اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #151  
قديم 14-08-2009, 09:08 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت دمنهور مشاهدة المشاركة
انا طارق ده مش مستريحة له خلاص

انا عندي احساس انه رواية هتتخطب لجاد والله اعلم

مستنين نشوف الباقي ان شاء الله
أختي الغاليه

انا كمان مش بستريح لطارق وبحس إنه مش إتغير عشان يرضي ربنا هو إتغير عشان حاجه تانيه هو عايز يوصلها

والله أعلم إحساسك صح ولا غلط من ناحيه موضوع راويه وجاد " ربنا يكرمهم "

تعالي نكمل بقية الأحداث
__________________
  #152  
قديم 14-08-2009, 09:19 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة الثانية عشر


ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



تربعت على السرير و قد احتضنت الكتاب الضخم في محاولة عابثة للتركيز على الدرس و الاستعداد لامتحان الغد الذي لم ينل مني نصيبا يذكر من المراجعة... لكن ذهني كان يذهب بعيدا في كل مرة... يسرح في المشاكل التي صارت تؤرقني مؤخرا...

وقعت عيناي على سارة التي كانت تجلس إلى حاسوبي منسجمة في لعبتها الجديدة. لم أتحدث معها كثيرا منذ مساء الأمس بعد أن انصرفت خالتي هيام و أبناؤه. ادعيت أنني أعاني من أوجاع في رأسي و أغلقت الغرفة على نفسي...

فجأة خطرت ببالي فكرة... فقلت بصوت منخفض قليلا، أردته أن يصل إلى مسامع سارة، و أنا أتنهد بعمق :
ـ آه... كم اشتقت إليك يا حسام...

ابتسمت و أنا ألاحظ أصابع سارة التي توقفت عن الضغط على أزرار لوحة المفاتيح دون أن تلتفت إلي... لكنني كنت متيقنة من أنها سمعتني.
عدت إلى كتابي من جديد و تظاهرت بالتركيز الشديد... لم أرفع رأسي إلا حين بادرتني سارة بقولها و هي تدير إلي كرسيها :
ـ مرام... هل سافر حسام إلى كندا؟

هززت رأسي في عنف نافية و أنا أقول :
ـ يسافر؟ لا يمكنه أن يسافر و يتركني! لقد جعلته يعدل عن قراره... و إن شاء الله سيتقدم لي ثانية عند نهاية السنة الدراسية... و هاته المرة ستكون خطبة رسمية حتى لا يبقى لأحد شك في جدية علاقتنا...

رمقتني سارة بنظرة فاحصة... لكنني ابتسمت و أنا أستطرد مداعبة :
ـ و إن شاء الله نفرح بك قريبا أنت أيضا!

ابتسمت سارة بدورها و أطرقت في خجل, فواصلت و أنا أتظاهر بالتفكير العميق، و أنا أعلم يقينا أن كل كلمة نقولها ستصل إلى طارق إن عاجلا أم آجلا :
ـ أليست حنان مناسبة لطارق؟ ما رأيك؟ يبدو أنها معجبة به... كما أن عمتي تروقها الفكرة كثيرا...

قاطعتني سارة في حدة :
ـ ما الذي تقولينه؟ حنان؟! أبدا!! لن أسمح لها بالزواج من أخي...

نظرت إليها في استغراب و قلت :
ـ و لم كل هذا التحامل على حنان؟ إنها ابنة خالتك... كما أنك لم تريها منذ زمن طويل... فمتى نشأت هاته العداوة بينكما؟! فقد لاحظت أنكما كنتما تتبادلان نظرات حادة مساء البارحة...

أطرقت سارة في تردد... ثم رفعت رأسها بعد صمت قصير :
ـ أكرهها... و لا أريدها أن تتزوج طارق!

اقتربت منها و قلت في هدوء :
ـ و لكن لمَ تكرهينها؟ ما الذي حصل بينكما؟!

هزت سارة كتفيها في لامبالاة :
ـ لم يحصل بيننا شيء... فأنا رأيتها للمرة الأولى منذ 5 سنوات، مساء البارحة...

ازداد استغرابي و أنا أتطلع إلى سارة التي تبدلت ملامحها و هي تقول :
ـ لكن طارق حدثني عن أفعالها...

ـ طارق؟!

ـ نعم، حين زارهم في رحلته السابقة... كانت تصرفاتها سيئة... بل فظيعة!

لم يبد علي أنني استوعبت أو فهمت الكثير مما تشير إليها، فصرخت سارة في انفعال و قد تعبت من بلادة ذهني الغريبة :
ـ كانت تحاول إغراءه و التقرب إليه!

حدقت فيها في عدم تصديق... فنهرتني في عنف :
ـ لا تنظري إلي هكذا ! أنت تعلمين أن جدي رحمه الله كان يقول دائما حين كنا أطفالا بأن سناء لأيمن و حنان لطارق... و أنه خصص جزءا من الميراث لأربعتهم إن هم ارتبطوا... لكن أيمن لم يكن يريد سناء... و الحقيقة أنهما ليسا من الصنف نفسه... و قد حصل الخلاف بين أمي و أخوالي حول الميراث منذ زمن... و لازالت الخلافات تطفو على السطح في كل مناسبة... و هو ما سبب شبه القطيعة بين خالتي هيام و أخوالي الذكور... حين طالبت بنصيب أيمن في الميراث، في حين رأى خالي مراد بأن يقسم بين الإخوة بالعدل بما أن أيمن و سناء لا يعتزمان الارتباط... و ها قد تزوجت سناء مايكل و انتهى الأمر... أمي لم تطالب بنصيب سناء و لا طارق، لأنها لم تكن مهتمة بالميراث أصلا... و هاهي خالتي هيام تثير الموضوع من جديد... و تحرض أمي على تزويج حنان من طارق... لكن حنان مستعدة لفعل أي شيء من أجل الميراث... حتى أنها حاولت إغراءه بأساليبها القذرة...

كنت أنظر إلى سارة التي تلهث من فرط الانفعال و قد اتسعت عيناي دهشة :
ـ حنان؟! مستحيل!

هزت سارة رأسها و هي تردد :
ـ بلى... بلى... صدقي يا عزيزتي... فهي شخص طماع، لا تحكمها أخلاق و لا مبادئ... كل همها المال و الجاه و الثراء... ألا ترين كيف تتبرج و تتزين؟!

ـ هل من المعقول أن يحدث الميراث كل هاته البلبلة بين الإخوة و أبناء العم؟

ثم أضفت ضاحكة :
ـ كان يجب أن نحتج أنا و أنت لأن جدي لم يذكرنا في وصيته! لكن الحمد لله أنه لم يربطني بأحد من العائلة... لا أتمنى أن أكون في موقف سناء و لا حنان ! الأولى تجد نفسها غير مرغوب فيها... و الثانية تطارد الميراث بكل إصرار!!!


وقفت فجأة و قد خطرت ببالي فكرة ما و خرجت من الغرفة و عيون سارة تتبعني في استغراب. بحثت عن أمي في أرجاء المنزل، ثم وجدتها أخيرا في المطبخ... تطهو حساءها المميز...

دفعت الباب في هدوء و استنشقت الرائحة الذكية التي تنبعث من آنية الحساء و هتفت :
ـ الله... سلمت يداك يا أمي الحبيبة...

ثم اقتربت منها و عانقتها في حنان. ربتت على ظهري و ابتسامة حانية على شفتيها. ثم نظرت إلي نظرة فاحصة و قالت :
ـ ما الذي جعلك تتركين دراستك؟ هل أنهيت المراجعة؟

هززت رأسي في نفي و قلت في ضجر :
ـ المراجعة لا تنتهي مهما قضيت فيها من الوقت... لذا يجب أن أروح عن نفسي بين الفينة و الأخرى ((فإن القلوب إن هي كلت عميت)) و أنا لا أريد لقلبي أن يصيبه العمى... و لا حتى قصر نظر!

ضحكنا معا للدعابة... ثم سكتت لبرهة قبل أن أستطرد في اهتمام :
ـ أمي... ماهي قيمة الميراث الذي أوصى به جدي لحنان و طارق؟
تطلعت إلي أمي و قد اتسعت ابتسامتها :
ـ هل يشغل بالك هذا الموضوع؟ هيام و سهام لم تتحدثا إلا عن هذا مساء البارحة!

ثم اقتربت من الطاولة التي أجلس إليها و هي تقول :
ـ جدك يا حبيبتي خصص لأيمن و سناء منزل المزرعة بكل محتوياته... و خصص لطارق و سناء الإسطبل و الزرائب... وقيمتها لا تقل كثيرا عن قيمة المنزل...

