اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 23-11-2012, 01:49 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي



سهولة الإسلام وشموله لأنواع العبادات

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



الحمد لله الذي جعل الآجال مقادير للأعمار، وجعل هذه الأعمار مواقيت للأعمال، وكتب الفلاح لمن شغلها بالأعمال الصالحات والخسارة لمن فرط فيها فأضاعها، وشغلها بالأعمال السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل المخلوقات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأزمان والأوقات وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن عمل المؤمن لا ينتهي بانتهاء مواسم العبادة وإنما ينتهي بالموت؛ لأن العمر كله محل للطاعة، قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} فاعمروا أوقاتكم بطاعة الله وما يقربكم إليه، واعلموا أن الله تعالى قد سهل العبادة، ويسرها غاية التيسير، وجعل للخير أبواباً ليلجها من للخير يقصد ويسير، انظروا إلى الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد التوحيد تجدوها قليلة الكلفة كثيرة الأجر فهي خمس في الفعل وخمسون في الميزان مفرقة في أوقات مناسبة حتى لا يحصل الملل للكسلان، وإذا أقامها الإنسان في جماعة كانت الصلاة مع الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وهذه النوافل التابعة للمكتوبات اثنتا عشرة ركعة؛ أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر من صلاهن بنى الله له بيتا في الجنة، وهذه الأذكار خلف الصلوات المكتوبات من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسع وتسعون، وقال: تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وهذا الوتر سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((إن الله وتر يحب الوتر وأقله ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة وهو مؤكد لا ينبغي للإنسان تركه)) قال الإمام أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادته، ووقت الوتر من صلاة العشاء الآخرة ولو في حال الجمع إلى طلوع الفجر، وإذا توضأ الإنسان فأسبغ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وهذه الصدقات إذا كانت بنية خالصة ومن كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها حتى يكون ما يعادل التمرة مثل الجبل العظيم، فالرجل ينفق على نفسه، وينفق على أهله، وينفق على ولده، وينفق على بهائمه يحتسب الأجر بذلك على الله، فيكون له أجر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها)) وقال لسعد بن أبي وقاص: ((واعلم أنك لن تنفقنفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك))، وقال: ((الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر))، والساعي على الأرملة والمساكين هو الذي يطلب الرزق لهم، ويكون في حاجتهم، فأولادك الصغار الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم عن المساكين، فالسعي عليهم كالجهاد في سبيل الله، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خلق الله ابن آدم على ستين وثلاث مئة مفصل من ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجراً عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظماً، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاث مئة أمسى من يومه، وقد زحزح نفسه عن النار، وقال: يصبح على كل سلامى يعني كل عضو من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما في الضحى)) وقال: ((ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة))، وقال: ((في بضع أحدكم، يعني إتيان أهله صدقة))، فأبواب الخير كثيرة جدا، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ مَتَاعُ الْغُرُورِ}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.


__________________
رد مع اقتباس
  #212  
قديم 23-11-2012, 01:50 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور والحمد لله الذي شرع لعباده ويسر ودعاهم لما تزكو به نفوسهم وتتطهر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بشر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما أشرق الضياء وأنور وسلم تسليماً.

أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:5،6] فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم وقال إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي وحينئذ ينادون بالويل والثبور يقولون لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.

أيها المسلمون: إن من عداوة الشيطان أن يصور لكم دينكم بأبشع صورة وأشدها تنفيراً عنه إنه يصور لكم دينكم بأنه حبس للحرية وتضييق على العبد ومنع من التقدم والرفاهية هكذا يصور الشيطان لنا ديننا حتى لا نقبل عليه ولا نتمسك به وإن العاقل إذا نظر إلى الدين بعلم وعدل وجده بريئاً من كل هذه الصفات وإنه على العكس من ذلك فهو دين الحرية الحقة المعتدلة ودين السعة والسهولة والتقدم والسعادة ولنستعرض قليلاً من تشريعات هذا الدين لنقيس عليها ما سواها.

فالدين أيها المسلمون مبني على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام. وهذه الأصول الخمسة كلها يسيرة سهلة وكلها تهذيب للأخلاق وإصلاح للقلوب وتقويم للأحوال فشهادة أن لا إله إلا الله تجريد القلب من التأله والعبادة لأحد من المخلوقين وانحصار العبودية لله رب العالمين الذي من عليك بالوجود والرزق فأنت بالنسبة إليه عبد وبالنسبة إلى من سواه حر وإن من الحمق بمكان أن تنطلق من عبودية الله التي هي الحق وتقيد نفسك بعبودية هواك أو عبودية دنياك أو عبودية فلان وفلان وشهادة أن محمداًً رسول الله تجريد المتابعة لأحد من المخلوقين سوى رسول رب العالمين الذي كلف بالرسالة إليك وكلفت باتباع رسالته فعنها يسأل بلاغاً وأنت تسأل عنها اتباعا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} وما من شك في أن كل واحد من الناس سوف يسير في عمله على خطة مرسومة فإما أن تكون طريقة النبيين أو طريق الضالين فانظر أي الطريقين أهدى وأقوم. أما إقامة الصلاة فما أيسرها وأسهلها وما أنفعها للقلب والبدن والفرد والمجتمع فهي صلة بينك وبين ربك تقوم بين يديه خاشعاً خاضعاً متقرباً إليه بما شرعه لك سائلاً منه حاجات دنياك وأخراك تنمي دينك وتحط ذنوبك وتلحقك بالصالحين وتستعين بها على أمور دينك ودنياك وتنهاك عن الفحشاء والمنكر.

أما إيتاء الزكاة وهو القسط المعلوم الذي تؤديه عن مالك لمواساة إخوانك أو لصالح الإسلام فما أيسره وما أنفعه يتطهر به المزكي من الأخلاق الرذيلة ومن الذنوب المثقلة إن الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار وهو قسط ضئيل من مالك ربع العشر من الذهب والفضة والعروض من كل مائتين خمسة دراهم. أما صيام رمضان فشهر واحد في السنة تمتنع فيه في النهار عما تشتهيه نفسك من طعام وشراب ونكاح تقرباً إلى ربك وتقديماً لمرضاته على ما تشتهيه مع ما فيه من فوائد كثيرة معلومة. وأما حج البيت فمرة واحدة في العمر على المستطيع يتوجه إلى بيت الله وشعائره يعظم ربه عندها ويعبده ويسأله حوائج دينه ودنياه ولا تسأل المحب عن حبه لبيت حبيبه وأماكن قربه والتعبد له في تلك الأماكن العظيمة مع ما في الحج من المنافع الدينية والدنيوية.

ثم الإسلام أيها المسلمون مفخرة عظيمة لأهله لأنه يأمر بكل خلق فاضل وينهى عن كل خلق سافل يأمر بكل تقدم إلى ما فيه الخير، يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} - {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)). ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان)) فهل بعد هذا من دليل أو برهان على أن هذا الدين دين الحق واليسر والسهولة والتقدم فلا باطل ولا عسر ولا تأخر ولكن حق ويسر وتقدم للخير ورجوع عن الشر ومن شك في ذلك فلينظر لتاريخ ماضينا وأمجادنا في الإسلام فتحوا القلوب بالإيمان والعلم وفتحوا البلاد بالحق والعدل نسأل الله أن يبصرنا في ديننا ويرزقنا التمسك به والوفاة عليه أنه جواد كريم.



__________________
رد مع اقتباس
  #213  
قديم 23-11-2012, 01:51 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع أيضاً

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور والحمد لله الذي شرع لعباده فيسر ودعاهم لما تزكوا به أنفسهم وتتطهر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أبلغ من وعظ وأصدق من وعد وأنصح من بشر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المحشر وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واعلموا أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.

ألا وإن من عداوة الشيطان أن يصور لكم دينكم أبشع تصوير يصوره لكم بأنه يحبس الحرية ويضيق على العبد ويكلفه بما لا يطيق ويمنعه من التقدم والانطلاق إلى غير ذلك مما يوسوس به لكم ولكن العاقل إذا تأمل أقل تأمل تبين له أن دين الإسلام هو دين اليسر والسهولة والتعقل والتقدم النافع والانطلاق إلى الخير.

أيها المسلمون: لقد بني الإسلام على خمسة أركان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً وكل هذه الأركان يسيرة سهلة على من يسرها الله عليه فهل من الصعب أن تشهد بلسانك معتقداً بقلبك بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله هل من حبس الحرية أن تكون عبداً لربك الذي خلقك ورزقك وأمدك بما تحتاجه وهيأك وأعدك لما يلزمك من شؤونك لا والله بل هذا هو الحرية وإنما حبس الحرية أن تكون عبدا لهواك أو للدرهم والدينار أو لفلان وفلان أم هل من حبس الحرية أن تكون متبعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كانت سنته أفضل سنة، سنة مبنية على القصد بلا غلو ولا تفريط فليس فيها تهور تكون نتيجته عكسية وليس فيها تماوت وتفريط تفوت به الأمور بل هي طريقة وسط لا وكس فيها ولا شطط وإن أي إنسان يتجرد من متابعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يكون متبعاً لغيره ممن ضل عن الصراط المستقيم فماذا بعد الحق إلا الضلال. أيها الناس هل من الصعوبة أن تقوم قانتاً في كل يوم وليلة خمس مرات فقط بهذه الصلوات الخمس تتنعم بذكر ربك وتحيي قلبك بالصلة به وتسأل ما شئت من حاجات دنياك وآخرتك وأقرب ما تكون من ربك وأنت ساجد ومع ذلك فهذه الصلوات الخمس لا تستغرق إلا جزءا يسيراً من وقتك وهي مفرقة على الساعات في اليوم والليلة حتى لا تتعب بأدائها دفعة واحدة ولئلا تنقطع الصلة بينك وبين ربك مدة أكثر ثم هذه الصلوات لها من النتائج الطيبة للقلب والإيمان والثواب ما هو معلوم فالصلوات الخمس مكفرات لما بينهن من الذنوب ما اجتنبت الكبائر. والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي نور في القلب والوجه والقبر والقيامة. أيها الناس هل من الصعوبة أن يبذل الإنسان جزءاً من ماله الذي أنعم الله به عليه لمواساة إخوانه الفقراء والغارمين أو من أجل مصلحة المسلمين والإسلام فالزكاة أمر يسير من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار فهل في ذلك من مشقة ألم يك في الأنظمة الجائرة أن يكون الإنسان مقيداً في ماله مشاركاً في كل جزء منه فاحمدوا الله على نعمة الإسلام واسألوه أن يثبتكم عليها ويحفظها لكم. أيها المسلمون هل من المشقة أن يصوم الإنسان شهراً واحداً من السنة تقرباً إلى الله وتقديراً لنعمته عليه بالغنى وتكميلاً لعبوديته بترك ما تشتهيه نفسه لما يرضي ربه ثم مع ذلك للصيام فوائد كثيرة معلومة أم هل من الصعوبة أن يؤدي العبد فريضة الحج مرة واحدة في العمر إن استطاع إلى ذلك سبيلاً فيتعبد لله تعالى بأداء المناسك وتعظيم الحرمات والشعائر ويحصل له الاجتماع بالمسلمين من كل قطر فيتعرف عليهم ويفيدهم ويفيدونه ثم من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

أيها المسلمون، الإسلام يأمركم بكل تقدم نافع قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} فأمرنا بالمشي في مناكب الأرض أي جهاتها ثم أمرنا بالأكل من رزقه ومعنى ذلك أن نسعى بطلب هذا الرزق إذ لا يمكن تحصيله إلا بأسبابه والناس يختلفون في سلوك ما يلائمهم من أسباب الرزق فمنهم من يحصله بالتجارة ومنهم من يحصله بالصناعة ومنهم من يحصله بالزراعة ومنهم من يحصله بالعمل إلى غير ذلك من أسباب الرزق ثم قال تعالى: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وهذا تحذير من الله لعباده أن يسلكوا في تحصيل رزقهم سبلاً حرمها الله عليهم فإنهم راجعون إليه ومحاسبهم عليها.


فالإسلام دين اليسر والسهولة والمصالح والانطلاق النافع لا صعوبة فيه ولا تهور ولا خمول ولا فوضى فنسأل الله تعالى الكريم المنان الواسع الفضل أن يمن علينا وعليكم بلزوم الإسلام والوفاة على الإيمان إنه جواد كريم.


__________________
رد مع اقتباس
  #214  
قديم 23-11-2012, 01:52 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأمن الديني للمجتمع المسلم 1





أمن المجتمع

أولاً: الأمن الديني



بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْمُرْسَلِيْنَ - صلَّى الله عليه وسلَّم.



انتهيْنا في المقال السابِق أنَّ الإسلام حفِظ لكلِّ فرْد أهمَّ خمس جوانب في حياته، وكما حقَّق الإسلام الأمنَ للفرْد في أهمِّ جوانب الحياة، فقدْ أوْلَى أهميةً أكبر لأمْن المجتمع.

