اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 30-11-2010, 03:27 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي


عام الحزن
وفاة أبي طالب :
أما مرض أبي طالب فلم يزل يشتد به حتى حضرته الوفاة ، ودخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أي عم ‍ قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ) فقالا : يا أبا طالب ‍ أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر ما قال : على ملة عبد المطلب .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ) فنـزلت : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) ونزلت : ( إنك لا تهدي من أحببت )
وكانت وفاته في شهر رجب أو رمضان سنة عشر من النبوة ، وذلك بعد الخروج من الشعب بستة أشهر ، وقد كان عضداً وحرزاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحصناً احتمت به الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء ، ولكنه بقي على ملة الأجداد فلم يفلح كل الفلاح .
قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك ؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك . قال : ( هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) .

خديجة إلى رحمة الله :
ولم يندمل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفاة أبي طالب حتى توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وذلك في رمضان من نفس السنة العاشرة بعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام فقط ، وكانت وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، آزرته على إبلاغ الرسالة ، وآسته بنفسها ومالها ، وقاسمته الأذى والهموم . قال صلى الله عليه وسلم : ( آمنت بي حين كفر الناس ، وصدقتني حين كذبني الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها ) .
وورد في فضائلها أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ‍‍! هذه خديجة قد أتت ، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرء عليها السلام من ربها ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها دائماً ، ويترحم عليها ، وتأخذ به الرأفة والرقة لها كلما ذكرها ، وكان ي*** الشاة فيبعث في أصدقائها ، لها مناقب جمة وفضائل كثيرة .
تراكم الأحزان :
واشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بعد موت عمه أبي طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها فقد تجرءوا عليه ، وكاشفوه بالأذى ، وطفق النبي صلى الله عليه وسلم يتأثر بشدة بكل ما يحدث ، ولو كان أصغر وأهون مما سبق ، حتى إن سفيهاً من سفهاء قريش نثر التراب على رأسه ، فجعلت أحدى بناته تغسله وتبكي ، وهو يقول لها : لا تبكي يا بنية ! فإن الله مانع أباك ، ويقول بين ذلك : ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب .
زواجه صلى الله عليه وسلم بسودة ثم بعائشة رضي الله عنهما :
وفي شوال –بعد الشهر الذي توفيت فيه خديجة – تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة بنت زمعة رضي الله عنها وكانت تحت ابن عمها : السكران بن عمرو رضي الله عنه ، وكانا من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وقد هاجرا إلى الحبشة ثم رجعا إلى مكة ، فتوفي بها السكران بن عمرو ، فلما حلت تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أعوام وهبت نوبتها لعائشة . أما زواجه بعائشة رضي الله عنها فكان أيضاً في شهر شوال ولكن بعد سودة بسنة ، تزوجها بمكة وهي بنت ست سنين ، ودخل بها في المدينة في شهر شوال في السنة الأولى من الهجرة وهي بنت تسع سنين ، وكانت أحب أزواجه صلى الله عليه وسلم وأفقه نساء الأمة ، لها مناقب جمة وفضائل وافرة .

__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 30-11-2010, 03:28 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

عرض الإسلام على القبائل والأفراد

كان من دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أمره الله بالجهر بالدعوة انه كان يخرج في موسم الحج وأيام أسواق العرب إلى منازل القبائل فيدعوهم إلى الإسلام .
وأشهر أسواق العرب في الجاهلية وأقربها إلى مكة ثلاثة : عكاظ ومجنة وذو المجاز ، وعكاظ قرية بين نخلة والطائف ، كانوا يقيمون بها السوق من أول شهر ذي القعدة إلى عشرين منه ، ثم ينتقلون منها إلى مجنة ، فيقيمون بها السوق إلى نهاية شهر ذي القعدة ، وهي موضع في وادي مر الظهران أسفل مكة ، وأما ذو المجاز فهو خلف جبل عرفة أي خلف جبل الرحمة ، وكانوا يقيمون هناك السوق من أول ذي الحجة إلى الثامن منه ، ثم يتفرغون لأداء مناسك الحج .
وممن أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام ، وعرض عليهم نفسه ليؤوه وينصروه : بنو عامر بن صعصعة ، وبنو محارب بن خصفة ، وبنو فزارة ، وغسان ومرة ، وبنو خنيفة ، وبنو سليم ، وبنو عبس ، وبنو نصر ، وبنو البكاء ، وكندة ، وكلب ، وبنو الحارث بن كعب ، وعذرة ، والحضارمة ، فلم يستجب له منهم أحد . ولكنهم اختلفوا في أساليب ردودهم ، فمنهم من رد عليه رداً جميلاً ومنهم من اشترط عليه لنفسه أن تكون له الرئاسة بعده ، ومنهم من قال : أسرتك وعشيرتك أعلم بك ، حيث لم يتبعوك ، ومنهم من رد عليه رداً قبيحاً ، وكان بنو حنيفة رهط مسيلمة الكذاب أقبحهم رداً .

المؤمنون من غير أهل مكة :
وقد الله أن يؤمن رجال من غير أهل مكة في الزمن الذي كانت الدعوة تمر فيه بأصعب مراحلها في مكة ، فكانوا كجذوة أمل أضاءت في ظلام اليأس .فمنهم :
1 – سويد بن الصامت – كان شاعراً لبيباً ، من سكان يثرب ، يسمى بالكامل لشرفه وشعره ، أتى مكة حاجاً أو معتمراً ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فعرض هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمة لقمان ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فأسلم ، وقال : إن هذا قول حسن ، *** في وقعة بين الأوس والخزرج قبل يوم بعاث .
2 – إياس بن معاذ – كان غلاماً حدثاً من سكان يثرب قدم مكة في أوائل سنة 11 من النبوة ، في وفد من الأوس كانوا يلتمسون الحلف من قريش على الخزرج ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، فقال إياس : هذا والله خير مما جئتم له ، فرمى أبو الحيسر – أحد أعضاء الوفد – تراب البطحاء في وجه إياس ، وقال : دعنا عنك ، لقد جئنا لغير هذا ، فسكت ، ولم يلبث بعد رجوعهم إلى يثرب أن هلك ، وكان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح عند موته ، ولا يشك قومه أنه مات مسلماً .
3 – أبو ذر الغفاري – بلغ إليه خبر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم – بسبب إسلام سويد بن الصامت وإياس بنم معاذ ، فأرسل أخاه إلى مكة ليأتي بالخبر ، فذهب ورجع ، ولم يشفه ، فخرج بنفسه حتى نزل بمكة في المسجد الحرام ، وبقي فيه نحو شهر ، يشرب ماء زمزم ، وهو طعامه وشرابه ، ولا يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم أحداً خوفاً على نفسه ، ثم استتبعه علي رضي الله عنه حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منه أبو ذر أن يعرض عليه الإسلام ، فعرضه عليه فأسلم مكانه ، ثم جاء إلى المسجد الحرام وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فانقض عليه قريش ، وضربوه ليموت ، فأنقذه العباس ، فلما أصبح الغد قال مثل ما قال بالأمس ، وضربوه مثل ما ضربوه بالأمس وأنقذه العباس كما أنقذه بالأمس .
ورجع أبو ذر إلى مساكن قومه بني غفار ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليها .
4 - طفيل بن عمرو الدوسي – كان شاعراً لبيباً ، رئيس قبيلته دوس في ناحية اليمن ، قدم مكة سنة 11 من النبوة ، فاستقبله أهل مكة ، وحذروه من النبي صلى الله عليه وسلم حتى حشا أذنه الكرسف حين جاء إلى المسجد الحرام ، كي لا يسمع منه صلى الله عليه وسلم شيئاً وكان صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي عند الكعبة ، فوقع في أذنه منه شيء ، فاستحسنه ، فقال في نفسه : إني لبيب وشاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ، فإن كان حسناً قبلته ، وإن كان قبيحاً تركته .
فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته تبعه حتى دخل بيته ، وذكر قصته ، وطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه أمره ، فعرض عليه الإسلام ، وتلا عليه القرآن فأسلم وشهد شهادة الحق ، وقال : إني مطاع في قومي ، وراجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية ، فدعا له ، فلما قرب من قومه استنار وجهه كالمصباح ، فدعا الله أن يجعله في غير وجهه ، فتحول النور إلى سوطه ، فلما دخل على قومه دعاهم إلى الإسلام ، فأسلم أبوه وزوجته وأبطأ القوم ، لكنه لما هاجر إلى المدينة بعد الحديبية كان معه سبعون أو ثمانون بيتاً من قومه .
5 - ضماد الأزدي – من أزد شنوءة من اليمن ، كان يرقى من الجنون والجن والشياطين ، فجاء مكة فسمع سفهاءها يقولون : إن محمداً مجنون ، فجاء ليرقيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ومن يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فاستعاد ضماد هذه الكلمات ثلاث مرات ، ثم قال : سمعت قول الكهنة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، لقد بلغن قاموس البحر ، هات يدك أبايعك على الإسلام ، فبايعه .
الإسلام في المدينة :
6 – 11 – ستة سعداء من أهل يثرب كلهم من الخزرج وهم :
أسعد بن زرارة .
عوف بن الحارث بن رفاعة ( عوف بن عفراء ) .
رافع بن مالك بن العجلان .
قطبة بن عامر بن حديدة .
عقبة بن عامر بن نابي
جابر بن عبد الله بن رئاب .
جاء هؤلاء للحج في جملة من جاء سنة 11 من النبوة ، وكان أهل يثرب يسمعون من اليهود حينما ينالون منهم في الحرب ونحوها : أن نبياً سيبعث الآن ، قد أطل زمان بعثته ، فن***كم معه *** عاد وإرم ، فلما كانوا بعقبة منى مر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً وهم يتكلمون ، فلما سمع الصوت عمدهم حتى لحقهم ، وقال : من أنتم ؟ قالوا: نفر من الخزرج ، قال موالي اليهود ؟ - أي حلفاؤهم – قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى ! فجلسوا معه ، فشرح لهم حقيقة الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، ودعاهم إلى الله عز وجل فقال بعضهم لبعض : تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود ، فلا تسبقنكم إليه ، فأسرعوا إلى الإسلام ، وقالوا : إنا قد تركنا قومنا وبينهم من العداوة والشر ما بينهم ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ، ووعدوه القيام بالدعوة إلى دينه ، والمقابلة في الحج القادم .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 30-11-2010, 03:29 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

