|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() أولًا: في القرآن الكريم
العزم على فعل الخير وعدم التردد والمسارعة لفعل الخيرات من شيم الصالحين، والعزيمة هي الدافع لفعل الخير، ولهذا حثَّ الله عليها في كتابه في غير آية ومن ذلك: - قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]. وقال ابن جرير الطبري: (أما قوله: فإذا عزمت فتوكل على الله. فإنه يعني: فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك، أو خالفها، وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على ربك، فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم، فإنَّ الله يحبُّ المتوكلين، وهم الراضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه) . وقال الجصاص: (في ذكر العزيمة عقيب المشاورة دلالة على أنها صدرت عن المشورة، وأنه لم يكن فيها نص قبلها) . وقال البخاري: (فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله) . - وقال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186] قال الشوكاني في قوله: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: (مما يجب عليكم أن تعزموا عليه؛ لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها) . وقال الرازي: (من صواب التدبير الذي لا شكَّ في ظهور الرشد فيه، وهو مما ينبغي لكل عاقل أن يعزم عليه، فتأخذ نفسه لا محالة به... ولا يجوز ذلك الترخص في تركه، فما كان من الأمور حميد العاقبة معروفًا بالرشد والصواب، فهو من عزم الأمور؛ لأنه مما لا يجوز لعاقل أن يترخص في تركه) . وقال ابن عاشور: (وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم؛ فإن ذلك من عزم الأمور) . - وقوله تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17]. قال أبو حيان الأندلسي: (العزم مصدر، فاحتمل أن يراد به المفعول، أي من معزوم الأمور، واحتمل أن يراد به الفاعل، أي عازم الأمور) . قال القرطبي: (إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور، أي مما عزمه الله وأمر به قاله ابن جريج، ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، وقول ابن جريج أصوب) . - وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 43]. قال الماوردي: (يحتمل قوله: إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وجهين: أحدهما: لمن عزائم الله التي أمر بها. الثاني: لمن عزائم الصواب التي وفق لها) . وقال ابن كثير: إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: لمن الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة، التي عليها ثواب جزيل، وثناء جميل) . وقال السعدي: (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يُوفَّق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر) . وقال الواحدي: إِنَّ ذَلِكَ (أي: الصبر والغفران لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ؛ لأنَّه يوجب الثواب، فهو أتمُّ عزم) . - وقوله تعالى: طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد: 21]. عن مجاهد في قوله تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ. قال: ((إذا جدَّ الأمر)). وقال قتادة: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ يقول: طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير لهم) . قال الرازي: (جوابه -أي جواب إذا- محذوف تقديره فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ خالفوا وتخلفوا، وهو مناسب لمعنى قراءة أُبيٍّ، كأنه يقول في أول الأمر قالوا سمعًا وطاعة، وعند آخر الأمر خالفوا وأخلفوا موعدهم، ونسب العزم إلى الأمر والعزم لصاحب الأمر معناه: فإذا عزم صاحب الأمر. هذا قول الزمخشري، ويحتمل أن يقال هو مجاز، كقولنا: جاء الأمر وولى، فإنَّ الأمر في الأول يتوقع أن لا يقع، وعند إظلاله وعجز الكاره عن إبطاله فهو واقع فقال عَزَمَ، والوجهان متقاربان) . - وقال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115]. قال ابن الجوزي: (قوله تعالى: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا العزم في اللغة: توطين النفس على الفعل. وفي المعنى أربعة أقوال. أحدها: لم نجد له حفظًا، رواه العوفي عن ابن عباس، والمعنى:لم يحفظ ما أُمِر به. والثاني: صبرًا، قاله قتادة ومقاتل، والمعنى: لم يصبر عما نُهي عنه. والثالث: حزمًا، قاله ابن السائب. قال ابن الأنباري: وهذا لا يُخرج آدم من أولي العزم. وإنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب. والرابع: عزمًا في العَوْد إِلى الذَّنْب) . وقال الرازي: (قوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا يحتمل ولم نجد له عزمًا على القيام على المعصية، فيكون إلى المدح أقرب، ويحتمل أن يكون المراد ولم نجد له عزمًا على ترك المعصية، أو لم نجد له عزمًا على التحفظ والاحتراز عن الغفلة، أو لم نجد له عزمًا على الاحتياط في كيفية الاجتهاد؛ إذا قلنا: إنه عليه السلام إنما أخطأ بالاجتهاد) . ورحج ابن جرير الطبري أن تأويل وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا هو (لم نجد له عزم قلب، على الوفاء لله بعهده، ولا على حفظ ما عهد إليه) . وقال ابن عاشور: (واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه؛ تمثيلًا لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه، فلم يجده عنده بعد البحث) . |
#2
|
||||
|
||||
![]() ثانيًا: في السنة النبوية - عن أبى هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقولنَّ أحدكم: اللهمَّ اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم في الدعاء؛ فإنَّ الله صانع ما شاء لا مكره له)) .