لا أقصد القول بالفَصْل ما بيْن أمْن الفرد، وأمْن المجتمع.

كلاَّ! ولكن أردتُ فقط التذكير بأنَّ هناك جانبًا أمنيًّا أعظم مِن الجانب الذي تحدَّثْنا عنه سابقًا، وهو أمْن المجتمع، فهو وإنْ كان بطبيعته لا ينفكُّ عن أمْن كلِّ فرْد مِن أفراده، لكن هناك قضايا تهدِّد المجتمع مِن خلال أحد أفراده، نعم هي تؤثِّر في المجتمع بلا شك، وإنْ بطريقة غير مباشرة.

فثَمَّ جرائم أخرى تهدِّد المجتمع ككلٍّ بصور مباشرة.

وهي قضايا أمْن المجتمع ككل.
وهذا الأمْن يسمُّونه في العصر الحديث بـ(أمن الدولة/ أو بالأمن القومي).

وأمْن المجتمع ينقسِم لقسمين رئيسين: (أمْن دِيني/ أمن جنائي:
أولاً - الأمن الدِّيني:
وهو جهازُ الأمْن الذي يحارب الجرائمَ التي يرتكبها أصحابُها باسم الدِّين، ويظنُّون أنهم بهذه الجرائم البشِعة يخدمون الإسلام، ويتقرَّبون إلى الله، ويدخُلون الجَنَّة وينالون رِضاه!

وأول جماعة ضالَّة عرَفها الإسلام كانتْ تسفك الدماء، وتهتِك الأعراض، وتسلُب الأموال باسمِ الدِّين هي جماعة الخوارج.

وتاريخ نشأة هذه الجماعة الضالَّة مِن تاريخ الإسلام نفْسه؛ إذ ظهرتْ في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيدٍ - رضِي الله عنه - قال: بعَث عليٌّ - رضي الله عنه - إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذهيبة، فقسمها بيْن الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم المجاشعي، وعُيينة بن بدرٍ الفَزَاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامِري، ثم أحد بني كلاب، فغضبتْ قريشٌ والأنصار، قالوا: يُعطي صناديدَ أهلِ نجد ويدَعُنا! قال: ((إنَّما أتألَّفُهم)) فأقبل رجلٌ غائِر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية، محلوق، فقال: اتَّقِ الله يا محمَّد، فقال: ((مَن يُطِع الله إذا عصيتُ؟! أيأمَنُني اللهُ على أهل الأرْض فلا تأمنوني؟!)) فسأله رجل ***َه أحسبه خالد بن الوليد، فمنعه، فلمَّا ولَّى قال: ((إنَّ مِن ضِئْضِئ هذا - أو في عقِب هذا - قوم يَقرؤون القُرآنَ لا يُجاوز حناجرَهم، يَمرُقون من الدِّين مروقَ السهم مِن الرمية يقتُلون أهلَ الإسلام، ويَدَعون أهلَ الأوثان، لئن أنا أدركتُهم لأ***نهم قتْلَ عاد))؛ (حم/خ/م).

وفي حديثٍ آخر عن أبي سعيدٍ الخُدري، وأنس بن مالك، عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((سيكون في أُمّتي اختلافٌ وفُرقة، قوم يُحسنون القيلَ ويُسيئون الفعلَ، ويقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيَهم، يمرُقون من الدِّين مُروقَ السهم مِن الرميَّة، لا يرجعون حتى يرتدَّ على فوقه، هم شرُّ الخلْق والخليقة، طوبَى لمن قتَلهم و***وه يَدْعون إلى كتابِ الله وليسوا منه في شيء، مَن قاتلهم كان أوْلَى بالله منهم))، قالوا: يا رسولَ الله، ما سِيماهم؟ قال: ((التحليق))؛ [ص] (حم/د).

وقدْ ورَد في هذه الجماعة أحاديثُ كثيرةٌ ليس هذا موضعَ بسْطها الآن، ولكن الخلاصة: أنَّ هذه الجماعة كانتْ أوَّل مَن ارتكب الجريمةَ ويزعُم أنَّه يريد بها رِضا الله والجنة!

وهذه الجماعة وإنْ وُلِدَت في عهده - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكنَّها لم تظهرْ كجماعة ذات كيان إلاَّ في عهد الخليفة الراشِد عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - والذي شرَّفَه الله تعالى فيما شرَّفه بأمورٍ كثيرة كان مِن أهمها أنَّه قتَلَهم في جهادِه في سبيلِ الله تعالى، وثانيًا: شرَّفه الله تعالى بشهادته في سبيلِ الله على يدِ أحد مُجرميهم - انتقَم الله منه بما هو أهله - وهو ابن ملجم - ألْجَمه الله في النار.

وفي الحديث تظهَر مسألتان تجِب الإشارةُ إليهما:
المسألة الأولى:
أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَر بقتْلهم، وحضَّ عليه ووعَد به الجزاءَ الحسن والأجْر العظيم، مما يؤكِّد على ضرورةِ وجود الأمْن الدِّيني الذي يَحْفَظ به اللهُ على العباد دِينَهم ويحميهم مِن الجرائم المرتكَبة باسمِ الدِّينِ والدِّينُ منها براء.

المسألة الثانية:
إذا كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَر بقتْلهم، ووعَد عليه الجزاءَ الحَسَن والأجْر الجميل، فلماذا لم يفعلْ هو بنفسه ما أمَر به، لا سيَّما أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان قادرًا على وأِد البذْرة التي سيخرج منها بعدَ ذلك جماعةٌ كبيرة يذوق منها المسلمون العذابَ الأليم؟!

إنَّ امتناعَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن قتْل الأبِ الأوَّل للخوارج يبيِّن لنا نظريةً أمنيةً أخرى ضِمنَ المنهج الأمْني للإسلام، وهي نظرية (درء الفتن)، وسيأتي الحديثُ عنها لاحقًا - بإذن الله تعالى - في حديث مستقلٍّ ليس هذا أوانَه.

ولكن نستفيد مِن الحديث في الدرجة الأولى أنَّ أهمَّ جهاز أمْني في الدولة المسلِمة هو جهازُ الأمْن الدِّيني، والذي يكافح الجرائمَ المرتكَبة باسم الدِّين، وقداسة هذا النوع مِن الجهاد في سبيلِ الله الذي يحفظ الله به الأُمَّة مِن شرِّ هؤلاء الطُّغاة المجرمين.

وقدْ تكرَّر ظهور أمثال هؤلاء الضالِّين بقلَّة شديدة ونُدرة عظيمة في عهدِ الخلافة الراشِدة، وكان الخلفاء الراشدون يتصدَّون لمِثل هذا الإجرام بكلِّ حزْم وشدَّة.

ومِن ذلك ما فَعَله الصِّدِّيق - رضي الله عنه - ضدَّ فِرق الضلال التي عقبتْ وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث عقَد أحدَ عشرَ لواءً مِن جند الله الأبرار في ساعةٍ مِن نَهار ليقاتل بها الضالِّين مِن: (المرتدين / المتنبِّئين/ مانعي الزَّكاة)، وكانتْ من أعظم الملاحِم التي قام فيها المجاهِدون في سبيل الله بجهادِ الأعداء المنتسبين للأمَّة.

وهذه حروبٌ مبسوطة في كُتب السير، وليس هذا أيضًا موضعَ بسطها.

ولكن الخلاصة هي: وجوبُ جهاد الأمَّة للخارجين عليها بمفهوم دِيني ضالٍّ، كمَن منعوا الزكاة؛ زَعمًا منهم أنها تسقط عنهم بوفاةِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومِن هذا التطرُّفِ الدِّيني الذي نشأ في عهد الخلفاء الراشدين: ما فعله الفاروقُ عمرُ - رضي الله عنه - مع صَبيغ بن عسل، وملخَّص القصَّة أنَّ صَبيغًا كان متفيهقًا يتكلَّم في القرآن برأيه وهواه، فبلَغ ذلك عمرَ - رضي الله عنه - فبعث إليه وقدْ أعدَّ له عراجينَ النخل، فلمَّا دخَل عليه جلس.

فقال له عمر - رضي الله عنه -: مَن أنت؟
فقال: أنا عبد الله صَبيغ.

فقال عمر - رضي الله عنه -: وأنا عبدُ الله عمر، ثم أهْوَى إليه فجعَل يضربه بتلك العراجين، فما زال يَضرِبه حتى شجَّه فجَعل الدم يسيل على وجهِه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد واللهِ ذهَب الذي كنتُ أجِد في رأسي.

وفي رواية أنه قال: إنْ كنتَ تريد قتْلي فأجهِز عليَّ، وإن كنتَ تُريد شفائي فقد شَفيتني شفاك الله فأرْسلَه عمرُ.
وكتب إلى أهل البصرة ألاَّ يُجالسوه.

وفي رواية: فأمَر به عمرُ - رضي الله عنه - فضُرِب مائة، وجُعل في بيت، فإذا برِئ دعا به فضرَبه مائة أخرى، ثم حمله عل قتْب، وكتَب إلى أبي موسى: حرِّم على الناس مجالستَه، وأن يُحرَم عطاءَه ورِزقَه، واحملوه على قتْب، وأبلغوا به حيَّه. ثم ليقم خطيبٌ فيقُلْ: إنَّ صَبيغًا طلَب العِلم وأخطأه.
قال: فلو جاءَ ونحن مائة لتفرَّقْنا.

وكان صَبِيغ بالبصرة كأنَّه بعيرٌ أجْرَب، يجيء إلى الحلقة، ويجلس، وهم لا يعرفونه، فتُناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر، فيقومون ويدَعونه، فلم يزلْ كذلك حتى أتى أبا موسى فحلَف له بالأَيمان المغلَّظة ما يجِد في نفسه ممَّا كان شيئًا، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتَب إليه: ما إخاله إلاَّ قدْ صدَق، فخلِّ بيْنه وبيْن مجالسته الناس.

فلم يزلْ وضيعًا في قومه بعدَ أنْ كان سيدًا فيهم؛ راجع: (سُنن الدارمي، والموطأ، والبزار، وغيرهم).

فكان الخلفاءُ الرَّاشِدون يقظِين لمِثل هذا التطرُّف الدِّيني الذي يُهدِّد عقائدَ الناس، وأمنَهم بمفهوم دِيني ضالّ.

وبَعْدَ غائر العينين وصَبِيغ وابن ملجم، نشأ العديدُ مِن الفرق الضالَّة التي ارتكبَتِ الجرائم باسمِ الإسلام، والإسلام منها بريء براءةَ الذئب مِن دمِ ابن يعقوب.

ومَن شاء فليرجع لكتاب "الملل والنحل" لابن حزم، وللشهرستاني، ليعلم كم كان ضلالُهم، وكم كان شرُّهم وخطرُهم على الأمَّة، وكم نحن محتاجون إلى مِثل هذا الجهاز الأمني لحماية عقائدِ الأمَّة من الضالِّين، وحمايتهم مِن الجرائم البشعة المرتكَبة باسمِ الدِّين.

فهؤلاء الضالُّون يجب أن يُعامَلوا كما تَعامَل معهم الخلفاءُ الراشدون، كلٌّ بحسب موقفه، ورحِم الله الشافعي إذ يقول: "حُكْمِي في أَهْلِ الكَلامِ، حُكْمُ عُمَرَ في صَبِيْغٍ"سير أعلام النبلاء".

التحريف العصري لأمْن الدولة:
وفي عصرِنا هذا قام العديدُ مِن الحكَّام المستبدِّين بإنشاء جهاز أمْن الدولة، ولكنَّهم لا يحاربون به التطرُّفَ الدِّيني، بل يحاربون به أهلَ السُّنَّة، والدعاةَ إلى الله، ويُنكِّلون بكلِّ مَن حاول التقويمَ لشيءٍ مِن اعوجاجهم.

فمن خالف هواهم ساموه سوءَ العذاب، وأليمَ العِقاب؛ إذ اختزلوا الدِّين والدولة كليهما في أشخاصِهم.

فجعلوا من مسألة بقائِهم في السلطة القضيةَ المقدَّسة، التي تستحقُّ أن ينفقوا عليها أموالَ الأمَّة جميعها، وأن يقتُلوا أبناء الأمَّة كلها!!

وأرجو مِن الله تعالى أنْ أكون موفقًا في توضيحِ أهمية الأمْن الدِّيني وعظيم خطرِه في النِّظام الأمني الإسلامي.

وآخِرُ دَعْوانَا أَنِ الحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



__________________
رد مع اقتباس
  #215  
قديم 23-11-2012, 01:54 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأمن الجنائي للمجتمع المسلم 2


محمد فريد فرج فراج



أمن المجتمع


ثانيًا: الأمن الجنائي



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِيْنَ - صلَّى الله عليه وسلَّم.