عرض الرغائب والمغريات

ولما رأى المشركون قوة المسلمين وشوكتهم بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما اجتمعوا للشروى بينهم ، وليفكروا في أنسب خطوة يقومون بها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين . فقال لهم عتبة بن ربيعة العبشمي – من بني عبد شمس بن عبد مناف ، وكان سيداً مطاعاً في قومه – يا معشر قريش ! ألا أقوم لمحمد فأكلمه ، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها ، فنعطيه إياها ويكف عنا ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد ! فقم إليه فكلمه ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد وحده ، فقال : يا ابن أخي ! إنك منا حيث قد علمت ، من خيارنا حسباً ونسباً ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ، وعبت آلهتهم ودينهم ، وكفرت من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها .
فقال عليه الصلاة والسلام : ( قل يا أبا الوليد أسمع ) .
فقال : يا ابن أخي ! إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنـزوجك عشراً ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً من الجن لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا ، حتى نبرئك منه . فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه .
فقال عليه الصلاة والسلام : ( أوقد فرغت يا أبا الوليد ) !
قال : نعم .
قال : ( فاسمع مني ) .
قال : أفعل .
فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنـزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون )
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه ، وهو يستمع منه ، وقد ألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى : ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) وضع عتبة يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله والرحم مخافة أن يقع ذلك ، وقال حسبك .
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة سجد ، ثم قال : ( سمعت يا أبا الوليد ) ؟
قال : سمعت .
قال : ( فأنت وذاك ) .
فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش ! أطيعوني واجعلوها لي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به .
قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد !
قال : هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 30-11-2010, 03:31 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

