اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-09-2008, 01:59 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

والآن إن شاء الله سأعرض لكم ما تيسر من فتاوى شيخ الإسلام :



ابــــــــــــــــــــــــــــــن تـــــــــيــــــــــمـــــــــــــــيــــــــــــ ـــة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-09-2008, 02:01 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

فَصْـــل في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‏}‏

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:

قد قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 18‏]‏، والمراد بالقـول‏:‏ القرآن، كما فسره بذلك سلف الأمة وأئمتها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ}‏‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 68‏]‏، واللام لتعريف القول المعهود؛ فإن السورة كلها إنما تضمنت مدح القرآن واستماعه، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع، وبينَّا فساد قول من استدل بهذه على سماع الغناء وغيره، وجعلها عامة‏.

‏‏ وبينا أن تعميمها في كل قول باطل بإجماع المسلمين‏.

‏‏ وهنا سؤال مشهور، وهو أنه قال‏:‏ ‏{‏‏يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‏} ‏[‏الزمر‏:‏18‏]‏، فقد قسم القول إلى حسن وأحسن، والقرآن كله متبع، وهذا حجتهم‏.

‏‏ فيقال‏:‏ الجواب من ثلاثة أوجه‏:‏ إلزام، وحل‏:‏

الأول‏:‏ أن هذا مثل قوله‏:‏ ‏{‏‏وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 55‏]‏، ومثل قوله‏:‏ ‏{‏‏وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 145‏]‏، فقد أمر المؤمنين بإتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم، وأمر بنى إسرائيل أن يأخذوا بأحسن التوراة، وهذا أبلغ من تلك الآية؛ فإن تلك إنما فيها مدح بإتباع الأحسن، ولا ريب أن القرآن فيه الخبر والأمر بالحسن والأحسن، وإتباع القول إنما هو العمل بمقتضاه، ومقتضاه فيه حسن وأحسن، ليس كله أحسن، وإن كان القرآن في نفسه أحسن الحديث؛ فَفَرْقٌ بين حُسْن الكلام بالنسبة إلى غيره من الكلام، وبين حُسْنه بالنسبة إلى مقتضاه المأمور والمخبر عنه‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن يقال‏:‏ إنه قال‏:‏ ‏{‏‏فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 17-18‏]‏، والقرآن تضمَّن خبرًا وأمرًا، فالخبر عن الأبرار والمقربين، وعن الكفار والفجار؛ فلا ريب أن إتباع الصنفين حسن، وإتباع المقربين أحسن، والأمر يتضمن الأمر بالواجبات والمستحبات‏.‏

ولا ريب أن الاقتصار على فعل الواجبات حسن، وفعل المستحبات معها أحسن‏.

‏‏ ومن اتبع الأحسن فاقتدى بالمقربين، وتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، كان أحق بالبشرى‏.

‏‏ وعلى هذا، فقوله‏:‏ ‏{‏‏وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم‏} ‏[‏الزمر‏:‏ 55‏]‏، ‏{‏‏وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 145‏]‏، هو أيضًا أمر بذلك، لكن الأمر يَعُمُّ أمر الإيجاب والاستحباب، فهم مأمورون بما في ذلك من واجب أمر إيجاب، وبما فيه من مستحب أمر استحباب، كما هم مأمورون مثل ذلك في قوله‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}‏‏ ‏[‏النحل‏:‏ 90‏]‏‏.‏

وقوله ‏:‏ ‏{‏‏يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 157‏]‏، والمعروف يتناول القسمين‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏} ‏[‏الحج‏:‏ 77‏]‏، وهو يعم القسمين‏.

‏‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}‏‏ ‏[‏الحج‏:‏ 77‏]‏، وأمثال ذلك‏.

‏‏

___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية

















فَصْـــل في السماع

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:


أصل السماع الذي أمر الله به‏:‏ هو سماع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ سماع فقهٍ وقَبُول؛ ولهذا انقسم الناس فيه أربعة أصناف‏:‏صنف معرض ممتنع عن سماعه،وصنف سمع الصوت ولم يفقه المعنى، وصنف فقهه ولكنه لم يقبلْه، والرابع الذي سمعه سماع فقه وقبول‏.‏

فالأول‏:‏ كالذين قال فيهم‏:‏ ‏{‏‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}‏‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 26‏]‏‏.‏

والصنف الثاني‏:‏ من سمع الصوت بذلك لكن لم يفقه المعنى‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 171‏]‏، وقال تعالى‏:‏ {‏‏وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 25‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}‏‏ ‏[‏يونس‏:‏ 42 ـ 44‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏45 ـ 47‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا‏} ‏[‏الكهف‏:‏ 57‏]‏‏.

‏‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏أَن يَفْقَهُوهُ}‏‏ يتناول من لم يفهم منه تفسير اللفظ كما يفهم بمجرد العربية، ومن فهم ذلك لكن لم يعْلَم نفس المراد في الخارج وهو‏:‏ ‏[‏الأعيان‏]‏، و‏[‏الأفعال‏]‏، و‏[‏الصفات‏]‏ المقصودة بالأمر والخبر؛ بحيث يراها ولا يعلم أنها مدلول الخطاب‏:‏ مثل من يعلم وصفًا مذمومًا ويكون هو متصفًا به، أو بعضًا من جنسه ولا يعلم أنه داخل فيه، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}‏‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 22- 23‏]‏، قال ذلك بعد قوله‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ‏} ‏[‏الأنفال‏:‏ 20-21‏]‏، فقوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ‏} لم يرد به مجرد إسماع الصوت لوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن هـذا السماع لابـد منـه ولا تقـوم الحجـة على المدعوين إلا بـه، كما قـال‏:‏ ‏{‏‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}‏‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 6‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏لأنذركم به ومن بلغ‏} ‏[‏الأنعام‏:‏ 91‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 15‏]‏‏.‏

والثاني‏:‏أنه وحده لا ينفع؛ فإنه قد حصل لجميع الكفار الذين استمعوا القرآن وكفروا به كما تقدم، بخلاف إسماع الفقه، فإن ذلك هو الذي يعطيه الله لمن فيه خير، وهذا نظير ما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهْه في الدين‏"‏‏ وهذه الآية والحديث يدلان على أن من لم يحصل له السماع الذي يفقه معه القول، فإن الله لم يعلم فيه خيرًا ولم يرد به خيرًا، وأن من علم الله فيه خيرًا أو أراد به خيرًا فلا بد أن يسمعه ويفقهه؛ إذ الحديث قد بيَّن أن كل من يرد الله به خيرًا يفقهه؛ فالأول مستلزم للثاني، والصيغة عامة، فمن لم يفقهه لم يكن داخلًا في العموم، فلا يكون الله أراد به خيرًا، وقد انتفي في حقه اللازم فينتفي الملزوم‏.

‏‏ وكذلك قوله‏:‏‏{‏‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ}‏‏، بيَّن أن الأول شرط للثاني؛شرطًا نحْويًا، وهو ملزوم وسبب،فيقتضى أن كل من علم الله فيه خيرًا أسمعه هذا الإسماع، فمن لم يسمعه إياه لم يكن قد علم فيه خيرًا، فتدبر كيف وجب هذا السماع،وهذا الفقه،وهذا حال المؤمنين،بخلاف الذين يقولون بسماع لا فقه معه،أو فقه لا سماع معه أعنى هذا السماع‏.

‏‏ وأما قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ‏}، فقد يشكل على كثير من الناس؛ لظنهم أن هذا السماع المشروط هو السماع المنفي في الجملة الأولى، الذي كان يكون لو علم فيهم خيرًا، وليس في الآية ما يقتضى ذلك، بل ظاهرها وباطنها ينافي ذلك؛فإن الضمير في قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}‏‏ عائد إلى الضميرين في قوله‏:‏‏{‏‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ‏}، وهؤلاء قد دل الكلام على أن الله لم يعلم فيهم خيرًا، فلم يسمعهم؛ إذ ‏[‏لو‏]‏ يدل على عدم الشرط دائمًا، وإذا كان الله ما علم فيهم خيرًا، فلو أسمعهم لتولوا وهم معرضون، بمنزلة اليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا، وهم الصنف الثالث‏.

‏‏ ودلت الآية على أنه ليس لكل من سمع وفقه يكون فيه خير، بل قد يفقه ولا يعمل بعلمه فلا ينتفع به، فلا يكون فيه خيرًا‏.‏

ودلَّتْ أيضًا على أن إسماع التفهيم إنما يطلب لمن فيه خير، فإنه هو الذي ينتفع به، فأما من ليس ينتفع به فلا يطلب تفهيمه‏.

‏‏ والصنف الثالث‏:‏ من سمع الكلام وفقهه، لكنه لم يقبله ولم يطع أمره؛ كاليهود الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏‏مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 46‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}‏‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ‏} ‏[‏البقرة‏:‏75-78‏]‏ أي تلاوة‏.‏

فهؤلاء من الصنف الأول الذين يسمعون ويقرؤون ولا يفقهون، أو يعقلون إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}‏‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 83 - 88‏]‏، كما قال في تلك الآية‏:‏ ‏{‏‏وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا}‏‏، وقـال في النساء‏:‏ ‏{‏‏فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا‏} ‏[‏النساء‏:‏ 155- 156‏]‏، إلى آخر القصة، فأخبر بذنوبهم التي استحقوا بها ما استحقوه، ومنها قولهم‏:‏‏{‏‏قُلُوبُنَا غُلْفٌ}‏‏ ‏.

‏‏ فَعُلِم أنهم كاذبون في هذا القول، قاصدون به الامتناع من الواجب؛ ولهذا قال‏:‏‏{‏‏بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه‏}، و ‏{‏‏طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ‏}،فهي وإن سمعت الخطاب وفقهـته لا تقبله ولا تؤمن به، لا تصديقًا له ولا طاعة، وإن عرفوه كما قال‏:‏ ‏{‏‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 146‏]‏، فـ ‏{‏غُلْفٌ‏}‏ جمع أغلف‏.‏

وأما ‏(‏غُلُف‏)‏ بالتحريك فجمع غلاف، والقلب الأغلف بمنزلة الأقلف‏.

‏‏ فهم ادعوا ذلك وهم كاذبون في ذلك، واللعنة‏:‏ الإبعاد عن الرحمة، فلو عملوا به لرحموا؛ ولكن لم يعملوا به، فكانوا مغضوبًا عليهم ملعونين، وهذا جزاء من عرف الحق ولم يتبعه، وَفقِه كلام الرسل ولم يكن موافقًا له بالإقرار تصديقًا وعملًا‏.