تحدَّثْنا من قبلُ عن ضمان الإسلام لأمْن الفرد، ثم تحدَّثْنا عن ضمانِ الإسلام لأمْن المجتمع، وذكرنا أنَّه ينقسم لشقين: ((ديني/ جنائي))، وتناولْنا آنفًا الشقَّ الدِّيني، وهو أهمهما؛ بل هو أهمُّ أركان المنهج الأمْني في الإسلام طُرًّا.


وهنا نتحدَّث عن أمْن المجتمع بشقِّه الجنائي:
ونقصد بأمْن المجتمع: هو الجهاز الأمْني الذي يُكافِح الجريمةَ التي تُرتَكب في حقِّ المجتمع بأَسْره وتهدِّد سلامته، وليستْ خاصَّةً بأحد أفراده.


ويندرج تحتَ هذا اللون مِن الجرائم: (ال******/ السِّرِقة بالإكراه/ قطْع الطريق/ تجارة المخدِّرات/ الغش في موادِّ البناء/ غش السِّلع التي يسبِّب غشها كوارثَ عامَّة/ الغش في السِّلع الغذائية/....)، وقِس على هذا كلَّ جريمة تهدِّد أمْنَ وسلامةَ المجتمع ككل، وتجعل أفرادَه في حالة رُعْب وفزَع.


ولعِظمِ هذه الجرائم فقدْ شدَّد الإسلام عقوبتَها، بحيث جعلَها أعْلى عقوبةٍ في الإسلام كما يتَّضح في القرآن الكريم؛ ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 33 - 34].


وقد حدَثتْ واقعة بشِعة في عهدِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن جِنس هذا الإجرام، كما في الحديث عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّ ناسًا من عُرينةَ قدِموا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ فاجتووها، فقال لهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ شِئتُم أن تخرجوا إلى إبلِ الصَّدَقة فتشربوا مِن ألبانِها وأبوالِها))، ففَعلوا فصحُّوا، ثم مالوا على الرِّعاءِ ف***وهم وارتدُّوا عن الإسلام، وسمَّلوا أعينَ الرِّعاء، وساقوا ذودَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبَلغ ذلك النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبَعث في أثرِهم فأُتِي بهم فقطع أيديَهم وأرجلَهم، وسمَّل أعينَهم، وترَكهم في الحرَّةِ حتى ماتوا؛ (حم/خ/م).


وهنا وقفةٌ شديدةُ الأهمية؛ إذ لم تعرِفِ البشرية أرحمَ ولا أحنَّ مِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن لماذا تصرَّف النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا الحزْم والحسْم الشديدَيْنِ؟!


لقدْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتألَّف قلوبَ الناس بكلِّ ما يملك مِن المال، حتى حَكَى عنه الصحابة - رضي الله عنهم - أنَّه كان يُطعِم ضيوفَه من الكفَّار ما لديه مِن الطعام وينام هو جائِع البطْن.


واشتهر عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيْن العرَب أنه يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر.


وهناك الكثيرون مِن الأعراب يعيشون على السلْب والنهب، ولا وظيفةَ لهم إلا القتْل وال******، ومِن قبل قام بعضُ هذه القبائل بتتبُّع بعض الصحابة وقاموا بقتْل بعضهم، وبيع الآخَرين لقريشٍ ف***وهم.


وبعدَ ذلك طلبتْ بعضُ القبائل مِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مجموعةً من الصحابة ليعلِّموهم دِينَهم، فأعطاهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سبعين رجلاً مِن خيرة قُرَّاء وعلماء الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - فغَدَروا بهم، وقتَلوهم جميعًا، وتكرَّر هذا الغدرُ مِرارًا!!


حتى جاء هؤلاء الغادرون، وأظْهروا الإسلام، فأكْرَمهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجعَلهم يمكُثُون في المدينة يأكلون ويشربون بلا عملٍ ولا وظيفة، يخدمُهم الرعاةُ ابتغاءَ وجه الله، فما إنْ صحَّت جسومُهم حتى كافؤوا النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين، فارتدُّوا عن الإسلام، وقتَلوا الرعاة، وسمَّلوا عيونَهم، وقطعوا آذانَهم، ومثَّلوا بهم، واستاقوا الإبل!


وعليك أن تتصوَّر ما يَفعله خبرٌ كهذا إذا شاع بيْن مجموعةٍ مِن الأعراب الأجلاف الذين يعيشون على السَّلْب والنهب؟!


لو تُرِك الأمر هكذا؛ إذًا لأصبحتِ المدينة صيدًا سهلاً، فما على أيِّ مجرِم محترف إلا الرحلة إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم إظهار الإسلام والمكْث في المدينة لحين غِرَّة مِن أهلها في*** ويغتصِب ما يشاء، ثم يرجع آمنًا متسربلاً بسماحةِ الإسلام!!


ولتعيش المدينة بعدَ ذلك في رُعْب وهلَع وفزَع، لا يسلَم منه طفلٌ ولا امرأةٌ ولا شيخ!


فهذا الصِّنْف مِن الجرائم يجب أن يتصدَّى له المجتمعُ بكلِّ الحسْم والحزم الشديدَيْنِ اللَّذَين أمَر بهما ربُّنا في كتابه - سبحانه وتعالى؛ حفظًا على أمْن المجتمع وسلامته مِن عبَث العابثين، وكما فعَل - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع هؤلاء الغادرين.


وآخِرُ دَعْوانا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَميْنَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



__________________
رد مع اقتباس
  #216  
قديم 23-11-2012, 01:56 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


الأمن مسئوليتنا جميعا

أ. د. عبدالله بن محمد الطيار


الحمد لله الذي امتنَّ على خلقه بالأمن، فقال: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 4]، وأشهد ألا إله إلا الله حرَّم الظلم وتوعَّد الظالمين بأليم العقوبة، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله القائل: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه))، صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].


أيها المؤمنون:
الأمن مطلب لا تستقر الحياة دونه، وهو مسؤولية الناس جميعًا، ولا طعم للحياة بلا أمن، بل الحاجة إليه كالحاجة للطعام والشراب، فلا قوام للحياة دونه.


وفي هذه الليالي والأيام المباركة من هذا الشهر الكريم يأبَى أصحاب النفوس الحاقدة، والأفكار المنكوسة إلا تكدير الصفو على الآمنين، ومحاولة خرق سفينة المجتمع؛ لتحقيق ما يطمع له أعداء هذه البلاد من زعزعة الأمن، وبث الفرقة، وتسليط أدوات من هذا المجتمع عشعش الفكر الضال في عقولهم، فخدموا أعداء الدين من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

عباد الله:
إن مسؤوليتنا الشرعية والخلقية والوطنية تحتِّم علينا المساهمة كل على قدر استطاعته في الحفاظ على الأمن بمفهومه الشامل، وردع الظالمين، وفضح مَن تسوِّل له نفسه العبث بأمن البلاد أو الاعتداء على حُرمات العِباد، وينبغي ألا تأخذنا العواطف في التسامح والتساهل مع المجرمين أيًّا كان نوعهم، ومهما كانت مشاربهم.


عباد الله:
لقد كفلت شريعة الإسلام حقوق المسلمين وغيرهم؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من آذى ذِمِّيًّا، فأنا خصمه يوم القيامة))، هذا في حق غير المسلمين من أهل الذمة، أما أهل الإيمان فالله - جل وعلا - حرم أذيتهم قولاً وفعلاً، وعظم أمرها ورتب العقوبات الصارمة عليها، وأنتم تقرؤون في كتاب الله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].


وإن ما حدث ليلة البارحة من محاولة الاعتداء على صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية من أشنع الظلم؛ إذ يجتمع في هذه الجريمة أنواعُ الظلم كلها.

لقد روعت هذه الفعلة النكراء الآمنين، وأقضت مضاجع المؤمنين، وكدرت ليلة الخاشعين العابدين، ومَن يدري لعلَّ الله حفظ سمو الأمير، وكفاه شر هذه الجريمة بدعوات الراكعين والساجدين الذين يدعون له ولغيره من ولاة الأمر، الذين يسهرون لتحقيق الأمن لهذه البلاد، ولكل مَن يقيم على ثراها.

أيها المؤمنون:
لقد أخذ الإرهاب أشكالاً متعددة وطرقًا ملتوية؛ لتحقيق مكاسب لأعداء الدين وأعداء المسلمين، وهذا الفكر الذي يخدم أعداءنا يجب أن نقف في وجهه بكل حزم وقوة، فبلادنا - ولله الحمد والمنة - تمدُّ ذراعيها لكل من يريد الخير، وتفتح صدرها لكل من يتعاون معها لخير البلاد والعباد، لكننا أيها الإخوة، محسودون على ما ننعم به من نعمة الدين والأمن والاجتماع، وحتى الثروة في بلادنا هناك من يطمع بها من أصحاب القلوب المريضة، فلنكن يدًا واحدة، ولنتعاون جميعًا على الخير، فكل منَّا حارس وكل منَّا على ثغره، وهو مسؤول عنها، فاجتهدوا - وفقكم الله - وضعوا أيديكم بأيدي ولاة أمركم، وكونوا سدًّا منيعًا أمام هؤلاء الأعداء، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 3 - 4].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي المؤمنين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أكرم الصائمين، وأصدق القائمين، صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون - بارك الله فيكم - أن الحياة مَيدان للصراع بين الحق والباطل، فللحق جنوده ورجاله، وللباطل أنصاره وأعوانه، ولكن سَرعان ما يزهق الباطل، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].


عباد الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90].


﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201].


صلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة.



__________________
رد مع اقتباس
  #217  
قديم 23-11-2012, 01:57 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأمن أهم مطالب الحياة

د. زيد بن محمد الرماني



يعتبر الأمن من أهم مطالب الحياة، بل لا تتحقق أهم مطالبها إلا بتوفره؛ حيث يعتبر ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي؛ لتحقيق المصالح العامة للجميع.

والتاريخ الإنساني يدل على أن تحقيق الأمن للأفراد والجماعات الإنسانية، كان غاية بعيدة المنال، وفي فترات طويلة من التاريخ، وأن الأمن لم ينبسط على الناس في المعمورة إلا خلال فترات قليلة.


فالحرب والقتال بين البشر ظاهرة اجتماعية لم تختف حتى الآن، وكان تغير الدول والإمبراطوريَّات قديمًا، ونشأتها وضَعفها وانتهاؤها، مرتبطًا في الغالب بالحروب ونتائجها.

إن الأمن معنى شامل في حياة الإنسان، ولا يتوفر الأمن للإنسان بمجرد ضمان أَمْنِه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن على عقيدته التي يؤمن بها، وعلى هُويته الفكرية والثقافية، وعلى موارد حياته المادية.

يقول د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي في كتابه «الأمن في حياة الناس»: إن تكامل عناصر الأمن في مجتمع معين، هو البداية الحقيقية للمستقبل الأفضل، وتوفر عناصر الأمن الديني والاجتماعي والاقتصادي، والثقافي وبقاؤه في المجتمع - ضمان له لاستعادة أَمْنه الخارجي؛ حتى لو فقده بصفة مؤقتة.

ويقول - عزَّ وجلَّ -: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة : 125] ، ويقول – سبحانه -: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل : 112].

فالأمن على نفس الإنسان وعلى سلامة بدنه من العِلل، والأمن على الرزق - هو الأمن الشامل الذي أوجز الإحاطة به وتعريفه حديث رسوله الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا))؛ رواه البخاري - رحمه الله - في "الأدب المفرد".

إن الفطرة الإنسانية تقتضي الاجتماع، ومتى وجد جماعة من الناس، تعيّن أن تقوم فيهم سلطة حاكمة ترى مصالحهم، وتعمل من أجل بقائهم وتقدُّمهم، وتحجز بين أفرادهم حين تختلف المصالح.



فالمسلم يحتاج في إقامة دينه وأداء شعائره، والأمن على نفسه وعرضه وماله - إلى مجتمع آمن؛ حتى ولو كان يعيش في بلد ومجتمع غير مسلم.
فالأمن من أول مطالب الإنسان في حياته.

إذ يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله.

لذا جعلت الشريعة السمحة الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها.

فأنزلت الحفاظ على الدين والنفس، والعقل والنسل، والعرض والمال - منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة إلا بها، وجعلت حاجات الإنسان التي تُيسر حياته في مرتبة تالية (مرتبة الحاجات).
وأفسحت مجالاً تكتمل به حياة الإنسان فيما عدته من الكماليات والتحسينات.

فلا شك أن أمن الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت له ضرورات الحياة هذا في أي مجتمع يعيش فيه.

إن الأمن الفردي؛ أي: أَمْن الإنسان على نفسه وماله وعرضه ضد أي اعتداء يقع عليه من غيره، مكفول عن طريق تطبيق الأحكام الشرعية التي تحمي الأنفس والأعراض والأموال.