غزوة أحد
بينما كانت قريش تستعد للإنتقام من المسلمين بما أصيبت به في غزوة بدر إذا بهم يتلقون ضربة أخرى في القردة ، فازدادوا بها غضباً على غضب فأسرعوا في الإستعداد وفتحوا باب التطوع ، وحشدوا الأحابيش وخصصوا الشعراء للإغراء والتحريض ، حتى تجهز جيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، في ثلاثة آلف بعير ومائتي فرس ، وسبعمائة درع ، ومعه عدد من النسوة للتحريض وبث روح البسالة والحماس ، وكان قائده العام أبا سفيان ، وحامل لوائه أبطال بني عبد الدار .
تحرك هذا الجيش في غيظه وغضبه حتى بلغ إلى ضواحي المدينة ، وألقى رحله في ميدان فسيح على شفير وادي قناة قريباً من جبل عينين واحد ، وذلك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة 3 ه‍ .
ونقل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الجيش بنحو أسبوع ، فشكل دوريات عسكرية تحسباً للطواريء ، وحفظاً للمدينة ، فلما وصل الجيش استشار المسلمين حول خطة الدفاع ، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن يتحصن المسلمون بالمدينة ، فيقاتل الرجال على أفواه الأزقة ، والنساء من فوق البيوت ، ووافقه رأس المنافقين عبد الله بن أبي وكأنه قصد الجلوس في البيت دون أن يتهم بالتخلف ، ولكن تحمس الشباب ، وألحوا على المجالدة بالسيوف في مكان مكشوف ، فقبل رأيهم ، وقسم الجيش إلى ثلاث كتائب ، كتيبة للمهاجرين ، وحمل لواءها مصعب بن عمير ، وأخرى للأوس ، وحمل لواءها أسيد بن حضير ، وثالثة للخزرج ، وحمل لواءها الحباب بن المنذر .
واتجه بعد صلاة العصر إلى جبل أحد فلما بلغ موضع الشيخين استعرض الجيش فرد الصغار ، وأجاز رافع بن خديج على صغره ، لأنه كان ماهراً في رمي السهام ، فقال سمرة بن جندب أنا أقوى منه ، أنا أصرعه فأمرهما بالمصارعة ، فصرع سمرة رافعاً فأجازه أيضاً .
وفي موضع الشيخين صلى المغرب والعشاء ، ثم بات هناك ، وعين خمسين رجلاً لحراسة المعسكر ، فلما كان في آخر الليل ارتحل قبل الفجر فصلاها بالشوط ، وهناك تمرد عبد الله بن أبي فرجع في ثلاثمائة من أصحابه ، وسرى لأجل ذلك الضعف والأضطراب في بني سلمة وبني حارثة ، وكادتا ترجعان ، ولكن ثبتهما الله ، وكان أولاً مجموع عدد المسلمين ألفاً فبقي سبعمائة .
وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو جبل أحد من طريق قصير يترك العدو في جانب الغرب ، حتى نزل بالشعب عند منفذ الوادي ، جاعلاً ظهره إلى هضاب أحد ، وبذلك صار العدو حائلاً بين المسلمين وبين المدينة .
وهناك عبأ الجيش ، وعين خمسين رجلاً من الرماة على جبل عينين – وهو الذي يعرف بجبل الرماة – بقيادة عبد الله بن جبير الأنصاري ، وأمرهم أن يدفعوا الخيل ، ويحموا ظهور المسلمين ، وأكد لهم أن لا يتركوا مكانهم حتى يأتي أمره ، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا .
وعبأ المشركون جيشهم ، وتقدموا إلى ساحة القتال ، تحرضهم نسوتهم ، وهن يتجولن في الصفوف ، ويضربن بالدفوف ويثرن الأبطال ، وينشدن الأبيات :
إن تقبلـوا نعانـق ونفـرش النمـارق
أو تدبـروا نفـارق فـراق غير وامـق
ويذكرن أصحاب اللواء بواجبهم قائلات :
ويها بني عبد الدار ويها حماة الأدبار ضرباً بكل بتار
المبارزة والقتال :
وتقارب الجيشان فطلع طلحة بن أبي طلحة العبدري حامل لواء المشركين وأشجع فرسان قريش ، ودعا إلى المبارزة وهو على بعير ، فتقدم إليه الزبير بن العوام رضي الله عنه ، ووثب وثبة الليث حتى صار معه على جمله ، ثم أخذه واقتحم به الأرض و***ه بسيفه فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون .
ثم انفجر القتال في كل نقطة وحاول خالد بن الوليد وهو على فرسان المشركين ثلاث مرات ليبلغ إلى ظهور امسلمين ، ولكن رشقه الرماة بسهامهم حتى ردوه .
وركز المسلمون هجومهم على حملة لواء المشركين حتى ***وهم عن آخرهم وكانوا أحد عشر مقاتلاً فبقي اللواء ساقطاً ، وشدد المسلمون هجومهم على بقية النقاط حتى هدوا الصفوف هداً وحسوا المشركين حساً ، وأبلى أبو دجانة وحمزة رضي الله عنهما في ذلك بلاءً حسناً . وأثناء هذا التقدم والإنتصار *** حمزة بنعبد المطلب أسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه ***ه وحشي بن حرب ، وكان عبداً حبشياً ماهراً في قذف الحربة ، وقد وعده مولاه جبير بن مطعم بالعتق إذا *** حمزة ، لأن حمزة هو الذي *** عمه طعيمة بن عدي في بدر ، فاختبأ وحشي وراء صخرة يرصد حمزة ، وبينما حمزة يضرب رأس سباع بن عرفطة – رجل من المشركين – صوب وحشي إليه الحربة ، وقذفها ، وهو على غرة ، فوقعت في أحشائه ، وخرجت من بين رجليه فسقط ولم يستطع النهوض حتى قضى نحبه رضي الله عنه .
ووقعت الهزيمة بالمشركين حتى لاذوا بالفرار ، وفرت النسوة المحرضات ، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح ، ويأخذون الغنائم ، وحيئذ أخطأ الرماة ، فنـزل منهم أربعون رجلاً ليصيبوا من الغنيمة ، على رغم ما كان لهم من الأمر المؤكد بالبقاء في أماكنهم ، وانتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة ، فانقض على العشرة الباقية بجبل الرماة حتى ***هم ، واستدار هذا الجبل حتى وصل إلى ظهور المسلمين وبدأ بتطويقهم ، وصاح فرسانه صيحة عرفها المشركون فانقلبوا ، ورفعت لواءهم أحدى نسائهم فالتفتوا حوله وثبتوا ، وبذلك وقع المسلمون بين شقي الرحى .
هجوم المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإشاعة م***ه :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤخرة المسلمين ، ومعه سبعة من الأنصار واثنان من المهاجرين ، فلما رأى فرسان خالد تطلع من وراء الجبل نادى أصحابه بأعلى صوت : إلي عباد الله ! وسمع صوته المشركون – ولعلهم كانوا اقرب إليه من المسلمين – فأسرعت مجموعة منهم نحو الصوت ، وهاجمت رسول الله صلى الله عليه وسلم هجوماً شديداً ، وحاولت القضاء عليه قبل ان يصل إليه المسلمون ، فقال : صلى الله عليه وسلم : من يردهم عنا وله الجنة ؟ أو هو رفيقي في الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فدفعهم ، وقاتلهم حتى *** ، ثم رهقوه فأعاد قوله ، فتقدم رجل آخر فدفعهم وقاتلهم حتى *** ، ثم ثالث ، ثم الرابع ، وهكذا حتى *** السبعة .
ولما سقط السابع لم يبق حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القرشيان طلحة بن عبيد الله وسعدبن أبي وقاص ، فركز المشركون حملتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابته حجارة وقع لأجلها على شقه ، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى وجرحت شفته السفلى وهشمت البيضة على رأسه ، فشجت جبهته ورأسه ، وضرب بالسيف على وجنته فدخلت فيها حلقتان من حلق المغفر ، وضرب أيضاً بالسيف على عاتقه ضربة عنيفة اشتكى لأجلها أكثر من شهر ، وكان قد لبس درعين فلم يتهتكا .
وقع كل هذا على رغم دفاع القرشيين الدفاع المستميت ، فقد رمى سعد بن أبي وقاص حتى نثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته وقال : ارم فداك أبي وأمي ، وقاتل طلحة بن عبيد الله وحده قتال مجموع من سبق ، حتى أصابه خمسة وثلاثون أو تسعة وثلاثون جرحاً ، ووقى بيده النبي صلى الله عليه وسلم فأصيبت أصابعه حتى شلت ، ولما أصيبت أصابعه قال : حس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون .
وخلال هذه الساعة الحرجة نزل جبريل وميكائيل فقاتلا عنه أشد قتال ، وفاء إليه صلى الله عليه وسلم عدد من المسلمين فدافعوا عنه أشد الدفاع ، وكان أولهم أبا بكر الصديق ، ومعه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما وتقدم أبوبكر لينـزع حلقة المغفر عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فألح عليه أبو عبيدة حتى نزعها هو ، فسقطت إحدى ثنيتيه ، ثم نزع الحلقة الأخرىفسقطت الثنيةالأخرى ، ثم أقبلا على طلحة بن عبيد الله فعالجاه وهو جريح . وأثناء ذلك وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة ومصعب بن عمير وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، وتضاعف عدد المشركين أيضاً ، واشتدت هجماتهم ، وقام المسلمون ببطولات نادرة ، فمنهم من يرمي ،ومنهم من يدافع ، ومنهم من يقاتل ، ومنهم من يقي السهام على جسده .
وكان اللواء بيد مصعب بن عمير ، فضربوا على يده اليمنى حتى قطعت ، فأخذه بيده اليسرى ، فضربوا عليها حتى قطعت ، فبرك عليه بصدره وعنقه حتى *** ، وكان الذي ***ه عبد الله بن قمئة، فلما ***ه ظن أنه *** رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن مصعب كان يشبهه صلى الله عليه وسلم فانصرف ابن قمئة وصاح : إن محمداً قد *** ، وشاع الخبر بسرعة ، وبإشاعته تخفف هجوم المشركين ، إذ ظنوا أنهم أصابوا الهدف ، وبلغوا ما أرادوا .
موقف عامة المسلمين بعد التطويق :
ولما رأى المسلمون بداية عملية التطويق تشتتوا وارتبكوا ، ولم يصلوا إلى موقف موحد ، فمنهم من فر إلى الجنوب حتى بلغ المدينة المنورة ، ومنهم من فر إلى شعب أحد ولاذ بالمعسكر ، ومنهم من قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسرع إليه فدافع عنه كما تقدم ، وبقي معظم المسلمين في دائرة التطويق ، ثابتين في أماكنهم ، يدفعون المطوقين ويقاتلونهم ،وحيث لم يكن بينهم من يقودهم بنظام فقد حصل في صفوفهم خبط وإرباك ، رجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم ، حتى *** اليمان والد حذيفة بأيدي المسلمين أنفسهم ، فلما سمعوا خبر م*** النبي صلى الله عليه وسلم طار صواب طائفة منهم ، وخارت عزائمهم ، واستكانوا ، حتى تركوا القتال وتشجع آخرون وقالوا : موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبينما هم كذلك إذ رأى كعب بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشق الطريق إليهم ، فعرفه بعينه ، إذ كان وجهه تحت حلق المغفر والبيضة ، فنادى كعب بصوت عال : يا معشر المسلمين !! أبشروا ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ المسلمون يرجعون إليه ، حتى تجمع حوله ثلاثون رجلاً من أصحابه ، فشق بهم الطريق بين المشركين ، ونجح في إنقاذ جيشه المطوق ، وسحبه إلى شعب الجبل ، وقد حاول المشركون عرقلة هذا الإنسحاب ، ولكنهم فشلوا تماماً و*** منهم اثنان أثناء هذه المحاولة .
وبهذه الخطة الحكيمة نجا المسلمون ، ولكن بعد أن دفعوا الثمن غالياً لما ارتكبه الرماة من الخطأ ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
في الشعب :
وبعدما خرج المسلمون من دائرة التطويق ، ونجحوا في التمكن من الشعب حصل بينهم وبين المشركين بعض المناوشات الخفيفة الفردية ، ولم يجترىء المشركون على التقدم والمواجهة العامة ، وإنما بقوا في الساحة قليلاً ، مثلوا خلاله ال***ى ، فقطعوا آذانهم وأنوفهم وفروجهم ، وبقروا بطونهم ، وبقرت هند بنت عتبة عن بطن حمزة حتى أخرجت كبده ، ولا كتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، واتخذت من الآذان والأنوف قلائد وخلاخيل .
وجاء أبي بن خلف متغطرساً إلى الشعب يزعم انه ي*** رسول الله صلى اتلله عليه وسلم ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في ترقوته ، في فرجة بين الدرع والبيضة ، فتدحرج عن فرسه مرمراً ، ورجع إلى قريش وهو يخور خوار الثور ، فلما بلغ سرف – قريباً من مكة – مات لأجله .
ثم جاء رجال من المشركين يقودهم أبو سفيان وخالد بن الوليد ، وعلوا في بعض جوانب الجبل ، فقاتلهم عمر بن الخطاب ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ، وتفيد بعض الروايات أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه *** ثلاثة منهم .
وبلغ عدد ***ى المشركين اثنين وعشرين وقيل : سبعة وثلاثين ،أما المسلمون فقد *** منهم سبعون : 41 من الخزرج ، و24 من الأوس ، و4 من المهاجرين ، وواحد من اليهود ، وقيل غير ذلك .
وبعد المحاولة الأخيرة الفاشلة من أبي سفيان وخالد بن الوليد أخذ المشركون يستعدون للعودة إلى مكة .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لما تمكن من الشعب واطمأن فيه، جاءه علي رضي الله عنه ، بماء من المهراس وهو ماء بأحد ليشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد له ريحاً فلم يشرب منه ، بل غسل به الوجه ، وصبه على الرأس ، فأخذ الدم ينزف من الجرح ، ولا ينقطع، فأحرقت فاطمة رضي الله عنها قطعة من حصير ، وألصقته ، فاستمسك الدم ، وجاء محمد بن مسلمة بماء سائغ فشرب منه ، ودعا له بخير ، وصلى الظهر قاعداً ، وصلى المسلمون معه قعود اً .
وجاءت نسوة من المهاجرين والأنصار ، فيهن عائشة ، وأم أيمن ، وام سليم ، وأم سليط ، فكن يملأن القرب بالماء ويسقين الجرحى ، رضي الله عنهن أجمعين .
حوار وقرار :
ولما استعد المشركون للرجوع تماماً أشرف أبو سفيان على الجبل ، ونادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نهاهم عن الإجابة ، فقال أبو سفيان : أما ههؤلاء فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر نفسه أن قال : يا عدو الله ! إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله ما يسوءك .
فقال أبو سفيان : قد كان فيكم مثلة ، لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم قال : اعل هبل ، فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم الجواب ، فأجابوه الله أعلى وأجل .
ثم قال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم .
فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم الجواب فأجابوه : الله مولانا ولا مولى لكم .
ثم قال أبو سفيان : أنعمت فعال ، يوم بيوم بدر ، والحرب سجال .
فقال عمر رضي الله عنه : لا سواء ، ***انا في الجنة ، و***اكم في النار .
قال أبو سفيان : إنكم لتزعمون ذلك ، لقد خبنا إذن وخسرنا .
ثم دعاه أبو سفيان وقال : أنشدك الله ياعمر ! أ***نا محمداً ؟
قال عمر رضي الله عنه : لا وإنه ليسمع كلامك الآن .
قال : أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر .
ثم نادى أبو سفيان : إن موعدكم بدر العام القابل . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه أن يقول : نعم هو بيننا وبينك موعد .
رجوع المشركين وقيام المسلمين بتفقد الجرحى ودفن الشهداء :
ثم رجع أبو سفيان إلى الحبشة ، وأخذ الجيش في الإرتحال ، وقد ركب الإبل وجعل الخيل بالجنب ، وكان هذا دليل قصدهم لمكة وكان من فضل الله على المسلمين ، إذ لم يكن بين المشركين وبين المدينة من يمنعهم عن الدخول فيها ، ولكن صرفهم الله الذي يحول بين المرء وقلبه .
فنزل المسلمون إلى ساحة القتال يتفقدون الجرحى وال***ى ، وقد نقل بعضهم بعض الشهداء إلى المدينة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردهم إلى مضاجعهم ، ودفنهم في ثيابهم ، بغير غسل ولا صلاة ، وقد دفن الإثنين والثلاثة في قبر واحد ، وربما جمع الرجلين في ثوب واحد ، وجعل بينهما الإذخر ، وقدم في اللحد من كان أكثر حفظاً للقرآن ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة .
ووجدوا نعش حنظلة بن أبي عامر في ناحية فوق الأرض ، يقطر منه الماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الملائكة تغسله ، وكان من قصته أنه كان حديثعهد بعرس ، وكان معها إذ سمع المنادي ينادي للحرب ، فتركها وخرج إلى ساحة القتال ، وقاتل حتى *** ، وهو جنب ، فغسلته الملائكة ، فسمي غسيل الملائكة .
وكفن حمزة في برد إن غطى رأسه بدت رجلاه ، وإن غطى رجلاه بدا رأسه فجعلوا على رجليه الإذخر ، وكذلك مصعب بن عمير .
إلى المدينة وفي المدينة :
ولما فرغ رسول اله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من دفن الشهداء ، والدعاء لهم ، رجعوا إلى المدينة ، وقد خرجت نسوة *** أقاربهن ، فلقين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق ،فعزاهن ودعا لهن ، وجاءت امرأة من بني دينار *** زوجها وأخوها وأبوها ، فلما نعوا لها سألت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها : إنه بحمد الله كما تحبين ، فقالت أرونيه ، فأشاروا لها ، فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل : أي صغيرة .
وبات المسلمون في حالة الطوارىء ، يحرسون المدينة ، ويحرسونه رسول الله صلى ، وهم منهكون من الجرح والتعب ، والألم ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من متابعة حركات العدو حتى يناجزه في الميدان لو حاول العودة إلى المدينة .
غزوة حمراء الأسد :
فلما أصبح نادى في المسلمين ان يخرجوا للقاء العدو ، ولا يخرج إلا من شهد القتال بأحد ، فقالوا : سمعاً وطاعة ، وساروا حتى بلغوا حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة ، وعسكروا هناك .
أما المشركون فكانوا نازلين بالروحاء ، على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة ، يفكرون ويتشاورون في العودة إليها ، ويتأسفون على ما فاتهم من الفرصة الصالحة .
وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي من المناصحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه بحمراء الأسد وعزاه على ما أصابه في أحد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان ويخذله ، فلحقهم بالروحاء ، وقد أجمعوا ليعودوا إلى المدينة ، فخوفهم أشد التخويف ، وقال : وقال : إن محمداً خرج في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقاً ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط ، ولا أرى أن ترتحلوا حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة .
فلما سمعوا هذا خارت عزائمهم ، وانهارت معنوياتهم ، واكتفى أبو سفيان بحرب أعصاب دعائية ، إذ كلف من يقول للمسلمين : ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) حتى لا يطاره المسلمون ، وعجل الإرتحال إلى مكة .
أما المسلمون فلم يؤثر فيهم هذا الإنذار ، بل : ( زادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) وبقوا في حمراء الأسد إلى يوم الأربعاء ، ثم رجعوا إلى المدينة : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 30-11-2010, 03:32 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

