اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-08-2014, 09:05 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New مصير دولة الاحتلال الصهيوني في القرآن الكريم


مصير دولة الاحتلال الصهيوني في القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به إلى السموات العُلا، والصلاة والسلام على نبيه المرتضى، وآله وصحبه أهل الصلاح والوفا، وبعد:
فقد قال سبحانه: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا *عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 4 - 8].

قال تعالى: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾: قيل: "في الكتاب": اللوح المحفوظ، وقيل: التوراة، وقيل: القرآن، وجميعها صحيح؛ أيْ: كتَبَ اللهُ هذا الأمر في اللوح المحفوظ والتوراة والقرآن.

﴿ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾؛ أيْ: إنَّ الله تعالى علِم أن اليهود سيفسدون مفسدتين عظيمتين، يقترفون فيهما أقبح الذنوب والآثام؛ كالشرك بالله، وتحريف التوراة والإنجيل، وقصد إضلال الناس، والسعي إلى نشر الربا والفواحش، وتعاطي السحر، وأكل أموال الناس بالباطل، وإشعال الحروب، و*** النساء والأطفال والأبرياء بغير حق، وهذه المفاسد مقترنة بتكبُّر واستعلاء، فمِن عقائدهم أنهم شعب الله المختار، وغيرهم من الأمم حيوانات وحشرات خلقها الله على صورة البشر؛ كي لا تؤذي بصرهم.

﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 5]، ﴿ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ﴾؛ أَيْ: ملكوها وساروا بينها، وقعت المفسدة الأولى في بني إسرائيل - والله تعالى أعلم - بعد وفاة سليمان عليه السلام؛ إذ انتشر فيهم *** الأنبياء وتحريف التوراة وتعاطي السحر واقتراف الفواحش وأكل الحرام، فسلَّط عليهم الله تعالى بختنصر ملك بابل، ف*** منهم طائفة كبيرة، وأسَر طائفة، وشرَّد الباقي، وتحتمل الآية - والله تعالى أعلم - أن المفسدة الأولى عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كذَّبه اليهود في المدينة وخانوه وحاولوا ***ه وعملوا على تفريق أصحابه بإحياء صراعات الجاهلية، فسلَّط الله عليهم رسوله والمؤمنين، ف***وهم شر قِتلة في غزوة خيبر.

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 6]؛ أَيْ: إنَّ الله سينصر اليهود على المسلمين بسبب تضييع المسلمين لدينهم، ويُغدِق الدنيا على اليهود ويجعل حلفاءهم أكثر من المسلمين، وقد وقع هذا في سنة 1948 م؛ حيث احتل اليهود بيت المقدس وفلسطين كاملة وبعض الأراضي العربية في الحروب التي شنَّتها عصابات الهاغانا، والجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة سنة 1967 م.

﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [الإسراء: 7]؛ أيْ: إن تاب اليهود في هذه الفترة وأسلَموا واتَّبعوا النبيَّ الأميَّ الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحل لهم الطَّيبات ويُحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فقد أحسَنوا لأنفسهم وأهليهم، وإن أساؤوا بإصرارهم على كفرهم وطغيانهم، فقد أساؤوا لأنفسهم وأهليهم.

﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 7]، ثم يقترف اليهود المفسدة الثانية التي نعيشها في هذا الزمان، فهم يقفون وراء كل منكر على وجه الأرض، ويشنُّون حروبًا ظالمة على الأبرياء والمستضعفين في غزة والضفة الغربية، في***ون الأطفال والنساء، ويهدمون البيوت، ويحرقون الأشجار، ويفِرُّون من المقاومة، فينتصر المسلمون إن شاء الله عليهم ويُذلُّونهم ويهينونهم وي***ون فيهم ما استطاعوا لذلك سبيلاً، ويَدخلون المسجد الأقصى كما دخله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا سيقع في معركة عظيمة تُسمَّى عند اليهود بهرمجدون، تُحرَّر فيها فلسطين وبيت المقدس ويُردُّ الحق فيها لأهله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فا***ه))، وزاد مسلم: ((إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود)).

﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ﴾: الخطاب موجَّه للمسلمين؛ أيْ: إن الله سيرحم المسلمين الذين تمسَّكوا بدينهم وصبروا على أذى اليهود؛ لأنَّ "عسى" في كلام الله تفيد التحقيق، ﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ﴾؛ أيْ: إن عدتم أيها المسلمون إلى دينكم، فسنعود إلى نصركم، قال سبحانه: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، وفي آية أخرى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وتحتمل الآية: إن عدتم أيها اليهود إلى الإفساد مع الدجال، فسنعود إلى إهلاككم على يد عيسى عليه السلام والمؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: ((يتْبَع الدجالَ سبعون ألفًا من يهود أصبهان))، وفي بعض الروايات أن الدجال يقاتل المسلمين بجيش من اليهود والمنافقين، فينزل عيسى عليه السلام على المنارة البيضاء بدمشق ويقاتلهم، وبمجرد رؤيته يذوب مثل الملح، فيصيبه عليه السلام بسهم ليرى الناسُ دمَه.

﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾؛ أيْ: لليهود ومن كان على نهجهم من الكفار والمنافقين سجنًا ومِهادًا لا يخرجون منها.

نَسْأَلُ الله تعالى أن يتقبَّل منا جميعًا وأن يعلِّمنا ما جَهِلْنَا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين




أبو الحسن هشام المحجوبي و وديع الراضي

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-08-2014, 09:08 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

"كونستانس هيليارد" وعبدالرحمن أبو المجد

هل لإسرائيل مستقبل؟




قال تعالى:﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً، [الإسراء:5-7].

لدَيْنا فرصةٌ جديدة للتَّركيز حول مستقبل إسرائيل، وخصوصًا حول أكثر دورها في الوضع العام، في هذه النُّقطة تتكلَّم البروفيسورة "كونستانس هيليارد" حول وجهات نظرها ومستقبل إسرائيل.

لقد ناقشت الكثير في كتابها المُثير "هل لإسرائيل مستقبل ?Does Israel Have Future" الكتاب الذي يركز على مستقبل الدَّولة اليهوديَّة، وناقشَت فيه أهمِّ ما يشغل الإسرائيليِّين منذ 1948.

كوني هيليارد:
"كونستانس هيليارد" أستاذُ التَّاريخ في جامعة شمال تكساس، تَخصَّصت في الشرق الأوسط وإفريقيا، حاصلة على الدكتوراه من جامعة هارفارد، وأجرت بحثًا في غرب إفريقيا ومصر، كما قامت كمستعربة بترجمة مخطوطات كثيرة من التقاليد الأدبيَّة في القرن السادس عشر.

عمِلَت البروفيسورة "هيليارد" كمستشار السياسة الخارجيَّة لرئيس اللجنة العسكريَّة التابعة لمجلس الشيوخ، عملت أيضًا كصحفيَّة، تَكْتب افتتاحيَّات دولية لصحيفة "دالاس مورنينغ" الإخباريَّة، ولاحقًا تعمل كسيِّدة أعمال في الكويت.

وكان حوارنا معها هو كالآتي:
س: إنني مندهش جدًّا من البصيرة التي وضحت في كتابك، حين تَقُولين: إنَّ الشعب اليهوديَّ في خطر عظيم أكثر من أيِّ وقت مضى؛ هل يُمكن أَن تتوسَّعي في ذلك؟
كوني هيليارد: أوَّلاً دعني أستغل هذه الفُرصة؛ لأشكُرك لدعوتك لي بالتحدُّث عن أفكاري حول إسرائيل، والصِّهيَوْنية، ومستقبل الدَّولة اليهوديَّة.