__________________
رد مع اقتباس
  #218  
قديم 23-11-2012, 01:59 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي



الأمن نعمة


الشيخ أحمد الفقيهي

عباد الله:
نِعَمُ الله على الناس تَتْرى، وآلاؤُه ومنافعه لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ما غابتْ نعمةٌ إلا ظهَر غيرُها، ولا فُقِدَتْ منةٌ إلا أنْعَم على الناس مثلَها، أو خيرًا منها.
أيها المسلمون:
نعمةٌ من نِعَم الله - تعالى - لا يهنأ العيشُ بدونها، ولا يقَرُّ قرارٌ عند فَقْدها، إنها النِّعْمَةُ التي يبحث عنها الكثيرُ، ويخطب ودَّها الصغيرُ والكبير.
هي نعمة لا أجَلّ منها ولا أعظم إلا نِعْمة الإسلام، أعرَفْتُم تِلْكم النعمة - يا عباد الله - إنَّها نعمة الأَمْن والأمان، والسلامة والاستقرار في الأوطان.
عباد الله:
نعمةُ الأمن امْتَنَّ الله بها على قريش، حين أعْرَضُوا عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال - سبحانه -: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}
[1]، وذَكَّرَهُم - سبحانه - بأحوال الذين فَقَدُوها مِنْ حَوْلِهم؛ فقال - عز مَن قائل سبحانه -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[2]، ثم جَعَلَها - تعالى - لعِظَمِها داعيًا لهم إلى الإيمان؛ فقال - جلَّ ذِكْرُه -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4].
أيها المسلمون:
وحين خاطَبَ المولى - سبحانه - صحابَةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ذَكَّرَهُم بتفَضُّلِه عليهم بنعمة الأمان، وامْتَنَّ عليهم بنصره لهم وإيوائه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[3].
أيها المسلمون:
إنَّ أول أمرٍ طلَبَهُ إبراهيم - عليه السلام - من ربِّه هو أن يجعلَ هذا البلَد آمنًا؛ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}
[4]، وفي آية أخرى قدَّم - عليه السلام - في ندائه لرَبِّه نعْمَةَ الأمن على نعْمة العَيْش والرِّزْق؛ فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[5].
عباد الله:
إنَّ استقرار المجتمع المسلم الذي يهنأ فيه بالطعام والشراب، ويكون نهاره معاشًا، ونومه سباتًا، وليله لباسًا - لا يُمكن أن يتَحَقَّق إلا تحت ظِلِّ الأمن والأمان، فكم منَ البلاد حولنا عاقَبَهُمُ الله بِنَزْع الأمن والأمان من بلادهم؛ فعاش أهلُه في خوفٍ وذُعْرٍ، وفي قلَقٍ واضطراب، لا يَهْنَؤُون بطعام، ولا يَتَلَذَّذُون بشراب، ولا ينعمون بنَوْمٍ، الكل ينتظر حتْفَه بين لحظةٍ وأخرى! وقد قيل لحكيم: أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإنِّي وجدتُ الخائف لا عيش له.
أيها المسلمون:
إن مكانة الأمن كبيرة، وكان نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَلَ شهرٌ جديد، ورأى هلاله، سأل الله أن يجعلَه شهر أمن وأمان، وقال: ((اللهُمَّ أهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تُحب وترضى))
[6].

وفي الحديث الآخر يُذَكِّر - صلى الله عليه وسلم - الناس بهذه النِّعمة؛ فيقول: ((مَنْ أصبح منكم آمناً في سِرْبه، معافًى في جسَده، عنده قُوت يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها))
[7].
عباد الله:
إذا تفَيَّأ المجتمعُ ظلال الأمْنِ والأمان، وجَدَ لذَّة العبادة، وذاق طعْمَ الطاعة، فعمرت المساجد، وأُقيمَت الصلوات، وحُفِظَت الأعراض، وانْتَشَر الخيرُ.

وإذا ضعف الأمْنُ واختَلَّ، تبَدَّلَ الحال، ولَمْ يهنأ أحدٌ براحة بال، فتختل المعايِشُ، وتُهْجَر الديار، وتُفارَق الأوطان، فتُقْتَل أنفس بريئة، ويُيَتَّم أطفال، وتُرَمَّلُ نساء، ولن يدركَ ذلك إلا مَن ذاق وَيْلات الحروب، واصطلى بِنِيرانِها.
أيها المسلمون:
لقد أنْعَم الله على كثيرٍ من الأُمَم بنِعْمَة الأمن، لكنهم لما كَفَرُوا بنعمة الله، وأعْرَضُوا عن شرع الله؛ عاقَبَهُم الله، فبَدَّلَ أمنهم خوفًا، فلا تسلْ عما يحلُّ بهم بعد ذلك؛ يقول سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}
[8].
عباد الله:
إنَّ دوام النِّعَم وشُكْرها مقترنان؛ فكُفْرُ النِّعمة يعرضها للزوَال، وشُكرها يطيل أمَد البقاء، فالذنوبُ مُزِيلَةٌ للنِّعَم، وبها تحل النِّقَم؛ قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[9].

ألا وإنَّ منَ الخطأ - عباد الله - قصر مفهوم الأمن على نطاق ضَيِّقٍ، يَتَمَثَّل في مُجَرَّد حماية المجتمع من السَّرِقة، أو النَّهْب، أو ال***، وما شابه ذلك؛ فمفهومُ الأمن أعَمُّ مِنْ ذلكم وأجَلُّ؛ حيث يشمَلُ التمَسُّك بعقيدة التوحيد، والبُعْد عن الشِّرْك وموالاة الأعداء، ومحارَبة مَن يسْعَون إلى تنْحِيَة شرْع الباري - جلَّ شأنُه - عن واقع الحياة، أو مُزاحمة شرْع الله بشَرْع غَيْرِه؛ {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}
[10].
أيها المسلمون:
إنَّ أمن العُقُول لا يقل أهمية عن أمْنِ الأرواح والأموال، فكما أنَّ للأرواح والأموال لصوصًا؛ فإنَّ للعقول لصوصًا كذلك، ولصوصُ العقول أشَدُّ خطرًا، وأنكى جُرحًا، من سائر اللصوص.

اللهُمَّ إنا نسألك الأمن والأمان، والسلامة والإسلام، يا ذا الجلال والإكرام.






الخطبة الثانية

عباد الله:
إنَّ الاختلال الأمْني المتَمَثِّل في كثْرة ال***، وإزهاق الأنْفُس البريئة، من غير برهان - لَهُوَ من علامات آخر الزمان المنذرة بِدُنُوِّ الساعة، التي لا يعلمها إلا الله؛ ففي الصحيحَيْن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يتقارَبُ الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتَن، ويكثر الهرْج))، قالوا: يا رسول الله، وما الهرْج؟ قال: ((القتْل، القتْل))
[11].

أيها المسلمون:
إنَّ حفظَ الأمن واستمراره في بلاد الحرمين آكَد من سائر البلدان، فعلى مكة نزَلَ الوحي، وبين لابتي طابة شعَّ النور في الآفاق، وفي بلاد الحرمَيْن بيتُ الله قائم، ومسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم - عامر.

ولأجل الأمن - أيها المسلمون:
الذي تَنْعَمُ به بلاد الحرمَيْن ببركة دعاء إبراهيم - عليه السلام - في قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}
[12]، لأجل هذا الأمن والأمان الذي تنعم به بلاد الحرمين شرَّق الأعداء، فراحوا يُدَبِّرُون الخطَط والمؤامَرات؛ للإفساد في الأرض، وترْويع الآمنين، ومَن كان في قلبِه إيمانٌ صحيحٌ فلا يُمكن أن يَتعاوَنَ على أهل الإسلام وبلاد الإسلام.

ألا فانهلوا - عباد الله:
من منبع الكتاب والسنة، من غير تحريف ولا تأويل لنُصُوصهما، واثبتوا في الكرْب عند ورثة الأنبياء، واستنيروا بآرائهم؛ فهي سدادٌ في الرأي، وتوفيق للصواب، ودَرْءٌ للفساد.
عباد الله:
صلُّوا على مَن أمركم اللهُ بالصلاة والسلام عليه.




ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] [القصص: 57].
[2] [العنكبوت: 67].
[3] [الأنفال: 26].
[4] [إبراهيم: 35].
[5] [البقرة: 126].
[6] أخرجه التِّرمذي.
[7] أخرجه التِّرمذي.
[8] [النحل: 112].
[9] [الأنفال: 53].
[10] [آل عمران: 83].
[11] أخرجه الشيخان.
[12] [البقرة: 126].




__________________
رد مع اقتباس
  #219  
قديم 23-11-2012, 06:27 AM
مستر مصطفى الناقه مستر مصطفى الناقه غير متواجد حالياً
مــٌــعلــم
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,465
معدل تقييم المستوى: 14
مستر مصطفى الناقه has a spectacular aura about
افتراضي

بارك الله فيك
__________________
رد مع اقتباس
  #220  
قديم 23-11-2012, 01:01 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر مصطفى الناقه مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
جزاك الله خير
__________________
رد مع اقتباس
  #221  
قديم 24-11-2012, 01:43 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

السبيل إلى الأمن والرزق (1)



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: بعث اللهُ - تعالى - محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه القرآن هُدًى لِلنَّاس وبينات من الهدى والفرقان، فما من شيء ينفع الناس، ويحقق مصالحهم إلا دلت عليه شريعة الله - تعالى - وحذرتهم من كل ما يضرهم أو يسبب شقاءهم {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
شريعة كاملة شاملة، اختارها ربُّنا - جل جلاله - ورضيها، وأمر الناس بالأخذ بها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125].


شريعةٌ أنزلها وفرضها من يملك السموات والأرض، ويحي ويميت، ويقدر الأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة {وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء: 126].
شريعةٌ تحقق الأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة، فمن تمسك بها، ووقف عند حدودها؛ فله الأمنُ في الدنيا والآخرة، ولن يشقى أو يخاف، ولو اجتمع أهلُ الأرض كلهم على إخافته وشقاوته فلن يستطيعوا ذلك؛ لأن السعادة والشقاوة، والأمن والخوف، محلها القلب، ومن يملك القلوب إلا الله - تعالى - {أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء))[1].


وإذا أراد الله - تعالى - أمان شخص، وطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وراحة باله؛ فلن تستطيع أية قوة إخافته أو زعزعته، ومهما كان أسيرًا أو طريدًا أو معذبًا أو مشردًا، فإنه يعيش في نعيم ما دام الله - تعالى - قد ربط على قلبه، وثبَّت نفسه، على حد قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - لما سجن في القلعة: "ماذا يفعل بي أعدائي، إن جنتي في صدري، أنَّى ذهبت فهي معي"[2].
وتأمل يا عبد الله عجيب تدبير الله - عزَّ وجلَّ - وتأمينه لعباده المؤمنين في مواطن الخوف وملاقاة العدو، كما في غزوة "بَدْر" {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11]، وفي غزوة "أُحُد" {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران: 154]، كان أحدهم من شدة نعاسه يسقط سيفُه من يده، ويُطأطأ رأسُه على راحلته[3].


عجيبٌ والله تدبير الله - تعالى - إنه تدبيرٌ على خلاف حسابات البشر وظنونهم، فالمعارك تحتاج إلى اليقظة والقوة. والنعاسُ عنوانُ الضعف والغفلة، التي تسبب الفشلَ والهزيمةَ، ولكن الله - تعالى - بقدرته يجعل النعاس مصدر قوةٍ؛ لأن فيه أمنًا للقلوب من الخوف، وراحة للأجساد من التعب، ولو كان ذلك النعاس على أرض المعركة، وفي أصعب الساعات؛ فسبحان الله العليم القدير!
في مقابل ذلك فإن الله - تعالى - إذا خذل عبدًا، وسلب منه الأمن والطمأنينة؛ فلن يأمن ولو تحصن بحصونِهِ، ولبس دروعه، وحرسه البشرُ كلُّهم؛ كما لم يأمن بنو النضير عندما حاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نقضوا العهد مع المسلمين، وحاولوا *** النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحصَّنوا في حصونهم، وخزنوا مؤنهم، وأغلقوا عليهم أبوابهم، وحرسوا قلاعهم، ولا خوف عليهم من جوعٍ أو قلة أو نقصِ سلاحٍ أو قوةِ عدوٍّ أو كثرته؛ مما يحتم عليهم عسكريًّا الثبات والقتال، ولا سيما أن من يحاصرونهم هم أقل منهم سلاحًا وطعامًا، وقد لا يصمدون طويلاً في العراء والحصار، ولكن الله - تعالى - سلَّط على يهود بني النضير رعبًا اخترق حصونهم من دونِ اقتحام، واستقرَّ في قلوبهم بلا قتال؛ فنزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلاهم عن المدينة {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2].


