اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 28-03-2011, 01:49 PM
Specialist hossam Specialist hossam غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
العمر: 36
المشاركات: 1,933
معدل تقييم المستوى: 16
Specialist hossam is on a distinguished road
افتراضي

المستشفيات في عهد الوليد


... كان الخليفة الوليد بن عبد الملك أول من أسس مستشفى

خاصاً بالمجذومين وذلك سنة 88هـ، وجعل فيه أطباء مهرة،

وأجرى عليهم الأرزاق، وأمر بعزلهم عن الأصحاء كي لا تنتقل

العدوى من المصابين إلى الأصحاء، وهذا ما يعرف في التاريخ

بدور المجذومين. يقول الأستاذ الدكتور أحمد شوكت الشطي:..

أول مؤسسة عرفت هي مجذمة الوليد بن عبد الملك في دمشق

سنة 88هـ، ثم تعددت الملاجئ بعد ذلك في مختلف البلاد العربية

لبذل العناية الإنسانية لهؤلاء التعساء، وتعد المجاذم العربية أول

دور عولج فيها المصابون بالجذام معالجة فنية، ويقول أحمد

عيس بكر: قال الشيخ أبو العباس أحمد القلقشندي، إن أول من

اتخذ البيمارستان بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك وهو

سادس خلفاء بني أمية.. وقال رشيد الدين بن الوطواط: أول من

عمل البيمارستان وأجرى الصدقات على الزَمْنَى والمجذومين

والعميان والمساكين واستخدم لهم الخدام الوليد بن عبدالملك.

وقال تقي الدين المقريزي: أول من بنى البيمارستان في الإسلام

ودار المرضى الوليد بن عبد الملك وهو أيضاً أول من عمل دار

الضيافة وذلك سنة 88هـ وجعل في البيمارستان أطباء،

وأجرىلهم الأرزاق وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا وأجرى

عليهم وعلى العميان الأرزاق، ولم يصل إلينا إي علم أو إشارة


عن المكان الذي أنشأ فيه الوليد البيمارستان.


كفالة الدولة للمحتاجين وتطوير الطرق

... كان الوليد يخصص الأرزاق للفقهاء والضعفاء والفقراء

ويحرم عليهم سؤال الناس، ويفرض لهم ما يكفيهم كما فرض

على العميان والمجذومين، فقد أعطى المجذومين وقال: لا تسألوا

الناس وأعطى كل مقعد خادماً وكل ضرير قائداً وفتح في ولايته

فتوح عظام، وقد اهتم الوليد بتعبيد الطرق وبخاصة تلك التي









قصر الخزانة الي الشرق من عمان علي طريق الحجاج

تؤدي إلى الحجاز لتيسير سفر الحُجاج إلى بيت الله الحرام، فكتب

إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار وعمل

الفوارة في المدينة وأمر لها بقوام يقومون عليها وأن يسقى منها

أهل المساجد.


ديوان المستغلات

يعتبر عهد الوليد امتداد لأبيه في النظام السياسي والاقتصادي

والإداري وغيرها ويبدو أن ديوان المستغلات ظهر ذكره في عهد

الوليد، وكان هذا الديوان ينظر في إدارة أموال الدولة غير

المنقولة من أبنية وعمارات وحوانيت ولأول مرة ترد إشارة

ديوان المستغلات في عهد الوليد حيث ذكر أن نفيع بن ذؤيب تقلد

للوليد بن عبد الملك ديوان المستغلات، وأن اسمه مكتوب على



خريطة طرق دمشق القديمة

لوح في سوق السراجين بدمشق. وهذا يدل على: أن الديوان كان

قائماً في خلافة الوليد، ولعله أحدث قبل هذا الوقت، وأن وجود

اسمه على لوح في سوق دمشق له دلالته على وجود أملاك عائدة

إلى الدولة، وإن نفيع كان يشرف على جباية وارداتها.


الوليد والقرآن الكريم


أخذ الخلفاء الأمويون والأمراء أنفسهم بتلاوة القرآن وختمه من

وقت لآخر وقد شب الوليد على حب القرآن الكريم والاكثار من

تلاوته وحث الناس على حفظه وإجازتهم على ذلك، حدث إبراهيم

بن أبي عبلة قال: قال لي: الوليد بن عبد الملك يوماً في كم تختم

القرآن؟ قالت: كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه

في ثلاث ـ وقيل في سبع ـ قال: وكان يقرأ في شهر رمضان سبعة

شعرة ختمة، قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟ بنى مسجد

دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة، فأقسمها على قرّاء بيت

المقدس، ورى الطبري أن رجلاً من بني مخزوم سأل الوليد قضاء

دين عليه. فقال: نعم إن كنت مستحقاً لذلك، قال: يا أمير

المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقاً لذلك مع قرابتي؟ قال: أقرأت

القرآن؟ قال: لا، قال: أدن مني فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب

كان في يده وقرعه قرعات بالقضيب، وقال للرجل: ضم إليك هذا

فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن، فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد...

فقال يا أمير المؤمنين إن علي ديناً، فقال: أقرأت القرآن قال: نعم،

فاستقرأه عشر آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ،

فقال: نعم نقض عنكم، ونصل أرحامكم على هذا. وقال عنه ابن

كثير: .. فقد كان صيناً في نفسه حازماً في رأيه يقال: إنه لا تعرف

له صبوة


المراسلات بين الوليد وملك الروم


كانت هناك مراسلات بين الوليد وبين ملك الروم ولاسيما حينما

هدم الوليد كنيسة دمشق، فكتب إليه ملك الروم: إنك هدمت

الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كان صواباً فقد أخطأت، وإن

كان خطأ فما عذرك؟. فكتب إليه الوليد: ((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ

يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ

* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)) (الأنبياء ، الآيتان :

78 ـ 79). وحين قرر الوليد بن عبد الملك فتح القسطنطينية

وأعد العدة لذلك أرسل قيصر الروم سفيراً يدعى دانيا حاكم مدينة

سينوب إلى دمشق للتداول مع الخليفة حول إمكانية عقد هدنة

بين الطرفين وزوده بتعليمات سرية ترمي إلى الوقوف على مدى

استعدادات المسلمين لحصارالقسطنطينية، وعند رجوعه اطلعهم

على استعداد العرب للحملة وحث الروم على اتخاذ التدابير الكفيلة

لمواجهة الموقف، وهذا يدل على أن الروم كانوا يتخذون من

السفراء والوفد وسيلة لجمع المعلومات في الدولة الإسلامية

واستعداداتهم إتجاه الروم والتجسس على الدولةالإسلامية

مستغلين كونهم رسلاً بين الدولتين مستفيدين من طبيعة المهمة

السلمية التي يقومون بها وكانت هناك مراسلات وتبادل هدايا بين

الخليفة الوليد بن عبد الملك وبين ملوك الروم حين أراد بناء

الجامع الأموي، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما أهداه الوليد إلى

ملك الروم من كميات الفلفل قدرت قيمتها بعشرين ألف دينار،

وهناك روايات كثيرة تشير إلى التعامل السلمي وتبادل الخبرات

كان موجود بين الوليد وقيصر الروم، فقد أراد الوليد الاستفادة

من خبرات الروم في صناعة الفسيفساء والبناء والعمران،

وكانت هناك مراسلات متعلقة بالأسرى والرهائن بين الطرفين،

فقد كانت من المسائل المهمة جداًَ وكانت المفاوضات بشأنها

تجري أما في دمشق أو في القسطنطينية، وليس في مدن محلية

صغيرة.
عصر الفتوحات

عصر القادة العظام

مسلمة وموسي بن نصير وطارق بن زياد وقتيبة بن مسلم

ومحمد بن القاسم الثقفي



كان في أواخر عهد عبد الملك رحمه الله وبداية عهد الوليد

كان هذا العصر هو عصر الفتوحات والبطولات التي خاضها

المسلمون في كل الاتجاهات وبلغت الدولة الاموية في ذالك

الوقت اقصي اتساع لها من الصين شرقا الي ألا ندلس غربا




بفضل قادتها الذين بذلو ا كل مالديهم من أجل اعلاء كلمة الله


فكان حقا علي الله ان ينصرهم ويفتح الدنيا امامهم .

وسيأتي ذكر هؤلاء الابطال وما فعلوه في فتوحاتهم بفضل الله

حتي بلغت الدولة حدودا بعيد ة من الدنيا وخافها الشرق والغرب

وتحققت كلمة الله


((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ))

وقاتل المسلمون في شتي انحاء الارض حتي اعطي الكفار الجزية عن يد وهم

صاغرون.
الفتوحات في المغرب

موسي بن نصير وطارق بن زياد


... لا يتفق المؤرخون على تاريخ محدد لتولية موسى بن نصير

على المغرب وعزل حسان بن النعمان عنه، ولكن الأقرب إلى

تسلسل الأحداث أن يكون عزل حسان وتوليه موسى بن نصير في

سنة 85هـ، قبيل وفاة عبد العزيز ابن مروان والذي ينسب إليه

المؤرخون عزل حسان وتولية موسى، وبعد أن عزل عبد العزيز

بن مروان والي مصر حسان بن النعمان والي إفريقية وليَّ مكانه

موسى بن نصير، وكان في أواخر سنة خمس وثمانين الهجرية

أو في أوائل سنة ست وثمانين الهجرية وعندما توافدت الجيوش،

قام موسى بن نصير خطيباً، فكان مما قاله: وإنما أنا رجل

كأحدكم، فمن رأى مني حسنة، فليحمد الله، وليحض على مثلها،

ومن رأى مني سيئة، فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، ,أصيب

كما تصيبون، وقد أمر الأمير أكرمه الله لكم بعطاياكم وتضعيفها

ثلاثاً، فخذوها هنيئاً مريئاً، من كانت له حاجة فليرفعها إلينا، وله

عندنا قضاؤها على ماعز وهان مع المواساة إن شاء الله، ولا

حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا أنجز موسى قبل أن يدخل إفريقية

حشد جيشه وأكمل استحضاراته الإدارية وساوى نفسه برجاله،

وسار موسى متوجهاً إلى الغرب وكان الأمن غير مستتب، فلما

وصل إفريقية برز موسى بن نصير قائداً منتصراً في فتح المغرب

ويرجع ذلك إلى السياسة التي اتبعها مع الأهالي وهي سياسة

التعاون والاندماج الكلي مع البربر، فحين كان يقدم على موسى

وفود القبائل ليعلنوا ولاءهم كان يولي عليهم رجلاً منهم ويأخذ

رهائن من خيارهم لضمان هذا الولاء، كما فعل مع وفد كتامة ومع

وفد مصمودة وغيرهم، ولكن ما أن يعتنق البربر الإسلام، كان

موسى يقر زعمائهم في الرئاسة مقابل مساهمة كل قبيلة بعدد

كان من المقاتلين للانضمام للمقاتلة


العرب. وأعطت سياسة التفاهم هذه ثمارها، فقد استطاع موسى

أن يجند أعداداً كبيرة من قبائل البربر مثل كتامة وهوارة وزناتة

ومصمودة، وألحق موسى بن نصير هؤلاء المقاتلة من البربر مع

جراوة الذين كانوا قد جندوا في عهد حسان، ووضعهم جميعاً في

حامية طنجة تحت قيادة طارق بن زياد الذي وليها سنة 90 هـ من





قبل موسى بن نصير، ومن الوسائل التي استخدمها موسى في

تأليف القلوب وضبط الأمور، وتقوية الدولة الإسلامية:

1 ـ عتق بعض السبايا:كان موسى بن نصير يعتق بعض سباياهم

ويتولاهم في نطاق خطته لتشجيع البربر على الدخول في

الإسلام، فكان يشتري من السبايا من كان في ظنه أن يقبل الإسلام.

2 ـ تطبيق مبدأ المساواة:في النفل بين البربر المسلمين والعرب

الذين أبلوا بلاء حسناً وذلك تشجيعاً وتقديراً لبلائهم وبهذا

التصرف تمكن موسى من جلب أعداد كبيرة إلى الإسلام وإشراكهم

في الجيش الإسلامي.




بقايا قلعة موسي بن نصير

3 ـ التنظيم الإداري: ويبدو أن موسى بن نصير حين دخل إفريقية

وجدها في حاجة ماسة إلى إدارة مستقرة، فقد انفردت كل قبيلة

بربرية بناحيتها واستبدت بها دون أن تخضع لولاة أو عمال،

فأخذ موسى يعمل على إخضاع كل المغرب إلى الحكم الإسلامي

فبدأ ينقل البيزنطيين من المدن الساحلية والنواحي الداخلية

وأسكنهم قرب مراكز الحكم الإسلامي مما يتيح للمسلمين

مراقبتهم ودعوتهم وتعليمهم.