نعم، أحيانًا مَسِيرة الأحداث السياسيَّة تعرض بشكلٍ واضح، لكن التأثير النَّفْسي "يبدو كنكران"، يعمينا من رؤية الحقيقة البسيطة، إسرائيل تعمل بشكل بارز ومتطوّر اقتصادياً، لَكنَّها - كمجتمع - فهي على حافة الانهيار العاطفيِّ؛ لأنَّها لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد في حالةٍ دائمة من الحروب مع جيرانها العرب والمسلمين، هذا شيءٌ حقيقيٌّ حتَّى قبل "الربيع العربي"؛ لأنَّ إخماد الرأي العامِّ المصريِّ تحت "حسني مبارك"، وكذلك إخماد الجماهير العربيَّة الأخرى من قِبَل دكتاتوريِّين يعملون تحت سيطَرة الغرب، أعطى إسرائيل شعورًا مزيفًا بالأمان، لكنَّ تلك الأيام انتهت!

أكثر من نصف الإسرائيليِّين اليهود يَمْتلكون - أَو قدَّموا - طلبات لجوازات السَّفر إلى بلاد أخرى؛ لأنَّهم في أعماقهم يَعرفون أنَّ بلادهم وصلَتْ لنهاية مَسْدودة إستراتيجيًّا، فإسرائيل اعتقدَتْ أنَّها يمكن أَن تأخذ العالَم العربي إلى الاستسلامِ بفضل القوَّة العسكرية الساحقة التي يُلوِّحون بامتلاكها، بمساعدة أمريكا، لكن هذه الإستراتيجيَّة لم تأخذ في الحسبان تلك الإمكانيَّات التي نراها حاليا، تلك المرحلة التي تعتمد على الأمَّة اليهوديَّة.


س: هل يمكن أن تُستبدل أفكار الصِّهيونيَّة في إسرائيل، بحيث يُرحِّبون بكل الناس، بدلاً من تلك الامتيازات المقتصرة على اليهود فقط؟
كوني هيليارد: إسرائيل لَنْ تُنجزَ استقرارًا وسلامًا سياسيًّا، حتَّى تتطوَّر إلى حالةٍ من العلمانيَّة التي تَعترف وتتشرَّف بكل الأديان وبكل الانتماءات العرقيَّة التي تعيش هناك، إن الوقت يجيء عندما يتحتَّم على كل من إسرائيل والولايات المتَّحدة أَن تترك الدبلوماسيَّة المنهكة التي تقول بأنَّ يُترك الفلسطينيِّين واليهود منفصلين، في مناطق متساوية، يعِيشون في سلامٍ جنبًا إلى جنب، لكن إذا كانت المَجْموعتان لا تَستطيعان إدارة الولايتَيْن، فكيف تحلُّ المشكلة؟


إن أيَّ حلٍّ لغير هذا الحل يعتبر حلاً لحالة واحدة؛ كما يحدث بشأن مشكلة المستوطنات اليهودية؛ ينبغي لكل من الفلسطينيِّين واليهود أن يكونوا أحرارًا للعيش في أيِّ جزء يفضّلونه من البلاد، هذا يؤدِّي إلى سلامة إسرائيل أيضًا (آي دي إف)، وينبغي بأن يُراقب بمنظَّمات الأمن الفلسطينية المختلفة، والجيوش الشعبيَّة، هذه المسؤوليَّة المشتركة لأمور الأمن ستكون أكثر فعاليَّة من السيطرة على ال*** بين الفلسطينيِّين والإسرائيليين، وهم يُهاجمون بعضهم البعض، أو بين الفئات الفلسطينيَّة التي تتحارب فيما بينها.

يصرُّ نُقَّاد هذا الحلِّ بأنَّ العرب واليهود لا يمكنهم العيش أبدا في بلد واحد، و لن يغفر أحدهما لماضي الآخر المؤلم، لكنِّي أَعتقدُ بأنَّ الإسرائيليين غفروا لألمانيا المحرقَة، وصارت هناك علاقات وديَّة بين الأُمَّتين، وقد يكون من الممكن أَن يتناسوا قتال العرب لهم من أجل استعادة الأراضي المحتلة.

س: ماذا عن الحديث الصَّريح والحقائق المؤلمة؟
كوني هيليارد: من المؤسف أن الولايات المتَّحدة ليست جاهزة للحديث الصريح حول إسرائيل، بالطبع النُّفوذ السياسيُّ للُّوبي الصِّهْيَوني هو السَّبب الذي يجعل الكونغرس الأمريكيَّ يرفض النَّظَر إلى مشاكل إسرائيل الداخليَّة، تلك الأمة لن تكون قادرة على إبقاء نفسها كدولة يهوديَّة وديمقراطية، في المستقبل القريب؛ لأنَّ السُّكان العرب ينمون بقوة أسرع من اليهود، إسرائيل تكدِّس أعداء أجانب أكثر، بدلاً من أن تجعلهم أقل، إن السُّكان مُنهكون من الحروب بين اليهود الإسرائيليِّين، حتَّى الشباب يقومون بالاحْتجاج في الشوارعِ على الثَّرْوة الهائلة بين رجال الأعمال الأغنياء في بلادهم، إنَّ البلاد مغناطيس للمتعصِّبين الدِّينيين الذين يَتمنَّوْن جَلْب الإيحاء التَّوراتيِ بتَفجير قبَّة الصخرة، أو المسجد الأقصى أو الأماكن المقدَّسة الإسلاميَّة الأخرى؛ لكي يُثيروا الحرب.

س: لكن لماذا لا شيء من هذه القضايا تناقش في أجهزة الإعلام الأمريكيَّة؟ هل الولايات المتَّحدة تقرُّ بالحقيقة، بأنَّ الدولة اليهودية قد تكون على حافة الانهيار؟
كوني هيليارد: إنَّ الجواب ببساطة:لا شيء، الأمريكان اليوم غيرُ راغبين في اعتِناق الهجرة اليهوديَّة الشاملة إلى الولايات المتَّحدة، كما كانوا أثناء وبعد الحرب العالميَّة الثانية، عندما أغلقوا حدودهم في وجه اللاَّجئين اليهود الذين كانوا يَهربون من معسكرات هتلر، إنَّ الأكثرُ سهولة للسياسيِّين الأمريكيِّين هو تقديم الدعم غير المشروط للدَّولة اليهودية في الشرق الأوسط، من أن يخلقوا كيانات يهوديَّة في "نيو جيرسي"، و"فيرمونت"، أَو "كاليفورنيا"

س: هل تُفكِّرين في أنَّ الدولة اليهودية الصغيرة جدًّا ستصبح معسكر موت نهائي بسرعة؟ ولماذا؟
كوني هيليارد: في 1948 اعتقد مُؤسِّسو الدولة اليهوديَّة بأنَّهم كانوا يخْلقون كيانًا سياسيًّا يمكن أَن يَحمي اليهود إلى الأبد، لكن بدلاً من أَن يُصبح ملجأً آمنًا لليهود كما حلم الصهاينة الأوائل بإسرائيل؛ اكتشفوا ـ في الحقيقة ـ أنه قج تمّ نقل الحلم إلى أكثر الأماكن خطورة على الأرض، و أكثرها اشتعالا.

إنَّ قوةَ دفاع إسرائيل لَن ترى منيعةً بالدُّول العربية المُحيطة؛ فإيران قَد تطوِّر أسلحةً نوويَّة، بينما الحكومات الغربيَّة تُواصل إنْكار الحقيقة، والعديد من الإسرائيليِّين لا يعتقدون ذلك، وعدد اليهود في إسرائيل الذين قدَّموا طلبات، أَو اكتسبوا جوازات سفر ثانية؛ بحيث تسمح لهم بالهجرة في فترة قصيرة إذا ما استدعت الحاجة، ارتفع إلى 59%.