قال النووي: (عزم المسألة: الشدة في طلبها، والحزم من غير ضعف في الطلب، ولا تعليق على مشيئة ونحوها) . وقال ابن حجر: (قوله: ((فليعزم المسألة)). في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور الدعاء، ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه، وأن يجزم بوقوع مطلوبه، ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى، وإن كان مأمورًا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى، وقيل معنى العزم: أن يحسن الظن بالله في الإجابة... وقال الداودي: معنى قوله ليعزم المسألة أن يجتهد ويلح، ولا يقل إن شئت كالمستثنى، ولكن دعاء البائس الفقير) . قال بدر الدين العيني: (قوله: فليعزم المسألة. أي: فليقطع بالسؤال، ولا يعلق بالمشيئة؛ إذ في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب) . وقال السيوطي: (ليعزم المسألة أي يعري دعاءه وسؤاله من لفظ المشيئة) . - و(عن ابن مسعود، قال: لقد سألني رجل عن أمر ما دريت ما أردُّ عليه، فقال: أرأيت رجلًا مؤديًا نشيطًا يخرج مع أمرائنا في المغازي، فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها؟ فقلت له: والله ما أدري ما أقول لك، إلا أنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله، وإنَّ أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلًا فشفاه منه، وأوشك أن لا تجدوه، والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه، وبقي كدره) . قال بدر الدين العيني: (قوله: فيعزم علينا. أي: الأمير يشدد علينا في أشياء لا نطيقها، وقال الكرماني: فيعزم إن كان بلفظ المجهول فهو ظاهر يعني لا يحتاج إلى تقدير الفاعل ظاهرًا، هذا إن كان جاءت به رواية، قوله: حتى نفعله غايةً لقوله: لا يعزم. أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى) . - وعن جماعة من الصحابة مرفوعًا (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) . قال المناوي: (عزائمه أي مطلوباته الواجبة، فإنَّ أمر الله في الرخص والعزائم واحد) . قال القاري: (الرخصة إذا كانت حسنًا فالعزيمة أولى بذلك) . - وعن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم)) . قال المناوي: (... ((وأسألك عزيمة الرشد)) وفي رواية: ((العزيمة على الرشد))، قال الحرالي: وهو حسن التصرف في الأمر، والإقامة عليه بحسب ما يثبت ويدوم) . |
#3
|
||||
|
||||
![]() من أقوال العلماء في العزم والعزيمة
- قال ابن منظور: (لا خير في عزم بغير حزم، فإنَّ القوة إذا لم يكن معها حذر أورطت صاحبها) . - وقال فخر الدين الرازي: (منصب النبوة والإمامة لا يليق بالفاسقين؛ لأنَّه لا بد في الإمامة والنبوة من قوة العزم، والصبر على ضروب المحنة حتى يؤدي عن الله أمره ونهيه، ولا تأخذه في الدين لومة لائم، وسطوة جبار) . - وقال الغزالي: (التقوى في قول شيوخنا: تنزيه القلب عن ذنب لم يسبق منك مثله، حتى يحصل للعبد من قوة العزم على تركه وقاية بينه وبين المعاصي) . - وقال ابن الجوزي: (ليس في سياط التأديب أجود من سوط العزم) |
#4
|
||||
|
||||
![]() فوائد العزم والعزيمة 1- مظنة قبول الدعاء: فقوة العزم والجزم في الدعاء، وعدم تعليقه بالمشيئة من آداب الدعاء وأرجى للقبول. 2- قوة العزم والعزيمة من وسائل تهذيب النفس، وتحصيل الأخلاق الفاضلة: قال ابن قدامة: (وأشدُّ حاجة الرائض لنفسه، قوة العزم، فمتى كان مترددًا بعد فلاحه، ومتى أحس من نفسه ضعف العزم تصبر، فإذا انقضت عزيمتها عاقبها لئلا تعاود، كما قال رجل لنفسه: تتكلمين فيما لا يعنيك؟! لأعاقبنك بصوم سنة) . ومن صفات المؤمن القوي قوة العزم على الأمر. 3- قوة العزم والعزيمة تعين على تحقيق التقوى: وذلك بحمل النفس على فعل المأمورات وترك المنهيات وهذه هي حقيقة التقوى قال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186]. 4- قوة العزم والعزيمة تعين على ترك المعاصي. 5- العزم والعزيمة من وسائل التخلص من تلبيس الشيطان ووسوسته: لأنه إذا كانت مهمة الشيطان هي الوسوسة، ومقصده منها (التشكيك والذبذبة والتردد، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد، كما في قوله: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]، وامتدح بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]... فمن هذا كله كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف، مما يقضي على نوازع الشك والتردد، ولم يبق في قلب المؤمن مجال لشك ولا محل لوسوسة) . 6- العزم على ترك الذنب من شروط قبول التوبة: فالتوبة واجبة من كل ذنب ولها ثلاثة شروط:ومنها العزم على عدم العودة للذنب أبدًا . قال أبو حازم: (عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أمَّه الفتوح) . 