4 ـ تكوين القوة البحرية: أنشأ حسان بن النعمان دار صناعة

السفن بتونس ثم استكملها بعده موسى بن نصير وعبيد الله بن

الحباب، ويذكر أنه صنع بها مراكب مما مكنه من غزو صقلية.

5 ـ سك النقود: ويبدو أنه بادر بسك النقود بإفريقية، إذ يرى

حسن حسني عبد الوهاب أن أول أمير سك النقود بإفريقية، هو

موسى بن نصير سنة 95هـ.


... وتتلخص أعمال موسى بن نصير في حرصه على نشر الإسلام

بين البربر ولهذا كان يختار عمالاً يحسنون السيرة في أهالي

المناطق المفتوحة، واختار فئة من أصحابه لتعليم البربر حديثي

الإسلام، القرآن ومبادئ الإسلام. فقد أمر العرب أن يعلموا البربر

القرآن وأن يفقهوهم في الدين، وذكر ابن عذارى أن موسى ترك

سبعين رجلاً من العرب في طنجة يعلمون البربر القرآن وشرائع

الإسلام. وهذه السياسة هي استمرار لسياسة عقبة بن نافع

وحسان بن النعمان. وهذا أدى إلى انتشار الإسلام في المغرب

الأقصى. واستطاع موسى بن نصير بعد حملات جهادية منظمة

السيطرة على جميع شمال إفريقية من برقة إلى المحيط الأطلسي



وأصبح سيد إفريقية بدون منازع، وكان أولاده من ضمن قادته

في فتوحاته الكبرى وكانت له حملات بحرية على جزر البحر

الأبيض المتوسط ومن أشهر تلك الحملات ما سمي بحملة

الأشراف بسبب اشتراك أشراف الناس فيها وكانت وجهتها

جزيرة صقلية حيث بلغ عدد مقاتليها بين التسعمائة والألف

[IMG]http://www.sar***a.com/vb/imgcache/45211.imgcache.jpg[/IMG]



صقلية

وكانت بقيادة ابنه عبد الله الذي حقق نصراً حاسماً حتى غنم

المسلمون غنائم كثيرة بلغ فيها سهم المقاتل مائة دينار ذهب. هذا

ولم تقتصر حملات موسى بن نصير البحرية على مقاتلة إفريقية

بل شملت دعم الحملات البحرية في ولاية مصر، هذا وقد توجت

هذه الانتصارات البحرية الرائعة التي حققها الأسطول الإسلامي

بفتح بلاد الأندلس الذي خطط له موسى بن نصير ونفذه طارق بن

زياد وتم بشكل نهائي بتوفيق الله ثم جهود هذين القائدين

العظيمين.





__________________
قالوا كذبا : دعوة رجعية -- معزولة عن قرنها العشرين
الناس تنظر للأمام ، فما لهم -- يدعوننا لنعود قبل قرون؟
رجعية أنّا نغارُ لديننا -- و نقوم بالمفروض و المسنون!
رجعية أن الرسول زعيمنا -- لسنا الذيول لـ "مارْكسٍ" و " لِنين" !
رجعية أن يَحْكُمَ الإسلامُ في -- شعبٍ يرى الإسلامَ أعظم دين !
أوَليس شرعُ الله ، شرعُ محمدٍ ------ أولى بنا من شرْعِ نابليون؟!
يا رب إن تكُ هذه رجعيةً ------ فاحشُرْنِ رجعياً بيومِ الدين !
  #17  
قديم 28-03-2011, 01:53 PM
Specialist hossam Specialist hossam غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
العمر: 36
المشاركات: 1,933
معدل تقييم المستوى: 16
Specialist hossam is on a distinguished road
افتراضي

فتح الأندلس وجهود طارق بن زياد


... كان الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الايبيريَّة (أسبانيا

والبرتغال) أمراً طبيعياً حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء

فتوحاتهم، وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم وذلك بالمضي في

جهادهم إلى ما وراء تلك الحدود، لنشر العقيدة الإسلامية التي

تقتضي أن يستمر المدُّ الإسلامي ما دامت فيه القوة على

الاستمرار، وبعد أن أرسى موسى بن نصير، ومن معه، كلمة

الإسلام بجهودهم في المغرب الكبير، كانت الخطوة التالية

الطبيعية هي فتح الأندلس وقد عمل موسى على إكمال جهود من

سبقه من الجند الدعاة ـ قادة وجيشاً ـ في ترسيخ قدم الإسلام في

الشمال الإفريقي، فقد عمل على تثبيت الإسلام في قلوب الناس

ونشط في تعليمهم وتربيتهم على مبادئ الدين الحنيف، وآتت

جهوده الدعوية ثمارها الزكية فقد أصبح البربر في تلك الديار من

أخلص الناس للإسلام والدعوة إليه والجهاد في سبيل نشر

تعاليمه، ولقد كانت أكثرية جيش طارق إلى الجزيرة الايبيريَّة من





المسلمين البربر، الذين تحمسوا لدعوة الإسلام، حباً لها وتضحية

من أجلها، لا طمعاً في مغنم أو حرصاً على جاه، فهذا هو هدف

جميع الفتوحات الإسلامية التي يكفي الاطَّلاع عليها ومعرفة

طبيعتها لرفض الإدعاءات وإسقاط المفتريات المزوّرة، التي

تشير ـ تلميحاً أو تصريحاً ـ إلى إعتبار الغنائم سبب هذا الفتح،

وهو أمر عاري من الحجج والبراهين والأدلة، وإنما هي أوهام لا

تحمل أي رائحة من الطابع العلمي أو السند التاريخي.


فكرة الفتح

: يمكن القول بأن فكرة فتح الجزيرة الايبيريَّة هي فكرة إسلامية

تماماً. بل يُروى بأنها فكرة قديمة تمتد إلى أيام الخليفة الراشد

عثمان بن عفان، فقد كان عقبة بن نافع الفهري يفكر في إجتياز

المضيق إلى أسبانيا لو استطاع وسبق للمسلمين نشاط على

شواطئ أسبانيا الشرقية وبعض الجزر القريبة منها، وهي



مَيورْقة ومَنورقة، واليابسة، يذكر الذهبي أنه في سنة 89هـ:

جهز موسى بن نصير ولده عبد الله، فافتتح جزيرتي مَيورْقة

ومَنورقة، أما الإتصال بيُليان حاكم مدينة سبتة أو بغيره من

الأسبان فإنها جاءت مواتية على ما يبدو وفي الوقت الذي كان

موسى بن نصير يفكر في تنفيذ فكرة الفتح ولكن كيف تم الاتصال





بالجانب الأسباني ((يُليْان وأنصار الملك المخلوع وغيرهم،؟

اختلفت الأقوال فيما إذا تم الأمر بالمراسلة أو باللقاء الشخصي

وأين؟ إذا كان هذا الاتصال أصلاً قد تمّ وبهذا المستوى على كل

حال فإن اتصالات الجانب الأسباني بموسى ومساعداتهم ـ أثناء

عمليات الفتح ـ ربما كانت عاملاً مساعداً سهّل سير الفتح أو

عجّل به. لكن المبادأة ومردّ العمليات وإنجازها كانت من الجانب

الإسلامي الذي اندفع مع الفتح بقوة فائقة معتمداً على الله في

تحقيق ما يصبوا إليه من هداية الناس وقد استشار موسى الوليد

بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) قبل اتصالاته بليُليان، أو اتصال هذا

الأخير بموسى. وقد ترددت الخلافة ـ بادي الأمر ـ بالقيام بمثل هذا

العمل الكبير، خوفاً على المسلمين من المخاطرة في مفاوز أو

إيقاعهم في مهالك، ولكن موسى أقنع الخليفة بالأمر، ثم تمّ

الاتفاق على أن يَسبق الفتح اختبار المكان بالسرايا أو الحملات

الاستطلاعية.

الحملة الاستطلاعية ، أو حملة طريف


... نفذ موسى أوامر الوليد بأن جهز حملة استطلاعية مؤلفة من

خمسمائة جندي منهم مائة فارس بقيادة طريف بن مالك الملقب

بأبي زُرعة وهو مسلم من البربر وجاز هذا الجيش الزُّقاق ـ اسم

يطلق أحياناً على المضيق ـ من سبتة بسفن يُليْان أو غيره، ونزل

قرب أو في جزيرة بالوما في الجانب الأسباني وعرفت هذه

الجزيرة فيما بعد باسم هذا القائد: جزيرة طريف، وكان إبحار هذه

الحملة من سبتة في رمضان عام 91هـ )تموز 710م) وقد جال

طريف في المدينة والنواحي المحيطة بها واستطلع أخبار العدو

في تلك الجهات، وعادت حملة طريف بالأخبار المطمئنة

والمشجعة على الاستمرار في عملية الفتح،، فقد درس أحوال

المنطقة وتعرّف على مواقعها وأرسل جماعات إلى عدة أماكن ـ

منها جبل طارق ـ لهذا الغرض فكانت هذه المعلومات عوناً في

وضع خُطة الفتح ونزول طارق بجيشه على الجبل.

... لما رأى موسى بن نصير ما حققته حملة طريف، وصحّ عنده

ما نقل إليه من أحوال الأندلس، بعث طارق بن زياد في سبعة

آلاف من المسلمين أكثرهم من البربر والموالي وأقلهم من العرب

ولما احتاج طارق إلى أعداد في فترة تالية أمدّه موسى بخمسة

آلاف فتمّ جيش طارق من السفن لنقل الجنود إلى بر الأندلس وقد

حرص القائمون على الحملة لاستكمال عملية نزول الجند أن

يُعموُا أخبار الحملة على الناس، لذلك أحضر يوليان السفن إلى

سبتة ليلاً وأخذت تنقل الجنود تباعاً، ويبدو أن عملية إبحار الجند

اقتضت أكثر من ليلة، فقيل أن الجند الذين نزلوا بر الأندلس كانوا

يكمنون في النهار حتى لا يشعر بهم أحد، وكانت السفن تختلف

بين سبتة والأندلس وأهل الأندلس لا يظنون إلا أنها تختلف بمثل

ما كانت السفن تختلف به من المنافع والمتاجر، ولما علم أهل

الأندلس بالحملة كانت عملية الإبحار قد تمت بسلام في رجب من

عام اثنين وتسعين للهجرة، ونزل طارق، بالجند عند جبل كالبي،

وهو الجبل الذي أخذ اسم طارق وصار يعرف بجبل طارق، وقيل

لما ملك رئيس الموحدين عبد المؤمن الأندلس وعبر جبل طارق

أمر ببناء مدينة على الجبل وسماه جبل الفتح ولكن الاسم لم يثبت

له وظل اسم جبل طارق جارياً على الألسنة، وسار طارق

بالجيش نحو الجزيرة الخضراء ففتحها، وكان لذريق في شمال

الأندلس مشغولاً في محاربة البشكنس، وقيل في محاربة

الفرنسيين، فأرسل خليفته تدمير يُعْلِمُه بالهجوم الإسلامي، فعاد


لذريق مسرعاً لصده، وفي طريقه لقتال المسلمين عرّج على

العاصمة طليطلة دون أن يدخلها وصالح أسرة غيطشة ودعاهم

والقوط المخالفين له إلى الانضمام إليه في حرب العدو المشترك

فساروا معه، وقيل أن لذريق عهد بقيادة ميمنة جيشه وميسرته

إلى ابني غيطشة، وعلم طارق بالحشود التي حشدها لذريق

لمجابهته فكتب إلى موسى ينبئه بضخامتها ويطلب منه مدداً،

فأمدّه موسى بخمسة آلاف مقاتل، ويصف المقري، نقلاً عن بعض




المؤرخين جند طارق لقد أقبلوا وعليهم ((الزرد)) وفوق رؤوسهم

((العمائم البيض)) وبأيديهم ((القسي العربية)) وقد تقلدوا

السيوف وحملوا الرماح فلما رآهم لذريق دخله منهم الرعب،

وذكر ابن الأثير: أن طارقاً لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي

صلى الله عليه وسلم ـ في نومه ـ ومعه المهاجرون والأنصار قد

تقلّدوا السيوف وتنكّبوا القسّي، فقال له النبي صلى الله عليه

وسلم: يا طارق تقدم لشأنك، وأمره بالرفق بالمسلمين، والوفاء

بالعهد، فنظر طارق فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه

قد دخلوا الأندلس أمامه، فاستيقظ من نومه مستبشراً وبشر

أصحابه وقويت نفسه ولم يشك في الظفر.