فهي أمَّة صغيرة جدًّا منذ تأسيسها، خاضت سبعة حروب رئيسة، ومناوشات لا حصر لها، والحالة تزداد سوأً، وسبب ذلك أن الغربيّين غير راغبين في الاعتراف بضعف الدولة اليهوديَّة؛ بسبب مُعاداة الساميَّة، إسرائيل خُلقت على إثر المحرقة؛ ليست لأنَّ الولايات المتَّحِدةَ وأوروبا اهتموا باليهود بعمق، بل السبب أنَّها تريد أن تَجعل اليهود في أفضل تعليم للتَّنَافُس في أعمالِهم المَحليَّة التي بدأَت بالتَّعافي من الكساد الأعظم، و مُعاداة السامية الفتَّاكة التي قادت "هتلر" لإطلاق المَحْرقة.

اعتنق اليهودُ الصِّهْيَونية في الغرب، في كافَّة أنحاء أوروبا، وفي الولايات المتَّحِدة، بعد الحرب العالميَّة الثانية بشكل أناني، هذه الحكومات أبعدت اللاجئين اليهود عن بلادهم الخاصة؛ عن طريق التخلُّص منهم كلاجئين يهود في فلسطين؛ لأن العرب ما كان عندهم القوَّة أَو النُّفوذ لإيقاف قدوم اليهود.

باختصار، الصِّهيونية أصبحت عذرًا سهلاً للأُمم الغربيَّة التي أغلقت حدودها في وجه اليهود الذين هربوا من المحرقة، وواصلوا بعد الحرب العالميَّة الثانية.

بالرَّغم من أنَّ الصِّهيونيَّة منذ قرون قديمة تُعتبر حركة هامشيَّة بين اليهود، ولأن شيئين حدَثا:أولاً كانت المَحرقة، ثانيًا كان إغلاق الحدود الغربيَّة ضد اليهود الذين يهربون من ألمانيا هتلر؛ لذا بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الصهيونيَّةُ العقيدة المهيمنة بين الجاليات اليهودية.

س: للمسلمين حقٌّ ديني يتعلَّق بقبَّة الصخرة والمسجد الأقصى، لكن اليهود ما عنْدَهم حق مُماثل نحو المقدس، هل يمكن أَن تتوسَّعين في ذلك؟
كوني هيليارد: إنَّ قضيةَ هذه الأماكن المقدَّسة أكثرُ ما يُثير القلق في النِّزاعِ الفلسطيني الإسرائيليِ، وبالرَّغم من ذلك، فإنَّ فلسطين ليست فقط مكانَ الأماكن المقدَّسة لليهود والمسلمين، هي أيضًا مقدَّسة للمسيحيِّين وللبهائيِّين أيضًا، مشكلة إسرائيل المركزيَّة في حل هذه القضايا تَتعلَّق بِهُويَّتِها الذاتية كدولة يهوديَّة؛ بسبب قيمة البلاد المقدَّسة إلى العديد من الأديان، إسرائيل يجب أَن تَتطور بمرور الوقت إلى العلمانيَّة، والدولة الديمقراطية، ما عدا ذلك، فإنَّ التوَتُّرات ستنمو بين المجموعات، وستُساهم في الانهيار النهائيِّ للدولة العبرية.

س: هل يمكنُ أَن تَتوسعي في نِسَب الانتحار في إسرائيل؟
كوني هيليارد: بيَّنت الدِّراسات بأنَّ السبب الأوَّل للموت بين الجنود الإسرائيليِّين هو الانتحار، هؤلاء الشَّباب والنِّساء لم يُؤمنوا بقوة دفاع إسرائيل، يريدُ الإسرائيليُّون الآخَرون أن يؤكِّدوا بأنَّ المشاعر المماثلة من اليأس والإحساس بأنَّ الدولة اليهودية وصلت لنهاية مسدودة إستراتيجيًّا من قبل أن تَحصل على جوازات السَّفر الثانية إلى البلاد الأوروبيَّة والولايات المتَّحدة تقريبًا 800,000 إسرائيلي يَعِيش الآن في الخارج من مجموع يصل بالكاد إلى 5 مليون.

س: ألَمْ تُفكِّري بوعد الله لإسرائيل؟
كوني هيليارد: لَيس لي خبرة لاهوتيَّة على أن الله رُبَّما وعدَهم قبل ألفَي سنة، لكن أَنا مألوفةٌ بالطَّوائف اليهوديَّة الأرثوذكسيَّة المتشدِّدة، الَّتي تُصرُّ بأن الصِّهيونيَّة تعتبر أسوأ فهم لأسوأ قراءة للنُّصوص الدينيَّة اليهودية، أولا الطائفة الأرثوذكسيَّة الصغيرة التي تُدْعى "Neturei Karta" عارضت تأسيس إسرائيل كدولة يهودية، لأن هؤلاء اليهود الدينيين المُحافظين يرفضون الصهيونية؛ لأنَّ اعتقاداتِهم تَنجم عن تفسير الكتب المقدَّسة التي ترى اليهوديَّة كدين الرُّوح الأكثر مركزيَّة للدولة اليهوديَّة التي تعرف ما اليهوديَّة، من الصَّعب أن تُصبح قيمًا روحيَّة و إنسانية بين الجاليات اليهوديَّة، الطائفة اليهودية الأرثوذكسيَّة الأخرى "Satmar" واحدة من أكبر جماعات اليهود الأرثوذكسيِّين في العالَم، الحبر الراحل "ساتمار"، والعالم التلمودي، "جويل تيتلباوم "Teitelbaum، أوصى بأنَّ المسيح المنتظر بنفسه فقط لَهُ الانتدابُ القدسيُّ لِجَلْب الجاليات اليهودية من كل أنحاء العالم إلى الدولة اليهودية، ليس فقط محاولات علمانيَّة، مثل جُهود الصهاينة المُعاصرين تعد فشلاً، لَكنَّهم يُنزلون غضب الله على كل الجالية اليهودية، كتب العالم اليهودي الأرثوذكسي "ياكوف رابكين":يمكن تلخيص الحركة الصِّهيونية بأنها أسوأ من القومية الأوروبية – لأنها حركة تُؤدي إلى ال*** الإبادي، ونصر للتكبُّر ورغبة للقوَّة التي جرت على عكس أوامر التوراة".


س: هل أنت كتبت "هل لإسرائيل مستقبل؟" على أمل أَن البعض سيعرفون ما تقصدينه، أم لأنَّك رأيت الفلسطينيِّين يُعانون من هذا الصراع، هل يمكنُ أَن تَتوسَّعي في شرح معاناة الفلسطينيِّين؟
كوني هيليارد: إنَّ مُعاناة الفلسطينيِّين هو الظُّلمُ الأعظمُ في عصرنا، بالرغم من أن أمريكا تَدعو لحريَّة الصحافة، فإن القصَّة الفلسطينيَّة أُخفيت عن الرَّأي العامِّ الأمريكي لعقود طويلة، لكن الآن ومن خلال الإنترنت والتَّغطية الأكثر تَوازنًا التي تَجيء من فضائيَّات مثل قناة الجزيرة، تلك الحالة قد تتغيَّر ولو ببطء، إنَّني بكيتُ عندما رأيت شريط فيديو الاحتلال الإسرائيلي لغزة، المقصوفين خارج البنايات يُقصفون، والأطفال الموتى يَكمنون في الشوارع، وقد تركوا الناس مشردين، المؤرِّخون المستقبليُّون يُلْقون نظرة شك على مُعاملة إسرائيل للشَّعب الفلسطيني بالإضافة إلى تواطُؤ الغرب في ذلك، إني في صدمة وغضب، كيف يحتمل الفلسطينيون ذلك، أولئك الذين أُزيلوا من أراضيهم الأصليَّة، واليوم يجب أَن يُواجهوا قائمة مُتزايدة من التقييدات المُذلة والمهينة، كيف تقف الجاليات العالمية بجانب اليهود وتسمح لبناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية، يُضاف الآن نصف مليون لاجئ يهودي إلى المناطق المزدحمة، وتُمثل هذه الحالات "سياسة للنكران" لكن كما حرر "الربيع العربي" العديد في الشرق الأوسط من الأكاذيب الدكتاتوريية فإن الولايات المتّحدة تتحرك نحو "ربيع أمريكي" هذا هو يوم الحساب الذي سيجيء قريباً ويحاسب فيه الكثيرون.