إن تحقيق الأمن على مستوى الأفرادِ والدول والأمم صار في هذا العصر هاجسًا ينفقُ فيه البشرُ من الأموال أكثرَ ممَّا ينفقون على مآكلهم ومشاربهم ومراكبهم وعمرانهم وأي شيء آخر؛ إذ لا فائدة من أي شيء بلا أمن، ولا طعمَ لأي حلوٍ في حالة الخوف.
ولن يتحقق الأمنُ للبشر إلا بالإيمان بالله - تعالى - والتزام الإسلام شريعةً ومنهجًا، فمن حقق الإيمانَ فلن يخاف، ومن كفر بالله - تعالى - فلن يأمن، وكيف يأمنُ من أراد الله - تعالى - خوفه؟! وكيف يخافُ من أراد اللهُ - تعالى - أمْنَه؟! وهذا ما قاله الخليل - عليه السلام - حينما أخافه المشركون بأصنامهم وطواغيتهم قال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 81-82]، ما كان أمنهم إلا لأن الله - تعالى - أراد أمنهم؛ بسبب إيمانهم وإخلاصهم.


وإذا تجمعت الحشود، وعظمت الخطوب، وتجبر الأقوياء، ودنت ساعةُ الخطر؛ لاذَ المؤمنونَ بحمى الله - تعالى - فأمَّنهم - سبحانه وتعالى - بإيمانهم ويقينهم، وربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وحفظهم من السوء والمكروه {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173-174].
إن العالمَ المعاصرَ قد أسس بنيانه على ما يكون سببًا في الذعر والخوف، واستبعد ما يحقق الأمن والسلام؛ فهو عالمٌ في أكثره - أفرادًا ودولاً وأممًا - مؤسسٌ على الإلحاد والمادية، بعيد عن الإيمان بالله - تعالى - ومعرفة أوامره ونواهيه، والتزام حدوده وحرماته، فأضحى أكثر أفراده يلهثون في الدنيا؛ لأنهم لا يرجون الآخرة، واستباحوا كلَّ محرم من ربا وغش ونهبٍ؛ لتأمين هذه الدنيا التي لا يرجون غيرها، وصار عالمهم بين اثنين لا ثالث لهما؛ إمَّا لصٌّ غني، يتاجر في المحرمات، ويأكل السحت والربا، ويلتهمُ بشركاته العملاقة صغار التجار حتى يفقر الناس، ويسيطر على الأسواق، وإمَّا فقير محترق قد مص الأول دمه، وسحق عظمه، وشرد أسرته، ورمى به على قارعة الطريق، بما حمَّله من أغلال الربا، وكبله باحتكار السلع، ثم يقومُ هذا الطاغية المستكبر بشراء الذمم بأمواله، وصياغة القوانين بجاهه وسلطانه، وتوجيه الإعلام للدعاية إلى أفكاره وآرائه؛ من أجل تنمية ماله، وجمع المزيد والمزيد حتى يضمن تربعه على عرش المال والأعمال!! ثم ماذا بعد ذلك؟ وهل أمِنَ مَن بلغ هذا العرش؟ كلا، إنه لم يحقق الأمن، ولن يأمن ما دام يفقدُ الإيمان.


أوَليسَ يدفعُ طائلَ الأموال للتأمين على حياته وعلى شركاته ومساكنه ومراكبه وكل شؤونه، فلو كان آمنًا ما احتاج إلى التأمين؛ ولكن الله - عزَّ وجلَّ - شاء أن يأتيه الخوفُ من مأمنه، فمأمنه ما جمعه من أموال يضمن بها رفاهيته في الدنيا التي لا يرجو غيرها؛ ولكن هذه الأموال التي جمعها صارت مصدر رعبٍ وخوف، لا يعرف كيف يحافظ عليها من الضياع، ولو ضاع بعضُها لربما ضاعت نفسه معها!!
ولأنه جمع ثرواته، وسن القوانين التي تخدمه بالطرق المحرمة؛ فإن ضحايا قوته وبطشه سينتقمون منه، والمنافسون له سيتطلعون إلى ما يملك، فاحتاج إلى أن يؤمن خوفه من الحاقدين عليه، والمنافسين له، ويؤمن على أمواله بدفع بعضها لضمان بقائها؛ فصار مصدرُ الأمن هو مصدر الخوف عند هؤلاء الملاحدة الماديين!! هكذا أصبح الحال عند أفرادهم وأممهم، والبلادُ الغربية ومن سار في فلكها المادي الإلحادي لا تعدو ذلك.


أمَّا المؤمنون الصادقون فإنهم موقنون بأن الرزاق هو الله - تعالى - وأن رزقه ينال بطاعته وتقواه، وأن الحافظ هو الله - تعالى - فلا يتعلقون بسواه {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطَّلاق: 2-3].
فنسأل الله - تعالى - أن يؤمِّن خوفنا، وأن يربط على قلوبنا، وأن يحسن خواتيمنا، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى وآله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - فمن حقَّق التقوى أمن في الدنيا والآخرة {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزُّمر: 61].


أيها المسلمون: لما كانت قيادةُ العالم بيد المسلمين كانت البشرية تنعم بالأمن والسلام، فلما تحوَّلت القيادة إلى غيرهم انتشر الذعرُ والخوفُ والظلمُ والبغيُ والعدوان؛ ذلك أن الإسلام من الاستسلام لله - تعالى - بالخضوع والطاعة، والانقياد لشرعه وأمره، ومن استسلم لله - تعالى - سلَّمه الله من الخوف، وسلَّم النَّاس مِن ظلمه وبغيه؛ لأنه يعمل فيهم بحكم الإسلام الذي هو مصدر الأمن والسلام. والإيمانُ من الأمان، فأصحابه آمنون في الدنيا والآخرة، ويأمنهم غيرهم؛ ولذا صح عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[4].
وفي الحديث الآخر: ((المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم))[5]. فمن دخل في الإسلام دخل في دائرة الأمن والأمان؛ كما قال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله - تعالى - حرُم دمُه وماله، وحسابه على الله))[6].


ومن دخل من الكفار تحت حكم المسلمين بعقد أمانٍ أو ذمة نالته بركة الإسلام؛ فأمِنَ على نفسه وعرضه وماله وولده. وكل أمةٍ أو طائفة تحقق الإسلام والإيمانَ فإن الأمن سيتحقق لها لا محالة؛ وذلك بموجب قول الله - تعالى -: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور: 55].
كما أنَّ كُلَّ أمَّةٍ أو طائفةٍ تفقد الإيمان، ولا تلتزم الإسلام شرعة ومنهاجًا؛ فلن تأمن أبدًا مهما عمِلتْ منِ احترازات، ومهما ملكت من أسلحة وقوات؛ وذلك بموجب قول الله - تعالى -: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].


فيا ليت شعري من يهدي جمهور البشرية التائه، الهائم على وجهه يبحث عن الأمن والسلام، من يهديه إلى الإسلام؛ ليحظى بالأمن والسلام؟!
ماذا جرَّت سيادة المادّيّين على العالم، وإلى أين ستوصله؟ إنَّها جرَّت البشرية إلى مكامن الخوف، ومواطن الرعب.
ظلَّت القوتان الشرقية والغربية ردحًا من الزمن، تستبقان في ميادين التسلح، وتتنافسان في صنع الدمار؛ حتى صنعوا من أسلحة الدمار الشامل ما يدمرُ الأرض عشرات المرات، ثم صار ما صنعوا وبالاً عليهم وعلى البشرية، ومصدر رعبٍ وخوف في حفظه من أن يقع في يد من يستخدمه ولا يبالي، وكما أنفقوا المليارات على صنعه باتوا ينفقون أضعافها على حفظه وحراسته ونزعه.


ثُمَّ لما ملكوا القوة ما سخروها في خدمة البشرية، وبسط العدل فيما بينهم، والسعي في تحقيق الأمن والسلام لهم؛ بل عملوا على ابتزازهم واستغلالهم، ومصادرة حقوقهم، وتكريس الظلم بإعانة الظالم على ظلمه؛ كما فعلوا ذلك في فِلَسطين وفي الشيشان وكشمير والبوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية وغيرها من بلدان مسلمة وغير مسلمة، ما رأت الأمن والسلام في ظلّ سيادتهم وحضارتهم؛ لأنهم يدورون مع المصالح حيث تدور، وكم من حرب أشعلوها من أجل مصالحهم المادية أهلكت ألوفًا من البشر، وشردت ملايين! وكم من قرار صنعوه، وقانون وضعوه ليس فيه من العدل شيء إلا أنه يحقق مصالحهم، فكيف يأمن البشر في ظل سيادتهم؟! وإذا لم يأمن غيرهم بسبب ظلمهم وعسْفهم فلن يأمنوا، فيا ليتهم يعقلون!!


أسأل الله - تعالى - أن يحفظ المسلمين بحفظه، وأن يؤمِّنهم بتأمينه، وأن يربط على قلوبهم، ويثبت أقدامهم.
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ} [الصَّافات: 180-181].


[1] جاء ذلك من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عند مسلم في القدر باب تصريف الله - تعالى - القلوب كيف شاء (2654)، وأحمد (2/168)، وابن حبان (902)، ومن حديث النواس بن سمعان عند أحمد (4/82)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/525).
[2] "الوابل الصيب" لابن القيم (60).
[3] جاء ذلك في عدة أحاديث منها: حديث أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أُحُد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه"؛ أخرجه البخاري في المغازي (4068).
[4] أخرجه البخاري في الإيمان باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (10)، ومسلم في الإيمان باب: بيان تفاضل الإسلام (40)، من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - وجاء أيضًا من حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم (40)، ومن حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عند البخاري (11)، ومسلم (42). ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الترمذي (2629)، والنسائي (8/104 ـ 105).
[5] أخرجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الترمذي في الإيمان باب (12) وقال: هذا حديث حسن صحيح (2629)، والنسائي في الإيمان باب صفة المؤمن (8/104 ـ 105)، والحاكم وصححه وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي (1/10)، وصححه ابن حبان (180).
[6] أخرجه مسلم في الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله... (23)، وأحمد (6/395)، من حديث أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن أبيه رضي الله عنه.


__________________
رد مع اقتباس
  #222  
قديم 24-11-2012, 01:46 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

السبيل إلى الأمن والرزق (2)

الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل



الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].


أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله – تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: بعد ما خلق الله آدم - عليه السَّلام – وأسجد له ملائكته {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف: 11]؛ استكبارًا على الله – تعالى - واحتقارًا لمن خُلِق من طين أن يسجدَ له من خُلق من نار؛ جرى التكليف على آدم وذريته، وسُلط الشيطان وجنده على إغوائهم، وصدهم عن سبيل الله تعالى؛ فمن أطاع الله – تعالى - دخل الجنة برحمته سبحانه، ومن سلك طريق إبليس وعصى الله - تعالى - استحق النَّار {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].



لقد جعل الله – تعالى - الدنيا ميدانًا لهذا الابتلاء، وجعل الآخرة جزاءً عليه، فمن خاف الله – تعالى - فأطاعه، وعمِل بشريعته كان له الأمن الكامل، والرزق الدائم، والنعيم المقيم في الآخرة {إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 45-46] ، وفي الآية الأخرى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ} [الدخان: 55]، آمنين من فقدانها، وآمنين من الموت، وآمنين من كل ما يُخاف منه، نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا منهم.
لقد جمع الله – تعالى - لهم بين الأمن والرزق، الأمن التام الشامل، والرزق المتتابع الذي لا ينقطع {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرف: 71].



إن قِوامَ حياةِ البشر، ومنتهى سعادتهم وفرحهم، وغاية مطلوبهم ومرادهم، يرتكز على الأمن والرزق، وإن منتهى تعاستهم وشقائهم يكمن في انعدامِ الأمن، وقلة الرزق؛ ولذا جاءت الآيات القرآنية تكرِّسُ هذا المفهوم في قلوب المكلفين، وتغرسه في أفهامهم، وتدلهم على الطريق التي يحصلون بها على الأمن والرزق الأبدي، الذي لا يعتريه خوف ولا وجل ولا قلة ولا ذلة، وهي طريق الله - تعالى - التي بينتها الرسل، وأنزلت بها الكتب، وابتلي من أجلها المكلَّفون: توحيد الله – تعالى - وعبادته؛ فمن حقَّق ذلك من المكلفين توفتهم الملائكة طيبين {يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] ، {لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصِّلت: 30].



