اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #166  
قديم 12-12-2013, 09:07 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


تكثير الطعام والشراب والوضوء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم(2)

ومن هذه الأخبار ما جاء في حديث مسلم عن جابر رضيى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر مع أصحابه، فقال: ((يا جابر ناد بوَضوء))، فقلت: ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟
ولما لم يردَّ أحد قلتُ يا رسول الله، ما وجدتُ في الركبِ من قطْرة، وكان رجل من الأنصار يبرِّد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشْجابٍ له.
قال جابر: فقال لي: ((انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟)) فانطلقتُ إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة، لو أني أُفرِغُه لشرِبه يابِسه [أي يابسُ السِقاء لقلة مائه]، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني لم أجد فيها إلا قطرة...
قال: ((اذهب، فأتني به))، فأتيته به، فأخذه بيده، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه فقال: ((يا جابر نادِ بجفْنَة)) [وهي إناء كبير] ... فأُتيتُ بها تُحمل، فوضعتُها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده [أي وضعها] في الجفنَة هكذا، فبسطها، وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة.
وقال: ((خذ يا جابر، فصُب عليَّ [أي قطرة الماء التي وجدتها عند الأنصاري]، وقل: باسم الله))، فصببتُ عليه، وقلت: باسم الله.
فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم فارت الجفنة [بالماء]، ودارت حتى امتلأت فقال: ((يا جابر، ناد من كان له حاجةٌ بماء)) قال: فأتى الناس، فاستقوا حتى رووا.
فقلتُ: هل بقي أحدٌ له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأَى.[33]
قال الـمُزني: "نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ في المعجزة من نبعَةِ الماء من الحجر حيث ضربه موسى عليه السلام بالعصا، فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم ".
وصدق القائل:
وإن كان موسى أنبع الما من العصا فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
وقال القرطبي: "هذه المعجزة تكررت من النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة في مشاهد عظيمة، وجموع كثيرة، بلغتنا بطرقٍ صحيحة من رواية أنس، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وعمران بن حصين، وغيرهم ممن يحصل بمجموع أخبارهم العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، وبهذا الطريق حصل لنا العلم بأكثر معجزاته الدالة على صدق رسالاته".[34]
وفي موقف آخر يرويه البخاري في صحيحه نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالناس يوم الحديبية بأقصاها على ثَمَد قليلِ الماء يتبرَّضُه الناس تبرُضاً، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطشُ، فانتزع سهماً من كِنانته، ثم أمرهـم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرَّي، حتى صدروا عنه.
قال ابن حجر: " وفي هذا الفصل معجزاتٌ ظاهرة , وفيه بركةُ سلاحه وما ينسب إليه, وقد وقع نبعُ الماء من بين أصابعه في عِدة مواطن ".[35]
ولما أتى معاذ بن جبل رضيى الله عنه عين تبوك مع رسول الله ، رأى قلة مائها فوصفها، فقال: والعين مثل الشِراك تَبِضُّ [36] بشيء من ماء، فجعل الصحابة يغرفون بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع لهم شيء من مائها.

قال معاذ: وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر - أو قال: غزير - حتى استقى الناس.
فقال له عليه الصلاة والسلام: ((يوشك يا معاذ - إن طالت بك حياة - أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً)).[37]
وفي هذا الخبر دليلان من دلائل النبوة: أولهما: تفجر العين ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما نراه اليوم من وفرة المياه واتساع الرقعة الخضراء في منطقة تبوك.
وبعض بركة النبي صلى الله عليه وسلم استمر دهراً طويلاً بعد وفاته ، ومن ذلك ما ترويه عائشة رضي الله عنها بقولها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطرُ شعيرٍ في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ، فكِلْتُه ففني.[38]
ومثل هذا الخبر يحكيه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفَهما حتى كاله، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: لو لم تكِلْه لأكلتم منه، ولقام لكم.[39]
وروى مسلم أيضاً مثلَ هذا الخبر في قصة أم مالك، وكانت تهدي سمناً للنبي صلى الله عليه وسلم في عُكّة لها، فيأتيها بَنوها، فيسألون الأُدْم [أي ما يؤتدَم به الخبز، وهو ما يسمى في أيامنا إداماً]، وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فتجد فيه سمناً، فما زال يقيم لها أُدْمَ بيتِها حتى عصرَته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((عصرتيها؟)) قالت: نعم قال: ((لو تركتيها ما زال قائماً)).[40]
قال النووي: " قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو تركتيها ما زال قائماً)) أي موجوداً حاضراً" .
ثم بيّنَ رحمه الله سبب فناء سمنِ العُكّة والشعير حين عُصِرت أو كِيل ، فقال: "الحكمة في ذلك أن عصرَها وكَيْلَه مضادةٌ للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى, ويتضمن التدبيرَ, والأخذَ بالحول والقوة, وتكلُفَ الإحاطةِ بأسرار حِكم الله تعالى وفضله , فعوقب فاعِلُه بزواله".[41] أي كأنه خرج من التسليم لقدرة الله وعظيمِ فِعله، إلى الطمع في معرفة سبب أرضي ومادي له، فانقطع لذلك.
وكما ظهرت بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام والشراب؛ فإنها ظهرت في تكثيره لماء الوضوء حين احتاج الصحابة إليه، يقول أنس رضيى الله عنه: (رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاةُ العصر، فالتمس الناسُ الوَضُوءَ، فلم يجدوه، فأُتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوَضوءٍ، فوضع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناءِ يدَه، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، قال أنس: فرأيتُ الماء ينبع من تحت أصابعه، حتى توضؤوا من عندِ آخرهم). [42]
وفي رواية لأحمد من حديث ابن مسعود أنه قال: ((فرأيتُ الماءَ يتفجرُ من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((حي على الوَضُوء، والبركةُ من الله)).
قال جابر: كنا ألفاً وخمسَ مائة. [43]
قال الطيبي: "وإنما طلب فَضْلةً من الماء كيلا يُظَنَّ أنه صلى الله عليه وسلم مُوجِد الماء، فإن الإيجاد إليه سبحانه، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: ((والبركةُ من الله)) أي أن هذا الذي رأيتم من زيادة الماء أيضاً ليس مني، إنما هو بركةٌ من الله تعالى وفضل".[44] إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
ويروي الشيخان عن أنسِ بنِ مالكٍ شاهداً آخر من شواهد نبوته ودلائل رسالته، فيقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزَوراء، والزَوراء موضع في المدينة.
قال أنس: فدعا صلى الله عليه وسلم بقدحٍ فيه ماء، فوضع كفّه فيه، فجعل ينبُع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال قتادة: كم كانوا يا أبا حمزة؟ فقال أنس: كانوا زُهاء الثلاثِ مائة.[45]
قال القاضي عياض: "هذه القصة رواها الثقاتُ من العدد الكثير عن الجم الغفير، عن الكافّة متصلةً بالصحابة، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومَجمَع العساكر، ولم يرد عن أحد منهم إنكارٌ على راوي ذلك، فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته".[46]
وفي يوم الحديبية عطش الناس ولم يجدوا ماء للوضوء والشراب إلا قليلاً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في رَكْوة، فتوضأ، فتسابقوا إلى الماء لقِلَّته، فقال: ((مالكم؟)) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأُ ولا نشربُ إلا ما بين يديك.
فوضع يده صلى الله عليه وسلم في الركوة، فجعل الماء يثورُ بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا.
فسأل سالم راوي الحديث جابراً: كم كنتم؟ فقال مستنكراً: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسَ عشرةَ مائة [أي ألفاً وخمسَ مائة]. [47]
قال القرطبي: "قضية نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن في مشاهدَ عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعُها العلمَ القطعيَ المستفادَ من التواتر المعنوي".[48]
وفي موضع آخر يخبرنا أنس رضيى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ذات يوم بماء، فأُتي بقدح رَحراحٍ [أي متسعِ الفم]، فجعل القوم يتوضؤون.
ويذكر لنا أنس عدد من كفاهم هذا الماء، فيقول: (فحزِرت ما بين الستين إلى الثمانين، قال أنس: فجعلت أنظرُ إلى الماء، يَنبُعُ من بين أصابعه).[49]
قال النووي: "وأكثر العلماء أن معناه: أن الماءَ كان يخرج من نفسِ أصابعه صلى الله عليه وسلم , وينبُع من ذاتها. قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجرٍ ... يُحتَمل أن الله كثّرَ الماء في ذاته, فصار يفور من بين أصابعه، لا من نفسِها, وكلاهما معجزةٌ ظاهرة, وآية باهرة ".[50]
وروى الحاكم عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الهجرة مستخْفيين من مكة؛ مرا بعبد يرعى غنماً، فاستسقَياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تُحلب غير أن ههنا عَناقاً حَملت أول الشتاء، وقد أخدجَت [أي أسقطت ولم تكمل حملها]، وما بقي لها لبن.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((ادعُ بها))، فدعا بها، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح ضَرعها، ودعا حتى أنزلت (اللَبن) قال: فحلب صلى الله عليه وسلم، فسقى أبا بكر، ثم حلب، فسقى الراعي، ثم حلب فشرب.
فقـال الراعي: بالله من أنت؟ والله ما رأيتُ مثلَك قط؟ قال: ((أوَ تُراكَ تكتُم عليَّ حتى أخبرْك؟)) قال: نعم. قال: ((فإني محمد رسول الله)) فقال: أنتَ الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: إنهم ليقولون ذلك.