7- قوة العزم والعزيمة من علامات التوفيق: قال ابن القيم: (الدين مداره على أصلين العزم والثبات، وهما الأصلان المذكوران في (الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)) . وأصل الشكر: صحة العزيمة، وأصل الصبر قوة الثبات، فمتى أُيِّد العبد بعزيمة وثبات فقد أُيِّد بالمعونة والتوفيق) . 8- قوة العزم والعزيمة تحصل للمرء كل مقام شريف ومنزلة رفيعة: قال ابن القيم: (فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص ،ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص، فإذا انضمَّ الثبات إلى العزيمة أثمر كلَّ مقام شريف وحال كامل، ولهذا في دعاء النبي الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)) ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر) . 9- صاحب |
#5
|
||||
|
||||
![]() موانع اكتساب صفة العزم والعزيمة 1- مرض القلب وضعف النفس وانهزامها: إذا فقد القلب عزمه خارت قوى الجسد مهما كان قويًّا، قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]. وقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37]، فإنَّ ضعف العزيمة من ضعف حياة القلب، وهي دليل على حياته، وعلى مرضه أو موته. 2- العجز والكسل: فالعجز والكسل (هما العائقان اللذان أكثر الرسول من التعوذ بالله سبحانه منهما ، وقد يعذر العاجز لعدم قدرته، بخلاف الكسول الذي يتثاقل ويتراخى مما ينبغي مع القدرة، قال تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46] . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ)) . 4- التسويف والتمني وترك الأخذ بالأسباب: (وهما صفة بليد الحس عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير- وعزمت عليه- إما يعيقها بـ(سوف) حتى يفجأه الموت فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10]، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم ...وما أحسن ما قال أبو تمام: من كان مرعى عزمه وهمومه***روض الأماني لم يزل مهزولا) 5- الخوف من الفشل: إن الخوف الدائم من الفشل، وتوقع انتقاد الآخرين، من العوامل المؤثرة في ضعف عزيمة النفس، فالمطلوب هو أن تقاوم الخوف، وتتأسى بأصحاب العزم الصادق الذين قال الله تعالى عن عزمهم، وقوتهم في مواجهة الحياة، وحسن توكلهم عليه سبحانه في تقوية عزائمهم على مواجهة الصعوبات الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: 173-174] واعلم أن عليك أن تسعى وتأخذ بالأسباب، وليس عليك تحصيل النتائج قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23]. 6- التردد وعدم وضوح الأهداف: (إن الإسلام يكره لك أن تكون مترددًا في أمورك، تحار في اختيار أصوبها وأسلمها، وتكثر الهواجس في رأسك؛ فتخلق أمامك جوًّا من الريبة والتوجس، فلا تدري كيف تفعل، وتضعف قبضتك في الإمساك بما ينفعك فيفلت منك، ثم يذهب سدى) ، ولهذا شرع لنا الله سبحانه مشاورة أهل الرأي والخبرة من أهل الصلاح قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 43]، وشرع لنا الرسول الاستخارة ، إعانة للمرء على بلوغ الصواب، وبعد المشاورة يكون التنفيذ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]. 7- سوء الظن بالله، واليأس، وفقدان الأمل، والنظرة التشاؤمية للحياة: إن فقدان الأمل يقعد الإنسان عن طلب المعالي؛ ليأسه وحكمه على المستقبل بما يعيشه من واقع أليم، وإنَّ (عمل الشيطان هو تشييع الماضي بالنحيب والإعوال، هو ما يلقيه في النفس من أسى وقنوط على ما فات، إن الرجل لا يلتفت وراءه إلا بمقدار ما ينتفع به في حاضره ومستقبله، أما الوقوف مع هزائم الأمس، واستعادة أحزانها، والتعثر في عقابيلها وتكرار لو، وليت، فليس ذلك من خلق المسلم... قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران: 156] . وانظر لنبي الله يعقوب؛ لم يمنعه طول الزمان بعد فقدانه ليوسف في الأمل في الله أن يعيده له، بل ازداد أمله بعد حبس ابنه الثاني بمصر فقال لأولاده يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]. 8- قلة الصبر، وعدم الثبات، واستطالة الطريق، واستعجال النتائج: قلة الصبر وعدم الثبات تحرم الإنسان من بلوغ أي هدف، وتحقيق أي كمال، وما أخرج آدم عليه الصلاة والسلام من جنة الخلد، وجوار الرحمن، والعيش الهني، والمسكن الطيب إلى شقاء الدنيا، وتعبها، وهمومها إلا قلة الصبر عما نهاه الله عنه، وعدم الثبات على ما أمر به، قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115] . 