غزوة بدر الكبرى

وهي أول معركة فاصلة بين قريش والمسلمين ، وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمرصاد للعير التي فاتته إلى الشام حينما خرج إلى ذي العشيرة ، وأرسل لها رجلين إلى الحوراء من أرض الشام ليأتيا بخبرها ، فلما مرت بهما العير أسرعا إلى المدينة ، فندب لها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين ، ولم يعزم عليهم الخروج ، فانتدب 313 رجلاً – وقيل 314 وقيل 317 – أو 83 أو 86 من المهاجرين و 61 من الأوس ، و170 من الخزرج ، ولم يتخذ هؤلاء أهبتهم الكاملة ، فلم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيراً فقط .
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء أبيض دفعه لمصعب بن عمير ، وكان للمهاجرين علم يحمله علي بن أبي طالب ، وللأنصار علم يحمله سعد بن معاذ ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ثم أرسل مكانه من الروحاء أبا لبابة بن عبد المنذر .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة يريد بدراً وهو موضع على بعد 155 كيلو متراً جنوب غربي المدينة تحيط به جبال شواهق من كل جانب ، وليس فيه إلا ثلاثة منافذ ، منفذ في الجنوب ، وهو العدوة القصوى ، ومنفذ في الشمال وهو العدوة الدنيا ، ومنفذ في الشرق قريباً من منفذ الشمال يدخل منه أهل المدينة ، وكان طريق القوافل الرئيسي بين مكة والشام يمر من داخل هذا المحيط ، وكان فيه المساكن والآبار والنخيل فكانت تنـزل القوافل ، وتقيم فيه ساعات وأياماً ، فكان من السهل جداً أن يسد المسلمون هذه المنافذ بعد ما تنـزل العير في هذا المحيط ، فتضطر إلى الإستسلام ، ولكن من لوازم هذا التدبير أن لا يشعر أهل العير بخروج المسلمين إطلاقاً ، حتى ينـزلوا ببدر على غرة ، ولذلك سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما سلك طريقاً آخر غير طريق بدر ثم تأنى في التقدم إلى جهة بدر .
أما العير فكان قوامها ألف بعير موقرة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ، وكان رئيسها أبا سفيان ومعه نحو أربعين رجلاً فقط ، وكان أبو سفيان في غاية التيقظ والحذر ، يسأل كل غاد ورائح عن تحركات المسلمين ، حتى علم بخروج المسلمين من المدينة ، وهو على بعد غير قليل من بدر ، فحول اتجاه العير إلى الغرب ليسلك طريق الساحل ، ويترك طريق بدر إطلاقاً ، واستأجر رجلاً يخبر أهل مكة بخروج المسلمين بأسرع ما يمكن ، فلما بلغهم النذير استعدوا سراعاً وأوعبوا في الخروج ، فلم يتخلف من كبرائهم إلا أبو لهب وحشدوا من حولهم من القبائل ولم يتخلف من بطون قريش إلا بني عدي .
ولما وصل هذا الجيش إلى الجحفة بلغتهم رسالة أبي سفيان يخبرهم بنجاته ويطلب منهم العودة إلى مكة وهم الناس بالرجوع ولكن أبى ذلك أبو جهل استكباراً ونخوة ، فلم يرجع إلا بنو زهرة ، أشار عليهم بذلك حليفهم ورئيسهم الأخنس بن شريق الثقفي ، وكانوا ثلاثمائة ، أما البقية ، وهم ألف ، فواصلوا سيرهم حتى نزلوا قريباً من العدوى القصوى ، خارج بدر ، في ميدان فسيح ، وراء الجبال المحيطة ببدر .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علم بخروج أهل مكة ، وهو في الطريق ، فاستشار المسلمين ، فقام أبو بكر فتكلم وأحسن ، ثم قام عمر فتكلم وأحسن ، ثم قام المقداد فقال : والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بذلك .
ثم قال : أشيروا علي أيها المسلمون فقام سعد بن معاذ رئيس الأنصار وقال : كأنك تعرض بنا يا رسول الله فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً . إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، وقال فيما قال : والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لتبعناك فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم .
ثم تقدم إلى بدر فوصلها في نفس الليلة التي وصل فيها المشركون فنـزل في داخل ميدان بدر قريباً من العدوة الدنيا ، فأشار عليه الحباب بن المنذر أن يتقدم فينـزل على أقرب ماء من العدو حتى يصنع المسلمون حياضاً يجمعون فيها الماء لأنفسهم ، ويغورون الآبار فيبقى العدو ولا ماء له ، ففعل .
وبنى المسلمون عريشاً يكون مقر قيادته صلى الله عليه وسلم وعينوا له حراساً من شباب الأنصار تحت قيادة سعد بن معاذ .
ثم عبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش وتجول في ميدان القتال وهو يشير بيده ويقول : ( هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، غداً إن شاء الله ) . ثم بات يصلي إلى جذع شجرة ، وبات المسلمون مستريحين تغمرهم الثقة ، وكان الله قد أنزل المطر كما قال : ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ) .
وفي الصباح وهو صباح يوم الجمعة 17 من شهر رمضان سنة 2 ه‍ تراآى الجمعان ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم هذه قريش ، قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم احنهم الغداة ) . ثم عدل الصفوف ، وأمرهم أن لا يبدؤوا بالقتال حتى يأتيهم أمره . وقال : إذا أكثبوكم – أي اقتربوا منكم – فارموهم ، واستبقوا نبلكم ، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم ، . ثم رجع إلى العريش ومعه أبو بكر رضي الله عنه فابتهل إلى الله سبحانه وتعالى ودعاه ،وناشده حتى قال : ( اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد أبداً . اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً ) وبالغ في التضرع والإبتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فرده عليه الصديق وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك .
أما المشركون فاستفتح منهم أبو جهل فقال :" اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرفه فاحنه الغداة ، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم .
المبارزة والقتال :
ثم تقدم ثلاثة من خيرة فرسان المشركين : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وبارزوا المسلمين فخرج ثلاثة من شباب الأنصار ، فقال المشركون : نريد بني عمنا ، فخرج عبيدة بن الحارث ، وحمزة ، وعلي ف*** حمزة شيبة و*** علي الوليد واختلفت ضربتان بين عبيدة وعتبة وأثخن كل واحد منهما الآخر ، ثم كر علي وحمزة على عتبة ف***اه ، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله ، فمات بعد أربعة أو خمسة أيام بالصفراء راجعاً إلى المدينة .
واستاء المشركون بنتيجة المبارزة ، واستشاطوا غضباً ، فهجموا على صفوف المسلمين ب*** ، وشدوا عليهم شدة رجل واحد ، والمسلمون ثابتون في أماكنهم يدافعون عن أنفسهم ، ويقولون أحد . أحد .
وأغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، ثم رفع رأسه وقال : أبشر أبا بكر . أتاك نصر الله ، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النقع – أي على أطرافه الغبار – وكان الله قد أمد المسلمين يومئذ بألف من الملائكة مردفين .
ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدروع ويتلو قوله تعالى : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) وأخذ حفنة من الحصباء ورمى بها وجوه المشركين ، وهو يقول : شاهت الوجوه . فما من مشرك إلا وأصاب عينيه ومنخريه من تلك الحفنة ، وعن ذلك يقول الله تعالى : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجوم على المشركين ، وقال : شدوا . وحرضهم على القتال ، فشد المسلمون وهم على نشاطهم ، وقد زادهم تحمساً وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين أظهرهم يقاتل قدامهم ، فأخذوا يقلبون الصفوف ، ويقطعون الأعناق ، ونصرهم الملائكة فكانوا يضربون فوق أعناق المشركين ، ويضربون منهم كل بنان ، فكان يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه ، وتندر يد الرجل لا يدرى من قطعها ، حتى نزلت الهزيمة بالمشركين فلاذوا بالفرار ، وأخذ المسلمون يطاردونهم في***ون فريقاً ويأسرون فريقاً .
وكان إبليس قد حضر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم تأييداً للمشركين ، وتحريضاً لهم على قتال المسلمين ، فلما رأى الملائكة وما يفعلون نكص على عقبيه وفر إلى البحر الأحمر وألقى نفسه فيه .
م*** أبي جهل :
وكان أبو جهل في عصابة جعلت سيوفها ورماحها حوله مثل السياج ، وكان في صفوف المسلمين حول عبد الرحمن بن عوف شابان من الأنصار لم يأمن عبد الرحمن مكانهما ، إذ قال له أحدهما سراً من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل قال : وما تصنع به ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، وقال الآخر : مثل ذلك ، فلما تصدعت الصفوف رآه عبد الرحمن يتجول فأراهما فابتدراه بالسيف حتى ***اه . ضرب أحدهما ساقه فطاحت رجله كما تطير النوى حين تدق ، وأثخنه الآخر حتى تركه وبه رمق ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كل منهما : أنا ***ته فنظر إلى السيفين وقال : كلاكما ***ه ، وهما معاذ ومعوذ ابنا عفراء ، وقد استشهد معوذ في نفس الغزوة ، وبقي معاذ إلى زمن عثمان ،وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب أبي جهل .
وبعد انتهاء المعركة خرج الناس في طلبه ، فوجده عبد الله بن مسعود وبه رمق ، فوضع رجله على عنقه وأخذ بلحيته ليحتز رأسه وقال : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وبماذا أخزاني ؟ هل فوق رجل ***تموه ؟ فلو غير أكار ***ني ، ثم قال : أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال لله ولرسوله ، قال أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم ! وقطع عبد الله بن مسعود رأسه ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، وقال : هذا فرعون هذه الأمة .
يوم الفرقان :
كانت هذه المعركة معركة بين الكفر والإيمان ، قاتل فيها الرجل عمه وأباه ، وابنه وأخاه ، وخاله وأدناه ، *** فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاله العاص بن هشام ، وواجه فيها أبو بكر ابنه عبد الرحمن ، وأسر فيها المسلمون العباس ، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا انقطعت فيها صلة القرابة وأعلى الله فيها كلمة الإيمان على كلمة الكفر ، وفرق بين الحق والباطل ، فسمى ذلك اليوم بيوم الفرقان ، وهو يوم بدر ، اليوم السابع عشر من شهر رمضان .
***ى الفريقين :
*** في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً من المسلمين ، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ، ودفنوا في ساحة بدر ومقابرهم لا تزال معروفة .
أما المشركون ف*** منهم سبعون ، وأسر سبعون ، ومعظمهم كانوا من الصناديد ، وقد سحبت جثث أربع وعشرين من صناديدهم وقذفت في قليب – بئر – خبيث مخبث في بدر .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر ثلاثة أيام ، فلما استعد للرجوع جاء القليب وقام على شفته ، وناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان بن فلان ! ويا فلان بن فلان ! أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟
فقال له عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها . قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم . ولكن لا يجيبون .
خبر المعركة في مكة والمدينة :