كما جاءت الآيات القرآنية تحذرهم من سلوك طريق الخوف والجوع، وهي الطريق التي يدعوهم إليها الشيطان، وتبين لهم أن من سلكها فلن يأمن مهما عمل، وسيُخلد في الجوع والخوف والحزن والعذاب {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التغابن: 10]، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزُّخرف: 77].
وكما أن النعيم في الجنة يرتكز على الأمن والرزق، والعذاب في الآخرة يكون بالخوف والحزن والحرمان· فإنَّ حياة البشر في الدنيا لا تستقيم إلا بتوافر الأمن والرزق، وبفقد أحدهما يفقد الآخر، وبفقدهما تستحيل حياة الناس شقاءً وعذابًا نسأل الله العافية؛ ولذلك فإن من حكمة الله – تعالى - ورحمته بالبشر لما أهبط آدم - عليه السلام - إلى الأرض أن جعل فيها من مقومات الأمن والرزق ما يُمَكِّـنُه وذريته من العيش فيها {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]، والأرض لا تكون مستقرًّا لبني آدم إلا بتوافر الأمن؛ لأن من نتائج الخوف: الاضطراب وعدم الاستقرار، والمتاع ما يتمتع الناس به من رزق الله تعالى، ولو لم تكن الأرض آمنة - إلا من عدوان الناس بعضهم على بعض، وإخافة بعضهم بعضًا - لاستحال عيشهم فيها، ولو كانت خالية من الأرزاق لهلكوا.



ولأهمية هاتين النعمتين - الأمن والرزق - نبَّه الأنبياء - عليهم السلام - أقوامهم عليها، وبيَّنوا عظيم منَّةِ الله – تعالى - عليهم بها؛ فهذا صالح - عليه السَّلام - يقول لقومه: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [الشعراء: 146-148].
ودعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يؤمّن بيته الحرام، ويجبي إليه الأرزاق فقال - عليه السلام -: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ} [البقرة: 126]. وفي الآية الأخرى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] .



ويوم أن ألهم الله – تعالى - الخليل - عليه السلام - أن يدعو بهذه الدعوات المباركة لم تكن مكة آهلةً بالسكان؛ بل كانت واديًا مهجورًا؛ فأراد الله – تعالى - بحكمته أن تعمر ويُعمر فيها بيته، وأن تصير مهْيع الحضارات، ومهوى أفئدة الناس، وذلك لا يكون إلا بحلول الأمن فيها، وتدفق الرزق والخيرات عليها، فالبشر يستوطنون ويعمرون حيث يوجد الأمن والأرزاق.
فاستجاب الله – تعالى - دعوة الخليل - عليه السلام - وجعل البيت مثابةً للناس وأمنًا، يثوب الناس إليه من كل مكان آمنين، بما قدره – سبحانه - فيه من أسباب الأمن والرزق، وبما توارثه سكانه من تعظيم للبيت عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام[1].



وحتى بعد شركهم وانحرافهم عن الحنيفية، بقي فيهم تعظيم البيت على مرّ العصور، وتتابع الأجيال، من عهد إبراهيم - عليه السلام - إلى بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا دخلوا البيت وضعوا السلاح، وكفّوا عن الثأر، حتّى إنّ الرّجل ليرى قاتل أبيه فلا يمسّه بِسوءٍ تعظيمًا للبيت الحرام.
إن ما نعمت به مكة من أمن وأرزاق منذ دعوة إبراهيم - عليه السلام - إلى يومنا هذا ما كان إلا بقدر من الله – تعالى - واختيارًا لهذه البقعة المباركة، التي ما كانت صالحة للعيش قبل ذلك، ثم جاءت شرائع الأنبياء - عليهم السلام - لتؤكد على أمنها، وتحث الناس على قصدها لعبادة الله – تعالى - فيها، فحصل الأمن والعمران، وتدفقت عليها الخيرات في وقت كان مَن حولهم لا يأمنون ولا يشبعون {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67].



ولما رفض المشركون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من تعليلاتهم في رفضها أنهم إن تركوا إرث الآباء والأجداد اجتمعت العرب على حربهم؛ ففقدوا الأمن والرزق، {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] كان جواب الله – تعالى - عليهم: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].
قال ابن زيد: "كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضًا، فأمنت قريش من ذلك لمكانة الحرم، وقرأ {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]"[2].



وقال ابن جزي: "وكان غيرهم من الناس تؤخذ أموالهم وأنفسهم"[3].
ولما فتحت مكة، ودانتْ بالإسلام؛ أمنت وأمن أهلها بما شرع الله – تعالى - من الشرائع والحدود، والواجبات والحرمات؛ فكانتْ بلدًا آمنًا مطمئنًّا، تجبى إليها الأرزاق من كل مكان، ما دام أهلها قائمين بأمر الله – سبحانه - مستمسكين بشريعته.
وكانت هذه الشريعة المباركة التي أنزلت في البلد الأمين محققةً لما يحتاجه البشر من الأمن والرزق في الدنيا والآخرة؛ ولذا كانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامَّةً إلى الناس كلهم، منذ إرساله إلى قيام الساعة؛ ليعبدوا الله – تعالى - ولا يشركوا به شيئًا، فإن هم حققوا هذه العبودية حقق الله – تعالى - لهم الأمن والرزق في الدنيا والآخرة.



وبقدر انتقاصهم من عبوديـة ربّهم، وتفلتهم مـن شريعـته يـحل علـيهم ما يوازيه من الخوف والقلة، ويرفع عنهم مـن الرزق والأمن بقدر تفريطهم وعصيانهم، فالمشركون لا أمن لهم ولا رزق في الآخرة، وفي الدّنيا لا يكتمل لهم الأمن والرزق من كل وجه؛ بل يعتريه من النقص والخلل ما ينغّصه عليهم، ولا تكمل به لذتهم.
والعصاة من المؤمنين قد يُعاقبون في الدنيا على عصيانهم برفع الأمن والرزق عنهم، وحلول الخوف والحرمان عليهم. وقد يؤخر الله – تعالى - عقوبتهم لتكون في الآخرة، فيصيبهم فيها من الحرمان والخوف ما يكفر سيئاتهم، ثم مآلهم إلى الجنة برحمة الله تعالى.



والطائعون لهم الأمن والرزق في الدنيا والآخرة، وإذا أصابهم في الدنيا ما ظاهره القلة والخوف فإن الله – تعالى - يربط على قلوبهم، ويزيدهم يقينًا به؛ فلا يخافون في مواضع الخوف، ويكون ما أصابهم من نقص الأمن والرزق ابتلاءً تكفر به سيئاتهم، وترفع درجاتهم؛ ليكون لهم الأمن الكامل، والرزق التام، والنعيم المقيم في جنات عدن، جعلنا الله – تعالى - بكرمه من الآمنين في الدنيا والآخرة، ووقانا وبلادنا وبلاد المسلمين الفتن والخوف والجوع، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيها كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله – تعالى - وأطيعوه، واحذروا عذابه فلا تعصوه؛ فإنه – سبحانه - عزيز ذو انتقام {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. أيها الناس: هاجس الأمن والرزق هاجس لازَمَ البشرَ طوال تاريخهم؛ إذ لا يقوم لهم عيش إلا بأمْنٍ ينعمون به، ونِعَمٍ يرتعون فيها، وفي عصرنا هذا نجد أن جُلَّ موارد الأرض، وأرزاق الناس إنما تنفق لتحقيق هذين المطلبين؛ فأكثر خزائن الأمم، وميزانياتِ الدول تنفق على السلاح؛ لاستخدامه في الحماية، ورد العدوان، وردع الأعداء؛ ليتحقق الأمن. وليس خافيًا على أحد ما يُنفق على الاقتصاد والصناعة والتجارة من أموال طائلة؛ حتى صاروا يستغلون النفايات ويصنعونها من جديد، وليست نفايات البيوت والمصانع فحسب؛ بل حتى نفايات الإنسان والحيوان؛ وذلك بقصد الاستفادة من كل شيء لتوفير الأرزاق، وتحقيق الرفاهية.



وعلى الرغم من ذلك كله فإن البشرية في مجملها تجد الخوف، وتحس بالجوع، ومن كان عنده قدر من الرزق والأمن فهو يعاني خوفًا آخر، وهو خوف فقده مع كثرة الحروب والقلاقل، وتقلبات الدول، واضطرابات الاقتصاد، فالحرمان من الأمن والرزق، أو الخوفُ من فقدانهما صار سمة من سمات هذا العصر المتقدم! وسبب ذلك أن البشرية باتت تحكم على الصعيد العالمي بما يخالف منهج الله تعالى، وصار يقرر مصيرها من لا يقيم للشرائع الربانية أي وزن. وسيطر على عقول الناس العيشُ للدنيا، والاستمتاع بها بلا ضوابط دينية، ولا قيود أخلاقية، إلا عند المؤمنين المتمسكين بدينهم، وهم يُحارَبون من أمم الأرض على تمسكهم هذا.



ولأن كثيرًا من المسلمين وقعوا فيما وقع فيه غيرهم من حب الدنيا والتعلق بها؛ فإن هاجسَ الأمن والرزق صار مصدر رعب وقلق يقض مضاجعهم، فراح أكثرهم يستجلبون الأمن والرزق بالطرق المحرمة، والكسب الخبيث، والركون إلى الذين ظلموا ليؤمنوهم، في بُعْدٍ تام عمن بيده ملكوت كل شيء، وهو من يهب الأمن والرزق جلَّ في علاه!!
إن الأمة التي تريد تحقيق الأمن، وبسط الرزق، وكثرة الخيرات، وانعدام المشكلات عليها أن تتقي الله - عزَّ وجلَّ - وأن تأخذ بأحكام شريعته في كل شيء؛ ليتحقق لها ذلك.



وإن من أعظم مما يسبب زوال الأمن، وقلة الرزق: كفر النعم، وكثرة العصيان، وقلة الاستغفار، وضعف التوبة والأوبة إلى الله – تعالى -: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
لاحظوا قوله – تعالى -: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} ، الأنعم جمع قلة، أي: كفرت بأنعمٍ قليلة فعذبها الله – تعالى - بسلب الأمن، ورفع الرزق، وحلول الخوف والجوع مكانهما، والمقصود: التنبيه بالأدنى على الأعلى، أي: أن كفران النعم القليلة لما كان موجبًا للعذاب؛ فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب[4]. وكم في المسلمين من كفران للنعم، وعصيان للمنعِم في هذا العصر؟! نسأل الله العافية والسلامة، ونسأله أن لا يؤاخذنا بذنوبنا، ولا بما فعل السفهاء منا.



وعبَّر – سبحانه - عن عظيم ما أصابهم بالذوق واللباس {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ} [النحل: 112]، لإحاطة ما غشيهم من الجوع والخوف، وملازمته إياهم، أراد – سبحانه - إفادة أن ذلك متمكن منهم، ومستقرٌّ في بلادهم استقرار الطعام في البطن؛ إذ يُذاق في اللسان والحلق، ويُحس في الجوفِ والأمعاء، فاستُعير له لفظ الإذاقة تلميحًا، وجمعًا بين الطعام واللباس، والمعنى: أن الجوع والخوف محيطان بأهل القرية في سائر أحوالهم، وملازمان لهم، وقد بلغا منهم مبلغًا أليمًا[5].



ألا فاتقوا الله ربكم، واشكروه على نعمه، فلن يحقق عبدٌ الأمنَ الشامل الكامل، الذي لا ينغصه خوف بوجه من الوجوه في نفسه وأسرته وماله، إلا بإقامة شريعة الله – تعالى - في نفسه وبيته وماله، ولن تحقق أمة من الأمم الأمن الشامل بين رعاياها؛ حتى تقوم فيهم بشريعة الله – تعالى - في عَلاقاتهم مع أنفسهم ومع إخوانهم، ومع غيرهم من مسلمين وغير مسلمين. وبغير ذلك ستكون المحن والفتن، والقلاقل والاضطرابات، التي ينتج عنها اختلال الأمن، وانتشار الخوف، وقلة الأرزاق، وكثرة الجوع. نسأل الله أن يحفظنا وإخواننا المسلمين في كل مكان من ذلك {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ} [الأعراف: 96-99].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.

[1]انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1/709).
[2] "جامع البيان" (30/309)، و"الجامع لأحكام القرآن" (20/209)، و"فتح القدير" للشوكاني (5/498).
[3] "التسهيل لعلوم التنزل" (4/433).
[4] انظر: "التفسير الكبير" للرازي (20/102).
[5] انظر: "التحرير والتنوير" (14/307).



__________________
رد مع اقتباس
  #223  
قديم 24-11-2012, 07:09 AM
مستر مصطفى الناقه مستر مصطفى الناقه غير متواجد حالياً
مــٌــعلــم
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,465
معدل تقييم المستوى: 14
مستر مصطفى الناقه has a spectacular aura about
افتراضي

جزاكم الله خيراً
__________________
رد مع اقتباس
  #224  
قديم 24-11-2012, 12:46 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر مصطفى الناقه مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيراً
بارك الله فيكم
__________________
رد مع اقتباس
  #225  
قديم 24-11-2012, 12:59 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الأمن والسلام




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدُ لله الذي بعث الأنبياء بلِواء الأمن، فنصبوه في الأرض بالإسلام، والصلاةُ والسلامُ على من كمَّل الإسلامَ بكلمة الأمن، فشاع في الأرض السلامُ، وعلى آله وصحبه الذين انتشروا في أنحاء العالم بمشعل الأمن والسلام، ومن حمله إلى نهاية الأيام.

