اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 27-11-2012, 04:54 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي







رد مع اقتباس
  #62  
قديم 28-11-2012, 02:05 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي كمال أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم







لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة، ومثالاً يُحتذى به في كل شيء، فكانت أخلاقه مثالاً للفرد والجماعة، ودليلاً أكيدًا على نُبُوَّته صلى الله عليه وسلم؛ فقد استطاع بالمنهج الربَّاني الذي أُوحي إليه أن يبني أُمَّةً مِن لا شيء، وأن يُقيم حضارة استحال على الزمان أن يجود بمثلها، هذه الحضارة بُنِيَتْ دعائمها على الأخلاق؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ"(1).
ويكفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم شرفًا أن الله سبحانه وتعالى قد شهد له بعظمة الأخلاق، فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. وهذه الشهادة الكبرى من الله عز وجل في حقِّ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم - دليلٌ على أن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كانت عظيمة منذ خلقه الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك اشتهر بين قومه بـ"الصادق الأمين"، ولم يجرؤ أحد منهم على وصفه بالكذب أو الخيانة، بل افتروا وسائل أخرى لصدِّ الناس عنه؛ كالجنون والسحر وغير ذلك..
ولم يكن وصف الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بعظمة الأخلاق وصفًا لحاله صلى الله عليه وسلم فقط، بل إشارة منه سبحانه وتعالى إلى أن الأخلاق الحسنة لا تجامع الجنون أو السحر أو غير ذلك مما افتروه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كلمَّا كان الإنسان أحسن خُلُقًا، كان أبعد ما يكون عن الجنون(2).
ولقد انبهر الكثيرون -أعداؤه قبل أصحابه- بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت سببًا في إسلام بعضهم، فلننظر إلى ملك عُمَان المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الجُلَنْدى(3)؛ الذي انبهر بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: "والله لقد دلَّني على هذا النبيِّ الأُمِّيِّ أنه لا يأْمُرُ بخير إلاَّ كان أوَّل آخذ به، ولا يَنْهَى عن شيء إلاَّ كان أوَّل تارك له، وأنه يَغْلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي"(4).
ومن عظمة أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنها متكاملة ومتكافئة؛ بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فكان صبره صلى الله عليه وسلم مثل شجاعته، وأمانته مثل كرمه، وصدقه مثل حلمه.. وهكذا لا نجد له صلى الله عليه وسلم خُلُقًا في موضعه من الحياة يزيد وينقص على خُلُق آخر في موضعه، وهذا التكافؤ الخُلُقِيّ لم تعرفه الحياة الواقعية لإنسان غير محمد صلى الله عليه وسلم(5)؛ لذلك قال الشاعر الألماني جوته: "بحثتُ في التاريخ عن مَثَلٍ أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم"(6).
وكان القرآن الكريم هو المنبع الرئيسي الذي استمدَّ منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أخلاقه، فأضفى على كماله الخُلُقي كمالاً، وعلى جميل أدبه جمالاً، وذلك بتوجيهه لكل خير، وإرشاده لكل معروف، حتى أصبح صلى الله عليه وسلم كأنه قرآن يمشي على الأرض في أفعاله وأقواله؛ لذلك قالت أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها -عندما سألها سعد بن هشام بن عامر رضي الله عنه عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم-: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإنَّ خُلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن(7). وفي رواية أخرى قالت عائشة رضي الله عنها: "كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين اقرأ: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]. حتى بلغ العشر، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم"(8).
فما أدقّ وصف أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم!
كما كانت رؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لطبيعة الإسلام رؤية مبنيَّة على مكارم الأخلاق، وهذا ما فهمه العرب منذ بداية دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فعندما عرض محمد صلى الله عليه وسلم نفسه -مثلاً- على وفد بني شيبان بن ثعلبة -وكان في القوم مفروق بن عمرو، والمثنى بن حارثة، وهانئ بن قبيصة، والنعمان بن شَرِيك- فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]، فقال مفروق: ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فقال مفروق: دعوتَ والله يا قرشي إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، ولقد أُفِكَ(9) قومٌ كذبوك وظاهروا عليك(10).
ولقد ظهر تعظيمه صلى الله عليه وسلم للأخلاق في كثير من كلماته وأحاديثه، فها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول معلِّمًا لأصحابه: "إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ"(11).
ولم تكن هذه الأخلاق مقصورة على قوم دون آخرين أو طائفة دون طائفة، بل ظهرت واضحة جليّة في كل تعاملاته؛ فقد كان كثير المخالطة لأصحابه، لم يعتزل عنهم أبدًا، كان يُجالس الفقراء، ويرحم المساكين، وتسير به الأَمَة في شوارع المدينة أينما شاءت، وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويزور أصحابه في بيوتهم، ويزورونه في بيته، وهو في كل ذلك دائم الابتسامة، منبسط الأسارير، متهلِّل الوجه، وكان رحيمًا بأُمَّته تمام الرحمة، ما خُيِّر بين أمرين إلاَّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعدَ الناس عنه، وكان كثير العفو حتى عَمَّن ظلمه وبالغ في ظلمه.
كما كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة في بيته، وفي تعامله مع غير المسلمين في مجتمعه، بل وتميز -أيضًا- صلى الله عليه وسلم بمعامله أعدائه ومبغضيه بكل رفق وأناة، وقد شهد بحسن خلقه أبو سفيان قبل أن يُسلم وهو زعيم المشركين، فقال عند إسلامه: "والله إنك لكريم، ولقد حاربتك فنعم محاربي كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، فجزاك الله خيرًا"(12).
وبعدُ، فإننا لن نستطيع أن نستقصي أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في صفحات قليلة، فقد كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم محطَّ إعجاب كثير من المسلمين وغير المسلمين، فها هو ذا المستشرق البريطاني وليم موير(13) (1819-1905م)، يصف حياته صلى الله عليه وسلم قائلاً:
"كانت السهولة صورة من حياته كلها، وكان الذوق والأدب من أظهر صفاته في معاملته لأقلِّ تابعيه؛ فالتواضع، والشفقة، والصبر، والإيثار، والجُود صفات ملازمة لشخصه، وجالبة لمحبَّة جميع مَنْ حوله، فلم يُعرَف عنه أنه رفض دعوة أقلِّ الناس شأنًا، ولا هديةً مهما صغرت، وما كان يتعالى ويبرز في مجلسه، ولا شعر أحد عنده أنه لا يختصُّه بإقبال وإن كان حقيرًا، وكان إذا لقي مَنْ يفرح بنجاحٍ أصابه أمسك يده وشاركه سروره، وكان مع المصاب والحزين شريكًا شديدَ العطف، حَسَنَ المواساة، وكان في أوقات العسر يقتسم قُوتَهُ مع الناس، وهو دائم الاشتغال والتفكير في راحةِ مَنْ حوله وهناءتهم"(14).
هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي نفخر به، وتفخر معنا البشريَّة كلها؛ فقد كان حقًّا خُلُقه القرآن.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 28-11-2012, 02:08 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي الكرم في حياة رسول الله





الإسلام دين يقوم على الكرم والعطاء؛ لذلك وصف الله نبيَّه بالكرم والجود، فقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40، 41]. فكان وصف الله تعالى له بالكرم دون غيره من أخلاقه العظيمة؛ لأن كل تلك الأخلاق مندرجة فيه، فأخلاقه كلها عظيمة كريمة، قائمة على الكرم والبذل والسخاء، وهو ما كان معروفًا به من قبل أن يأتيه وحي السماء.