اتسعت عيناي دهشة :
ـ المنزل و الإسطبل! ليس بالشيء الهين فعلا! و لكن لماذا لم يخصص نصيبا لبقية أحفاده أيضا؟

جذبت أمي الكرسي المجاور و جلست و هي تقول :
ـ جدك كانت له دوافعه... فأنت تعلمين أن النصيب الشرعي لبناته هيام و سهام هو نصف نصيب أبنائه من الذكور... لكن البنات و هبنه الأحفاد قبل الأولاد، فأحب أيمن و سناء و طارق و حنان كثيرا... لأنهم ملؤوا عليه البيت في وحدته حين تقدم في السن... ففكر حينها بأن يضمن مستقبلهم و ييسر لهم الزواج لوعيه بارتفاع الأسعار و صعوبة الزواج للأجيال القادمة...

قلبت شفتي في حيرة و أنا أقول :
ـ تفكير جميل ... و لكن إن كان يريد مساعدتهم فلم يضع شروطا؟ ألم يفكر بأنهم قد لا يتوافقون في الطباع و الميولات و قد لا يرغب أحدهم في الآخر؟ و الدليل هو زواج سناء من أمريكي... و خطبة طارق لراوية... يعني لا أمل!

قاطعتني أمي قائلة :
ـ لكن رغبته في مساعدتهم كانت مرتبطة برغبته في لم شمل الأسرة من ناحية... و عدم تقسيم الميراث و ضياعه من جهة أخرى... فوضع شرطا لهبته أن يرتبط أبناء الخالات ببعضهم لبعض! و الآن الجدال لا ينتهي حول كيفية التصرف في المنزل لأن ارتباط سناء بأيمن لم يعد واردا

تنهدت في حزن و أنا أهمس :
ـ مشاكل جديدة... نحن في غنى تام عنها...




__________________
  #153  
قديم 14-08-2009, 09:36 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ



فتحت عيني بصعوبة و أنا أسمع صوتا مألوفا لدي يتردد في أذني... يبدو أنني قد غفوت فوق الكتاب! فركت عيني في تكاسل في حين لم ينقطع الصوت الحاد... ما هذا؟ تلفتت حولي و أنا لم أتخلص بعد تماما من آثار النوم... نظرت صوب المكتب... سارة لم تعد جالسة عند الحاسوب... الصوت لا يتوقف... إنه رنين هاتفي الجوال! أين هو؟ أين اختفى؟ قلبت الوسادة باحثة تحتها، ثم أبعد المرجع عن ركبتي... أوه... يبدو أنه هناك عند المكتب... وقفت بصعوبة... آه وجدته أخيرا!

ضغطت على زر الإجابة قبل أن أتأكد من المتصل و قلت بصوت مبحوح :
ـ السلام عليكم...

جاءني صوت راوية صارخا من الطرف الآخر :
ـ مرام! أين كنت؟! اتصلت بك عدة مرات و أنت لا تردين! هل كل شيء على ما يرام؟ وماذا به صوتك؟ هل أنت مريضة؟

تنحنحت لأطرد البحة عن صوتي وقلت مبتسمة :
ـ كنت نائمة فقط... لكن يبدو أن نومي كان ثقيلا جدا...

سارعت راوية تقول :
ـ الحمد لله... كنت أريدك في أمر هاااام...

عقدت حاجبي في اهتمام و قلت :
ـ خيرا

ـ أريدك أن تكوني معي مساء الغد!

قلت متسائلة :
ـ لم؟ ما الأمر؟

بدا نفاد الصبر في لهجة راوية و هي تهتف :
ـ مرااام... هل فقدت الذاكرة؟ ألست أنت من أخبرني بأن طارق سيأتي للقاء والدي؟!

ـ نعم، نعم... طبعا... آسفة... فقد استيقظت للتو و لم أسترجع كامل قدراتي على التركيز... حسن، سأحاول...

صرخت راوية في استنكار هاته المرة :
ـ تحاولين؟!!!! و هل قلت لك بأنني سأحاول حين طلبت مني أن أكون إلى جانبك حين قدوم حسام؟ هنت عليك يا مرام!!! طيــــــــــــــــــب...

ابتسمت للهجة راوية المهددة التي تمثل الانكسار و الحزن و قلت :
ـ ألا يكفي أن الخاطب هو ابن عمتي؟ أم تريدين أن تجمعي العائلة عندك؟!

و الحقيقة أنني لم أكن متحمسة جدا... خاصة بعد الأحداث الأخيرة في بيتنا... و مواقف طارق المتناقضة... حتى أنني ظنته سيعدل عن خطبته لراوية في آخر لحظة.

تنهدت أخيرا و أنا أستمع إلى سيمفونية إلحاح و إصرار من طرف راوية و قلت أخيرا :
ـ طيب... أكون عندك غدا على الساعة الخامسة... أليس الموعد على السادسة؟

تنهدت راوية في ارتياح و هي تقول :
ـ جميل... و لكن هنالك أمر آخر...

ـ خيرا إن شاء الله...

ـ جاد...

ارتميت على السرير إلى جانبي و قلت في دهشة :
ـ ما به؟

تغير صوت راوية و هي تقول :
ـ لقد اتصل...

حاولت أن تظهر اللامبالاة في صوتي و أنا أتساءل :
ـ و ماذا يريد؟

ـ يريد لقاء والدي!

قلت في انتباه و تركيز شديدين محاولة سبر أغوار حبيبتي راوية :
ـ و بم أجبته؟

تنهدت راوية و قد بدا الانفعال في صوتها :
ـ طبعا رفضت... فموعد طارق قد تحدد و انتهى الأمر...

ـ و كيف كانت ردة فعله؟

سكتت راوية للحظات ثم قالت في تردد كأنها في شك مما ستقوله :
ـ غريب... لقد بدا هادئا... لم يلح و لم يسألني لماذا!

انتقلت الدهشة إلي... نعم غريب، فهو جاء إلى البلد خصيصا للقاء راوية و إقناعها بالارتباط... فهل غير رأيه بسهولة؟ هل استسلم هكذا دون محاولة جادة؟

ظلت تلك الأفكار تحوم في رأسي إضافة إلى مشكلة الميراث طوال المساء...
ما الذي يخفيه الغد يا ترى؟


جهزت نفسي بسرعة... فقد نسيت نفسي و انغمست في المراجعة... لدي امتحانات هامة الأسبوع المقبل و طارق لم يختر إلا هذا الأسبوع ليقرر التقدم لراوية! الله أعلم بحال راوية الآن... أشك في أنها وجدت ذرة من التركيز لتراجع لامتحان بعد غد... مسكينة يا راوية!
وقفت عن الباب مستعدة للخروج و هتفت :
ـ أمي... أنا ذاهبة إلى منزل راوية... هل تريدين شيئا من البقالة في طريق عودتي؟

جاءني صوت أمي من الغرفة الداخلية :
ـ سلامتك يا حبيبتي... بلغي سلامي إلى راوية و والدتها...

ـ طيب... السلام عليكم...


وصلت إلى الشارع الذي يقع فيه منزل راوية... و فجأة تذكرت أن منزل حسام يقع في نفس الشارع... و لكنني بطبيعة الحال لا أعرف أيها هو! لأنني منعت نفسي من زيارة راوية منذ اتفقت مع حسام على قطع اتصالنا!

وصلت إلى منزل راوية فقرعت الجرس... ثم تلفتت حولي في محاولة أخيرة لتمييز منزل حسام... فجأة توقف بصري عند أحد المنازل على الجهة الأخرى من الشارع... لم يكن في المنزل شيء ملفت للنظر يدعوني إلى الاعتقاد بأنه المنزل المقصود... لكنني لمحت شخصا أعرفه يقف أمام الباب، و يقرع الجرس... شخص لم يكن سوى سهير زميلة حسام في الدراسة، و صديقة دالية منذ زمن! للحظات أحسست بحرارتي ترتفع و قد تركزت عيناي على تلك الفتاة التي انتابتني نحوها مشاعر غريبة لم أعرفها من قبل... مشاعر يطلق عليها البعض اسم... الغيرة!

انتبهت على صوت والدة راوية التي فتحت الباب و هي تدعوني إلى الدخول فابتسمت في ارتباك و همهمت بكلمات غير مفهومة و تبعتها إلى الداخل...