9- الفتور والغفلة: الفتور والغفلة هما رأس البلاء، ومكمن الداء، وإن كان (لابد من سنة الغفلة ورقاد الغفلة ولكن كن خفيف النوم) فلا يعني ذلك ترك الواجبات وفعل المحرمات، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِن لكل عمل شِرَّة ، ولكل شِرَّة فَتْرَة فمن كانت شِرَّتُهُ إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)) . ومن مظاهر ذلك: - (تضييع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، وعدم إنجاز شيء من العمل مع طول الزمن. - عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي. - الفوضوية في العمل: فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، الأعمال ارتجالية، التنقل بين الأعمال بغير داع. - خداع النفس؛ بالانشغال مع الفراغ، وبالعمل وهي عاطلة، الانشغال بجزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال تافهة ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع. - النقد لكل عمل إيجابي؛ تنصلًا من المشاركة والعمل، وتضخيم الأخطاء والسلبيات؛ تبريرًا لعجزه وفتوره، تراه يبحث عن المعاذير، ويصطنع الأسباب؛ للتخلص والفرار وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ. [التوبة: 81].) .
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة 1- التوكل على الله وحسن الظن به سبحانه في الوصول للهدف: أرشدنا الله سبحانه لهذا بقوله سبحانه: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] وإن من آثار عقيدة التوحيد في نفس المؤمن قوة العزم والصبر والثبات لعلمه أن الله معه وأنه مؤيده وناصره، فهو يردد قول الله تعالى: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] التي قالها إبراهيم عندما أُريد إلقاؤه في النار، ومحمد صلى الله عليه وسلم عندما خوِّف بصناديد المشركين، وقول هود عليه السلام لقومه: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ [هود: 55-56] . 2- الدعاء: فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)). 3- الاقتداء بأصحاب العزائم من أهل الصلاح والدين: قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]. وقال تعالى في الاقتداء بالصالحين قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4]. 4- مصاحبة أهل العزائم القوية، والهمم العالية: فالمرء على دين خليله، قال ابن تيمية: (الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض) ، وقال لقمان الحكيم لابنه: (من يقارن قرين السوء لا يسلم، ومن لا يملك لسانه يندم، يا بني كن عبدًا للأخيار، ولا تكن خليلًا للأشرار) . أحبُّ الصالحين ولست منهم ***لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي***وإن كنا سواء في البضاعة 5- المسارعة في التنفيذ، وعدم التردد بعد عقد العزم على العمل: قال تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد: 21]. 6- أخذ الأمور بجدية: الجدية في الحياة كلها، وإلزام النفس بما يراد تحقيقه طريق الناجحين في حياتهم، ومن جدَّ وجدَ، ومن زرع حصد، قال تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12]، وقال تعالى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63 ]. 7- عدم الاتكال على الحسب والنسب: والقاعدة الإسلامية لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا يستوي العالم والجاهل، ولا المؤمن والكافر، ولا المجتهد والكسول، ولا القوي والضعيف. قال المتنبي: لا بقومي شرفت بل شرفوا بي***وبنفسي فخرت لا بجدودي ولسنا وإن أحسابنا كرمت ***يومًا على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا***تبني ونفعل مثل ما فعلوا إذا ما المرء لم يبن افتخارًا لنفسه***تضايق عنه ما بنته جدوده 8- الرغبة الصادقة في تقوية العزم والعزيمة:
وهذا يشمل خطوات: - تغيير العادات السلبية إلى أخرى إيجابية: السعي الحثيث لرفع العزيمة وتقويتها يبدأ بالرغبة في إصلاح مواطن الضعف في النفس، والصدق في تحويلها لمواطن قوة، ولهذا فلم تمنع قاتل التسعة والتسعين نفسًا آثامه من السعي للتغيير، بل ولما أكمل المائة ما زال عازمًا على التوبة، فبحث وسأل، بل وترك ما يحبُّ من أهل ووطن في سبيل ما يرجو، حتى كانت العاقبة مغفرة الله ورضوانه . - تحديد الهدف المراد تحقيقه ووضوحه. - معرفة فائدة العمل في حياتك الدينية والدنيوية. فمعرفة فائدة العمل تعين على تحمل مشاق العمل، ولهذا جاءت الشريعة بالترغيب في العمل الصالح، والترهيب من المعاصي، وذمِّ البطالة والكسل. - وضع أهداف قصيرة المدى. - مكافأة النفس بعد كل عمل تنجزه، والمكافأة بقدر العمل. - محاسبة النفس على التقصير، ومعاقبتها بترك بعض ما تحب. |
#7
|
||||
|
||||
![]() نماذج من عزم الأنبياء والمرسلين لقد نال الأنبياء والمرسلين من قومهم الأذى الشديد، ولكنهم صبروا مما لقوه من المكاره وواصلوا مهمتهم بالعزم والإصرار، وقد أشاد القرآن بعزمهم الصادق في قوله: اصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]. وأولو العزم من الرسل هم الذين صبروا وجدوا في سبيل دعوتهم .
نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام والعزم على طلب العلم: قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [الكهف: 60]. (يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم، أنه قال لخادمه لا أزال مسافرًا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدًا من عباد الله العالـِمِين، عنده من العلم ما ليس عندك، أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا أي: مسافة طويلة، وهذا عزم منه جازم، فلذلك أمضاه) ، ولم يمنعه من الاستمرار في رحلته قوله لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا أي تعبًا، وكذلك لم يثنِ عزمه صلى الله عليه وسلم أنهم أخطؤوا الطريق قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 64-66]. وسبب رحلة نبي الله موسى لطلب العلم أنه (بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل؛ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله عز وجل إلى موسى: بلى، عبدنا خضر. فسأل موسى السبيل إليه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع، فإنك ستلقاه) . |
#8
|
|||
|
|||
![]()
بارك الله فيك وجزاك خيرا
جعله الله فى موازيين حسناتك
__________________
سبحان الله العظيم |
#9
|
||||
|
||||
![]() |
#10
|
||||
|
||||
![]() ثانيًا: في السنة النبوية
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) . قال ابن بطال: (فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالي الأمور) . - وقال صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)) . (وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين؛ إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر) ومن ذلك: - قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا. ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه. ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا .)) . - وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)) . |
#11
|
||||
|
||||
![]() درجات علو الهمة قَسَّم الهروي درجات علو الهمة على ثلاث: 1- (الدرجة الأولى: همة تصون القلب عن وحشة الرغبة في الفاني، وتحمله على الرغبة في الباقي، وتصفيه من كدر التواني) . يقول ابن القيم: (الفاني الدنيا وما عليها. أي: يزهد القلب فيها وفي أهلها. وسمى الرغبة فيها وحشة؛ لأنها وأهلها توحش قلوب الراغبين فيها، وقلوب الزاهدين فيها. أما الراغبون فيها: فأرواحهم وقلوبهم في وحشة من أجسامهم. إذ فاتها ما خلقت له. فهي في وحشة لفواته. وأما الزاهدون فيها: فإنهم يرونها موحشة لهم. لأنها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم. ولا شيء أوحش عند القلب، مما يحول بينه وبين مطلوبه ومحبوبه. ولذلك كان من نازع الناس أموالهم، وطلبها منهم أوحش شيء إليهم وأبغضه. وأيضًا: فالزاهدون فيها: إنما ينظرون إليها بالبصائر. والراغبون ينظرون إليها بالأبصار، فيستوحش الزاهد مما يأنس به الراغب. كما قيل: وإذا أفاق القلب واندمل الهوى ***رأت القلوب ولم تر الأبصار وكذلك هذه الهمة تحمله على الرغبة في الباقي لذاته. وهو الحق سبحانه. والباقي بإبقائه: هو الدار الآخرة.