قال: فأشهدُ أنك نبي، وأشهد أن ما جئتَ به حق، إنه لا يفعلُ ما فعلتَ إلا نبي، وأنا متبعُك. قال: ((إنك لا تستطيع ذلك اليوم. فإذا بلغك أني قد ظهرتُ فأْتِنا)).[51]
وروى الإمام أحمد في مسنده مثلَه عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي مُعيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فقال: ((يا غلام هل من لبن؟)) قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: ((فهل من شاة لم ينزُ عليها الفحل؟)) فأتيته بشاة فمسح ضروعها، فنزل لبنٌ، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: ((اقلِص))، فقلَص.

قال ابن مسعود: ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول. قال: فمسح رأسي، وقال: ((يرحمك الله، فإنك غُليم مُعلَّم)).[52]
قال أبو المحاسن الحنفي: "سأله شاة لم يصبها فحل، ليريه في ذلك آيةً معجزة تقوم له بها الحجة عليه وعلى غيره، وفي ذلك منفعة لصاحب الشاة بتلبين ضرعها، فلم يكن له في اللبن حق، لأن الله تعالى جعله في ضرعها حينئذ ... فلذلك شربه صلى الله عليه وسلم وسقاه أبا بكر".[53]
ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وأخبار بركته ما يذكره بُريدة رضيى الله عنه ، وهو يحكي خبر عِتاق سلمان من سيده اليهودي، حيث شرط اليهودي لعتاقه أن يغرس نخلاً، فيعملَ سلمان فيها حتى يَطْعَم النخلُ.
قال بُريدة: فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل إلا نخلةً واحدةً غرسها عمر، فحملتِ النخل من عامها، ولم تحمل النخلة [أي التي زرعها عمر] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما شأن هذه؟)) قال عمر: أنا غرستُها يا رسولَ الله. فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غرسها، فحملت من عامها.[54]
والمعلوم عند الزُّراع أن النخل لا يثمر إلا بعد غرسه بمدة طويلة، وحملُ النخل في سنة غِراسه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم ودليل باهر من دلائل نبوته، إذ تم ذلك ببركة الله لهذا النبي العظيم.
وهكذا فهذه الأخبار المتكاثرة تشهد ببَركة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه البَركة ليست موروثاً يحمله الأحفاد عن الأجداد ، ولا علماً يتلقاه المرء بالكد والاجتهاد، إنه عطيةُ الله وبركتُه يؤتيها من شاء، فلِمَ أعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم إنْ لم يكن لنبوتِه ورسالتِه؟
[1] شرح النووي (13/215).
[2] أي عرض على المدينين أن يعطيَهم تمر بستانه قضاءً لدين أبيه، فأبوا لأنهم رأوه أقلَ من ديونهم.
[3] المربد هو الموضع الذي يجفف فيه التمر. انظر: فتح الباري (7/289).
[4] رواه البخاري ح (2709)، ومسلم ح (2039).
[5] فتح الباري (6/688).
[6] رواه البخاري ح (4102)، ومسلم ح (2039)، واللفظ له.
[7] شرح النووي (13/217).
[8] أي طويل جداً شعث الرأس.
[9] رواه البخاري ح (2618)، ومسلم ح (2056).
[10] شرح النووي على صحيح مسلم (14/17).
[11] رواه أحمد ح (8414)، والترمذي ح (3839) وحسّنه الألباني في صحيح الترمذي ح (3015).
[12] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/289).
[13] أي كان مقدار ما لديهم من الزاد بما يغطي موضعَ جلوسِ عنْزة.
[14] رواه مسلم ح (1729).
[15] شرح النووي على صحيح مسلم (12/34-35).
[16] رواه مسلم ح (27).
[17] شرح النووي على صحيح مسلم (1/224).
[18] رواه البخاري ح (3578)، ومسلم ح (2040).
[19] شرح النووي على صحيح مسلم (13/219).
[20] شرح النووي على صحيح مسلم (12/35).
[21] رواه البخاري ح (344)، ومسلم ح (682).
[22] فتح الباري (1/540).
[23] رواه مسلم ح (681).
[24] شرح النووي على صحيح مسلم (5/189).
[25] رواه البخاري ح (6452).
[26] فتح الباري (11/292-294).
[27] رواه أحمد في مسنده ح (19622)، الترمذي ح (3625)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (2866).
[28] تحفة الأحوذي (10/70).
[29] أي: يكفيني شهورَ القيظِ، وهو الصيف.
[30] أي: كميةٌ من التمر أشبهتِ الجمل الصغير.
[31] رواه أحمد ح (17126)، وابن حبان في صحيحه ح (6528).
[32] شرح النووي على صحيح مسلم (12/35).
[33] رواه مسلم ح (3014).
[34] المفهِم لما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/52-53)، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/38).
[35] فتح الباري (5/397).
[36] أي تسيل كالخيط الذي يربط به النعل، لقلة مائها.
[37] رواه مسلم ح (706).
[38] رواه البخاري ح (3097)، ومسلم ح (2973).
[39] رواه مسلم ح (2281).
[40] رواه مسلم ح (2380).
[41] شرح النووي على صحيح مسلم (15/42).
[42] رواه البخاري ح (169)، ومسلم ح (2279).
[43] رواه أحمد ح (3797).
[44] شرح المشكاة (11/140).
[45] رواه البخاري ح (3572)، ومسلم ح (2279).
[46] فتح الباري (6/676).
[47] رواه البخاري ح (3383).
[48] فتح الباري (6/676).
[49] رواه البخاري ح (197)، ومسلم ح (2279)، واللفظ له.
[50] شرح النووي على صحيح مسلم (15/38-39).
[51] رواه الحاكم في مستدركه (3/9). والطبراني في المعجم الكبير ح (847) قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" . مجمع الزوائد (8/548).
[52] رواه الأصبهاني في دلائله ح (38)، وابن حبان في صحيحه ح (7061).
[53] معتصر المختصر (1/367)
[54] رواه أحمد ح (22448)، والحاكم في مستدركه (2/20)، وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

د. منقذ بن محمود السقار

__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 12-12-2013 الساعة 09:10 PM
رد مع اقتباس
  #167  
قديم 14-12-2013, 09:54 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

شفاء المرضى بنفْثِه وريقه صلى الله عليه وسلم

لما أرسل الله نبيَّه وكلمته المسيحَ عليه السلام، آتاه من الآيات ما يقيم به الحجة على بني إسرائيل، ومن ذلك إبراء الله الأكمه والأبرص على يديه ]وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني [ (المائدة: 110)، فكان برهاناً ساطعاً ودليلاً قاطعاً عند قومه على نبوته صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أيد الله خاتم أنبيائه وعظيم رسله بمثل هذا الدليل والبرهان ، حين شفى على يديه بعضاً من أصحابه.
من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبُ اللهَ ورسولَه، ويحبُه اللهُ ورسولُه))، قال: فبات الناس يدوكون [أي يتحدثون] ليلتهم أيهم يعطاها، قال: فلما أصبح الناس غَدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يُعطاها.

