اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > مصر بين الماضى و الحاضر

مصر بين الماضى و الحاضر قسم يختص بالحضارة و التاريخ المصرى و الاسلامى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-10-2017, 08:55 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp الحياة الاقتصادية في الإسلام


تعريب العملة وإقامة دُور لضربها:
على نهجِ الإسلام في الإفادة من الحضارات السابقة تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع العملة، فعندما ظهر الإسلام أقرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم النقودَ على ما كانت عليه، وتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه النقود، وزوَّج ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، بصداق قيمته 480 درهمًا، وفرض الرسول صلى الله عليه وسلم زكاةَ الأموال بهذه النقود السائدة.
وعمِل الخليفة أبو بكر بسُنَّته صلى الله عليه وسلم، ولَمَّا استخلف عمر بن الخطاب وفتح الله على المسلمين بلادَ الفرس أقرَّ النقود الساسانية في إيران والعراق كما هي بلغتها وحروفها وشعاراتها.
لكن نظرًا لاتِّساع دائرة العالم الإسلامي، ولوجود الحاجة إلى نقود كثيرة، وأيضًا لوجود شعارات مسيحية أو فارسية تخالف العقيدة الإسلامية على هذه النقود الأجنبية - شعر المسلمون بضرورة إنشاء دُور لسكِّ العملة خاصة بهم، حاملة لشعارات الإسلام.

وقد ذكر ابن خلدون في المقدمة تعريفًا للسكة يفيدنا أن: السكة: هي الختم على الدنانير والدراهم، المتعامل بها بين الناس، بطابع من حديد، تنقش فيه الصور أو الكلمات المطلوبة بطريقة خاصة.
وقد بدأ هذا الشعور يتألَّق ويدخل حيِّز التنفيذ عندما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 18 هجرية ببناء دارٍ لسكِّ العملة الفارسية في طابع فارسي؛ كي ينقش عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ بهذا كان لعمر فضلُ وضع الشعار الإسلامي على نقود فارس، ليتداولها المسلمون في غير حرج من دينهم؛ ونظرًا لقلَّة إنتاج النقود في أيدي الناس نتيجة اتِّساع الدولة الإسلامية تعطَّلتِ الأمور، وعالج الخليفة عمر تلك الأزمة باستيراد المحاصيل مِن مصر، وبإكثار سكِّ النقود؛ بأن أمر دار السك أن تنقص الوزن، فتجعله ستة مثاقيل لكل عشرة دراهم، بدلًا من مثقال لكل درهم، واتَّخذ عثمان رضي الله عنه، هذا الوزن في نقوده التي كتب عيها (الله أكبر).
أما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (41 - 60هـ)، فأراد أن يرجعها إلى الوزن الأول، ولكن زياد بن أبيه أقنعه باستعمال الوزن الخفيف.
وقد وصَلَت دراهمُ معاوية إلى المتحف البريطاني في لندن، وهي دراهم عليها صورته متقلدًا سيفه، وعندما تولى عبدالملك بن مروان - خامسُ الخلفاء الأمويين - الخلافةَ، وتركزت السلطة في يده في جميع أرجاء الأمة الإسلامية؛ بدأ يصبغها بالصبغة العربية الإسلامية في جميع الميادين الإدارية والمالية؛ فضُرِبت في عهده أول نقود عربية بعبارات إسلامية، بل سُجِّلت عليها الشهادتان (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، بالخط الكوفي البسيط، وقد استطاع عبدالملك أن يُحقِّق نجاحًا كبيرًا في تعريب النقود، فتمَّ التعريبُ الكامل للنقود سنة 77 ه، فاحتلَّت الكتابات العربية وجهَي الدينار، ونُقِشت عبارات التوحيد والبسملة وسَنة الضرب، أما وزن الدنانير، فقد حدده الوزن الشرعي وهو 4.25 جم[1]، وسار الخلفاء الأمويون على خُطى عبدالملك في سكِّ الدنانير العربية الإسلامية[2].