وصف كرم رسول الله

ها هي ذي خديجة -رضي الله عنها- تصف كرم رسول الله بقولها: "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ[1]، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ"[2]. فهذه الأخلاق كلها ناشئة عن بالغ الكرم وعظيم الجود؛ إذ هي كلها تعني البذل والعطاء.

كما وصف عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- كرم رسول الله فقال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"[3].

حث رسول الله أصحابه على الكرم

لو تأمَّلنا في سيرة رسول الله بعد البعثة لوجدناه دائمًا يحثُّ الصحابة على الإنفاق والكرم، فالكرم طريق السعة، والسخاء سبب النماء؛ لذلك قال النبي لصحابته ومِنْ بعدهم أُمَّتَه تعليمًا لهم وتربية لنفوسهم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"[4].

الكرم في حياة رسول الله

لقد كانت حياة رسول الله كلها كذلك تطبيقًا عمليًّا لما يؤمن به ويقوله، فنَعِمَ المسلمون في ظلِّ تعاليمه بالأمن والأمان، وصور كرم رسول الله كثيرة، فيُروى عن سهل بن سعد، أنه قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي بِبُرْدَةٍ، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه. فأخذها النبي محتاجًا إليها فَلَبِسَهَا، فرآها عليه رجلٌ من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فَاكْسُنِيهَا. فقال: "نَعَمْ". فلمَّا قام النبي لاَمَهُ أصحابه، قالوا: ما أحسنْتَ حين رأيتَ النبي أخذها محتاجًا إليها ثم سألتَه إيَّاها، وقد عرفتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فيمنعه. فقال: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حين لبسها النبي ؛ لعلِّي أُكَفَّن فيها. وفي رواية قال سهل: فكانت كفنه[5].

ومن خلال هذا الموقف ندرك معنى حديث جابر : "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ"[6]. إذ هو برهان عملي على عدم ردِّ رسول الله في أشدِّ الحاجة إلى ما يُطْلَبُ منه. للسائلين، وإن كان

وضرب رسول الله القدوة والمثل في الكرم والعطاء فقد جاءه مالُ البحرين -وكان أكثر ما أُتي به رسول الله - فقال : "انْثُرُوهُ[7] فِي الْمَسْجِدِ"[8]. فكان رسول الله دائمًا ما يبدأ بالعطاء قبل السؤال، وكان يسعد غاية السعادة بهذا الكرم والعطاء؛ لذلك كان رسول الله يقول: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ: هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا. عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ..."[9].

الكرمفكان جوده وكرمه سببًا من أسباب إسلام الكثيرين؛ لأنه كان يُعطي عطاء مَنْ لا يخشى الفقر، فعن أنس قال: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ"[10].

ومن صور كرم رسول الله أن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ ابن عفراء -رضي الله عنها- قالت: أتيت رسول الله بِقِنَاعٍ[11] من رُطَبٌ، وَأَجْرٍ من قثَّاءٍ زُغْبٍ[12]، فأعطاني ملء كفه حليًّا. أو قالت: ذهبًا. وَقَالَ: "تَحَلَّيْ بِهَذَا"[13]. وهذا دليل على مبلغ كرمه ؛ حيث يجود النبي بكل ما أتى إليه من مال على المؤمنين رغم كونه يقبَل هذه الهدية المتواضعة من امرأة مسلمة ويكافئُها عليها تلك المكافأة العظيمة. فقيرًا لا يملك شيئًا من المال، بل إنه

كما كان رسول الله حريصًا كل الحرص على الكرم والعطاء، حتى قبل وفاته وهو على فراش الموت! فقد بلغ بهذا الفعل درجة من الكرم لا يدانيها كرم أحد في العالمين، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: اشتدَّ وجع رسول الله وعنده سبعة دنانير أو تسعة، فقال: "يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟" فقلتُ: هي عندي. قال: "تَصَدَّقِي بِهَا". قالت: فشُغِلْتُ به، ثم قال: "يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟". فقلت: هي عندي. فقال: "ائْتِنِي بِهَا". قالت: فجئتُ بها، فوضعها في كفِّه، ثم قال: "مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ أَنْ لَوْ لَقِيَ اللهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ؟"[14].

ثم ها هي ذي أمُّ سلمة -رضي الله عنها- تدخل عليه فتجده وهو ساهم الوجه، فقالت: فحسبت أن ذلك من وجعٍ، فقلت: يا رسول الله، ما لك ساهم الوجه؟ فقال: "مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُتِينَا بِهَا أَمْسِ، أَمْسَيْنَا وَهِيَ فِي خُصْمِ[15] الْفِرَاشِ"[16]. وفي رواية: "أَتَتْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهَا"[17].

كرم رسول الله يوم حنين

كرم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنينومن أجمل المواقف التي نختم موقفه يوم حنين، والذي يدلُّ دلالة واضحة على عظيم كرم رسول الله ؛ فقد غنم هو أصحابه مغانم -في هذا اليوم- فاقت الوصف، حتى إن جُبير بن مطعم أثناء عودته من حنين قال: عَلِقَتْ[18] رسولَ الله الأعراب يسألونه، حتَّى اضطرُّوه إلى سَمُرَةٍ[19]، فَخَطِفَتْ رداءه، فوقف رسول الله ، فقال: "أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً، وَلاَ كَذُوبًا، وَلاَ جَبَانًا"[20]. الذي رافق النبي

فلم يكتنز رسول الله هذه الأموال لنفسه، ويوزع الفتات القليل منها على جنوده، ولكنه r يعلم جيدًا أن المال وسيلة وليست غاية، فاستخدمه في تأليف قلوب زعماء مكة كأبي سفيان، وحكيم بن حِزام، والحارث بن هشام أخو أبي جهل، والنضير بن الحارث أخو النضر بن الحارث شيطان قريش المعروف، والذي كان من ألدِّ أعداء الرسول ، وكما أعطى زعماء القبائل من الأعراب كعُيينة بن حصن زعيم قبيلة بني فزارة، والأقرع بن حابس زعيم بني تميم[21]؛ فكان جوده وكرمه سببًا من أسباب رسوخ الإسلام في قلوب هؤلاء، وغدت كلمة أنس خير دليل على حالهم: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلاَّ الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها"[22].

_____________________________________

[1] الكَلّ: هو مَنْ لا يستقلّ بأمره، أي تحمل الثِّقْل من كل ما يُتكلَّف، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/24، وابن منظور: لسان العرب، مادة كلل 11/590.

[2] البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (3)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله (160).

[3] البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (6)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب كان النبي أجود الناس بالخير من الريح المرسلة (2308).

[4] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى..." (الليل: 5-10) (1374)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (1010).

[5] البخاري: كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (5689)، وكتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع (1987)، وابن ماجه (3555)، وأحمد (22876).

[6] البخاري: كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (5687)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: "لا". وكثرة عطائه (2311).

[7] انثروه أي: صُبُّوه. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/517.

[8] البخاري عن أنس: أبواب المساجد، باب القسمة وتعليق القبو في المسجد (411)، والبيهقي في السنن الكبرى (12807).

[9] البخاري عن أبي ذرٍّ: كتاب الرقاق، باب قول النبي : "ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبًا" (6079).

[10] مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: لا. وكثرة عطائه (2312)، وأحمد (12813)، وابن حبان (6373)، والفاقة: الفقر والحاجة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة فوق 10/315.

[11] القناع: الطبق الذي يؤكل عليه الطعام، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادَّة قنع 8/297.