معركة وادي لكّة أو العبور إلى الأندلس


... لم يعد بين طارق وخصمه لذريق سوى عاملي الزمن،

والأرض وأصبح من الواضح أن طارقاً أكثر حرية من خصمة بعد



سقوط ولاية ((الجزيرة الخضراء)) بيده وهزيمة قائد القوط

((بنج)) وهلاك فرقته بكاملها على يدي جيش طارق، وأصبح

قادراً على اختيار المكان المناسب للقتال، فقد كان اختيار ميدان

القتال من قبله من أهم عناصر نجاحه في هذه المعركة، إذ كان قد

أسند ميمنة جيشه إلى بحيرة خاندا شرقاً، الممتدة عدة كيلومترات

والتي يصب فيها نهر البرباط الذي بمر بوادي البرباط وأسند

ميسرته إلى الوادي المذكور غرباً، كما اسند مؤخرة هذا الجيش

إلى جبال ((رتينا)) العالية جنوباً، منتظراً أن يأتيه العدو من

الشمال بعد أن وضعه في موضع الاضطرار لا الاختيار، وما أن

استكمل لذريق عدة الجيش وعديدة حتى تحرك جنوباً لمواجهة

طارق وجيشه في المكان الذي اختاره هذا الأخير، فوصله في



الأيام الأخيرة من شهر رمضان عام 92هـ وعسكر بجيشه على

الجهة الشمالية للوادي، والتقى الجيشان على نهر لكة من أعمال

شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة 92هـ واتصلت الحرب بين

الجانبين ثمانية أيام استشهد فيها ثلاثة آلاف من المسلمين ولكن

الهزيمة دارت على لذريق وجيشه، وقيل أن لذريق غرق وقتل

كثير من جيشه، ومما يروي عن ابناء غيطشة أنهم خذلوا لذريق

وتركوهم وأنصارهم مواقفهم أمام المسلمين ظناً منهم أن





المسلمين إذا امتلأت أيديهم من الغنائم عادوا إلى بلادهم فبقي

الملك لهم، ولعل خذلان آل غيطشة وأنصارهم لذريق كان بدافع

الانتقام منه، ولا شك أن هذا الفتح مثل غيره يعود إلى قوة

المسلمين بتمكن العقيدة وتغلغل معانيها في نفوسهم وحرصهم

على الشهادة في سبيلها.


... وبعد هذا النصر العظيم تعقب طارق فلول الجيش القوطي التي

لاذت بالفرار. وسار الجيش الإسلامي فاتحاً لبقية مناطق الجزيرة

الإيبيريّة.


الدروس المستخلصة من معركة وادي لكّة

أ ـ أسلوب ((الحذر واليقظة)) تجاه الحلفاء: لم يكتف موسى بن

نصير بقول يليان ووعده بالعون والمساعدة في فتح الأندلس بل

كلفه مهمة استطلاعية في تلك البلاد ليختبر صدقه ووفاءه بعهده،

وقد كان يليان صادقاً بما قال ووفياً لما تعهد به، كما كان موسى

حذراً ويقظاً ونبهاً.

ب ـ أسلوب الاستطلاع قبل الانزال: أراد موسى أن يستطلع البيئة

التي سوف يقتحمها والعدو الذي سوف يقاتله والبقعة التي سوف

يتم النزول فيها، وذلك قبل أن يدفع بجيشه في مغامرة مجهولة

النتائج، فأرسل حملة استطلاعية بقيادة طريف بن مالك وما أن

عادت تلك الحملة بالمعلومات الوافية عن البيئة والعدو وبقعة

النزول حتى اطمأن إلى سلامة قراره فكتب إلى الخليفة يستأذنه بالفتح

ج ـ الأسلوب المتكرر في الاختبار والحيطة: رغم ما سبق من

اختبار سواء بواسطة الحملة التي قام بها يليان أو حملة طريف،

فقد أبى الخليفة إلا أن يكرر الاختبار فقال لموسى: خضها

بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر

شديد الأهوال. ولما لفت موسى نظر الخليفة إلى سهولة عملية

الإبحار والإنزال أصر الخليفة قائلاً: وإن كان، فلابد من اختباره

بالسرايا قبل اقتحامه. وذلك يدل على مدى حرص الخليفة على

التأكد من نجاح العملية وسلامتها وتأمين الفوز للمسلمين بدل أن

يغرر بهم في بحر شديد الأهوال. وهذا الأسلوب المتكرر في

الاختبار والحيطة قبل الإنزال والاقتحام سهّل عملية الفتح إلى حد

كبير وأعان المسلمين في مواجهتهم الحاسمة للعدو، إذ أمّن لهم

عملية (( المباغتة)) لعدو لم يكن ينتظر مثل هذه المفاجأة أبداً.

خ ـ أسلوب المباغتة: إن الأسلوب الذي اتبعه طارق في إيصال

المسلمين إلى ساحل الأندلسي منفذاً تعليمات الخليفة، كان أسلوباً



بارعاً إلى حد كبير، فهو لم يبحر بالمسلمين دفعة واحدة بل أبحر

بهم على دفعات متتالية وفي مراكب تجارية، وما أن التأم شمل

المسلمين في تلك البلاد، حتى فوجئوا بالهزيمة الساحقة التي

لحقت بهم على يد هؤلاء المسلمين ومقتل أحد أهم قادتهم

((بنج)) ابن أخت مليكهم لذريق، فانتزع المسلمون، بهذه

المباغتة وهذا الانتصار، المبادرة من يد أعدائهم وأسقط في يد

القوط، وأصبحت هزيمتهم على يد المسلمين قدراً محتوماً.

س ـ تنفيذ أسلوب (( رأس الجسر)): نفذ طارق، فور وصول

جيشه إلى الساحل الأندلسي، أسلوب (( رأس الجسر)) وهو

أسلوب يعمل به في الحروب الحديثة، فأقام على الساحل قاعدة

حصينة سوّرها وحماها وانطلق منها في فتوحاته، تماماً كما

يفعل أي جيش في أيامنا هذه.

ش ـ اختيار ميدان القتال: لقد أحسن طارق اختيار ميدان القتال

وفرض على العدو أن يجابهه من جهة واحدة هي جبهة الشمال،

ووضعه في موضع الاضطرار الاختيار.

ص ـ المبادرة بالقتال: كان طارق في هذه المعركة هو البادئ

بالقتال بل بادر إلى اجتياز النهر لملاقاة عدوه، فناوشه ثلاثة أيام

ثم شن عليه بعد ذلك هجوماً عاماً انتهى بهزيمته.

ر ـ صدق المسلمين ووفاؤهم بالعهود: كان المسلمون صادقين

ووفوا بعهودهم تجاه يليان وأبناء غيطشة فأعادوا لهؤلاء ضياع

أبيهم واحترموا تعهداتهم ليليان وأنصاره، وكانت نتيجة ذلك أن

أعتقت سلالة كل من يليان وأبناء غيطشة الإسلام، فكان فيها من

حسن إسلامه مثل أيوب ( توفي سنة226 هـ) وسليمان( توفي

سنة 379 هـ) وأحمد(( توفي سنة 388 هـ)) من سلالة يليان،

ومثل أبي بكر محمد بن عمر المعروف بابن القوطية صاحب

كتاب تاريخ افتتاح الأندلس وهو من سلالة سارة بنت المنذر بن

غيطشة آخر ملوك القوط.

ك ـ استثمار النصر: طبق طارق بالبداهة، مبدأ من أهم المبادئ

العسكرية الحديثة وهو استثمار النصر، إذ أنه ما أن هزم لذريق

في وادي لكّة حتى لاحق فلول جيشه دون أن يترك لهذا الجيش

مجالاً للتجمع وإعادة التنظيم من جديد، وكان طارق قد وضع

لنفسه هدفاً أساسياً هو احتلال طليطلة عاصمة العدو، إذ أنه

يعرف ولا شك، أنه باحتلاله لعاصمة المملكة، تفقد هذه المملكة

مركزيّتها، ويفقد الملك قاعدة ملكه وحكمه، ولكن طارقاً مع ذلك،

لم ينس أن يرسل جيشه في حملات إلى مختلف أنحاء البلاد لكي

يحتل المواقع الاستراتيجية فيها فيفقد القوط كل أمل بمتابعة

القتال والنصر، فأرسل إحداها إلى داخل البلاد شمالاً نحو قرطبة،

وكانت قصبة هامة في الأندلس، وأرسل أخرى شرقاً، على

الساحل الجنوبي للبلاد، نحو ملقة، وأرسل ثالثة إلى داخل البلاد

شمالاً بشرق، نحو غرناطة وكانت تشكل موقعاً استراتيجياً هاماً

في البلاد، ثم توجه بنفسه شمالاً إلى العاصمة طليطلة واستولى

عليها، فظل الحكم القوطي، من جراء ذلك، شديداً طريداً في أنحاء

الأندلس إلى أن سقط.




الخطبة المنسوبة إلى طارق وحرق السفن


يعتقد كثير من المؤرخين أن طارقاً أحرق سفنه، بعد أن أنزل

جيشه على الساحل الأندلسي، ثم خطب بجنده الخطبة الشهيرة،

أيها الناس، أين المفر البحر ورائكم، والعدو أمامك وليس لكم

والله إلا الصدق والصبر...، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع

من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته

وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا

ما تستخلصونه من أيدي عدوِّكم وإن امتدت بكم الأيام على

افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من

رُعْبها... وجاء في الخطبة:,, وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة

من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات بالدّر والمرجان

والحُلل المنسوجة بالعقبان، المقصورات في قصور الملوك ذوي

التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من

الأبطال عُربانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً،

ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمُجالدة الأبطال

والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله إلى إعلاء كلمته،.. الخ

الخطبة، وبالإمكان إيراد الملاحظات التالية حول الخطبة:


أ ـ لم تكن الخطبة وما فيها من السجع من أسلوب ذلك العصر

القرن الأول الهجري، وغير متوقع لقائد جيش أن يعتني بهذا

النوع من الصياغة.


ب ـ إن المعاني التي تناولتها الخطبة لا تتلاءم وروح الإسلام

العالية، التي توفرت لدى الفاتحين، ومقدار حبهم للإسلام وإعلاء

كلمته، ورغبتهم في الاستشهاد من أجل ذلك،، فهي لا تشيد

بدوافع الفتح وأهدافه ـ وهي معروفة مألوفة ـ التي أنبتتها ورعتها

العقيدة الإسلامية، عاملة على ابتغاء مرضات الله تعالى وحده،

لتعلو راية الإسلام وتسود شريعته ويكون الدين كله لله،

((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (الأنفال ، الآية : 39).


ت ـ يلاحظ في الخطبة عديد من الأخطاء ويلاحظ فيها التناقض

في المعاني، وبعض ما فيها مخالف لحقائق تاريخية، كاستعمال

((اليونان)) التي ربما جاء ذكرها للسجع فالمؤرخون الأندلسيون

اعتادوا أن يستعملوا في هذه المناسبة القوط أو الروم، وكذلك

العلوج والعجم أو المشركين والكفار، وليس لدينا نص يحتوي

مثل هذا الاستعمال، غير أن ابن خلكان ـ وهو مشرقي ـ أورد هذا

الاستعمال في غير الخطبة ثم. ((وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك

أمير المؤمنين..)) فالذي انتخبهم موسى بن نصير وليس الوليد.

ج ـ كان المتوقع أن تحتوي الخطبة على آيات من القرآن الكريم

وأحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، أو وصايا وأحداث

ومعاني إسلامية أخرى تناسب المقام كالمعهود. وغير ذلك من الملاحظات.

... وكل ما تقدم لا يمنع أن يكون طارق جيد الكلام، وأنه خطب

جنده يحُّثهم على الجهاد، ويروي المَقَّري أبياتاً قالها طارقاً بهذه

المناسبة:
ركبنا سَفينا بالمجاز مُقَيَّرا


عسى أن يكون الله منا قد اشترى

نفوساً وأمولاً وأهلاً بجنَّة

إذا ما اشتهينا الشيء منها تيسَّرا

ولسنا نُبالي كيف سالت نفوسنا

إذا نحن أدركنا الذي كان أجْدراوقال ابن بشكوال: إن طارقاً كان

حسن الكلام ينظم ما يجوز كتبه. ووجهة هذه الأبيات تغاير وجهة

الخطبة، فهي منسجمة والمعاني الإسلامية ومستمدة من قوله

تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ

الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي

التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا

بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة ، الآية : 111) .