‏‏ والصنف الرابع‏:‏ الذين سمعوا سماع فِقْه وقبول، فهذا هو السماع المأمور به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ‏‏}[‏المائدة‏:‏ 83‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}‏‏ ‏[‏الجن‏:‏ 1- 2‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ‏} الآيات ‏[‏الأحقاف‏:‏ 29 - 31‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا‏}الآية ‏[‏الإسراء‏:‏ 107- 108‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}‏‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 2‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ‏} ‏[‏التوبة‏:‏ 124- 125‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏‏وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 82‏]‏، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}‏‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 44‏]‏، ومثله قوله‏:‏ ‏{‏‏هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}‏‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 138‏]‏، فالبيان يعم كل من فقهه، والهدى والموعظة للمتقين،وقوله‏:‏ ‏{‏‏هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ}‏‏ ‏[‏الجاثية‏:‏20‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 1- 2‏]‏‏.‏

وهنا لطيفة تُزيل إشكالًا يفهم هنا‏:‏ وهو أنه ليس من شرط هذا المتقى المؤمن أن يكون كان من المتقين المؤمنين قبل سماع القرآن، فإن هذا أوَّلًا ممتنع؛ إذ لا يكون مؤمنًا متقيًا من لم يسمع شيئــًا من القرآن‏.

‏‏ وثانيًا‏:‏ أن الشرط إنما يجب أن يقارن المشروط، لا يجب أن يتقدمه تقدمًا زمانيًا، كاستقبال القبلة في الصلاة‏.

‏‏ وثالثًا‏:‏ أن المقصود أن يُبَيِّن شيئان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الانتفاع به بالاهتداء والاتعاظ والرحمة هو وإن كان موجبًا له لكن لابد مع الفاعل من القابل؛ إذ الكلام لا يؤثر فيمن لا يكون قابلا له، وإن كان من شأنه أن يهدى ويعظ ويرحم، وهذا حال كل كلام‏.

‏‏ الثاني‏:‏ أن يُبيِّن أن المهتدين بهذا هم المؤمنون المتقون، ويستدل بعدم الاهتداء به على عدم الإيمان والتقوى، كما يقال‏:‏ المتعلمون لكتاب بُقراط هم الأطباء، وإن لم يكونوا أطباء قبل تعلمه؛ بل بتعلمه وكما يقال‏:‏ كتاب سيبويه كتاب عظيم المنفعة للنحاة، وإن كانوا إنما صاروا نحاة بتعلمه، وكما يقال‏:‏ هذا مكان موافق للرُّماة والرِّكاب ‏[‏الرِّكاب‏:‏ الإبل التي يسار عليها‏]‏.



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية








رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-09-2008, 02:02 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

فصــل في أن المؤمن على أمر من الله

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:


وقوله‏:‏ ‏{‏‏أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ‏} كما تقدم هو كقوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 57‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}‏‏ ‏[‏محمد‏:‏14‏]‏،وقوله‏:‏ ‏{‏‏أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه‏} ‏[‏الزمر‏:‏ 22‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏‏أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 5‏]‏‏.
‏‏
فإن هذا النوع يبين أن المؤمن على أمر من الله، فاجتمع في هذا اللفظ حرف الاستعلاء، وحرف ‏(‏من‏)‏ لابتداء الغاية، وما يستعمل فيه حرف ابتداء الغاية فيقال‏:‏ هو من الله على نوعين، فإنه إما أن يكون من الصفات التي لا تقوم بنـفسها، ولا بمخلوق، فهذا يكون صفة له، وما كان عينًا قائمة بنفسها، أو بمخلوق فهي مخلوقة‏.‏

فالأول‏:‏ كقوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}‏‏ ‏[‏السجدة‏:‏13‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏‏يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏114‏]‏،كما قال السلف‏:‏القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود‏.

‏‏‏ والنـوع الثاني‏:‏ كقـولـه‏:‏ ‏{‏‏وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ‏} ‏[‏الجاثية‏:‏ 13‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}‏‏ ‏[‏النحل‏:‏ 53‏]‏، و ‏{‏‏مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 79‏]‏، وكما يقال‏:‏ إلهام الخير وإيحاؤه من الله، وإلهام الشر وإيحاؤه من الشيطان، والوسوسة من الشيطان، فهذا نوعان‏:‏

تارة يضاف باعتبار السبب، وتارة باعتبار العاقبة والغاية‏.‏ فالحسنات‏:‏ هي النعم، والسيئات‏:‏ هي المصائب كلها من عند الله، لكن تلك الحسنات أنعم الله بها على العبد، فهي منـه، إحسانًا وتفضـلاً، وهـذه عقـوبة ذنب مـن نفس العـبد، فهي مـن نفسه باعتبار أن عمله السيئ كان سببها، وهي عقوبة له؛ لأن النفس أرادت تلك الذنوب ووسوست بها‏.
‏‏
وتـارة يقال باعتبار حسنات العمـل وسيئاته،وما يلقي في القلب من التصورات والإرادات، فيقال للحق‏:‏ هو من الله ألهمه العبد‏.
‏‏
ويقال للباطل‏:‏ إنه من الشيطان وسوس به، ومن النفس أيضًا؛ لأنها إرادته، كما قال عمر وابن عمر وابن مسعود فيما قالوه باجتهادهم‏:‏ إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنا ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه‏.‏

وهذا لفظ ابن مسعود في حديث بروع بنت واشق، قال ‏:‏ إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ؛ لأنه حكم بحكم‏.
‏‏ فإن كان موافقًا لحكم الله فهو من الله؛ لأنه موافق لعلمه وحكمه، فهو منه باعتبار أنه سبحانه ألهمه عبده لم يحصل بتوسط الشيطان والنفس، وإن كان خطأ فالشيطان وسوس به، والنفس أرادته ووسوست به، وإن كان ذلك مخلوقًا فيه، والله خلقه فيه، لكن الله لم يحكم به، وإن لم يكن ما وقع لي من إلهام الملَك كما قال ابن مسعود ‏:‏ إن للملك بقلب ابن آدم لمة ، وللشيطان لمة؛ فلَمَّة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق فالتصديق من باب الخبر والإيعاد بالخبر، والشر من باب الطلب والإرادة ‏.‏

قال تعالي‏:‏ ‏{‏‏الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 268‏]‏‏.
‏‏
فهذه حسنات العمل من الله عز وجل بهذين الاعتبارين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه يأمر بها ويحبها، وإذا كانت خيرًا فهو يصدقها ويخبر بها، فهي من علمه وحكمه، وهي أيضًا من إلهامه لعبده وإنعامه عليه، لم تكن بواسطة النفس والشيطان؛ فاختصت بإضافتها إلى الله مـن جهة أنها من علمه وحكمه، وإن النازل بها إلى العبد ملك، كما اختص القرآن بأنه منه كلام، وقرآن مسيلمة بأنه من الشيطان، فإن ما يلقيه الله في قلوب المؤمنين من الإلهامات الصادقة العادلة، هي من وحي الله، وكذلك ما يريهم إياه في المنام، قال عُبَادة بن الصامت‏:‏ رُؤْيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في منامه، وقال عمر‏:‏ اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم يتجلى لهم أمور صادقة، وقد قال تعالي‏:‏ ‏{‏‏وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏111‏]‏، ‏{‏‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}‏‏ ‏[‏القصص‏:‏7‏]‏، ‏{‏‏وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا‏} ‏[‏يوسف‏:‏15‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}‏‏ ‏[‏الشمس‏:‏ 8‏]‏، على قول الأكثرين، وهو أن المراد‏:‏ أنه ألهم الفاجرة فجورها، والتقية تقواها، فالإلهام عنده هو البيان بالأدلة السمعية والعقلية‏.

‏‏‏ وأهل السنة يقولون‏:‏ كلا النوعين من الله، هذا الهدي المشترك وذاك الهدي المختص، وإن كان قد سماه إلهامًا كما سماه هدي، كما في قوله‏:‏ ‏{‏‏وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}‏‏ ‏[‏فصلت‏:‏17‏]‏، وكذلك قد قيل في قوله‏:‏ {‏‏وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}‏‏ ‏[‏البلد‏:‏10‏]‏ أي‏:‏ بينا له طريق الخير والشر، وهو هدي البيان العام المشترك، وقيل‏:‏ هدينا المؤمن لطريق الخير، والكافر لطريق الشر؛ فعلى هذا يكون قد جعل الفجور هدي، كما جعل أولئك البيان إلهامًا‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا‏} ‏[‏الإنسان‏:‏ 3‏]‏، قيل‏:‏هو الهدي المشترك، وهو أنه بين له الطريق التي يجب سلوكها،والطريق التي لا يجب سلوكها، وقيل‏:‏ بل هـدي كـلا مـن الطائفتين إلى مـا سلكه مـن السبيل ‏{‏‏إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}‏‏‏.