فقال عليه الصلاة والسلام: ((أين عليُ بنُ أبي طالب؟)) فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فقال: ((فأرسلوا إليه))، فأُتي به رضيى الله عنه، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.[1]
وفي رواية لابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم تفل في عينيه وقال: ((اللهم أذهب عنه الحر والبرد)). قال علي: فما وجدتُ حراً ولا برداً بعد يومِئذ ، وكان أصحابه ربما رأوه يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف.[2]
قال الشوكاني: "فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم ".[3]
وقبل أن يغادر النبي صلى الله عليه وسلم أرض خيبر حقق آية أخرى تدل على نبوته ورسالته، فقد شفى الله بنفثه ساق سلمة بن الأكوع الذي أصيب في الغزوة، يقول يزيد بن أبي عُبيد: رأيت أثرَ ضربةٍ في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أُصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيه ثلاث نَفَثات، فما اشتكيتُها حتى الساعة.[4]
إن الجموع التي رأت ساق سلمة مضرجة بدمائها، ثم رأوه لا يشتكي منها ألماً ولا وجعاً ببركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم ونفثه عليها، إن هذه الجموع لا يسعها أمام هذه المعجزة الباهرة إلا أن تشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة، إذ مثل هذا لا يقدر عليه بشر، إنه دليل من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
ويرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عتيك ورجالاً من الأنصار لردع سلّامِ بنِ أبي الحُقَيق، وبينما هو راجع في الطريق وقع، فانكسرت ساقه، فعصبها بعمامة.
ولنستمع إليه وهو يقص علينا الخبر، فيقول: فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ابسط رجلك))، فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكِها قطّ.[5]
لقد تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم مراراً وعلى مرأى من الصحابة الكرام، يقول بريدة رضيى الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل في رجل عمرو بن معاذ حين قُطِعت رجله فبرأ. [6] فهل كان هذا فناً من فنون الطب أم معجزة وبرهاناً من براهين نبوته صلى الله عليه وسلم؟
ويروي الإمام أحمدُ عن أمُ جُندُب أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة .. فأتته امرأة خثعمية بابْن لها فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا ذاهب العقل، فادع الله له. قال لها: ((ائتيني بماء)).
فأتته بماء في تَورٍ من حجارة، فتفل فيه، وغسل وجهه، ثم دعا فيه، ثم قال: ((اذهبي، فاغسليه به، واستشفي الله عز وجل)).
قالت أم جُندب: فقلت لها: هَبِي لي منه قليلاً لابني هذا، فأخذت منه قليلاً بأصابعي، فمسحتُ بها شِقَّة ابني، فكان من أبر الناس.
فسألتُ المرأة بعد: ما فعل ابنها؟ قالت: برِئ أحسن بَرء.[7]
وفي الحديث معجزة عظيمة له صلى الله عليه وسلم، بل معجزتان: إحداهما شفاء ابن الخثعمية ببركة مجّة النبي صلى الله عليه وسلم في الماء الذي غسلته أمه فيه، والأخرى: هداية ابن أم جندب بمسح أمه وجهَه ببعض هذا الماء.
وتحدِّثُ أم جميل ابنها محمدَ بن حاطب عن خبر حدث له إبّان طفولته، فقد أقبلت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد انكفأت قدر تغلي على ذراعه، تقول أم جميل: فأتيتُ بك النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، هذا محمد بن حاطب، فتفل في فيك، ومسح على رأسك، ودعا لك، وجعل يتفُل على يديك ويقول: ((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)) فقالت: فما قمتُ بك من عنده حتى برِأَت يدك. [8]
وهكذا فإن الله الشافي قدر الشفاء لكثيرين ، وجعل نفثه صلى الله عليه وسلم وريقه سبباً في ذلك ، ليكون برهاناً آخر من براهين نبوته صلى الله عليه وسلم.
[1] رواه البخاري ح (3701)، ومسلم ح (2407).
[2] رواه أحمد في مسنده ح (780)، وابن ماجه ح (117)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (114).
[3] نيل الأوطار (8/55).
[4] رواه البخاري ح (4206).
[5] رواه البخاري ح (4039).
[6] رواه ابن حبان ح (2146)، وصححه الألباني في الصحيحة ح (2940).
[7] رواه أحمد في المسند ح (26590).
[8] رواه أحمد في المسند ح (15027)
د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #168  
قديم 14-12-2013, 10:09 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

استجابة الله دعاءه صلى الله عليه وسلم

ومن باهر ما يدل على النبوة إجابة الله دعاء النبي حين يدعوه، فإذا ما رفع نبي الله يديه داعياً ربه ومولاه ؛ قبِل الله دعاءه وأجابه، وتكرارُ ذلك وديمومتُه دليل على صدقه، لأن الله لا يؤيد كاذباً ولادعياً يدعي عليه الكذب ، فالكاذب من أظلم الناس وأبعدِهِم عن الله ] فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون [ (يونس: 17).
وهكذا؛ فإن الله لا يؤيد بتأييده الكاذب الذي يلجأ إليه، بل يهلِكُه ويفضَحُه، كما قال موسى مخاطباً سحرة فرعون: }ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبًا فيُسحِتَكم بعذابٍ وقد خاب من افترى { (طه: 61).
فالمفترون على الله لا يؤيدهم الله بعونه، ولا يمدهم بمدده، قال تعالى: } قل إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون { (يونس: 69) ، وقال: } إنّ اللّه لا يهدي من هُو كاذبٌ كفّارٌ { (الزمر: 3).
لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما خاب ولا خسر، بل هُدي وأفلح في كل صعيد، فدينُه أعظمُ الأديان في الأرض وأكثرُها - بحمد الله - انتشاراً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومعلوم أن من عوّده الله إجابة دعائه، لا يكون إلا مع صلاحه ودينه، ومن ادّعى النبوة، لا يكون إلا من أبرّ الناس إن كان صادقاً، أو من أفجرهم إن كان كاذباً، وإذا عوّده الله إجابة دعائه، لم يكن فاجراً، بل برّاً، وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إلا برّاً، تعيّن أن يكون نبياً صادقاً، فإن هذا يمتنع أن يتعمّد الكذب، ويمتنع أن يكون ضالاً يظن أنه نبي".[1]
وقد وقعت هذه الآية البينة لنبينا صلى الله عليه وسلم، فأجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة، كل منها دليل من دلائل النبوة الشاهدة على صدقه صلى الله عليه وسلم .
ونبدأ بسنة جدبة أصابت الناس؛ وقف النبي صلى الله عليه وسلم فيها على المنبر يخطب الجمعة ، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال, وجاع العيال، فادع الله لنا.
يقول أنس بن مالك: فرفع يديه، وما نرى في السماء قزْعة [أي قطعة من السحاب]، فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال, ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم , فمُطرنا يومنا ذلك ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمُعَة الأخرى.
وفي الجمعة الأخرى قام ذلك الأعرابي، أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)).
يقول أنس: فما يشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة ، وسال الوادي قناة [2] شهراً، ولم يجىء أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدّث بالجُوْد".[3]
لقد نزل المطر بدعائه صلى الله عليه وسلم واستمر أسبوعاً ، ثم توقف بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد أسبوع من هطوله، كما انفرجت السحابة عن المدينة لقوله: ((اللهم حوالينا ولا علينا))، ، أليس ذلك كلُه من أمارات نبوته وعلامات صدقه؟
قال النووي: "ومراده بهذا؛ الإخبار عن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى، بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلاً بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزَع، ولا سببٍ آخر، لا ظاهرٍ ولا باطن".[4]
وقال ابن حجر: "وفيه عَلَمٌ من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقِبه أو معَه، ابتداء في الاستسقاء، وانتهاء في الاستصحاء، وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة".[5]
وصدق من قال:

دعـا اللهَ خـالقَه دعـوة أُجيبتْ وأشخَص منه البصر
ولم يك إلا كـقلب الرداء وأسـرعَ حتى رأينـا المطر
وفي بعض الأحيان خص النبي صلى الله عليه وسلم بعضاً من أصحابه بشيء من دعائه فأجاب الله سؤله، وقبل دعاءه، ومنه دعاؤه لخادمه الوفي أنس بن مالك ، فقد كافأه النبي صلى الله عليه وسلم على خدمته له بدعوة أجابها الله تعالى، فعاش أنس مجللاً ببركتها مائة سنة.
يقول أنس رضيى الله عنه: جاءت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أزّرتني بنصف خمارها، وردّتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله، هذا أُنيس ابني، أتيتك به يخدمك، فادع الله له.
فقال: ((اللهم أكثِر مالَه وولده))، قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي ووَلَدَ وَلَدي ليتَعادُّون على نحو المائة اليوم. [6]
وفي رواية قال أنس: فما ترك خير آخرة ولا دنيا؛ إلا دعا لي به قال: ((اللهم ارزقه مالاً وولداً، وبارك له فيه)).[7]
وقد أجاب الله دعوة نبينا، يقول أنس: (فإني لمن أكثر الأنصار مالاً، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دُفن لصُلبي مَقْدَم حجاج البصرةَ بضعٌ وعشرون ومائة).
قال ابن حجر: "وفيه التحدّث بنعم الله تعالى، وبمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد".[8]
ودعا صلى الله عليه وسلم بالبركة لعروةَ البارقي في ماله، لما أعطاه النبي ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. [9]
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم بارك له في صفْقة يمينه)). يقول عروة: فلقد رأيتُني أقف بكُناسة الكوفة، فأربحُ أربعينُ ألفاً قبل أن أصِل إلى أهلي". [10]
قال ابن حجر: "المقصود منه الذي يدخل في علامات النبوة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعروة فاستجيب له، حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه".[11]
وإذا أردنا أن نعرف سر الحافظة التي أوتيها راوية الإسلام أبو هريرة، فلنستمع إليه وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو كثرة نسيانه للحديث، فيقول: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساهُ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((ابسط رداءك))، فبسطتُه، قال: فغرفَ بيديه، ثم قال: ((ضُمّه))، فضممتُه، فما نسيتُ شيئاً بعده. [12]
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يَكثُر منه، ثم تخلف عنه [أي النسيان] ببركة النبي صلى الله عليه وسلم".[13]
وثمة دعوة أخرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم نال أبا هريرةَ خيرُها، ألا وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمِّه بالهداية، فقد كان يدعوها إلى الإسلام، وهي مشركة تأبى الإسلام وتصده عنه، يقول أبو هريرة: فدعوتُها يوماً، فأسمَعَتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلتُ: يا رسول الله، إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى عليّ، فدعوتُها اليومَ، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهديَ أمَّ أبي هريرة.
__________________
رد مع اقتباس
  #169  
قديم 14-12-2013, 10:10 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ولم يخيب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاحبَه الوفي، فقال: ((اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة))، فخرج مستبشراً فرحاً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم ، يرجو أن تكون سبباً في إسلام أمه.
يقول: فلما جئتُ، فصِرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمي خَشْفَ قدميّ [أي صوت مشيي]، فقالت: مكانكَ يا أبا هريرة، وسمعتُ خضْخضَة الماء، فإذا هي تغتسل للإسلام، وتشهد بشهادة التوحيد.