وأما موضوع حرق طارق للسفن التي عبر بها المضيق، كي

يقطع على الجيش الإسلامي كل أمل في العودة، فيستميت في

الدفاع؟ ذكر بعض المؤرخين ذلك؟

لكن لماذا يحرق طارق السفن، سواء امتلكها المسلمون أم يُلْيان؟

وكان طارق وجيشه يقاتلون من أجل عقيدة وإنهم في ساعة

عبورهم جاؤوا مجاهدين مستعدين للشهادة، وطارق متأكد من

هذه المعاني، فإذا كانت السفن ليُليان فليس من حق طارق

التصرف بها، وإن كانت للمسلمين فليس حرقها عملاً عسكرياً

سليماً أو مناسباً، ما دام يحتاج إليها وإلى النجدة والاتصال الدائم

بالمغرب لأي غرض، وقد رأينا كيف احتاج إلى النجدة قبل خوض

هذه المعركة واحتاجها فيما بعد، كما أن طارقاً كان قادراً على

إعادتها إلى الساحل الأفريقي إن الدوافع الإسلامية والهدف الذي

جاء الجيش من أجله أقوى في الاندفاع من أي سبب آخر، وما

كان المسلمون يتخلفون عن خوض معركة أو تقديم أنفسهم

لإعلاء كلمة الله، بل لذلك أتوا، والمصادر الأندلسية ـ لاسيما

الأولى ـ لا تشير إلى قصة حرق السفن التي لا تخلو من علاقة

وارتباط بقصة الخطبة.
عبور موسى بن نصير إلى الأندلس


... كان موسى بن نصير من التابعين ـ رحمهم الله تعالى ـ وقد

روى تميم الداري رضي الله عنه، وكان عالماً كريماً شجاعاً ورعاً

تقياً لله تعالى، وكان من رجال العلم حزماً ورأياً وهمّة ونبلاً

وشجاعة وإقداماً، وكان حين وجّه طارقاً لفتح الأندلس كان يتلقى

الأخبار ويراقب الأحداث، منذ بدايتها، ويُهيء المتطلبات لإنجاز

هذا الفتح الكبير، بهمة المؤمن وإخلاص التقي، ويدعو الله أن

ينزل نصره على المسلمين. وكان موسى بن نصير يعتقد اعتقاداً

كبيراً في أهمية الدعاء والتضرع لتحقيق النصر على الأعداء

ويعتبر الدعاء من أسباب النصر التي أرشد إليها القرآن الكريم

ومارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول ابن الكردبوس:

وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقاً مُكبَّاً على الدعاء والبكاء

والتضرع لله تعالى، والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين،

وما عُلم أنه هزم له جيش قط، وكان طارق بن زياد على صلة

بقائده موسى بن نصير، يفتح الفتوحات باسمه وبتعليماته،

ويخبره عن كل شيء أولاً بأول منذ بداية الفتح، ويستشيره فيما

يحتاج إليه وقد رأينا كيف طلب المدد قبل معركة وادي لكّة وكان

موسى على علم تام بأحوال الفتوح وبعد سنة تقريباً من عبور

طارق، وتفرق جيشه وتوزيعه على المناطق والمدن التي فتحت ـ

خاف طارق أن يُغلب وأن يُستغل القوط قلة جيشه، فأرسل إلى

موسى يستنجده واستخلف موسى على القيروان ولده عبد الله..

ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر

ضخم، وتحرك موسى بجيشه نحو شذونة فكانت أول فتوحاته ثم

توجه إلى مدينة قرمونة وليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد

على من يرومها بحصار أو قتال فدخلها بحيلة توجهت بأصحاب

يُلْيان، دخلوا إليهم كأنهم فُلاّل

وطرقهم موسى بخيله ليلاً ففتحوا لهم الباب، وأوقعوا بالأحراس،

فملكت المدينة فافتتحها. وتوجه بعد ذلك: إلى أشبيلية جارتها



فحاصرها وهي أعظم مدائن الأندلس... فامتنعت شهراً على

موسى ثم فتحها الله عليه،.. ثم سار إلى مدينة ماردة وفتح في

طريقه إليها لَبْلَة وباجة ثم فتح ماردة صلحاً بعد قتال وجهاد

عظيم، وأقام موسى في ماردة زيادة على شهر يرتب أحوالها

وينظم أمورها ويريح الجند من العناء ويستعد لاستئناف السير،

ووجه موسى ابنه عبد العزيز من ماردة إلى أشبيلية، وكانت فلول

القوط من لبلة وباجة قد اجتمعت فيها وقتلوا العديد من

المسلمين، منتهزين فرصة انشغال موسى بحصار ماردة وبلغه

الخبر خلال الحصار، فأعاد عبد العزيز فتح أشبيلية ثم فتح لبلة

وباجة، وأصبحت المدن والقرى تتساقط أمام جيوش الفاتحين

كتساقط الأوراق من على الأشجار في فصل الخريف.


لقاء موسى وطارق

... في بداية ذي القعدة سنة 94هـ ابتدأ موسى بالسير صوب

طليطلة ـ وكتب إلى طارق بالتوجه إليه في مجموعة من جيشه ثم

جاءه طارق. ذكر البعض أن لقاءهما كان عند طليطلة أو قرطبة،

ورجح الدكتور الحجي العالم البارز في تاريخ الأندلس: بأن اللقاء

كان خارج مدينة طلبيرة التي تبعد 150كم غرب طليطلة، ووصل



موسى وطارق إلى طليطلة ذو القعدة ـ ذي الحجة أو آخر سنة 94

هـ وأقاما بالجيش الإسلامي فصل الشتاء أو جله في طليطلة

يرتبون أحولها وينظمون شئونها، ويستريحون ويتهيأون

ويخططون لفتح شمال شبه الجزيرة الأيبيريَّة، وكتب موسى

والقادة الآخرون إلى الخليفة الوليد ـ وربما ليس لأول مرة ـ أخبار

الفتح، وضربت العملة الإسلامية لأول مرة في الأندلس وقام

بالدعوة إلى الله وتعليم الناس حقائق الإسلام وشرحه لهم

ودعوتهم إليه بعد أن رآه أهل البلاد عملياً في خلق الفاتحين.

ولعلهم أرسلوا فرقاً إلى بعض المناطق، فقد كان طارق خبر

أحوال طليطلة لاسيما شمالها، إذ كان قد وصل إلى المدينة المائدة

(في منطقة وادي الحجارة).





... وأما ما تحدثت عنه المصادر عن قصة الخلاف الذي قيل إنه

حدث بين القائدين الكبيرين موسى وطارق، وتبالغ هذه المصادر

فترجع أمر هذا الخلاف إلى حسد دب في نفس موسى على مولاه

طارق وعلى ما حققه من نجاح، وتنسب إلى موسى أنه أهان

طارقاً بأن وضع السوط على رأسه، فهذه روايات ناقشها عدد من

الباحثين وأبانوا ضعفها وسقوطها وتفاهتها، كمحمود شيت

خطاب، وعبد الله عنان، ود. عبد الرحمن الحجي، ود. محمد

بطاينة، ود. عبد الشافي محمد عبد اللطيف، وغيرهم وإن كان

حدث شيء فلا يعدو أن يكون مناقشة القضايا أو استفهامه من

طارق خطته وإبداء الملاحظات عنها، تخوفاً من الأذى، وعندما

استفسر موسى من طارق عن سبب الايغال والتقحم في بلاد

العدو، اعتذر إليه طارق بخطته العسكرية أمام الظروف المحيطة

والضرورة الداعية لأسلوبه، وقبل موسى عذره. وسارا بعده ـ

سوية إخوة مجاهدين، ينشرون دين الله ويُعلون كلمته ويبلغون

للناس شريعته، كما لا ننسى أن طارق جندي من جنود موسى

والانتصارات التي حققها طارق إنجازات تكتب في صفحة موسى

القيادية.



__________________
قالوا كذبا : دعوة رجعية -- معزولة عن قرنها العشرين
الناس تنظر للأمام ، فما لهم -- يدعوننا لنعود قبل قرون؟
رجعية أنّا نغارُ لديننا -- و نقوم بالمفروض و المسنون!
رجعية أن الرسول زعيمنا -- لسنا الذيول لـ "مارْكسٍ" و " لِنين" !
رجعية أن يَحْكُمَ الإسلامُ في -- شعبٍ يرى الإسلامَ أعظم دين !
أوَليس شرعُ الله ، شرعُ محمدٍ ------ أولى بنا من شرْعِ نابليون؟!
يا رب إن تكُ هذه رجعيةً ------ فاحشُرْنِ رجعياً بيومِ الدين !
  #18  
قديم 28-03-2011, 01:59 PM
Specialist hossam Specialist hossam غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
العمر: 36
المشاركات: 1,933
معدل تقييم المستوى: 16
Specialist hossam is on a distinguished road
افتراضي

الفتوحات في المشرق

فتوحات قتيبة بن مسلم


هو قتيبة بن مسلم الباهلي الأمير أبو حفص، أحد الأبطال

والشجعان، ومن ذوي الحزم والدهاء والرأي والغَنَاء، وهو الذي

فتح خوارزم وبخارى وسمرقند وكانوا قد نقضوا وارتُّدوا. ثم أنه

افتتح فرغانه، وبلاد الترك في سنة 95هـ، ولي خراسان عشر

سنين وله رواية عن عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري، ولم

ينال قتيبة أعلى الرتب بالنسب، بل بكمال الحزم والعزم والإقدام،

والسَّعد، وكثرة الفتوحات ووفور الهيبة.


... تولى قتيبة خراسان بعد المفضل بن المهلب وكان من الأبطال

الشجعان ذوي الحزم والدهاء والرأي والغناء، ويعتبر بحق من

أعظم القادة الفاتحين، الذين عرفهم التاريخ الإسلامي عامة

وتاريخ الدولة الأموية خاصة، ففي عشر سنين فتح أقاليم

شاسعة: وقد هدى الله على يديه خلقاً لا يحصيهم إلا الله، فأسلموا

ودانوا لله عز وجل، وكانت بداية فتوحاته عندما وصل لخراسان،


فقد جمع الناس وخطبهم قائلاً: إن الله أحلكم هذا المحل ليعز دينه

ويذب بكم عن الحرمات، ويزيد بكم المال استفاضة والعدو ـ وقماً

ـ أي ذلاً ـ ووعد نبيه صلى الله عليه وسلم النصر بحديث صادق

وكتاب ناطق فقال : ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق

ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)) (الصف ، الآية :

9). ووعد المجاهدين في سبيله أحسن الثواب وأعظم الذخر

عنده

فقال: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي

سَبِيلِ اللَّهِ) إلى قوله: ((أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (التوبة ، آية :

120 ـ 121) ثم أخبر عمن قتل في سبيله أنه حي مرزوق، فقال:

((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ

يُرْزَقُونَ)) (آل عمران ، الآية 169) فتنجزوا موعود ربكم ووطنوا


أنفسكم على أقصى أثر وأمضى ألم وإياي والهويني))، بهذه

الخطبة الموجزة ذكر قتيبة المسلمين برسالتهم، ومسئولياتهم

تجاهها، وأهاب بهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل المشقة في

سبيل الله وأن يسيروا في طريق إسلامهم طريق الجهاد، والعزة



في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة، وشرع قتيبة في الفتوحات

وفتح منطقة ما وراء النهر ثم عبر نهر سيحون وفتح أقاليم

كبرى، حتى وصل كاشغر متاخماً بذلك حدود الصين وأهم

المراحل الكبرى في هذه الفتوحات


المرحلة الأولى : استعادة الطالقان والصغانيان وطخارستان:

عرض قتيبة جنده وحثهم على الجهاد وسار غازياً، فلما كان

بالطالقان أتاه دهاقين (بلخ) وساروا معه، فقطع نهر ((جيحون))

فتلقاه ملك (الصغانيان) بهدايا ومفاتيح من ذهب ودعاه إلى بلاده

وسلّمها إليه، لأنّ ملك شومان وأخْرون، كان يسيء جواره،

وسار قتيبة منها إلى أخرون وشُومان وهما من الصَغَانيان،

فصالحه ملكها على فدية أداها إليه، فقبلها قتيبة ثم انصرف عائداً

إلى (مرو) واستخلف على جنده أخاه صالح بن مسلم، ففتح صالح

بعد رجوع قتيبة (كاشان) وأورشت، وفتح أخسيكت وهي مدينة

(فرغانة)القديمة، بهذا الفتح الكبير، استهل قتيبة ولايته لخراسان

سنة 86هـ.