‏‏ لكن تسمية هذا هدي قد يعتذر عنه بأنه هدي مقيد لا مطلق، كما قال‏:‏ ‏{‏‏فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏} ‏[‏آل عمران‏:‏21‏]‏، وكما قال‏:‏ ‏{‏‏يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏51‏]‏، وأنه {‏‏يَقُولُ الْحَقَّ}‏‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 4‏]‏ و {‏‏يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}‏‏ ‏[‏النحل‏:‏90‏]‏ فهو موافق لقوله وأمره لعلمه وحكمه، كما أن القرآن وسائر كلامه كذلك، وباعتبار أنه أنعم على العبد بواسطة جنده بالملائكة‏.
‏‏
ويقال لضد هذا وهو الخطأ ‏:‏ هذا من الشيطان والنفس؛ لأن الله لا يقوله ولا يأمر به؛ ولأنه إنما يَنْكُتُه في قلب الإنسان الشيطان، ونفسه تقبله من الشيطان، فإنه يزين لها الشيء فتطيعه فيه، وليس كل ما كان من الشيطان يعاقب عليه العبد، ولكن يفوته به نوع من الحسنات كالنسيان، فإنه من الشيطان، والاحتلام من الشيطان، والنعاس عند الذكر والصلاة من الشيطان، والصعق عند الذكر من الشيطان، ولا إثم على العبد فيما غلب عليه، إذا لم يكن ذلك بقصد منه أو بذنب‏.
‏‏
فقوله‏:‏ ‏{‏‏ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏57‏]‏ وشبهها مما تقدم ذكره من هذا الباب، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ}‏‏ ‏[‏محمد‏:‏ 3‏]‏،فإن المؤمنين على تصديق ما أخبر الله به،وفعل ما أمر الله ابتداء وتبليغًا كالقرآن، وقد قال‏:‏‏(‏إن الله أنزل الأمانة في جَذْرِ قلوب الرجال‏)‏ فهي تنزل في قلوب المؤمنين من نوره وهداه، وهذه حسنات دينية وعلوم دينية حق نافعة في الدنيا والآخرة، وهو الإيمان الذي هو إفضال المنعم، وهو أفضل النعم‏.
‏‏
وأما قوله‏:‏ ‏{‏‏مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏79‏]‏، فقد دخل في ذلك نعم الدنيا كلها، كالعافية والرزق، والنصر، وتلك حسنات يبتلي الله العبد بها، كما يبتليه بالمصائب، هل يشكر أم لا‏؟‏ وهل يصبر أم لا‏؟‏ كما قال تعالي‏:‏ ‏{‏‏وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 168‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}‏‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏35‏]‏، ‏{‏‏فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ‏} الآيات ‏[‏الفجر‏:‏15‏]‏‏.
‏‏
وقد يقال في الشيء‏:‏ إنه من الله وإن كان مخلوقًا إذا كان مختصًا بالله، كآيات الأنبياء، كما قال لموسي‏:‏ ‏{‏‏فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ}‏‏ ‏[‏القصص‏:‏ 32‏]‏، وقلب العصا حية، وإخراج اليد بيضاء من غير سوء مخلوق لله، لكنه منه لأنه دل به وأرشد إلى صدق نبيه موسي، وهو تصديق منه وشهادة منه له بالرسالة والصدق، فصار ذلك من الله بمنزلة البينة من الله، والشهادة من الله، وليست هذه الآيات مما تفعله الشياطين والكهان، كما يقال‏:‏ هذه علامة من فلان، وهذا دليل من فلان، وإن لم يكن ذلك كلامًا منه‏.
‏‏
وقد سمي موسي ذلك بينة من الله فقال‏:‏‏{‏‏قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ‏} ‏[‏الأعراف‏:‏105‏]‏، فقوله‏:‏‏{‏‏بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ‏}،، كقوله‏:‏ ‏{‏‏فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ}‏‏‏.

‏‏‏ وهذه البينة هنا حجة وآية، ودلالة مخلوقة تجري مجري شهادة الله وإخباره بكلامه، كالعلامة التي يرسل بها الرجل إلى أهله وكيله، قال سعيد بن جبير في الآية‏:‏ هي كالخاتم تبعث به، فيكون هذا بمنزلة قوله‏:‏ صدقوه فيما قال، أو أعطوه ما طلب‏.
‏‏
فالقرآن والهدي منه، وهو من كلامه وعلمه وحكمه الذي هو قائم به غير مخلوق، وهذه الآيات دليل على ذلك، كما يكتب كلامه في المصاحف، فيكون المراد المكتوب به الكلام يعرف به الكلام، قال تعالي‏:‏ ‏{‏‏قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا‏} ‏[‏الكهف‏:‏ 109‏]‏‏.
‏‏
ولهذا يكون لهذه الآيات المعجزات حرمة، كالناقة وكالماء النابع بين أصابع النبي صلي الله عليه وسلم ونحو ذلك‏.
‏‏


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-09-2008, 02:03 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

سُئل ـ رحمه الله ـ عن تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ‏}‏

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:
سُئل رحمه الله عن قوله‏:‏ ‏{‏‏يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}‏‏ ‏[‏ق‏:‏ 30‏]‏، ما المزيد ‏؟‏ فأجاب‏:‏

قد قيل‏:‏ إنها تقول‏:‏ ‏{‏‏هَلْ مِن مَّزِيدٍ}‏‏ أي‏:‏ ليس في مُحْتَمَلٌ للزيادة‏.

‏‏ والصحيح‏:‏ أنها تقول‏:‏ ‏{‏‏هّلً مٌن مَّزٌيد} ‏ على سبيل الطلب، أي‏:‏ هل من زيادة تزاد في‏؟‏ والمزيد ما يزيده الله فيها من الجن والإنس، كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تزال جهنم يلقْي فيها وتقول‏:‏ هل من مزيد‏؟‏ حتى يضع رب العزة فيها قدمه"‏‏‏.

‏‏ ويروي "عليها قدمه فَينزوِي بعضها إلى بعض وتقول‏:‏ قط قط‏"‏‏‏.‏

فإذا قالت‏:‏ حسبي حسبي، كانت قد اكتفت بما أُلْقِي فيها، ولم تقل بعد ذلك‏:‏ هل من مزيد، بل تمتلئ بما فيها لانزواء بعضها إلى بعض، فإن الله يضَيقُها على من فيها لسعتها، فإنه قد وعدها ليملأنها من الجِنَّة والناس أجمعين، وهي واسعة فلا تمتلئ حتى يضيقها على من فيها‏.‏

قال "font color=navy>وأما الجنة‏:‏ فإن الله ينشئ لها خلقًا فيدخلهم الجنة‏"‏‏‏.‏

فبين أن الجنة لا يضيقها سبحانه بل ينشئ لها خلقًا فيدخلهم الجنة؛ لأن الله يدخل الجنة من لم يعمل خيرًا؛ لأن ذلك من باب الإحسان‏.

‏‏ وأما العذاب بالنار‏:‏ فلا يكون إلا لمن عصي، فلا يعذب أحدًا بغير ذنب‏.‏



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-09-2008, 02:04 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

فصــل في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏} ‏[‏الطلاق‏:‏ 2- 3‏]‏ قد روي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم"‏‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏مَخْرَجًا‏}‏‏ عن بعض السلف‏:‏ أي من كل ما ضاق علي الناس، وهذه الآية مطابقة لقوله‏:‏ ‏{‏‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏} ‏[‏الفاتحة‏:‏ 5‏]‏ الجامعة لعلم الكتب الإلهية كلها؛ وذلك أن التقوى هي العبادة المأمور بها، فإن تقوي الله وعبادته وطاعته أسماء متقاربة متكافئة متلازمة، والتوكل عليه هو الاستعانة به،فمن يتقي الله مثال‏:‏ ‏{‏‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏‏، ومن يتوكل علي الله مثال‏:‏ ‏{‏‏وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏‏، كما قال‏:‏ ‏{‏‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}‏‏ ‏[‏هود‏:‏123‏]‏، وقال‏:‏‏{‏‏عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا}‏‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 4‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}‏‏ ‏[‏الشوري‏:‏ 10‏]‏‏.

‏‏ ثم جعل للتقوى فائدتين‏:‏ أن يجعل له مخرجا، وأن يرزقه من حيث لا يحتسب‏.

‏‏ والمخرج هو موضع الخروج، وهو الخروج، وإنما يطلب الخروج من الضيق والشدة، وهذا هو الفرج والنصر والرزق، فَبَين أن فيها النصر والرزق، كما قال‏:‏ ‏{‏‏أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}‏‏ ‏[‏قريش‏:‏ 4‏]‏؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم‏؟‏ بدعائهم، وصلاتهم، واستغفارهم‏"‏‏ هذا لجلب المنفعة، وهذا لدفع المضرة‏.

‏‏ وأما التوكل فَبَين أن الله حسبه، أي‏:‏ كافيه، وفي هذا بيان التوكل علي الله من حيث أن الله يكفي المتوكل عليه، كما قال‏:‏ ‏{‏‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ‏} ‏[‏الزمر‏:‏ 36‏]‏ خلافا لمن قال‏:‏ ليس في التوكل إلا التفويض والرضا‏.‏

ثم إن الله بالغ أمره، ليس هو كالعاجز، ‏{‏‏قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}‏‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 3‏]‏ وقد فسروا الآية بالمخرج من ضيق الشبهات بالشاهد الصحيح، والعلم الصريح، والذوق، كما قالوا‏:‏ يعلمه من غير تعليم بَشَرٍ، ويفطنه من غير تجربة، ذكره أبو طالب المكي، كما قالوا في قوله‏:‏‏{‏‏إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}‏‏ ‏[‏الأنفال‏:‏29‏]‏ أنه نور يفرق به بين الحق والباطل، كما قالوا‏:‏ بصرًا، والآية تعم المخرج من الضيق الظاهر والضيق الباطن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء‏} ‏[‏الأنعام‏:‏ 125‏]‏، وتعم ذوق الأجساد وذوق القلوب، من العلم والإيمان، كما قيل مثل ذلك في قوله‏:‏ ‏{‏‏وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 3‏]‏، وكما قال‏:‏ ‏{‏‏أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء‏} ‏[‏الأنعام‏:‏ 99‏]‏، وهو القرآن والإيمان‏.‏



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-09-2008, 02:05 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

فصــل في تفسير سورة [ن]

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:

سورة ‏[‏ن‏]‏‏:‏ هي سورة ‏[‏الخُلُقِ‏]‏، الذي هو جماع الدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى فيها‏:‏ ‏{‏‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏ 4‏]‏ قال ابن عباس‏:‏ علي دين عظيم‏.‏ وقاله ابن عُيينَةَ، وأخذه أحمد عن ابن عيينة‏.‏

فإن الدين والعادة والخُلُقَ ألفاظ متقاربة المعني في الذات، وإن تنوعت في الصفات، كما قيل في لفظ الدين‏:‏ فهذا دينه أبدًا وديني‏.‏

وجمع بعض الزنادقة بينهما في قوله‏:‏

مــا الأَمْـرُ إلا نَسْقٌ واحـــد ** مـا فيـه مــــن مـدحٍ ولا ذمِّ

وإنمــا العـادة قـد خُصِّـصَت ** والطبــــع والشارع بالحـكــمِ

‏[‏ن‏]‏‏:‏ أقسم سبحانه بالقلم وما يسطرون؛فإن القلم به يكون الكتاب الساطر للكلام، المتضمن للأمر والنهي والإرادة، والعلم المحيط بكل شيء، فالإقسام وقع بقلم التقدير و مسطوره، فتضمن أمرين عظيمين تُنَاسِب المقْسَم عليه‏:‏

أحدهما‏:‏ الإحاطة بالحوادث قبل كونها، وأن من علم بالشيء قبل كونه أبلغ ممن علمه بعد كونه، فإخباره عنه أحكم وأصدق‏.‏

الثاني‏:‏ أن حصوله في الكتابة والتقدير يتضمن حصوله في الكلام والقول والعلم من غير عكس؛ فإقسامه بآخر المراتب العلمية يتضمن أولها من غير عكس، وذلك غاية المعرفة واستقرار العلم إذا صار مكتوبا‏.