سارعت راوية إلى لتعانقني، ثم أخذت بيدي و دخلنا غرفتها لنسترسل في أحاديثنا التي لا تنتهي... مرت الدقائق سريعة، و فجأة سمعنا رنين جرس الباب يرتفع... تطلعت إلى ساعتي في دهشة و أنا أقول :
ـ إنها الخامسة و النصف... هل جاء طارق متقدما على موعده؟

في تلك اللحظة دخلت علينا منال، أخت راوية الصغرى و التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها و هي تهتف في فرح :
ـ جاء العريس... جاء العريس...

جذبتها راوية في سرعة و أغلقت فمها بكفها حتى تهدأ ثم سألتها في لهفة :
ـ كيف وجدت العريس؟ هل يبدو وسيما؟

ضحكت منال في براءة و هي تقول :
ـ إنه طويل القامة... و جميل... و قد ابتسم لي و مسح على شعري... كما أحضر معه هدايا...

ابتسمت راوية في سعادة و هي تهمس لمنال :
ـ هيا عودي إلى هناك و أخبريني عما يقال في الصالة أولا بأول...

هزت منال رأسها موافقة و نطت خارج الغرفة فورا...

نظرت إليها في دهشة و قلت متضاحكة :
ـ طارق طويل؟ لم ألاحظ أن طوله يجلب الانتباه!

ابتسمت راوية قائلة :
ـ لكنه بالطبع سيبدو طويلا بالنسبة إلى منال!

كان التوتر باديا على راوية... ابتسمت و أنا أتذكر نفسي يوم لقاء حسام مع والدي... نعم من حقها أن تتوتر... جلست إليها محاولة تخفيف حدة توترها بتبادل الأحاديث المختلفة... ثم فجأة ظهرت أمامنا منال ضاحكة و هي تقول :
ـ أبي يبدو معجبا جدا بالعريس... و هو يسأله عن مشاريعه في المستقبل... لكن لهجته غريبة نوعا ما...

نظرت إلي راوية في تساؤل، فقلت :
ـ ربما تأثرت لهجة طارق بطول إقامته في أمريكا... لكنني وجدت أن التغيير بسيط و لا يثير الانتباه... يبدو أن منال دقيقة الملاحظة!

سارعت منال بالتوضيح :
ـ لست أنا من لاحظ ذلك، لكن أبي سأله... فقال بأنه قضى فترة طويلة نسبيا في البلد و هو يحاول أن يجيد اللهجة كما يجب...

قاطعتها راوية في تشكك :
ـ تقصدين فترة طويلة في أمريكا!

عقدت منال حاجبيها في تشكك قبل أن تقول في تسليم :
ـ ربما... لست أذكر!

ثم قفزت من جديد لتختفي من أمامنا...

عادت بعد لحظات و هي تقول :
ـ العريس يقول بأنه يريد إقامة عيادة خاصة للاستقرار هنا، بعد أن ينتهي من دراسة التخصص...

التفتت راوية إلي محاولة ترجمة كلمات منال :
ـ ربما يقصد بأنه يريد أن يقيم عيادة لي بعد أن أنهي تخصصي! رائع يا مرام رائع!

قاطعتها منال في استغراب :
ـ لكنه قال بأنه هو من سيشرف على العيادة!

نظرت إليها راوية في تشكك و قالت :
ـ أنت لا تجيدين نقل جملة واحدة صحيحة! طارق لم يدرس الطب حتى تكون له عيادة! بل تخصصه هو التجارة!

تطلعت إليها منال في لامبالاة و هي تقول :
ـ لكنه يبدو مناسبا كطبيب!

ثم ركضت إلى الخارج من جديد...

اقتربت مني راوية و هي تقول :
ـ ما رأيك في أن نلقي نظرة... أريد أن أرى كيف يبدو!

ابتسمت و أنا أقول :
ـ و لكننا سنجلب الانتباه... كيف يمكننا الاقتراب من الصالة دون أن يشعروا بنا؟

جذبتني راوية من ذراعي و هي تقول :
ـ هناك ركن في المطبخ يمكننا من خلاله رؤيتهم دون أن يحسوا بنا أو يرونا... تعالي...

جذبتني من ذراعي و تقدمنا نحو المطبخ... في تلك اللحظة رن جرس الباب من جديد. اقتربت راوية من النافذة و هي تتمتم :
ـ من تراه يأتي الآن؟

فتحت والدة راوية الباب... و فجأة ظهر شخص أمامنا و هو يقول في اعتذار :
ـ آسف يا خالة لأنني تأخرت عن الموعد... لقد تعطلت السيارة في الطريق و اضطررت إلى أخذها إلى مستودع التصليح قبل أن أستقل سيارة أجرة و آتي إلى هنا...

كانت الدهشة بادية في عيوننا جميعا... أنا و راوية و والدتها في حين وقف طارق و قد بدا عليه الارتباك أمام الباب المفتوح... مستغربا من الاستقبال الجاف الذي لقيته به والدة راوية...

لكن السؤال الذي كان يتردد في أذهاننا جميعا في تلك اللحظة : من يكون الشاب الذي وصل قبل ساعة و يجلس إلى والد راوية في الصالة؟

اقتربت راوية من ركنها الخفي في المطبخ، و مدت عنقها متطلعة إلى الصالة، ثم شهقت شهقة كتمتها بكفها في سرعة و همست لي و قد اتسعت عيناها دهشة :
ـ جـــــــــــاد!!!
__________________
  #154  
قديم 14-08-2009, 09:39 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




كنت أقف إلى جانب راوية و قد اشرئب عنقي لأنظر إلى ما يحصل على بعد أمتار منا، عند مدخل الصالة، حيث كان يجلس والد راوية مع جاد، ثم انضم إليهما والدتها و طارق الذي وصل للتو... كان الجميع يتبادلون نظرات متسائلة... لكن الأكيد هو أن الذهول كان قد سيطر على الجميع... إلى أن بادر والد راوية إلى الشابين الواقفين قبالته و سألهما :
ـ من منكما ابن عمة مرام، صديقة راوية؟

هنا تكلم طارق بكل ثقة :
ـ أنا يا عمي!

عندئذ التفت والد راوية إلى الشاب الذي ظل يحاوره لأكثر من ساعة و قال :
ـ و أنت... من تكون يا بني؟

ابتسم جاد و قال :
ـ ظننت أنني حدثتك عن كل شيء يخصني يا عمي!

بدا الحرج على والد راوية و هو يقول متداركا :
ـ نعم... لم أقصد ذلك يا بني... لكن كيف جئت إلى هنا... و كيف تعرف راوية؟ و هل هي على علم بقدومك اليوم لتطلب يدها؟

اتسعت ابتسامة جاد و هو يجيب :
ـ كنت أنتظر أن تطرح علي ذاك السؤال منذ البداية... لأن الآنسة راوية لا تعلم بقدومي اليوم... و لذلك استغربت حفاوة ترحيبكم بي، فقد بدا أنكم على علم مسبق!

قاطعه طارق في حدة :
ـ كانوا على علم بقدومي أنا... لكن سيارتي تعطلت في الطريق مما تسبب في تأخيري ساعة كاملة عن الموعد!

ثم التفت إلى والد راوية و هو يقول في ود :
ـ أنا آسف حقا يا عمي... أعتذر ثانية عن التأخير، فما حصل كان خارجا عن طاقتي...

هز الوالد رأسه متفهما و عاد إلى جاد قائلا :
ـ أكمل يا بني...

نظر جاد مبتسما إلى طارق كأنه يأخذ إذنه لمواصلة حديثه بعد أن قاطعه هذا الأخير... فاحمر وجه طارقا حرجا!
ـ في الحقيقة، يا عمي... أنا لست من بلدكم، لكنني أقمت هنا لعدة سنوات من أجل الدراسة... و حين جئت إلى هنا كنت مسيحيا...

توقف للحظات ليلمح علامات الدهشة في عيون المحدقين به التي اتسعت عن آخرها... ثم استطرد قائلا :
ـ لكنني أسلمت و الحمد لله... و الفضل يعود لله، ثم للآنسة راوية...

هنا تكلمت والدة راوية و هي تعقد حاجبيها و مركزة نظراتها على جاد :
ـ نعم... تذكرت! إذن أنت هو!

التفت إليها زوجها و هو يقول في استغراب متزايد :
ـ هو من؟

ـ لقد فاتح راوية في الموضوع منذ بضعة شهور... فحدثتني بالأمر... لكنني...

ألقت نظرة جانبية على جاد و هي تواصل :
ـ لكنني رأيت أنه لا فائدة من مفاتحتك في الأمر... لأنني وجدت المسألة شديدة التعقيد...