وبعد سقوط بني أمية سنة (132هـ) نَقَص عبدالله بن محمد (السفاح) وزن الدرهم حبة، ثم حبتين فيما ضربه من النقود؛ لقلَّة موارده من المعادِن وكثرة ما أنفقه في القضاء على الثوراتِ، وجاء بعده أبو جعفر المنصور عام 146هـ، فنَقَص بدوره من الدرهم ثلاثَ حبات، في محاولةٍ لإيجاد توازن بين المعروض من النقود والطلب على الواردات، كما ضربت نقود في عهد الخليفة المهدي عام 163 هـ بشهادة التوحيد، وضُربت نقود في عهد هارون الرشيد (170 - 193هـ)، كُتب عليها بالخط الكوفي شهادة التوحيد، ونقش حرف (ه) أسفل لفظ الجلالة إشارة إلى اسم هارون، وتميَّزت هذه العملة بالدقة أكثر من النقود السابقة.

وفي مصر ضُربت أول نقود إسلامية في عهد الدولة الطولونية، بعد أن أسس أحمد بن طولون عام (257هـ) دارًا لضرب النقود والدنانير التي عُرفت بالأحمدية، وامتازت بعيارِها الجيد، وذلك بعد توحيد مصر والشام.
لقد ازدهرتِ الحياة الاقتصادية - ولا سيما التجارة - في ظل الدولة العربية الإسلامية بصورها وأشكالها كافَّةً؛ وذلك بفضل انتشار الأمن، والاهتمام بالطرق التِّجارية، وتشجيع التبادل التِّجاري، ووجود مراكز تِجارية حضارية كالمدن المهمة والعواصم.
وقد أدَّت التجارة دورًا كبيرًا في نشر الثقافة العربية الإسلامية وإيصالها إلى بلادٍ لم تصلها الفتوحات؛ فكان للتجار الصادقين الأمناء دورٌ مهم في نشر رسالة الإسلام، ولو تصفَّحنا كتاب الدعوة إلى الإسلام (لتوماس أرنولد)، لوجدناه حافلًا بصورٍ رائعة لكثيرٍ مِن التجَّار الصادقين الذين نشروا الإسلامَ بأخلاقهم.

كما ازدهرَت الزراعة وتنوَّعت المحاصيل لتلبِّي حاجات وأذواق الناس؛ وذلك بسبب تنوع التربة والمناخ، واتِّساع الأرض والتكامل الاقتصادي وفتح الحدود بين كل بلاد الإسلام[3].
كما أن النظام الاقتصادي عمِل بطبيعتِه على تحقيق الرخاء؛ من خلال ازدهار الصناعات اليدوية، والموارد المعدِنية، والآلات الخشبية، والعطور، والآلات الطبية، وصناعة الوَرَق، والسكر؛ إلى جانب ذلك كانت هناك الموارد الاقتصادية الشرعية، وعلى رأسها:
الزكاة: (2.5%)، وهي واجبة في النقود، والذهب، والفِضة، والثمار.
والخَراج: وهو ضريبةٌ تُفرَض على الأرض المزروعة المصالح عليها.
والجِزْية: وهي مبلغ يدفعه أهل الذمة من النصارى واليهود للدولة الإسلامية، مقابل أن تقوم الدولة بحمايتهم والدفاع عنهم، وتتراوح ما بين 12 و 48 درهمًا في السنة حسب حالة الفرد.
والغنائم: وهي المال الذي يظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر من الكفار، وخُمُسه للهِ وللرسول صلى الله عليه وسلم وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وكذلك الفيء، وهو ما أخذه المسلمون دون قتال.
والعشور: وهي ضرائب على بضائع التجَّار.

فضلًا عن الأوقاف والصدقات الكثيرة، وصور التكافل الاجتماعي التي لا تكاد تحصر، ولعددٍ من القرون كانت الخلافة الإسلامية أكبر دول العالم اتساعًا؛ لدرجة أن هارون الرشيد كان يقول للسحابة: أمطري كيف شئتِ فسيأتيني خراجُك.