[12] الأجر: جمع جرو الصغير من القثاء، والزغب جمع أزغب وهو صغار الريش أول ما يطلع، شبه به ما على القثاء من زغب، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادَّة زغب 1/450.

[13] أحمد: (27065)، والترمذي: الشمائل المحمدية (201)، وإسحاق بن راهويه (2036)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني واللفظ له وأحمد بنحوه وزاد فقال: "تحلى بهذا". وإسنادهما حسن. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 4/59.

[14] ابن حبان: كتاب الرقائق، باب الفقر والزهد والقناعة (715)، وأحمد (24604) وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. ومصنف ابن أبي شيبة 8/134، 135، والطبري: تهذيب الآثار (2485).

[15] خُصْمُ الفراش: طرفه وجانبه، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادَّة خصم 12/180.

[16] أحمد (26557)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. وابن حبان (5160)، وأبو يعلى (7017).

[17] أحمد (26714)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.

[18] عَلِقَتْ به الأعراب أي: لزموه. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/159، وابن منظور: لسان العرب، مادة علق 10/261.

[19] السمرة: شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/254.

[20] البخاري عن عمرو بن شعيب: كتاب الخمس، باب ما كان للنبي يعطي المؤلفة قلوبهم (2979)، والنسائي (3688)، وابن حبان (4820)، والموطأ برواية يحيى الليثي (977).

[21] انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 4/286، وتفسير ابن أبى حاتم 6/1822، 1823، والطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/175، وابن كثير: البداية والنهاية 4/360.

[22] مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: "لا"... (2312)، وأبو يعلى (3750).
رد مع اقتباس
  #64  
قديم 28-11-2012, 02:15 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي






رد مع اقتباس
  #65  
قديم 28-11-2012, 02:20 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي











رد مع اقتباس
  #66  
قديم 28-11-2012, 02:23 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي اعرف نبيك صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أوضح لنا سبيل الهداية، وأزاح عن بصائرنا ظلمة الغواية، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد..
أيها المسلمون، إن من خير ما بذلت فيه الأوقات، وشغلت به الساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة، والأيام المحمدية الخالدة، فهي تجعل المسلم كأنه يعيش تلك الأحداث العظام التي مرت بالمسلمين، وربما تخيل أنه واحد من هؤلاء الكرام البررة التي قامت على عواتقهم صروح المجد ونخوة البطولة.
وفي السيرة يتعرف المسلم على جوانب متعددة من شخصية النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه في حياته ومعيشته، ودعوته في السلم والحرب.
وفيها أيضًا: يتلمس المسلم نقاط الضعف والقوة؛ وأسباب النصر والهزيمة، وكيفية التعامل مع الأحداث وإن عظمت.
وبدراسة السيرة النبوية يستعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم، ويوقنون بأن الله معهم وناصرهم، إن هم قاموا بحقيقة العبودية له، والانقياد لشريعته: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]. {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].
وهذه عبارة عن رءوس أقلام وجمل يسيرة في سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، قصد بها فتح الطريق أمام ناشئة المسلمين وشبيبتهم لدراسات أعمق لهذه السيرة النبوية الخالدة. قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29].
نسب النبي صلى الله عليه وسلم:
هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن عبد مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو المتفق عليه في نسبه صلى الله عليه وسلم، واتفقوا أيضًا أن "عدنان" من ولد إسماعيل عليه السلام.
أسماء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن جبير بن مطعم أن الرسول قال صلى الله عليه وسلم قال: «إن لي أسماء، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد» (متفق عليه). وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة» (مسلم).
طهارة نسب النبي:
اعلم -رحمني الله وإياك- أن نبينا المصطفى على الخلق كله قد صان الله أباه من زلة الزنا، فولد صلى الله عليه وسلم من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح؛ فعن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (مسلم).
وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "هو فينا ذو نسب. فقال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها" (البخاري).
ولادة النبي صلى الله عليه وسلم:
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر. قال ابن كثير: والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعًا.
قال علماء السير: لما حملت به آمنة قالت: ما وجدت له ثقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.
وفي حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام» (أحمد والطبراني).
وتوفي أبوه وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر، وقيل بسنة، والمشهور الأول.
رضاعه صلى الله عليه وسلم:
أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أيامًا، ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحوًا من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.
ثم ماتت أمه بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربّه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال: «زوروا القبور؛ فإنها تذكر بالموت» (مسلم). فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جدّه عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة، مع أنه كان مستمرًّا على شِركه إلى أن مات، فخفّف الله بذلك من عذابه كما صحّ الحديث بذلك.
صيانة الله تعالى له من دنس الجاهلية:
وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلُقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين؛ لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى إنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: جاء الأمين. فرضوا به، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم. (أحمد والحاكم وصححه).
زواج النبي صلى الله عليه وسلم:
تزوجته خديجة وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها.
وماتت خديجة -رضي الله عنها- قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة -رضي الله عنها- تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة، ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بكرًا غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، ثم تزوج أم حبيبة -رضي الله عنها- واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان.
وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم:
كل أولاده من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.
فالذكور من ولده: القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أيامًا يسيرة، والطاهر والطيب.
وقيل: ولدت له عبد الله في الإسلام فلُقّب بالطاهر والطيب. أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين، ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر.
بنات الرسول صلى الله عليه وسلم:
زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب فأنجبت له الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان بعد رقية رضي الله عنهن جميعًا. قال النووي: فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاثة على الصحيح.
مبعث النبي صلى الله عليه وسلم:
بعث صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه.
فلما نزل عليه الملك قال له: اقرأ.. قال: لست بقارئ. فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ.. فقال: لست بقارئ (ثلاثًا). ثم قال: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة -رضي الله عنها- يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: "أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر".
ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئًا، فاغتمَّ لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشّره بأنه رسول الله حقًّا، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني.. دثروني. فأنزل الله عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 1-4]. فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفًا مطاعًا فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما يعلمون من محبته له.
قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} [الحجر: 94] فأعلن الدعاء، فلما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: «يا صباحاه»! فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبًّا لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إلى آخر السورة (متفق عليه).
صبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى:
ولقي صلى الله عليه وسلم الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة؛ فرارًا من الظلم والاضطهاد فخرجوا.
قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع فيه حياته، وروى أبو نعيم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما مات أبو طالب تجهَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا عم، ما أسرع ما وجدت فقدك».
وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجدًا، حتى جاءت "فاطمة" فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ: «اللهم عليك بالملأ من قريش». وفي أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يومًا بمنكبه، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال: أت***ون رجلاً أن يقول ربي الله؟!
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بقومه:
فلما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرّر الرجوع إلى مكة. قال: «انطلقت -يعني من الطائف- وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب -ميقات أهل نجد- فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلان بمكة-». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» (متفق عليه).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: «من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي».
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر، فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية وكانت سرًّا، فلما تمت، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثًا، وعني أمرهم على قريش، ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله.
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون! لَيهلكُنَّ. فأنزل الله عز وجل: {أُذِنَ للَّذينَ يُقَاتَلوُنَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]. وهي أول آية نزلت في القتال. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعًا وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعثَ ستًّا وخمسين سرية.
حج النبي صلى الله عليه وسلم واعتماره:
لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع. فالأولى عمرة الحديبية التي صدّه المشركون عنها، والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته.
صفة النبي صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون -أي أبيض بياضًا مشربًا بحمرة- أشعر، أدعج العينين -أي شديد سوادهما- أجرد -أي لا يغطي الشعر صدره وبطنه-، ذو مَسرُبه -أي له شعر يكون في وسط الصدر والبطن-.
أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعًا، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: {إنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم: 4]. وكان أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعًا، وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان يأكل ما وجد، ولا يردُّ ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئًا ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته نار، وكان يجالس الفقراء والمساكين، ويعود المرضى، ويمشي في الجنائز.
وكان يمزح ولا يقول إلا حقًّا، ويضحك من غير قهقهة، وكان في مهنة أهله، وقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (الترمذي وصححه الألباني). قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا!!".
وما زال يلطف بالخلق ويريهم المعجزات، فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.
فضل النبي صلى الله عليه وسلم:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة» (متفق عليه). وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة». وفي أفراده من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفع».
عبادته ومعيشته صلى الله عليه وسلم:
قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك. فقال: أفلا أكون عبدًا شكورًا" (متفق عليه). وقالت: وكان مضجعه الذي ينام عليه في الليل من أَدَم محشوًّا ليفًا!! وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلتَوي ما يجد دِقْلاً يملأ بطنه -والدقل رديء التمر-!! ما ضره من الدنيا ما فات وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفقنا الله لطاعته، وحشرنا على كتابه وسنته.. آمين، آمين.
من أهم الأحداث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
الإسراء والمعراج: وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة.
السنة الأولى: الهجرة - بناء المسجد - الانطلاق نحو تأسيس الدولة - فرض الزكاة.
السنة الثانية: غزوة بدر الكبرى، وفيها أعز الله المؤمنين ونصرهم على عدوهم.
السنة الثالثة: غزوة أحد وفيها حدثت الهزيمة؛ بسبب مخالفة تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ونظر الجنود إلى الغنائم.
السنة الرابعة: غزوة بني النضير، وفيها أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير عن المدينة؛ لأنهم نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين.
السنة الخامسة: غزوة بني المصطلق وغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة.
السنة السادسة: صلح الحديبية، وفي هذه السنة حُرّمت الخمر تحريمًا قاطعًا.
السنة السابعة: غزوة خيبر، وفي هذه السنة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مكة واعتمروا، وفيها أيضًا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حُيَيّ.
السنة الثامنة: غزوة مؤتة بين المسلمين والروم، وفتح مكة وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف.
السنة التاسعة: غزوة تبوك وهي آخر غزواته، وفي هذه السنة قدمت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وسمِّي هذا العام عام الوفود.
السنة العاشرة: حجة الوداع، وحج فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم.
السنة الحادية عشرة: وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول مع اختلافٍ في تحديد هذا اليوم من الشهر. وتوفي وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبيًّا رسولاً، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين بالمدينة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر والمراجع:
- تهذيب الأسماء واللغات للنووي.
- التبصرة والحدائق لابن الجوزي.
- زاد المعاد لابن القيم.
- السيرة النبوية للذهبي.
- جوامع السيرة النبوية لابن حزم.
- الفصول في سيرة الرسول لابن كثير.
- صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي.
رد مع اقتباس
  #67  
قديم 28-11-2012, 02:27 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 28-11-2012, 06:38 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 28-11-2012, 06:44 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي محمد صلى الله عليه وسلم .. الإنسان الرقيق