أمَّا بعد:
فالسلامُ اسم من أسماء الله، وما صدر عنه إلاَّ وفيه الأمن والسلام، فلا يكون بعْثُه - تعالى - الأنبياءَ والرُّسُلَ بدعوة دين الإسلام إلاَّ لإقامة الأمن والسلام، وأكمل الإسلام بيد محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيِّ الأمن والسلام، فأقام الأمن والسلام بتبليغ الإسلام إلى البشر كافَّة، وحصل الأمن العالمي والسلام الأخروي، كيف لا، و"الإسلام" (بمعنى السلام) اسمُ دينه، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، ورحمة للعالمين لقبُه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وإقامةُ الأمن غرضُه، وغايته إدخال الناس إلى دار السلام في الآخرة.

وإنَّما الأمنُ احتيج إليه عندما غشيت الدنيا سحابُ الخوف والاضطراب من كلِّ الجوانب، وهذا هو تصوير الأيام الجاهليَّة بعينها في سنة ٥٧٠م، كما صوَّرها الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164] [الجمعة: 2]، فكان العالم في تلك الفترة غريقًا في ظلام الوثنيَّة، والجهالة، والخُرافات، والبربريَّة، وال*** والقتال والإرهاب والانتهاب، وفي تلك البرهة المظلمة بُعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمشاعل الأمن والسلام، فخبت نارُ كلِّ ظلم وبربريَّةٍ في اللحظة نفسها، وضاءَ العالَمُ كلُّه بِنُوره وضوئِه.

فالآثارُ تُخبر بالأمن والسلام منذ ولادته، وشهد التاريخُ بشعره بالعدل والمساواة في حجر أمِّه، الذي بمنزلة الأصل لإقامة الأمن والسلام، وإنه أسْهَم في إقامة الأمن والسلام في المجتمع حين بلغ أشُدَّه، ورفض بكلمة الأمن النِّزاعَ المفضي إلى نارِ حربٍ عظيمة قُبَيْلَ البعثة حين تنازعوا في الحجر الأسود، ثُمَّ قام بالأمن والسلام بعدها بتعاليمه النبويَّة، وأعماله المحكمة بعد أن كوَّن من أفراد المجتمع إنسانًا حقيقيًّا، فهو أساسٌ لعمل التجديد، وهديهم إلى الأمن بتدابيره العبقرية وببرامجه السياسيَّة، فلإسهاماته في قسم الأمن مزايا في تاريخ العالمَ، ويَجدر ذكرُها الفَيْنَةَ، ففي هذه المقالة أبيِّن - إن شاء الله - دَوْرَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الأمن والسلام.

فقسَّمت إسهاماته في عدة مراحل: (١) إقامة الأمن والسلام بتعاليمه النبوية، (٢) وبأعماله المحكمة قبل البعثة، (٣) وبعد البعثة.

ألقي أوَّلاً ضوءًا على الموضوع:
فمعنى الأمن في اللغة: هو ضدُّ الخوف ونقيضه، والأصلُ أن يُسْتَعْمَلَ في سُكُون القلب[1].
وفي الاصطلاح: الأمن عدم توقُّع مكروه في الزمان الآتي[2].

أما المعاصرون فقد فصَّلوا في معنى الأمن، ومن تلك المعاني: أنَّ الأمن هو شعور المجتمع وأفراده بالطُّمأنينة، والعيش بحياة طيبة، من خلال إجراءات كافية يمكن أن تزال عنهم الأخطار، أيًّا كان شكلها وحجمها، حال ظهورها، ومن خلال اتِّخاذ تدابير واقية[3].

ومعنى السلام لغةً: المسالمة، والمصالحة، والمهادنة[4]، وقال أبو عمر: والسَّلْم بالفتح الصُّلْحُ، والسِّلْمُ بالكسر الإسلام.[5]

واصطلاحًا: السلامُ تجرُّدُ النفْسِ عن المحنة في الدارين.[6]

أهمية الأمن والسلام:
للأمن أهميةٌ عُظْمى في حياة الفرد والمجتمع والأمَّة، فهو المرتكز والأساس لكلِّ عوامل البناء والتنمية، وتحقيق النهضة الشَّاملة في جميع المجالات، ولهذا ذكره الله - تعالى - إلى جانب الغذاء، فقال ممتنًّا على أهل مكَّة: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4]، بل قدَّمه على الغذاء، فقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢].

وأشار النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أهمية الأمن بأنَّ المسلم متى ظفر به، فقد ظفر بالدنيا كلِّها، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من أصبح منكم آمنًا في سِربه، معافًى في جسده، عندَهُ قُوتُ يومِه، فكأنَّما حيزت له الدنيا)).

ويُعَدُّ الأمنُ مقصدًا من مقاصد الشريعة، فقد حصر العلماء المقاصد الضرورية في حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وصَرَّح الماوردي بأنَّ صلاح الدنيا وانتظام أمرها بستة أشياء، منها: أمنٌ عام تطمئن إليه النفوس، وتنتشر فيه الهمم، ويَسْكُن فيه البريء، ويأنس به الضعيف[7]، فبانت منه أيضًا أهميَّة الأمن والسلام.

إسهامُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في إقامة الأمن والسلام:
إقامة الأمن والسلام بتعاليمه النبويَّة وإرشاداته القيِّمة:
إن لُوحظت عدةُ أشياء في مجالات الحياة الدنيوية، فلا شك أن يحصل الأمن العالمي والأخروي هنا، فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عرفها، واهْتمَّ بها اهتمامًا بالغًا بِعَمَله، وعَلَّمهَا الناسَ كافَّةً، وهي فيما يأتي:
1- التعلُّق بالله سبب مركزي للأمن في الدارين، وهو أن توحِّد اللهَ ولا تُشرك به شيئًا، فإذا قام الأمنُ من الله - لأنَّ بين الأمن والإيمان علاقةً قويةً - فإنَّ المجتمع إذا آمن أمن، وإذا أمن نَما؛ فيعيشُ أفرادُه مع الأمن حياةً طيبةً؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، وقال في موضع آخر: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

2- الأمن في حسن التعامل مع الناس، وهو أن تُطعمَ الجائع، وتَسقي العاطشَ، وتکسو العُراةَ، وبه يحصل رضا الرب، فتعيش في الأمن والسلام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدکم حتى يُحب لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه))[8]، وألاَّ تُسيء إلى أحد بلسانك وبيدك؛ حيث قال: ((المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده))[9].

3- الأمنُ بين المسلمين وغيرهم؛ لهذا الغرض أمر الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بدعوة غير المسلمين إلى الموافقة على النِّظام في قوله - تعالى -: ﴿ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [آل عمران: 64]، فإذا أعرضوا عنه أمر بالعمل بقوله - تعالى -: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، وسدَّ بابَ الخوف والفتنة والهيبة كُلِّيةً بقوله - تعالى -: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 108].

4- السلام بين المسلمين: تلا لإقامة السلام بين المؤمنين قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدُکم حتى يُحِبَّ لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه))[10].

5- الأمن بين ذوي الأرحام، فعيَّن له طرقًا متعددةً، وبَيَّن الحقوق مفصِّلاً، وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.

6- وإضافة إلى ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لغرض إقامة الأمن بين الحيوانات: ((الخلقُ عيالُ الله، فأحب الخلق إليه من أحسن إلى عياله))[11].

إنَّه نظر إلى هذه الأشياء وغيرها لإقامة الأمن والسلام في الدَّارين، وعلَّمها أصحابَه، وبلَّغها إلى أمَّته جميعًا.

حتى إنَّه - صلى الله عليه وسلم - حمل الأسلحة بيديه لإقامة الأمن الأبدي، واضطر إلى قتالهم کإجراء العملية في الجراح، وإلاَّ لفَسَدُوا في الأرض، کما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251].

إقامة الأمن والسلام بأعماله المحكمة:
شرعت هذه السلسلة منذ أن تحمله أمُّه في رحمها، وتنتهي إلى أن تقوم القيامة، كما نصوِّرها في الذيل:
1- محمد مخبر الأمن والسلام منذ ولادته: منذ ولادته ظهرت آثارٌ تُنبئ بأنَّه سيکون صاحبَ الکمال، هناك مقولة مشهورة[12]: "Childhood shows the man As morning shows the day".

منها الواقعة الآتية التي تدُل على أنه سيقيم الأمن والسلام على مستوى العالم، وهي أن آمنة لم تحس شيئًا من الثقل والوحم کسائر النساء حين حملته في رحمها؛ تقول آمنة: "ما شعرت بأني حملتُ به، ولا وجدتُ له ثقلاً، ولا وحمًا کما تجد النساء"[13].

2- مثال العدل في الرضاعة: العدل لا بُدَّ منه؛ إذ إنه ضروري لإقامة الأمن، وقد وجدنا فيه هذه الصفة في حجر أمِّه من الرضاعة، بأنَّه كان يشرب اللبن من الثدي اليماني، وكان اليسار لأخيه الرضاعي، فذات مرَّة عرضت له حليمة ثديًا كان يشرب منه أخوه الرضاعي، فامتنع أن يشرب منه.

فوجَّهه بعضُ العلماء: أنه ما كان لمن يقيم الأمن العالمي أن يضيِّع حقَّ أخيه بشرب اللبن فقط، كما ذكر في حاشية ابن هشام أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان لا يُقبل إلاّ على ثديٍ واحدٍ، وكانت تعرض عليه الثدي الآخر، فيأباه كأنه قد شعر - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّ معه شريكًا في لبنها، وكان مفطورًا على العدل، مجبولاً على المشاركة والفضل[14].

ودوره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد البلوغ فيما يأتي:
إنَّه التزم ببرامج موافقة للحال والمقام لإقامة الأمن والسلام على مستوى الأرض، فنذکرها في الذيل مفصّلاً:
1- المشاركة في تأسيس "حلف الفضول": إنَّه کان حزينًا ومفكرًا في أنه کيف تُحْفَظ الإنسانية من هذا الخوف والاضطراب الدائم، وفي هذه البُرهة حدثت "واقعة الفضول"، فأحسَّ زعماؤهم بصلح بال المجتمع، وأقاموا لجنةً يُصْلَح بها بالُ المجتمع، ويحصل الأمنُ في كل مكان حتى الطريق، وتحفظ بها دماء المسافرين وأموالهم، وتسمَّى بـ"حلف الفضول"، وكان رسولنا الأمين قد أسهم في وضع أساسها، كما قال بنفسه - صلى الله عليه وسلم - عنه: ((لقد شهدتُ في دار عبدالله بن جدعان حلفًا ما أحب أنَّ لي به حمر النعم ولو أُدْعَى به في الإسلام لأجبتُ))[15].

واتَّفق أركانُ الحلف على البنود التالية:
1- نجهد لإبعاد الاضطراب من المجتمع بقدر القوة.
2- نتأكد بحفظ دماء المسافرين وأموالهم.
3- لا نألو جهدًا في نصرة اليتامى والضعفاء.
4- نقيم علاقةَ الصداقة بين القبائل.
5- نحفظ الناس من الظلم والظالمين.

وغيرها من الفقرات التي تأكدت بحفظ حقوق أفراد المجتمع، كما قيل عن أهداف هذا الخلف:
6- إنّه للدفاع عن المظلومين.
7- رفض كلّ صُور الظلم.
8- منع أكل الحقوق بالباطل.
9- كما أنه حكم عدل في فضِّ النِّزاعات والمشكلات التي تحدث بين القبائل والعائلات، وهو الذي ما أُسِّس إلا لنصرة المظلوم، ونشر العدل بين الناس[16].

وفي عصرنا يعاهد أرکان لجنة knighthood order (فارس النظام) على مثل هذه البنود التي أسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في وضع أساسها لقيام الأمن والسلام قبل ألف وأربعمائة عام[17].

10- الصدُّ عن الحرب الناشئة بکلمة الأمن:
- العرب قوم كانوا يحاربون لأمر تافهٍ؛ كسقي الغنم، وسباق الخيل مثلاً، فوقعت حادثة من أمثال هذه الحوادث حين بلغ - صلى الله عليه وسلم - خمسةً وثلاثين عامًا من عُمره، والتفصيل بأنَّهم أرادوا تجديدَ بناء الکعبة، فاخْتلفوا في تنصيبِ الحجر الأسود وإن شاركوا في البناء على السواء، أخيرًا قضى مربِّيهم (أبو أمية بن المغيرة المخزومي) بعد أربعة أيام بأن يَحْكم بيننا رجل يدخل غدًا بباب المسجد أوَّلاً، ويكون حُکمُه حُکمُ الإطاعة والقبول، فاتَّفق الجميع على هذه المشاورة الثمينة، فرأوا اليوم الثاني محمَّدًا نبيَّنا الأمين سبق إلى الدخول من ذلك الباب، وهم يقولون بأعلى صوتهم: هذا الأمين رضيناه، فما حَکَمَ النبيُّ في ذلك الحين مثالٌ نادرٌ في إقامة الأمن والسلام.