قال: فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيتُه وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله أبشر، قد استجاب اللهُ دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة.[14]
لقد أتى رضيى الله عنه أول النهار يبكي حُزناً على تمنُّعِ أمِّه عن الإسلام وسِباِبها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فما لبِث أن عاد يبكي فرَحاً بإسلامها ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
قال النووي: "وفيه استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفَور بعين المسؤول، وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم".[15]
وسرورُ أبي هريرة وفرحُه لم ينسياه أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم دعوةً ثالثة، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يحبِّبَني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحبِّبَهم إلينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم حبِّب عُبَيدَك هذا وأمَه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهمْ المؤمنين)).
يقول أبو هريرة: فما خُلِق مؤمن يسمع بي ولا يراني؛ إلا أحبني.[16]
وهكذا فحبُ المؤمنين في كل عصر لراوية الإسلام العظيم أبي هريرة، هو دليل باهر وبرهان ظاهر على استجابة الله دعاء نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم.
وأما عبدُ الله بن عباس حبرُ الأمة وتَرْجُمَانُ القرآن، فإن ما أوتيَه من العلم والحكمة كان بفضل الله الذي استجاب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وذلك أنه لما كان غلاماً جهز وَضُوءَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي شاكراً صنيعه: ((اللهم فقهه في الدين)).[17]
وفي مرة أخرى وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على كتِف ابن عباس وقال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلِّمه التأويل)).[18]
وهذه الدعوة مما تحققتْ إجابةُ اللهِ النبيَ صلى الله عليه وسلم فيها، فقد شبَّ ابن عباس، فكان عمر يُجلِسه مع أكابر الصحابة يستشيره ويأخذ برأيه، على حداثة سنه، فقد فاق أقرانه، بما آتاه الله من الفقه في الدين وما علمه من محاسن التأويل، حتى صح عن ابن مسعودٍ فقيهِ الصحابة أنه قال فيه: " لو أدرك ابنُ عباس أسنانَنا؛ ما عاشره منا رجل"[19] أي لنبوغه وفقهه، وكان يقول: " نِعم تَرْجُمَانُ القرآنِ ابنُ عباس ".[20]
وكما يستجيب الله دعاء أنبيائه لأصحابهم؛ فإنه يستجيب لهم إذا دعوا على الكافرين بنبوتهم أو على العاصين من أتباعهم.
فقد أجاب الله دعاء نوح عليه السلام لما قال: }رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً { (نوح: 26)،
فاستجاب الله له وأغرق الكافرين } فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ * وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر* وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ *تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر { (القمر: 10-14).
وموسى عليه السلام ، دعا فرعونَ الطاغية إلى توحيد الله وطاعته، فأبى واستكبر، فدعا عليه: }وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم{ (يونس: 88)، فاستجاب الله دعاءه، فغرق فرعون وملؤه، وجعل يستجدي النجاة عند الموت } حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين { (يونس: 90).
وهكذا كان حالُ خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، فقد سجد صلى الله عليه وسلم ذات مرة، فوضع المشركون سَلَا الجزور وقذرَها على ظهره الشريف، وأخذوا يتضاحكون، فدعا عليهم عليه الصلاة والسلام وقال: ((اللهم عليك بقريش)) ثلاث مرّات.
يقول ابن مسعود: فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته.
ثم قال: ((اللهم عليك بأبي جهلِ بن هشام، وعتبةَ بنِ ربيعةَ، وشيبةَ بنِ ربيعةَ، والوليدِ بن عتبةَ، وأميةَ بنِ خلفٍ، وعقبةَ بنِ أبي مُعَيط)).
يقول ابن مسعود رضيى الله عنه: وذكر السابع ولم أحفظه، فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيتُ الذين سمّى صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب، قليبِ بدر. [21]
قال ابن حجر: "وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي، فيكون فيه عَلمٌ عظيم من أعلام النبوة".[22]
ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى إدبار قريش وإعراضهم وصدهم عن الإسلام، قال: ((اللهم سبعٌ كسبع يوسف)).
قال ابن مسعود: فأخذتهم سَنةٌ حصّت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع.
فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادعُ الله لهم.
وفي رواية لأحمد في مسنده أن أبا سفيان قال: أي محمد، إن قومك قد هلكوا، فادع الله عز وجل أن يكشف عنهم، قال: فدعا. ثم قال: ((اللهم إن يعودوا فعُدْ )).
ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: ]فرتقب يوم تأتي لسَّماء بِدخانٍ مُّبين[ إلى قوله: }إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون{ (الدخان: 10-16) قال: فالبطشةُ يومُ بدر.[23]

لقد علم كفار قريش أن رسولَ الله مجابُ الدعوة عندَ الله ، فجاؤوا يطلبون السقيا بدعائه، لأنهم علموا أن الله لا يرد نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم } فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون { (الأنعام: 33).
واستهزأ عتيبة بن أبي لهب بالقرآن ، فكُتب مع أبويه في سجل الهالكين؛ فقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يموت بين أنياب السبُع، فقال: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك))، فكانت دعوة نبي أجابها الله، حين خرج عتيبة في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً، فقال: إني أخاف دعوةَ محمد صلى الله عليه وسلم.
فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه، فذهب به.[24]
وفي رواية لابن عساكر أن أبا لهب قال: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.[25]
ولله درُّ حسان بن ثابت رضيى الله عنه وهو يقول:
من يُرجع العام إلى أهله فما أكيلُ السبعِ بالراجع
وقعد بُسر الأشجعي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس يأكل بشماله، فلما ذكّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين استكبر عن قبول الحق فقال: لا أستطيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا استطعت، ما منعه إلا الكبر))، فما رفعها إلى فيه[26].
أي عاجلته استجابة الله ، فشُلت يمينه للتو، بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، جزاءَ استكباره عن قبول الحق والإذعان له.
وحاقت دعوتُه صلى الله عليه وسلم أيضاً بأعرابي دخل عليه النبي يَعُوده في مرضه، فقال صلى الله عليه وسلم مواسياً: ((لا بأسَ، طهور إن شاء الله))، فأجاب الأعرابي بجواب ملؤه القنوط وسوء الظن بالله: قلتَ: طهور؟ كلاّ، بل هي حُمّى تفُور - أو تثور - على شيخ كبير، تُزيرُه القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فنَعَمْ إذاً)). [27]
قال ابن حجر: "في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات النبوة، أخرجه الطبراني وغيره ... وفي آخره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إذا أبيتَ فهي كما تقول، قضاءُ الله كائن)) فما أمسى من الغد إلا ميتاً".[28]
وهكذا؛ فإن هذه الدعوات المجابة وأمثالها دليل على رضا الله عن نبيه وتأييده له، ولو كان يتقوّل على ربه النبوة والرسالة لخذله اللهُ وأهلكه: } ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين * ثمّ لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين[ (الحاقة:47-41).
[1] الجواب الصحيح (6/297).
[2] الجوبة: هي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفُرجة في السحاب، ووادي القناة اسم لوادٍ مشهور من أودية المدينة. انظر فتح الباري (2/479).
[3] رواه البخاري ح (1013)، ومسلم ح (897) واللفظ له.
[4] شرح صحيح مسلم (6/192).
[5] فتح الباري (2/480).
[6] رواه البخاري ح (6344)، ومسلم ح (2481) واللفظ له.
[7] رواه البخاري ح (1982).
[8] فتح الباري (4/269).
[9] رواه البخاري ح (3443).
[10] رواه أحمد في مسنده ح (18877).
[11] فتح الباري (6/734).
[12] رواه البخاري ح (119).
[13] فتح الباري (1/260).
[14] رواه مسلم ح (2491).
[15] شرح صحيح مسلم (16/52).
[16] رواه مسلم ح (2491).
[17] رواه البخاري ح (143)، ومسلم ح (2477) واللفظ للبخاري.
[18] رواه أحمد ح (2393).
[19] رواه عبد الرزاق في المصنف ح (32219).
[20] رواه عبد الرزاق في المصنف ح (32220).
[21] رواه البخاري ح (240)، ومسلم ح (1794) واللفظ له.
[22] فتح الباري (1/419).
[23] رواه البخاري ح (1007)، ومسلم ح (2798)، وأحمد ح (4149).
[24] رواه الحاكم (2/588)، وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في الفتح (4/39).
[25] تفسير القرآن العظيم (4/316).
[26] رواه مسلم ح (2021).
[27] رواه البخاري ح (5656).
[28] فتح الباري (6/722).

د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #170  
قديم 14-12-2013, 10:17 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم

وإن من دلائل النبوة حمايةُ الله لأنبيائه، وإنجاؤه لمن شاء منهم من أيدي أعدائهم، رغم ما يتربص بهم السفهاءُ من السوء.
ولقد قال نوح عليه السلام متحدياً كفارَ قومه: } يا قوم إن كان كبُر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمرُكم عليكم غُمةً ثم اقضوا إليّ ولا تنظِرون { (يونس:71)، فلم يصلوا إليه بسوء لحماية الله له.
ومثله قول أخيه هود صلى الله عليه وسلم: }قال إني أُشهِد الله واشهدوا أني بريءٌ مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم { (هود: 54-56).