‏‏ فليس كل معلوم مقولا، ولا كل مقول مكتوبا، وهذا يبين لك حكمة الإخبار عن القدر السابق بالكتاب دون الكلام فقط، أو دون العلم فقط‏.‏

والمقْسَم عليه ثلاث جمل‏:‏ ‏{‏‏مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ‏} ‏[‏القلم‏:‏ 2‏]‏، ‏{‏‏وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏ 3‏]‏، ‏{‏‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏} سلب عنه النقص الذي يقدح فيه، وأثبت له الكمال المطلوب في الدنيا والآخرة، وذلك أن الذي أتي به إما أن يكون حقًا أو باطلًا، وإذا كان باطلا فإما أن يكون مع العقل أو عدمه، فهذه الأقسام الممكنة في نظائر هذا‏.

‏‏ الأول‏:‏ أن يكون باطلا ولا عقل له، فهذا مجنون لا ذم عليه ولا يتبع‏.

‏‏ الثاني‏:‏ أن يكون باطلا وله عقل، فهذا يستحق الذم والعقاب‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون حقًا مع العقل، فنفي عنه الجنون أوَّلا، ثم أثبت له الأجر الدائم الذي هو ضد العقاب، ثم بين أنه علي خلق عظيم، وذلك يبين عِظَمَ الحق الذي هو عليه بعد أن نفي عنه البطلان‏.‏

وأيضًا، فالناس نوعان‏:‏ إما معذب، وإما سليم منه‏.

‏‏ والسليم ثلاثة أقسام‏:‏ إما غير مكلف، وإما مكلف قد عمل صالحـًا‏:‏ مقتصدًا، وإما سابق بالخيرات‏.‏ فجعل القسم مرتبًا علي الأحوال الثلاثة ليبين أنه أفضل قِسْم السعداء، وهذا غاية كمال السابقين بالخيرات، وهذا تركيب بديع في غاية الإحكام‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏‏فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ}‏‏ الآيات ‏[‏القلم‏:‏ 8‏]‏ ؛ فتضمن أصلين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه نهاه عن طاعة هذين الضربين، فكان فيه فوائد‏:‏

منها‏:‏ أن النهي عن طاعة المرء، نهي عن التشبه به بالأولى، فلا يطاع المكذب والحلاف، ولا يعمل بمثل عملهما، كقوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}‏‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 1‏]‏ وأمثاله، فإن النهي عن قبول قول من يأمر بالخُلُقِ الناقص أبلغ في الزجر من النهي عن التخلق به‏.

‏‏ ومنها‏:‏ أن ذلك أبلغ في الإكرام والاحترام، فإن قوله‏:‏ لا تكذب، ولا تحلف، ولا تشتم، ولا تهمز، ليس هو مثل قوله‏:‏ لا تطع من يكون متلبسًا بهذه الأخلاق؛ لما فيه من تشريفه وبراءته‏.

‏‏ ومنها‏:‏ أن الأخلاق مكتسبة بالمعاشرة؛ ففيه تحذير عن اكتساب شيء من أخلاقهم بالمخالطة لهم، فليأخذ حذره، فإنه محتاج إلى مخالطتهم لأجل دعوتهم إلى الله تعالى‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم يبْدُون مصالح فيما يأمرون به، فلا تطع من كان هكذا ولو أبداها، فإن الباعث لهم علي ما يأمرون به هو ما في نفوسهم من الجهل والظلم، وإذا كان الأصل المقْتَضِي للأمر فاسدًا، لم يقبل من الآمر، فإن الأمر مداره علي العلم بالمصلحة وإرادتها، فإذا كان جاهلا لم يعلم المصلحة، وإذا كان الخلق فاسدًا لم يردها؛ وهذا معني بليغ‏.

‏‏ الأصل الثاني‏:‏ أنه ذكر قسمين‏:‏ المكذبين، وذوي الأخلاق الفاسدة، وذلك لوجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن المأمور به هو الإيمان والعمل الصالح، فضده التكذيب والعمل الفاسد‏.‏

والثاني‏:‏ أن المؤمنين مأمورون بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فكما أنا مأمورون بقبول هذه الوصية والإيصاء بها، فقد نهينا عن قبول ضدها، وهو التكذيب بالحق والترك للصبر، فإن هذه الأخلاق إنما تحصل لعدم الصبر، والصبر ضابط الأخلاق المأمور بها؛ ولهذا ختم السورة به، وقال‏:‏‏{‏‏وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}‏‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 35‏]‏ فكان في سورة العصر ما بَين هنا، فنهاه عن طاعة الذي في خسر، ضد الذي للمؤمنين الآمرين بالحق والصبر، والذي في خسر هو الكذاب المهين، فهو تارك للحق والصبر‏.‏

الأصل الثالث‏:‏ أن صلاح الإنسان في العلم النافع والعمل الصالح، وهو الكَلِم الطيب الذي يصعد إلى الله، والعمل الصالح جماع العدل، وجماع ما نهي الله عنه الناس هو الظلم، كما قرر في غير هذا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا‏} ‏[‏الأحزاب‏:‏72‏]‏‏.‏

والتكذيب بالحق صادر إما عن جهل،وإما عن ظلم وهو الجاحد المعاند، وصاحب الأخلاق الفاسدة إنما يوقعه فيها أحد أمرين‏:‏ إما الجهل بما فيها وما في ضدها فهذا جاهل، وإما الميل والعدوان وهو الظلم، فلا يفعل السيئات إلا جاهل بها، أو محتاج إليها متلذذ بها وهو الظالم، فنهاه عن طاعة الجاهلين والظالمين‏.

‏‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ‏} الآية ‏[‏القلم‏:‏ 9‏]‏ أخبر أنهم يحبون إدْهَانَه ليدهنوا، فهم لا يأمرونه نصحًا، بل يريدون منه الإدهان، ويتوسلون بإدهانِه إلى إدهانهم، ويستعملونه لأغراضهم في صورة الناصح؛ وذلك لما نشأ من تكذيبهم بالحق، فإنه لم يبق في قلوبهم غاية ينتهون إليها من الحق؛ لا في الحق المقصود، ولا الحق الموجود، لا خبرًا عنه، ولا أمرًا به، ولا اعتقادًا، ولا اقتصادًا‏.

‏‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏‏وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏10‏]‏ إلخ، ذكر أربع آيات كل آيتين جمعت نوعًا من الأخلاق الفاسدة المذمومة، وجمع في كل آية بين النوع المتشابه خبرًا وطلبًا، فالحلاف مقرون بالمهين؛ لأن الحلاف هو كثير الحلف، وإنما يكون علي الخبر أو الطلب، فهو إما تصديق أو تكذيب، أو حض أو منع، وإنما يكثر الرجل ذلك في خبره إذا احتاج أن يصدق ويوثق بخبره‏.‏

ومن كان كثير الحلف كان كثير الكذب في العهد، محتاجًا إلى الناس، فهو من أذل الناس ‏{‏حَلَّافٍ مَّهِينٍ ‏}‏‏:‏ حلاف في أقواله، مهين في أفعاله‏.‏

وأما الهماز المشاء بنميم‏:‏ فالهمز أقوي من اللمز وأشد سواء كان همز الصوت أو همز حركة ومنه‏:‏ ‏[‏الهَمْزةُ‏]‏‏:‏ وهي نبرة من الحلق مثل التهوع، ومنه الهمز بالعقب، كما في حديث زمزم "أنه هَمَزَ جبريل بعقبه‏"‏‏ والفعال‏:‏ مبالغة في الفاعل، فالهماز‏:‏ المبالغ في العيب نوعا وقدرًا‏.‏

القدرة من صورة اللفظ، وهو الفعال، والنوع من مادة اللفظ وهو الهمزة، والمشاء بنميم هو من العيب، ولكنه عيب في القفا، فهو عيب الضعيف العاجز، فذكر العياب بالقوة، والعياب بالضعفِ، والعياب في مشهد، والعياب في مغيب‏.‏

وأما ‏{‏‏مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏ 12‏]‏ فإن الظلم نوعان‏:‏ ترك الواجب وهو منع الخير، وتَعَدٍ علي الغير وهو المعتدي‏.‏

وأما الأثيم مع المعتدي فكقوله‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏]‏‏.

‏‏ وأما العُتُلّ الزَّنيم‏:‏ فهو الجبار، الفظ الغليظ، الذي قد صار من شدة تجبره وغلظه معروفا بالشر، مشهورًا به، له زَنَمة كزَنَمَة الشاة‏.‏

ويشبه والله أعلم أن يكون الحلاف المهين الهماز المشاء بنميم من جنس واحد، وهو في الأقوال وما يتبعها من الأفعال، والمنَّاع المعتدي الأثيم العتل الزنيم من جنس، وهو في الأفعال وما يتبعها من الأقوال‏.‏

فالأول‏:‏ الغالب على جانب الأعراض، والثاني‏:‏ الغالب على جانب الحقوق في الأحوال والمنافع ونحو ذلك‏.‏ووصفه بالظلم والبخل والكبر، كما في قوله‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ‏} الآية ‏[‏النساء‏:‏ 36- 37‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏‏سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ‏} ‏[‏القلم‏:‏ 16‏]‏، فيه إطلاق يتضمن الوَسْمَ في الآخرة وفي الدنيا أيضًا، فإن الله جعل للصالحين سِيمًا، وجعل للفاجرين سيما، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}‏‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 29‏]‏، وقال يظهر‏:‏ ‏{‏‏وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ‏} الآية ‏[‏محمد‏:‏ 30‏]‏‏.

‏‏ فجعل الإرادة والتعريف بالسيما الذي يدرك بالبصر معلقًا علي المشيئة، وأقسم علي التعريف في لحن القول، وهو الصوت الذي يدرك بالسمع، فدل علي أن المنافقين لابد أن يعرفوا في أصواتهم وكلامهم الذي يظهر فيه لحن قولهم،وهذا ظاهر بَين لمن تأمله في الناس، من أهل الفراسة في الأقوال وغيرها مما يظهر فيها من النواقض والفحش وغير ذلك‏.