وبيانُه ما رُوِيَ بأنَّه - صلى الله عليه وسلم - طلب رداءً، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه، وهذا حل حكيم من رجل حكيم تراضت قريش بحكمه.

ولقد راح المفكرون والعلماء يعلقون على هذا الحادث بتعليقات مليئة بالتقدير والإعجاب لهذه الشُّعلة العبقرية، التي تحاول في حرص شديد دائم تَحقيقَ الأمن والسلم بين الناس، ومن نجاح محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - تفهُّمُ الموقفِ بسرعة عظيمة، والتوسُّل بهذه الحيلة البريئة، وإرضاء زعماء قريش جميعًا[18].

هذا كلُّه قبل البعثة، وبعدها توسَّعت هذه السلسلة المذكورة في السطور الآتية؛ لأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - رتَّبها بعدها مجتمعين؛ لذا أظن أن نبيِّن حقيقةً وسَّع بها الأمن والسلام.

تكوين أفراد المجتمع حقيقة إقامة الأمن والسلام:
من المعلوم أنَّه لا يُمکن أن يرى المرءُ وجهَ الفلاح لعمل التجديد في الدُّنيا لو سعى فردًا، بل ينبغي له أن يَجتهد ويسعى مجتمعًا، هذه الضابطة جاريةٌ ومقبولةٌ عند الناس، فمن فرَّقوا بين الإفراد والاجتماع وقعوا في الخداع، ولو كانوا أولي بأسٍ شديدٍ، والحقيقة أنه لا يتصور أحدٌ من دون الآخر، وتظهر قوة الأفراد إذا كانوا مجتمعين، مع أنه لا ينكر أيضًا أن القوم السخفاء عديمي القيمة لا يفلحون أبدًا، فبقي الكلام على أنَّ بناءَ المجتمع موقوفٌ على بناء الأفراد، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فَهِم هذه الحقيقة، فنظر إلى أفراد المجتمع قبل أن يُلقي يده في ظرف المجتمع.

البرنامج الأصلي خلال هذا العمل:
فجَدَّ وبَذَلَ جُهدَه أوَّلاً في تكوين أفراد المجتمع إنسانًا حقيقيًّا الذي توقف عليه إقامة المجتمع الإنساني المثالي، وإن ننظر إلى بنوده وفقراته التي جَدَّد بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المجتمع، فنجد ثُلُثَه برامجَ أساسية، وهي:
1- التوحيد 2- الرسالة 3- الإيمان بالرُّجوع إلى الله والمسؤولية عن هذه الدار الفانية، فتقدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهؤلاء الناس المذکورين، وبلغ أقصى المنازل في عشر سنوات فحسب، حتى لم يُسمع بمثله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التاريخ، ولم تقع عليه عَيْنُ السماء، ولم تطلع عليه الشمس، فلا يَجيء أحدٌ بمثله في مجالات الحياة كلِّها، لا سِيَّما في إقامة الأمن العالمي، فمن إسهاماته بعد البعثة:
1- ميثاقُ المدينة خطوة أخرى لإقامة الأمن والسلام، مما أخذ لإقامة الأمن والسلام على مستوى الأرض ميثاقُ المدينة الذي يَجدُر ذكرُه، فمن بعض المواثيق في الذيل:
كانت تعيش أفراد مختلفة نَسَبًا ومِلَّةً ومذهبًا، وکان قوم اليهود أقوى بالنظر إلى غيرهم، وهم يعيشون في الحصن منفردين، فأَخْذُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الميثاقَ منهم ومن الأقوام المختلفة في المدينة - يَشهدُ بذکائه - صلى الله عليه وسلم - لکي يحصل الاتفاق ال***ي، ولو کانوا مختلفي الأديان والنَّسَب[19]، يُسمَّى هذا بـ"ميثاق المدينة"، ويعرف في العالم بـ"charter of madina"، وكان فيه سبعة وأربعون أو اثنان وخمسون بندًا، منها:
1- الاجتماع على خلافِ الظلم والظالم، 2- النصر للضعفاء، 3- ال*** والقتال حرام کحرمة الزنا، 4- النُّصرة للمظلومين، 5- التزام كلِّ سكَّان المدينة من المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما بينهما، وعدم اعتداء أيِّ فريق منهما على الآخر، 6- الدفاع المشترك عن المدينة ضدَّ أيِّ اعتداء خارجي على المدينة، 7- وإنَّ بينهم النَّصْر على مَن حارب أهلَ هذه الصَّحيفة، 8- وإنه لا تُجَار قريش ولا مَن نَصَرها.

وغيرها من البنود التي تقيم الأمن والسلام فقط في المجتمع، وثمة نص واضح وصريح في الوثيقة يتعلق بالأمن، كان بين بنودها العامة: "من خرج آمِن، ومن قعد بالمدينة آمن، إلا من ظلم وأثم، وأن الله جارٌ لمن برَّ واتقى، ومحمد رسول الله".

وبتفعيل هذه الشُّروط في العهد النبوي، تَحَقَّق الأمنُ لجميع المسلمين وغير المسلمين، في خروجهم وبقائهم من غير ظلم ولا إثم[20].

ولتوسيع منطقة الأمن والسلام عاهد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبائل أخرى في المستقبل بمثل هذه المعاهدة[21].

2- سحر مصالحة الحديبية في إقامة الأمن والسلام:
وإنَّما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل وجاهد بالسيف لإقامة الأمن والسلام وإقلاع الظُّلم من المجتمع، ودلَّ عليه عمله - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه مهما عرضت له معركة، ينتطر لمصالحة، فإن يأتوا بالصُّلح يقدّمه على المعركة بهم، وإلاَّ اضْطُرَّ إلى الجهاد، مصالحة الحديبية نظيره اللامع، التي تسمى غزوة الأمن.

وکان فيه بنود تخالف مصالِحَ المسلمين، لکن قبلها - صلى الله عليه وسلم - بغرض الأمن فقط؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن في الأمن فتحًا؛ لذا سمَّى الله - تعالى - هذه المصالحة الأمنيَّة بـ "فتح مبين"؛ قال - جلَّ وعلا -: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1].

3- حامل لواء الأمن في فتح مكَّة:
حصل الفتح الأصلي بفتح مكَّة، وغلب الحقُّ والأمن وهُزِم الباطل والخوف، ففي ذلك اليوم لم يبادلهم ظلمًا بظلم، ولا إرهابًا بإرهاب، بل أحسن إلى الأعداء، وعفا عنهم، واسْتَغْفَر لهم من قصورهم وتعدِّياتهم، فأمر جنوده قبل أن يدخلوا مكّة بـ:
1- ألاَّ ت***وا من ألقى أسلحته، 2- ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، 3- ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، 4- ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، 5- ولا تتعرضوا إلى من أراد الفرار[22]؛ لذا منحه الله - تعالى - هذا الفتح العظيم بلا *** وقتال، بل في حالة الأمن.

وذلك اليوم کان الناس خائفين حين تمّ النصر والفتح، عندما اجتمعوا إليه قرب الكعبة ينتظرون حكمه فيهم، فأعلن العفو العام، وذکَّرهم بأنه بعث لإقامة الأمن بالعفو والصفح، فقال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تظنون أنِّي فاعل بكم؟))، فقالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))[23]، وأعاد قول يوسف - عليه السَّلام -: ((لا تثريب عليکم اليوم))[24].

فعلى الإجمال: إنَّ هذا الفتح فتح لأهل مكة بابَ الأمان واسعًا، ومِنْ هذا الباب دخل الناس في دين الله أفواجًا.

قال المؤرِّخ غيبن عن فتح مكة:
in the long long history of the world there is no instance of magnanimity and forgiveness which can approach those of Muhammad (s.) when all his enemies lay at his feet and he forgave them one and all. -

2- کلمة الأمن في حجة الوداع، فأعلن نظام قيام الأمن العالمي بعد سنتين من فتح مكة، فقال خطيبًا في حجة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألاَ كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أولَ دم أضع من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث - وكان مسترضعًا في بني سعد ف***ته هُذَيْل - وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله))[25].

وذلك اليوم ترك لسائر الناس أمرين للهداية إلى الأمن في الدنيا وإلى دار السلام في الآخرة، وهما القرآن والحديث.

3- محمد في الکتب السماوية وعند الحکماء مقيمٌ للأمن والسلام:
جاء في الإنجيل: سيجيء رسول من الله إلى الناس كافَّة، يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده سبحانه، آنذاك يسجد الناس لربِّهم، فيعيشون في الأمن والسلام[26].

شهادة بحيرة: إنه قال حين رآه - صلى الله عليه وسلم -: هذا سيِّد العالمين! هذا رسول ربُّ العالمين! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين[27].

قال جان ليك: لا يستطيع أحدٌ أن يبيِّن عنه، كما يحدّث الله عنه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].[28]

أخيرًا أقول: إنَّ عالَمَ اليوم كلَّه مضطرب لشريحةٍ من الأمن، وهائم لنيل قبضة من السلام، لكن زعماءه عاجزون عن دركه ونيله، فمن الناس من أسَّس أُسُسًا مُحكمةً متنوِّعةً، وأقام لجنةً مختلفةً لإقامة الأمن، حتَّى إنَّ زعماء العالم الثالث التزموا أن يمنحوا الجوائز في قسم الأمن من الأقسام الستَّة الأخرى، لكنَّهم لم يروا وجه الأمن إلى الآن، ولا شكَّ إنْ لم يُعَدِّلوا بَرامِجَ لَجنتهم ولم يُصَحِّحوا نيَّتهم، فإلى القيامة لن ينالوا قليلاً من الأمن، ولن يصلوا إلى إحدى جوانبه مع صرف أموالهم وبذل جهودهم.

نعم، رَسَمَ لهؤلاء الزُّعماء طريقًا إنْ يسلكوا فيه يفوزوا في نتيجتهم ويصلوا إلى منزلهم مع أنهم كافرون؛ لأنه - عزَّ وجلَّ - أطلق في وصفه - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

والطريق هي أسوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].

هذا بلاغٌ من العبد الضَّعيف إلى العالم كلِّه القوي، فالاقتصار على سطور مذكورة فحسْب بضعفي، نعم! إنها تسوق العالم إلى لمحة فكريّة بعون الله، فلا يستغنون عنه - صلى الله عليه وسلم - بل يمكن أن يستفيدوا في المجالات الدنيويَّة كلِّها حتى في قسم الاقتصاد، والسياسة، والرابطة العالمية، وغيرها من الأقسام الأخرى، وقصارى القول: إنَّ ما ينشأ إلى الأيَّام الموعودة من مجالات الحياة الدنيويَّة إلا وهو أسوة فيها للنَّاس كافَّة؛ لأنَّ مع القرآن تبقى هذه الآية: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] إلى القيامة.

أسأل الله التوفيق على العمل بما يحبُّ ويرضى، وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.



[1] لسان العرب لابن منظور (13/21)، القاموس المحيط للفيروز آبادي (1/1518)، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص(90)
[2] التعريفات للجرجاني ص (55)،المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص (90).
[3] أثر تعليم القرآن الكريم في حفظ الأمن، د. عبدالقادر الخطيب، ص6.
[4] نضرة النعيم، 2273.
[5] نضرة النعيم، 2273.
[6] التعريفات، 159.
[7] أثر تعليم القرآن الكريم في حفظ الأمن، د. عبدالقادر الخطيب،ص 7-8.
[8] المسلم، ج1 ص49.
[9] البخاري، ج1 ص13، المسلم، ج1 ص 48.
[10] المسلم، ج1 ص49.
[11] شعب الإيمان، ج6 ص43.
[12] http://www.fanfiction.net/s/6613706/1/Morning_Shows_the_Day.
[13] السيرة الحلبية، ج1 ص 75.
[14] حاشية ابن هشام (1/188), http://www.islamprophet.ws/ref/224
[15] الرحيق المختوم، 44.
[16] نبي الرحمة، 5, 120.
[17] رحمة للعالمين، 120.
[18] الأخلاق النبوية في الصراعات السياسية والعسكرية، 13.
[19] رحمة للعالمين،120.
[20] الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، 17.
[21] الرحيق المختوم، 145.
[22] رحمة للعالمين، ج1ص378.
[23] الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، 18.
[24] زاد المعاد، ج3ص408.
[25] رحمة للعالمين.
[26] The Gospel of Barnabas:- 82 : 16 - 18.
[27] وسيرة ابن حبان، 58، محمد بن يوسف الصالحي، سبل الهدى والرشاد 2/140.
[28] Jean Lake "the Arabs, p. 43.
.
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 24-11-2012 الساعة 01:08 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلام, دين, نبينا


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:10 AM.