ولما أراد السفهاء *** إبراهيم عليه السلام، وألقوه في النار أنجاه الله منها بقدرته وفضله ]قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين [ (الأنبياء: 68-70).
وكذا كان الحال مع نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد أنجاه الله من المؤامرات التي واجهتْه من لدن بعثتِه عليه الصلاة والسلام، وقد أخبره الله وأنبأه بسلامتِه من كيدهم وعدوانهم ، فقال له: } يـا أيها لرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته ولله يعصمك من لناس{ (المائدة: 67).
قال ابن كثير: "أي بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظُك وناصرُك ومؤيدُك على أعدائك ومُظفِرُك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل إليك أحدُ منهم بسوء يؤذيك".[1]
تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحرس حتى نزلت هذه الآية: }ولله يعصمك من لناس{ (المائدة: 67)، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسَه من القبة، فقال لهم: ((يا أيها الناس، انصرفوا عني، فقد عصمني الله)).[2]
وفي الآية دليلان من دلائل النبوة، أولهما: إخبار الله له بحفظه صلى الله عليه وسلم، وقد كان.
قال الماوردي: "فمن معجزاتِه: عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير، والعددُ الكثير، وهم على أتم حَنَقٍ عليه، وأشدُّ طلبٍ لنفيه، وهو بينهم مسترسلٌ قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمُقُه أبصارُهم شزراً، وترتد عنه أيديهم ذُعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه اللهُ تعالى بها فحققها، حيث يقول: }والله يعصمك من الناس{ فعَصَمَه منهم".[3]

والدليل الآخرُ في الآية من دلائل النبوة، يظهر لمن عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقصوداً بال*** من أعدائه، فكان الصحابة يحرُسونه خوفاً عليه، فلما نزلت الآية صرفهم عن حراسته، ليقينه بما أنزل الله إليه، ولو كان دعياً لما غرر بنفسه، ولما عرَّض نفسَه للسوء.
وقد صدق المستشرق بارتلمي هيلر في قوله:"لما وعد الله رسوله بالحفظ بقوله: ]والله يعصمك من الناس[، صرف النبي حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه، فلو كان لهذا القرآن مصدر غير السماء لأبقى محمد على حراسته".[4]

قال ابن تيمية مستدلاً لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم بتأييد الله لنبيه وحفظه له ونصره لدينه: "وقد أيده تأييداً لا يؤيد به إلا الأنبياء، بل لم يؤيَد أحدٌ من الأنبياء كما أُيِّد به، كما أنه بُعث بأفضل الكتب إلى أفضل الأمم بأفضل الشرائع، وجعله سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ، فلا يعرف قط أحد ادعى النبوة وهو كاذب؛ إلا قطع الله دابره وأذله وأظهر كذبه وفجوره.
وكل من أيده الله من المدعين للنبوة لم يكن إلا صادقاً، كما أيد نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان، بل وأيد شعيباً وهوداً وصالحاً، فإن سنة الله أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وهذا هو الواقع، فمن كان لا يعلم ما يفعله الله إلا بالعادة، فهذه عادة الله وسنته يعرف بها ما يصنع، ومن كان يعلم ذلك بمقتضى حكمته؛ فإنه يعلم أنه لا يؤيد من ادعى النبوة وكذب عليه".[5]
وصور حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها أن قريشاً اجتمعت في الحِجر، فتعاقدوا باللاتِ والعزى ومناة الثالثةِ الأخرى ، لو قد رأينا محمداً ، قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقْه حتى ن***َه.
فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها تبكي، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك ف***وك، فليس منهم رجل إلا قد عَرف نصيبه من دمك.

فقال: ((يا بنية، أريني وَضوءاً)) فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا. وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقِروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه منهم رجل.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال: ((شاهت الوجوه)) ثم حصَبهم بها، يقول ابن عباس: فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاةً إلا قُتل يوم بدر كافراً.[6]

الله أكبر، قريشٌ بخُيلائها وكِبْرِها تتعاهد على *** رجل أعزل، وتقسم على ذلك بآلهتها، ثم لا يقوم منهم واحد لتنفيذ عزمتهم، بل قام صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم يحصِبُهم بالحصى متحدياً عجزهم، مبيناً سِفالَ أمرهم وهوانَه، وكيف لا؟ والله العظيم يؤيده ويقويه، فيقول: } والله يعصمك من الناس { (المائدة: 67).
وأما أبو جهل فرعون هذه الأمة فقد رام أيضاً *** النبي صلى الله عليه وسلم، حين أقبل يختال ذات يوم في جنبات مكة فقال: هل يعفِّر محمدٌ وجهَه بين أظهرِكم [يعني بالسجود والصلاة]؟ فقيل: نعم.
فقال: واللاتِ والعزى، لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقَبَتِه، أو لأعفِّرنَّ وجهَه في التراب.
فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعمَ ليطأَ على رقَبَتِه، قال: فما فجِئهم منه إلا وهو ينكُص على عقبيه، ويتقي [أي يحتمي] بيديه.

فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهوْلاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو دنا مني لاختطفته الملائكةُ عُضواً عضواً)).[7]

وهذه معجزة عظيمة رآها عدو الإسلام أبو جهل، فقد رأى أجنحة ملائكة الله وهي تحمي النبي صلى الله عليه وسلم، وأيقن بأن الله حماه بجنده وعونه، لكن منعه الكِبْرُ وحبُ الزعامة والحرصُ عليها من الإذعان للحق والانقياد له، فحاله وحال غيرِه من المشركين كما قال الله: } فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون { (الأنعام: 33).

قال النووي: "ولهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل وغيرِه , ممّن أراد به ضرراً, قال اللّه تعالى: } واللّه يعصمك من النّاس{".[8]
وكما حمت الملائكة النبي صلى الله عليه وسلم من أبي جهل ، فقد تنزلت لحمايته يوم أُحد، حين أطبق عليه المشركون، وتفرق عنه أصحابه منهزمين، ففي الصحيحين يقول سعدُ بن أبي وقاص رضيى الله عنه: (رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أُحدٍ رجُلَين، عليهما ثيابٌ يَيَاض، ما رأيتهما قبلُ ولا بعد). يعني جبريلَ وميكائيلَ عليهما السلام.[9]

قال النووي: "فيه بيان كرامةِ النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامِه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيانُ أن الملائكة تقاتِل، وأن قتالَهم لم يَختصَّ بيوم بدر".[10]
ولم يتوان المشركون من أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم عن إيذائه والكيد له، ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى: }تبت يدا أبى لهبٍ وتب{ (المسد: 1)، جاءت أم جميلٍ ، امرأةُ عمه أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيَك، فلو قُمت، قال: ((إنها لن تراني)).
فجاءت أم جميل، فقالت لأبي بكر: إن صاحبك هجاني! قال: لا، وما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مُصَدق، وانصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لم ترَك؟! قال: ((لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه)).[11]
وكذا أرادت قريش أن ت*** النبي صلى الله عليه وسلم مراراً قبل هجرته، لكن الله نجاه منهم وحماه، فلما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج من مكة مهاجراً، رصدوا له على باب بيته، فخرج عليه الصلاة والسلام من بينهم، وقد أعمى الله أبصارهم عنه، فلم يروه حال خروجه.[12]
وفي هذا يقول سبحانه: } وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو ي***وك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين { (الأنفال:30)، لقد رد الله مكرهم في نحورهم ، ونجى نبيه عليه الصلاة والسلام.
وخرج صلى الله عليه وسلم من مكة مستخفياً تحوطه عناية الله، حتى وصل وصاحبُه إلى غار ثور، واختبآ فيه عن أعين المشركين الذين جدّوا بالبحث عنه حتى وصلوا إلى الغار، ووقفوا ببابه، وظن أبو بكر رضيى الله عنه الهلكة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بلسان الواثقِ من ربه، المتوكل عليه، العالمِِِِ بأنه لا يسْلمه إلى مرام أعدائه: ((ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثُهما؟)).[13]
نعم فالله معه ينصره ويحميه }إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم{ (التوبة:40).
__________________
رد مع اقتباس
  #171  
قديم 14-12-2013, 10:18 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم

وإن من دلائل النبوة حمايةُ الله لأنبيائه، وإنجاؤه لمن شاء منهم من أيدي أعدائهم، رغم ما يتربص بهم السفهاءُ من السوء.
ولقد قال نوح عليه السلام متحدياً كفارَ قومه: } يا قوم إن كان كبُر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمرُكم عليكم غُمةً ثم اقضوا إليّ ولا تنظِرون { (يونس:71)، فلم يصلوا إليه بسوء لحماية الله له.
ومثله قول أخيه هود صلى الله عليه وسلم: }قال إني أُشهِد الله واشهدوا أني بريءٌ مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم { (هود: 54-56).
ولما أراد السفهاء *** إبراهيم عليه السلام، وألقوه في النار أنجاه الله منها بقدرته وفضله ]قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين [ (الأنبياء: 68-70).
وكذا كان الحال مع نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد أنجاه الله من المؤامرات التي واجهتْه من لدن بعثتِه عليه الصلاة والسلام، وقد أخبره الله وأنبأه بسلامتِه من كيدهم وعدوانهم ، فقال له: } يـا أيها لرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته ولله يعصمك من لناس{ (المائدة: 67).
قال ابن كثير: "أي بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظُك وناصرُك ومؤيدُك على أعدائك ومُظفِرُك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل إليك أحدُ منهم بسوء يؤذيك".[1]
تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحرس حتى نزلت هذه الآية: }ولله يعصمك من لناس{ (المائدة: 67)، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسَه من القبة، فقال لهم: ((يا أيها الناس، انصرفوا عني، فقد عصمني الله)).[2]
وفي الآية دليلان من دلائل النبوة، أولهما: إخبار الله له بحفظه صلى الله عليه وسلم، وقد كان.
قال الماوردي: "فمن معجزاتِه: عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير، والعددُ الكثير، وهم على أتم حَنَقٍ عليه، وأشدُّ طلبٍ لنفيه، وهو بينهم مسترسلٌ قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمُقُه أبصارُهم شزراً، وترتد عنه أيديهم ذُعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه اللهُ تعالى بها فحققها، حيث يقول: }والله يعصمك من الناس{ فعَصَمَه منهم".[3]
والدليل الآخرُ في الآية من دلائل النبوة، يظهر لمن عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقصوداً بال*** من أعدائه، فكان الصحابة يحرُسونه خوفاً عليه، فلما نزلت الآية صرفهم عن حراسته، ليقينه بما أنزل الله إليه، ولو كان دعياً لما غرر بنفسه، ولما عرَّض نفسَه للسوء.
وقد صدق المستشرق بارتلمي هيلر في قوله:"لما وعد الله رسوله بالحفظ بقوله: ]والله يعصمك من الناس[، صرف النبي حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه، فلو كان لهذا القرآن مصدر غير السماء لأبقى محمد على حراسته".[4]
قال ابن تيمية مستدلاً لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم بتأييد الله لنبيه وحفظه له ونصره لدينه: "وقد أيده تأييداً لا يؤيد به إلا الأنبياء، بل لم يؤيَد أحدٌ من الأنبياء كما أُيِّد به، كما أنه بُعث بأفضل الكتب إلى أفضل الأمم بأفضل الشرائع، وجعله سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ، فلا يعرف قط أحد ادعى النبوة وهو كاذب؛ إلا قطع الله دابره وأذله وأظهر كذبه وفجوره.
وكل من أيده الله من المدعين للنبوة لم يكن إلا صادقاً، كما أيد نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان، بل وأيد شعيباً وهوداً وصالحاً، فإن سنة الله أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وهذا هو الواقع، فمن كان لا يعلم ما يفعله الله إلا بالعادة، فهذه عادة الله وسنته يعرف بها ما يصنع، ومن كان يعلم ذلك بمقتضى حكمته؛ فإنه يعلم أنه لا يؤيد من ادعى النبوة وكذب عليه".[5]
وصور حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها أن قريشاً اجتمعت في الحِجر، فتعاقدوا باللاتِ والعزى ومناة الثالثةِ الأخرى ، لو قد رأينا محمداً ، قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقْه حتى ن***َه.
فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها تبكي، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك ف***وك، فليس منهم رجل إلا قد عَرف نصيبه من دمك.

فقال: ((يا بنية، أريني وَضوءاً)) فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا. وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقِروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه منهم رجل.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال: ((شاهت الوجوه)) ثم حصَبهم بها، يقول ابن عباس: فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاةً إلا قُتل يوم بدر كافراً.[6]
الله أكبر، قريشٌ بخُيلائها وكِبْرِها تتعاهد على *** رجل أعزل، وتقسم على ذلك بآلهتها، ثم لا يقوم منهم واحد لتنفيذ عزمتهم، بل قام صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم يحصِبُهم بالحصى متحدياً عجزهم، مبيناً سِفالَ أمرهم وهوانَه، وكيف لا؟ والله العظيم يؤيده ويقويه، فيقول: } والله يعصمك من الناس { (المائدة: 67).
وأما أبو جهل فرعون هذه الأمة فقد رام أيضاً *** النبي صلى الله عليه وسلم، حين أقبل يختال ذات يوم في جنبات مكة فقال: هل يعفِّر محمدٌ وجهَه بين أظهرِكم [يعني بالسجود والصلاة]؟ فقيل: نعم.
فقال: واللاتِ والعزى، لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقَبَتِه، أو لأعفِّرنَّ وجهَه في التراب.
فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعمَ ليطأَ على رقَبَتِه، قال: فما فجِئهم منه إلا وهو ينكُص على عقبيه، ويتقي [أي يحتمي] بيديه.
فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهوْلاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو دنا مني لاختطفته الملائكةُ عُضواً عضواً)).[7]

وهذه معجزة عظيمة رآها عدو الإسلام أبو جهل، فقد رأى أجنحة ملائكة الله وهي تحمي النبي صلى الله عليه وسلم، وأيقن بأن الله حماه بجنده وعونه، لكن منعه الكِبْرُ وحبُ الزعامة والحرصُ عليها من الإذعان للحق والانقياد له، فحاله وحال غيرِه من المشركين كما قال الله: } فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون { (الأنعام: 33).
قال النووي: "ولهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل وغيرِه , ممّن أراد به ضرراً, قال اللّه تعالى: } واللّه يعصمك من النّاس{".[8]
وكما حمت الملائكة النبي صلى الله عليه وسلم من أبي جهل ، فقد تنزلت لحمايته يوم أُحد، حين أطبق عليه المشركون، وتفرق عنه أصحابه منهزمين، ففي الصحيحين يقول سعدُ بن أبي وقاص رضيى الله عنه: (رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أُحدٍ رجُلَين، عليهما ثيابٌ يَيَاض، ما رأيتهما قبلُ ولا بعد). يعني جبريلَ وميكائيلَ عليهما السلام.[9]
قال النووي: "فيه بيان كرامةِ النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامِه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيانُ أن الملائكة تقاتِل، وأن قتالَهم لم يَختصَّ بيوم بدر".[10]
ولم يتوان المشركون من أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم عن إيذائه والكيد له، ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى: }تبت يدا أبى لهبٍ وتب{ (المسد: 1)، جاءت أم جميلٍ ، امرأةُ عمه أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيَك، فلو قُمت، قال: ((إنها لن تراني)).
فجاءت أم جميل، فقالت لأبي بكر: إن صاحبك هجاني! قال: لا، وما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مُصَدق، وانصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لم ترَك؟! قال: ((لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه)).[11]
وكذا أرادت قريش أن ت*** النبي صلى الله عليه وسلم مراراً قبل هجرته، لكن الله نجاه منهم وحماه، فلما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج من مكة مهاجراً، رصدوا له على باب بيته، فخرج عليه الصلاة والسلام من بينهم، وقد أعمى الله أبصارهم عنه، فلم يروه حال خروجه.[12]
وفي هذا يقول سبحانه: } وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو ي***وك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين { (الأنفال:30)، لقد رد الله مكرهم في نحورهم ، ونجى نبيه عليه الصلاة والسلام.
وخرج صلى الله عليه وسلم من مكة مستخفياً تحوطه عناية الله، حتى وصل وصاحبُه إلى غار ثور، واختبآ فيه عن أعين المشركين الذين جدّوا بالبحث عنه حتى وصلوا إلى الغار، ووقفوا ببابه، وظن أبو بكر رضيى الله عنه الهلكة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بلسان الواثقِ من ربه، المتوكل عليه، العالمِِِِ بأنه لا يسْلمه إلى مرام أعدائه: ((ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثُهما؟)).[13]
نعم فالله معه ينصره ويحميه }إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم{ (التوبة:40).
__________________
رد مع اقتباس
  #172  
قديم 14-12-2013, 10:23 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وهكذا نجّى النبي صلى الله عليه وسلم من بين أيديهم ، واتجه صوب المدينة المنورة من جديد، تحوطُه رعاية الله ، وتكلؤه عنايته.
أما قريش فلم تستسلم، ولم تفتر عزيمتُها في محاولة ***ِ النبي صلى الله عليه وسلم والنيلِ منه، فأرسلوا إلى قبائل العرب يضعون لهم الجوائز إن همُ ***وا النبيَ صلى الله عليه وسلم وصاحبَه، لكنهما كانا يسيران في حفظ الله ورعايته.

وجاز النبي قُديداً، فأدركه سراقة بن مالك، يقول الصديق رضيى الله عنه: وتبِعنا سراقة بن مالك، ونحن في جَلَدٍ من الأرض [أي في أرض صلبة]، فقلت: أُتينا يا رسول الله, فقال: ((لا تحزن, إن الله معنا)) فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارتطمت فرسه إلى بطنها.