وإلى جانب عوامل النموِّ الاقتصادي المعروفة من زراعة ورعي وصناعة وتجارة، كانت هناك مصادر متنوعة أخرى تصل لخزينة الخلافة الإسلامية، وتمكِّنها من الاستبحار في العمران ومظاهر المدنية والترف، وما هو في حدود المعقول وما هو خارج عن حدود الدين والعقل.

وقد رصد (جورجي زيدان) - في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) - الإيرادات على أيام الخليفة العباسي المأمون في جدول يتضمَّن ما يجيء من الأموال النقدية والبضائع والأمتعة والمحصولات، وذلك في الأقاليم والولايات المختلفة، وكان مجموع جباية الدولة ثلاثمائة وتسعين ألف ألف وثمانمائة وخمسين ألف درهم؛ أي: ما يقرب من أربعمائة ألف ألف درهم، هذا بالإضافة إلى قيمة الموارد العينيَّة.
أما في عهد الخليفة (المعتصم بالله)، فقد أورد (قدامة بن جعفر) - في كتابه (الخراج وصناعة الكتابة) - إيرادات الخلافة؛ حيث بلغ المجموع الكلي للإيرادات 388311350 درهمًا[4].

ولقد أورد ابن خرداذبة - في كتابه (المسالك والممالك) - جباية أرض السواد وجباية أقاليم المشرق، وأقاليم الدولة الإسلامية الأخرى؛ وقد احتسب جورحي زيدان على أساسها في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) أثمانَ الكميات من الحاصلات بحسب السعر السائد وأضافها إلى الجباية النقدية، ونظم بها جدولًا تضمَّن الإيرادات موزعة على الأقاليم، وقد بلغت جملتها 299265340 درهمًا، وهي تعود إلى ما قبل سنة 232هـ (القرن الثالث الهجري)؛ على النحو التالي:
1- إيرادات السواد: 78319340 درهمًا.
2- إيرادات بقية ولايات العراق: 17300000 درهم.
3- إيرادات ولايات المشرق: 132096000 درهم.
4- إيرادات ولايات الشام:1990000 دينار، وتعادل 29850000 درهم.
ويلاحظ أن الجباية كانت تميل إلى الانخفاض[5]، بحيث بلغ الفرق بين الجباية على عهد المأمون، وما صارت إليه في أواسط القرن الثالث، قريبًا من المائة ألف ألف درهم، ويعود هذا الانخفاض في الإيرادات إلى عوامل عديدة؛ منها ما هو معروف موثق، ومنها ما يمكن استنتاجه من سير الأحداث التاريخية؛ فمن العوامل الموثقة أن الخليفة المأمون خفض نسبة الخراج إلى خُمسي الغلة بدلًا من نصفها، وكان الخليفة الواثق بالله أمر بإلغاء أعشار السفن التجارية تشجيعًا للتجارة، كما أن الخليفة المهتدي بالله أمر في سنة 252ه بإسقاط ما تبقى على أصحاب الأراضي من الديون، وكانت اثني عشر ألف ألف درهم، أما العوامل الأخرى، فمنها ظهور بعض الإمارات شبه المستقلَّة؛ فقلَّت المبالغ التي تُحوَّل إلى بيت المال، ومنها انخفاض مبالغ الجِزية لدخول الناس في الإسلام، يضاف إلى ذلك سوء المكلَّفين بجباية الضرائب.
*
الأثر الحضاري للاقتصاد الإسلامي في العالم:
كانت الخلافة الإسلامية، بل كانت الأرض الإسلامية كلها، مفتوحة بلا حدود، سواء فيما بين المسلمين بعضهم البعض، أو فيما بينهم وبين غيرهم من أبناء الأديان والحضارات الأخرى، ما لم تكن هناك حالة حرب.
وقد قسَّم المسلمون الأرض إلى أقسام ثلاثة: دار إسلام، ودار حرب وهي التي يجاهرنا أهلُها بالعداء، ودار عهد وأمان، وهي بقية العالم.
وعبر دار الإسلام وبلاد العالم الأكبر والأوسع - وهي الداخلة تحت راية العهد والأمان - كانت العلاقات السلمية الاقتصادية والثقافية والعلمية تمتدُّ بلا قيود إلا في إطار الأحكام العامَّة التي تقتضيها عوامل الأمن.
وقد تنوَّعتْ طرائق التأثير الإسلامي الاقتصادي في البلاد الأوروبية وغيرها حسب المجالات الاقتصادية المعروفة، بحيث نستطيع القول: إن هذه التأثيرات شملت مجالات الزراعة والصناعة، والفنون والزخرفة، وغيرها[6].