المرحلة الثانية : فتح إقليم بخارى 87 ـ 90هـ:



كانت أول مدينة غزاها في هذا الإقليم، وهي مدينة بيكند، يقول

الطبري: إن قتيبة لما صالح نيزك، أقام إلى وقت الغزو ثم غزا في

تلك السنة 87هـ فقطع النهر وسار إلى بيكند، وهي أدنى مدائن


بخارى إلى النهر فلما نزل قريباً منها استنصروا الصغد واستمدوا

من حولهم، فأتوهم في جمع كثير، وأخذوا بالطريق فلم ينفذ

لقتيبة رسول ولم يصل إليه رسول، ولم يعرف له خبر شهرين،

وأبطأ خبره على الحجّاج، فأشفق الحجّاج على الجند، فأمر الناس

بالدعاء لهم في المساجد، وكتب بذلك إلى الأمصار، وهم يقتتلون

كل يوم، فكانت بين الناس مشاولة، ثم تزاحفوا والتقوا وأخذت

السيوف مأخذها وأنزل الله على المسلمين الصبر، ثم منح الله

المسلمين أكتافهم فانهزموا يريدون المدينة واتبعهم المسلمون

فشغلوهم عن الدخول فتفرقوا وركبهم المسلمون قتلاً وأسراً كيف

شاءوا واعتصم من دخل المدينة بالمدينة وهم قليل، فوضع قتيبة

الفَعَلة في اصلها ليهدمها، فسألوه الصلح فصالحهم، واستعمل

عليها رجلاً من بني قتيبة، ولكنهم سرعان ما نقضوا الصلح،

وقتيبة منهم على خمس فراسخ فرجع إليهم، وقتل من كان في

المدينة، وغنم غنائم كثيرة، ورجع قتيبة إلى مرو، وقوى

المسلمون، فاشتروا السلاح والخيل.. وتنافسوا في حسن الهيئة

والعدة، واستمرت حملات قتيبة على إقليم بخارى في هذه المرحلة

بصفة منظمة كل سنة، وكان غزوه يتم في فصل الصيف فإذا دخل

الشتاء عاد إلى مرو وفي سنة 88هـ ترك أخاه بشاراً على مرو

وعبر النهر ففتح نومشكت ورامثنة من أعمال بخاري صلحاً بناء

على طلب أهلها، ولكن هاله حلف من أهل فرغانة والصغد في

مائتي ألف عليهم ابن أخت ملك الصين ـ كور مغايون ـ وواضح

من هذا التجمع الكبير أن الأمم في هذه المناطق قد تداعت

وتحالفت على المسلمين، ولكن الله نصر قتيبة وجنده على هذا




الحلف، ثم عاد إلى مرو، وفي عام 89هـ استأنف قتيبة فتوحاته

وقصد بخاري هذه السنة بناء على أوامر الحجّاج، فلقيه في

طريقه جمع من أهل كش ونسف فظفر بهم ومضى إلى بخاري،

فتصدى له ملكها ـ وردان خذاه ـ فلم يستطع الاستيلاء عليها،

فرجع إلى مرو، وكتب إلى الحجّاج يخبره فطلب منه الحجّاج أن

يصورها له فبعث إليه بصورتها، فنصحه وأمده وعرفه الموضع

الذي يأتيها منه، وأمره بالمسير إليها، فسار إليها سنة 90هـ ومع

أن وردان خذاه كان قد استجاش الصغد والترك ليساعدوه في

التصدي لقتيبة، إلا أنه تمكن من الانتصار عليهم بعد معارك

شرسة، واستولى على بخاري، وكتب بالفتح إلى الحجّاج، وبهذا

استكمل قتيبة فتح إقليم بخارى كله في ثلاث سنوات.

المرحلة الثالثة من 90 ـ 93هـ فتح سمرقند: وهي المرحلة التي

فرض فيها قتيبة السيادة الإسلامية على حوض نهر جيحون

وتوج عمله فيها بالاستيلاء على مدينة سمرقند، أعظم المدائن

في بلاد الصغد، وكان طرخون ملك الصغد، قد أرسل إلى قتيبة بعد



مدينة بخاري


انتصاره في معركة بخارى سنة 90هـ يطلب الصلح، فأجابه قتيبة

وصالحه، ورجع قتيبة، وفي سنة 91هـ كان غدر نيزك ـ صاحب

قلعة بادغس ـ وتأليبه ملوك طخارستان ورتبيل ملك سجستان

على المسلمين، وقد نكل به قتيبة سجستان من الشمال وربما

كانت تلك أول مرة يغزو فيها قتيبة سجستان وربما كان قد أراد

تأديب رتبيل ملكها لانضمامه إلى نيزك في غدره، ولكن رتبيل قدر

العواقب وطلب الصلح فقبل قتيبة وصالحه، وانصرف عائداً إلى

مرو، وترك عبد ربه بن عبد الله بن عمير الليثي عاملاً على

سجستان، وقد توج قتيبة فتوحاته في هذه المرحلة بفتح سمرقند،


فتح سمر قند


وهي أعظم مدائن ما وراء النهر والذي دعاه إلى ذلك أن طرخون

ملكها كان قد نقض الصلح الذي أبرمه معه قتيبة سنة 90هـ،

وامتنع عن دفع ما كان صالح عليه، فقرر قتيبة أن يضع حداً لهذا




سمر قند


العبث، فجمع جنده وأخبرهم بنقض طرخون الصلح وبعزمه على

فتح سمرقند بالقوة وجهز أخاه عبد الرحمن بن مسلم في عشرين

ألف مقاتل وأمره بالسير أمامه، ثم تبعه هو في أهل خوارزم وأهل

بخاري وضرب عليها الحصار وقال: إنا إذا نزلنا بساحة قوم

((فساء صباح المنذرين))، متيمناً بقول: رسول الله صلى الله

عليه وسلم عندما حاصر خيبر، فلما رأى أهل سمرقند أن مدينتهم

قد حوصرت خافوا طول الحصار فكتبوا إلى ملوك الشاش

وفرغانة يستغيثوهم، ويحرضونهم على المسلمين وقالوا لهم: إن

العرب إذا ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا

لأنفسكم

استجاب هؤلاء الملوك لنداء أهل سمرقند واختاروا عدداً من

أولادهم ومن أهل النجدة والبأس من ابناء المرازبة والأساورة

والأبطال وأمروهم أن يفاجأوا قتيبة في معسكره، وهو مشغول

بحصار سمرقند، ولكن قتيبة كان يقظاً باثاً عيونه ولم يغب عن

باله حدوث مثل هذه المفاجآت، فعلم بخبرهم، وأرسل لهم فرقة

من جنده بقيادة أخيه صالح بن مسلم، فبدد شملهم وقتلهم ولم

يفلت منهم إلا الشريد، وغنم السملمون أمتعتهم وأسلحتهم، فلما


رأى الصغد ما حل بهؤلاء انكسروا وضيق عليهم قتيبة الخناق

ونصب المنجنيق على المدينة واستطاع إحداث ثلمة فيها وصاح

صيحة الأسد: حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان أما والله

لئن أصبحت لأحاولنّ من أهلك أقصى غاية، فلما أصبح أمر الناس

بالجد في القتال فقاتلوهم، واشتد القتال، وأمرهم قتيبة أن يبلغوا

ثلمة المدينة ورماهم الصغد بالنشاب فلم يبرحوا، فأرسل الصغد

إلى قتيبة، فقالوا له: انصرف عنا اليوم، حتى نصالحك غداً،

فقال: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة.. فصالحهم من الغد

على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام، وأن يعطوه تلك

السنة ثلاثين ألف رأس وأن يخلو له المدينة فلا يكون فيها مقاتل،

فيبني فيها مسجداً، ويدخل ويصلي ويخطب ويتغذى ويخرج. دخل

قتيبة سمرقند وحطم ما بها من الأصنام ولم يعبأ بما خوفه منها



حيث قال له أحدهم مدعياً نصيحته: لا تتعرض لهذه الأصنام فإن

منها أصناماً من أحرقها أهلكته، فقال له: أنا أحرقها بيدي، فأمر

بإشعال النار، وكبر ثم أحرقها، فوجدوا من بقايا مسامير الذهب

والفضة خمسين ألف مثقال،وبعد أن أتمّ قتيبة هذا الفتح العظيم

عاد إلى مرو، لكي يستريح، ثم يستعد لجولته الأخيرة، التي

سيفتح فيها المناطق السيحونية.


المرحلة الرابعة : أقاليم الشاش وفرغانة وكاشغر 94هـ ـ 96هـ:


وهي المرحلة التي فتح الله فيها على يديه أقاليم الشاش وفرغانة

وكاشغر وقد بدأ هذه المرحلة سنة 94هـ، حيث سار في موعد

غزوه ـ في الصيف ـ ومعه عشرون ألفاً من أهل بخارى وكش

ونسف، وخوارزم، فوجه قسماً منهم إلى الشاش وتوجه هو

بالقسم الآخر إلى فرغانه، حيث دار بينه وبين الترك قتال عنيف

حول مدينة خجنده، ويبدو أن نتيجة المعركة لم تكن حاسمة،

حيث توجه قتيبة إلى كاشان قبل أن يحسم أمر خجنده وهناك أتاه

جنوده الذين كان أرسلهم إلى الشاش ويبدو أن قتيبة قد وجد

مقاومة شرسة من الأتراك في هذه البلاد، فقد كتب إلى الحجّاج

يطلب مدداً، فأرسل إليه جيشاً من العراق، ثم أمر محمد بن القاسم

الثقفي أن يوجه إليه من السند مدداً أيضاً، فإمداد قتيبة بهذه

الجيوش من العراق ومن السند، فوق ما معه من قوات كبيرة،

يدل على قوة المقاومة التي لقيها في أقاليم سيحون، كما يدل على

قوة عزم المسلمين في الجهاد، وأنه أراد أن يكون متفوقاً عليهم،

حتى يحقق هدفه، وقد نجح بالفعل وفتح أقاليم الشاش وفرغانة

95هـ، وبعد أن أتم هذا الفتح الكبير، جاءته الأخبار بموت

الحجّاج

في شوال في تلك السنة، فاغتم لموته، لما كان يجد منه من

التأييد والتشجيع والمساندة وقفل راجعاً إلى مرو، وتمثل قول

الحطيئة:

لعمري لنعم المرء من آل جعفر

بحوران أمس أعلقته الحبائل

فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت

فما في حياة بعد موتك طائل

عاد قتيبة إلى مرو وقد ترك حاميات من جنده في بخارى وكش

ونسف، وانتظر ما تأتي به الأقدار بعد موت الحجّاج. وكان

الخليفة الوليد بن عبد الملك يعرف طبيعة العلاقة بين الحجّاج

وقتيبة، وأن للحجّاج دوراً كبيراً في نجاح قتيبة في مهمته، فقدر

وقوع نبأ موت الحجّاج عليه، لذلك واساه وأرسل إليه رسالة كلها

تشجيع وثناء وتزكية، قال له فيها:. قد عرف أمير المؤمنين

بلاءك وجدك في جهاد أعداء المسلمين، وأمير المؤمنين رافعك

وصانع بك الذي يجب لك، فأتمم مغازيك، وانتظر ثواب ربك، ولا

تغيب عن أمير المؤمنين كتبك، كأني أنظر إلى بلادك والثغر الذي

أنت فيه.