وصل نبأ الهزيمة إلى مكة بفلول المشركين ، فكبتهم الله وأخزاهم ، حتى نهوا عن النياحة على ال***ى ، كيلا يشمت بهم المسلمون ، وكان الأسود بن المطلب *** له ثلاثة بنين ، فكان يحب أن ينوح ، فسمع ليلاً صوت نائحة ، فظن الإذن ، وبعث غلامه ، فجاء وأ خبر أنها تبكي على بعير أضلته ، فلم يتمالك أن قال :
أتبكـي أن يضـل لهـا بعيـر ويمنعهـا من النـوم السهـود
فلا تبكـي على بكـر ولكـن على بـدر تقاصـرت الجـدود
وذلك في أبيات ندب فيها أبناءه :
أما أهل المدينة فقد أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرين : عبد الله بن رواحة إلى العالية ، وزيد بن حارثة إلى السافلة ، وكان اليهود قد أرجفوا في المدينة بدعايات كاذبة ، فلما وصل نبأ الفتح عمت الفرحة والسرور ، واهتزت المدينة تهليلاً وتكبيراً ، وتقدم رؤوس المسلمين إلى طريق بدر يهنئون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :
وتقدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة متوجاً بنصر الله ، ومعه الغنائم والأسارى ، فلما وصل قريباً من الصفراء نزل حكم الغنيمة ، فأخذ منها الخمس ، وقسمها سوياً بين الغزاة ، فلما حل بالصفراء أمر ب*** النضر بن الحارث ، فضرب عنقه علي بن أبي طالب ، ولما حل بعرق الظبية أمر ب*** عقبة بن أبي معيط ، ف***ه عاصم بن ثابت الأنصاري ، وقيل علي بن أبي طالب ،
أما رؤوس المسلمين الذين خرجوا لتهنئته فلقوه صلى الله عليه وسلم بالروحاء ثم رافقوه يشيعونه إلى المدينة ، فدخل فيها مظفراً منصوراً قد خافه كل عدو ، وأسلم بشر كثير وتظاهر عبد الله بن أبي وزملاؤه بالإسلام .
قضية الأسارى :
ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في الأسارى ، فأشار أبو بكر بأخذ الفدية منهم
وأشار عمر ب***هم ، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الفدية ، وكانت من أربعة إلى ثلاثة آلاف إلى ألف درهم ، ومن كان منهم يقرأ ويكتب فجعل فديته أن يعلم عشرة غلمان من المسلمين ، وأحسن إلى بعض الأسارى فأطلقهم بغير فدية .
وبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاص بمال فيه قلادة لها ، كانت عند خديخة فأدخلتها بها على أبي العاص ، فلما رأها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة ، فاستأذن الصحابة في إطلاقه بغير فدية ، ففعلوا ، فأطلقه بعد أن اشترط عليه أن يخلي سبيل زينب ، فخلاها فهاجرت إلى المدينة .
وفاة ابنته صلى الله عليه وسلم رقية وزواج ابنته أم كلثوم بعثمان :

وكانت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم مريضة حين خرج لغزوة بدر ، وكانت تحت عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمره أن يتخلف عليها ليمرضها ، وله أجر من حضر بدراً ونصيبه ، وخلف عليها أيضاً أسامة بن زيد ، فتوفيت قبل رجوعه صلى الله عليه وسلم قال أسامة : أتانا الخبر – أي بشارة الفتح – حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واطمأن بها زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه ابنته الأخرى : أم كلثوم ، فلذلك سمى عثمان رضي الله عنه بذي النورين ، وقد بقيت معه حتى توفيت في شعبان سنة تسع من الهجرة ، ودفنت بالبقيع .
ساء المشركون ومن معهم ما أكرم الله به على المسلمين من النصر والفتح ، فأخذوا يدبرون مكائد يضرون بها المسلمين ، وينتقمون منهم ، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم وأيد المؤمنين بفضله .
تحشد بنو سليم لغزو المدينة بعد أسبوع من رجوع المسلمين من غزوة بدر ، أو في المحرم سنة 3 ه‍ فدهمهم المسلمون في منازلهم ، وأصابوا غنائم ، ورجعوا إلى المدينة سالمين ، ثم تآمر عمير بن وهب الجمحي وصفوان بن أمية على اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وجاء عمير لذلك إلى المدينة ، فألقى عليه القبض وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما تآمر عليه فأسلم .
غزوة بني قينقاع :
ثم كاشف يهود بني قينقاع بالشر والعداوة ، فنصحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك ***ت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال ، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الجواب ، فازدادت جرأتهم ، حتى أثاروا في سوقهم فتنة *** فيها رجل من المسلمين ورجل من اليهود ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت للنصف من شوال سنة 2 ه‍ ، واستسلموا بعد خمسة عشر يوماً لهلال ذي القعدة ، فأجلاهم إلى أذرعات الشام ، حيث مات أكثرهم بعد قليل .
غزوة السويق :
ونذر أبو سفيان بعد غزوة بدر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي راكب ، وأغار بالعريض في ناحية المدينة ، فقطعوا أسواراً من النخيل ، وأحرقوها ، و***وا رجلين وفروا .
وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فطارهم ، ولكنهم أفلتوا ، وطرحوا أثناء فرارهم كثيراً من السويق والأزواد ليتخففوا ، وبلغ المسلمون في مطاردتهم إلى قرقرة الكدر ، ولكنهم فاتوا ، وحمل المسلمون السويق ، فسميت بغزوة السويق وبغزوة قرقرة الكدر .
*** كعب بن الأشرف :

كان كعب من أثرياء اليهود وشعرائهم ومن أشد أعداء المسلمين فكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويشبب بنسائهم ، ويمدح أعداءهم ويحرضهم عليهم ، ونزل بعد بدر على قريش ، فأغراهم على حرب المسلمين ، وأنشد لهم في ذلك أبياتاً ، وقال : أنتم أهدى منهم سبيلاً ، ولم يعتبر بما حل ببني قينقاع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف ؟ فانتدب له محمد بن مسلمة وعبادبن بشروأبو نائلةوالحارث بن أوس وأبو عبس بن جبر ، وأميرهم محمد بن مسلمة ، وقد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول شيئاً .
ثم أتى كعباً وقال : إن هذا الرجل – إشارة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم قد سألنا صدقة ، وإنه قد عنانا ، أي أوقعنا في المشقة والعناء .
فاستبشر كعب وقال : والله لتملنه ، فاستقرضه محمد بن مسلمة طعاماً أو تمراً ، واتفق معه على أنه يرهنه السلاح .
وجاءه أبو نائلة فتحاور معه بمثل حوار محمد بن مسلمة ، وقال : إن معي أصحاباً على مثل رأيي أريد أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن إليهم فقبل ذلك منه .
وفي الليلة الرابعة عشرة من شهر ربيع الأول سنة 3 ه‍ جاءه المذكورون ومعهم السلاح ، فنادوه فقام لينـزل ، وكان في حصنه ، وكان حديث عهد بعرس ، فقالت له زوجته : أين تخرج هذه الساعة ؟ أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم ، فلم يبال بقولها، ولما نزل ورأى السلاح لم يستنكر، لما سبق بينهم وبينه من العهد .
وأخذوا يمشون ليتنـزهوا ، ومدح أبو نائلة رائحة عطره ، واستأذنه ليشم رأسه . فأذن له في زهو وخيلاء ، فشمه وأدخل فيه يده وأشم أصحابه ، ثم استأذنه ثانياً وفعل مثل ما فعل ، ثم ثالثاً أيضاً ، فلما استمكن من رأسه في المرة الثالثة قال : دونكم عدو الله فاختلفت عليه الأسياف دون جدوى ، فوضع ابنمسلمة معولاً في ثنيته ، وتحامل عليه حتى بلغ العانة ، فصاح صيحة أفزعت من حوله ، وسقط قتيلاً ، وأوقدت النيران على الحصون ، ولكن رجع المسلمون بسلام ، وقد خمدت نار الفتنة التي طالما أقلقت المسلمين ، وكمنت أفاعي اليهود في أجحارهم لفترة من الزمان .
سرية القردة :
وفي جمادي الآخرة سنة 3 ه‍ أرسلت قريش عيراً لهم إلى الشام عن طريق العراق ، لتخترق نجداً إلى الشام ، ولا تمر بقرب المدينة ، وكان يقودها صفوان بن أمية ، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل زيد بن حارثة في مائة راكب ، فدهمها زيد وهي تنـزل على ماء في نجد يسمى بقردة ، فاستولى على العير بكل ما فيها ، وفر رجال العير بأجمعهم ، وأسر الدليل فرات بن حيان فأسلم ، وقدرت الغنيمة بمائة ألف وكانت أوجع ضربة تلقتها قريش بعد غزوة بدر .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 30-11-2010, 03:33 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

قريش في دار الندوة وقرارهم ب*** النبي صل الله عليه وسلم
وجن جنون قريش لما رأوا أن المسلمين وجدوا دار حفظ ومنعة ، ورأوا في هجرتهم واجتماعهم بالمدينة خطراً على دينهم وكيانهم وتجارتهم ، فاجتمعوا في دار الندوة صباح يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة ، ليدرسوا خطة تفيد التخلص من هذا الخطر ، خاصة وأن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم لا يزال في مكة ، ويخشى أن يخرج منها في عشية أو ضحاها ، وقد حضر الإجتماع وجوه بارزة من سادات قريش ، وحضره أيضاً إبليس في صورة شيخ جليل من أهل نجد بعد أن استأذنهم .
وطرحت القضية على المجتمعين ، فقال أبو الأسود نخرجه من أرضنا ، ونصلح أمرنا ، ولا نبالي أين ذهب .
قال الشيخ النجدي : إنكم ترون حسن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال ، فإذا خرج فلا غرو أن يحل على حي من العرب فتجتمع حوله الجموع ، فيطأكم بهم في بلادكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، رؤافيه رأياً غير هذا .
قال أبو البختري : احبسوه وأغلقوا عليه الباب ، حتى يدركه ما أدركه الشعراء قبله من الموت .
قال الشيخ النجدي : والله لئن حبستموه ليخرجن أمره إلى أصحابه ، وهم يفضلونه على الآباء والأبناء ، فأوشكوا أن يثبوا عليكم ، وينـزعزه منكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوا على أمركم ، فانظروا في غير هذا الرأي .
قال الطاغية أبو جهل : إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد ، نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا ، ونعطي كلاً منهم سيفاً صارماً ، ثم يعمدوا إليه ويضربوه ضربة رجل واحد ، في***وه ، فيتفرق دمه فيب القبائل ، فلا يقدر بنو عبد مناف على حرب قريش كلهم ، فيرضون بالدية فنعطيعا لهم .
قال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا رأي غيره .
وأقر المجتمعون هذا الرأي ، وانفضوا ،وأخذوا يستعدون ويرتبون أنفسهم لتنفيذ هذا القرار .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 30-11-2010, 03:34 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

لحوق علي برسول الله صلى الله عليه وسلم
وهجرة أهل البيت والمستضعفين
هجرة علي ولحوقه برسول الله صلى الله عليه وسلم :