بدت علامات السعادة في عيني جاد و صوته و هو يقول في عتاب :
ـ سامحك الله يا خالة... لم ترينها بمثل هذا التعقيد؟

نظرت إلى راوية التي كانت تقف ملتصقة بي، نظرا لضيق المكان، فرأيت وجنتيها قد احمرتا... نعم، ها قد تأكد جاد أخيرا بأنه لم ترفضه لأنها لا تريده، بل لأن والدتها كانت تجد المسألة معقدة! و راوية المسكينة لم تستطع إخباره بالحقيقة...
ابتسمت و أنا و أقرص وجنتها مداعبة لتحمر أكثر و أكثر...

هنا تعالى صوت طارق و هو يقول في حزم :
ـ أنا آسف يا أستاذ... و لكنني هنا بعلم راوية و موافقتها... و بما أن طلبك قد تم رفضه منذ عدة أشهر، فأظن من حق راوية أن ترتبط بمن أعطته موافقتها، و ظروفه مناسبة و مرضية لعائلتها!

قاطعه جاد في انفعال :
ـ أنا واثق من أن الآنسة راوية إن أعطيت حرية الاختيار فإنها كانت ستوافق علي حتما... لكن ظروفي بدت معقدة نوعا ما بالنسبة إلى والدتها... و أنا مستعد لمناقشة ما يريدون، و ليس من المستعصي أن نصل إلى اتفاق!

وقف طارق و قد اشتعل وجهه :
ـ عن أي اتفاق تتحدث؟! يبدو أنك لم تفهم الوضع جيدا! حكايتك مع راوية انتهت قبل أن تبدأ... لأنها بصدد الارتباط بشخص آخر! لذا أرجوك قف جانبا و لا تثر أعصابي أكثر من هذا!

تذكرت فجأة مشهد طارق و هو يمسك بالشاب الذي حاول الاعتداء على راوية في المنتزه بعد أن كال إليه عددا من اللكمات... هل تراه يدخل في عراك مع جاد؟! صحيح أن جاد أطول قائمة من طارق، لكن طارق أكثر امتلاءا و قبضته قوية!

وقف والد راوية و ربت على كتف طارق مهدئا و هو يقول :
ـ على رسلك يا بني... سنحل كل شيء بهدوء و روية... اجلس أرجوك...

التفت إليه طارق و هو يهتف :
ـ ألا ترى يا عمي أي موقف وضعت فيه؟ أصل متأخرا بساعة واحدة... لسبب خارج عن نطاقي... فأجد من يريد أن يأخذ مني الفتاة التي أريد خطبتها! لو كنت أعلم، لكنت تركت السيارة في عرض الطريق و جئت ركضا!

تبادل والد راوية و والدتها نظرة طويلة و قد انتابتهما الحيرة و القلق. لكن جاد قطع حبل الصمت قائلا :
ـ أنا آسف حقا بسبب البلبلة التي حصلت... فلم أكن أعلم أن الآنسة راوية كانت على وشك الارتباط بشخص آخر... و إلا لما كنت تدخلت و أفسدت الخطبة...

تألقت عينا طارق بنظرة الانتصار... لكن جاد واصل حديثه في جدية :
ـ لكنني أحس بأن ما حصل كان مقدرا، و أن لله حكمة في ذلك! فوصولي قبل الأستاذ طارق، و العطل الذي أصاب سيارته و هو في طريق إلى هنا... كلها علامات تؤكد بأن لله حكمة ما...

وقف طارق من جديد و قد تحولت نظرته إلى الغضب :
ـ ما الذي تقصده؟

نظر إليه جاد مباشرة و في عينيه نظرة رزينة هادئة :
ـ لا أقصد شيئا... و لكن وصولي قبلك، يعني أنه من حق الآنسة راوية و عائلتها إعادة النظر في طلبي... و من حقهم اختيار الأفضل لابنتهم!

جلس طارق أخيرا و هو يشد على أسنانه في حنق ظاهر، لكن والد راوية تكلم أخيرا ليقول :
ـ أظن أنك على حق يا بني... يجب أن نعيد النظر في الموضوع... سأتحدث إلى راوية أولا... ثم أوافيكم بقراري المبدئي...

بدت علامات الاعتراض على وجه طارق و هو يقول :
ـ و لكن... و لكن يا عمي...

ربت والد راوية على كتفه من جديد قائلا :
ـ لا تقلق يا بني... أنت تؤمن بالقضاء و القدر، أليس كذلك؟ إذن لا داعي للقلق!

انصرف الشابان الواحد تلو الآخر و هما يتبادلان نظرات لا توحي بحسن العلاقة بينهما! تسللنا من مخبئنا أنا و راوية، لنعود إلى غرفتها و نحن نلهث من شدة الانفعال... و فجأة تملكت راوية نوبة ضحك هستيري... لم تستطع التوقف عنها حتى و أنا أهددها بإفراغ كأس ماء فوق رأسها... ثم تمالكت أنفاسها أخيرا و هدأت قليلا... ثم... احمرت عيناها، منذرة بقرب تهاطل الدموع!

افتربت منها و احتضنتها في قلق :
ـ راوية حبيبتي... ما بك؟ هل جننت؟ تمالكي نفسك أرجوك!

تسللت الدموع من عينيها و هي تقول :
ـ مرام... لا يمكنني أن أرفض طارق هكذا... ما ذنبه! كما أنني لا أدري إن كان والدي سيوافق على جاد حين يحيط علما بحقيقة ظروفه كاملة! أخاف أن أخسر الاثنين في لحظات!

ابتسمت و أنا أهمس في رفق :
ـ توكلي على الله يا أخية... توكلي على الله... أرأيت ثقة جاد و ثباته؟ أنا مؤمنة معه بأن لله حكمة ما في كل ما حصل! من كان يصدق أن كل شيء ينقلب رأسا على عقب في اللحظات الأخيرة؟!

رفعت رأسها إليها متسائلة في حذر:
ـ يعني أنك لن تستائي مني إن رفضت طارق؟

هتفت بسرعة مطمئنة :
ـ بالعكس!

ثم بدا لي أنني بالغت في حماسي بعض الشيء فأردفت :
ـ المهم هو أن اختيارك مبنيا على اقتناع و ارتياح نفسي... لا تدعي لأية ظغوطات خارجية المجال لتؤثر على قرارك...

ابتسمت راوية و هزت رأسها مؤيدة...
في تلك اللحظة، تناهى إلى أسماعنا طرق خفيف على الباب ثم دخلت والدة راوية و وجهها خال من التعابير تقريبا! ثم نظرت إلى راوية مؤنبة :
ـ أرجو أن لا يكون الضيوف قد تفطنوا إلى اختبائك قرب باب المطبخ للتصنت إلى ما يقال في الصالة! ليس من طباع البنت المحترمة أن تتصرف بطريقة غير لائقة و خاصة في حضور الخاطبين... فكأنها متلهفة على الزواج!

ثم خرجت من فورها بعد أن ألقت نظرة حادة على راوية و صفعت الباب بقوة، كأن الصفعة كانت على وجوهنا...
أما راوية فقد أجهشت بالبكاء...
__________________

آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 09:47 PM
  #155  
قديم 14-08-2009, 09:45 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



كان يوميا غير عادي بالنسبة إلي بكل المقاييس... يوم أحسست فيه بأن الأرض تدور بسرعة، لتعيدنا إلى نقطة ظننا أننا تجاوزناها منذ فترة... أو أن الأرض بالفعل توقفت عن الدوران... فهذا اليوم ذكرني بأيام سابقة عشتها... و أنا أشعر الآن بأنني أعيشها من جديد...

صباح اليوم وجدت راوية تنتظرني في لهفة واضحة أمام الكلية بعد أن اتصلت بي قبل أن أخرج من المنزل لتستعجلني... لأنها على حد قولها تحمل لي أخبارا جديدة... و بطبيعة الحال، توقعت أن تكون تلك الأخبار متعلقة بقرار والديها بخصوص الخاطبين الذين تقدما إليها مؤخرا بطريقة مميزة و غير متوقعة البتة...

ما إن لمحتني أقترب من باب الكلية حتى ركضت إلي و ابتسامة هادئة رزينة تعلو شفتيها... بادلتها الابتسامة و أنا أبادرها بالسلام، ثم قلت في مرح :
ـ تبدين سعيدة اليوم! ما الجديد؟

أحسست بابتسامتها تنقبض رغم أنها كانت لا تزال مرتسمة على شفتيها... بل أنها اتسعت و هي تقول :
ـ نعم يا مرام... لقد وافقت... على طارق!

