|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() يكثر الحديث الآن من كثير من الإعلاميين والكتاب وأنصاف المثقفين حول وجوب إعلان مصر كدولة مدنية لا دينية ، و على النقيض نجد أن البعض من الطرف الآخر يردون بقولهم لا للدولة المدنية .
والحقيقة أن كلا الطرفين له مقصد معروف وواضح ، فأنصاف المثقفين حين يقولون دولة مدنية لا دولة دينية فإنهم يقصدون ألا مكان للشريعة في هذه الدولة وألا يستند الدستور ولا القوانين إلى الشريعة وأن تكون جميعها وضعية بدون أي إشارة إلى الدين فيها ، وفي الطرف الآخر حين يقول البعض لا للدولة المدنية فإنهم يعنون بأنهم لا يريدون دولتهم أن تحكم بالقوانين الوضعية ولا يريدون أن يكون الدستور فيها بعيدا ً عن الشريعة . والحقيقة كذلك أن كلا الطرفين أخطأ في التعامل مع هذه المصطلحات ( دولة دينية .. دولة مدنية ) . فمصطلح الدولة الدينية لا يخص المسلمين ولا بلادهم و لا تاريخهم في شيء ، بل نشأ هذا المصطلح في القرون الوسطى في أوروبا أثناء حكم الكنيسة للشعوب ، فكان الحكم آنذاك حكما ً بمنطق الحق الإلهي ، فسلطة البابا مستمدة من الرب مباشرة وموقعه يعني أنه نائب المسيح على الأرض أي أنه يمثل إرادة الرب على الأرض ، ومن هنا فلا مجال لمخالفته أو معارضته ، ويذكر أن الإمبراطور هنري الرابع إختلف مع البابا جريجور السابع فما كان من البابا إلا أن سحب منه صك الغفران فخاف الإمبراطور هنري من خلعه نتيجة لهذا وذهب حافيا ً على قدميه في البرد إلى البابا ووقف على قلعة كونسا وكان فيها البابا منذ فترة ووقف ثلاثة أيام قبل أن يسمح له بالدخول ، ثم دخل وإرتمى على قدمي البابا ليطلب منه العفو والسماح وتم له ما أراد بعد شروط ووعود بالخضوع التام للبابوية في كل شيء ، إلى أن قامت حركة مارتن لوثر وثارت على سلطة الكنيسة وعلى كثير من المعتقدات الخرافية وأسس للمذهب البروتستانتي وتداعت سلطة الكنيسة ومع الوقت إنتهت سلطتها على معظم أوروبا وبدء عهد جديد لا سلطة فيه للكنيسة على الدولة بل أصبحت خاضعة لقوانين الدولة التي لا تستند لأي نصوص من الكتاب المقدس أو لسلطة دينية وبدأ عصر جديد في أوروبا نهضت فيه علميا ً وصناعيا ً ، ومن هنا نشأ مصطلح الدولة المدنية والدولة الدينية ، و بهذا أصبح الإثنان ضدان يتنافران إما الدولة الدينية أو الدولة المدنية . ولكن السؤال هنا هو ما علاقتنا نحن بكل هذا ؟؟ فلا نحن في أوروبا ، و لسنا نصارى و لم يكن لدينا يوما ً حكما ً يماثل حكم الكنيسة ! لقد كانت الدولة الإسلامية كما جاء بها الإسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة ـ مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد فيها ـ أن تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل مسلم، بل كل مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن الثورة عليه إذا أتى كفرا بواحا ً أو خالف أي من الثوابت المنصوص عليها شرعا ً . ويروى أن الفاروق عمر دعا الناس يوماً فصعد المنبر فقال: "يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا..؟ إني لأخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تعظيماً لي، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني". فقال رجل: "والله يا أمير المؤمنين، لو رأيناك معوجاً لقومناك بسيوفنا". عندها أجاب الخليفة والفرحة تغمر قلبه قائلاً: "رحمكم الله، والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوِّم عمر بسيفه". . ومن أكثر ما يتشدق به أنصاف المثقفين هو الدعوة لفصل السلطات في الدولة المدنية ، السلطة التشريعية ، السلطة القضائية ، السلطة التنفيذية ، ونسي هؤلاء ما ذكره التاريخ كثيرا ً كيف أن القاضي فلان استدعى أمير المؤمنين الذي يحكم قارات بحالها لأن أحد المواطنين له خصومة معه ( وقد يكون على غير ملة الإسلام ) ويحكم القاضي للخصم ! تكرر هذا المشهد كثيرا في التاريخ الإسلامي ولم نسمع مثله في أمة أخرى من الأمم . بل إن أنصاف المثقفين هؤلاء لم نسمع أصواتهم بهذه القوة وقت حكم الدكتاتور المخلوع حين كان القضاء يُنتهك وأحكامه لا تنفذ و الحصانة للمنتفعين والمنافقين والدولة كان حكمها حكما ً فرديا ً سلطويا ً لا مجال فيه للنقاش أوالإعتراض الحقيقي . وهكذا فإننا نجد أن الأمة تتعرض للإجبار على الإختيار إما مدنية ( على ما يعتقده أنصاف المثقفين ) أو دينية ( على ما يعتقده أيضا ً أنصاف المثقفين) . وهنا فإن فرض هذه المصطلحات على الأمة يستلزم معه وعي من دعاتها ومثقفيها ودراية بكيفية الرد بحصافة وفهم للواقع مع عدم مخالفة الثوابت التي أجمعت عليها الأمة ، و يجب أن يتولى أهل الدراية والوعي من هذه الأمة شرح وتبسيط هذه القضية لكل الأطياف لرفع الإلتباس الذي أوجده أنصاف المثقفين ، حتى يفهم الجميع أن الدولة الإسلامية (دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية أو دولة إسلامية فقط أو أيا ً كانت المصطلحات والمسميات ) تحكم بشرع الله و لم يتشابه حكمها يوما ً بما كان في أوروبا ولم يكن فيها حكم بوجب الحق الألهي ولم يقل الخليفة يوما ً أنه ينوب الله في الأرض بل كانت الخلافة الإسلامية مثالا ً يحتذى به كدولة للمؤسسات وفيها فصل للسلطات و قوة القضاء وإستقلاله و كانت عبر التاريخ هي الملاذ الآمن لغير المسلمين وفي مقدمتهم اليهود . يجب أن يفهم العالم بأسره أننا لم نكن يوما ً مجرد ذيل في مؤخرة الأمم نحاول أن نطبق ما طبقه غيرنا ونقلد ثقافة غير ثقافتنا و نتسول سياسة غيرنا ، نحن لنا شريعتنا ولنا ثقافتنا ولنا تاريخنا ورصيد حضارتنا يسمح لنا باستيعاب كل ماهو جديد على ألا يخالف ثوابتنا الشرعية .
__________________
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|