ففي المجال الزراعي أدخل المسلمون إلى الأندلس قائمة طويلة من النباتات؛ مثل: الأرز، والقطن، وقصب السكر، والبرتقال، والليمون، والباذنجان، وغيرها.
كذلك قام المسلمون بإدخال أساليبهم في ري النباتات إلى الأندلس؛ فشقُّوا القنوات، وأدخلوا النواعير بنوعَيْها، سواء منها ما كان يعتمد على قوة تيار المياه، أم تلك التي تجرها الحيوانات في ربوع الأندلس لتروي المزروعات المختلفة؛ حتى إنهم قاموا بإدخال الطريقة البدائية لرفع الماء - والمعروفة في مصر باسم الشادوف - إلى تلك البلاد التي لم تكن تعرفها من قبل.
كما أفادت إسبانيا المسيحية من الطرق والوسائل التي ابتكرها واستخدمها المسلمون في ري المزروعات إبان الوجود الإسلامي بها؛ بالقنوات التي استولى عليها المسيحيون في وادي نهر الإبرو، أو على طول فالانسيا (بلنسية)؛ تلك القنوات التي شقَّها المسلمون، وأفاد منها الإسبان بعد ذلك[7].
غير أن هناك أثرًا تركه المسلمون، لا يظهر إلا نادرًا في جنوب أوروبا، وإن ظهر فإنه يظهر في إطار غير زراعي؛ ذلك الأثر هو القنوات الجوفية التي تكون مجرى للماء تحت الأرض عن طريق الربط بين سلسلة من الآبار، وهو يظهر بصورة واضحة في مدريد، وقد استُخدم ذلك الأسلوب في إفريقيا لري الأراضي، وجلب المياه التي تبعد عن الأراضي بمسافات شاسعة.
وكما هو معلوم فإنه ليس لمدريد أي تاريخ يُذكر قبل الفترة الإسلامية، ولعلَّ اسم مدريد، وأصله عربي (مجريط)، يتعلَّق بهذه الممرات المائية[8].
وكما ازدهرت الزراعة - وكان لها تأثيرها في أوروبا - كذلك ازدهرت الصناعة في ظلِّ الحضارة الإسلامية.

ونستطيع أن نقول: إن العصر العباسي شهِد تطورًا كبيرًا في عالَمَي الزراعة والصناعة، ولا ننسى هنا أن سفير هارون الرشيد حمل ساعةً تتكوَّن من آلات معقَّدة، مصنوعة بطريقة فنِّية إلى بلاط شارلمان، مما يدلُّ على الأسبقية المطلقة للمسلمين في صناعة الساعات، لدرجة أن هذه الصناعة قد تطوَّرتْ فأُلِّفتْ فيها كتب، على رأسها كتاب (في موضوع الحركة الذاتية) للجزري، ألَّفه حوالي (سنة 602 هـ - 1206م)، وهو يضم صورًا للآلات المعقَّدة التي تتكوَّن منها الساعات، ولئن كان أهل الحرف والصناعات هم الأساس لأيِّ نهضة في الصناعة؛ فإننا نعجب عندما نجد في كل صنعة من الصناعات - كبيرة أو صغيرة - كتبًا ألَّفها الصنَّاع والحِرْفيون أنفسهم عن صناعاتهم، سواء كانت هذه الصناعات ذات صلة بالعلم أم بالمأكل والمشرب؛ فهناك صناعة أدوات الكتابة، والورق، والزجاج، والصياغة، وسكِّ النقود، وفن الطبخ، والمباني والعمارة، وهذا يدلُّ على أن العامل المسلم في العصور الوسطى كان رجلًا متعلمًا يمارس صنعتَه على أصول مقرَّرة مسطورة في كتب؛ لأن أسلوب معظمها يدل على أن مؤلِّفيها كانوا من رجال الصنعة الممارسين لها، يكتبون لأهل صنعةٍ مثلهم، فهم يستخدمون المصطلح الجاري بينهم والعبارات التي لا يفهمها إلَّا العمال أنفسهم[9].