من أهم الجوانب المثيرة للاهتمام بقوة في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان إنسانًا رقيقًا مرهف الإحساس، وعرفت عنه هذه الرقة على مدار حياته، مارسها بعفوية تؤكد أنها جزء أصيل في مكونه النفسي، وأنها ليست ناتجة عن افتعال أو تكلف.
ولن نتفهم روعة الرقة في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا إذا أدركنا أن هذه الصفة كانت تحسب سلبًا على الشخصية العربية في المجتمع العربي قبل الإسلام، الذي لم يكن مجتمعًا حقيقيًّا وفقًا للمعايير المجتمعية، فهو يتمثل في قبائل متناثرة معزولة عن العالم الخارجي الذي لا يربطه به سوى رحلات تجارية موسمية، أو رحلات علمية فردية نادرة، وليس له قانون ثابت موحد، وإنما تغلب عليه فلسفة القوة وثقافة ال***.
ومن الطبيعي في مثل هذه البيئة الإنسانية أن يصبح دور الرجل الضعيف والمرأة مهمشًا وغير فاعل؛ لأن الجدارة المواطنية تعتمد على القوة القتالية اللازمة لحماية الديار، أو حراسة القوافل التجارية، أو الكر والفر، والترحال المتواصل وراء الماء والمرعى.
وقد أثارت رقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعض معاصريه من العرب، كما حدث مع الأقرع بن حابس وهو رجل من أهل نجد عندما دخل عليه ورآه يقبِّل حفيده الحسن بن علي، فتعجب من ذلك وأخبره بأن له عشرة من الولد ما قبل منهم أحدًا، فيأتي تعليق النبي محمد صلى الله عليه وسلم على قوله بردّ هذه الرقة إلى رحمة الله تعالى، ووجّهه إلى أن يكون رحيمًا، وأن رحمة الله بالناس مرهونة على رحمتهم بأنفسهم، وساق هذه الحكمة الإنسانية في جملة بليغة: «من لا يرحم لا يرحم».
ولم تكن تلك الرحمة خاصة بحفيده الذي يحبه فقط، فالشمائل الأصيلة لا تتجزأ، ولكنها تجري كنهر رائق في مجراه التاريخي بلا كدر، فكان إذا مرَّ على صبية يلعبون سلم عليهم وداعبهم.
بل إن جسامة مسئولياته وتنوع همومه لم تمنعه من مواساة طفل صغير رآه حزينًا لموت عصفوره، فيلاطفه بكنيته ويسأله: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟».
وذات الرقة مع الأطفال، تتجلى فيه وهو في ساحة القتال، قائدًا مظفرًا له الكلمة العليا، فموقفه من الأسرى المحاربين، وهو في قمة نشوة الانتصار على عدوِّه اللدود قريش التي آذته وحاصرته وكافحت ل***ه والقضاء على دعوته حتى هاجر من قريته مكرهًا. ففي أول انتصار حاسم له عليها، لم يظهر أبدًا كقائد عسكري يعبر عن قوته بإراقة الدماء، والتنكيل بالعدو المنهزم، ولكنه عبّر بتلقائية عن سموّ نفسه، ورقي إنسانيته.
فبعدما استشار أصحابه في موقفهم من الأسرى، اختار أن ينحاز لقبول الفداء منهم، أو العفو عنهم مقابل أن يعلم كل أسير منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، بل إنه بادر بطلب إجراء تبادل للأسرى مع أعدائه ليعيد إليهم جارية وابنتها وقعتا في سهم صاحبه سلمة بن الأكوع.
وهل عرفت البشرية قائدًا عسكريًّا منتصرًا يتحلى برقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
وأيّ قائد عسكري هذا الذي يلفت نظره مشهد امرأة في الأسر تبحث بلهفة عن ولدها الذي فارقها حتى عثرت عليه فألزقته ببطنها وأرضعته، ولفت نظر أصحابه إليها، واتخذ من رحمتها بولدها درسًا تربويًّا لهم؟
وفي نصره الأكبر، عندما دخل مكة فاتحًا منتصرًا بعدما انكسر أعداؤه من قريش واستسلموا له، دخلها متواضعًا، مطأطئ الرأس، بلا أقواس نصر، بلا انتقام أو إراقة دماء، وأصدر عفوه الشامل عن أعدائه المستسلمين ببساطة وبلا شروط.. «لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وبعد فتح خيبر مر صاحبه بلال بن رباح بامرأتين من أسرى الحصن على ***اهم، فصاحت إحداهما وحثت على رأسها التراب، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: «أنزعت منك الرحمة يا بلال، حين تمر بامرأتين على ***ى رجالهما؟».
ووصايا النبي محمد صلى الله عليه وسلم تنبع من رقيِّه الإنساني في الحرب كما في السلم سواء بسواء.
وهل عرف التاريخ قائدًا عسكريًّا يقود جيوشه المنتصرة دائمًا بهذه الروح الإنسانية السامية؟
فالحرب في دين محمد لا تستهدف ال***، ولا تبتغي فرض الإرادة على الآخر، ولكنها دفع إنساني لإزالة الطغاة الذين يحولون بين الناس وحقهم في الاختيار الحر لقيم حياتهم، ونمط سلوكهم؛ لهذا جاءت أوامره لجيوشه صريحة في النص على حرمة التعرض لغير المقاتلة: «‏اغزوا باسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا ت***وا وليدًا ولا امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء‏».‏‏
وهو الحاكم الذي يؤمن أتباعه بأن طاعته طاعة لله، ومخالفته توجب العذاب وتجلب سخط الله، ورغم هذا تأتيه الجارية فتأخذ بيده فلا يمتنع منها حتى يقضي لها حاجتها، ويعينها على أمرها الذي أعجزها، ويداعب المرأة العجوز، ويلاعب الأطفال الصغار، ويحمل حفيديه فوق ظهره ويمشي بهما على أربع، ويرقّ لبكاء طفل فيرحم قلب أمه ويتجوّز في صلاته، ولا يرفع رأسه من سجوده حتى ينزل حفيده الذي اعتلاه.
وعند فتح مكة يأتيه صاحبه أبو بكر بأبيه الذي كان لا يزال على شركه طمعًا في إسلامه، وكان أبوه طاعنًا في السن، فينظر الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ويقول: «هلاّ تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟».
كما أن محمدًا النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمتع بأبهة السلطة، ولم يستثمر حب المسلمين الجارف له لحيازة متع شهوانية، فكان يخصف نعله بيده، ويرقع ثوبه بيده، ويحلب شاته بذاته، ويعاون أهله في مهنتهم، ويخدم نفسه بنفسه.