لم أستطع منع نفسي من التحديق فيها بعينين متسعتين من الذهول و الدهشة و العجب و الاستنكار... فبعد تلك الأمسية، جزمت بما ليس فيه داع للشك بأن راوية لا تزال تحب جاد و هو أيضا يبادلها مشاعر عميقة كان معها قادرا على مواجهة كل العالم من أجلها... و الآن، هاهي تخبرني بكل هدوء بأنها فضلت عليه طارق، ابن عمتي!

وجدتني أهتف لا إراديا :
ـ لمـــــــــــــاذا؟!!!

رفعت راوية إلي عينيها الباسمتين في هدوء ليس له مثيل... ذاك الهدوء الذي نلمحه في عيون عرائس الشمع التي لا تحمل ملامحها أية مشاعر... ثم قالت في صوت واثق و حازم :
ـ إنه قراري يا مرام... اخترت طارق، لأنه الأنسب إلي!

أحست أن كلماتها لم تطفئ نظراتي المليئة بالفزع و اللوم و العتاب، فأردفت بسرعة قائلة :
ـ مرام... لقد فكرت مليا، و استشرت والدي، و فكرنا معا و وجدت أنه الخيار الأمثل... ألا توافقينني الرأي؟

ثم أضافت بمرح ثقيل على قلبي :
ـ ثم نحن سنصبح عائلة واحدة... بعد أن أتزوج ابن عمتك!

ابتسمت ابتسامة حزينة، لم أظن أنني سأقابل بها يوما خبر خطبة صديقتي الحبيبة راوية. لكنني كنت أحس بألم كبير، تجاه راوية و جاد... و طارق أيضا...

انتبهت إلى صوت راوية و هي تقول و نفس الابتسامة الغريبة تعلو شفتيها :
ـ هلا أبلغت طارق و أهله بأن عائلتي قد وافقت على إتمام الخطبة... و نحن في انتظار زيارة رسمية منهم قريبا...

هززت رأسي علامة الموافقة، ثم توجهنا معا إلى قاعة المحاضرات، و أنا أرقب بطرف خفي ملامح راوية... و خاصة ابتسامتها التي تجتهد لتبقيها مرتسمة بكل لباقة على شفتيها المتعبتين، من تكلف الابتسام!

عدت إلى المنزل متعبة مساء ذاك اليوم، متعبة من المحاضرات الطويلة... و من قلقي على راوية من المستقبل الذي ينتظره بعد أن اتخذت قرارها... لمحت سيارة طارق تقف أمام منزلنا، فوجدتني أقرر بسرعة أن أفاتح طارق في الموضوع و أن أعرف حقيقة نواياه مهما كان الثمن!

دلفت من الباب الرئيسي و في عيني نظرة صارمة حازمة، تنطق بالتحدي، و قد تمكن مني ذاك القرار بما لا رجعة فيه...
و لكن ما إن دخلت إلى الصالة حتى رأيت طارق يجلس في الصالة و ذراعه ملفوفة في رباط أبيض قد وصلت إلى رقبته برباط آخر، لتمنع تحركها... عقدت حاجبي في دهشة و تساؤل، فابتسم طارق في مرح و هو يقول :
ـ لا تقلقي... إنها إصابة خفيفة...

هتفت سارة التي كانت تجلس إلى جواره في مرح :
ـ إنه شجار كالعادة... لكن أخي يخرج دائما منتصرا!

حدجها طارق بنظرة صارمة، كأنه تضايق من كلامها و قال مطمئنا :
ـ لم يكن شيئا يستحق الذكر...

لكنني جلست قبالتهما و قد تملكني الفضول و قلت في تساؤل :
ـ شجار؟ متى كان ذلك؟!

بدا الارتباك على طارق و هو بالكلام... لكن سارة كانت قد سبقته و هي تهتف من جديد :
ـ منذ يومين... عندما ذهب إلى منزل راوية... لكن شابا ما...

قاطعها طارق و هو يصرخ غاضبا، و قد خرج عن طوره :
ـ ألا يمكنك أن تصمتي قليلا؟!! من الذي وجه الكلام إليك؟!!!

تملكني الفزع و أنا أتخيل بقية القصة فهتفت بطارق في حزم بالغ :
ـ ما الذي حصل للشاب الآخر؟

التفت إلي طارق و لبث يحدق في مترددا لبرهة قبل أن يقول :
ـ لست أدري... ربما أخذوه إلى المستشفى...

وقفت بسرعة و أنا أهتف كأنني أصرخ :
ـ أية مستشفى؟!!

تفاقم ارتباك طارق و هو يتأمل ملامحي الغاضبة و قال :
ـ لقد طلبت الإسعاف ثم انصرفت بسرعة... أظنهم أخذوه إلى المستشفى الواقعة في مركز المدينة...

خرجت من الغرفة بسرعة و اتجهت نحو الهاتف لأتصل بدالية بسرعة، فلم يكن أمامي حل آخر، غير الاستنجاد بحسام! فالشاب المسكين غريب في المدينة، و يبدو أن حالته كانت سيئة مما دعا طارق إلى طلب الإسعاف! و إن لم يذهب أحد إلى المستشفى لإخراجه و دفع مصاريف العلاج فقد تحصل له مشاكل!

أنهيت مكالمتي مع دالية بسرعة، ثم وقفت أمام الهاتف مترددة... لكنني حسمت أمري في النهاية و كونت رقم راوية... انتظرت للحظات قبل أن تجيب من الطرف الآخر، و ما إن سمعت صوتها حتى قلت في هدوء :
ـ قبل أن أبلغ طارق بقرارك... أظن أنه عليك التأكد مما وقع بين جاد و طارق بعد مغادرتهما لمنزلكم!

بعد نصف ساعة من تلك المكالمة، تلقيت اتصالا من دالية تخبرني فيه بأن جاد لا يزال في المستشفى بالفعل، و أنه تعرض إلى إصابة في الرأس تستوجب بقاءه تحت العناية الطبية لبضع الوقت... و أن حسام لا يزال عنده، للاطمئنان عليه... و أنه سيشرف على علاجه بنفسه بما أن تدريبه في نفس القسم الذي يرقد فيه جاد.

لم أضيع الوقت، و عاودت الاتصال براوية التي بدا صوتها مرتجفا من البكاء، و هتفت بي دون أدنى تردد :
ـ أريد أن أزوره في المستشفى... هل تأتين معي؟

بعد أقل من ساعة واحدة، كنت رفقة راوية و أخي ماهر الذي رافقنا مضطرا، بعد أن تعبت في إقناعه بترك ألعاب الحاسوب برهة من الزمن، نركض بين أروقة المستشفى بحثا عن جاد الذي لم نكن نعلم في أي قسم يرقد... فجأة لمحنا حسام يقف غير بعيد عنا، و قد ارتدى مئزر الأطباء الأبيض، الذي لم أره به منذ لقائنا في تربصي السنة الماضية...

اقترب منا في هدوء و قال و هو يسبقنا إلى إحدى الغرف :
ـ تفضلوا... من هنا!

كانت راوية تضغط على ذراعي بشدة و هي تعظ على شفتها السفلى في قلق. ربتت على كفها التي غاصت أصابعها في ذراعي مطمئنة... و تقدمنا إلى داخل القاعة في وجل... ثم تبعنا حسام إلى سرير المريض... فهالنا في البداية الكم الهائل من الضمادات التي كانت تحيط برأسه و صدره، و هالنا أكثر ابتسامته الصغيرة التي تنم عن الرضا و السعادة!!!

وجدتني أقف عند طرف السرير و أشير إلى راوية أن تتقدم حتى تصل على مقربة من رأس المريض. كانت عيناها مبللتين بالدموع و هي تسأله في همس :
ـ هل أنت بخير؟

هز جاد رأسه بصعوبة علامة الموافقة و الابتسامة الصغيرة الواهنة لا تفارق شفتيه. مضت لحظات من الصمت أحسست فيها أن العيون تخاطبت بلغة هي أبلغ من لغة الشفاه... بين عيني راوية الباكيتين و عيني جاد المليئتين بالأمل!

في الأثناء التفتت إلى حسام لأسأله في صوت خافت :
ـ هل سيكون بخير؟

لكن بدا أن حسام فوجئ بسؤالي، فقد باغتته و هو ينظر إلي من طرف خفي! فاحمرت وجنتاه و هو يقول في ارتباك :
ـ لقد أصيب بشيء حاد في رأسه... كأنه حجر من الحجم الكبير... مما سبب في فقدانه الوعي... لكن لا ضرر على الدماغ و الوظائف الحيوية... أما إصابة الصدر فهي بسبب السقوط على أرضية غير ممهدة... لكنها إصابة سطحية أيضا و الحمد لله...

