|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#121
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ كان وجه راوية شاحبا حين التقيت بها بعد يومين أمام الكلية و قد بدا عليها أنها لم تنم جيدا الليلة الماضية... كان بإمكاني أن أتوقع السبب! فهي كانت أخبرتني عن عزمها مفاتحة والدتها في موضوع جاد و هي لا تتوقع أن تمر الحكاية بسهولة... و موقف والدها سيكون أصعب بالتأكيد! ركضت نحوها في لهفة و بادرتها هاتفة : ـ طمئنيني... كيف سارت الأمور؟ ابتسمت ابتسامة شاحبة و همست : ـ و كيف تتوقعين أن تسير! أمي تحدثت معي بهدوء و تفهم لكنها طلبت مني أن أعيد النظر في الموضوع و أن أضع في اعتباري كل الصعوبات التي في طريقنا... كما أنها ليست واثقة من الشخص... فكونه أسلم حديثا يجعلها تعتقد بأنه ربما يكون أسلم من أجلي ظاهريا فقط... و أن الفرق سيظهر فيما بعد! ربتت على كتفها مواسية و قلت : ـ لكنك تعلمين أن جاد كان مهتما من البداية بالدين الإسلامي و أنت لم تكوني سوى واسطة! فرغبته في التعرف على الدين هي التي أدت به إلى التعرف عليك و ليس العكس! لمَ لم تخبريها؟ هزت راوية رأسها نافية : ـ بلى أخبرتها! لكنها طبعا ترى أن موقفي لن يكون محايدا و أنني أتصرف وفق عاطفتي و ليس بإمكاني بالتالي أن أحكم جيدا على نواياه من وراء الإسلام! تنهدت في أسى ثم استطردت : ـ و ليست تلك المشكلة الوحيدة فهي أخذت تسألني عن عائلته إن كانت مسلمة... و كيف يمكن أن يتقبلوني... و حين أخبرتها بأن عائلته ليست موافقة على إسلامه أصلا و أن أباه دو مركز مرموق بين رجال الدين في بلده، أوقفت الحوار فورا و قالت بأن الموضوع منته! كنت أريد منها أن تفهم حساسية موقفه و الصعوبة التي يواجهها للعيش بدينه الجديد... لكنها بدل أن تشجعني على مساعدته على التأقلم بسرعة و تثبيته على عقيدته تدعوني إلى التخلي عنه! فكيف سيجد من يحتويه و يسانده إن كان كل المسلمين سيتصرفون إزاءه بنفور و حذر؟ أمسكت بيد راوية التي راحت ترتجف من الانفعال و قلت في هدوء : ـ لا تستغربي ردها يا راوية! فهو رد كل أم تخاف على مستقبل ابنتها و لا تريد أن تلقي بها إلى المجهول! فجاد يبقى "المجهول" بالنسبة إليها نظرا لظروفه الغامضة و وضعيته الخاصة جدا! لا تتوقعي منها موافقة و ترحيبا و فوريا... ثم موقفها لا يعني أنها ضد اندماج المسلمين الجدد و تأطيرهم! بالعكس... لكنها لا تتصور أن ابنتها ستكون معنية بالأمر... فكل ما يحدث حولنا جميل... بشرط أن لا يمسنا و لا يؤثر في حياتنا! و هو منطق كثير من الأولياء إن لم نقل جميعهم حين يرون خطرا ممكنا يقترب من فلذات أكبادهم! لذا لا ترتعبي و تيأسي... على جاد الآن أن يقنعهم بنفسه... و بأهليته لك! رفعت عينيها لتنظر إلي قائلة : ـ و أين هو جاد؟! دراسته الآن في فرنسا... و الإجازات من المؤكد أن يقضيها في بلده... فلم يعد لديه سبب للمجيء إلى بلدنا الآن! إلا إذا... تابعت مكانها قائلة : ـ إلا إذا جاء ليتقدم لخطبتك... أليس كذلك؟ لا أظنه سيعجز عن إيجاد الفرصة المناسبة... إن كان يريد الارتباط بك حقا! هتفت راوية محتجة : ـ لكن حتى يتجشم عناء السفر إلى هنا فإنه في حاجة إلى موافقة مبدئية... أو على الأقل تشجيع مني و تمهيد! ثم أردفت في صوت أكثر خفوتا و قد بدت عليها الحيرة : ـ لكنني لا أعلم بعد كيف يمكن أن تسير الأمور... فأنا نفسي في حيرة من أمري! أحيانا أقول بأنني قادرة على التضحية، و أنني سأكون في مستوى ثقته و أكمل معه المشوار... و أحيانا أخرى أرى ما ينتظرني صعبا، بل شديد الصعوبة... و أخاف أن لا أصمد و يكون مصير علاقتنا الفشل! نظرت إلى راوية في استغراب : ـ لكن يجب أن تكوني أولا واثقة من قرارك و مما ترغبين فيه! فكيف ستقنعين والديك إذا كنت أنت نفسك مترددة و محتارة؟! ثم لا يجب أن تطيلي الأمد حتى تقرري فلا يطمئن الشاب و يعتقد بموافقتك، ثم تحصل له صدمة عنيفة إن رفضت... غطت راوية وجهها بكفيها و هي تهتف : ـ لا تصعبي المسألة علي أكثر! فإنني لم أنم البارحة من فرط التفكير! صليت الاستخارة... لكنني لم أستطع النوم... لبثت أحدق في السقف و أتخيل التطورات الممكنة للعلاقة... ثم أغفو في كل مرة لأرى صورا ضبابية و أسمع أصواتا متقطعة في نومي المتقلب... و قمت هذا الصباح و قد تعاظم قلقي... المسألة ليست سهلة! لو أنني تركت لقلبي زمام الأمور لوافقت منذ الوهلة الأولى... و لكن... أطرقت راوية للحظات و هي تردف في صوت حزين : ـ و لكن... الحياة ليست وردية دائما... و القصص التي تبدو لنا مثيرة و مسلية، لا تكون غالبا كذلك حين نعيشها! لم أتمالك نفسي أن صرخت فيها في تأنيب : ـ ما بك يا فتاة؟! ما هذا التشاؤم الذي حل بك فجأة؟! كأني بك تسدين كل السبل و تهولين الأمر؟! كأني بك تستعدين للرفض و تهونينه على نفسك بهذه المقدمات؟! لم تكوني هكذا منذ يومين!!! كان الأمل في عينيك و كنت واثقة من صدق جاد و ثباته! كنت أرى فيك إعجابا واضحا به و اقتناعا بشخصيته... فما الذي تغير حتى غيرت رأيك و صرت ترين الألوان القاتمة فقط؟!!! ألم تكوني أنت من شجعني على مصارحة حسام بمخاوفي و أن أثق في رجاحة عقله و حسن تفكيره؟ لم لا تفعلين نفس الشيء مع جاد؟! لم لا تتركين له فرصة إقناع والديك بنفسه؟ نظرت إلي راوية و قد بدت عليها علامات التردد : ـ و لكن يا مرام... المسألة مختلفة هنا! قاطعتها في عناد و قلت : ـ ليست مختلفة إلا في ظاهرها! لكنها نفس المشكلة! مشكلة الثقة في الطرف الآخر! لكن يبدو أن جاد وثق فيك... فهو صارحك برغبته في الارتباط بك رغم أنه يعلم أن ظروفه صعبة نوعا ما... لكنه اعتقد أنك أكثر من سيقدر وضعه، لأنك ـ كما قال ـ كنت أول من استقبله على بر الأمان بعد صراع عنيف مع أمواج نفسه و مجتمعه! كانت عيناي راوية قد تعلقتا بي و قد شحب وجهها و لم تعلق بكلمة فاستطردت قائلة : ـ لكن في نفس الوقت لا تعتبري أن من واجبك القبول لمجرد أنه وثق بك و يعلق عليك آمالا كبيرة! يجب أن تكوني مقتنعة تماما بالشخص... بأخلاقه و دينه... و بشخصيته... فإن لم تكن لديك مؤاخذات من تلك الناحية في الوقت الحالي... فالأحرى أن تتركي له الفرصة كي يتقدم إليك و يكون له حديث مع والدك... أما أنت فواصلي استخارتك... و الله لن يخيبك! هزت راوية رأسها في تفهم... و بدا عليها التفكر، ثم رفعت رأسها لتقول باقتضاب : ـ حسن... سأفكر في الأمر... تواصل سرحان راوية طيلة اليوم في الكلية... كانت مستغرقة في التفكير. كأنها أخذت نصيحتي بعدم التأخير بمعناها الحرفي! هل ستخرج بقرار سريع؟ اليوم؟! تركتها في المفترق المعتاد حيث تنفصل طرقنا... و أوصيتها بأن لا ترهق نفسها كثيرا بالتفكير و أن تتوكل على الله... لكنها لم تكن مركزة معي! لقد سيطر الموضوع على عقلها و لم تعد ترى شيئا سواه... لبثت أفكر في مشكلة راوية طوال السهرة... رغم أنني لم أكن معنية بالأمر إلا أنني لم أكن أستطيع الوصول إلى قرار عقلاني سليم! فكيف براوية المسكينة! كنت أهم بالخلود إلى النوم حين وصلتني رسالة قصيرة على هاتفي الجوال. إنها من راوية! سارعت بقراءتها في لهفة ثم ارتسمت على شفتي ابتسامة مشفقة و أنا أعيد قراءة الرسالة : (( لقد أرسلت إليه ردي... بالرفض... إقناع والدي شبه مستحيل! لا فائدة من تجشيمه العناء و بعث أمل كاذب في نفسه)) كنت أحس في داخلي بأنها تسرعت... ربما لم أتصور أن تنتهي القصة بتلك البساطة بعد أن رأيت صعوبات كثيرة تتهاوى... بداية من اهتمامه بالإسلام، ثم إسلامه ثم قطعه العلاقة مع خطيبته السابقة... ربما كان عليها أن تعطي نفسها الفرصة... و تعطي جاد الفرصة حتى يثبت وجوده و استحقاقه لثقتها... لكنني لم أملك أن أتهم راوية بالانهزامية أو السلبية لأنني واثقة من أن القرار كان صعبا عليها هي الأخرى... انتهت الحلقة التاسعة بحمد الله
|
#122
|
||||
|
||||
![]()
فعلا مسكينة راوية نفذت اللى عقلها قالها عليه
لما نشوف بقى ايه اللى هيحصلها |
#123
|
||||
|
||||
![]()
معتش فى النهاردة ولا ايه يا سارة
انتى قلتى هتحطى حلقات كتير يلا بقى يا عسل كملى |
#124
|
||||
|
||||
![]()
رااااااااااااااااااائع قصه رومانسيه دينيه رائعه فهى رومانسيه فى المقام الاول و ممتزجه بالدين
يلا بقى كملى متتاخريش علينا
__________________
من الجميل ان تبتسم فى الموقف الذى يتوقع فيه منك الجميع ان تبكى hapyhopa
|
#125
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
اقتباس:
ربنا يسهل اقتباس:
|
#126
|
||||
|
||||
![]() الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتني إذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردت متجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت في تأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتف في يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاته المرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر :
ـ لا بد من وجود حل ما... |
#127
|
||||
|
||||
![]() الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتني إذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردت متجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت في تأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتف في يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاته المرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حل ما... |
#128
|
||||
|
||||
![]()
الـحـــــــــلقةالـعــــــــــاشرة
ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب،لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة وترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكانيعلى المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثمسمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى وهي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلقبها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتهاعلى الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلاتالتي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كلطلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أنأخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل منالقاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التيخرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذاقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجتبسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التيأقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راويةالتي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت ولا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دوراتالمياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكونقد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أننيأعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حلإلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد مادهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلىالجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلىجانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتنيإذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة علىالاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتهادفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلاأخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلمأن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردتمتجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت فيتأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جادشيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... وقرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكنمن باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـلماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس منالمحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هوإلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددتإليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنتأتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحملمسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لاأحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلاو لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفضبناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتففي يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا وأنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائحالمناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، ومشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم مايمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابهو... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركةمسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حينرفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤيةأوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لمأملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناعالعالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقةتحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لمأستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرودباديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هلترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجلالإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنكرفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... والله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التيليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيهحتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظرأن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارةمن جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيتالموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئيإن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء والاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة منموقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لاأدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال معحسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أنأعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لهادون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لمأعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتمفي خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاتهالمرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخصغريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيراما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راويةيا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلىالمراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعتيدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حلما... |
#129
|
||||
|
||||
![]()
إن استطاع أحد التعبير عن البراعة فهو تحد كبير
بل إن التحدي الحقيقي هو المرور دون الدعاء لك بالخير الوفير فلندعوا الله لك باخير والتوفيق
__________________
سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم إذا أردت أن يعطيك الله ما تحب فاحرص على أن يرى الله منك ما يحب فاستغفر الله واحمده تعش مسرورا
|
#130
|
||||
|
||||
![]()
رائع منتظرين المفاجات
وفقكي الله
__________________
أجمل شي في الحياة حينما تكتشف وجود أناس قلوبهم مثل اللؤلؤ المكنون في الرقة واللمعان .. والصفاء والنقاء .. قلوبهم تحمل الحب والعطاء .. اللهم احفظهم واكرمهم واجمعنا بهم تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم ياارب لا تحرمنا من وجودهم فى حياتنا آمييييييييييين يا رب العالمين. |
#131
|
||||
|
||||
![]()
خلاص انتى كده كريمة جداااااااااااااااااا
المرة الجاية بقى ان شاء الله تنزلى 15 ماشى الا بالمناسبة هى كام حلقة ؟ |
#132
|
||||
|
||||
![]() الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتني إذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردت متجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت في تأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتف في يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاته المرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حل ما... |
#133
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ عدت إلى البيت بعد يوم دراسي مرهق، و بعد أن نجحت بصعوبة بالغة في إقناع راوية بأن تترك الموضوع لي و تحاول التركيز على المحاضرات، مع أنني لا أملك حلا محددا... تناهى إلى سمعي أصوات مختلفة و ضحكات مرتفعة قادمة من قاعة الجلوس... عندنا ضيوف إذن! من يكون تذكرنا في هذا اليوم يا ترى؟ عبرت الممشى بخطوات رشيقة فأخذت الأصوات تتضح أكثر فأكثر... بدت لي الأصوات مألوفة لكنني لم أستوعب الأمر جيدا... الصوت يشبه صوت عمتي سهام! لكن عمتي سهام، إنها في أمريكا... هل تكون عادت فجأة؟؟ غير معقول! بدون أن تعلمنا! سارعت الخطو و ارتقيت الدرج إلى المنزل، ثم دخلت القاعة بعد أن طرقت الباب طرقات خفيفة لأنبههم إلى وصولي... التفت الحاضرون إلي و تبادلنا نظرات طويلة مليئة بالمعاني، ثم قامت عمتي سهام بسرعة لتحتضنني قبل أن أصل إليها و هي تقول في إعجاب واضح : ـ مرام، يا حبيبتي لقد كبرت! بسم الله ما شاء الله... بسم الله ما شاء الله! ثم استلمتني سارة صديقة طفولتي، لتبادلني قبلات حارة و على شفتيها ابتسامة واسعة تنطق بالسرور و السعادة... ـ يا الله... لقد تغيرت أنت أيضا يا سارة! مبارك عليك الحجاب! كنت أنظر إلى حجابها بإعجاب... فقد تطلب منها شجاعة كبيرة و مواجهة لمجتمعها الجديد، الذي لا يقتنع بمبادئها... ـ مبارك عليك أنت أيضا يا مرام! أم تظنين أنك أنت فقط تكبرين يا حبيبتي! تبادلنا ضحكات مرحة، ثم جلست إلى جانبها و انخرطنا في حديث ودي... لكن السنوات الماضية صنعت حاجزا بيننا، و غطت ثلوج الشمال المسافة بين قلبينا... فكان من الواجب أولا أن نذيب الجليد... أن تعرف كل واحدة منا ما جد في حياة صاحبتها و ما حل بها في السنوات الأولى للشباب... فانتحينا ركنا من المجلس و انسجمنا في حوارنا و نسينا أمي و عمتي اللتين كانتا جالستين غير بعيد عنا تتبادلان أطراف الحديث. انتبهت على صوت عمتي و هي تتساءل حادجة إياي بنظرة ذات معنى : ـ قال لي طارق أن هنالك من تقدم لطلب يد مرام... فهل تراكم زوجتموها دون علمنا؟ ثم استرسلت ضاحكة! احمر وجهي فجأة على ذكر تلك الحادثة... ما تراه قال لعمتي بالضبط ذاك الفتى؟! وجدت أمي تجيب بسرعة دافعة عنها كل الاتهامات : ـ ما هذا الكلام يا سهام! مرام حتى مازالت صغيرة... و والدها لم يرض بالارتباط أصلا... (ثم بصوت أكثر ثباتا) ولكن أنت من زوّج سناء دون علمنا... و من أمريكي أيضا! بدا أن صفو الحديث بدأ يتعكر، و تحول لون عمتي إلى الأحمر ثم الأصفر... تطلعت إلى سارة، فوجدت وجهها قد امتقع... كان من الواضح أن تلك الزيجة أثرت في العائلة كلها... و تذكرت ملامح طارق حين تحدث عنها في تلك المرة... لا حول و لا قوة إلا بالله... نطقت عمتي أخيرا بعد أن بدأت ملامح أمي تلين و تتحول إلى العطف و الاشفاق : ـ ما حصل لم يكن بيدي... لكن يكفي أنها سعيدة... بادرت لأغير الموضوع : ـ و لكن أين سناء؟ ألم تأت معكم؟ ـ بلى... لقد جاءت معنا... فقد أراد زوجها أن يزور البلد و يتعرف على مسقط رأس زوجته... و قد أخذهما طارق إلى منزلنا مباشرة... فمايكل كان متعبا... لم يتعود على السفر لمسافات طويلة، كما أن الرحلة من أمريكا إلى هنا مرهقة... لكنني و سارة كنا مشتاقتين لرؤيتكم فأتينا مباشرة! هزت سارة رأسها موافقة و هي تؤمّن على قولها : ـ قررنا أن نأتي إلى هنا قبل أي مكان آخر... فلا تدرين كم اشتقت إلى رؤيتك يا مرام! و أنت أيضا يا خالتي... أمسكت بكف سارة بين كفي و ابتسمت في حنان... يبدو أنها لاتزال تعيش غربة صعبة رغم مضي كل تلك السنين! استطرت أمي قائلة : ـ سرّنا كثيرا أن طارق خصنا بالزيارة في المرة الماضية... و يسرنا أكثر أن يكون منزلنا أول مكان تدخلانه بعد المطار! تبادلنا ضحكات مرحة قبل أن تقول عمتي و هي تتطلع إلي بنفس النظرة الغريبة : ـ أنت تعلمين أن أخي سالم هو أقرب إخوتي إلى قلبي... و أن مرام و ماهر هما أحب أبناء إخوتي إلي... بل أنني أحبهما كما أحب أبنائي تماما... ابتسمت مجاملة عمتي، و أنا أتوجس خيفة من هاته المقدمات التي بدت لي غير سليمة! استعذت بالله من الشيطان الرجيم… إن بعض الظن إثم! عمتي تحبني… و ماذا في دلك؟ لكن عمتي استرسلت مخاطبة والدتي : ـ طارق كان سعيدا جدا بزيارتكم... و قد ساعدته الرحلة إلى هنا على تغيير الأجواء و استنشاق هواء الوطن... لكنه أصيب بوعكة حال عودته! تذكرت بسرعة الحال التي غادرنا عليها طارق... يا ربي... هل أنا السبب؟! انتبهت إلى عمتي و هي تتابع : ـ ... لم يعد يطيق المنزل... بل أنه يرغب في العودة النهائية إلى الوطن رغم أنه بدأ مشروعه منذ فترة يسيرة! يا الله... مضت فترة طويلة مذ رحلنا عن الأهل و الأحباب... الغربة صعبة يا أختي... لكن لست أدري أن أفرح أم أحزن لقرار طارق! ثم التفتت إلي متسائلة : ـ ما رأيك يا مرام؟ اكتسى وجهي بحمرة خفيفة و أنا أرد في اضطراب : ـ رأيي أنا؟ فيم؟ استطرت عمتي تشرح الموقف : ـ طارق يا ابنتي يريد العودة إلى الوطن في أقرب فرصة و بدأ مشواره من هنا... فقد كان لزيارته الأخيرة أثر بالغ في نفسه... ثم أضافت باسمة : ـ و أظنكما تحدثتما كثيرا في المرة الماضية كعهدكما منذ سنوات خلت... لم أدر بما يمكنني أن أجيبها... فأطرقت صامتة. لكن أمي أنقذتني من الموقف بقولها : ـ يا سهام... الصغار يكبرون، ينضجون و طباعهم تتغير... طارق ما شاء الله أتم دراسته و يدير مشروعه الخاص، و مرام كبرت هي الأخرى و إن شاء الله تتخرج طبيبة بعد سنوات قليلة... قاطعتها عمتي في لهجة تأكيد : ـ و إن شاء الله نفرح بهما قريبا! ثم التفتت إلى والدتي في اهتمام و هي تقول : ـ قلت أن خطبة مرام لم تتم؟ عسى أن يكون في ذلك خير... بدأت شكوكي تتوثق من نوايا عمتي العزيزة... لكن هل طارق على علم بما تخطط له؟ من المفروض أنه فهم الموضوع جيدا في المرة الماضية و لا سبيل إلا معاودة المحاولة! أم أن عدم حصول الخطبة إلى حد الآن من الممكن أن يعطيه آمالا جديدة؟! قاطع خيط أفكاري رنين الهاتف على الطاولة المجاورة لمقعدي... ـ مرام... هلا رددت؟ ـ حاضر يا أمي... إحساس غريب راودني و أنا أمد يدي لأرفع السماعة من موضعها : ـ السلام عليكم و رحمة الله... كان الصوت متوقعا لكن العبارة بدت في غير محلها! أو ربما غير منتظرة من ذاك الشخص بالذات! ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... طارق؟! ـ نعم... كيف حالك يا مرام... و كيف حال خالي و الوالدة؟ ـ بخير... شكرا لك... عمتي سهام عندنا... ـ نعم... اتصلت لأسألها متى تود أن آتي لاصطحابها إلى المنزل هي و سارة... وجدتني أسأل في ود : ـ ألن تأتي لقضاء السهرة عندنا؟ ـ إن شاء الله في فرصة قادمة... شكرا لك يا ابنة خالي... لكن الجميع متعبون من السفر و لا يمكنني السهر كثيرا... في فرصة قادمة إن شاء الله... لست أدري لم كان قلبي منشرحا بعد أن بلغت طارق بالموعد الذي قررته عمتي و وضعت السماعة... رغم أنه رفض دعوتي بكل لطف و ربما كان لا يزال مستاء مني و من الموقف المحرج الذي وجد نفسه فيه في لقائنا الأخير... لكن التغيير كان واضحا في لهجته، في عباراته، في طريقته و في صوته... |
#134