‏‏ وأما ظهور ما في قلوبهم علي وجوههم فقد يكون وقد لا يكون، ودل علي أن ظهور ما في باطن الإنسان علي فلتات لسانه أقوي من ظهوره علي صَفْحَات وجهه؛ لأن اللسان ترجمان القلب، فإظهاره لما أَكَنَّه أَوكَد؛ ولأن دلالة اللسان قالية، ودلالة الوجه حالية، والقول أجمع وأوسع للمعاني التي في القلب من الحال؛ ولهذا فَضَّلَ من فَضَّل كابن قتيبة وغيره السمعَ علي البصر‏.‏

والتحقيق أن السمع أوسع،والبصر أخص وأرفع، وإن كان إدراك السمع أكثر، فإدراك البصر أكمل؛ ولهذا أقسم أنه لابد أن يدركهم بسمعه، وأما إدراكه إياهم بالبصر بسيماهم فقد يكون وقد لا يكون‏.

‏ فأخبر سبحانه أنه لابد أن يسِمَ صاحب هذه الأخلاق الخبيثة علي خرطومه، وهو أنفه الذي هو عضوه البارز، الذي يسبق البصر إليه عند مشاهدته؛ لتكون السيما ظاهرة من أول ما يري، وهذا ظاهر في الفَجَرَة الظَّلَمَة، الذين وَدَعَهم الناس اتقاء شرهم وفحشهم؛ فإن لهم سيما من شر يعرفون بها‏.

‏ وكذلك الفسقة وأهل الريب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏‏إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ‏}‏‏ إلخ ‏[‏القلم‏:‏ 17‏]‏، فيه بيان حال البخلاء، وما يعاقبون به في الدنيا قبل الآخرة من تلف الأموال، إما إغراقا، وإما إحراقا، وإما نهبًا، وإما مصادرة، وإما في شهوات الغي، وإما في غير ذلك مما يعاقب به البخلاء، الذين يمنعون الحق‏.

‏‏ وليس إقدام في صنايع المعروف، وهو قوله‏:‏ ‏{‏مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 12‏]‏، وهو أحد نوعي الظلم، كما أخبروا به عن نفوسهم في قولهم‏:‏ ‏{‏‏يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏ 31‏]‏، وكما قال صلى الله عليه وسلم "مَطْلُ الغَني ظلم‏"‏‏‏.‏

وتضمن عقوبة الظالم المانع للحق،أو متعدي الحق،كما يعاقب الله مانع الزكاة وهو مناع الخير، وآكل الربا والميسِر‏:‏الذي هو أكل المال بالباطل، وكل منهما أخبر الله في كتابه أنه يعاقبه بنقيض قصده،فهنا‏:‏أخبر بعقوبة تارك الحقوق،وفي البقرة‏:‏ بعقوبة المرابي، وهذه العقوبة تتناول من يترك هذا الواجب، وفعل هذا المحرم من المحتالين،كما أخبر في هذه السورة،وكما هو المشَاهَد في أهل منع الحقوق المالية،والحِيل الربوية،من العقوبات والمثلات‏.‏

فإنه سبحانه إذا أنعم علي عبد بباب من الخير، وأمره بالإنفاق فيه فبخل، عاقبه بباب من الشر، يذهب فيه أضعاف ما بخل به، وعقوبته في الآخرة مدَّخَرة، ثم أتْبَعَ ذلك بعقوبة المتكبر الذي هو من نوع العتل الزنيم، الذي يدعَي إلى السجود والطاعة فيأبي، ففيها عقوبة تارك الصلاة، وتارك الزكاة؛ فتارك الصلاة‏:‏ هو المعتدي الأثيم، العتل الزنيم‏.

‏‏ وتارك الزكاة‏:‏ الظالم البخيل‏.

‏‏ وختمها بالأمر بالصبر، الذي هو جماع الخلق العظيم في قوله‏:‏ ‏{‏‏فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ‏} ‏[‏القلم‏:‏48‏]‏، وذلك نص في الصبر علي ما يناله من أذي الخلق، وعلي المصائب السماوية‏.‏ والصبر علي الأول أشد، وصاحب الحوت ذهب مغاضبا لربه لأجل الأمر السماوي؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏‏وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ‏} إلخ ‏[‏القلم‏:‏ 51‏]‏ فآخرها منعطف علي أول ما في قوله‏:‏ ‏{‏‏مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ‏} ‏[‏القلم‏:‏ 2‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏ 51‏]‏، والإزلاق بالبصر‏:‏هو الغاية في البغض، والغضب، و الأذى‏.‏

فالصبر علي ذلك نوع من الحلم،وهو احتمال أذي الخلق، وفي ذلك ما يدفع كيدهم وشرهم‏.

‏‏ وما ذكره في قصة أهل الجنة من أمر السخاء والجود، وما ذكره هنا من الحلم والصبر‏:‏ هو جماع الخلق الحسن، كما جمع بينهما في قوله‏:‏ ‏{‏‏الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء}‏‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 134‏]‏، كما قيل‏:‏

بحلمٍ وَبَذْلٍ سَادَ في قومه الفتى ** وَكَـونُـك إيـــاه عَلَيـكَ يسِــيرُ فالإحسان إلى الناس بالمال والمنفعة واحتمال أذاهم، كالسخاء المحمود، كما جمع بينهما في قوله‏:‏ ‏{‏‏الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 199‏]‏، ففي أخذه العفو من أخلاقهم احتمال أذاهم، وهو نوعان‏:‏ ترك ما لك من الحق عليهم، فأخذ العفو‏:‏ ألا تطلب ما تركوه من حقك، وألا تنهاهم فيما تعدوا فيه الحد فيك، وإذا لم تأْمُرْهم ولم تَنْهَهم فيما يتعلق‏.

‏‏ وقال‏:‏

هذه تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ فيها‏.‏

منها‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏‏بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏}‏‏ ‏[‏القلم‏:‏ 6‏]‏، حَارَ فيها كثير، والصواب المأثور عن السلف؛ قال مجاهد‏:‏ الشيطان‏.

‏‏ وقال الحسن‏:‏ هم أولي بالشيطان من نبي الله‏.‏

فَبَين المراد، فإنه يتكلم علي اللفظ كعادة السلف في الاختصار مع البلاغة وفهم المعني‏.

‏‏ وقال الضحاك‏:‏ المجنون، فإن من كان به الشيطان ففيه الجنون‏.

‏‏ وعن الحسن‏:‏ الضال‏.‏

وذلك أنهم لم يريدوا بالمجنون الذي يخرق ثيابه ويهذي، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل العقل في نظرهم، كما يقال‏:‏ ما لفلان عَقْلٌ‏.‏

ومثل هذا رموا به أتباع الأنبياء كقوله‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ‏} ‏[‏المطففين‏:‏ 32‏]‏، ومثله في هذه الأمة كثير يسخرون من المؤمنين، ويرمونهم بالجنون والعظائم التي هم أولي بها منهم‏.‏ قال الحسن‏:‏ لقد رأيت رجالا لو رأيتموهم لقلتم‏:‏ مجانين، ولو رأوكم لقالوا‏:‏ هؤلاء شياطين، ولو رأوا خياركم لقالوا‏:‏ هؤلاء لا خلاق لهم، ولو رأوا شراركم‏:‏ لقالوا‏:‏ هؤلاء قوم لا يؤمنون بيوم الحساب‏.‏

وهذا كثير في كلام السلف، يصفون أهل زمانهم وما هم عليه من مخالفة من تقدم، فما الظن بأهل زماننا‏؟‏‏!‏ والذين لم يفهموا هذا قالوا‏:‏ الباء‏:‏ زائدة، قاله ابن قتيبة وغيره‏.‏وهذا كثير كقوله‏:‏ ‏{‏‏سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} ‏[‏القمر‏:‏ 26‏]‏، ‏{‏‏هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ‏} الآيات ‏[‏الشعراء‏:‏ 221‏]‏‏.‏

‏{‏‏ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ}‏‏ الآية ‏[‏هود‏:‏ 38- 39‏]‏‏.



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15-09-2008, 02:07 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

فَصْـل في وصف الله نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:

وهو سبحانه وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم؛ لأنه من صفات الكمال،كما مدح نفسه بأنه العظيم،والعليم،والقدير، والعزيز، والحليم، ونحو ذلك‏.‏

وأنه الحي القيوم، ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسني،فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه‏.

‏‏ فلا يجوز أن يوصف بضد الحياة والقيومية والعلم والقدرة، مثل الموت والنوم والجهل والعجز واللُّغُوب‏.‏

ولا بضد العزة وهو الذل، ولا بضد الحكمة وهو السفه‏.

‏‏ فكذلك، لا يوصف بضد العلو وهو السفول، ولا بضد العظيم وهو الحقير، بل هو سبحانه منزه عن هذه النقائص المنافية لصفات الكمال الثابتة له، فثبوت صفات الكمال له ينفي اتصافه بأضدادها، وهي النقائص‏.‏

وهو سبحانه ليس كمثله شيء فيما يوصف به من صفات الكمال‏.

‏ فهو منزه عن النقص المضاد لكماله، ومنزه عن أن يكون له مثل في شيء من صفاته، ومعاني التنزيه ترجع إلى هذين الأصلين، وقد دل عليهما سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن بقوله‏:‏‏{‏‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}‏‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 1- 2‏]‏، فاسمه ‏[‏الصمد‏]‏‏:‏ يجمع معاني صفات الكمال، كما قد بسط ذلك في تفسير هذه السورة وفي غير موضع، وهو كما في تفسير ابن أبي طلحة، عن ابن عباس؛ أنه المستوجب لصفات السؤدد، العليم الذي قد كمل في علمه، الحكيم الذي قد كمل في حكمته، إلى غير ذلك مما قد بين‏.

‏‏ وقوله‏:‏ ‏[‏الأحد‏]‏ يقتضي أنه لا مثل له ولا نظير ‏{‏‏وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}‏‏ وقد ذكرنا في غير موضع أن ما وصف اللّه تعالى به نفسه من الصفات السلبية، فلا بد أن يتضمن معني ثبوتيا، فالكمال هو في الوجود والثبوت،والنفي مقصودة نفي ما يناقض ذلك، فإذا نفي النقيض الذي هو العدم والسلب لزم ثبوت النقيض الآخر الذي هو الوجود والثبوت‏.‏

وبينا هذا في آية الكرسي وغيرها مما في القرآن، كقوله‏:‏‏{‏‏لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}‏، فإنه يتضمن كمال الحياة والقيومية‏.

‏‏وقوله‏:‏‏{‏‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏‏[‏البقرة‏:‏255‏]‏، يتضمن كمال الملك‏.

‏‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏، يقتضي اختصاصه بالتعليم دون ما سواه‏.