وفي رواية للبخاري يروي سراقة الخبر فيقول: (حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات - ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخَرَرت عنها، ثم زجرتُها فنهضتْ، فلم تكَد تُخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثَرِ يديها عُثانٌ ساطع في السماء مثل الدخان...).[14]
فقال سراقة: (إني قد علمت أنكما قد دعوتما عليّ، فادعوَا لي، فـاللهَ لكما أن أرُدّ عنكما الطلب، فدعا صلى الله عليه وسلم اللهَ فنجا، فرجع لا يلقى أحداً من الطَلَب إلا قال: قد كُفيتكم ما ها هنا، فلا يلقى أحداً إلا ردّه).[15]
قالَ أنس: (فكان أوَّل النهار جاهداً على نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له).[16]
فكان إنجاء الله نبيه من بين يدي سراقة سبباً في إسلامه وذوده عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رضيى الله عنه وهو يخاطب أبا جهل:
أبا حكمٍ والله لو كنتَ شاهداً لأمر جوادي إذ تسوخُ قوائمه
علمتَ ولم تَشْكُك بأن محمداً رسولٌ ببرهانٍ فمن ذا يقاومه[17]

ولما رجع مشركو مكة من بدر مدحورين - بقوة الله - ، أقبل عمير بن وهب حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحِجِر ، فقال صفوان: قبَّح اللهُ العيش بعد ***ى بدر.
فقال عمير: أجل والله ما في العيش خيرٌ بعدَهم ، ولولا دينٌ عليَّ لا أجد له قضاء، وعيالٌ لا أدع لهم شيئاً ، لرحلت إلى محمد ف***تُه إن ملأتُ عينيّ منه ، فإن لي عنده عِلّة أعتل بها عليه ، أقول: قدِمت من أجل ابني هذا الأسير.

ففرح صفوان بإقدام عمير وخُطته، ومضى يزيل عوائق تنفيذها، فقال: علي دينُك، وعيالُك أُسوةُ عيالي في النفقة ، لا يسعني شيء فأعجزُ عنهم.
فاتفقا، وحمله صفوان وجهزه، وأمر بسيف عمير فصُقل وسُمَّ ، وقال عمير لصفوان: اكتم خبري أياماً.

وقدم عمير المدينة، فنزل بباب المسجد، وعَقَل راحلته ، وأخذ السيف، وعمَد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه عمر وهو في نفر من الأنصار، ففزع ودخل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لا تأمنه على شيء.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((أدخله علي)).

فخرج عمر، فأمر أصحابه أن يدخلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحترسوا من عمير، وأقبل عمر وعمير حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع عمير سيفُه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((تأخر عنه)).
فلما دنا عمير قال له: ((ما أقدمك يا عمير ؟)) قال :قدِمت على أسيري عندكم ، تفادونا في أسرانا، فإنكم العشيرة والأهل.

فقال صلى الله عليه وسلم: (( ما بال السيف في عنقِك؟)). فأجاب عمير: قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئاً؟ إنما نسيته في عنقي حين نزلت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصدقني، ما أقدمك يا عمير؟)). فقال: ما قدمت إلا في طلب أسيري.

فبغته النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فماذا شرطتَ لصفوان في الحِجر؟))، ففزع عمير وقال: ماذا شرطتُ له؟
فأجاب من علَّمه الله الخبير فقال: ((تحمّلْتَ له ب***ي؛ على أن يعول أولادَك ، ويقضيَ دَيْنَك ، واللهُ حائلٌ بينك وبين ذلك)).

فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله ،كنا يا رسول الله نكذبُك بالوحي وبما يأتيك من السماء، وإن هذا الحديثَ كان بيني وبين صفوان في الحِجِر لم يطلع عليه أحد، فأخبرك الله به ، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق.
ففرح به المسلمون، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجلِس يا عمير نواسِك)).

وقال لأصحابه: ((علموا أخاكم القرآن))، وأطلق له أسيره ، فقال عمير: ائذن لي يا رسولَ الله ، فألحق بقريش ، فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله أن يهديَهم .. ثم قدم عمير فدعاهم إلى الإسلام، ونصحهم بجُهده ، فأسلم بسببه بشر كثير.[18]
وهكذا نجى الله نبيه وحبيبه من كيد عميرٍ وصفوان ، فلم يجدْ عميرٌ أمام هذه المعجزة الباهرة والآية القاهرة إلا أن يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وللرب الذي حماه بالوحدانية.

ومن صور حماية الله لنبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم قصة شاة اليهودية، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى خيبر، فقدمت له يهودية من أهل خيبر شاةً مشوية مسمومة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراعَ، فأكل منها، وأكل رهطٌ من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارفعوا أيديِكم))، وفي رواية: ((ارفعوا أيديكم، فإنها أخبرتني أنها مسمومة)).[19]
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: ((أسمَمْت هذه الشاة؟)) قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: ((أخبرتني هذه في يدي)). للذراع ، قالت: نعم .

قال: ((ما أردت إلى ذلك؟)) قالت: قلتُ: إن كان نبياً فلن يضرَه ، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه . فعفا عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها.[20]
وفي رواية للخبر في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها عن ذلك ،فقالت: أردت لأ***كَ. فقال صلى الله عليه وسلم: (( ما كان الله ليسلطَكِ عليّ )).[21]

قال النووي: " قوله صلى الله عليه وسلم ((ما كان الله ليسلطك عليّ)) فيه بيانُ عصمتِه صلى الله عليه وسلم من الناس كلِّهم، كما قال الله: }ولله يعصمك من الناس{ (المائدة: 67)، وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السُّمِّ المهلِك لغيرِه، وفيه إعلامُ الله تعالى له بأنها مسمومةُ، وكلامُ عضوٍ منه له، فقد جاء في غير مسلم: ((إن الذراع تخبرني أنها مسمومة)).[22]

ويحدث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركتهم نومة القيلولة في وادٍ كثير الشجر.
يقول جابر: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس ، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمُرَةٍ، فعلق بها سيفه، فنِمنا نومةً، ثم إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه، فإذا أعرابيٌ جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظتُ وهو في يده صَلتاً، فقال لي: من يمنعُك مني؟ قلت: اللهُ، فها هو ذا جالس)) ثم لم يعاقبْه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية لأحمد أنه قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهُ عز وجل)).
فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن كخير آخذ.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) قال: لا، ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فذهب إلى أصحابه، فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس. [23]

وفي هذا الحديث دلائلُ مختلفة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، منها: ثبات النبي صلى الله عليه وسلم بتأييد الله له، ثم حمايةُ الله له من ال***.
ومنها تأييدُه له بالملائكة، فقد وقع في رواية لابن إسحاق أن جبريل دفع بصدر المشرك فسقط سيفه.

وأخيراً: عفوُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل مع رفضه للإسلام، وذلك خلق من أخلاق النبوة، وإلا فمن يصنع ذلك مع غريمه وعدوه الذي كاد أن ي***ه؟ وقد صدق الأعرابي حين قال: جئتُكم من عندِ خير الناس.
} أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فماله من هاد { (الزمر: 36)، وفي هذا كله ما يشهد له صلى الله عليه وسلم بالنبوة لتأييد الله إياه وحفظه له.
[1] تفسير القرآن العظيم (3/143).
[2] رواه الترمذي ح (3046)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (2489).
[3] أعلام النبوة (127).
[4] ربحت محمداً ولم أخسر المسيح، عبد المعطي الدلالاتي ص (108).
[5] الجواب الصحيح (1/410).
[6] رواه أحمد في المسند ح (2757) والحاكم في مستدركه (3/170)، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد (8/228).
[7] رواه مسلم ح (2797).
[8] شرح مسلم على صحيح النووي (17/140).
[9] رواه البخاري ح (4054)، و مسلم ح (2306).
[10] شرح صحيح مسلم (15/66).
[11] رواه أبو يعلى في مسنده ح (2358)، والبزار ح (2294)، وصححه ابن حبان ح (6511).
[12] انظر الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام ، للسهيلي (4/178).
[13] رواه البخاري ح (3653)، ومسلم ح (2381).
[14] رواه البخاري ح (3906).
[15] رواه البخاري ح (3615)، ومسلم ح (2009).
[16] رواه البخاري ح (3911).
[17] فتح الباري (7/286).
[18] رواه الطبراني في معجمه الكبير ح (117)، وابن هشام في السيرة (3/213).
2 رواه أبو داود ح (4510)، والحديث أصله في البخاري ح (2617)، ومسلم ح (2190).
[20] رواه أبو داود ح (4510) وهو صحيح كما قال الألباني في مشكاة المصابيح ح (5931).
[21] رواه البخاري ح (2617) ، ومسلم ح (2190).
[22] شرح صحيح مسلم (14/179).
[23] رواه البخاري ح (4137)، ومسلم ح (843)، ورواية أحمد في المسند ح (14512).