ويدخل عليه رجل فيهابه وترتعد فرائصه، فيهدئ من روعه ويسكنه، ويقول له: «هوِّن عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد».
وهو المربي العظيم الذي يحمل عبء الانتقال بالإنسان من صحراء الجاهلية إلى واحة الإيمان، فيأتي إدراكه لحقوق الفئات الضعيفة في المجتمع ليعبر تعبيرًا صادقًا عن عظمته الإنسانية التي لم تتألق في مجتمعه العربي القديم فحسب، وإنما ما زالت متوهجة في سماء الإنسانية إلى يومنا هذا.
فهو ينهر أحد أصحابه لأنه سبّ رجلاً أسود وعيره بسواد أمه وينسب فعله العنصري إلى الجاهلية، ويطرح الفهم الراقي لطبيعة العلاقة بين الطبقات الاجتماعية المتفاوتة، ويؤكد على وجوب الإحسان إلى الفئات الاجتماعية الضعيفة ماديًّا كالخدم والعمال، ويعبر عنهم بلفظ الإخوة، وأن الله خوَّلهم أن يكونوا تحت أيديهم، ويصدر توجيهه الإنساني الراقي: «فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم».
ولم تقتصر رقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على البشر فحسب، بل تجاوزته إلى الحيوانات العجماء التي تعجز عن التعبير عن آلامها وحاجاتها، فهو يحض أتباعه على الرفق بالحيوان، فيقص عليهم قصة الرجل الذي رحم كلبًا عطشان فسقاه، فغفر الله له بذلك وأدخله الجنة.
ويرهبهم من إيذاء الحيوان والإضرار به، ويربط ذلك الفعل المشين بنار جهنم، فيروي لهم خبر المرأة التي دخلت النار؛ لأنها حبست هرَّة فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها لتبحث عن طعامها.
ونهى عن تحميل الدواب فوق طاقتها، وأمر برحمتها والإحسان إليها.
ولم تقتصر رقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته بالحيوان في حياته فحسب، وإنما جاءت وصاياه لتعبر بدقة عن أصالتها في نفسه، فهو ينهى أصحابه عن *** دوابهم أمام القطيع، فالأم لا ت*** أمام ابنتها، والبنت لا ت*** أمام أمها، كما أمرهم بأن يحسنوا إلى ذبائحهم عند ال*** ولا يكونوا قساة، فيسببوا لها عذابًا أو إيلامًا، ويخبرهم بأن هذا أمر من الله تعالى: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ***تم فأحسنوا ال***ة، وإذا ***تم فأحسنوا ال***، وليحدّ أحدكم شفرته فليرح ذبيحته».
ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم كان في حياته الخاصة إنسانًا عبقريًّا بكل المقاييس، فقد تزوج بالعديد من النساء اللاتي يتباينّ في المرحلة العمرية، فمنهن التي تكبره سنًّا كخديجة وسودة بنت زمعة، والصغيرة كعائشة.
والخلفية الثقافية والدينية، فمنهن من نشأت يهودية كصفية وجويرية، ومن نشأت نصرانية كمارية، وغالبيتهن تربين في البيئة العربية المشركة.
كما أنهن تفاوتن في المستوى الاجتماعي والجمالي، وكان القاسم المشترك الأبرز الذي جمعهن أنهن جميعًا أحببنه حبًّا جمًّا.
والمجتمع العربي الذي توأد فيه البنات تحاشيًا لوقوعهن في الفاحشة، أو سقوطهن في الأسر فيصبحن جواري مسترقة.
في هذه البيئة نجد محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو النبي والزعيم يعبر عن حبِّه لعائشة بين أصحابه بلا حرج، فعندما سأله أحد أصحابه: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة». فقال: من الرجال؟ فقال: «أبوها».
واللطيف أنه لم يقل: أبو بكر، وإنما نسبه إليها.
وتوجه إليها ذات ليلة بقوله: «أستأذن منك لأخلو بربي». قالت: والله يا رسول الله إني لأحب قربك وأوثر هواك.
والتاريخ يكاد يجمع على تلازم ال*** أو الغلظة بشخصية الملوك والحكام والقادة العسكريين، إلا أن شخصية محمد كانت متفردة بجوانبها المعجزة.
والقرآن الكريم يكشف لنا طرفًا من العلاقة الخاصة بينه وبين نسائه عندما دفعت الغيرة بعضهن إلى التآمر عليه، فاتفقن على أن يخبرنه بأن رائحة فمه عسلاً، لتميز إحدى نسائه عليهن بتقديم العسل إليه، فما كان منه إلا أنه حرم على نفسه العسل الذي يحبه ويشربه لمجرد أن رائحته لا تعجب بعض نسائه، فلم يغضب، ولم يعاقب، ولم ير في مقولتهن إهانة له. بل إن المتأمل في الحدث يستشعر أنه تصرف معهن باعتبار أن تحريم شرب العسل على نفسه حق لنسائه اللاتي يجب عليه أن يحرص على مشاعرهن، ولو بتحريم الحلال الذي أحله الله له.
ويعلن القرآن الكريم عن عتاب الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حرم على نفسه ما أحله الله له، ويطرح ملابسات الواقعة ليتعرف الناس على جانب من أدق خصوصياته.
ولم يثبت أنه عنَّف أو ضرب أحدًا من نسائه على مدار حياته، بل كان على النقيض من ذلك تمامًا، فكان يحسن معاشرتهن، ويتودد لهن، ويداعبهن، ويسمح لهن بحضور الجموع في الأعياد ومشاهدة رياضات القوم، بل ويدخل معهن في سباق عدو.
كان هذا منذ خمسة عشر عامًا، وفي صحراء العرب الفقيرة الجاهلية، والمجتمعات المعاصرة ما زالت إلى يومنا هذا تضج بالشكوى من ال*** ضد النساء، وتتنادى مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان للتواصي بالتدابير اللازمة لحمايتهن من ال***، وتأتي المفارقة فيما أقدمت عليه مجالس البلديات في بريطانيا من إعداد ما اصطلحوا على تسميته بـ"غرف الرعب"، وهي منازل خاصة لحماية النساء من الشركاء الذين يتسمون بال***، وهذا المشروع الذي ينطوي على خَلْق غرف ذات تقنيات أمنية عالية للنساء اللاتي يقعن ضحايا لل*** المنزلي، تم تبنّيه من قِبل 120 سلطة محلية في إنجلترا و165 أخرى تخطط في هذا الاتجاه.