‏‏ والوحدانية‏:‏ تقتضي الكمال، والشركة‏:‏ تقتضي النقص‏.

‏‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏، ‏{‏‏وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}‏‏ ‏[‏ق‏:‏ 38‏]‏، ‏{‏‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏} ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏، ‏{‏‏لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ‏} ‏[‏سبأ‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وأمثال ذلك مما هو مبسوط في غير هذا الموضع‏.‏

والمقصود هنا أن علوه من صفات المدح اللازمة له‏.‏ فلا يجوز اتصافه بضد العلو البتة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء‏"‏‏، ولم يقل‏:‏ ‏[‏تحتك‏]‏، وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع‏.

‏‏ وإذا كان كذلك، فالمخالفون للكتاب والسنة وما كان عليه السلف لا يجعلونه متصفا بالعلو دون السفول، بل إما أن يصفوه بالعلو والسفول أو بما يستلزم ذلك، وإما أن ينفوا عنه العلو والسفول‏.‏

وهم نوعان‏.‏

فالجهمية القائلون بأنه بذاته في كل مكان، أو بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، لا يصفونه بالعلو دون السفول‏.

‏‏ فإنه إذا كان في مكان فالأمكنة منها عال وسافل، فهو في العالي عال، وفي السافل سافل‏.‏ بل إذا قالوا‏:‏ إنه في كل مكان‏.‏

فجعلوا الأمكنة كلها محال له، ظروفا وأوعية، جعلوها في الحقيقة أعلى منه‏.

‏‏ فإن المحل يحوي الحال، والظرف والوعاء يحوي المظروف الذي فيه، والحاوي فوق المحوي‏.

‏‏ والسلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا‏:‏ إنه فوق العرش، وإنه في السماء فوق كل شيء، لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره، أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاءً سبحانه وتعالى عن ذلك بل هو فوق كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكل شيء مفتقر إليه‏.‏

وهو عال على كل شيء، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته‏.

‏‏ وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق‏.‏

وما في الكتاب والسنة من قوله‏:‏ ‏{‏‏أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}‏‏ ‏[‏الملك‏:‏ 16‏]‏، ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن ‏[‏السماء‏]‏ هي نفس المخلوق العالي؛ العرش فما دونه، فيقولون‏:‏ قوله ‏{‏فٌي بسَّمّاء ‏}‏، بمعنى‏:‏ ‏[‏على السماء‏]‏، كما قال‏:‏ ‏{‏‏وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏} ‏[‏طه‏:‏ 71‏]‏، أي‏:‏ ‏[‏على جذوع النخل‏]‏، وكما قال‏:‏ ‏{‏‏فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ}‏‏ ‏[‏النحل‏:‏ 36‏]‏، أي‏:‏ ‏[‏على الأرض‏]‏‏.

‏‏ ولا حاجة إلى هذا، بل، ‏[‏السماء‏]‏ اسم جنس للعالي لا يخص شيئا‏.‏ فقوله‏:‏ ‏{‏فٌي السَّمّاء ‏}‏، أي‏:‏ ‏(‏في العلو دون السفل‏)‏‏.‏

وهو العلى الأعلى، فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش وليس هناك غيره العلى الأعلى سبحانه وتعالى‏.

‏‏ والقائلون بأنه في كل مكان هو عندهم في المخلوقات السفلية القذرة الخبيثة، كما هو في المخلوقات العالية‏.

‏‏ وغلاة هؤلاء الاتحادية الذين يقولون‏:‏ ‏[‏الوجود واحد‏]‏، كابن عربي الطائي صاحب ‏[‏فصوص الحكم‏]‏، و‏[‏الفتوحات المكية‏]‏، يقولون‏:‏ الموجود الواجب القديم هو الموجود المحدث الممكن‏.‏

ولهذا قال ابن عربي في ‏[‏فصوص الحكم‏]‏‏:‏

‏[‏ومن أسمائه الحسني ‏[‏العلي‏]‏‏.‏ على من، وما ثم إلا هو‏؟‏ وعن ماذا، وما هو إلا هو‏؟‏ فعلوه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمُسَمَّي ‏[‏محدثات‏]‏‏:‏ هي العلية لذاتها وليست إلا هو‏]‏‏.

‏‏ إلي أن قال‏:‏

‏[‏فالعلي لنفسه هو الذي يكون له جميع الأوصاف الوجودية والنسب العدمية، سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا، أو مذمومة عرفا وعقلًا وشرعا‏.‏ وليس ذلك إلا المسمي اللّه‏]‏‏.‏

فهو عنده الموصوف بكل ذم، كما هو الموصوف بكل مدح‏.‏

وهؤلاء يفضلون عليه بعض المخلوقات، فإن في المخلوقات ما يوصف بالعلو دون السفول كالسماوات‏.‏ وما كان موصوفا بالعلو دون السفول كان أفضل مما لا يوصف بالعلو، أو يوصف بالعلو والسفول‏.‏

وقد قال فرعون‏:‏ ‏{‏‏أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى‏} ‏[‏النازعات‏:‏ 24‏]‏‏.‏

قال ابن عربي‏:‏

ولما كان فرعون في منصب التحكم والخليفة بالسيف، جاز في العرف الناموسي أن قال‏:‏ ‏{‏‏أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى‏}‏‏ [‏النازعات‏:‏24‏]‏، أي‏:‏ وإن كان أن الكل أربابا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم بما أعطيته من الحكم فيكم‏.

‏‏ ولما علمت السحرة صدقه فيما قال لم ينكروه، بل أقروا له بذلك وقالوا له‏:‏ ‏{‏‏فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}‏‏ ‏[‏طه‏:‏ 72‏]‏ فالدولة لك‏.

‏‏ فصح قول فرعون‏:‏ ‏{‏‏أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}‏‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 24‏]‏‏.

‏‏ فبهـذا وأمثاله يصححون قـول فرعـون‏:‏ ‏{‏‏أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}‏‏، وينكـرون أن يكون اللّه عاليا، فضلا عن أن يكون هو الأعلى، ويقولون‏:‏ على من يكون أعلي، أو‏:‏ عما ذا يكون أعلي‏؟‏ وهكذا سائر الجهمية يصفون بالعلو على وجه المدح ما هو عال من المخلوقات، كالسماء، والجنة، والكواكب، ونحو ذلك‏.

‏‏ ويعلمون أن العالي أفضل من السافل، وهم لا يصفون ربهم بأنه الأعلى، ولا العلي، بل يجعلونه في السافلات كما هو في العاليات‏.

‏ والجهمية الذين يقولون‏:‏ ليس هو داخل العالم ولا خارجه، ولا يشار إليه البتة، هم أقرب إلى التعطيل والعدم، كما أن أولئك أقرب إلى الحلول والاتحاد بالمخلوقات‏.‏

فهؤلاء يثبتون موجودًا لكنه في الحقيقة المخلوق لا الخالق، وأولئك ينفون فلا يثبتون وجودًا البتة، لكنهم يثبتون وجود المخلوقات، ويقولون‏:‏ إنهم يثبتون وجود الخالق‏.

‏‏ وإذا قالوا‏:‏ نحن نقول‏:‏ هو عال بالقدرة أو بالقدر، قيل‏:‏ هذا فرع ثبوت ذاته وأنتم لم تثبتوا موجودًا يعرف وجوده فضلا عن أن يكون قادرًا أو عظيم القدر‏.

‏‏ وإذا قالوا‏:‏ كان اللّه قبل خلق الأمكنة والمخلوقات موجودًا، وهو الآن على ما عليه كان لم يتغير، ولم يكن هناك فوق شيء ولا عاليًا على شيء فذلك هو الآن، قيل‏:‏ هذا غلط، ويظهر فساده بالمعارضة ثم بالحل وبيان فساده‏.

‏‏ أما الأول‏:‏ فيلزمهم ألا يكون الآن عاليًا بالقدرة ولا بالقدر كما كان في الأزل‏.‏

فإنه إذا قدر وجوده وحده فليس هناك موجود يكون قادرًا عليه ولا قاهرًا له ولا مستوليًا عليه، ولا موجودا يكون هو أعظم قدرًا منه‏.

‏‏ فإن كان مع وجود المخلوقات لم يتجدد له علو عليها كما زعموا، فيجب أن يكون بعدها ليس قاهرًا لشيء ولا مستوليًا عليه، ولا قاهرًا لعباده، ولا قدره أعظم من قدرها‏.

‏‏ وإذا كانوا يقولون هم وجميع العقلاء إنه مع وجود المخلوق يوصف بأمور إضافية لا يوصف بها إذا قدر موجودًا وحده علم أن التسوية بين الحالين خطأ منهم‏.

‏‏ وقد اتفق العقلاء على جواز تجدد النسب والإضافات مثل المعية، وإنما النزاع في تجدد ما يقوم بذاته من الأمور الاختيارية‏.

‏‏ وقد بين في غير هذا الموضع أن النسب والإضافات مستلزمة لأمور ثبوتية، وأن وجودها بدون الأمور الثبوتية ممتنع‏.‏

والإنسان إذا كان جالسًا فتحول المتحول عن يمينه بعد أن كان عن شماله قيل‏:‏ إنه عن شماله‏.‏

فقد تجدد من هذا فعل به تغيرت النسبة والإضافة،‏.‏

وكذلك من كان تحت السطح فصار فوقه، فإن النسبة بالتحتية والفوقية تجدد لما تجدد فعل هذا‏.‏

وإذا قيـل‏:‏ نفس السقف لم يتغـير قيل‏:‏ قـد يمنع هـذا، ويقال‏:‏ ليس حكمـه إذا لم يكن فوقـه شيء كحكمـه إذا كـان فوقـه شيء‏.

‏‏ وإذا قيل عن الجالس‏:‏ إنه لم يتغير، قيل‏:‏ قد يمنع هـذا، ويقال‏:‏ ليس حكمـه إذا كـان الشخص عـن يساره كحكمه إذا كان عن يمينه، فإنـه يحجب هـذا الجانب ويـوجب مـن التفات الشخص وغـير ذلك مـا لم يكن قبل ذلك‏.‏

وكذلك من تجدد له أخ أو ابن أخ بإيلاد أبيه أو أخيه، قد وجد هنا أمور ثبوتية‏.‏

وهذا الشخص يصير فيه من العطف والحنو على هذا الولد المتجدد ما لم يكن قبل ذلك، وهي الرحم والقرابة‏.‏

وبهذا يظهر الجواب الثاني، وهو أن يقال‏:‏

العلو والسفول ونحو ذلك من الصفات المستلزمة للإضافة، وكذلك الاستواء، والربوبية، والخالقية، ونحو ذلك‏.