وإن مَن يتأمَّل بلاد المسلمين وما خلَّفته فيها العصور الماضية من الآثار يجد أن معظمه من عمل أولئك الصنَّاع؛ فالمساجد والقصور الباقية وما تنطوي عليه من روائع العمارة والهندسة، وزينتها ونقوشها، ومنابرها ومشربياتها وسقوفها، وأعمال الخشب والمعادن والرخام، كل ذلك يدل على روح فنِّي أصيل وذوق شرقي بديع، وكذلك النسيج الجميل الذي اشتهر به الكثير من بلاد الإسلام؛ فقد كانت بعض نماذجه ترقى إلى مستويات لا تقل عمَّا تخرجه أحسن مصانع النسيج المعاصرة، وإن الإنسان ليرى زخارف (تاج محل) في مدينة أكرا بالهند، ويقارنها بزخارف القصور في المغرب في مدن تطلُّ على المحيط الأطلسي ويتعجب كيف استطاع (تقليد) فني واحد أن يسود في مساحات شاسعة كهذه[10].

ولقد استطاع الصنَّاع في بلاد العالم الإسلامي أن يقوموا بالوفاء بكل حاجات بلادهم من الأشياء المصنوعة؛ فهم قدَّموا للناس كل ما لزم لهم من المنسوجات بكل أنواعها، سواء كانت صوفية، أم كتانية، أم قطنية، أم حريرية؛ بل أخرجت المناسج في الهند، وإيران، والشام، ومصر، واليمن، أقمشةً رقيقة متقنة راجت في العالم كله.
وقد استوردت أوروبا من بلاد الإسلام منسوجاتٍ شتى، راجت في أسواقها بأسمائها التي تدل على أصولها؛ فعرَفت أوروبا قماشًا حريريًّا رفيعًا سمي بالفستيان fusian، وأصله مصنوع في فسطاط مصر، ومن هنا جاء اسمه.
وعرَفَت أوروبا الدِّمَقْس الذي يُصنع في دمشق، وسمِّي في أوروبا بالدماسك Damask، وكانت توجد منه أنواع شتَّى، واستورد الإيطاليون الحريرَ الموصلي الرفيع، وشاع في أوروبا، باسم الموسلين وصنعوه في بلادهم، ومثل هذا حدث للحرير البغدادي؛ فقد كان الإيطاليون يُحرِّفون اسم بغداد إلى بالداكو Baldacgo، واستوردوا كذلك قطنيات حمراء رقيقة من غرناطة كانت تسمى بالغرناطيات Grandines [11].

وكان الناس يصنعون في حي العتابية في بغداد قماشًا ممتازًا - (والعتابية منسوبة إلى صحابي جليل هو عتاب بن أسيد) - فوصل هذا النسيج إلى أوروبا، وسمِّي العتابي Aattbi، وقلَّد صناعته الأندلسيون وصدَّوره إلى فرنسا؛ حيث عُرف باسم تابي Tabi[12].

وفي نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) - أي في الفترة التي شاع فيها استعمال فن تطعيم المعادِن في الشرق الإسلامي - أصبح تأثير فن صياغة المعادِن الإسلامي أوسع انتشارًا في أوروبا، وتمثَّل ذلك في ظهور عدد كبير من الطسوت، والأطباق الكبيرة، والأباريق، والشمعدانات، مصنوعة بهذه الطريقة في البندقية، واستمرَّ ظهورها طوال النصف الأول من القرن.