س: هل يمكن أَن تتوسعي في "تاريخ ال***
كوني هيليارد: على مر السنين قدمت الكثير وبمرور الوقت انعكس ذلك في قضايا ال*** الإنساني، هل أدمغتنا ترتبط بالعدوان، أَو بالميل نحو السلوك العنيف كوظيفة تكيف اجتماعي حضاريِ؟

لا تزال ليست لدي إجابة.

لكنِّي عرَّفتُ الأمم الطرق القويَّة التي "تُعقّمُ" بها أَفعالها العنيفة بمرور الوقت، ففي تاريخ إعادة الكتابة، أبادت أمريكا الهنود الحمر وهذا كمثال واحد لدرجة أكبر، إن الغرب يرفض الإقرار بالسلوك العنيف للمتعصبين الدينيين في إسرائيل، أولئك الذين لا يرون شيئاً أفضل من إبادة كل الفلسطينيين، نحن لا نستطيعُ أن نثبت ما يرفض هذه الرُؤية من أفعالهم.

عبد الرحمن: أنت تستحقين التهنئة على جهدك في كتابك الرائع، شكراً بروفيسور كوني.


__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-08-2014, 09:10 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

عهد الله وميثاقه مع بني إسرائيل


أمر الله موسى أن يعلم بني إسرائيل - وهم لم يزالوا بعد تحت نير العبودية في مصر - أن تحقيق العهد الإلهي لإبراهيم وذريته متوقف على إيمانهم بالله، وما يترتب على ذلك الايمان من طُهر في العقيدة والسلوك.

"كلم الله موسى وقال له: أنا الرب، وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء، وأما باسمي يهوه، فلم أُعرف عندهم، وأيضًا أقمت معهم عهدي أن أعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي تغربوا فيها، وأنا أيضًا قد سمعت أنين بني إسرائيل الذين يستعبدهم المصريون، وتذكرت عهدي لذلك قل لبني إسرائيل أنا الرب، وأنا أخرجكم من تحت أثقال المصريين، وأنقذكم من عبوديتهم، وأتخذكم لي شعبًا وأكون لكم إلهًا، وأدخلكم إلى الأرض التي رفعت يدي أن أعطيها لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، فكلم موسى هكذا بني إسرائيل، ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس ومن العبودية القاسية؛ خروج 6: 2 - 9.

وعقب خروج بني إسرائيل من مصر تلقى موسى الوصايا العشر، وكان ذلك هو العهد الإلهي لموسى وبني اسرائي، وميثاقه الذي واثقهم به.

"قال الرب لموسى: اكتب لنفسك هذه الكلمات؛ لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهدًا معك ومع إسرائيل، وكان هناك عند الرب أربعين نهارًا وأربعين ليلة لم يأكل خبزًا ولم يشرب ماءً، فكتب على اللوحين كلمات العهد: الكلمات العشر؛ خروج 34: 27 - 28.

ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلًا:
أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا، ولا صورة ما، مما في السماء من فوق، ومما في الأرض من تحت، لا تسجد لهنَّ ولا تعبدهن؛ لأني أنا الرب، الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع إحسانًا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي.

لا تنطق باسم إلهك الرب باطلاً، اذكر يوم السبب لتقدسه؛ لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع.

أكرم أباك وأمك، لا ت***، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشته بيت قريبك، لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أَمَته، ولا ثوره ولا حماره، ولا شيئًا مما لقريبك؛ خروج 20: 1 - 17.

وتبين التوراة - بما لا يدع مجالاً للشك، أو الانحراف في التأويل - أن تحقيق عهد الله لبني إسرائيل متوقف فقط على تحقيق عهدهم معه سبحانه.

أما في حالة نقضهم العهد، ونكثهم الميثاق، فإنهم يتعرضون لأشد الضربات، ومن بينها ا***اعهم من أرض كنعان، وتشريدهم بين الأمم أذِلة صاغرين، بل وتحميل الذرية الإسرائيلية خطايا آبائهم السابقين ومعاقبتهم عليها، دون أدنى اعتبار لكونهم ذرية إبراهيم.

"إذا سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها، أعطي مطركم في حينه، وتعطي الأرض غلتها، فتأكلون خبزكم للشِّبع، وتسكون في أرضكم آمنين، وأجعل سلامًا في الأرض فتنامون وليس من يزعجكم، وألتفت إليكم وأثمركم وأكثركم، وأفي ميثاقي معكم، وأسير بينكم وأكون لكم إلهًا وأنتم تكونون لي شعبًا.

لكن إن لم تسمعوا لي، ولم تعملوا كل هذه الوصايا، وإن رفضتم فرائضي، وكرهت أنفسكم أحكامي، فما عملتم كل وصاياي، بل نكثتم ميثاقي، فإني أعمل هذه بكم:
أسلط عليكم رعبًا، وأجعل وجهي ضدكم، أصير سماءكم كالنحاس، وأرضكم كالحديد، فتفرغ باطلاً قوتكم وأرضكم.

أجلب عليكم سيفًا ينتقم نقمة الميثاق، أذريكم بين الأمم، وأُجرد وراءكم السيف، والباقون منكم ألقي الجبانة في قلوبهم في أراضي أعدائهم، فتهلكون بين الشعوب، وتأكلكم أرض أعدائكم، والباقون منكم يفنون بذنوبهم في أراضي أعدائكم، وأيضًا بذنوب آبائهم معهم يفنون؛ لاويين 26: 3 - 39.

وكما رأينا منذ قليل، فلقد كانت صيحة يوحنا المعمدان في بني إسرائيل أن يطرحوا جانبًا عقيدة العنصرية والاستعلاء على بني البشر ممن خلقهم الله، اعتمادًا على بنوة جسدية لإبراهيم وبنيه، وذلك في قوله لهم:
"لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا؛ لأني أقول لكم: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم".

كذلك أنكر المسيح على الظلمة من بني إسرائيل القول ببنوَّتهم لإبراهيم، فبصرف النظر عن حقيقة تلك البنوة جسدًا، إلا أنهم في ميزان الحق قد أحالتهم خطاياهم إلى أبناء للشيطان.

"قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم، أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك، كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق؛ لأنه ليس فيه حق".

وبيَّن المسيح أن طريق الخلاص وميراث ملكوت الله، ليس حكرًا على بني إسرائيل، باعتبارهم ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولكنه بميزان الحق والعدل - ميزان الله - يرفض أهل الظلم والخطيئة، ومنهم الظالمين من ذرية إبراهيم، ثم يقبل بعد ذلك كل من عداهم من الصالحين.