وتأتي شهادة نساء النبي محمد صلى الله عليه وسلم برقته معهن، لتدمغ الإنسان المعاصر بأنه يحمل رغم حضارته المادية صفات جاهلية. تقول زوجه عائشة رضي الله عنها: (ما ضرب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم اللَّه تعالى فينتقم لله تعالى).
ويوصي صاحبه أبو بكر المؤمنين بأن يقتدوا بسلوك النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، فيقول لهم: (ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته).
وقد يتمكن الإنسان من التحرز بمداراة عيوبه، والتجمل بافتعال الحسن من سلوكياته أمام الناس، لكنه يعجز عن ارتداء قناع مزيف على مدار اليوم والليلة، ومع خادمه المرافق الذي يضطلع على أدق خصوصياته.
لهذا تعتبر شهادة الفتى أنس بن مالك خادم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أصدق الوثائق الدالة على رقيّ نفسية النبي ونبل أخلاقه؛ يقول أنس رضي الله عنه: (ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟).
والمتأمل في تفاصيل حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم سيبهره أنها جاءت خالية تمامًا من ال***.
فحياة الاضطهاد والظلم التي عاناها لم تسمه بالعدوانية، ولم تفجر في داخله القسوة والرغبة الجامحة في الثأر والانتقام، وظلت شخصيته مثالاً بديعًا للإنسان السوي.
آذته قريش وأعلنت عليه الحرب، فلم تسالمه منذ أعلن دعوته على الملأ، وجهر بفكرته المغايرة لثوابت مجتمعهم.
واللافت للنظر في رد فعله تجاه هذا الإصرار على إيذائه ووأد دعوته، فرغم ممارساتهم الشيطانية التي طالت نفسه وأهله وأصحابه وجسده، كان أشد ما رد به عليهم عندما كان يمر عليهم ذات يوم في طوافه حول الكعبة وهم جلوس يسخرون منه مع كل دورة همزًا ولمزًا، فوقف قبالتهم وقال لهم: «‏أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بال***‏».فما كان منهم إلا أن قاموا إليه يسترضونه ويقرون له بخلقه وحلمه وقالوا له: (انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولاً).
وما تعرض له من إيذاء المنافقين المحسوبين على الصف المسلم، كان يقابله بالقول الطيب، والصفح الجميل، وإحسان المعاملة.
فهذا واحد منهم يأتيه ليأخذ من الصدقة ويصرخ فيه بغلظة وهو في وسط أصحابه بقوله: (يا رسول الله، اعدل) فيمنع عنه إيذاء أصحابه الذين ثاروا لسبِّه رسول الله، ويرد على القول الغليظ الخشن بقوله: «ويلك، من يعدل إذا لم أعدل؟!».
ويعترض آخر على قسمة قسمها ويصيح فيه على مسمع من أصحابه: (اتق الله يا محمد)، فيرفض أن يمسه أحد بسوء، ويخاطبه برقته المعهودة وبلهجة المعلم الرحيم: «من يطع الله إذا عصيت؟! أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني؟!‍».
وينزل عليه أعرابي ليعينه على دية قتيل فيعطيه ثم يسأله: «أحسنت إليك؟» قال الأعرابي: لا، ولا أجملت. فغضب بعض المسلمين وهمُّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال: «إنك إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك فقلت ما قلت»، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا وقال: «أحسنت إليك؟» فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي؛ حتى يذهب عن صدورهم». فقال: نعم. فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكم كان جاء فسألنا فأعطيناه فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي، كذلك يا أعرابي؟» فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا.
والإيذاء العفوي الذي أصابه من أصحابه كرفع صوتهم فوق صوته، ومناداتهم عليه بطريقة غليظة، والجلوس في حجراته وفي وجود نسائه لفترات طويلة، لم يواجهه بأمر عسكري، أو قرار سلطوي، وإنما كان متحرجًا من لفت نظرهم إليه، واستحى من مواجهتهم بما يؤذيه منهم، وظل صابرًا حتى أنزل الله تعالى جبريل؛ ليعلم أصحابه بما يؤذيه منهم، ويعلن ما يخفيه في نفسه من حرج.
إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شخصية ثرية تغري بالتأمل فيها، فهو إنسان فذّ بكافة المعايير، جدير بالوقوف في المقدمة الإنسانية.
أليس من حقه علينا كإنسان -وقد بلغنا من العلوم الإنسانية ما بلغنا- أن نتعرف عليه بمعايير علميَّة ومن وثائق التاريخ؟
إن الوقوف أمام شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم سيدفعنا حتمًا لأنْ نتساءل عن كيفية نشوء هذه الشخصية العبقرية في هذا المجتمع الجاهلي؟
أين تعلَّم محمد؟ وأين تربى على كل هذه الصفات السامية؟ ومتى استوعب فنون السياسة والدبلوماسية وقيادة الجيوش وهو مجرد تاجر أمي بسيط؟
الذي لا مراء فيه أن العقل البشري يقف منبهرًا لوجود شخصية كمحمد صلى الله عليه وسلم في البيئة العربية قبل الإسلام.
أخبر التاريخ عن عرب أفذاذ قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لكل واحد منهم تميزه في جانب من جوانب شخصيته، فمنهم شعراء وحكماء وأسخياء وقادة حربيون، ولكن في حالة محمد اجتمعت جوانب العظمة البشرية في شخصية واحدة.
إن عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم لم تنبع من شخصية إنسانية مجردة، وإنما نبعت وتفردت من كونه بشرًا يوحى إليه من الله الذي اختاره وزكاه، وعلمه ورباه، وأرسله رحمة للعالمين كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
ويمكننا أن نعالج اندهاشنا هذا بالنظر في وصف الله تعالى له بـ"رءوف رحيم".
رد مع اقتباس
  #70  
قديم 28-11-2012, 06:47 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي

رد مع اقتباس
  #71  
قديم 28-11-2012, 06:52 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي الرسول قدوتنا

لا شَكَّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم إنسان في تاريخ البشرية، وأنه تام الخَلْق والخُلُق؛ وكيف لا وقد قال فيه ربه عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وهذا الفضل له صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ».
الرسول قدوتنا
ولقد شهد لرسول الله صلى الله وسلم الجميع -مسلمون وغير مسلمين- قديمًا وحديثًا بهذه الشهادة، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر، وأَثْنَوْا على صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وما من إنسان يُمكن أن يُوضع في مقارنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو السابق في كل الأمور في التقوى والشجاعة، والجود والرحمة، والحلم والتسامح.. وكافة صنوف الأخلاق الحميدة.
ومن أجل هذا فإن الله عز وجل جعله أسوة وقدوة للناس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
فهو في الجود كان صلى الله عليه وسلم «أَجْوَدَ النَّاسِ» . وفي الإقدام والشجاعة قدوة؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «لَمَّا حَضَرَ الْبَأْسُ يَوْمَ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى المُشْرِكِينَ مِنْهُ» . وفي الوقت نفسه كان قدوة في الحِلم؛ فهو «يَسْبِقُ حُلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا» . وفي الصدق والأمانة هو الصادق الأمين.
وفي سائر الأخلاق يصفه أصحابه رضي الله عنهم بأنه صلى الله عليه وسلم «أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً ، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ : لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ».
الاقتداء بالرسول
ولأنه صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا وقدوتنا في كل أمر؛ فإنه لم يترك أمرًا من أمور الحياة كبُر أم صغُر إلَّا وأوضح لنا أصول التعامل الصحيح معه؛ لكي تستقيم خطواتنا على سبيل الشرع الإسلامي، ولا تحيد عنه فتزلّ ونهلك؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ...» .
ولِتَحَقُّق الفائدة من الأسوة والقدوة فقد أمرنا الله عز وجل أن نأخذ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي ثلاثًا وعشرين سنة، حدثت فيها جميع أجناس الأعمال التي يمكن أن تقع للإنسان والمجتمع والدولة؛ منها ثلاث عشرة في مكة حيث الكفر مسيطر على الأوضاع، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سرًّا وجهرًا، والصحابة يستخفون بإيمانهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يُقابل أصنافًا متنوِّعين من البشر؛ منهم مَنْ يرقُّ قلبه لكلام الله، ومنهم مَنْ قلبه كالحجارة، ومنهم المتردِّدُ والخائف والمنتفع الباحث عن السلطة.
دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والأطفال، وواجه ردود أفعال قريش من التكذيب إلى السخرية والاستهزاء إلى التشويش على دعوته، ثم العداء السافر بالاضطهاد والإيذاء له صلى الله عليه وسلم وال***** لأصحابه رضي الله عنهم.
وفي المدينة قام الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء دولة مختلفة الأعراق والأجناس؛ انطلاقًا من مجتمع حافل بالصراعات والمنافقين.
صاغ الرسول صلى الله عليه وسلم دستورًا للدولة، وتعامل مع الدول والقبائل، وراسل الملوك، وخاض الحروب بتوكُّل على الله عز وجل، وتخطيط مُحْكَم وإعداد شامل للقوَّة.
معاهدات الرسول
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته يحبُّ الحروب أو يشتهيها، وإنما كان يجعلها آخر الدواء؛ ومن ثمَّ حفلت حياته صلى الله عليه وسلم بكل ما يمكن أن يمنع الحرب أو يُخَفِّف وتيرتها، وكان من هذه الأمور المعاهدات والاتفاقيات.
لقد عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم في فترة رسالته كلَّ الطوائف التي يُمكن للمسلمين أن يُعاهدوها مستقبلاً؛ فقد عاهد اليهود والنصارى والمشركين؛ حتى يُعَلِّمَنَا كيف تكون المعاهدات، وما أصولها؛ مثل: كيف نصوغ المعاهدات للحفاظ على مصالح الإسلام والمسلمين، وما التنازلات التي يُمكن تقديمها لإتمام المعاهدة، وما الذي لا يُمكن التنازل عنه، ووجوب الوفاء بالمعاهدات، ومتى يمكن اعتبار المعاهدة ملغاة. كلُّ هذا علَّمه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة.
وسنجد أنه ليس هناك في مجال المعاهدات السياسية في التاريخ والحاضر أرقى من معاهداته صلى الله عليه وسلم ، ولا أكثر عدلاً وإنصافًا ووفاءً، بل وبِرًّا مع المعاهِدِين.
من هنا وجب علينا أن ندرس معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم ليَتَبَيَّن لنا وجه جديد من أنصع وجوه السيرة النبوية -وكلها ناصع- ولنقتديَ برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتنا كما أمرنا الله تعالى.
رد مع اقتباس
  #72  
قديم 29-11-2012, 04:50 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي الحوار النبوي