وقد كان الصناع الأوروبيون يُقلِّدون الطريقة الفنية الشرقية في صنع أشياء على هيئة القطع المستوردة بصفة عامَّة، ولكن مع زيادة في أشكال الزخارف القائمة على خطوط، ويحتمل أيضًا أن تكون الرسوم الشرقية هي النموذج، أو على الأقل مصدر الإلهام لستِّ قطعٍ فنية من النُّحاس محفورة برسوم دائرية بيضاء على خلفية سوداء[13].

وعلى الرغم من أن الفخَّار سهل الكسر، وأن نقله بِناءً على ذلك كان صعبًا، فإن نماذج منه ترجع إلى العصور الوسطى، قد وصلت إلى أوروبا من الشرق الإسلامي في أعداد قليلة، ونجد دليلًا على ذلك في طراز الصحاف الفخارية المعروفة باسم بتسني (bacini)، وهي عبارة عن آنية مسطَّحة مستديرة مطلية بالطلاء الخزفي؛ كانت توضع - نظرًا لتأثير ألوانها - في الكنائس الإيطالية؛ إما في الواجهة الأمامية لمبنى الكنيسة أو في برج الأجراس.

وهناك تأثير مباشر بصورة أكبر، مارسه الفخَّار الإسلامي، وخاصة الأنواع الأندلسية المطليَّة بالقصدير المزجج، وبما يسمى بالسجرفيتو Sagraffito؛ أي: الزخارف ذات البريق المعدني، وقد وجدت هذه الأنواع والزخارف في صناعة الفخار الإيطالي؛ التي لم تلبث أن بلغت شأوًا بعيدًا من الازدهار، وكانت هناك بعض أشكال الزخارف على الآنية الخزفية؛ مثل القصاع الصغيرة، والزهريات، والقُدور، وأواني العقاقير.

أما الزجاج الإسلامي، فقد وُجد في أماكن أوروبية قليلة في العصور الوسطى مع صعوبةِ نقله، مع أن اكتشاف آنية زجاجية إسلامية في السويد، وجنوب روسيا، وفي الصين، يدلُّ على أن بُعْد المسافة لم يَحُلْ دائمًا دون نقل هذه الأواني، وكانت تلك الأواني في العادة تستقرُّ في الكاتدرائيات والكنائس والأديرة.

وهناك قطع أخرى نعرفها عن طريق قوائم المتاحف، مثال ذلك نجده في القائمة الخاصة بمقتنيات شارل الخامس ملك فرنسا (1379م - 1380)؛ إذ نقرأ في هذه القائمة: (ثلاثة أوانٍ من الزجاج على الطراز الدمشقي)، بالإضافة إلى طَسْت وزجاجة سراج، وقطع زجاجية أخرى من دمشق أيضًا.

وقد كان تجليد الكتب من الفنون التي تحملُ طابع المسلمين كما هو معروف، وقد تعلَّمتْ أوروبا هذه الصناعة من المسلمين، واشتملت عملية تطويرها على إحلال الورق المقوَّى محل الخشب (مادة داخلية) لجلد الكتب، والكتابة المذهَّبة على الجلد، وخاصة بواسطة أداة محماة، وفي الحالة الأخيرة، أي: حالة الكتابة المذهبة؛ فإن لدينا دليلًا حقيقيًّا يؤكد أسبقية المسلمين على أوروبا في هذا الفن؛ إذ يظهر أول ذكر لعملية تذهيب الكتب في كتاب مغربي يتناول فنون صناعة الكتب، وأُلِّفَ في المدة الواقعة بين سنتي (454 - 502 هـ/ 1062 - 1108م)؛ في حين أن أول تجليدٍ استُعمِل فيه التذهيب بأداة محماة، عمل لسلطان من أواخر سلاطين الموحِّدين في المغرب، يرجع تاريخه إلى عام 654/ 1256م، وفي المقابل نجد أن أقدم استعمال غربي لهذا الفن كان في إيطاليا، ويعود تاريخه إلى العام 863 هـ/ 1459؛ أي: بعد أكثر من قرنين من الزمان[14].