خفضت عيني و أنا أستمع إليه في هدوء بعد أن أحسست بارتباكه، ثم رفعت رأسي إليه بعد حين متسائلة في قلق :
ـ متى يخرج من المستشفى؟ و حين يخرج من سيهتم به؟ فمن الواضح أن حالته متدهورة... مع أنه يحافظ على الابتسامة!

حانت مني التفاتة إلى السرير، فسمعت المريض يقول بصوت خافت متعب، لكن تشوبه مسحة من المرح الذي لم يتخل عنه حتى و هو في تلك الحالة من الضعف :
ـ أظن أمله سيخيب في الخلاص مني... فحتى إن اضطررت إلى المشي على عكازتين فإنني سأطرق بابكم مرة ثانية و ثالثة... إلى أن يقبل بي والداك...

لكن راوية لم تستطع أن تبتسم لدعابته... فقد آلمها أن تكون قاسية عليه بذاك الشكل، و هو الذي لم يفقد الأمل رغم رفضها المتكرر... هل تراه قرأ في قلبها ما عجزت هي عن الإفصاح عنه؟

و تمنيت لو أنني أرتمي على راوية في تلك اللحظة و أرجوها باكية و أتوسل إليها بكل ما وسع قاموسي من كلمات : اقبلي بجاد... أرجوك... ارحميه و ارحمي نفسك... و ارحميني أنا أيضا من عذاب الضمير!

لكنني ظللت واقفة مكاني أتأملهما بنظرة حانية، و أنا أتمنى أن ينتهي الشريط عند تلك اللحظة... و تظهر كلمة النهاية كخلفية على المشهد المؤثر الذي يجمع الحبيبين قبل أن تنتهي اللحظة...
__________________

آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 09:53 PM
  #156  
قديم 14-08-2009, 10:08 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




كانت أيام ثلاثة قد مرت على زيارتنا لجاد في المستشفى، لم تعد بعدها راوية لزيارته، لكنها كانت تسألني عن حاله باستمرار فأتولى مهمة الاتصال بدالية حتى تسأل حسام عن تطورات صحته... و بدا أنه تماثل إلى الشفاء بسرعة، كما أنه كان يستعجل مغادرة المستشفى!
التقيت راوية أمام الكلية... فبادرتني كالعادة في لهفة :
ـ كيف حاله اليوم؟

ابتسمت و أنا أجيبها مشيرة إلى دالية التي كانت تقترب منا مبتسمة :
ـ ها قد وصلت دالية و ستخبرنا بالتفاصيل!

حيتنا دالية في مرح ثم التفتت إلي و قالت :
ـ الدكتور حسام يطمئنك على حال المريض... يبدو أنه سيخرج اليوم من المستشفى، فجراحه التأمت، و لا خوف عليه بعد الآن!

تنهدت راوية في ارتياح و هي تتمتم :
ـ الحمد لله...

تبادلنا بعض الأحاديث قبل أن ألمح سهير، زميلة حسام و صديقة دالية على بعد خطوات منا. حيتنا بابتسامة صغيرة، ثم تجاوزتنا في خطوات سريعة. التفتت إلى دالية مستغربة و قلت :
ـ ما الذي جاء بسهير إلى الكلية؟ أليس طلاب الصف الخامس في التمرين الآن؟

ـ نعم، نعم... لكن سهير رسبت في مادة أو اثنتين... و هي تأتي إلى المكتبة لتراجع قليلا منذ بضعة أيام...

تذكرت فجأة أنني رأيت سهير منذ أقل من أسبوع أمام منزل حسام، حين ذهبت لزيارة راوية فهتفت بسرعة :
ـ أظنني رأيتها منذ أيام تقرع جرس منزلكم، حين كنت في طريقي إلى منزل راوية... هل جاءت لزيارتك؟

ابتسمت دالية و هي تقول :
ـ في الحقيقة، هي جاءت لتستعير بعض الدروس من حسام...

ثم نظرت إلي بطرف عينها و قالت مداعبة :
ـ كما أنها طلبت منه أن يساعدها في فهم بعض المحاضرات التي تغيبت عنها...

عقدت حاجبي في استنكار واضح وقلت :
ـ ألم تجد شخصا آخر غير حسام ليفسر لها الدروس؟ لماذا لم تلجأ إلى إحدى صديقاتها؟!!

انفجرت دالية ضاحكة و هي تبادل راوية نظرة ذات معنى... ثم اقتربت مني لتنقر أنفي بطرف سبابتها و هي تقول في صوت منخفض كالهمس :
ـ أنت تغارين يا مرام!

ثم ارتفع ضحكها ثانية، و شاركتها راوية الضحك هاته المرة، حتى هتفت بهما :
ـ ألن تهدآ قليلا أنتما! ثم... ممن أغار يا ترى؟ من سهير؟!

رفعت دالية سبابتها ثانية نافية... ثم قرصت وجنتي في ود و هي تقول :
ـ لم أقصد أنك تغارين من شخص ما... لكنك تغارين على شخص ما... و بالتحديد، تغارين على الدكتور حسام!

احمر وجهي فجأة و قد أدركت ما ترمي إليها لكنها تابعت :
ـ لا تخافي لن أفضحك... مع أنني واثقة من أن الخبر سيسره! خسارة!

ثم ابتعدت ضاحكة و هي تقول :
ـ حسن... أراكما لاحقا يا بنات... السلام عليكم...

شيعنا دالية بنظراتنا الباسمة، فقالت راوية :
ـ تلك الفتاة... كم هي مرحة و روحها عذبة و رقيقة!

ابتسمت بدوري و هززت رأسي موافقة... ثم تذكرت شيئا ما فتطلعت إلى راوية في فضول و قلت :
ـ هـــــــا... ماذا قررت؟

التفتت إلي في ارتباك و قالت متظاهرة باللامبالاة :
ـ في ماذا؟

عقدت ذراعي أمام صدري ثم ملت عليها قائلة في حزم و نفاد صبر :
ـ راويــــــــــــة! لا تسخري مني! أنت تعلمين عما أتحدث! مـــــــــاذا قررت؟!!!

تراجعت راوية و قد تزايد ارتباكها، ثم قالت أخيرا متظاهرة بالفهم :
ـ آآآآه... أنت تقصدين طارق! نعم... طلبت منك منذ بضعة أيام أن تبلغيه موافقتي... لكن كما ترين... يبدو أنه لم يعد الجواب المناسب! لكنني في نفس الوقت أتفهم موقفه. فهو لم يهاجم جاد إلا دفاعا عن كرامته التي أهينت حين صدم بتقدمه لي في نفس الوقت... و لكونه لم يجد الفرصة المناسبة لتقديم نفسه لوالدي و...

تفطنت راوية إلى النظرات الغريبة التي كنت أحدجها بها، فبترت عبارتها للحظة ثم تداركت بسرعة قائلة :
ـ لا تفهميني بصورة خاطئة يا مرام... أنا لا أدافع عنه... لأن العنف لم يكن يوما الحل... لكنني أشفق عليه، لأنه يعتبرها اللغة الأولى للتعامل... صحيح أنها كانت اللغة المناسبة حين دافع عني في الحديقة، يوم النزهة... هل تذكرين؟ لكن العنف لم يكن مبررا في تعامله مع جاد...

هززت رأسي علامة التأييد، و أنا أحثها على مواصلة حديثها، فقالت بعد تردد قصير :
ـ ... و بما أنني لا أضمن مصيري مع رجل يتكلم لغة العنف... فـ... لا مفر من... تفهمينني أليس كذلك؟

هززت رأسي من جديد و أنا أنتظر بقية عبارتها، فقالت :
ـ لا مفر من تمديد فترة التفكير... حتى أتأكد من استعداده لتغيير أسلوبه و...

قاطعتها و أنا أصرخ في حدة :
ـ تفكير؟!!! راوية... إنه حتى لم يفكر في الاعتذار عما بدر منه!!!

قالت في حيرة بادية :
ـ ربما كان خجلا من نفسه و من تصرفه... فآثر الاختفاء لفترة...

حدقت فيها في عدم تصديق لمدى حسن ظنها و سعة صدرها، ثم هتفت :
ـ و ماذا عن جاد؟!!!

تطلعت إلي في توتر و هي تهمس في صوت خافت :
ـ ماذا عنه؟

ارتفع صوتي أكثر و أنا أشدها من ذراعها :
ـ راوية لا تتحامقي! أنت و جاد تحبان بعضكما البعض... إلى متى ستتجاهلين هاته الحقيقة و تواصلين السير في الطريق الخطأ؟

التمعت عيناها و قد تجمعت الدموع في مقلتيها... لكنها قالت في تمالك واضح :
ـ أنا لم أقل بأنني أحبه! تعلقت به لفترة... لكنني عرفت أن الطريق مسدودة... و عدت إلى صوابي...