الحوار بين البشر هو الوسيلة الأساسية للتواصل، قبل أن يكون وسيلة تعليمية، أو غيرها؛ فالإنسان كائن مجتمعي لا يعيش إلاَّ في جماعة، ولكي يستطيع الحياة مع هذه الجماعة، ولكي يُعَبِّرَ عن احتياجاته الأساسية لا بُدَّ له من الحوار مع مَنْ حوله؛ فالطفل يحتاج إلى أن يطلب من والديه ما يُريد وهكذا.
الحوار النبوي
إنَّ المتأمِّل لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بإنصاف لَيُدركُ أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقًّا وصدقًا؛ لأنه لا يُمكن لإنسان أن يجمع في حياته وسلوكياته خلاصة الفضائل الإنسانية، وقمَّة الوسائل البشرية في التعامل مع الناس إلاَّ أن يكون نبيًّا معصومًا يُوحَى إليه.
إنَّ كلَّ متخصِّص وخبير في مجاله يستطيع أن ينهل من معين حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالداعية المصلح سيجد بُغيته، والسياسي سيتعلَّم دروسًا بليغة، والقائد العسكري سينال مطلبه، والطبيب النفسي سيتعلَّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا؟ وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21].
وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل مَنِ استخدم الحوار على الإطلاق؛ فهو صلى الله عليه وسلم يعلم وظيفة الحوار، وفوائده، وأساليبه، وآدابه، وفنونه، وقد مارسها صلى الله عليه وسلم على أحسن ما يكون طوال حياته مع المسلم والكافر، مع الرجل والمرأة، مع الشيخ والطفل على حدٍّ سواء.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم الحوار كوسيلة للتواصل والتراحم مع الآخرين..
الحوار والتواصل مع الآخرين
أمَّا التواصل فهو قيمة كبرى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالرسول -كلُّ رسول- مهمَّته الدعوة والتبليغ، ولن يستطيع أن يُؤَدِّيَ تلك المهمَّة إلاَّ إذا كان يُحَدِّث الناس ويُحَدِّثُونه، ويُحاورهم ويُحاورونه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67].
إنَّ الرسول لا يصلح أن يكون انطوائيًّا منعزلاً لا يتحدَّث إلى الناس ولا يُحاورهم، فضلاً عن أن يكون شديدًا غليظ الطبع؛ يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
فمهمَّة تبليغ الرسالة على أكمل وجهٍ، ومسئوليَّة تأليف قلوب البشر مرتبطة باعتماد الحوار وسيلة للتواصل معهم.
والحوار كذلك وسيلة للتراحم.
نعم، أقول: وسيلة للتراحم!!
فهو صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا ودودًا، وكانت رحمته هي العامل المشترك الذي يتَّضح من خلال كل حواراته.
لقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين والكافرين، ومع كلٍّ كانت الرحمة والرفق واللين تشعُّ في الحوار، لم يكنِ النبي صلى الله عليه وسلم يغلظ على أحدٍ، أو يُسيء إلى إنسان مهما صَغُرت سِنُّه، أو قلَّ شأنه بين الناس.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحاور ليُلاطِف، أو ليُعَلِّم ويُرَبِّيَ، أو ليدعو إلى الإسلام، أو ليُفاوض، أو ليتعايش مع مَنْ حوله، وكلُّ هذه السبل تفتقر إلى الرحمة، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
ومع ذلك كله يسعى كثير من المسلمين للبحث عن فنون الحوار والتواصل مع الآخرين في الكتب الغربيَّة، وعند كُتَّاب ومؤلِّفين مهما بلغت مهارتهم فلن يبلغوا عُشر معشار ما كان لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القدرات والمهارات في فنِّ الحوار والتواصل.
إن الحوار كان أحد معالم منهج حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن حدثًا نادرًا في مواقف عارضة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ديكتاتورًا يأمر وينهر ولا يطيق سماع رأي آخر ككثير من الناس في بيوتهم، أو الحُكَّام في ملكهم، بل كان صلى الله عليه وسلم كثير الحوار، محسنًا الاستماع للآخرين.
سمات الحوار النبوي مع أصحابة
كان الحوار النبوي متميزًا في أمرين مهمَّيْنِ؛ هما:
1- جمال الأهداف.
2- جمال الوسائل.
جمال أهداف الحوار النبوي
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بالحوار لكي يقطع الوقت أو ليملأ الفراغ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يستغلُّ الحوار ليلجَّ في الخصومة أو من أجل الظهور والغلبة، وإنما كان حواره صلى الله عليه وسلم لأهداف رائعة، وكان كثيرًا ما يُحَقِّق أكثر من هدف في الحوار الواحد، أو يُحَقِّق كلَّ تلك الأهداف مجتمعة، ومن هذه الأهداف:
التعارف
فقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم بالتعارف مع غيره عن طريق الحوار، فالتعارف هدف من الأهداف الكبرى في حياة المسلم؛ حتى إن الله عز وجل ذكره كهدف من أهداف جَعْله سبحانه الناس شعوبًا وقبائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
تلطيف العلاقات مع الصاحب:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم الحوار ليُلَطِّفَ الأجواء بينه وبين أصحابه؛ فقد كانوا رضي الله عنهم يحملون له توقيرًا كبيرًا قد يجعلهم متحفِّظين في التعامل معه صلى الله عليه وسلم، بينما كان هو صلى الله عليه وسلم يُريد أن يتلطَّف لهم ويتباسط معهم ليطمئن على أحوالهم؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، فلـمَّا قَفَلْنَا كنَّا قريبًا من المدينة، تَعَجَّلْتُ على بعيرٍ لي قَطُوفٍ ، فَلَحِقَنِي راكبٌ من خلفي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَة كانت معه، فسار بعيري كأحسن ما أَنْتَ رَاءٍ من الإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسول الله، إنِّي حديث عهدٍ بِعُرْسٍ. قال: «أَتَزَوَّجْتَ؟» قلتُ: نعم. قال: «أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» قال: قلتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلاَّ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ». قال: فَلَـمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فقال: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً –أي عشاء- لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» .
فهكذا يتدخَّل الرسول صلى الله عليه وسلم في أخصِّ شئون الصحابة الحياتية عن طريق الحوار؛ ليطمئن عليهم ويُوَجِّههم، وقد جاءت زيادة في رواية أخرى لمسلم عن جابر : قلت: يا رسول الله، إنَّ لي أخواتٍ فخشيتُ أن تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنَّ. قال: «فَذَاكَ إِذًا؛ إِنَّ المَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». [1].
التعليم:
وأهم مَنْ طبَّق الحوار للتعليم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان أحسن وأفضل مُعَلِّم لأُمَّته، بل للبشرية جميعًا؛ ومن ثَمَّ فمواقف حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بغرض تعليمهم تندُّ عن الحصر؛ ومن هذه المواقف ما يلي:
جلس الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم مع أصحابه، فقال لهم -فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قالوا: المفلس فينا مَنْ لا درهم له ولا متاع. فقال: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ» .
ففي هذا الحديث استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار في تصحيح مفهوم لدى الصحابة، وهو معنى «الإفلاس» الذي يحمله العامَّة على الإفلاس المادي، وهذا ما أجاب به الصحابة على استفهام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: «المفلس فينا مَنْ لا درهم له ولا متاع». وهنا يُصَوِّب الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المفهوم، ويربطه بيوم القيامة، والحسابِ الذي يجري فيه، وبيَّن لهم أن الإفلاس الحقيقي هو أن يأتي العبد بحسنات كثيرة، ولكن يأتي بمظالم كثيرة قد ارتكبها في حقِّ العباد، فيُعطى المظلومون من حسناته حتى تفنى، فيصير مفلسًا على الحقيقة، ثم يُطرَح عليه من سيئاتهم، ثم يُلقى في جهنم محسورًا.
وبهذا الأسلوب الفذِّ غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه كراهية الإساءة إلى الناس؛ حتى لا تضيع حسناتهم، ويصيروا من المفلسين بمقاييس الآخرة.
إزالة شبهات:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُعَلِّم الناس الصواب بالحوار؛ يُزيل عنهم به ما يعتريهم من الشبهات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناسٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلَّم به . قال: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قالوا: نعم. قال: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ » .
فهنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يُهَدِّئ من روع الصحابة الذين يأتيهم الشيطان بوساوسه حول الله عز وجل، ويُبَيِّن لهم أن هذا بسبب اتصافهم بالإيمان الخالص.
جمال الوسائل في الحوار النبوي
وكما وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجًا وقدوة في جمال أهدافه من الحوار؛ فإننا نجده كذلك في وسائله في الحوار؛ ونجمل هذه الوسائل في النقاط التالية:
1- أدب التعبير وانتقاء الألفاظ.
2-الاستماع إلى الطرف الآخر.
3- الابتسامة أثناء الحوار.
4-قبول الرأي الآخر وعدم الدخول في الجدل الطويل.
5- الصبر على أذى الطرف الثاني.
6-سعة الصدر وعدم إظهار الملل من كثرة سؤال الطرف الثاني.
7-تقدير الحالة النفسية للطرف الآخر.
8- الحرص على مساعدة الطرف الآخر ورفع همَّته.
9- عدم إحراج الطرف الثاني، وخاصة أمام الناس.
10-التوقُّف عند عدم المعرفة، وعدم الفتوى بغير علم.
11- تحديث الناس بما يفهمون ويستوعبون.
12-الاقتصار في الإجابة على قدر السؤال، والزيادة بحسب رغبة السائل، وأحيانًا بزيادة يسيرة كهدية.
13-عدم السخرية أو الاستهزاء بالأخطاء الساذجة.
14-المدح دون كذب، والثناء دون مبالغة.
15-اللوم السريع العابر في حالة ظهور أخطاء خفيفة عند الطرف الثاني.
16- القوَّة في الحق.
17-التوجيه إلى الأهم، وعدم الخوض فيما لا يعني.
18-التشويق لإذهاب الملل ولفت الانتباه.
19-الوضوح وعدم التردُّد.
20- الصبر على جفاء الآخرين، أو عدم تقديرهم المناسب له.
21-إظهار الحب للطرف الآخر والحرص عليه.
رد مع اقتباس
  #73  
قديم 29-11-2012, 04:54 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي

الأولى باكالوريا








رد مع اقتباس
  #74  
قديم 29-11-2012, 05:02 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي



رد مع اقتباس
  #75  
قديم 29-11-2012, 05:07 PM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي




رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:30 AM.