" قال له واحد: يا سيد، أقليل هم الذين يخلصون، فقال لهم: اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق، فإني أقول لكم: إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدروا.

حينئذ تبتدئون تقولون: أكلنا قدامك وشربنا وعلمت في شوارعنا، فيقول: أقول لكم: لا أعرفكم من أين أنتم، تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم.

هناك يكون البكاء وصرير الأسنان، متى رأيتم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله، وأنتم مطروحون خارجًا، ويأتون من المشارق ومن المغارب، ومن الشمال ومن الجنوب، ويتكئون في ملكوت الله؛ لوقا 13: 23 - 29.

ويُبين القرآن أن عهد الله لإبراهيم وذريته لا ينال خيره الظالمين منهم.

﴿ وإذا ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124].

وكان عهد الله لبني إسرائيل وتحقيق ما فيه من خيرات، مرتبط أولاً وأخيرًا بصدق وفائهم به:
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إسرائيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 12].

﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسرائيل وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 70، 71].

وبدهي أن من ينكث العهد العظيم - عهد الله - لا بد أن تصيبه اللعنة والبوار، فهذا ما تقرره الكتب المقدسة، وتتفق عليه كل الاتفاق.

"الكلام الذي صار إلى أرميا من قبل الرب قائلاً: اسمعوا كلام هذا العهد، وكلموا رجال يهوذا وسكان أورشليم، فتقول لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل.

ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتم من أرض مصر، قائلاً: اسمعوا صوتي، واعملوا به حسب كل ما آمركم به، فتكونوا لي شعبًا وأنا أكون لكم إلهًا، لأقيم الحلف الذي حلفت لآبائكم أن أعطيهم أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً كهذا اليوم، فأجبت وقلت: آمين يا رب.

فقال الرب لي: إني أشهدت على آبائكم أشهادًا يوم أصعدتهم من أرض مصر إلى هذا اليوم مبكرًا ومشهدًا، قائلاً: اسمعوا صوتي، فلم يسمعوا ولم يميلوا أذنهم، بل سلكوا كل واحد في عناد قلبه الشرير، فجلبت عليهم كل كلام هذا العهد الذي أمرتهم أن يصنعوه ولم يصنعوه.

قد نقض بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهدي الذي قطعته مع آبائهم؛ لذلك هكذا قال الرب، ها أنذا جالب عليهم شرًّا لا يستطيعون أن يخرجوا منه، ويصرخوا إليّ، فلا أسمع لهم؛ أرميا 11: 1 - 11.

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].

ومن المتفق عليه والمقرر - نصًّا وعقلًا - أن اللعنة حين تنزل بالإسرائيليين، فإنها لا تلحق إلا بالظالمين منهم، وهي تفرق بين خيارهم وشرارهم؛ إذ إنهم ليسوا في ميزان الحق سواءً.

﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 - 115].

بعد هذا الذي رأيناه، نستطيع أن نقرر بحق أن بنوة الإسرائيليين لإبراهيم ليست صكًّا يتم بموجبه تحقيق العهد الإلهي لإبراهيم وذريته، وأن تلك البنوة لم تكن - ولن تكون - عاصمًا لهم في يوم من الأيام عن إنزال العقاب الإلهي بهم جزاء جرائمهم وخطاياهم.

وعلى ذلك فإن أي قول بأن "اليهود بسبب آبائهم بقوا أعزاء عند الله، هو قول مردود ليس له من نصوص الكتب المقدسة وتأويلاتها أي مرتكز أو دليل.

كذلك فإن القول بحقوق دينية للإسرائيليين في فلسطين، حفظها لهم عهد الله لإبراهيم وبنيه السابقين، إنما هو كذب على الحق، ومغالطة كبرى، وأسطورة لا تتردد إلا بين الجهلة أو المتجهلين.

وبعدُ، لئن كان لأحد أن يتذرع بنسبه لإبراهيم طمعًا في تملُّك أرض فلسطين، فإن هذا النفر لا يمكن أن يكون من الإسرائيليين لما سبق بيانه، ولأكثر من سبب من الأسباب، ومن بين هذه الأسباب:
1- أن عهد الله لإبراهيم مشروط: "سر أمامي وكن كاملاً، فأجعل عهدي بيني وبينك"، ولا يمكن لعاقل أن يعتبر "ال***ة أولاد الأفاعي" من الكاملين، ولا يمكن لأحد أن يدَّعي أن يهود اليوم خير من آبائهم، وخاصة بعد أن نزع المسيح منهم ملكوت الله، وجرَّدهم من كل ميزة تفردوا بها في سالف الأيام، وذلك في قوله لهم: إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل أثماره.

2- أن أولاد إبراهيم الذين ينالهم الوعد الإلهي هم نسل كثير "كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر"، لكنا نجد الفرع الإسرائيلي من ذرية إبراهيم قد عاش طيلة حياته قليلاً محدودًا، ليس له في الكثرة العددية أدنى نصيب، وإذًا لا يحق لهذا الفرع الضئيل أن يحتكر ميراث إبراهيم أو يحاول التفرد به.

3- ولقد نص الوعد الإلهي - كما نقرأه في الأسفار - على تملُّك نسل إبراهيم لأرض كنعان زمنًا طويلاً، بُولِغ فيه كل المبالغة حتى امتد إلى "الأبد".

ولا يجد المرء صعوبة في التدليل على أن الكتبة الإسرائيليين لم يراعوا الدقة في كتاباتهم واستخدموا لفظ "الأبد" كيفما اتفق، وهو الأمر الذي خلَّف كثيرًا من الفوضى والتناقضات.

ومن أمثلة ذلك ما سبقت الإشارة إليه في أخبار "راعوث الموآبية" التي ولدت "عويبد وعوبيد ولديسي ويسى ولد داود".

وإذا طبقنا ما تقوله التوراة عن سلالة الموآبيين من أنه "لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد"، لوجدنا أن داود الذي يأتي في الجيل الثالث لراعوث الموآبية يجب أن يخرج من جماعة الرب، بل وسليمان ابنه كذلك، وبذلك طرد الكتبة الإسرائيليون كبار أنبيائهم من جماعة الرب، بسبب نظرتهم العنصرية الضيقة إلى الناس: هذا موآبي وذاك عموني، وآخر عربي، ورابع كوشي... إلخ.

وإذا صرفنا النظر عما في القول بأبدية تملُّك الأرض من أخطاء، ونظرنا إلى الإسرائيليين باعتبارهم - جدلاً - يمثلون سلالة خاصة تنحدر من نسل إبراهيم، لوجدنا أن الواقع التاريخي يؤكد تحقق الوعد الإلهي في تملك العرب الإسماعيليين لأرض كنعان، بل وللمنطقة الكبيرة التي تمتد من النيل إلى الفرات، أكثر من تحقُّقه في الإسرائيليين.

فقد امتلك العرب أرض كنعان وما جاوَرها، واستوطناها قرونًا طويلة، وصبغوها بصبغة عربية لا تزال تمتد راسخة الأقدام إلى اليوم، على حين لم يزد نصيب الإسرائيليين من ذلك عن حكم بعض أجزاء من فلسطين لبضع عشرات من السنين، ثم تلي ذلك عهود من الفوضى والانحلال، وهذه سَرعان ما انتهت بانهيار الكِيان الإسرائيلي ومحو آثاره من تلك الأرض، والتاريخ شاهد على ذلك.

ويمكننا القيام بعملية مسح سريع للتاريخ الإسرائيلي بفلسطين؛ لنتبين منه حقيقة علاقة الإسرائيليين بها، والصور المختلفة التي ظهرت بها تلك العلاقة.