ومكث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ، وأدى ودائع كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة ، ثم خرج ماشياً على قدميه حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ، ونزل على كلثوم بن الهدم
هجرة أهل البيت :
ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ، فقدما بفاطمة وأم كلثوم بنتي النبي صلى الله عليه وسلم وبأم المؤمنين سودة وأم أيمن وأسامة بن زيد ، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر : أم رومان ، وأسماء ، وعائشة ، رضي الله عنهم أجمعين وذلك بعد ستة أشهر من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هجرة صهيب :
وهاجر صهيب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أراد الهجرة حجزه المشركون ، فتخلى عن أمواله لهم – وكانت كثيرة – فخلوا سبيله ، فلما وصل المدينة ، وقص على النبي صلى الله عليه وسلم قصته قال : ربح البيع أبا يحيى ! وأبو يحيى كنية صهيب رضي الله عنه .
المستضعفون :
وحبس المشركون بعض المسلمين عن الهجرة ، وعذبوهم وفتنوهم عن دينهم ، منهم الوليد بن الوليدوعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهم في الصلوات ، ويدعو على من حبسهم من كفار قريش ، وهذا أصل القنوت ، وبعد حين قام بعض المسلمون بعمل بطولي جريء ، أخرجهم بذلك من قيد الكفار ، فهاجروا إلى المدينة .
مناخ المدينة :
ولما نزل المهاجرون بالمدينة أصابهم هم وحزن ، لفراقهم أرضهم وديارهم التي نشأوا بها وترعرعوا فيها فأخذوا يذكرون تلك الأرض ويحنون إليها ، وزاد ذلك شدة أن المدينة كانت من أوبأ أرض الله ، فلما نزلوا بها أصابتهم حمى وأنواع من المرض ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل وقال : ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها ، وبارك في صاعها ومدها ، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ) وأجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم فاستراح المسلمون من الأمراض ، وأحبوا المدينة .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 30-11-2010, 03:36 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

مساومات وتنازلات
ولما فشل المشركون في هذا الإغراء والترغيب ، فكروا في المساومة في الدين ، فقالوا له : صلى الله عليه وسلم : نعرض عليك خصلة واحدة لك فيها صلاح .
قال : ( وما هي ) ؟ .
قالوا : تعبد آلهتنا سنة ونعبد آلهتك سنة ، فإن كنا على الحق أخذت منه حظاً ، وإن كنت على الحق أخذنا منه حظاً ، فأنزل الله تعالى : ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ) إلى آخر السورة وأنزل : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) وأنزل أيضاً : ( قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ) .
وكان المشركون حريصين على حسم الخلاف ، آملين ما رجاه عتبة بن ربيعة ، فأبدوا مزيداً من التنازل ، ومالوا إلى قبول ما يعرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اشترطوا بعض التعديل والتبديل فيما أوحى إليه ، فقالوا : ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) فأمره الله تعالى : ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ونبهه الله على عظم هذا ، فقال وهو يذكر بعض ما دار في خلد النبي صلى الله عليه وسلم من الخواطر حول ذلك : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ) وبهذه المواقف الصارمة تبين للمشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم قائم بالدعوة إلى الدين ، وليس بتاجر حتى يقبل المساومة أو التنازل في الثمن . فأرادوا التأكد من ذلك عن طريق أخرى ، فأرسلوا إلى يهود يسألونهم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لهم أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث ، فإن أخبر فهو نبي مرسل ، وإلا فهو متقول . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان أمرهم ؟ فإن لهم حديثاً عجباً ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هي ؟
فسألت عظماء قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . فنـزلت سورة الكهف فيها قصة أولئك الفتية ، وهم أصحاب الكهف ، وقصة ذلك الرجل الطواف ، وهو ذو القرنين . ونزل في سورة الإسراء الرد على سؤالهم عن الروح ، وهو قوله تعالى : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) .
وكان هذا الإختبار يكفي لاقناع قريش بأن محمدأ صلى الله عليه وسلم رسول حقاً ، لو أرادوا الحق ، ولكن أبى الظالمون إلا كفوراً
وكأنهم لما اتضحت لهم الحقائق ، وتبين لهم الحق ، أبدوا بعض المرونة ، فقد أبدوا استعدادهم لاستماع ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم علهم يستجيبون ويقبلون ، ولكن اشترطوا أن يخصص لهم مجلس لا يحضره ضعفاء المسلمين ، وهم العبيد والمساكين الذين سبقوا إلى الإسلام ، وذلك لأن هؤلاء الكفار الذين طالبوا بذلك كانوا سادات مكة وأشرافها ، فأبوا واستنكفوا أن يجلسوا مع هؤلاء المساكين الذين كانوا أصحاب الإيمان والتقوى .
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في استجابة مطلبهم هذا بعض الرغبة رجاء أن يؤمنوا به ، فنهاه الله عن ذلك ، وأنزل قوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 30-11-2010, 03:37 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

مقدمات النبوة
مقدمات النبوة وتباشير السعادة :

وبما تقدم ذكره اتسعت الشقة الفكرية والعملية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومه ، وطفق يقلق مما يراهم عليه من الشقاوة والفساد ، ويرغب في الاعتزال عنهم والخلوة بنفسه مع تفكيره في سبيل ينجيهم من التعاسة والبوار .
واشتد هذا القلق ، وقويت هذه الرغبة مع تقدم السن حتى كان حادياً يحدوه إلى الخلوة و الانقطاع ، فأخذ يخلو بغار حراء ، يتعبد الله فيه على بقايا دين إبراهيم عليه السلام وذلك من كل سنة شهراً ، وهو شهر رمضان ، فإذا قضى جواره بتمام هذا الشهر انصرف إلى مكة صباحاً ، فيطوف بالبيت ، ثم يعود إلى داره ، وقد تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات .
فلما تكامل له أربعون سنة وهي سن الكمال ، ولها بعثت الرسل غالباً ، بدأت طلائع النبوة وتباشير السعادة في الظهور ، فكان يرى رؤيا صالحة تقع كما يرى ، وكان يرى الضوء ويسمع الصوت ، وقال : ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ) .

بداية النبوة ونزول الوحي :
فلما كان في رمضان من السنة الحادية والأربعين وهو معتكف بغار حراء ، يذكر الله ويتعبده ، فجئه جبريل ، عليه السلام بالنبوة والوحي ، ولنستمع إلى عائشة رضي الله عنها تروي لنا هذه القصة بتفاصيلها ، قالت عائشة رضي الله عنها :
أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث – أي يتعبد – فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينـزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : اقرأ . قال : ما أنا بقاريء..
قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ . قلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقاريء . فأخذني ، فغطني الثالثة . ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم )
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال : زملوني ، زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر - : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، ابن عم خديجة ، وكان امرأً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً قد عمي .
فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك .
فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى . يا ليتني فيها جزعاً – أي قوياً جلداً – ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟
قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً .
ثم لم يلبث ورقة أن توفي ، وفتر الوحي .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 30-11-2010, 03:38 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

موقف المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له من الشهامة والشرف والوقار ما وقاه الله به كثيراًمن اعتداءات الناس ، وقد كان يحوطه ويمنعه أبو طالب ، وكان سيداً مطاعاً معظماً في قريش ، لا يستهان بذمته ولا تخفر ، كان من ذروة بني عبد مناف ، ولم تعرف لها قريش بل العرب إلا الإجلال والتكريم ، فاضطر المشركون بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم إلى اتخاذ خطوات سلمية ، واختاروا سبيل المفاوضات مع عمه أبي طالب ، ولكن مع نوع من أسلوب القسوة والتحدي .
بين قريش وأبي طالب :
فقد مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب ، وقالوا له : إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ،وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه . فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً وردهم رداً جميلاً ، فانصرفوا عنه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو إليه .
إنذار قريش وتحديهم لأبي طالب :
ولم تصبر قريش طويلاً حين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ماضياً في عمله ودعوته إلى الله ، فقد أكثروا ذكره وتذامروا فيه ، ثم مشوا إلى أبي طالب ، وقالوا :يا أبا طالب إن لك سناً ، وشرفاً ومنـزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك ، حتى يهلك الله أحد الفريقين ، ثم انصرفوا . وعظم على أبي طالب هذا التحدي والإنذار ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له ما قالوه ، وقال له : أبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفه قال : يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ، حتى يظهره الله أو أهلك فيه ، ما تركته ،ثم استعبر وبكى ، وعادت إلى أبي طالب الرقة والثقة ، فقال : اذهب يا ابن أخي ! فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #41  
قديم 30-11-2010, 03:39 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

مولده ورضاعه وبركاته في بيت الرضاعة
المولد :
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم في مكة ، صبيحة يوم الاثنين ، التاسع ويقال : الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل والتاريخ الأول أصح والثاني أشهر وهو يوافق اليوم الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة 571 م .
وكانت قابلته أي دايته : الشفاء بنت عمرو أم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولما ولدته أمه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وأرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بولادته صلى الله عليه وسلم فجاء عبد المطلب مستبشراً مسروراً وحمله فأدخله الكعبة وشكر الله ، ودعاه وسماه محمداً رجاء أن يحمد ، وعق عنه وختنه يوم سابعه ، وأطعم الناس كما كان العرب يفعلون .
وكانت حاضنته أم أيمن : بركة الحبشية ، مولاة والده عبد الله ، وقد بقيت حتى أسلمت ، وهاجرت وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر ، أو بستة أشهر .

الرضاع :
وأول من أرضعته صلى الله عليه وسلم بعد أمه ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها ، يقال له مسروح ، وكانت قد أرضعت قبله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب وبعده صلى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، فهم إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة .
وقد أعتق أبو لهب أمته هذه فرحاً بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه صار من ألد أعدائه حينما قام بالدعوة إلى الإسلام .

في بني سعد:
كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي ، إبعاداً لهم عن أمراض الحواضر حتى تشتد أعصابهم ، وليتقنوا اللسان العربي في مهدهم .
وقدر الله أن جاءت نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازن يطلبن الرضعاء فعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهن كلهن ، فأبين أن يرضعنه لأجل يتمه ، ولم تجد أحدى النسوة وهي حليمة بنت أبي ذويب رضيعاً فأخذته صلى الله عليه وسلم وحظيت به حظوة اغتبط لها الآخرون .
واسم أبي ذويب والد حليمة : عبد الله بن الحارث ، واسم زوجها الحارث ابن عبد العزى وكلاهما من سعد بن بكر بن هوازن . وأولاد الحارث بن عبد العزى إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة هم عبد الله وانيسة وجدامة ، وهي الشيماء ، لقب غلب على اسمها وكانت تحضن النبي صلى الله عليه وسلم

بركات في بيت الرضاعة :
وقد درت البركات على أهل هذا البيت مدة وجوده صلى الله عليه وسلم بينهم .
ومما روي من هذه البركات : أن حليمة لما جاءت إلى مكة كانت الأيام أيام جدب وقحط ، وكانت معها أتان كانت أبطأ دابة في الركب مشياً لأجل الضعف والهزال ، وكانت معها ناقة لا تدر بقطرة من لبن ، وكان لها ولد صغير يبكي ويصرخ طول الليل لأجل الجوع ، لا ينام ، ولا يترك أبويه ينامان .
فلما جاءت حليمة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحلها ووضعته في حجرها أقبل عليه ثدياها بما شاء من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب معه ابنها الصغير حتى روي ثم ناما .
وقام زوجها إلى الناقة فوجدها حافلاً باللبن ، فحلب منها ما انتهيا بشربه رياً وشبعاً ثم باتا بخير ليلة . ولما خرجا راجعين إلى بادية بني سعد ركبت حليمة تلك الأتان ، وحملت معها النبي صلى الله عليه وسلم فأسرعت الأتان حتى قطعت الركب ولم يستطع لحوقها شيء من الحمر .
ولما قدما في ديارهما ديار بني سعد – وكان أجدب أرض الله – كانت غنمهما تروح عليهما شباعاً ممتلئة الخواصر بالعلف ، وممتلئة الضروع باللبن . فكانا يحلبان ويشربان ، وما يحلب إنسان قطرة لبن .
فلم يزالا يعرفان من الله الزيادة والخير حتى اكتملت مدة الرضاع ومضت سنتان ففطمته حليمة ، وقد اشتد وقوي في هذه الفترة .

بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد بعد الرضاعة :
وكانت حليمة تأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه وأسرته كل ستة أشهر ، ثم ترجع به إلى باديتها في بني سعد ، فلما اكتملت مدة الرضاعة وفطمته ، وجاءت به إلى أمه حرصت على بقائه صلى الله عليه وسلم عندها ، لما رأت من البركة والخير . فطلبت من أم النبي صلى الله عليه وسلم أن تتركه عندها حتى يغلظ ، فإنها تخاف عليه وباء مكة ، فرضيت أمه صلى الله عليه وسلم بذلك ، ورجعت به حليمة إلى بيتها مستبشرة مسرورة ، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم عندها بعد ذلك نحو سنتين ، ثم وقعت حادثة غريبة أحدثت خوفاً في حليمة وزوجها حتى ردا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه . وتلك الحادثة هي شق صدره صلى الله عليه وسلم .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #42  
قديم 30-11-2010, 03:41 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

نسبه الشريف ، وقبيلته ، وأسرته
uالنسب الشريف :
هو أكرم خلق الله ، وأفضل رسله ، وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وعدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام بالإتفاق ، ولكن لم يعرف بالضبط عدد ولا أسماء من بينه وبين إسماعيل عليه السلام .
أما أمه صلى الله عليه وسلم فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب . وكلاب هو الجد الخامس للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه ، فأبوه وأمه من أصل واحد ، يجتمعان في كلاب وأسمه حكيم . وقيل : عروة ، لكنه كان كثير الصيد بالكلاب فعرف بها .

uقبيلته :
وقبيلته هي قبيلة قريش المشهود لها بالشرف ، ورفعة الشأن ، والمجد الأصيل ، وقداسة المكان بين سائر العرب ، وهو لقب فهر بن مالك أو النضر بن كنانة .
وكل من رجالات هذه القبيلة كانوا سادات وأشراف في زمانهم ، وقد امتاز منهم قصي وأسمه زيد بعدة ميزات ، فهو أول من تولى الكعبة من قريش ، فكانت إليه حجابتها وسدانتها ، أي كان بيده مفتاح الكعبة يفتحها لمن شاء ومتى شاء ، وهو الذي أنزل قريشاً ببطن مكة ، وأسكنهم في داخلها ، وكانوا قبل ذلك في ضواحيها وأطرافها ، متفرقين بين قبائل أخرى ، وهو الذي أنشأ السقاية والرفادة .
والسقاية : ماء عذب من نبيذ التمر أو العسل أو الزبيب ونحوه ، كان يعده في حياض من الأديم يشربه الحجاج .
والرفادة : طعام كان يصنع لهم في الموسم . وقد بنى قصي بيتاً بشمالي الكعبة ، عرف بدار الندوة ، وهي دار شورى قريش ، ومركز تحركاتهم الإجتماعية ، فكان لا يعقد نكاح ، ولا يتم أمر إلا في هذه الدار ، وكان بيده اللواء والقيادة ، فلا تعقد راية حرب إلا بيده ، وكان كريماً وافر العقل ، صاحب كلمة نافذة في قومه .

uأسرته :
أما أسرته صلى الله عليه وسلم فتعرف بالأسرة الهاشمية ، نسبة إلى جده الثاني هاشم ، وقد ورث هاشم من مناصب قصي : السقاية والرفادة ، ثم ورثهما أخوه المطلب ، ثم أولاد هاشم إلى أن جاء الإسلام وهم على ذلك ، وكان هاشم أعظم أهل زمانه ، كان يهشم الخبز ، أي يفتته في اللحم ، فيجعله ثريداً ، ثم يتركه تأكله الناس ، فلقب بهاشم ، واسمه عمرو . وهو الذي سن الرحلتين : رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام ، وكان يعرف بسيد البطحاء .
ومن حديثه : أنه مر بيثرب ، وهو في طريق تجارته إلى الشام ، فتزوج سلمى بنت عمرو من بني عدي بن النجار ، وأقام عندها فترة ، ثم مضى إلى الشام وهي حامل ، فمات بغزة من أرض فلسطين ، وولدت سلمى ابناً بالمدينة سمته : شيبة ، لشيب في رأسه ، ونشأ هذا الطفل بين أخواله في المدينة ، ولم يعلم به أعمامه بمكة حتى بلغ نحو سبع سنين أو ثماني سنين ، ثم علم به عمه المطلب ، فذهب به إلى مكة ، فلما رآه الناس ظنوه عبده فقالوا : عبد المطلب ، فاشتهر بذلك .
وكان عبد المطلب أوسم الناس ، وأجملهم ، وأعظمهم قدراً ، وقد شرف في زمانه شرف لم يبلغه أحد ، كان سيد قريش وصاحب عير مكة ، شريفاً مطاعاً جواداً يسمى بالفياض لسخائه ، كان يرفع من مائدته للمساكين والوحوش والطيور ، فكان يلقب بمطعم الناس في السهل ، والوحوش والطيور في رؤوس الجبال. وقد تشرف بحفر بئر زمزم بعد أن كان قد درسها جرهم عند جلائهم من مكة ، وكان قد أمر بحفرها في المنام ، ووصف له موضعها فيه .
وفي عهده وقعت حادثة الفيل ، جاء أبرهة الأشرم من اليمن بستين ألف جندي من الأحباش ، ومعه بعض الفيلة ، ليهدم الكعبة ، فلما وصل إلى وادي محسر بين المزدلفة ومنى ، وتهيأ الهجوم على مكة أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف مأكول ، وكان ذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من شهرين فقط .
وأما والده صلى الله عليه وسلم عبد الله فكان أحسن أولاد عبد المطلب ، وأعفهم ، وأحبهم إليه ، وهو الذبيح ، وذلك أن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم ، وبدت آثارها نازعته قريش ، فنذر لئن آتاه الله عشرة أبناء ، وبلغوا أن يمنعوه ، لي***ن أحدهم ، فلما تم له ذلك أقرع بين أولاده ، فوقعت القرعة على عبد الله، فذهب إلى الكعبة لي***ه ، فمنعته قريش ، ولا سيما إخوانه وأخواله ، ففداه بمائة من الإبل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ابن الذبيحين : إسماعيل عليه السلام وعبد الله ، وابن المفديين ، فدي إسماعيل عليه السلام بكبش ، وفدي عبد الله بمائة من الإبل .
واختار عبد المطلب لابنه عبد الله آمنة بنت وهب ، وكانت أفضل نساء قريش شرفاً وموضعاً ، وكان أبوها وهب سيد بني زهرة نسباً وشرفاً ، وبنى بها عبد الله بمكة فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد فترة أرسله عبد المطلب إلى المدينة ، أو الشام في تجارة فتوفي بالمدينة راجعاً من الشام ودفن في دار النابغة الذبياني ، وذلك قبل ولادته صلى الله عليه وسلم على الأصح .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 30-11-2010, 03:42 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

نقض الصحيفة وفك الحصار
وبعد نحو ثلاث سنوات قدر الله أن ينتهي هذا العدوان ، فألقى في قلوب خمسة من أشراف قريش أن يقوموا بنقض الصحيفة وفك الحصار ، وأرسل الأرضة ، فأكلت كل ما في الصحيفة من القطيعة والجور ، ولم تترك إلا ذكر الله سبحانه وتعالى .
فأما أشراف قريش الخمسة فأولهم : هشام بن عمرو بن الحارث من بني عامر بن لؤي ، ذهب هذا الرجل إلى زهير بن أبي أمية المخزومي – وهو ابن عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلىالمطعم بن عدي ، ثم إلى أبي البختري بن هشام ثم إلى زمعة بن الأسود ، فذكر كل واحد منهم القرابة والرحم ، ولامهم على قبول الجور ، وحضهم على نقض الصحيفة ، فاجتمعوا عند خطم الحجون ، واتفقوا على خطة يقومون بها لنقض الصحيفة .
وصباحاً حين قامت أندية قريش في المسجد الحرام جاء زهير وعليه حلة ، فطاف بالبيت ، ثم أقبل على الناس فقال : يا أهل مكة ! نحن نأكل الطعام ، ونلبس الثياب ، وبنو هاشم وبنو المطلب هلكى ، لا يبيعون ولا يبتاعون ، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة .
فقال أبو جهل : كذبت ، والله لا تشق .
فقال زمعة : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها حين كتبت .
فقال أبو البختري : صدق والله زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقربه .
وقال المطعم بن عدي : صدقتما ، وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها ، وصدقه أيضاً هشام بن عمرو .
فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل ، وتشوروا فيه بغير هذا المكان .
وكان أبو طالب جالساً في ناحية المسجد ، جاء ليخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن الله سلط على صحيفتهم الأرضة ، فأكلت ما فيها من جور وقطيعة وظلم ، ولم تترك إلا ذكر الله ، وقال بعد ما أخبرهم بذلك : فإن كان كاذباً خلينا بينكم وبينه ، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا ، قالوا : أنصفت .
وقام المطعم على إثر رده على أبي جهل ليشق الصحيفة ، فوجدها قد أكلتها الأرضة ، إلا ( باسمك اللهم ) وما فيها من اسم الله . فكان ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم آية من آيات الله رآها المشركون بأعينهم ، لكنهم لم يزالوا مسترسلين في الغي .
أما الحصار فقد انتهى بعد ذلك ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب .
وفد قريش بين يدي أبي طالب :
عادت الأمور بعد فك الحصار إلى ما كانت عليه من قبل ، ولكن ما هي إلا أشهر حتى لحق أبا طالب المرض ، وأخذ يشتد ويزداد ، وكان قد جاوز الثمانين ، فشعرت قريش أنه لا قيام له من هذا المرض ، فاستشاروا فيما بينهم وقالوا : انطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فليأخذ على ابن أخيه وليعطه منا ، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون إليه شيء فتعيرنا به العرب ، يقولون : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه ، فانطلقوا ودخلوا عليه وطلبوا منه أن يكف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آلهتهم ، وهم يدعونه وإلهه ، فدعاه أبو طالب وعرض عليه ما قاله القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم العجم الجزية ، ففزعوا وقالوا: كلمة واحدة ؟ نعم ! وأبيك عشراً ، فما هي ؟ قال : لا إله إلا الله ، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم ، يقولون : ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 30-11-2010, 03:44 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