وتصفيه من كدر التواني. أي: تخلصه وتمحصه من أوساخ الفتور والتواني، الذي هو سبب الإضاعة والتفريط) . 2- قال الهروي: (الدرجة الثانية: همة تورث أنفة من المبالاة بالعلل، والنزول على العمل، والثقة بالأمل) . يقول ابن القيم: (العلل هاهنا: هي علل الأعمال من رؤيتها، أو رؤية ثمراتها وإرادتها. ونحو ذلك. فإنها عندهم علل. فصاحب هذه الهمة: يأنف على همته، وقلبه من أن يبالي بالعلل؛ فإنَّ همته فوق ذلك. فمبالاته بها، وفكرته فيها نزول من الهمة. وعدم هذه المبالاة: إما لأنَّ العلل لم تحصل له؛ لأنَّ علوَّ همته حال بينه وبينها. فلا يبالي بما لم يحصل له؛ وإما لأنَّ همته وسعت مطلوبه، وعلوه يأتي على تلك العلل، ويستأصلها. فإنَّه إذا علَّق همته بما هو أعلى منها، تضمنتها الهمة العالية؛ فاندرج حكمها في حكم الهمة العالية، وهذا موضع غريب عزيز جدًّا. وما أدري قصده الشيخ أو لا؟ وأما أنفته من النزول على العمل: فكلام يحتاج إلى تقييد وتبيين. وهو أن العالي الهمة مطلبه فوق مطلب العمال والعباد، وأعلى منه، فهو يأنف أن ينزل من سماء مطلبه العالي، إلى مجرد العمل والعبادة، دون السفر بالقلب إلى الله؛ ليحصل له ويفوز به؛ فإنَّه طالب لربه تعالى طلبًا تامًّا بكلِّ معنى واعتبار في عمله، وعبادته ومناجاته، ونومه ويقظته، وحركته وسكونه، وعزلته وخلطته، وسائر أحواله؛ فقد انصبغ قلبه بالتوجه إلى الله تعالى أيما صبغة. وهذا الأمر إنما يكون لأهل المحبة الصادقة؛ فهم لا يقنعون بمجرد رسوم الأعمال، ولا بالاقتصار على الطلب حال العمل فقط. وأما أنفته من الثقة بالأمل: فإنَّ الثقة توجب الفتور والتواني، وصاحب هذه الهمة: ليس من أهل ذلك، كيف؟ وهو طائر لا سائر) . 3- قال الهروي: (الدرجة الثالثة: همة تتصاعد عن الأحوال والمعاملات. وتزري بالأعواض والدرجات. وتنحو عن النعوت نحو الذات) . يقول ابن القيم: (أي: هذه الهمة أعلى من أن يتعلق صاحبها بالأحوال التي هي آثار الأعمال والواردات، أو يتعلق بالمعاملات، وليس المراد تعطيلها. بل القيام بها مع عدم الالتفات إليها، والتعلُّق بها. ووجه صعود هذه المهمة عن هذا: ما ذكره من قوله: تزري بالأعواض والدرجات، وتنحو عن النعوت نحو الذات، أي: صاحبها لا يقف عند عوض ولا درجة؛ فإنَّ ذلك نزول من همته، ومطلبه أعلى من ذلك؛ فإنَّ صاحب هذه الهمة قد قصر همته على المطلب الأعلى، الذي لا شيء أعلى منه، والأعواض والدرجات دونه، وهو يعلم أنَّه إذا حصل له فهناك كل عوض ودرجة عالية. وأما نحوها نحو الذات، فيريد به: أنَّ صاحبها لا يقتصر على شهود الأفعال والأسماء والصفات، بل الذات الجامعة لمتفرقات الأسماء والصفات والأفعال.) . |
#12
|
||||
|
||||
![]() صور علو الهمة مظاهر وصور علو الهمة كثيرة جدًّا؛ فالأعمال الجادة كلها تحتاج إلى علو الهمة، وسنتحدث عن بعض مظاهر علو الهمة وهي كالتالي: 1- علو الهمة في طلب العلم: من مظاهر علو الهمة: الاجتهاد في طلب العلم؛ والجد والمثابرة في تحصيله وإن من أعظم ما يعين على علو الهمة في طلب العلم مطالعة ما أعده الله عزَّ وجلَّ لطالب العلم والعلماء. قال الشوكاني في الحثِّ على علو الهمة في طلب العلم: (فإنَّ الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ [آل عمران:18]. وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم فقال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:28]. وأخبر عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العلماء ورثة الأنبياء. وناهيك بهذه المزية الجليلة، والمنقبة النبيلة، فأكرم بنفس تطلب غاية المطالب في أشرف المكاسب، وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة، ولا تساميه منقبة، ولا تقاربه مكرمة) . كذلك مطالعة أحوال السلف، وعلو همتهم في التعلم والتعليم، والقراءة والإقراء والتصنيف، والرحلة في طلب العلم، والسهر في المذاكرة، والتعرض للأخطار، ومعاناة الجوع والمرض في سبيله، والضن بالوقت أن يضيع في غير تحصيل فائدة، أو الوقوف على نكتة علمية، إلى غير ذلك من صور علو همتهم في طلب العلم . 2- علو الهمة في الدعوة إلى الله: من مظاهر علو الهمة: الدعوة إلى الله؛ فالمسلم يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بما علم. قال صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عني ولو آية)) والداعية إلى الله سبحانه وتعالى همه هداية الناس، ودعوتهم إلى الحق، فيقوم ببذل نفسه في سبيل الدعوة إلى الله، قال ابن حزم: (لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حقٍّ، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم، وباذل نفسه في عرض دنيا، كبائع الياقوت بالحصى) . ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وسلف الأمة، القدوة الحسنة، فقد بذلوا كل غال ونفيس في سبيل الدعوة إلى الله. 3- علو الهمة في الجهاد في سبيل الله: من مظاهر علو الهمة الاندفاع إلى الجهاد في سبيل الله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة ، أو فزعة ، طار عليه يبتغى ال*** والموت مظانه ...)) والمواقف من حياة الصحابة والسلف كثيرة في بيان جهادهم في سبيل الله، وما بذلوه من تضحيات من أجل هذا الدين. 4- علو الهمة في العبادة:
من مظاهر علو الهمة: الجد والاجتهاد في عبادة الله سبحانه وتعالى، والاستقامة على دينه و(لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف، فلا تراهم إلا صوَّامين قوامين، باكين والهين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة، تشير بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات ... قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره. وقال وُهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل) . |
#13
|
||||
|
||||
![]() أسباب دنو الهمة 1- المعاصي: إن المعاصي أحد أسباب انحطاط الهمم، إذ كيف ينطلق الإنسان إلى المعالي وهو مكبل بالشهوات، مثقل بالذنوب، منهك القوى بالمعاصي، يقول ابن قيم الجوزية: (فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه، فالله المستعان) . 2- الخوف والهم والحزن: وهذه الثلاثة من الآفات التي توهن الهمة، وتضعف العزيمة، وتدفع إلى الفتور؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعيذ بالله منها، فيقول: (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال .)) . (فاستعاذ من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان، فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها، والفرق بينهما أن الهم توقع الشر في المستقبل، والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنًا، وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا) . 3- الغفلة: الغفلة من أسباب ضعف الهمة، فكيف يرتقي الإنسان معالي الأمور، وهو في غفلة عن مصالحه وأسباب سعادته، والغفلة والجهل قرينان، فـ(شجرة الغفلة تُسْقَى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلِّها. هل علمتم أمة في جهلها***ظهرت في المجد حسناءَ الرداء؟ قال عمر رضي الله عنه: الراحة للرجال غفلة. وقال شعبة بن الحجاج: لا تقعدوا فراغًا فإنَّ الموت يطلبكم. وسئل ابن الجوزي: أيجوز أن أفسح لنفسي في مُباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها) . 4- إهدار الوقت: فالوقت هو رأس مال الإنسان، فإذا أهدره فهو في الحقيقة يضيع عمره، فيبوء بالخسران، وما أفدحها من خسارة، فينبغي تجنب (إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات: قال - صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه***وأراه أسهلَ ما عليك يضيع (ويقول الفضيل بن عياض: أعرف من يَعُدُّ كلامه من الجمعة إلى الجمعة. ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك؟، قال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركتُ القراءة لأجلكم. وجاء عابدٌ إلى السَّرِيِّ السَّقَطي، فرأى عنده جماعة، فقال: صِرتَ مُناخَ البطالين! ثم مضى ولم يجلس. وقعد جماعة عند معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إن مَلَك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام؟) . 5- الوهن: (وهو كما فسره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حب الدنيا، وكراهية الموت)) . أمَّا حب الدنيا: فرأس كلِّ خطيئة كما في الحكمة المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف، والتنافس على دار الغرور التي:
تفانى الرجال على حبِّها***وما يحصلون على طائل (يقول -أي ابن الجوزي- واعلم أنَّ زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر، كما قال أحمد بن حنبل: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتَلَمَّحْ عواقبهم، ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ: طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنحَا***وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَحا فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المجَرَّةَ مِن***ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى ... وأما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينا أثر حب السلامة في الانحطاط بالهمة: حبُّ السلامة يثني عزم صاحبه***عن المعالي ويغري المرء بالكسل 6- التسويف والتمني: (وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير، إما يعيقها بـ (سوف) حتى يفجأه الموت، فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [المنافقون: 10]، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يُدمن ركوبه مفاليس العالم، كما قيل: إذا تمنيت بتُّ الليلَ مغتبطًا***إن المنى رأسُ أموال المفاليس 7- مجالسة البطالين والمثبطين: (مجالس البطالين والقاعدين توهن العزائم وتضعف الهمم بما يعلق في القلب من أقوالهم من الشبه، وما يحصل بمجالستهم من ضياع للوقت، وإشغال بتوافه الأمور.. وكلما أردت العمل ثبطك وقال: أمامك ليل طويل فارقد.) . إياك إياك ومجالسة البطالين (فإن طبعك يسرق منهم، وأنت لا تدري، وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه، والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه، فإن مَن دامت رؤيته للمسرور سرَّ، أو للمحزون حزن... ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟) . 8- المناهج التربوية والتعليمية الهدامة: هذه المناهج (التي تثبط الهمم وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات وتخرب العقول، وتنشئ الخنوع وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيه احتقار الذات والشعور بالدونية) . 9- توالي الضربات وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام: وينتج عنه الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه، كما ينتج عنه استطالة الطريق فيضعف السير إلى الله عز وجل. وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في مكة بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين . فلا ينبغي أن يستولي اليأس والتشاؤم على الدعاة، فعندما يرى بعضهم (تفوق الأعداء، وتفرق الأصدقاء، والتضييق على الدعاة، وتشريدهم، والزج بهم في السجون، ونحوها من الابتلاءات، ييأسوا ويتشاءموا ويدب الوهن إلى قلوبهم؛ فتضعف هممهم، ويقعدوا عن العمل، ويفقدوا الأمل.. على الرغم من انتصارات الدعوة والبشائر التي تبدو في الأفق؛ ولكن يأبى بعضهم إلا النظرة المتشائمة) . أسباب علو الهمة : إن علو الهمة يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وتلمس الأسباب التي توصل إليه، وسلوك الطرق التي تؤدي إليه، وفيما يلي بعض أسباب علو الهمة: 1- العلم: العلم أحد أسباب علو الهمة، فهو يرشد من طلبه إلى مصالحه، ويدفعه إلى العمل، ويعرفه بآفات الطريق ومخاطره، ويورث صاحبه فقها بالأولويات ويعرفه بمراتب الأعمال. وكلما ازداد الإنسان من العلم النافع علت همته، وازداد عمله؛ ونماذج العلماء الصادقين الذين علت هممهم أكبر برهان على ذلك. 2- الدعاء: وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه إذا فترت الهمة وضعفت العزيمة، فعلى المسلم ألا يغفل هذا الباب فهو من أعظم الأسباب لتحصيل الهمة العالية، والعاجز من عجز عن الدعاء. 3- تذكر اليوم الآخر: فلا شك أن تذكر الموت، وفتنة القبر، وأهوال القيامة، يبعث في القلب الهمة ويوقظه من غفلته، وتبعثه من رقدته؛ وتدبر قوله عز وجل وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار، فالحث على العمل وبعث الهمم يكون بالتذكير باليوم الآخر والجنة والنار. 4- طبيعة الإنسان: من الناس من جبل على علو الهمة، فلا يرضى بالدون، ولا يقنع بالقليل، ولا يلتفت إلى الصغائر. ولهذا قيل: ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علوًّا، كالشعلة في النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعًا . قال عمر بن عبد العزيز: إنَّ لي نفسًا تواقة؛ لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة ! 5- أثر الوالدين، ودورهما في التربية الصحيحة: فأثر الوالدين في التربية عظيم، ودورهما في إعلاء همم الأولاد خطير وجسيم؛ فإذا كان الوالدان قدوة في الخير، وحرصا على تربية الأولاد، واجتهدا في تنشئتهم على كريم الخلال وحميد الخصال، مع تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال – فإن لذلك أثرًا عظيمًا في نفوس الأولاد؛ لأن الأولاد سيشبون – بإذن الله – متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، متصفين بمكارم الأخلاق، مبغضين لسفساف الأمور، نافرين عن مساوئ الأخلاق. 6- النشأة في مجتمع مليء بالقمم: فمن بواعث الهمة، أن ينشأ الصغير في مجتمع تكثر فيه النماذج المشرقة من الأبطال المجاهدين، والعلماء العاملين؛ والتي تمثل القدوة، فهذا مما يحرك همته؛ كي يقتدي بهم، ويسير على طريقهم، ومن لم يتهيأ له ذلك فليتحول عن البيئة المثبطة، الداعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون. 7- وجود المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات: الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة، والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق وحسن الخلق، والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشَّجَاعَة، وكرم النفس والسماحة. 8- مصاحبة أصحاب الهمم ومطالعة سيرهم: فلا شك أنَّ الصحبة لها تأثير كبير، لذا من أراد تحصيل الهمة العالية فليصحب أصحاب الهمم العالية، فإنه يستفيد من أفعالهم قبل أقوالهم، ومن لم يوفق لصحبة هؤلاء فليكثر من مطالعة سيرهم، وقراءة أخبارهم فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى علوها. يقول ابن الجوزي: (فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة... فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم) . إلى أن قال: (فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب) . 9- استشعار المسؤولية: وذلك بأن يستشعر الإنسان مسؤوليته، ويعمل ما في وسعه ومقدوره، ويحذر كل الحذر من التهرب من المسؤولية، والإلقاء باللائمة والتبعة على غيره؛ ذلك أن المسؤولية في الإسلام عامة، تشمل كل فرد من المسلمين؛ فهم جميعًا داخلون في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته)) . فالمسؤولية مشتركة، كل امرئ بحسبه، هذا بتعليمه وكلامه، وهذا بوعظه وإرشاده، وهذا بقوته وماله، وهذا بجاهه وتوجيهه إلى السبيل النافع وهكذا. |
#14
|
||||
|
||||
![]()
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم استاذ محمد رافع
تحياتي وتقديري |
#15
|
||||
|
||||
![]() |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|