[1] عبدالوهاب القرش: العلاقات الحضارية، ص (82 - 84).
[2] عبدالفتاح غنيمة: ميادين الحضارة العربية الإسلامية، وأثرها على الحضارة الإنسانية، ط3/ ط2، دار الفؤاد العلمية بالإسكندرية، 1994م، ص (28، 29) بتصرف، وانظر الكتاب العظيم لأستاذنا الدكتور محمد ضياء الريس (رحمه الله): الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية.
[3] ابن رستة: الأعلاق النفيسة (118)، ابن خردازبة: المسالك والممالك (84)، وهناك إشارات كثيرة في كتب الجغرافية الإسلامية تدل على ازدهار الزراعة، وكثرة العمران الريفي.
[4] أحمد عبدالباقي: معالم الحضارة الإسلامية ص (148، 149، 150).
[5] المرجع السابق، (152).
[6] أحمد الباشا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية، ص (141).
[7] المرجع السابق، ص (142، 143).
[8] عبدالوهاب القرش: العلاقات الحضارية، ص (221).
[9] أحمد الباشا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية، ص (143 - 146).
[10] عبدالوهاب القرش: مرجع سابق، ص (234).
[11] المرجع السابق، ص (181).
[12] حسين مؤنس: عالم الإسلام ص (218، 219، 220)، (بتصرف)، الزهراء للإعلام العربي 1410 ه - مصر.
[13] المرجع السابق، ص (150).
[14] عماد الدين خليل: قراءات في الفكر الغربي حول الفن الإسلامي، ص (21 - 28).

أ. د. عبدالحليم عويس

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-10-2017, 08:56 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp المشكلة الاقتصادية بمنظور إسلامي