فتح كاشغر وغزو الصين


أحدثت رسالة الخليفة الوليد بن عبد الملك أثراً طيباً في نفس

قتيبة وأعطته دفعة قوية من العزم والتصميم فتوجه من مرو

ليواصل فتوحاته، فقصد مدينة كاشغر التي يقول عنها الطبري:

إنها أدنى مدائن الصين، ومع أن الوليد بن عبد الملك قد توفي في

جمادي الآخرة سنة 96هـ، وصل نبأ وفاته إلى قتيبة وهو في

فرغانة، وقبل أن يصل إلى كاشغر، إلا أنه واصل سيره حتى

فتحها، وهنا جاءه رسول مالك الصين يطلب منه أن يوجه إليه

وفداً ليعرف خبرهم، فاختار قتيبة عشرة ـ وقيل اثني عشر ـ من

خيرة رجاله برئاسة هبيرة بن المشمرج الكلابي، فأرسلهم إلى

ملك الصين ويقص الطبري خبر هذه السفارة في حديث طويل،



علي حدود الصين

نكتفي منه بما انتهى إليه الحوار مع ملك الصين، حيث قال لهم

مهدداً فانصرفوا إلى صاحبكم، فقلوا له: ينصرف، فإني قد عرفت

حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه، فرد

عليه هبيرة في شجاعة المؤمن وعزته فقال له: كيف يكون قليل

الأصحاب من أول خيله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون؟

وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا قادرا عليها وغزاك؟ وأما

تخويفك إيانا فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا

نكرهه، ولا نخافه. أعادت هذه المقالة ملك الصين إلى صوابه،

وأيقن أنه أمام قوم لا يجدي معهم التهديد ولا الوعيد فاعتدل في

كلامه، وقال لهبيرة: فما الذي يرضي صاحبكم؟ قال: إنه قد حلف

ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويعطي الجزية،

قال: فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من أرضنا فيطؤه،

ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها قال:

فدعا بصحائف من ذهب فيها تراب وبعث بحرير وذهب وأربعة

غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم فساروا

فقدموا بما بعث به، فقبل قتيبة الجزية، وختم الغلمان وردهم،

ووطئ التراب، وهكذا انتهت هذه المرحلة من فتوحات

قتيبة، التي طوى فيها أقاليم ماوراء جيحون، فا نظروا اي عز

هذا ثم عبر نهر

سيحون، وفتح فرغانة والشاش، وأشروسنه، وكاشغر، وفرض

سيادة الإسلام على ملك الصين، وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة

الذين كفروا السفلى، وكان قتيبة قائداً عسكرياً فذا، وبطلاً سياسياً

بارعاً، قهر الصعاب وتغلب على كل المشاكل التي واجهته، ولم

يثنه عن عزمه لا صعوبة الطرق ووعورتها ولا قسوة المناخ

وشدته، فقد كان عزمه حديداً، وكان هدفه رشيداً، وغايته

عظيمة، والعون من الله مكفول للمخلصين لهذا الدين العظيم


جهود قتيبة في نشر الإسلام


... كان قتيبة ومن معه من الفاتحين يحرصون على دعوة الناس

للإسلام, وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام, فكان قتيبة

يهتم ببناء المساجد في المدن والقرى والأرياف ويصنع فيها

العلماء والفقهاء لتربية الناس وتعليمهم الإسلام وقام بتسكين

المسلمين بين السكان الأصليين, ليطلعوا على تعاليم الإسلام

وعادات المسلمين واخلاقهم عن طريق الاحتكاك بهم, مثل ما

حدث مع أهل بخارى فأظهر الإسلام بهذه الطريقة, وازال آثار

الكفر ورسم المجوسية وبني ببخارى المسجد الجامع وأمر

المسلمين باداء صلاة الجمعة فيه, ومن اساليب قتيبة في ترغيب

الناس في الدخول في الإسلام, كان يأمر بمنادٍ كل يوم يقول : بأن

كل من يأتي لصلاة الجمعة يعطى درهمين, ويعد هذا العمل طريقة

جديدة في ذلك العهد في تأليف قلوب الناس للإسلام والحفاظ على

الذين اعتنقوه, وكان في جيشه مجموعة من العلماء, كمحمد بن

واسع, والقاضي يحيي بن يعمر والضحاك بن مزاحم صاحب

التفسير فقد ساهم أمثال هؤلاء في نشر الإسلام وكان محمد بن

واسع ينافس قتيبة في بناء المساجد وقد صاحب عمليه انتشار

الإسلام بين سكان ما وراء النهر سرعة تعلمهم اللغة العربية,

حيث كان قتيبة يصدر أوامره ببناء المساجد ولم تكن تقتصر على

اقامة شعائر الصلاة فقط وإنما فيها حلقات الدرس في تعليم

القران الكريم والأحاديث النبوية الشريعة, وكان للمسجد والعلماء

الذين أشرفوا عليها دور عظيم في تعليم السكان اللغة العربية,

وقد قال ابن كثير عن قتيبة : انه ما انكسرت له راية وكان من

المجاهدين في سبيل الله واجتمع له من العسكر مالم يجتمع لغيره.

وكان من نتائج الجهود التي بذلها قتيبة في نشر الإسلام, أن

أصبحت بخارى وسمرقند وأقليم خوارزم مراكز للثقافة العربية

ونشر الإسلام في اسيا الوسطى, كما كانت مرو ونيسابور في

خراسان, ومنها ايضاً دخول كثير من أهلي ما وراء النهر في دين

الله أفواجا, فظهر بينهم عدد من الكتاب والمحدثين والفقهاء

والمؤرخين, ممن لا يزال ذكرهم خالد, وآثارهم عظيمة في تاريخ

الإسلام.


من حكم قتيبية وأقواله المأثورة



قوله : ملاك الأكثر في السلطان الشدة على المذنب واللين

للمحسن, وكان يقول : الخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع

الفرقة, وأن كانت الجماعة لا تخطيء والفرقة لا تصيب وخاطب

قتيبة الحجاج حين ظفر باصحاب ابن الأشعث فأراد قتلهم : أن الله

قد اعطاك ما تحب من الظفر, فاعطه مايحب من العفو. وقال :

الكامل المرؤة من احرز دينه ووصل رحمه وتوقى مايلائم عليه.


بين قتيبة بن مسلم ومحمد بن واسع : أصبعه

أحب إلى قتيبة من

ألف سيف شهير

لما صافَّ قتيبة بن مسلم للترك, وهاله أمرهم, سأل عن محمد بن

واسع, فقيل : هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه, يبصبص

بأصبعه نحو السماء. قال : تلك الأصبع أحب إليّ من مئة ألف

سيف شهير وشاب طرير, وهذا فهم راسخ من قتيبة بن مسلم

الباهلي لأسباب النصر, ألا وهو التوكل على الله تعالى, وتوثيق

الصلة به واستلهام النصر منه, ولقد عبأ جيشه وتأكد من حسن

إعداده ولكنه بحاجة إلى التأكد مما هو أهم من الإعداد المادي

حيث يتجاوز المسلمون بالسلاح المعنوي حدود التكافؤ المادي

في القُوَى بمراحل عديدة ولما كان محمد بن واسع في جيشه

سارع إلى السؤال عنه, فلما أخبر بأنه مستغرق في مناجاة الله

تعالى ودعائه واطمأن قلبه وارتفع مستوى الأمل بالنصر عنده

قال تلك الكلمات الإيمانيه الرفيعة : تلك الإصبع أحب إلى من مائة

ألف سيف شهير وشاب طرير. إن قوى الأرض كلها بيد الله

تعالى, وإن النظر إلى القوى المادية من حيث العدد والعُدد

والمواقع, إنما هو حسابات البشر والله جل جلاله قادر على تغيير

هذه الموازين في لحظة, وإن من أهم استجلاب نصر الله تعالى

دعاء الصالحين, فلذلك استبشر قتيبة خيراً حينما علم باستغراق

محمد بن واسع في الدعاء, وهذا الفهم الرفيع من قتيبة رحمه الله

يبين لنا سبباً مهما من أسباب انتصاراته الباهرة, التي ظلت

تتولى أكثر من عشر سنوات فبالرغم من كونه بطلا لا يُشَقُّ له

غبار, وقائداً مخططا يضع للأمور أقرانها, وسياسيا محنكا لا

يُخدع, فإنه لم يغتر بكل ذلك بل اعتبر ذلك كله من الأمور

الثانوية, ونظر قبل ذلك إلى مدى توثيق الحبل الذي يصل جيشه

بالله تعالى فلما عرف بأن محمد بن واسع قد وصل ذلك الحبل

بالدعاء وبما سبق ذلك من شهرته بالإيمان القوي والعمل الصالح

حصل له اليقين وزال عنه سبب من أسباب الخوف المتمثل

بضعف الصلة بالله تعالى.

إن محمد بن واسع رحمه الله تعالى معدود من العلماء الربانيين

المشهورين بالزهد والورع والخشوع وهو مدرسة في معالجة

أمراض النفوس وتطهير القلوب, ومن أقواله النيَّرة في الزهد

والورع واليقين : إني لأغبط رجلا معه دينه ومامعه من الدنيا

شيء وهو راض وإذا كان محمد بن واسع يغبط أهل الدين

المجردين من الدنيا فما أكثر من يغبطون أصحاب الأموال, وما

الفرق بين السابقين بالخيرات والمقصِّرين. وقيل إنه قال لرجل :

هل أبكاك قط سابق علم الله فيك يعني أن المقربين مع ما يقومون

به من الورع والعمل الصالح يخشون من سابق قدر الله فيهم,

حيث يخافون من سوء الخاتمة, فإن القلوب بين أصبعين من

أصابع الرحمن جل جلاله يقلبها كيف يشاء وقيل له كيف

أصبحت؟ قال : قريباً أجلي بعيداً أملي, سِّيئاً عملي. وهذا من

عمق الإدراك وقوة تصور ما بعد الموت, وإذا كان محمد بن واسع

الذي قيل عنه إنه أفضل أهل البصرة في زمنه يتهم نفسه بطول

الأمل وسوء العمل فكيف بحال المقصرين _ أمثالي . وذات يوم

قال له رجل لمحمد بن واسع : أوصيني, قال : أوصيك أن تكون

ملكا في الدنيا والآخرة, قال : كيف؟ قال : ازهد في الدنيا وهذه

وصية نافعة من طبيب ماهر في طب القلوب فهذا الرجل يطلب

الوصية من محمد بن واسع فيوصيه بأعلى مرتبة تطمح لها

النفوس عادة, وهي أن يكون ملكاً في الدنيا والآخرة, فيتعجب

الرجل لأنه لم يرد الدنيا حينما طلب منه الوصية, ثم كيف يجمع

بين الأمرين, فيكون ملكاً في الدنيا ولآخرة, فلذلك استفهم منه

استفهام تعجب, فكان جواب ابن واسع له : ازهد في الدنيا, ومن

كلامه التربوى العميق قوله : ما آسى على الدنيا إلا على ثلاث :

صاحب إذا اعوججت قوَّمني, وصلاة في جماعة يُحمَل عني

سهوُها وأفوز بفضلها, وقوتٍ من الدنيا ليس لأحد منه فيه منّة


ولا لله علىَّ فيه تَبِعة. فهذا العالم الرباني كان من ضمن جنود


الفاتحين الذين نفع الله بهم شعوب المشرق, كأهل بخارى,

وسمرقند وخراسان وغيرها.

رحمك الله يا ابا حفص ايها الامير العظيم وطيب ثراك واسكنك

فسيح جناته كما فتحت الدنيا وملات الارض بالاسلام ونشر كلمة

الله

__________________
قالوا كذبا : دعوة رجعية -- معزولة عن قرنها العشرين
الناس تنظر للأمام ، فما لهم -- يدعوننا لنعود قبل قرون؟
رجعية أنّا نغارُ لديننا -- و نقوم بالمفروض و المسنون!
رجعية أن الرسول زعيمنا -- لسنا الذيول لـ "مارْكسٍ" و " لِنين" !
رجعية أن يَحْكُمَ الإسلامُ في -- شعبٍ يرى الإسلامَ أعظم دين !
أوَليس شرعُ الله ، شرعُ محمدٍ ------ أولى بنا من شرْعِ نابليون؟!
يا رب إن تكُ هذه رجعيةً ------ فاحشُرْنِ رجعياً بيومِ الدين !
  #19  
قديم 28-03-2011, 02:06 PM
Specialist hossam Specialist hossam غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
العمر: 36
المشاركات: 1,933
معدل تقييم المستوى: 16
Specialist hossam is on a distinguished road
افتراضي

وفاة أ مير المؤمنين أ با العباس الوليد بن عبد الملك



وكانت وفاة الوليد يوم السبت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست

وتسعين في قول جميع أهل السير،

وكان آخر ما تكلم به الوليد عند موته: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله

وكان نقش خاتمه: يا وليد إنك ميت، وكان عمر بن عبد العزيز ممن حضر

دفنه قال: لتنزلنه غير موسد ولا ممهد قد، خلفت الأسباب وفارقت الأحباب،

وسكنت التراب، وواجهت الحساب، فقيراً إلى ما تقدم عليه غنيِّا عما يخلف.