هجرة المسلمين إلى المدينة
بعد هذه البيعة – بيعة العقبة الثانية – بدأت هجرة عامة المسلمين إلى المدينة ، بينما كان بعض الصحابة قد هاجر قبلها ، وقد أري رسول الله صلى الله عليه وسلم دار هجرة المسلمين وأخبرهم بها ، قال : رأيت أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلى – أي ظني – إلى اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ، وفي رواية : أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين ، فإما أن يكون هجر أو يثرب .
وأول من هاجر أبو سلمة المخزومي زوج أم سلمة ، خرج مع زوجته وابنه ، فمنعها قومها منه ، وانتزع آل أبي سلمة ولده منها ، فانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة ، وذلك قبل بيعة العقبة بنحو سنة ثم أطلقوا زوجته بعد نحو سنة فلحقت به .
وهاجر بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة وزوجته ليلى بنت أبي حثمة ، وعبد الله بن أم مكتوم ، فلما تمت البيعة تتابع المسلمون في الهجرة ، وكانوا يتسللون خفية ، خشية قريش ، حتى هاجر عمر بن الخطاب ، فخرج علناً ، وتحدى قريشاً ، فلم يجترىء أحد على الوقوف في وجهه ، وقدم المدينة في عشرين من الصحابة .
وهاجر المسلمون كلهم إلى المدينة ، ورجع إليها عامة من كان بأرض الحبشة ولم يبق بمكة منهم إلا أبو بكر وعلي وصهيب وزيد بن حارثة وقليل من المستضعفين الذين لم يقدروا على الهجرة ، وتجهز أبو بكر للهجرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي ، فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم . فحبس أبو بكر نفسه عليه ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ، استعداداً لذلك .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 30-11-2010, 03:45 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
خروجه صلى الله عليه وسلم من البيت :
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته وهم مطوقون به ، فذر تراب البطحاء على رؤوسهم وهو يتلو قوله سبحانه تعالى : ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) فأخذ الله بأبصارهم فلم يشعروا به صلى الله عليه وسلم ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر ، ومن خوخة داره خرجا حتى لحقا بغار ثور قبل بزوغ الفجر ، على بعد نحو خمسة أميال في اتجاه اليمن .

ثلاث ليال في الغار :
ولما انتهيا إلى الغار دخله أبو بكر أولاً حتى إذا كان فيه شيء يصيبه هو دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسحه ووجد فيه ثقوباً فسدها بشق إزاره ، وبقي جحر واحد أو جحران ألقمهما رجليه ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام في حجره ولدغ أبو بكر في رجله ، ولكنه لم يتحرك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجهه صلى الله عليه وسلم فاستيقظ وسأل فقال : لدغت ، فداك أبي وأمي ، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب الألم .
وكمنا في الغار ثلاث ليال ، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ، وكان شاباً فطناً ذكياً ، فيخرج من عندهما حتى يصبح في قريش كأنه بات في مكة ، وكان يسمع مكائد قريش وأخبارهم فكان يأتيهما بها حين يختلط الظلام .
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى الغنم ، فكان يأتيهما بها حين تذهب ساعة من الليل ، فيبيتان في لبنها ، ثم ينعق بها في غلس ويتبه بها أثر عبد الله بن أبي بكر ليعفي عليه
أما قريش فبقيت فتيانها منتظرين قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجه حتى أصبحوا ، فلما أصبحوا قام علي من فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط في أيديهم وسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا علم لي به ، فضربوه وسحبوه إلى الكعبة ، وحبسوه ساعة ، ولكن بدون جدوى ، ثم جاءوا إلى بيت أبي بكر وسألوا ابنته أسماء عنه فقالت : لا أدري ، فلطمها الخبيث أبو جهل لطمة طرح منها قرطها ، ثم أرسلوا الطلب في كل جهة ، وجعلوا مائة ناقة عن كل واحد منها لمن يأتي بهما حيين أو ميتين .
وقد وصلوا في الطلب إلى باب الغار بحيث لو طأطأ أحدهم رأسه ونظر إلى قدميه لرأهما ، حتى اشتد حزن أبي بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا .
في الطريق إلى المدينة :
وفي ليلة الإثنين غرة ربيع الأول سنة واحد ه‍ جاء الدليلعبد الله بن أريقط الليثي بالراحلتين إلى جبل ثور حسب الموعد ، فارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وصحبهما عامر بن فهيرة ، وسلك بهما الدليل في اتجاه الجنوب نحو اليمن حتى أبعد ، ثم اتجه إلى الغرب نحو ساحل البحر الأحمر ، ثم اتجه إلى الشمال على مقربة من الساحل ، وسلك طريقاً لا يسلكه الناس إلا نادراً . وواصلوا السير تلك الليلة ، ثم النهار إلى نصفه ، حتى خلا الطريق ، فاستراح النبي صلى الله عليه وسلم تحت ظل صخرة ، واستكشف أبو بكر ما حوله وجاء راع فاستحلب منه أبو بكر ، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم سقاه حتى رضي ، ثم ارتحلوا .
وفي اليوم الثاني مرا بخيمتي أم معبد وكانت بالمشلل في ناحية قديد على بعد نحو 130 كيلوا متراً من مكة ، فسألاها هل عندها شيء ؟ فاعتذرت عن القرى وأخبرت أن الشاء عازب – أي بعيدة المرعى والكلأ – وكانت في جانب الخيمة شاة خلفها الجهد عن قطيع الغنم ، ولم تكن فيها قطرة من لبن ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحلبها ، فلما حلبها درت باللبن حتى امتلأ منه إناء كبير يحمله الرهط بمشقة ، فسقاه أم معبد حتى رويت ، ثم سقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب ، ثم حلب فيه ثانيا ، حتى ملاً الإناء ، وتركه عندها وارتحلوا .
وجاء زوجها فتعجب حين رأى اللبن وسألها عنه ، فأخبرته الخبر ، ووصفت النبي صلى الله عليه وسلم من مفرقه إلى قدمه ومن كلامه إلى أطواره وصفاً دقيقاً جداً فقال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش ، لقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً .
وفي اليوم الثالث سمع أهل مكة صوتاً بدأ من أسفلها ومر حتى خرج من أعلاها وتبعوه فلم يروا شخصه يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حـلا خيمتي أم معبـد
همـا نـزلابالبـر وارتحـلا به وأفلح من من أمسى رفيق محمد
فيـا لقصي ما زوى الله عنكـم به من الأفعال لا تجاري وسودد
ليهـن بني كعب مكان فتاتهـم ومقعـدها للمؤمنين بمرصـد
ثم لما جاوزا قديداً تبعهما سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، على فرس له ، طمعاً في جائزة قريش ، فلما دنا منهم عثرت به فرسه حتى خر عنها ، ثم قام واستقسم بالأزلام : يضرهم أم لا ؟ فخرج الذي يكره ، ولكنه عصى الأزلام وركب حتى إذا دنا منهم بحيث يسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت ، وأبو بكر يكثر الإلتفات ساخت يدا فرسه في الأرض حتى بلغتا الركبتين وخر عنها ، ثم زجرها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة صار لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسم بالأزلام فخرج الذي يكره ، وداخله رعب عظيم ، وعلم أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيظهر ، فناداهم بالأمان ، فوقفوا حتى جاءهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قررته قريش ، وما يريد بهما الناس ، وعرض عليه الزاد والمتاع فلم يأخذ منه شيئاً ، وطلب منه أن يخفي أمره عن الناس ، واستكتبه سراقة كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتبه في أديم ، ورجع سراقة فقال لمن وجده في الطلب قد استبرأت لكم الخبر ، قد كفيتم ما ههنا حتى أرجعهم .
وفي الطريق لقيه بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه في سبعين راكباً فأسلم هو ومن معه ، وصلوا خلفه صلاة العشاء الآخرة .
ولقيهما في بطن ريم – اسم واد – الزبير بن العوام في ركب من المسلمين كانوا قافلين من الشام ، فكساهما الزبير ثياباً بياضاً .

النزول بقباء :
وفي يوم الإثنين – الثامن من شهر ربيع الأول سنة 14 من النبوة – وهي السنة الأولى من الهجرة – نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء .
وكان أهل المدينة حينما سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجون كل غداة إلى الحرة ، حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوماً بعد طول الإنتظار ، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معشر العرب ‍ ! هذا جدكم – أي حظكم – الذي تنتظرون ، فثار المسلمون إلى السلاح ، وسمعت فيهم الوجبة والتكبير فرحاً بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا للقائه بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف بقباء .
ولما نزل بقباء جلس صامتاً ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر رضي الله عنه ظناً منه أنه هو الرسول صلى الله عليه وسلم لظهور الشيب في شعره – حتى أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم – الشمس ، فظلل عليه أبو بكر بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم ، وقيل على سعد بن خيثمة ، ومكث بها أربعة أيام ، أسس أثناءها مسجد قباء ، وصلى فيه ، فلما كان اليوم الخامس – يوم الجمعة – ركب بأمر الله ، وأبو بكر ردفه ،وأرسل إلى أخواله بني النجار ، فجاءوا متقلدين السيوف ،فسار نحو المدينة ، وهم حوله وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فجمع بهم في بطن الوادي ، وهم مائة رجل
الدخول في المدينة :
ثم اتجه نحو المدينة ، وقد زحف الناس للإستقبال ، وارتجت البيوت والسكك بالتحميد والتقديس ، وخروج النساء والصبيان والولائد يقلن :
طلــع البــدر علينــا مــن ثنيــات الــوداع
وجــب الشكــر علينـا مــا دعــــا للـه داع
أيهــاالمبعــوث فينــا جئــت بالأمــر المطــاع
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام ناقته يقولون : هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة ، فكان يقول لهم : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فلما وصلت الناقة إلى موضع المسجد النبوي بركت ، فلم ينـزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً ، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول فنـزل عنها ، فجعل الناس يكلمونه في النـزول عليهم ، وبادر أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فأدخل رحله في بيته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المرء مع رحله ، وأخذ أسعد بنزرارة بزمام راحلته فكانت عنده .
وسابق سراة الأنصار في استضافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت الجفان تأتيه منهم كل ليلة ، فما من ليلة إلا وعلى بابه الثلاث أو الأربع منها .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:52 AM.