احتلَّت المشكلة الاقتصادية أهميةً كبيرةً في أدبيات النظرية الاقتصادية الرأسمالية، فقد افترضت أدبياتُ الاقتصاد الرأسماليِّ أن المشكلة الاقتصادية تكمُن في شحِّ الموارد المتاحة للاستخدام ومحدوديتِها، في مقابل حاجات الإنسان المتزايدة؛ ويترتَّب على هذه الفرضية حصولُ فجوة بين محدودية الموارد المتاحة للاستخدام، وبين الحاجات الإنسانية المتزايدة.
*
ومع أن العَلاقة بينهما ليست دالية بشكل رياضيٍّ محض، بحيث إن أيَّ زيادة في الموارد، تتبعها بالضرورة زيادةٌ في الحاجات بنفس النسبة وبنفس الاتجاه، فإن التحليل الاقتصاديَّ من واقع مؤشِّرات أداء الاقتصاد الرأسمالي يُثبت هذه الحقيقة.
*
وقد لا يعرف الكثيرُ - حتى من بين المهتمين بالاقتصاد - شيئًا عن المشكلة في الاقتصاد الإسلاميِّ؛ حيث لم يحظَ مثل هذا الموضوع بكثير من البحث والتحليل والدراسة على المستوى الأكاديمي؛ لغياب استخدام آليات الاقتصاد الإسلاميِّ اليومَ عن تعاملات السوق في الإنتاج والتبادل في الحياة العملية، بعد أن هيمن الاقتصاد الرأسماليُّ على التعامل في السوق في كافة مجالات الحياة المعاصرة، وقيَّد حركةَ الأنشطة الاقتصادية في السوق بموجب قوانينه التي أصبحت هي المقاييس المتداولة في العلوم الاقتصادية المعاصرة.
*
ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى أن الاقتصاد الإسلاميَّ ينهج منهجًا يختلف تمامًا في الرؤية عند تعامُله مع المشكلة الاقتصادية؛ فلا يرى أن الموارد الاقتصادية في الطبيعة محدودةٌ؛ وذلك انطلاقًا من حقيقة أن القرآن يتعامل مع المشكلة على قاعدة: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، بمعنى أن الموارد المتاحة للاستخدام غير محدودة، وهي كافية لسدِّ حاجة الإنسان، بشرط السعي الجاد للتحصيل، وعدم التقاعُس عن العمل؛ ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾[التوبة: 105]، ومراعاة الارتقاء بالأداء، وعدم التكاسُل في الإنتاج لتحقيق عائد مجزٍ على قاعدة: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41].
*
ويُلاحظ هنا أن جودة الأداء ودقَّتَه تكتسب بُعدًا عقديًّا، بالإضافة إلى بُعدها الفنيِّ العملي، على قاعدة التوجيه النبويِّ الكريم في هذا المجال: ((إن الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه))؛ وذلك حتى لو انعدم نظام الرقابة والسيطرة النوعية على المنتوج خارج رقابة الضمير.
*
ومن هنا؛ فإن المشكلة الاقتصادية - بحكم حثِّ الإسلام المسلمَ على العمل والإنتاج، والعمل على ترشيد الاستخدام؛ حيث من حقه الانتفاع بمواردها؛ بالاكتفاء بسد الحاجة، وعدم الإسراف والمبالغة في تبذيرها؛ للحفاظ عليها من الهدر والضياع؛ ليظل محكومًا بمعيار: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31] - تُشكِّل كلها محدِّداتٍ عامةً للتعامل مع المشكلة الاقتصادية.
*
ومن هنا؛ كان الفرد المستهلك في الاقتصاد الإسلاميِّ متوازنًا كليًّا؛ سواء على مستوى إشباع حاجاته الضرورية على قاعدة: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]، أو مستوى الحفاظ على الموارد؛ تماشيًا مع قاعدة التوازن الكلية في الكون والبيئة على قاعدة: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
*
ومما تقدَّم يُلاحظ أن الحرص على الإعمار، والإنتاج، وترشيد الاستهلاك في الاقتصاد الإسلامي - بما هي وظائف دنيوية عملية يقتضيها مبدأ الاستخلاف - فإنها تظل معايير محل اعتبار عقدي ابتداءً، تفرضه على المستهلك مقتضياتُ الإيمان بقواعد الشريعة الإسلامية، التي أمرته بالعمل، ونهته عن الإسراف والتبذير في استخدام الموارد، بما هو مستخلف فيها، وأمينٌ عليها؛ حفاظًا عليها من الضياع والنفاد، وبما يضمن ديمومتَها في الحياة؛ لضمان حق الأجيال القادمة، إضافة إلى مقتضيات إشباع حاجاته الدنيوية الآنية.
*
وهو ما امتاز به الاقتصاد الإسلاميُّ في تعامله مع المشكلة الاقتصادية، عن الاقتصاد الرأسمالي الذي تحكمه مقاييسُ تعظيم المنفعة والربح، بحسابات ماديةٍ مجردةٍ، خاليةٍ من أيِّ وازع قيمي غير دافع الكسب، حتى إن واجَهَتْه المشكلة الاقتصادية موضوع البحث.

نايف عبوش
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-10-2017, 06:19 PM
مستر اويس مستر اويس غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 76
معدل تقييم المستوى: 0
مستر اويس is on a distinguished road
افتراضي

الف شكر لمجهودك الرائع
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-11-2017, 04:58 PM
شوشو علوان شوشو علوان غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 67
معدل تقييم المستوى: 7
شوشو علوان is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29-01-2018, 03:11 PM
mostafa_ahmed842014 mostafa_ahmed842014 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 32
معدل تقييم المستوى: 0
mostafa_ahmed842014 is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-05-2018, 04:08 PM
سامى العدل حسن سامى العدل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2018
المشاركات: 28
معدل تقييم المستوى: 0
سامى العدل حسن is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لك جدااااااااااااااااا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:56 AM.