واختلف في قدر مدة خلافته واخترت قول الزهري في ذلك: ملك الوليد

عشر سنين إلا شهراً، واختلف في سنه لما مات فقيل ست وأربعين سنة

وأشهر، وقيل توفي وهو ابن خمس وأربعين سنة وقيل وهو ابن اثنتين وأربعين

سنة وأشهر وقيل سبع وأربعين سنة، وقيل صلى عليه عمر بن عبد العزيز

وكان له: تسعة عشر ابناً: عبد العزيز ومحمد والعباس، وإبراهيم، وتمام،

وخالد، وعبد الرحمن، ومبشر، مسرور، وأبو عبيدة، وصدقة، ومنصور،

ومروان، وعنبسة، وعمرو، وروح، وبشر، ويزيد، ويحي،. وأم عبد العزيز

ومحمد أم البنين بينت عبد العزيز بن مروان، وأم أبي عبيدة فزارية، وسائرهم لأمهات شتى.

وقد شب الوليد على حب القرآن الكريم والاكثار من تلاوته وحث الناس

على حفظه وإجازتهم على ذلك، حدث إبراهيم بن أبي عبلة قال: قال لي:

الوليد بن عبد الملك يوماً في كم تختم القرآن؟ قالت: كذا وكذا، فقال: أمير

المؤمنين على شغله يختمه في ثلاث ـ وقيل في سبع ـ قال: وكان يقرأ في

شهر رمضان سبعة عشرة ختمة، قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟ بنى

مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة، فأقسمها على قرّاء بيت المقدس،

ورى الطبري أن رجلاً من بني مخزوم سأل الوليد قضاء دين عليه. فقال: نعم

إن كنت مستحقاً لذلك، قال: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقاً

لذلك مع قرابتي؟ قال: أقرأت القرآن؟ قال: لا، قال: أدن مني فدنا منه، فنزع

عمامته بقضيب كان في يده وقرعه قرعات بالقضيب، وقال للرجل: ضم

إليك هذا فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن، فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد...

فقال يا أمير المؤمنين إن علي ديناً، فقال: أقرأت القرآن قال: نعم، فاستقرأه

عشر آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ، فقال: نعم نقض عنكم،

ونصل أرحامكم على هذا. وقال عنه ابن كثير: .. فقد كان صيناً في نفسه

حازماً في رأيه يقال: إنه لا تعرف له صبوة.




وبلغت الدولة في عهده أ وج عظمتها واتساعها ودانت الدنيا للخلافة الاموية

من شرقها الي غربها .

رحم الله أبا العباس امير المؤمنين وطيب ثراه

__________________
قالوا كذبا : دعوة رجعية -- معزولة عن قرنها العشرين
الناس تنظر للأمام ، فما لهم -- يدعوننا لنعود قبل قرون؟
رجعية أنّا نغارُ لديننا -- و نقوم بالمفروض و المسنون!
رجعية أن الرسول زعيمنا -- لسنا الذيول لـ "مارْكسٍ" و " لِنين" !
رجعية أن يَحْكُمَ الإسلامُ في -- شعبٍ يرى الإسلامَ أعظم دين !
أوَليس شرعُ الله ، شرعُ محمدٍ ------ أولى بنا من شرْعِ نابليون؟!
يا رب إن تكُ هذه رجعيةً ------ فاحشُرْنِ رجعياً بيومِ الدين !
  #20  
قديم 28-03-2011, 02:16 PM
Specialist hossam Specialist hossam غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
العمر: 36
المشاركات: 1,933
معدل تقييم المستوى: 16
Specialist hossam is on a distinguished road
افتراضي

خلافة سليمان بن عبد الملك: 96هـ 99هـ
****************************

هو سليمان بن عبد الملك بن أبي العاص بن أمية الخليفة أبو أيوب القرشي

الأموي بويع بعد أخيه الوليد سنة ست وتسعين، وكان له دار كبيرة مكان

طهارة جيرون، وكان دينا فصيحاً مفوها عادلاً محباً للغزو، وكان جميلاً

ويرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله وأتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع

الإسلامية، وكان يستعين في أمر الرعية بعمر بن عبد العزيز، وعزل عُمّال

الحجّاج. وكتب إن الصلاة قد أميتت فأحيوها بوقتها، وهمَّ بالإقامة ببيت

المقدس، ثم نزل قنسرين للرباط وحجّ في خلافته، وعن ابن سيرين قال: يرحم

الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة واختتمها باستخلاف عمر، وكان

سليمان ينهي الناس عن الغناء.

سياسته العامة

كان عهد سليمان يمثل بداية المرحلة الجديدة من مراحل الخلافة الأموية وعلى

الأخص، المروانية منها، لما امتاز به من خصائص جديدة وتغير في أسلوب


المسجد الاموي بحلب الذي بناه الخليفة سليمان رحمه الله

الحكم عن سابقيه منهم، إذ اتسمت سياسته بإيثار السلامة والعافية والنزوع

إلى الموادعة والأخذ برأي أهل العلم والفضل من باب العمل بمفهوم الشورى

والتمسك بالتعاليم والأحكام الإسلامية، والحرص على تنفيذها، وهي الأمور

التي وضحها في خطبته التي خطبها بعد استخلافه، وبين فيها سياسته التي

سينتهجها في الحكم .




1 ـ حض الناس على الرجوع إلى القرآن الكريم: إذ يقول: اتخذوا كتاب الله

إماماً وارضو به حكماً واجعلوه قائداً فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده.

وقال في موضع آخر من خطبته مؤكداً على تمسكه بتعاليم الإسلام ورغبته

بالموادعة والمسالمة ومبيناً مفهومه للخلافة، وما يترتب على ذلك: جعل الله

الدنيا داراً لا تقوم إلا بأئمة العدل، ودعاة الحق، وإن لله عباداً يملكهم أرضه،

ويسوس بهم عباده، ويقيم بهم حدوده ورعاة عباده... ولولا أن الخلافة تحفة

من الله كفر بالله خلعها، لتمنيت أني كأحد المسلمين يضرب لي بسهمي، فعلى

رسلكم بني الوليد، فإني شبل عبد الملك، وناب مروان لا تضلعني حمل النائبة

ولا يفزعني صريف الأجفر، وقد وليت من أمركم ماكنت له مكفياً وأصبحت

خليفة وأميراً وما هو إلا العدل أو النار.. فمن سلك المحجة حُذي نعل

السلامة، ومن عدل عن الطريق وقع في وادي الهلكة والضلالة، إلا فإن الله

سائل كلا عن كل، فمن صحت نيته ولزم طاعته، كان الله له بصراط التوفيق،

وبرصد المعونة فكتب له سبيل الشكر والمكافأة فأقبلوا العافية فقد رزقتموها،

والزموا السلامة فقد وجدتموها، فمن سلمنا منه، سلم منا ومن تاركنا تاركناه

ومن نازعنا نازعناه فارغبوا إلى الله في صلاح نياتكم وقبول أعمالكم وطاعة

سلطانكم، فإني غير مبطل لله حداً ولا تارك له حقاً، أنكثها عثمانية عمريه. أي الشدة واللين.


مدينة الرملة التي بناها الخليفة سليمان رحمه الله

وحتى المؤرخ الشيعي المسعودي وصفه إلى إشارة السلامة والعافية ونزوعه إلى

الموادعة واستشارة أهل العلم بقوله: كان سليمان لين الجانب.. لا يعجل إلى

سفك الدماء ولا يستنكف عن مشورة النصحاء، ووصفه ابن كثير بقوله:

يرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، وإتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع

الإسلامية رحمه الله،

الماذنه البيضاء بالرملة

ووصفه لسان الدين الخطيب بقوله: وكان قائماً برسوم

الشريعة. وأما ابن قتيبة فيقول: افتتح بخير وختم بخير لأنه رد المظالم إلى أهلها،

ورد المسيرين وأخرج المسجونين الذين كانوا بالبصرة واستخلف عمر بن عبد

العزيز وأغز أخاه الصائفة حتى بلغ القسطنطينية، فأقام بها حتى مات، رحمه الله

وأما أبي

زرعة الدمشقي، فقد عد خلافة سليمان، وخلافة عمر بن عبد العزيز واحدة،

حيث يقول: كانت خلافة سليمان بن عبد الملك كأنها خلافة عمر بن عبد

العزيز، كان إذا أراد شيئاً قال له: ما تقول يا أبا حفص؟ قالا جميعاً

سياسة سليمان في اختيار الولاة

راعى سليمان اختيارات عدة في اختيار ولاته على الأمصار ونظراً لحساسية

هذا الموضوع، فقد أوضح جانباً من سياسته تلك في خطبته التي خطبها بعد

استخلافه، حيث قال: قد عزلت كل امير كرهته رعيته ووليت أهل كل بلد،

من أجمع عليه خيارهم واتفقت عليه كلمتهم.

استشارة العلماء والنصحاء من ذوي الخبرة

ولعل من هذه الاعتبارات استشارة العلماء والنصحاء من ذوي الخبرة في كل

أمور الأمصار، فقد أتخذ عمر بن عبد العزيز وزيراً ومستشاراً، وقد صدر

سليمان عن رأيه في عزل عمال الحجاج، وممن كان يستشيرهم رجاء بن حيوة

الكندي، فقد ولى سليمان محمد بن يزيد الأنصاري ـ ويقال القرشي ـ

إفريقية بمشورته.

اختيار العلماء وأهل الصلاح

ومن هذه الاعتبارات في اختيار الولاة أيضاً اختيار الفقهاء، وأهل الصلاح

والزهد، آملاً من ذلك استبدال الظلم بالعدل،وبالتالي تغيير نظرة المجتمع

الإسلامي آنذاك إلى الخلافة الأموية، وكسب الرأي العام لصالحها، ومن هؤلاء

أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري على المدينة، وهو أحد فقهائها

وكان ثقة كثير الحديث، وكذلك الأمر مع عروة بن محمد بن عطية السعدي،

الذي ولاه سليمان اليمن وكان من الزهادوولى اليمن أيضاً في عهدي عمر بن

عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وخرج من اليمن وما معه إلا سيفه ورمحه

ومصحفه، ويروى أنه لما دخل اليمن قال:يا أهل اليمن هذه راحلتي فإن

خرجت بأكثر منها فأنا سارق، والشيء ذاته يمكن أن يقال عن عبد الملك بن

رفاعة الفهمي والي مصر، حيث اتصف بحسن السيرة والتدين والعفة عن

الأموال والعدل في الرعية بالإضافة إلى كونه ثقة أميناً فاضلاً، وكذلك الأمر

بالنسبة لمحمد بن يزيد والي إفريقية، حيث اتصف بحسن السيرة والعدل بين الرعية


سياسة سليمان تجاه حركات المعارضة

1 ـ الخوارج: لم يعد لهم قوة تذكر وكل ما كان منه في عهد سليمان لا

يعدو عن كونه عصيان مجموعات صغيرة أو قل كبيرة فردية لا تكاد تقوم لها

قائمة بمجرد إعلانها، ويذكر لسليمان بأنه كان أقل شدة من سابقيه في تعامله

مع الخوارج غير الثائرين فاكتفى بسجن من يسبون الخلفاء منهم، وكان

يستشير عمر بن عبد العزيز في أمرهم ويصدع لحكمه فيهم، معلماً سليمان

عدم وجود سبة، تحل دم المسلم غير سبة الأنبياء، وكان عمر يرى حبسهم أو

العفو عنهم.

2ـ الهاشميون: أما بالنسبة لعلاقة سليمان بالعلويين اتسمت بالمودة والهدوء،

حيث كان يقرِّب العلويين ويقضي حوائجهم، وليس من الثابت أن سليمان

تحامى أبا هاشم ـ عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ت 98هـ ـ

وأرصد له من سمه ويبدو لنا من دراسة تلك الروايات المتعلقة بهذه القصة أنها

موضوعة للأسباب التالية:

أ ـ تختلف الروايات اختلافاً بيناً في تحديد اسم الخليفة الذي دبر حادثة السم،

وبعضها تنسب ذلك إلى الوليد بن عبد الملك، وبعضها تنسب إلى سليمان بن

عبد الملك، أما الجاحظ فقد حمّل الأمويين مسئولية سم أبي هاشم دون تحديد

الشخص المسؤول عن ذلك .

ب ـ وحتى هذه المصادر التي صرحت بأن سليمان سمَّ أبا هاشم، فإنها

تختلف في تحديد كيفية وحيثيات هذه المؤامرة.

جـ ـ لا تجمع المصادر التي بين أيدينا على أن أبا هاشم توفي مسموماً، فهناك

عدة مصادر يستشف منها أن وفاته كانت طبيعية.