__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30-08-2014, 09:12 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

بنو إسرائيل

في قوله تعالى: ﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ..
﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 4 - 8].

"قضى": قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه.

﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾؛ أي: أعلمناهم، وأوحينا إليهم وحيًا جازمًا.

و"الكتاب" يعني به سبحانه: الكتاب المكنون، وهو الذكر، وهو اللوح المحفوظ المكتوب فيه، والكتب والرسالات المنزلة كلها على الأنبياء والمرسلين جميعًا عليهم الصلاة والسلام، بما فيها من علوم وعقائد وشرائع، وأوامر ونواهٍ، ونذر وعِبر، بالإخبار عن الماضين، وعن عواقب المهتدين إلى الصراط المستقيم، وعواقب المغضوب عليهم والضالين، في الدنيا والآخرة، وهو الكتاب الذي كتب الله فيه كل شيء، وهو كائن إلى يوم القيامة.

وقد ذكر الله هذا "الكتاب" في مواضع كثيرة من آي القرآن، منها قوله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الرعد: 38، 39] يعني: من رسالة الرسول السابق، مما انقضى الزمن الذي يناسبه، ﴿ وَيُثْبِتُ ﴾، يعني: يثبت في رسالة الرسول الحاضر من رسالة الرسول السابق ما يناسب الأمة المبعوث إليها، ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾، يعني: كل الرسالات، كما نزلت - السابق واللاحق - عنده في الذكر، واللوح المحفوظ.

أو أن ربنا سبحانه يعني بالكتاب "التوراة" التي أنزلها على موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإن جميع الرسالات والكتب من عند الله العليم الحكيم، لهداية الإنسان وخيره وسعادته.

وقال الله تعالى في وصف التوراة، وبيان ما فيها من الهدى، وأنها فرقان بين الحق والباطل، والشرك والتوحيد، والمتقين والفجار: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 3، 4].

هذا، وجائز أن يكون ربنا قد عنى الكتابين جميعًا: الكتاب المكنون عنده فوق العرش، والكتاب المنزل على موسى؛ فإن ما في التوراة من التفصيل لكل شيء، والهدى والرحمة، والفرقان والتبيان، والوعد والوعيد، والوصايا والشرائع والأوامر، والنذر والتخويف من الكفر والفسوق والعصيان عن أمر الله؛ بذكر العواقب والتذكير والعبر - إنما نزل من الكتاب المكنون الذي سماه الله "أم الكتاب"؛ أي: الجامع لكل ما في الكتب المنزلة، وكتب الأعمال، والذي كتب فيه كل شيء قبل خلق السموات والأرض.

وقوله: ﴿ لَتُفْسِدُنَّ ﴾: أصل "الفساد" في لغة القرآن - لغة العرب - نقيض "الصلاح"، والشيء يصلح حين يستكمل الصفات والشروط والأسباب، التي باستكمالها يؤدي المقصود منه، ويبلغ الغاية المرْجُوَّة؛ فالفساد: عدم حصول هذه الصفات والشروط والأسباب كاملة على الوجه المطلوب للشيء، فلا يؤدي المقصود منه.

وهي في كل شيء - الإنسان والحيوان والنبات، والهواء والماء وغيرها - بحسبه، وبحسب خلقه، وما خلق له.

وصلاح الإنسان: إنما يتحقق باستكمال الصفات والأسباب والشروط التي جعلها الله العليم الحكيم - بالفطرة وبالعلم والمعرفة من سنن الله الكونية، أو من وحيه ورسالاته المنزلة - فإن الله سبحانه جعلها مؤدية بالإنسان إلى الصلاح والإنتاج النافع والإثمار الثمار الطيبة الصالحة لجعل حياته طيبة، تتوفر له فيها أسباب الفلاح والفوز والسعادة، وطيب العيش ورغده، وتبعد عنه النكد والشقاء في أولاه وآخرته.

وفساد الإنسان: بفقدان ذلك أو بعضه؛ فبفقده وتضييعه، يثمر لنفسه ولمن حوله ثمرات فاسدة خبيثة، وينتج نتائج ضارة له ولمجتمعه، منغصة لحياته وحياتهم، فيشقى بذلك في الأولى والأخرى.

وصلاح أعمال الإنسان وأخلاقه: باستكمال الأسباب والصفات والشروط التي تجعل أعماله وأخلاقه مثمرة له ولمجتمعه الثمرات الطيبة النافعة، التي توفر لهم رضوان الله وتوفيقه وتسديده، وتؤدي للإنسان ما يرجوه بفطرته التي فطره الله عليها، وما يسمو إليه - جاهدًا وكادحًا - من الفلاح والفوز ببلوغه كل ما يأمله ويتمناه، من الخير والعافية والطمأنينة، ويكون الإنسان الكريم الذي رضي عن ربه، ورضي ربه عنه.

وذلك إنما يتم له بالعلم الصحيح بنعم الله عليه، ومزاياها وصفاتها وأوضاعها، وكيفية استعمال كل نعمة على وجهها، وفي وقتها، وبمقدارها، للانتفاع بها والاستفادة منها، وتقديره لهذه النعم - بعد هذا العلم، الذي يجب أن يكون عن قصد وتفكر، للعمل به والحاجة الضرورية إليه، لا على أنه صناعة وحرفة لجذب لقمة العيش، أو الجاه والسمعة، وأخذ الشهادة الفنية به - وإحسانه الانتفاع بها - بالتحري التام، واليقظة الصادقة - في وضع كل نعمة موضعها الذي خلقها الله، وجعلها به نافعة صالحة ورحمة للإنسان.

فلا بد - لأجل ذلك - أن يكون حريصًا على إنسانيته الكريمة - العاقلة المفكرة المميزة السميعة البصيرة - التي كرَّمه الله بها وميَّزه، وحريصًا أشد الحرص على العلم النافع اليقيني المُقَوِّمِ للنفوس، والمحيي للقلوب، من سنن الله ومن رسالات الله، ليَتم له الإحسان في وضع كل نعمة موضعها على وجهها، فيثمر ذلك الثمرات الطيبة له ولمجتمعه في الأولى والآخرة.

وصلاح المجتمع: باستكمال العناصر الصالحة، والصفات والشروط التي جعلها الله العليم الحكيم مؤدية بالمجتمع إلى الصلاح والأمن والطمأنينة والعافية، والقوة والعزة والتمكين في الأرض، ونفاذ السلطان، فيسعد المجتمع، ويؤدي ما خلق له، من الخير والنفع، وصلاح الأرض التي استخلفه الله فيها، فيزيده الله قوة وعزة ونفاذ سلطان، ويُمكِّن له دينه الذي ارتضاه له، كما وصف الله تعالى سلفَنا الصالح رضي الله عنهم بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 110].

وإن من يقرأ تواريخ الأمم الغابرة، لَيجِدُ حقًّا، أن سلفنا الصالح رضي الله عنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس في فتوحهم، وتقويضهم صروح البغي والكفر والفساد، وإقامتهم صروح العدل والرحمة، وصالح الأعمال والأقوال والعقائد والأخلاق، ويجد أن بني إسرائيل كانوا أشد خلق الله كفرًا بأنعم الله، وفسوقًا عن أمره، وانتهاكًا لحرماته، وأبعد خلقِ اللهِ عن الرحمة والعدل والإحسان؛ فقد ***وا زكريا ويحيى عليهما السلام، و***وا غيرهما من أنبياء الله والذين يأمرون بالقسط من الناس، وكم آذَوا موسى الذي جعل اللهُ نجاتَهم من ظلم فرعون وسوء عذابه على يديه وبرسالته.