ـ راوية... إلى متى ستخدعين نفسك؟ إن كنت يائسة من موافقة والديك على جاد، فأنت لست مضطرة إلى الارتباط بطارق! لقد ظللت صامتة إلى حد الآن و أنا أنتظر أن تستيقظي و تدركي أنك الزواج ليس لعبة... و ليس المهم هو الفرار من المشاعر القديمة... و بناء مشاعر جديدة لوهبها لشخص قد يكون لا يستحق!

رفعت راوية عينيها إلي و هي تقول بصوت مرتعش :
ـ مشاعري لا تعني شيئا لأحد... يجب أن أتعلم العيش بلا مشاعر حتى لا أصدم مرات و مرات...

كانت نبرتها تنذر بغيث من الدمع يوشك على الانهمار، فسحبتها من ذراعها و انتحينا ركنا قصيا من الساحة، حيث أجلستها في هدوء... انتظرت ريثما هدأت ثم قلت :
ـ راوية، الآن أخبريني الحقيقة كاملة... أنت متعلقة بجاد أليس كذلك؟

هزت رأسها موافقة و لم تنطق بكلمة، فأردفت :
ـ و والدتك تعارض ارتباطك به بشدة؟

هزت رأسها من جديد، ثم تمتمت بصوت مخنوق :
ـ لم تقبل مناقشة الموضوع أصلا... حتى أن أبي كان معجبا به و مستعدا لاستقباله ثانية لتوضيح بعض النقاط... لكنها عارضت و بشدة... و أقسمت بأنها لن ترضى عني إن ارتبطت به! حتى أبي استسلم أمام إصرارها...

ربتت على كتفها في حنان ثم استطردت :
ـ ثم ماذا حصل؟ هل علم والداك بما حصل بين جاد و طارق؟

هزت رأسها نافية هذه المرة و همست :
ـ آثرت أن أخفي عنهما القصة، حتى أنظر كيف سيتصرف طارق، و بم سيبرر تصرفه... فأبي إن علم عنه طبيعته العنيفة فإنه سيرفض دون تفكير!

أمسكت بكفها و نظرت مباشرة في عينيها محاولة أن أدخل إلى أعماق نفسها :
ـ و أنت... لم تريدين الحفاظ على طارق؟

خفضت عينيها فجأة، و سحبت كفها و بدا عليها التردد... ابتسمت مشجعة فقالت بعد برهة قصيرة من التفكير :
ـ لأنه ليس شخصا سيئا... و هو يحاول الالتزام... كما رأيت مقدار عزيمته و قوة شخصيته لأنه نجح في تغيير نفسه في غضون بضعة شهور... كما أنه شخص شهم، فقد دافع عني حين كنت في موقف لا أحسد عليه... و هو جميل لن أنساه ما حييت... كما أنه متمسك بي، و قادر على حمايتي...

توقفت فجأة، و بدا كأن كلمات لا تزال عالقة في طرف لسانها... فبادرتها :
ـ هل هذا كل شيء؟

و كأنها كانت تنتظر إشارتي لتنفجر مفصحة عن سرها الدفين الذي أخفته عني كل تلك المدة... السر الذي يسبب عذابها و معاناتها :
ـ كما أنه سينقذني من سجن أمي و تحكمها في!!!!

تجلت علامات الصدمة في ملامحي، لكنني لم أنبس ببنت شفة، فاسترسلت راوية التي لم يعد لديها ما تخفيه :
ـ أحيانا أحس بأنها تحقد علي لسبب أجهله... لم أعرف معها سوى الأمر و النهي... كأنها ليست أمي كما هي أم لمنال و راقية... لكن راقية تزوجت و سافرت بعيدا، بعد أن كانت هي من يخفف عني آلامي في كل مرة تفاجئني فيها أمي بنوبة من الصراخ و التأنيب، بسبب و بدون سبب... و كلما وقف أبي في صفي، اتهمته بالإفراط في تدليلي و إفسادي بتساهله معي... أحيانا أشك في غيرتها من علاقتي المميزة بأبي... فهو يحبني كثيرا و يشجعني لأنني حققت حلمه بدخولي كلية الطب... و لأنني كنت أكثر إخوتي تفوقا... حتى أنها تمنعني من المراجعة في فترة امتحانات منال، حتى أهتم بها و أراجع لها... لأنني أنانية على حد قولها، و لا يهمني إن رسبت منال، و أختها في كلية الطب! حتى في فترة زواج راقية، في السنة الماضية... حددوا الموعد في فترة مراجعتي، مع أن أمي كانت تعلم بأهمية تلك الامتحانات بالنسبة إلي... حسن لا بأس، فأهل العريس أيضا كان لهم دور في اختيار الموعد، و لن أحملها المسؤولية... لكنني كنت أحاول بكل جهدي أن أراجع و أدرس باجتهاد كلما سنحت الفرصة... لكنها كانت تطاردني في كل غرف المنزل : هنا سنضع الجهاز و نرتبه... هنا سنعد الحلويات... يجب أن تبقى هاته الغرفة خالية لاستقبال الضيوف و راحتهم... هنا ستعد راقية زينتها!! حتى أنني كنت أراجع أحيانا جالسة على الدرج! و بالتأكيد، لا يمكنني أن أستوعب شيئا بتلك الحالة... لكنها ما إن تنتهي من طردي، حتى تناديني من جديد : راوية نحتاجك في غسل الأواني... راوية اترك ما بين يديك و تعالي نظفي الأرضية، ابن خالتك سكب العصير عند المدخل... لكن لا بأس، أعيدي مسح الغرفة كاملة... راوية، كفاك تكاسلا و تعالي قشري الخضر! و هكذا... طوال فترة المراجعة، كان شغلها الشاغل أن تشغل راوية بعمل ما و تمنعها بأية طريقة من الدراسة!!

تنهدت راوية و مسحت دموعها، ثم واصلت :
ـ و الآن... هاهي تريد الخلاص مني... فهي متحمسة جدا لطارق، رغم أنها لم تتحدث إليه طويلا... و ما رأته منه لا يشجعها على قبوله... لكنها تريد منعي بأية طريقة كانت من الارتباط بمن أريد! و تخشى إن أنا رفضت طارق أن يواصل جاد محاولاته و يقتنع أبي أخيرا... لذا فهي تسعى بكل جهدها لإتمام خطبتي من طارق... لذلك فإنني سأحقق لها أمنيتها، و أريحها مني نهائيا... لذلك وافقت على طارق، و لازلت موافقة... لكنني أريد أن ألقنه درسا أولا، حتى يتخلى عن سياسة العنف...

تملكتني الحيرة و لم أجد الكلمات المناسبة لأخفف عن راوية معاناتها... فقد كشفت لي مصارحتها عن أسرار مواقف كثيرة كنت أستغرب منها في السابق... فلم أكن أتخيل للحظة واحدة أن تكون علاقة راوية بوالدتها بذاك الشكل! كم أشفق على راوية المسكينة التي لم تشك لي يوما من قسوة أمها عليها... مع أنني صديقتها المقربة... فلم أحس يوما في عباراتها ما يشير إلى تشوه مشاعرها تجاهها، و لا تمردها على رغباتها... و أذكر حقا الامتحانات التي تلت زفاف راقية شقيقة راوية، و ردة فعل راوية العنيفة حين رفضت مساعدتها... الآن فقط أحسست بسبب غضبها المفاجئ... فقد وجدت المنفذ لتنفجر، لتبكي و تصرخ... لم يكن بوسعي إلا أن أحتضنها في حنان... و تركتها تبكي على كتفي... في سلام...



كنت أجلس في غرفتي عصر ذاك اليوم و قد احتضنت من جديد أحد مجلداتي العزيزة، حين فتح الباب و ظهرت سارة باسمة. كانت قد غادرت منزلنا مع طارق مساء ذاك اليوم الذي اكتشفنا فيه إصابة جاد و رقاده في المستشفى... يبدو أن طارق خشي أن تبوح بتفاصيل أكثر، فأبعدها قليلا ريثما يلقنها ما يمكنها قوله و ما يجب أن تخفيه! لكنها اليوم تبدو في كامل لياقتها و انشراحها... و هي حالة لم أر سارة عليها منذ عادت من أمريكا في هاته الأجازة!