د ـ وهناك عدة رجال وافتهم المنية بعد عودتهم من عند الخليفة سليمان أو

أثناء إقامتهم عنده، ولا يمكن اعتبار وفاة هؤلاء الرجال جميعاً، أو أحدهم من

تدبير الخليفة لمجرد وفاتهم وهم في صحبته، أو أثناء عودتهم من عنده. والذي

يبدو، أن وفاة أبي هاشم كانت طبيعية وليست بالسم، وأن ادعاء السم ما هي

إلا روايات موضوعة..

3 ـ الزبيريون: اتسمت علاقة سليمان بالزبيريين بالمودة، كان سليمان يسأل

عن أحوالهم ويتفقدهم، حيث قضى دين جعفر بن الزبير، عندما علم به، وتَردُ

المصادر قوة علاقة سليمان بالزبيريين إلى يد سلفت لعبد الله بن الزبير على

سليمان، ففي أثناء الصراع بين عبد الله بن الزبير والأمويين أتى إليه بسليمان

بن عبد الملك من الطائف، وكان يومئذ غلاماً صغيراً فكساه وجهزه إلى أبيه

للشام، بعد أن وصله ووصل جميع من كان معه: فكان سليمان يشكر ذلك

لعبد الله بن الزبير، فلما ولي أحسن إلى جميع ولده وكثيراً ما يأتونه فيبرهم

ويصلهم، وكان يعظِّم ثابت بن عبد الله من بينهم. إن عهد سليمان اتسم


بهدوء نسبي إلى درجة كبيرة، فلم يشهد حركات معارضة عنيفة، فكانت

حركات الخوارج صغيرة ولم تهدد كيان الدولة، ووادع الهاشميين وأحسن

إليهم، كما وادع الزبيريين مكافأة لهم باليد التي كانت لعبد الله بن الزبير عليه.

سليمان والعلماء

تميز سليمان بن عبد الملك بحرصه على تقريب العلماء وقبول نصيحتهم

والاستماع إليهم من اشهر هؤلاء العلماء الذين كانوا مستشارين، رجاء بن

حيوه، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم .
مشيرالخلفاء رجاء بن حيوة

الوزير العادل أبو نصر الكندي، والإمام القدوة، ومشير الخلفاء، الفقيه الجليل،
وكبير مستشاري امير المؤمنين بعد عمر بن عبد العزيز !!


وهو من جلة التابعبين، حدث عن معاذ بن جبل وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت وطائفة.

قال عنه مسلمة بن عبد الملك أمير السرايا: برجاء ابن حيوة وبأمثاله نُنصر..!!
وهو من العلماء الذين كان لهم قرب وحظوة عند خلفاء بني أمية قال عنه صاحب الحلية: مشير الخلفاء والأمراء، وقد بدأ اتصاله بهم منذ عهد عبد الملك

وقد بلغت مشاركة رجاء وتأثيره السياسي في عهد سليمان بن عبد الملك الذروة، فقد اتخذه سليمان وزير صدق له يستشيره في كثير من الأمور والقضايا المتعلقة بسياسة الدولة وإدارتها فقال عنه سعيد بن صفوان: وكانت له

من الخاصة والمنزلة عند سليمان بن عبد الملك ما ليس لأحد يثق به ويستريح إليه
.
وقد كان رجاء ملازماً لسليمان بن عبد الملك حتى في سفره بدليل أنه كان مع سليمان حين خرج إلى دابق، وكان يخلو معه في مجلسه وأشرف بنفسه

على تمريضه حتى مات، على أن أكبر تأثير سياسي لرجاء في عهد سليمان يظهر في إشارته عليه باستخلاف عمر بن عبد العزيز من بعده والتخطيط الدقيق لتنفيذ ذلك بحكمة وحنكة.

و لقد كان لموقف رجاء في استخلاف عمر أثر
سياسي كبير غير مجرى التاريخ الأموي بصفة خاصة والإسلامي بصفة عامة

وفي عهد عمر بن عبد العزيز ظل رجاء يتبوأ مكانة كبيرة ومنزلة عالية من خلال قربه من عمر وملازمته له، حيث جعله عمر من خواصه وسماره يستشيره

ويستنصحه في أمور العامة والخاصة، وبعد وفاة عمر بن عبد العزيز أقبل على شأنه وترك القرب من الخلفاء وذلك حين رأى أنه
لم يعد لقربه من الخليفة ما كان يهدف إليه من تحقيق المصالح وبذل الخير لعامة الأمة .
بكاء الخليفة سليمان بن عبد الملك
بين يدي العلماء


حج الخليفة سليمان بالناس سنة 97هـ فمرّ على المدينة وهو يريد مكة فقال: أهاهنا أحد يُذكّرنا؟ فقيل له: أبو حازم، فأرسل إليه فدعاه،
فلما دخل عليه.
... قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال:: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن
تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل ولا أنا رأيتك، فالتفت سليمان إلى محمد بن شهاب وقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا. فقال سليمان: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من

العمران إلى الخراب.
قال: صدقت. فكيف القدوم على الله عز وجل غداً؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان وقال: ليت شعري، ما أنا عند الله؟ قال: يا أمير المؤمنين،

اعرض عملك على كتاب الله عز وجل، قال: وأين أجده؟ قال: ((إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)) (الانفطار ، الآيتان : 13 ـ 14) قال: يا أبا حازم، فأي عباد الله أفضل،؟ قال: أولو المروءة والتقى، قال: فأي

الأعمال أفضل؟ قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم قال: فأي الدعاء أسمع؟ قال: دعوة المحسن للمحسن، قال فأي الصدقة أزكى؟ قال: صدقة السائل البائس وجهد من مقلّ ليس فيها منُّ ولا أذى، قال: فأي القول أعدل، قال:

قول الحق عند من يخافه أو يرجوه، قال فأي الناس أحمق؟ قال: رجل انحط من هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره. قال: صدقت، فقال: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس؟ قال: تدع الصلف وتستمسك بالمروّة وتقسم بالسويّة، قال

سليمان: كيف المأخذ به؟ قال: أن تأخذ المال من حله وتضعه في أهله، قال سليمان: هل لك أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك؟ قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين! قال: ولمَ؟ قال: أخشى أن أركن إليكم شيئاً قليلاً فيذيقني الله ضعف

الحياة وضعف الممات، قال: يا أبا حازم ارفع إليّ حوائجك، قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة، قال: ليس ذلك إليّ، قال: فلا حاجة لي غيرها، قال: فادع لي الله يا أبا حازم، قال: اللهمّ إن كان سليمان وليَّك فيسّره بخير الدنيا

والآخرة، وإن كان عدوّك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى، قال سليمان: زدني، قال: يا أمير المؤمنين قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله، وإن لم لم تكن من أهله فما ينبغي لي أن أرمي عن قوس ليس لها وتر، قال: أوصني يا أبا

حازم، قال: سأوصيك وأوجز: عظِّم ربك ونزّهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك من حيث أمرك، ثم قام
.
فبعث إليه سليمان بمائة دينار وكتب إليه أن أنفقها ولك مثلها كثير فردها عليه وكتب إليه: يا أمير المؤمنين أعوذ بالله أن يكون

سؤالك إياي هزلاً وردّي عليك باطلاً، فوالله ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي؟ يا أمير المؤمنين، إن كانت هذه المائة عوضاً لما حدثتك فالميتة ولحم

الخنزير في حال الاضطرار أحلُّ من هذه، وإن كانت هذه حقاً لي في بيت المال فلي فيها نظر، فإن سويت بيننا وإلا فلا حاجة لي فيها، قال له جلساؤه: يا أمير المؤمنين أيسرّك أن يكون الناس كلهم مثله؟ قال: لا والله.
إفتراءات المصادر الشيعية بحق أمير المؤمنين
سليمان بن عبد الملك


كعادتهم دائماً لم يسلم منهم رمز من رموز المسلمين

والباحث في كتب، الشيعة يجد ذالك جلياً...

قدمت المصادر الشيعية وصفاً للعديد من مناقب سليمان، حيث ذكرت محاسنه

الخلقية، ووصفته بالفصاحة، والتوقف عن سفك الدماء، وباستشارة النصحاء، ورد المظالم، وبتوالي الفتوحات في أيامه، وعلى النقيض من ذلك، فإن رواة

الشيعة لما لم يجدوا ما يقدح بسيرة سليمان ومنجزاته، نجدهم يركزون جل اهتمامهم على وصفه بالشراهة وبالغوا في ذلك أيما مبالغة، فتارة يصفونه بأنه لا يكاد يشبع، وتارة يصفونه بأنه المصيبة العظمة في الأكل، وتارة يصفونه بأنه

أكولاً نهماً نكاحاً.


ويبدو أن الروايات الموالية للعباسيين، والروايات الشيعية تناست صعوبة وربما استحالة أن من جمع بين هذه المحاسن أن تكون همته مصروفة إلى النكاح والطعام، ولو كان الأمر على ما يقولون، فلن ينتصف


سليمان للمظلومين، ولن يعير السياسة الداخلية، والخارجية أي اهتمام، ولكان إنكفى على تلبية ملذاته ورغباته، ولكن سيرته وسياسته ومنجزاته العمرانية والعسكرية كفيلة بالرد على هذا الاتهام...!!!

وقد ذكرت قصص في هذا الميدان

تشبه الأساطير كالتي ذكرها ابن أبي الحديد:حيث قال وكان سليمان بن عبد الملك المصيبة الكبر في الأكل، حيث أكل ثلاثين خروفاً بثمانين رغيفاً ثم أكل مع الناس كأنه لم يأكل شيئاً وغيرها من القصص الغريبة والعجيبة ويتبين للدارس

المحقق أن المبالغة واضحة جلية في تصوير شره سليمان لعدة أسباب:

أ ـ مخالفتها للطبيعة البشرية التي لا تستطيع إلتهام هذا الكم الهائل من الطعام مع ملاحظة أن المصادر تصفه بنحافة البدن مما يتعارض وشرهه الموصوف في هذه الروايات.
ب ـ أن هذه الروايات جاءت من طريقين هما:
ـ ... المؤرخون ذو الميول الشيعية مثل: اليعقوبي، والمسعودي، وابن أبي الحديد، وابن الطقطقا.

ـ ... المؤرخون ذو الميول العباسية مثل: الواقدي، والمدائني، ويبدو أن الأمر لم يعد كونه وجود شهية قوية للأكل عند سليمان، واستغل خصوم الأمويين من عباسيين وشيعة هذا الأمر وضخموه.

2 ـ موقفه من الغناء: كان ينهي الناس عن الغناء، لوجود شواهد تؤيد ذلك، ويضاف إلى ذلك أن روايات الأصفهاني التي قالت بحب سليمان للغناء اتسم سندها بالضعف، حيث ضم سندها محمد بن زكريا الغلابي، وهو ضعيف،

وهناك مسألة أخرى متصلة بالغناء، وهي خصي المخنثين كنتيجة مترتبة على الغناء وهناك من يرى أن سليمان قد أمر بإخصاء المخنثين فتدخل عمر بن عبد العزيز موضحاً بأن هذا العمل مثلة ولا يحل فارتجع عن ذلك.

مدح الشعراء له
قال جرير في مدحه

سليمان المبارك قد علمتم ** هو المهدي وقد وضح السبيل


أجرت من المظالم كل نفس ** وأديت الذي عهد الرسول

وقال الفرزدق

يداك يد الأسرى التي أطلقتهم ** وأخرى هي الغيث المغيث نوالها


وكم أطلقت كفاك من قيد بائس ** ومن عقدة ما كان يرجى انحلالها

كثيراً من الأسرى التي قد تكنعت ** فككت وأعناقاً عليها غلالها



__________________
قالوا كذبا : دعوة رجعية -- معزولة عن قرنها العشرين
الناس تنظر للأمام ، فما لهم -- يدعوننا لنعود قبل قرون؟
رجعية أنّا نغارُ لديننا -- و نقوم بالمفروض و المسنون!
رجعية أن الرسول زعيمنا -- لسنا الذيول لـ "مارْكسٍ" و " لِنين" !
رجعية أن يَحْكُمَ الإسلامُ في -- شعبٍ يرى الإسلامَ أعظم دين !
أوَليس شرعُ الله ، شرعُ محمدٍ ------ أولى بنا من شرْعِ نابليون؟!
يا رب إن تكُ هذه رجعيةً ------ فاحشُرْنِ رجعياً بيومِ الدين !
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:29 PM.