ولقد رموا عيسى رسول الله عليه السلام، وأمَّه الصديقة رضي الله عنها - بأفحش الفاحشة، وأنكر المنكر، واتهموها بالزنا مع يوسف النجار، وأن عيسى ابن زنا، وما أفِكوا هذا الإفك العظيم إلا بعد بلوغ عيسى الأربعين من عمره، وهو يعيش بينهم موقَّرًا محترمًا.

فلما أرسله الله إليهم، ودعاهم إلى إقامة العمل بالتوراة، وانتهاج نهجها القويم، ليتخلصوا من الفساد والبغي، وحياة البؤس والذلة، قام شيوخهم من الأحبار والرهبان بعدائه أشد العداء، وافتروا عليه وعلى أمه الصديقة البتول هذه الفِرية التي لا تليق إلا بهم، وبرقابهم الغليظة، وقلوبِهم التي هي أشد قسوة من الحجارة، ولم يعبأ عيسى عليه السلام، ولا العقلاء الذين اتبعوه، بإشاعتهم هذه الفاحشة، بل ثابر في الدعوة إلى ربه، وبذل الجهد في تخليصهم، فلما رأوا أن تلك الفرية لم تكُفّ عيسى عن تبليغ رسالة ربه، سعوا بكل ما استطاعوا عند الملك الروماني الوثني، حتى حكم على عيسى ابن مريم عليه السلام بال*** والصلب، ووكَّل إلى أحبارهم ورهبانهم تنفيذ هذا الحكم، ليحملوا وزره...

ولولا أن الله طهر عبده ورسوله عيسى من أيديهم الأثيمة الرجسة، ورفعه إليه، وألقى شبهه على واحد منهم، لنفذوا فيه الحكم القاسي أشد القسوة، وهم إلى الآن يعتقدون أن الذي ***وه وصلبوه هو عيسى رسول الله عليه السلام، ثم أغروا النصارى باعتقاد ذلك، وباعتقاد قداسة ***ه وآلة ***ه، والخشبة التي عُذِّب عليها، فلا شك أنهم يحملون إثم *** عيسى بما يعتقدون ويدينون إلى اليوم وبعد اليوم.

فعاقبهم الله على كفرهم الشنيع، وبغيهم الفظيع في *** زكريا ويحيى من قبلهما، ومَن بعدهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، بأن سلط عليهم الآشوريين والكلدانيين، مرة هؤلاء ومرة أولئك، ﴿ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ﴾؛ أي: لم يتركوا مدينة ولا قرية إلا دخلوا قصورها ودورها ومعابدها، ي***ون وينتهكون الأعراض، ويأسرون ويغنمون، ولم يتركوا أرضًا زراعية، ولا بستانًا ولا مصنعًا، إلا خربوه وسلبوا ما فيه من آلات ومنتوجات، و***وا وأسروا من فيه.

﴿ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً ﴾، حقق الله به ما وعدهم على كفرهم وفسوقهم، وعصيانهم وتمردهم، واستكبارهم على الله ربهم، وعلى هداه وشرائعه ووصاياه، فلم يُغْنِ عنهم أحبارهم ولا رهبانهم ولا أموالهم، ولا غرورهم بما كانوا يزعمون من علومهم التي فرحوا بها، والتي بها حقَّروا رسالات الله وأبغضوها ومقتوها، فقد فعل الله بهم هذا العذاب، بتسخير الكلدانيين والآشوريين وغيرهم؛ تحقيقًا لوعده الذي لا يتخلف.

ولا تزال - ولن تزال - الذِّلة والصغار مكتوبين عليهم، ولازِمين لهم، إلى يوم القيامة، إلا بحبل من الله، لمن آمن منهم الإيمان العلمي الصادق، وتاب وأناب وعمل عملاً صالحًا، تنفيذًا لشرائع الله المرسَلة، المختتَمة برسالةِ مَن بشَّر به موسى وعيسى، وغيرهما من أنبياء الله، وأخذوا عليهم العهد بالإيمان به واتِّباعه وطاعته، ونصره وتعزيره، واتباع النور الذي أُنزِل معه - محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بحبل من الناس.

وإن ربك لبالمرصاد، وكان وعد الله مفعولاً، وكان حقًّا على الله نصر المؤمنين، الذين يحمون حِمَى رُسُل الله، وينصرونهم ويعزرونهم، ويعملون جاهدين لتعيش الإنسانية في سلام وأمن وعافية من مكايد الصهيونية الأثيمة التي يبغضها الله ويمقتها أشد المقت؛ لِما يعلم من عدائها له ولرسله، ولكل خير وطمأنينة يحبها الإنسان، لتبقى شمس رسالة الله مشرقة تهدي الإنسانية إلى الحياة الآمنة المطمئنة، والعيشة الرَّضِيَّة في الأولى والأخرى، والله عليم حكيم، رحمن رحيم.

والقرآن مليء بآياتِ توبيخِهم وتقبيح فِعَالهم، ومؤكد أن الله أعطاهم من النعم والإكرام كثيرًا، وآتاهم الملك والحكم، وجعل لهم دولة عظيمة دخلت مصر وملكتها، وملكت بلاد الآشوريين وغيرها، وامتحنهم الله بذلك وغيره ليشكروه، وليحسنوا فيما آتاهم، لكنهم كفروا أشد كفر وأطغاه وأشنعه، فسلط عليهم من جاسوا خلال ديارهم، وتبروها تتبيرًا، فأهلكوا كل شيء، وأخسروهم خسارًا كبيرًا؛ إذ ***وا الرجال، وسَبَوا الذرية والنساء، وخربوا بيت المقدس، وبعد فترة من الزمان، امتحنهم الله، فردَّ لهم الكَرَّة عليهم، وأمدَّهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرًا؛ أي: أعطاهم من الصحة وقوة الأجسام وكثرة العدد والثراء والغنى لما جعل عدد جيشهم الذين ينفرون للحرب كثيرًا، يُظن أنهم يغلبون عدوهم، وذكرهم ما صنع بهم كفرُهم وبغيهم وفسوقُهم ومعاصيهم في الماضي، وحذرهم العاقبة الوخيمة.

وقال لهم: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾؛ أي: إن أحسنتم أخذ النعمة - في الغنى والقوة وأسباب الملك، وفي الشرائع والوصايا - بقوة وحزم، وقصد جازم إلى الشكر والانتفاع، والاستقامة على السبيل السوِيّ الذي رسمه الله لكم، وتبتم عن فجوركم وبغيكم، وذكرتم ربكم بالتفكر والتأمل في آياته الكونية في الأنفس والآفاق، وبالتفقُّه والتدبر لرسالاته وطاعته، وتحري الاتباع لها، زكت نفوسكم، ورقّت قلوبكم، وكنتم خير الناس لأنفسكم وللناس، فمكَّن الله لكم في الأرض، ومَدَّ في نفوذ سلطانكم، وإلا فالله غني عنكم وعن أعمالكم، فلن تضروه بكفركم وإفسادكم في الأرض شيئًا، ولن تنفعوه بطاعتكم وإيمانكم، والله غني عن العالمين.

﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾؛ أي: كما أسأتم وأفسدتم في الأرض، فسيسلط الله عليكم من هو أقوى وأشد بطشًا، ويذيقكم من العذاب الدائم والذلة الملازمة، ما يسيء وجوهكم، ويكسوها الخزي والذلة والمقت، وهو الذي سماه في الآيات الأخرى: "خِزْي الدنيا"، ﴿ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾؛ يعني: يخربوا بلادكم، ويهلكوا دولتكم وسلطانكم أشد التخريب والإهلاك، فتخسرون كل شيء في الأولى والأخرى.