دخلت و أغلقت الباب خلفها ثم اقتربت لتجلس غير بعيد عني و الابتسامة لا تفارق شفتيها. بادلتها الابتسامة و ظللت أتطلع إليها منتظرة ما تحمله من أخبار سعيدة... و لكنها فاجأتني حين فتحت شفتيها أخيرا و قالت :
ـ مرام... سنعود إلى أمريكا الأسبوع المقبل!

نظرت إليها متشككة، فلم أكن واثقة من أن الخبر سعيد في حد ذاته، و بادرتها مستفسرة :
ـ ألن تبقي معنا؟

هزت رأسها نافية و قالت :
ـ أنا آسفة يا مرام... يجب أن أعود مع عائلتي...

عاجلتها بسؤال ثان :
ـ و ماذا عن طارق؟ هل سيبقى بمفرده؟

هزت رأسها نافية للمرة الثانية و تابعت :
ـ طارق لن يبقى هنا هو الآخر... جميعنا سنعود إلى أمريكا... أبي أقنعه بأن مستقبله هناك... و أنه سيلقى متاعب شتى في عمله في البلد!

عقدت حاجبي في حيرة و تركت الكتاب الذي كان بين يدي و قلت و أنا أقترب منها أكثر :
ـ و هل طارق مقتنع حقا بالعودة؟ و ماذا عن خطبته لراوية؟ هل تخلى عن الأمر؟

نظرت إلي في استغراب و هي تقول :
ـ لست أدري عما تتحدثين، لكن طارق أخبر أمي بأن صديقتك لم توافق و أنها متعلقة بشاب آخر...

كنت في غاية الحيرة... و الدهشة! ما الذي حصل بين جاد و طارق حتى يستسلم طارق بتلك السهولة، و يبقى جاد متشبثا براوية إلى تلك الدرجة؟

كنت أحس بالحزن من أجل طارق الذي تخلى عن جميع أحلامه فجأة و أذعن لرغبة والده بالبقاء في أمريكا مع بقية العائلة. هل تراه يبقى على التزامه، أم يجرفه التيار من جديد؟

و كأن سارة قد قرأت التساؤلات التي دارت في خلدي في تلك اللحظة فقد وجدتها تقف فجأة و هي تقول، مع ابتسامة كبيرة على شفتيها، و احمرار خفيف يغزو وجنتيها :
ـ بالمناسبة... أيمن ابن خالتي هيام، سيلتحق بنا بعد بضعة أسابيع... أبي عرض عليه وظيفة جيدة و قد كان متحمسا لها... هو بصدد تحضير أوراقه و تأشيرة السفر... عمله الجديد سيمكنه من فتح مشروعه الخاص حين عودته بعد عدة سنوات... فعمله الحالي لا يوافق طموحاته أبدا...

ابتسمت بدوري و أنا أتأمل وجهها الطفولي المرح... الآن فقط فهمت سر سعادة سارة!

تمت الحلقة الثانية عشر بحمد الله



__________________
  #157  
قديم 14-08-2009, 10:32 PM
الصورة الرمزية asma22
asma22 asma22 غير متواجد حالياً
طالبة جامعية ( اعدادى صيدلة المنصورة )
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 223
معدل تقييم المستوى: 17
asma22 is on a distinguished road
افتراضي

ايه المفاجأت دى حلوة اوى هى ترفض وهو ييجى وميهتمش لرايها
عارف انه مش برغبتها
وطارق ده عمل كده ليه انا الوقتى اتأكدت انه متغيرش ولا حاجة احسن برده انه هيرجع امريكا
بس والدة راوية دى قاسية اوووووووى

ومازال التشوييييييييييق مستمر ويزداد أكثر واكثر
ومازالت سارة تنتهى بنا عند نقاط اكثر تشويقا
لسة حلقتين اكيد بقى مرام تتخطب لحسام وراوية تتخطب لجاد
ونشوف اللى بعد ده بقى
__________________
[/IMG]
  #158  
قديم 15-08-2009, 01:44 AM
الصورة الرمزية hermiony
hermiony hermiony غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 35
معدل تقييم المستوى: 0
hermiony is on a distinguished road
افتراضي

ما اجمل تلك القصه وما اجمل مرام وما اجمل خلقها وادبها وما اجمل الايجابيه فى حياتنا وما اجمل العلم والعمل والعباده

ماشاء الله حقا قصه جميله ومفييده وفى غايه الاهميه

حقا شكرا لكى بعرض تلك القصه علينا

جزاكى الله خيرا ووفقك ونفع بك

مع تحياتى
  #159  
قديم 15-08-2009, 12:16 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma22 مشاهدة المشاركة
ايه المفاجأت دى حلوة اوى هى ترفض وهو ييجى وميهتمش لرايها
عارف انه مش برغبتها
وطارق ده عمل كده ليه انا الوقتى اتأكدت انه متغيرش ولا حاجة احسن برده انه هيرجع امريكا
بس والدة راوية دى قاسية اوووووووى

ومازال التشوييييييييييق مستمر ويزداد أكثر واكثر
ومازالت سارة تنتهى بنا عند نقاط اكثر تشويقا
لسة حلقتين اكيد بقى مرام تتخطب لحسام وراوية تتخطب لجاد
ونشوف اللى بعد ده بقى

حلوه أووووي ومازال التشويق مستمر دي

عارفه أكتر واحده صعبانه عليا في القصه دي هي راويه ومع ذلك أنا بحسدها على صديقتها مرام لإنها دايما بتكون جمبها وبتنصحها وهتشوفي كمان المفاجأاااااات اللي ف الحلقه الجايه
__________________
  #160  
قديم 15-08-2009, 12:18 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hermiony مشاهدة المشاركة
ما اجمل تلك القصه وما اجمل مرام وما اجمل خلقها وادبها وما اجمل الايجابيه فى حياتنا وما اجمل العلم والعمل والعباده

ماشاء الله حقا قصه جميله ومفييده وفى غايه الاهميه

حقا شكرا لكى بعرض تلك القصه علينا

جزاكى الله خيرا ووفقك ونفع بك

مع تحياتى

أختي الغاليه hermiony أسعدني كثيرا مرورك وأسعدني أكثر كلماتك


جزانا الله وإياكي خيرا أختي في الله
__________________
  #161  
قديم 15-08-2009, 01:03 PM
اللؤلؤة الصغيرة اللؤلؤة الصغيرة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 2
معدل تقييم المستوى: 0
اللؤلؤة الصغيرة is on a distinguished road
افتراضي

جمييييييييييييييييييلة
انا قراتها من اولها وهكمل معاكو ان شاء الله
وجزاك الله خيرا
  #162  
قديم 15-08-2009, 04:45 PM
Dr. R KH Dr. R KH غير متواجد حالياً
طالبة جامعية ( طب اسنان المنصورة )
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 102
معدل تقييم المستوى: 16
Dr. R KH is on a distinguished road
افتراضي

فعلا قصة جميلة أوي تتناول شباب محترم مش زي قصص تانية كتير و أجمل مافيها ان مرام و راوية أصحاب بجد ياريت يكون في منهم كتير دلوقت
مستنيين باقي الحلقات
متتأخريش
  #163  
قديم 15-08-2009, 08:24 PM
الصورة الرمزية sweet heart
sweet heart sweet heart غير متواجد حالياً
طالبه ثانويه ( الصف الثالث )
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 291
معدل تقييم المستوى: 17
sweet heart is on a distinguished road
افتراضي

جزاكى الله خيرا اختى سارة
بجد القصة جميلة اوى ونتمنى اننا نكون زى مرام فى أخلاقها وأدبها وتدينها
__________________
]قال رسول الله--
ان الله قد حرم على النار من قال لا اله الا الله يبتغى بذلك وجه الله)
  #164  
قديم 16-08-2009, 10:06 AM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اللؤلؤة الصغيرة مشاهدة المشاركة
جمييييييييييييييييييلة
انا قراتها من اولها وهكمل معاكو ان شاء الله
وجزاك الله خيرا

حبيبتي اللؤلؤه الصغيره نورتي اليوميات
تابعي معانا باقي الحلقات يا عسل
__________________
  #165  
قديم 16-08-2009, 10:10 AM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Dr. R KH مشاهدة المشاركة
فعلا قصة جميلة أوي تتناول شباب محترم مش زي قصص تانية كتير و أجمل مافيها ان مرام و راوية أصحاب بجد ياريت يكون في منهم كتير دلوقت
مستنيين باقي الحلقات
متتأخريش

نعم معك حق Dr. R KH ياريت يكون كل الاصدقاء زي مرام وراويه كده أصدقاء بجد مع بعض بالنصيحه ومش بيسيبوا بعض أبدا
__________________

آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 16-08-2009 الساعة 10:13 AM
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:41 AM.