‏‏ فإذا كان غيره موجودًا، فإما أن يكون عاليًا عليه وإما ألا يكون، كما يقولون هم‏:‏ إما أن يكون عاليًا عليه بالقهر أو بالقدر أو لا يكون، خلاف ما إذا قدر وحده، فإنهم لا يقولون‏:‏ إنه حينئذ قاهر، أو قادر أو مستول عليه، فلا يقال‏:‏ إنه عال عليه‏.‏

وإن قالوا‏:‏ ‏(‏إنه قادر وقاهر‏)‏ كان ذلك مشروطًا بالغير، وكذلك علو القدر، قيل‏:‏ وكذلك علو ذاته مازال عاليًا بذاته لكن ظهور ذلك مشروط بوجود الغير‏.‏

والإلزامات مفحمة لهم‏.

‏ وحقيقة قولهم‏:‏ إنه لم يكن قادرًا في الأزل ثم صار قادرًا‏.

‏‏ يقولون‏:‏ لم يزل قادرًا مع امتناع المقدور، وإنه لم يكن الفعل ممكنًا فصار ممكنا‏.

‏‏ فيجمعون بين النقيضين‏.‏



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15-09-2008, 02:08 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

فصــل في قوله ‏تعالى:‏ ‏{‏وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى‏}‏

المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية الإجابة:
br>وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}‏‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 11 - 13‏]‏، وقد ذكر في سورة الليل قوله‏:‏ ‏{‏‏فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}‏‏ ‏[‏الليل‏:‏ 14 - 16‏]‏‏.

‏‏ وهذا الصلي قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدرى قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكنْ ناسٌ أصابتهم النار بذنوبهم أو قال‏:‏ بخطاياهم فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحمًا أُذِنَ بالشفاعة، فجىء بهم ضَبَائرَ ضَبَائرَ فَبُثُّوا على أنهار الجنة، ثم قيل‏:‏ يا أهل الجنة أفيضوا عليهم‏.‏ فينبتون نبات الحبة تكون في حَمِيل السَّيْل‏"‏‏‏.‏ فقال رجل من القوم‏:‏ كأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية‏.‏

وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم فقال‏:‏ ذكر عن عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، ثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد‏:‏ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خطب، فأتى على هذه‏:‏ ‏{‏‏لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}‏‏، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما أهلها الذين هم أهلها، فلا يموتون فيها ولا يحيون‏.‏ وأما الذين ليسوا من أهل النار، فإن النار تميتهم، ثم يقوم الشفعاءُ فَيَشْفَعُون فيهم فَيُشَفَّعُون، فيؤتى بهم إلى نهر يقال له‏:‏ الحياة، أو الحيوان، فينبتون كما ينبت الغُثَاء في حَمِيل السَّيْل‏"‏‏‏.‏

فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الصلي لأهل النار الذين هم أهلها، وأن الذين ليسوا من أهلها فإنها تصيبهم بذنوبهم، وأن اللّه يميتهم فيها حتى يصيروا فحمًا، ثم يشفع فيهم فيخرجون ويؤتى بهم إلى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل‏.‏

وهذا المعنى مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم بل متواتر في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وغيرهما‏.‏

وفيها الرد على طائفتين‏:‏ على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون‏:‏ ‏(‏إن أهل التوحيد يخلدون فيها‏)‏، وهذه الآية حجة عليهم، وعلى من حكى عنه من غلاة المرجئة‏:‏ ‏(‏أنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد‏)‏‏.‏

فإن إخباره بأن أهل التوحيد يخرجون منها بعد دخولها تكذيب لهؤلاء وأولئك‏.

‏ وفيه رد على من يقول‏:‏ ‏[‏يجوز ألا يُدْخِل اللّه من أهل التوحيد أحدًا النار‏]‏ كما يقوله طائفة من المرجئة الشيعة، ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم كالقاضي أبي بكر وغيره‏.‏

فإن النصوص المتواترة تقتضي دخول بعض أهل التوحيد وخروجهم‏.

‏‏ والقول بـ ‏[‏أن أحدًا لا يدخلها من أهل التوحيد‏]‏، ما أعلمه ثابتًا عن شخص معين فأحكيه عنه، لكنْ حكى عن مقاتل بن سليمان،وقال‏:‏ احتج من قال ذلك بهذه الآية‏.

‏‏ وقد أُجِيبُوا بجوابين‏:‏

أحدهما‏:‏ جواب طائفة، منهم الزجاج، قالوا‏:‏ هذه نار مخصوصة‏.‏

لكن قوله بعدها‏:‏ ‏{‏‏وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى‏}‏‏ ‏[‏الليل‏:‏ 17‏]‏، لا يبقى فيه كبير وعد، فإنه إذا جُنِّبَ تلك النار جاز أن يدخل غيرها‏.‏

وجواب آخرين قالوا‏:‏ لا يصلونها صلى خلود‏.‏

وهذا أقرب‏.‏

وتحقيقه أن الصلي هنا هو الصلي المطلق، وهو المكث فيها، والخلود على وجه يصل العذاب إليهم دائمًا‏.‏

فأمـا مـن دخـل وخـرج فـإنه نـوع مـن الصلي، ليس هو الصلي المطلق لا سيما إذا كان قد مـات فيها والنار لم تأكله كله، فـإنه قـد ثبت أنها لا تأكـل مواضـع السجـود‏.‏



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15-09-2008, 02:09 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

والآن نستعرض فتاوى دار الإفتاء المصرية













في تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها لأجل اجتماع المصلين، والقرية لم يكن بها إلا جامع واحد، فهل يجوز تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها لاجتماع المصلين أم لا؟

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 12 .
الموضوع: (9) تأخير الجمعة عن أول وقتها.
التاريخ: 01/08/1917 م.
المفتي: فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي.

المراجع:

1 - تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها جائز كتأخير صلاة الظهر مطلقاً، صيفاً أو شتاءً، متى وقعت الصلاة بأكملها في وقتها، والأفضل التبكير بها شتاء وتأخيرها صيفاً.
2 - حد التأخير صيفاً أن تصلى قبل بلوغ ظل كل شيء مثله.

الجواب:

أطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أن تأخير الجمعة عن أول الوقت جائز كتأخير الظهر مطلقاً، سواء كان في زمن الصيف أو في زمن الشتاء، متى وقعت الصلاة بأكملها في وقتها، ولكن الأفضل في زمن الشتاء هو التبكير أي التعجيل، وفي زمن الصيف هو التأخير.

وحد التأخير في زمن الصيف أن تصلى قبل بلوغ ظل كل شيء مثله، قال في (البحر): بصحيفة 260 جزء أول عند قول (الكنز): "وندب تأخير الفجر وظهر الصيف"، ما نصه: "أي ندب تأخيره لرواية البخاري: [كان إذا أشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة]، والمراد الظهر، لأن جواب السؤال عنها وحده أن يصلي قبل المثل، أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا، وبين أن يكون في بلاد حارة أو لا، وبين أن يكون في شدة الحر أو لا، ولهذا قال في (المجمع): ونفضل الابراد بالظهر مطلقاً، فما في (السراج الوهاج) من أنه إنما يستحب الابراد بثلاثة شروط ففيه نظر، بل هو مذهب الشافعى على ما قيل، والجمعة كالظهر أصلاً واستحباباً في الزمانين كذا ذكره الاسبيجابى" انتهى، ومن ذلك يعلم صحة ما قلناه في جواب هذا السؤال، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15-09-2008, 02:10 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

في تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها لأجل اجتماع المصلين، والقرية لم يكن بها إلا جامع واحد، فهل يجوز تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها لاجتماع المصلين أم لا؟

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 12 .
الموضوع: (9) تأخير الجمعة عن أول وقتها.
التاريخ: 01/08/1917 م.
المفتي: فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي.

المراجع:

1 - تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها جائز كتأخير صلاة الظهر مطلقاً، صيفاً أو شتاءً، متى وقعت الصلاة بأكملها في وقتها، والأفضل التبكير بها شتاء وتأخيرها صيفاً.
2 - حد التأخير صيفاً أن تصلى قبل بلوغ ظل كل شيء مثله.

الجواب:

أطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أن تأخير الجمعة عن أول الوقت جائز كتأخير الظهر مطلقاً، سواء كان في زمن الصيف أو في زمن الشتاء، متى وقعت الصلاة بأكملها في وقتها، ولكن الأفضل في زمن الشتاء هو التبكير أي التعجيل، وفي زمن الصيف هو التأخير.

وحد التأخير في زمن الصيف أن تصلى قبل بلوغ ظل كل شيء مثله، قال في (البحر): بصحيفة 260 جزء أول عند قول (الكنز): "وندب تأخير الفجر وظهر الصيف"، ما نصه: "أي ندب تأخيره لرواية البخاري: [كان إذا أشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة]، والمراد الظهر، لأن جواب السؤال عنها وحده أن يصلي قبل المثل، أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا، وبين أن يكون في بلاد حارة أو لا، وبين أن يكون في شدة الحر أو لا، ولهذا قال في (المجمع): ونفضل الابراد بالظهر مطلقاً، فما في (السراج الوهاج) من أنه إنما يستحب الابراد بثلاثة شروط ففيه نظر، بل هو مذهب الشافعى على ما قيل، والجمعة كالظهر أصلاً واستحباباً في الزمانين كذا ذكره الاسبيجابى" انتهى، ومن ذلك يعلم صحة ما قلناه في جواب هذا السؤال، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 15-09-2008, 02:12 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

ما الحكم الشرعي في صلاة أسير الحرب؟ هل يصليها تماماً أم يصليها قصراً؟

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 10 .
الموضوع: (7) صلاة أسير الحرب.
التاريخ: 01/06/1916 م.
المفتي: فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي.

المراجع:

إذا أقام أسير الحرب في مكان صالح للإقامة فإنه يصلى صلاة المقيم إذا غلب على ظنه أنه يقيم خمسة عشر يوماً فأكثر.

