرامتها... لكنها توقفت فجأة. فقد كانت قبضة أيمن تطبق على ذراعها في شدة، و نظراته العميقة الحازمة جعلتها تهدأ بسرعة و تخفض رأسها في استسلام... كانت اللحظات الموالية أقل توترا... و استلم أيمن دفة الحديث و تبادل و طارق الحوار في مواضيع شتى... في حين تبادلت سارة و حنان نظرات حاقدة أراها للمرة الأولى في عيني كل منهما... ما الذي يحصل هنا؟ أي نوايا يخفيها كل منهم؟! كنت أتابع حوار أيمن و طارق في اهتمام حول التحولات الاقتصادية في البلاد، و أيمن يسدي النصائح إلى طارق بخصوص مشروعه الجديد... فأيمن هو أكبرنا، و قد اقترب من الثامنة و العشرين من عمره... فجأة خطر ببالي خاطر غريب جعلني أراقب حركات كل منهما... بدا لي أن طارق كان يقلد حركات أيمن! فطارق الذي أمامي مختلف عن طارق الذي زارنا منذ شهور... لكنه صار يشبه أيمن كثيرا، في نظراته الحيية إلى الأرض و في طريقة حديثه الهادئة المتزنة... و فجأة تذكرت أن طارق حين غادرنا بعد خيبة الأمل التي مني بها منذ بضعة شهور، قضى بقية فترة إقامته في البلد عند عمتي هيام، و لا شك أنه كان يلازم أيمن و قد تأثر بتصرفاته... ابتسمت و أنا أصل إلى ذاك الاستنتاج، و انتبهت فجأة إلى عيني سارة التي لاتزال تراقبني و تلحظ تصرفاتي... فيم تفكر يا ترى؟! رن الهاتف، فوقفت بسرعة لأجيب فارة من نظرات سارة التي صارت تشعرني بالحرج و القلق و الغضب! كانت دالية... ـ كيف سارت الأمور؟ أجابت دالية و علامات السرور تقفز بين كلماتها : ـ لقد رفضت وليد يا مرام! وجدتني أهتف في فرح كأنني أهنئها بإنجاز هام : ـ ألف مبروك يا دالية... أنت تستحقين من هو خير منه بألف مرة... وقعت عيناي فجأة على أيمن و طارق المنسجمين في حديثهما، فابتسمت دون أن أشعر... و تمنيت أمنية في سري. انتبهت لصوت دالية و هي تقول : ـ اطمئني الآن... حسام لن يسافر... اتسعت ابتسامتي و أنا أسألها : ـ و كيف قابل والدك الأمر؟ ـ لا تذكريني... أنا الآن محبوسة في غرفتي، لأن أبي غاضب من تصرفي و يراه طيش شباب... لأنه كان قد اتفق على مشروع مع وليد... كما أنه كان قد شرع في معاملات السفر... لكنني سعيدة، و حسام سعيد... و أمي أعطتني الحرية الكاملة لاتخاذ قراري... و لا داعي للقلق من ناحية أبي، فهو سيتقبل الأمر عاجلا أم آجلا... أعلم أنه لا يقدر على إجباري... و سعادتي بالنسبة له أهم من كل المشاريع... ابتسمت في جذل و أنا أتمتم : ـ الحمد لله... تمت الحلقة الحادية عشر بحمد الله |
#148
|
||||
|
||||
![]()
الحمدلله ان دالية رفضت
دالية عاوزة واحد يكون نفس شخصيتها مش بالمواصفات دى وجاد جه كمان ايه الحاجات الجديدة دى ان شاءالله جاد اللى هينتصر بس مش عارفة ازاى فيه مشاكل كتير جدااااااااااا
__________________
![]() |
#149
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
وراويه كمان صعبانه عليا أوووووووووي وجاد الله اعلم إيه اللي هيحصل معاه قصاد طارق طب تفتكري هل فعلا طارق إتغير ولا شكليات بس؟؟؟ ![]() |
#150
|
||||
|
||||
![]()
انا طارق ده مش مستريحة له خلاص
انا عندي احساس انه رواية هتتخطب لجاد والله اعلم مستنين نشوف الباقي ان شاء الله
__________________
أجمل شي في الحياة حينما تكتشف وجود أناس قلوبهم مثل اللؤلؤ المكنون في الرقة واللمعان .. والصفاء والنقاء .. قلوبهم تحمل الحب والعطاء .. اللهم احفظهم واكرمهم واجمعنا بهم تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم ياارب لا تحرمنا من وجودهم فى حياتنا آمييييييييييين يا رب العالمين. |
العلامات المرجعية |
|
|