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ رن جرس الباب الخارجي، فالتفتت عمتي إلي و هي تقول : ـ إنه طارق... هلا فتحت له يا ابنتي؟ تبادلت و أمي نظرة ذات معنى و تلكأت في الوقوف من جلستي فأردفت أمي : ـ ماهر سيفتح الباب... لا تقلقي... ارتفع رنين الجرس للمرة الثانية، ثم لم تمض لحظات حتى سمعنا خطوات ماهر في الرواق و هو يهتف في شكوى : ـ ألم يفتح أحد الباب؟! ابتسمت أمي و هي تقول لعمتي : ـ سررنا جدا بزيارتكما و إن شاء الله نرد الزيارة قريبا... وضعت عمتي كفها على كف أمي في تودد و هي تجيب في تأكيد و قد اتسعت ابتسامتها : ـ نعم، نعم يا حبيبتي... آمل أن نراك كثيرا في فترة مكوثنا هنا... فأنتم أهلنا، و نعم الأهل! تناهى إلى أسماعنا أصوات رجالية في الخارج و بدا أن ماهر يقنع طارق بالدخول في حين كان هذا الأخير متحرجا! و في الأخير ظهر الإثنان أمام باب قاعة الجلوس و ماهر يقول مرحبا : ـ تفضل... تفضل، لا أحد غريب... أمي و أختي و أمك و أختك! ابتسم طارق في حرج و هو يلقي التحية في صوت خفيض : ـ السلام عليكم و رحمة الله... لست أدري لم اشتد وجيب قلبي و أنا أرد التحية... هل هو طارق فعلا؟ طارق الذي زارنا منذ بضعة شهور خلت؟! لفت انتباهي هندامه المتناسق الذي كان في منتهى الذوق و الأناقة... هل هو نفسه الذي كان يتبع آخر تقليعات الموضة الشبابية؟! حتى تسريحة شعرها استبدلها بأخرى هادئة تنم عن رزانة و نضج... اختفت تلك النظرات الوقحة الجريئة... و إذا به يغض بصره و يتحدث في حياء و اتزان! بادرته عمتي هاتفة : ـ ما بك تقف هناك؟ ألن تسلم على ابنة خالك و زوجة خالك؟ احمرت وجوهنا جميعا في حين بدا الارتباك على طارق و هو يجيب : ـ أظنني سلمت يا أمي! همت عمتي بأن تعنفه على "بروده تجاه أفراد عائلته الأعزاء" الذين لم يرهم منذ مدة طويلة!!! فقاطعتها أمي و هي تقول موجهة كلامها لطارق و على شفتيها ابتسامة واسعة : ـ بارك الله في أخلاقك و رزقك زينة العقل يا بني... ثم التفتت إلى عمتي و قالت مؤنبة : ـ ابنك ما شاء الله عليه، يعرف محارمه من غيرهم... فلا تحرجيه و تجريه إلى الشبهات يا سهام! لطمت عمتي صدرها و هي تصدر شهقة استهجان : ـ ما الذي تقولينه يا أختي؟! زوجة خاله و ابنة خاله... فأين المشكلة؟! كلنا من دم واحد! عائلة واحدة يا حبيبتي! ارتفع صوت طارق هاته المرة في ضيق : ـ هيا بنا يا أمي...و سأشرح لك كل شيء في الطريق! التفتت إليه أمي في حنان و هي تردف : ـ ما بك مستعجل يا بني؟ ألن تجلس معنا قليلا حتى يأتي خالك؟ عاجلته عمتي مؤيدة : ـ طبعاااا سيجلس معنا! فأنا لم أكتف منكم بعد... و الجلسة حلوة بوجود الأحباب... أليس كذلك يا مرام؟ ابتسمت في حرج و ضيق حين التفتت إلي عمتي بكليتها تطلب تأييدي : ـ طبعا يا عمتي... طبعا... أحسست بنظرات طارق المترددة تقع علي، ثم جاء صوته كأنه يخرج من بئر عميقة : ـ كيف حالك يا مرام؟ ـ بخير... الحمد لله... شكرا لك... ثم استطرد مخاطبا أمي : ـ أنا آسف يا خالتي... لا يمكنني البقاء أكثر... إن شاء الله في فرصة قادمة... لكن بدا أن عمتي لا ترغب في أن تتزحزح من مكانها و هتفت زاجرة : ـ قلت بأنني سأنتظر خالك! هل يعقل أن أغادر دون أن أسلم على أخي؟!!! بدا الارتباك على طارق فأردفت أمي : ـ معك حق يا سهام... اجلس يا بني قليلا... خالك لن يتأخر... تردد طارق لوهلة و هي يتمتم : ـ و لكن... جذبه ماهر من ذراعه ليجلسه على الأريكة القريبة : ـ ليس هناك ولكن! ـ لكن... هناك من ينتظرني في السيارة... سناء و زوجها ينتظران في الخارج! تبادلنا نظرات واجمة في حين وقفت عمتي و هي تكاد تصرخ من فرط الانفعال : ـ سناء في الخارج و لا تنزل لتسلم على أهلها؟؟ كانت قد قطعت نصف المسافة في اتجاه الباب حين أوقفتها أمي محاولة تهدئتها : ـ اهدئي يا سهام... ربما كانت متعبة أو في حال لا تسمح لها بلقائنا... لا تغضبي منها... ـ أية حال هذه التي تجعلها تقف خارج المنزل و لا تنزل من السيارة لمجرد إلقاء التحية! طارق... أحضر أختك إلى هنا حالا!!! وقف طارق على مضض و هو يتمتم بكلمات غير مفهومة، في حين سيطر جو من التوتر على القاعة... بعد لحظات ظهرت سناء تسبقها ضربات حذائها ذي الكعب العالي على الجليز... و لوهلة ظننت نفسي أمام نجمة من نجوم السينما الأمريكية و ليس أمام ابنة عمتي... فقد كانت تلف قامتها الممشوقة في معطف من الفراء، تطل من تحته تنورة قصيرة يكاد طولها يخفيها تحت المعطف... أما وجهها فكان لوحة زيتية قد يجدها عديمو الذوق "صرخة عصرية في عالم الماكياج"!!! لم أصدق عيني... و أنا أراها ترفع خصلة من شعرها الملون لتعيدها إلى مكانها حتى لا تفسد تسريحتها... و قد بدا بالفعل أنها قادمة للتو من عند مصفف الشعر... و ربما كانت تقصد سهرة ما رفقة زوجها... فهما بطبيعة الحال قد جاءا للسياحة و الفرجة على جمال البلاد... و لا شيء يهمهما من العباد! كانت تلك الأفكار تتوارد على ذهني و هي تقترب مني في خطواتها الرشيقة لتطبع قبلات على خدي في حركة مدروسة... و فلنقل لتلقي بقبلاتها في الهواء حتى لا تختفي طبقات أحمر الشفاه الكثيفة التي كلفت نفسها عناء شديدا لتكون كما هي عليه!!! أحسست بأن التوتر قد تفاقم و ترددت النظرات الحيرى و هي تتصفح الوجوه... و فجأة ارتفع صوت رجالي غريب يهتف في مرح : ـ هاااي... انتبهنا إلى دخول الرجل إثر سناء... بالطبع، من عساه يكون غير مايكل! سارعت سناء للتأبط ذراعه و هي تقول في سعادة واضحة : ـ دعوني أعرفكم على مايك... مايكل زوجي... إنه لا يفهم العربية جيدا... لكنه يتقن بعض الجمل الخفيفة... فأردف مايكل مؤيدا قولها : ـ كيف حالكم جميعا؟ كان ماهر متحمسا و هي يجيبه بأنجليزية ركيكة مبديا حماسه : ـ فاااين... أند يوووو... ثم ارتفعت ضحكاتهما الصاخبة تحت نظرات أمي و عمتي المنزعجتين... لم يطل مكوثهم فقد استأذنت سناء و هي تقول بأنها و زوجها مدعوان للسهرة عند بعض الأصدقاء... و عمتي مضطرة إلى المغادرة باكرا لأنهما سيحتاجان السيارة لبقية السهرة!!! لكنني تمكنت من إقناع عمتي لتبقى سارة عندنا بضعة أيام، فقد لمحت في عيني المسكينة كلاما كثيرا... و علامات الانكسار و الضعف و هي ترى تصرفات أختها الغريبة أمامنا... رافقت عمتي إلى باب الحديقة فالتفتت إلي قبل أن تفتح باب السيارة و قالت و في عينيها نظرة ذات معنى : ـ سأرسل طارق إليكما غدا بالسيارة... فربما أردتما الخروج للنزهة بعد الظهر... |
#135
|
||||
|
||||
![]() ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ جلست سارة على طرف السرير و هي ترسم على شفتيها ابتسامة حزينة... جلست إلى جانبها وربتت في لطف على ركبتيها و أنا أقول : ـ و الآن... حدثيني بكل ما حصل معك في السنوات الماضية! كيف الحياة هناك و كيف الدراسة... أطرقت سارة في خجل و هي تقول في تردد : ـ الحمد لله... أدركت أنها تخفي عني أشياء... أو أنها تخشى أن تصارحني بمشاعرها و إحساسها بحياتها... فمن الصعب أن نكشف خفايا حياتنا فجأة أمام عينين غريبتين... و من غير الهين أن نتبع الصراحة مع شخص تفصلنا عنه هوة عميقة حفرتها السنوات و الأيام الماضية... أحسست بأنها لا يمكن أن تتحدث إن لم أشجعها، إن لم أبدأ أنا بمصارحتها بتطورات حياتي و بكل ما جد فيها ـ تعلمين أنني دخلت كلية الطب كما أردت دائما... و الحمد لله فأنا الآن في الصف الثالث و أنا أستمتع جيدا بكل لحظة في دراستي... عالم الطب مميز جدا، فأنا أعيش مغامرة جديدة كل يوم، و أتعلم شيئا جديدا... فسبحان الله كيف خلقنا فأحسن تصويرنا... هزت رأسها موافقة و قالت أخيرا : ـ أنت محظوظة حقا يا مرام... فقد حققت ما أردته و درست الاختصاص الذي تمنيته. فقد كنت تتخيلين نفسك دائما طبيبة جراحة! ابتسمت و أنا أتذكر تلك الأيام البريئة حيث كنا نلعب الطبيبة و مريضتها... ثم المدرسّة و تلميذتها... فقد كانت سارة تحلم بأن تصبح أساتذة علوم لأنها كانت تعشق معلمتها في المدرسة الإعدادية. سألتها في اهتمام : ـ و أنت هل تدرسين لتصبحي معلمة كما رغبت دائما؟ هزت رأسها علامة الإيجاب و هي تقول : ـ الحمد لله أن الحصول على الأستاذية لا يتطلب مجموعا كبيرا أو تفوقا في الدراسة الثانوية... ثم أضافت في حرج و هي تبتسم مطرقة : ـ فأنت تعلمين أنني لا أملك نفسا طويلا مثلك... و لا يمكنني الصبر على سنوات الطب الطويلة، و مجموع الطب الكبير... صمتت للحظات ثم استطردت : ـ تعلمين... ربما علمتني الحياة في أمريكا أن أكون قنوعة... فمن المؤكد أنني لن أجد مركزا مناسبا لطموح كبير مثل طموحك، في ظل العنصرية، و إقصاء المحجبات من الوظائف الرفيعة... نظرت إليها في دهشة : ـ ما الذي تقولينه يا سارة؟ أليست أمريكا بلد الحرية و تساوي الفرص؟ ـ ربما كانت كذلك... لكنها بالنسبة إليّ سجن كبير... ففي أية وظيفة مرموقة ينظرون إلى الشكل كثيرا و يهمهم أن تتعامل المرأة مع الرجال بصفة يومية... و عليها طبعا أن تكون منطلقة و مبتسمة، و خفيفة الظل، فتبادلهم النكات و لا تمانع إن ربت أحدهم على كتفها أو عانقها في "أخوة" و براءة! أو ما يعبرون عنه بالانفتاح و الزمالة و ما إلى ذلك!!! ـ و لكنك لست مضطرة إلى مجاراتهم فيما يفعلونه! بإمكانك أن تكوني منشرحة و منطلقة و مبتسمة... و لكن على طريقتك! على طريقة الفتاة المسلمة الحيية التي تفرض احترامها! فالوحدة و الانعزال عن العالم ليسا الحل! عقدت سارة حاجبيها في استياء و هي تقول : ـ لا يبدو أنني سأنجح في مهنة التدريس إلا إن انضممت إلى مدرسة إسلامية للبنات... ـ لا يا سارة... أنت قادرة على النجاح في أي مكان تكونين فيه، عليك فقط أنت تتحلي بقدر عال من الثقة في قدراتك... و أن تضعي نصب عينيك أنك تلعبين دورا هاما في التعريف بديننا هنالك! فالمرأة المسلمة ليست ممنوعة من الخروج و المشاركة في الحياة العلمية و الاجتماعية، بل أنها تلعب دورا هاما في وقتنا الحاضر، و المستقبل سيكون مشرقا بإذن الله... ابتسمت سارة في أسى : ـ مرام، أنت تعلمين أنني لست من ذاك النوع من الفتيات... كنت انطوائية منذ الصغر... و قد تعمق ذلك في طبعي في السنوات الأخيرة... و ربما لست مستعدة لأي تغيير... أطرقت للحظات ثم أردفت : ـ منتهى طموحي الآن أن أتم دراستي ثم أتزوج و أتفرغ لتربية أبنائي... لست أريد من الحياة شيئا آخر... نظرت إليها في دهشة و حيرة : ـ لم أكن أتوقع أن الحياة في أمريكا ستؤثر عليك بهذا الشكل! ظننت أنك ستزدادين انفتاحا على الحضارة الغربية... ليس إلى درجة سناء... و لكن أن تدخلي عالما جديدا، أن تتسع آفاقك و تكبر طموحاتك مع اتساع محيطك و نمو معارفك... لكن يبدو أن التأثير كان عكسيا تماما! حدقّت في سارة و قد تجمعت العبرات في مقلتيها ثم هتفت باكية و هي ترتمي على الفراش : ـ أريد العودة إلى الوطن... سئمت من حياتي هناك! طارق محظوظ لأنه يملك تقرير مصيره و يقدر على اتخاذ قراره بمفرده... لكن أنا... ربتت على كتفها و في عيني نظرة متفكرة : ـ سأتحدث مع عمتي في الأمر... ما رأيك بالإقامة عندنا؟ رفعت رأسها في لهفة ما لبثت أن خبت في عينيها و هي تهمس : ـ أبي لن يوافق أبدا! ـ عمي محمود؟ لماذا؟! ـ طارق لا يزال في صراع معه من أجل العودة النهائية... فهو يرى المستقبل واعدا له هنالك... وطارق لم يعد يطيق البقاء! تعرفين... بعد زيارته الأخيرة للبلد، طارق تغير كثيرا... ربما كان في حاجة إلى فترة استراحة من حياة الغربة كي يوقن بأنه لم يحسن اختيار سبيله في البداية... أنا سعيدة جدا من أجله... لكنني لا أملك نفس شجاعته و قدرته على صنع التغيير في نفسه و في نفوس من حوله... لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية قرار... لا أستطيع... التمعت في عيني فكرة و أنا اهتف : ـ دعي الأمر لي... في تلك اللحظة رن هاتفي الجوال. إنه شخص آخر وعدته بإيجاد حل لمشكلته و ها أنا لا أزال عالقة! ـ حبيبتي راوية... كيف أنت الآن؟ كان صوتها متعبا و هي ترد : ـ لا شيء جديد... كيف تسير الأمور معك؟ ـ اسمعي... ما رأيك في الخروج معنا غدا؟ سيكون من الممتع أن نقوم بنزهة في الغابة المجاورة... ـ"معكم"؟ من أنتم؟ ـ آآ... لم أخبرك أن ابنة عمتي سارة عندنا هاته الأيام... ـ آه... طيب... لا أريد أن أزعج لقائكم العائلي... إن شاء الله في فرصة قادمة... ـ لا تقولي هذا يا راوية... ليس هنالك من إزعاج أبدا... ستحبين سارة جدا... إنها في مثل عمرنا، و هي أيضا مشتاقة إلى التعرف عليك... أليس كذلك يا سارة؟ هزت سارة رأسها موافقة، و أجابت راوية في تردد : ـ حسن... سأحاول... ـ لا، لا... أنت ستأتين معنا لا محالة... سأنتظرك صباح الغد... نريد أن نستمتع بيومنا! ربما لم أكن قد وجدت الحل المناسب لكليهما، لكن النزهة ستساعد على إزالة حالة التوتر و تغيير الجو لبعض الوقت... و ربما تفرج فيما بعد! انتبهت على صوت سارة و هي تسألني على استحياء : ـ كيف يمكن للفتاة أن تكون منطلقة و متفتحة، و تحافظ على دينها و أخلاقها الإسلامية في آن واحد؟ نظرت إليها في دهشة... فلم أكن أمتلك وصفة سحرية أعطيها إياها، لكنها قناعة لدي بأن الإسلام ليس حاجزا بين المرأة و بين طموحاتها، بل هو السبيل إلى أن تحفظ كرامتها و حشمتها و تحقق ذاتها في نفس الوقت... ـ يا حبيبتي يا سارة... المرأة في الإسلام كانت العالمة و الطبيبة و السياسية و هنالك نماذج كثيرة عرفناها على مر التاريخ... بدا لي أن كلامي مبهم و مغرق في المثالية و العمومية فاستدرك بسرعة : ـ ربما يبدو الاستشهاد بالأمثلة التاريخية نوعا ما بعيدا عن واقعنا المعيش... فالظروف تغيرت بالتأكيد... لكن الدين يبقى قابلا للتطبيق في كل زمان و مكان... قاطعتني سارة في حيرة و نفاذ صبر : ـ هلا أعطيتني أمثلة تطبيقية؟ هرشت مقدمة رأسي في تفكّر ثم قلت : ـ حسن... في حالتك أنت مثلا... في كليتك تقام بالتأكيد لقاءات ثقافية و تظاهرات عامة، هل فكرت مرة في حضورها؟ بدا على عليها الارتباك و هي تهمهم : ـ في الحقيقة... لا أهتم بمثل تلك الأشياء... في الكلية أكتفي بحضور الدروس و حسب! هززت رأسي و أنا أقول : ـ يا عزيزتي... إن أول خطوة لتجاوز العزلة و الانطواء هي أن تحاولي المشاركة في مثل تلك التظاهرات، حيث لا يلاحظك أحد و يمكنك أن تراقبي الناس و هو يتكلمون و يتناقشون! تتعلمين منهم في صمت... حاولي أيضا أن تنضمي إلى بعض النوادي الجامعية، حتى تنمي مهاراتك في التواصل و المشاركة في الأعمال الجماعية... إن المشاركة أمر ضروري جدا، لأنك في حياتك المهنية ستجدين نفسك في مواقف حيث التعاون عامل لا يمكن تجاوزه... كما أن عليك أن تتعلمي كيفية مواجهة العالم دون خوف، و كيفية اتخاذ قراراتك الشخصية دون توجيه أو إملاء من أحد! فالمرأة كيان مستقل و لا يمكن أن تظل تابعة لكيان الرجل إلى ابد، سواء كان أبا أم أخا أم زوجا! فلا تظني بأنك بزواجك ستتخلصين من سلطة والدك و تتحررين، لأنك ستركنين إلى سلطة جديدة هي سلطة الزوج، و إن لم تتمكني من ترسيخ معنى وجودك من الآن، فلن يتغير الوضع أبدا... بل ربما يصبح أسوأ إن وقعت على زوج لا يخشى الله فيك! رأيت القلق و الجزع في عينيها و هي تهتف في توسل : ـ ولكن كيف أتغير يا مرام...كيف؟! أمسكت بكفها بين كفي في حنان و أنا أقول : ـ يجب أن تأتي للعيش معنا... |
العلامات المرجعية |
|
|