الجواب:

نفيد أن أسير الحرب متى كان مسافراً وقت وقوعه في الأسر ثم أقام في مكان صالح للإقامة فإن غلب على ظنه أنه يقيم في المكان الذى هو فيه خمسة عشر يوما فأكثر بإخبار من أسره أو غير ذلك كان مقيما وأتم صلاته، وإلا فلا، والله تعالى أعلم.
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 15-09-2008, 02:14 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

ما الحكم في رفع صوت القارئ (سورة الكهف) بالجامع يوم الجمعة والناس مجتمعون، ومنهم الذاكر والمتنفل واللاغي، وفي الترقية والدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان، وفي تبليغ أحد المأمومين عند قلة الجماعة وسماعهم صوت الإمام.

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 9 .
الموضوع: (6) التبليغ في الصلاة للحاجة.
التاريخ: 13/10/1901 م.
المفتي: فضيلة الإمام الشيخ محمد عبده.

المراجع:

1- التبليغ في الصلاة عند عدم الحاجة مكروه، وأما عند الاحتياج فمستحب.
2- تكره الزيادة في الإعلام.
3- الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة فإن زاد عليه أساء.
4- من يقرأ القرآن يأثم إذا آذى غيره أو قرأ حال اشتغال المصلى بالصلاة.


الجواب:

صرحوا بأن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغ الجماعة صوت الإمام مكروه، بل نقل بعضهم اتفاق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أي مكروهة، وأما عند الاحتياج إليه فمستحب، وصرحوا بأن المبلغ يكره له الزيادة في الإعلام على قدر الحاجة.

وصرحوا بكراهة ما يفعله المؤذن، وهو المعروف بالترقية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند صعود الخطيب، وما يفعله من الدعاء حال جلسته، والدعاء للسلطان بالنصر ونحو ذلك بأصوات مرتفعة.

وصرحوا بأن الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة فإن زاد عليه أساء، وقال الزاهدى لو زاد على الحاجة فهو أفضل إلا إذا أجهد نفسه وآذى غيره، كما في القهستاني، وصرح في (الفتح) عن (الخلاصة) بأنه إذا كان رجل يكتب الفقه وبجانبه رجل يقرأ القرآن، ولا يمكن للكاتب استماع القرآن فالإثم على القارئ، وعلى هذا لو قرأ على السطح والناس نيام يأثم. لأن ذلك يكون سببا لإعراضهم عن السماع أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم، وقالوا إنه يجب على القارئ احترام القرآن. بأن لا يقرأ في الأسواق ومواضع الاشتغال، فإذا قرأه فيها كان هو المضيع لحرمته فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال دفعاً للحرج، ومن ذلك يتبين أن رفع الصوت في الترقية والتبليغ زيادة عن الحاجة مكروه، وكذلك رفعه بالدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان ونحو ذلك مما يفعله المؤذن حال الخطبة.

وأن القارئ لسورة الكهف ونحوها من القرآن يأثم إذا آذى غيره، أو قرأ حال اشتغال المصلى بالصلاة بأن ابتدأ في القراءة والمصلى يصلي، لما في ذلك من تضييع احترام القرآن الواجب عليه، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 19-09-2008, 01:08 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

السؤال:
ما الحكم في رفع صوت القارئ (سورة الكهف) بالجامع يوم الجمعة والناس مجتمعون، ومنهم الذاكر والمتنفل واللاغي، وفي الترقية والدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان، وفي تبليغ أحد المأمومين عند قلة الجماعة وسماعهم صوت الإمام.

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 9 .
الموضوع: (6) التبليغ في الصلاة للحاجة.
التاريخ: 13/10/1901 م.
المفتي: فضيلة الإمام الشيخ محمد عبده.

المراجع:

1- التبليغ في الصلاة عند عدم الحاجة مكروه، وأما عند الاحتياج فمستحب.
2- تكره الزيادة في الإعلام.
3- الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة فإن زاد عليه أساء.
4- من يقرأ القرآن يأثم إذا آذى غيره أو قرأ حال اشتغال المصلى بالصلاة.


الجواب:

صرحوا بأن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغ الجماعة صوت الإمام مكروه، بل نقل بعضهم اتفاق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أي مكروهة، وأما عند الاحتياج إليه فمستحب، وصرحوا بأن المبلغ يكره له الزيادة في الإعلام على قدر الحاجة.

وصرحوا بكراهة ما يفعله المؤذن، وهو المعروف بالترقية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند صعود الخطيب، وما يفعله من الدعاء حال جلسته، والدعاء للسلطان بالنصر ونحو ذلك بأصوات مرتفعة.

وصرحوا بأن الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة فإن زاد عليه أساء، وقال الزاهدى لو زاد على الحاجة فهو أفضل إلا إذا أجهد نفسه وآذى غيره، كما في القهستاني، وصرح في (الفتح) عن (الخلاصة) بأنه إذا كان رجل يكتب الفقه وبجانبه رجل يقرأ القرآن، ولا يمكن للكاتب استماع القرآن فالإثم على القارئ، وعلى هذا لو قرأ على السطح والناس نيام يأثم. لأن ذلك يكون سببا لإعراضهم عن السماع أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم، وقالوا إنه يجب على القارئ احترام القرآن. بأن لا يقرأ في الأسواق ومواضع الاشتغال، فإذا قرأه فيها كان هو المضيع لحرمته فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال دفعاً للحرج، ومن ذلك يتبين أن رفع الصوت في الترقية والتبليغ زيادة عن الحاجة مكروه، وكذلك رفعه بالدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان ونحو ذلك مما يفعله المؤذن حال الخطبة.

وأن القارئ لسورة الكهف ونحوها من القرآن يأثم إذا آذى غيره، أو قرأ حال اشتغال المصلى بالصلاة بأن ابتدأ في القراءة والمصلى يصلي، لما في ذلك من تضييع احترام القرآن الواجب عليه، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 19-09-2008, 01:10 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

السؤال:
شخص بيديه ورجليه حرارة مزمنة تمكث ستة شهور في السنة في أيام الصيف، وأن الماء يضرها ثلثي ضرر، فإذا وصل إليها الماء حصل فيها قشف وخشونة وتصلب في الجلد، وإذا لم يصل إليها الماء طرى الجلد ودبل. فهل يسوغ لهذا الشخص التيمم أو لابد من الماء؟

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 8 .
الموضوع: (5) جواز التيمم مع وجود الماء إذا خيف الضرر.
التاريخ: 14/05/1915 م.
المفتي: فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي.

المراجع:

يجوز التيمم عند خوف الضرر من استعمال الماء.

الجواب:

في الفتاوى الهندية: "ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه أو أبطأ برؤه يتيمم، لا فرق بين أن يشتد بالتحرك كالمشتكي من العرق المدني أو المبطون أو بالاستعمال كالجدري ونحوه، ويعرف ذلك الخوف إما بغلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو إخبار طبيب حاذق مسلم غير ظاهر الفسق، وإن كان به جدرى أو جراحات يعتبر الأكثر محدثا كان أو جنبا، ففى الجنابة يعتبر أكثر البدن، وفي الحدث يعتبر أكثر أعضاء الوضوء فإن كان الأكثر صحيحاً، والأقل جريحا يغسل الصحيح ويمسح على الجريح إن أمكنه، وإن لم يمكنه المسح يمسح على الجبائر أو فوق الخرقة، ولا يجمع بين الغسل والتيمم، وإن كان نصف البدن صحيحا والنصف جريحا اختلف المشايخ فيه والأصح أنه يتيمم ولا يستعمل الماء".

وفي الفتاوى المهدية: "أن مثل الجراحة كل داء يضره الغسل كما تفيده عباراتهم إذ المدار على الضرر" انتهى.

وعلى هذا ففي حادثة السؤال إن كان السائل يخاف الضرر من غسل يديه ورجليه كما ذكر في السؤال جاز له التيمم.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 19-09-2008, 01:11 AM
account closed account closed غير متواجد حالياً
طالب
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 2,421
معدل تقييم المستوى: 0
account closed is on a distinguished road
افتراضي

السؤال:
من المجلس الوطنى لدولة الإمارات العربية المتحدة بكتابه المتضمن أن المجلس علم بأن الحكومة بصدد طبع عملة جديدة للدولة كتب عليها الآية القرآنية الكريمة: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} [آل عمران: 103]، وطلب بيان الحكم الشرعي في جواز طبع آية من آيات القرآن الكريم على العملة التي تصدرها الدولة، علما بأن عملة الدولة يحملها ويتداولها المسلم والكافر، ويشترى بها الحلال والحرام وتستعمل في غير ما أحله الله وتحمل إلى أماكن غير طاهرة.

المفتي: دار الإفتاء المصرية الإجابة:
الرقم المسلسل: 7 .
الموضوع: (715) كتابة شيء من القرآن على العملة.
التاريخ: 24/02/1973 م.
المفتي: فضيلة الشيخ محمد خاطر محمد الشيخ.

المراجع:

1 - يكره كتابة شيء من القرآن على الدراهم والدنانير.
2 - الأحوط في المحافظة على القرآن وآياته البعد به عن كل ما يخل بتقديسه وتكريمه، أو الوقوع في الممنوع بسبب مسه ممن هو غير طاهر أثناء تداوله.


الجواب:

نفيد: بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وكما يطلق القرآن على كل ما بين دفتي المصحف يطلق على السورة والآية منه. والقرآن كتاب تعبد وهداية وإرشاد للبشر كما فيه سعادتهم في الدارين (الدنيا والآخرة) من عبادات ومعاملات وأخلاق.

ولذلك يجب تقديسه وتكريمه والبعد عن كل ما يخل بشيء من ذلك. ولذلك لم يجز الفقهاء للمحدث حدثا أصغر (غير المتوضئ) ولا المحدث حدثا أكبر (الجنب) والحائض والنفساء مس القرآن ولا شيء من آياته إلا بغلاف منفصل، لقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، وأجازوا ذلك للضرورة كدفع اللوح أو المصحف إلى الصبيان لأن في المنع من ذلك تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهير حرج عليهم.

كما نصوا على كراهة كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وكل ما يفرش (الهداية، وفتح القدير ج 1).

ومما ذكر يتبين أنه يكره كتابة شيء من القرآن على الدراهم والدنانير، لأن في ذلك تعريضا لمسها أثناء تداولها من الجنب والحائض والنفساء والمحدث وغيرهم، وليس هناك ضرورة تدعو إلى ذلك، فيكون الأحوط في المحافظة على القرآن وآياته البعد به عن كل ما يخل بتقديسه وتكريمه أو الوقوع في الممنوع بسبب مسه ممن هو غير طاهر أثناء تداوله.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:14 AM.