فلم يحسنوا الانتفاع بنعم الله، وفي أخذ شرائع الله، بل بغوا وطغوا، وفسقوا وعصوا، وأساؤوا أشد الإساءة، وأفسدوا في الأرض أشد الإفساد، كما وصف الله ذلك في كتابه، واتبعوا أهواءهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، فازدادت قلوبهم قسوة، ونفوسهم رجسًا، فأخذهم الله بذنوبهم، وسلّط عليهم مرة أخرى مَن صَنع مثل صنيع الأولين وأشد.

ولا يزالون إلى اليوم وبعد اليوم في التَّبَار والذُّل والصَّغار؛ لأنهم لا يزالون أشد الناس إفسادًا في الأرض؛ فقد حاولوا *** رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلقاء حجر رحى عليه من عَلُ - وكان ذلك سببَ غزوة بني النضير وإجلائهم - ثم سَمُّوه في خيبر، ثم في خلافة عمر رضي الله عنه، وأجلاهم عن جزيرة العرب، كونوا "الجمعية الباطنية" الإرهابية، برياسة كعب الأحبار، فاغتالت عمر رضي الله عنه، ثم ألَّبت على عثمان رضي الله عنه حتى ***ته، ثم أغرت بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، حتى كانت وقعة صفين التي أريقت فيها دماء أربعين ألفًا من المسلمين، وشغلتهم عن الفتوح الإسلامية، ثم ***ت عليًّا، ثم ابنه الحسين، ثم عملت مع أبي مسلم الخراساني حتى قضت على الدولة الأموية العربية، وأتت بالعباسيين؛ لتكون الدولة في كفالة الفرس عبدة النيران، وفي حضانة الفلسفة الفارسية واليونانية؛ لتزيغ القلوب، بعد أن تُحجَب عنها شمس القرآن، ثم ما زالت تعمل جاهدة، حتى قضت على الخلافة العباسية بدسائس ابن العلقمي، الذي كان وزير آخر خليفة عباسي، وأحد أعضاء "الجمعية الباطنية"، ليملك التتار.

ومن قبل، ذهب فرعٌ منها إلى الغرب، فكانت دولة بني عبيد، الذين ادعوا أنهم فاطميون، وكذبوا؛ فما هم إلا يهود نسبًا، وعقيدة وعملاً، وحالاً وعَداءً للإنسانية، فضلاً عن الإسلام، بل كانوا أكفر من اليهود والنصارى، كما ذكر ذلك أبو بكر الباقلاني وغيره من محققي علماء المسلمين، وما زالت دولة العُبَيْدِيِّين تَقْوَى وتَقْوَى في غفلة الناس وجاهليتهم التقليدية وترَفِهم المفسِد، حتى ملكت مصر، وأقامت فيها دعوة الوثنية والإلحاد، الواضحة في "رسائل إخوان الصفا" وغيرها، وفيما أقامت من قباب على القبور، وموالد وأعياد لعبادة المقبورين، وأقامت من دور ومنابر تلعن فيها وعليها وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهما: الصديق رفيقه وأنيسه في الغار؛ أبا بكر، والفاروق الذي أعز الله به الإسلام؛ عمر، وتلعن الصِّدِّيقة ابنةَ الصِّدِّيق، التي نزل جبريل بصورتها في سَرَقَة من حرير للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: ((هذه زوجتك))، رضي الله عنها وعن أبيها وعن كل الصحابة.

وما زالت كفرياتهم باقية في أغلب البلاد، وفي بعضها لا تزال الألسنة والأقلام الكافرة الفاجرة الحاقدة على الإسلام تلعن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وتعلن على المنابر أن عائشة رضي الله عنها الزانية، وقد برأها الله أعظم براءة، في آيات تُتلى في المحاريب، كفر بها أولئك الذين لا يلعنون إلا أنفسهم.

ثم وسَّعت "الجمعية الباطنية" دائرتها - بعد أن ظفرت بما ظفرت به في البلاد الإسلامية - فتسمَّت باسم "الجمعية الماسونية"، وأخذت تعمل جاهدة لإقامة الدولة الصهيونية؛ ببث أنواع الفساد، وأسباب العداء، بترويج الربا وأكل الأموال بالباطل، والصد عن سبيل الله، بين البشر شرقًا وغربًا، حتى أتيحت لها الفرصة، فأوقدت نار الحرب العالمية الأولى، وأمدتها بالحطب والوقود من خزائنها التي ملأتها من الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وأخذت منها "وعد بلفور" الفاجر، ثم عملت جاهدة حتى أوقدت الحرب الثانية، وأججتها وغذتها، حتى خرجت منها بتخريب وتقتيل آلاف الدور وملايين البشر، ما شفى غيظَها، وأرضى قلبها القاسي من الشعوب التي تمردت فلم تَدِن لإسرائيل بالعبودية.

وخرجت من هذه الحرب الثانية بإسرائيل التي لن تبقى، ولا بد أن تزول قريبًا، وتُطهَّر البلاد الإسلامية منها، وتكون القاضية على الصهيونية المفسدة في الأرض كلها، ويستريح العالم من شرورها وإفسادها، وإيقادها نار العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الإنسانية، والله لا يحب المفسدين.

وقوله: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ﴾؛ أي: إنما عاملكم هذه المعاملة بعلمه وحكمته ورحمته؛ لعلكم تتعرضون - بالتوبة وتطهير القلوب من أسباب الشرور والفتن - لرحمته، وتتَّقُون غضبه وسخطه ولعنته، ولكنهم عادوا وعادوا، ولا يزال شأنهم قسوة القلوب وغِلظ الرقاب، يعتقدون زورًا وبهتانًا أنهم شعب الله المختار، وأنهم أحق الناس بالملك والسلطان، وأن مِن أشد الظلم لهم ألا تكون الأرض بمن فيها وما فيها مِلكًا لهم، حتى عاقبهم الله العقاب العادل الحكيم، وحكم عليها حكمًا أبديًّا لا نقض فيه ولا استثناء إلى يوم القيامة ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167].

ولن يخلف الله وعده، ولو اجتمع الجن والإنس فلن يقدروا على نقض حكمه الذي تأذن به وأعلنه في أهل السماء والأرض، وأنهم لم يستطيعوا أن يضعوا أقدامهم المجرمة في أرض فلسطين، إلا نتيجةَ غفوةٍ من العرب والمسلمين، امتحانًا من الله وابتلاءً، وهو العليم الحكيم، وهم لا بد مستيقظون، بل استيقظوا، وأخذوا في أسباب القوة.

وها هي الأحداث هنا وهناك تؤكد أن حبلهم قد درس... ليستطيع الإنسان أن يهنأ بالعيش الآمن في سلام، ويطمئن في سِربه، وينام آمنًا في أهله، وتعُود العرب خيرَ أمة أُخرِجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، والله غالب على أمره، وإن جند الله لهم المفلحون، وإن حزب الصهيونية - حزب الشيطان - لَهُمُ الخاسرون.

وما هي إلا أيام معدودات، ورايات النصر وتحرير الأرض ترفرف على ربوع العالم العربي كله، وراية القرآن تظلل القلوب بهداها، وتبعث من آياته وشرائعه في النفوس والقلوب، حياة جديدة مثل ما كان في نفوس وقلوب الذين صبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله، فكان ويكون الفلاح.
وصلى الله وسلم وبارك على إمام المهتدين، وأصدق الصادقين، عبد الله ورسوله الخاتم محمد، وعلى آله أجمعين




محمد رشدي خليل
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:21 PM.