د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #173  
قديم 14-12-2013, 10:28 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

دلالة القرآن الكريم على نبوته رضيى الله عنه[1]

إن أعظم دلائل النبوة القرآنُ الكريم، كتاب الله الذي أعجز الأولين والآخرين.
يقول رسول الله رضيى الله عنه: ((ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أُعطي من الآيات، ما مثلٌه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحياً أَوحى اللهُ إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)). [2]
قال ابن حجر في معنى قوله: ((إنما كان الذي أوتيتُ وحياً )): "أي أن معجزتي التي تَحدّيتُ بها، الوحيُ الذي أُنزِل عليّ، وهو القرآن".
ثم لفت - رحمه الله - النظر إلى أنه ليس المراد من الحديث حصرَ معجزاته رضيى الله عنه في معجزة القرآن الكريم فقال: "بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختصّ بها دون غيره رضيى الله عنه". [3]
وقال ابن كثير في معنى الحديث: " معناه أن معجزة كل نبي انقرضت بموته، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلَق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله".[4]
وقال ابن القيم في سياق حديثه عن معجزات الأنبياء: "وأعظمها معجزةً كتابٌ باقٍ غضٌ طريّ لم يتغيّر, ولم يتبدّل منه شيء، بل كأنه منزّل الآن، وهو القرآن العظيم، وما أخبر به يقع كل وقتٍ على الوجه الذي أخبر به". [5]
هذه المعجزة العظيمة تحدى الله بها الأولين والآخرين، ودعاهم للإتيان بمثله حين زعموا أن القرآن من كلامه رضيى الله عنه، فقال تعالى: ]أم يقولون تقَوَّله بل لا يؤمنون * فليأتوا بحديثٍ مثله إن كانوا صادقين[ )الطور: 33-34).
فلما أعجز المشركين أن يأتوا بمثله، تحداهم القرآن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات من عندهم، قال تعالى: ]أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفترياتٍ وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صـادقين[ (هود: 13).
قال ابن كثير: "بين تعالى إعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور من مثله، ولا بسورة من مثله؛ لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين، كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات، وذاته لا يشبهها شيء ".[6]
فلما عجزوا عن الإتيان بعشر سور تحداهم القرآن أن يأتوا بسورة واحدة، قال تعالى: ]وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صـادقين[ (البقرة: 23).
قال الطبري: " ومن حجة محمدٍ رضيى الله عنه على صدقه، وبرهانه على حقيقة نبوته، وأن ما جاء به من عندي [أي من عند الله] ؛ عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم، عن أن تأتوا بسورة من مثله. وإذا عجزتم عن ذلك ـ وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة ـ فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز".[7]
ويبلغ التحدي القرآني غايته حين يخبر القرآن أن عجز المشركين عن محاكاة القرآن والإتيان بمثله عجز دائم لا انقطاع له، فيقول: ]فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا[ (البقرة: 24).
قال القرطبي: " قوله: ] ولن تفعلوا [ إثارةٌ لهممهم، وتحريكٌ لنفوسهم؛ ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع، وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها".[8]
وحين أراد مسيلمة معارضة القرآن فضحه الله وأخزاه، فكان قوله محلاً لسخرية العقلاء وإعراض البلغاء، فقد قال: "يا ضفدع، نقي كما تنقين ، لا الماء تدركين ، ولا الشراب تمنعين".
وقال أيضاً معارضاً القرآن: " ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج من بطنها نسمة تسعى ، من بين شراشيف وحشى ".
وأما النضر بن الحارث فصيح قريش وبليغها، فأتى بالمضحك من القول حين قال: "والزارعات زرعاً. والحاصدات حصداً. والطاحنات طحناً. والعاجنات عجناً. والخابزات خبزاً ....".[9]
وعندما أراد الأديب ابن المقفع معارضة القرآن كل وعجز، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض، وما هو من كلام البشر.
ومثله صنع يحيى الغزال بليغ الأندلس وفصيحها.
وصدق الله العظيم: ]قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هـذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً[ (الإسراء: 88).
قال ابن سعدي: "وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ .. هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوقٍ ومعرفةٍ بأنواع الكلام، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء، ظهر له الفرق العظيم".[10]
لقد اعترف أعداء القرآن بعظمة القرآن، وذلت رقابهم لما سمعوه من محكم آياته، فهاهو الوليد بن المغيرة سيد قريش، يسمع النبي رضيى الله عنه وهو يقرأ قوله تعالى: ]إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتآء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون[ (النحل:90).
فيقول قولته المشهورة: "والله إنَّ لقولِه الذي يقولُ لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدِقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلا، وإنه ليَحطِم ما تحته".[11]
ولما جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي رضيى الله عنه؛ قرأ عليه النبي رضيى الله عنه أوائل سورة فصلت، فرجع إلى قريش قائلاً: إني واللهِ قد سمعت قولاً ما سمعتُ بمثلِه قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبينَ ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ نبأ".[12]
وفي العصر الحديث أيضاً شهد المنصفون من المستشرقين بعظمة القرآن، وسجلت كلماتُهم بحقه المزيدَ من الإعجاب والدَهش.
ومنه قول المستشرق فون هامر في مقدَمة ترجمته للقرآن، فقد قال: "القرآن ليس دستورَ الإسلام فحسب، وإنما هو ذِروة البيانِ العربي، وأسلوبُ القرآن المدهش يشهد على أن القرآنَ هو وحيٌ من الله، وأن محمداً قد نشر سلطانَه بإعجاز الخطاب، فالكلمةُ [أي القرآنُ] لم يكن من الممكن أن تكونَ ثمرةَ قريحةٍ بشرية".[13]
ويقول فيليب حتي في كتابه "الإسلام منهج حياة": "إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن .. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى".
وأما جورج حنا فيقول في كتابه "قصة الإنسان": "إذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلاً ولا يحتمل التخطئة، فالمسيحيون يعترفون أيضاً بهذه الصوابية، بقطع النظر عن كونه منزلاً أو موضوعاً، ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة كلما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة".
ويقول الفيلسوف الفرنسي هنري سيرويا في كتابه "فلسفة الفكر الإسلامي" : "القرآن من الله بأسلوب سام ورفيع لا يدانيه أسلوب البشر".
وأما المستشرق بلاشير فلم يألُ جهداً في الطعن في القرآن ومعاداته في كتابه "القرآن الكريم"، لكن الحقيقة غلبته، فقال: "إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضاً يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة ؛ تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجلته من التحف".
وبهرت جزالة القرآن وروعة أساليبه المستشرق الأديب غوته، فسجل في ديوانه "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" هذه الشهادة للقرآن: "القرآن ليس كلام البشر، فإذا أنكرنا كونه من الله، فمعناه أننا اعتبرنا محمداً هو الإله ".
وتحدث بعض المستشرقين عن الانقلاب العظيم الذي أحدثه القرآن في القيم الاجتماعية والأخلاقية للعرب، وكيف صنع منهم ومن الأمم الأخرى التي دخلت في الإسلام أمة الحضارة والريادة طوال قرون، فيقول المفكر الفرنسي مارسيل بوازار في كتابه "إنسانية الإسلام": "إن القرآن لم يُقدّر قط لإصلاح أخلاق عرب الجاهلية، إنه على العكس يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية والحاجات الاجتماعية في كل الأزمنة".
ويقول ولد يورانت في "قصة الحضارة" عن القرآن: "وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحرضهم على اتباع القواعد الصحيحة، وحرر وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض".

وتقول المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاغليري في كتابها "دفاع عن الإسلام": "إن انتشار الإسلام السريع لم يتم لا عن طريق القوة ولا بجهود المبشرين الموصولة، إن الذي أدى إلى ذلك الانتشار كون الكتاب الذي قدمه المسلمون للشعوب المغلوبة - مع تخييرها بين قبوله ورفضه - كتاب الله، كلمة الحق، أعظم معجزة كان في ميسور محمد أن يقدمها إلى المترددين في هذه الأرض".[14]
__________________
رد مع اقتباس
  #174  
قديم 14-12-2013, 10:30 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ومما أذهل العلماء إعجاز القرآن العلمي، وما حواه من معارف توصلت إليها البشرية قريباً بفضل التقنية العلمية الحديثة، فسجل هؤلاء العلماء شهادات منصفة بحق القرآن العظيم.
ونبدأ بالبروفسور يوشيودي كوزان مدير مرصد طوكيو، إذ يقول: " إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود، فكل شيء أمامه مكشوف، إن الذي قال هذا القرآن، [أي الله] يرى كل شيء في هذا الكون، فليس هناك شيء قد خفي عليه ".

وأما البرفسور شرويدر عالم البحار الألماني فيقول في ندوة علماء البحار التي نظمتها جامعة الملك عبد العزيز بجدة: "ما قيل بالفعل منذ عديد من القرون في القرآن الكريم هو حقيقة ما يكتشفه العلماء اليوم، أعتقد أنه من المهم بالنسبة لندوة لهذه أن تبلغ هذا إلى العلماء من جميع الأمم".
ويقول البرفسور درجا برساد راو أستاذ علم جولوجيا البحار في جامعة الملك عبد العزيز، فيقول تعليقاً على إخبار الله في القرآن عن ظلمات البحار وأمواجها الداخلية، فقال: "ومن الصعب أن نفترض أن هذا النوع من المعرفة كان موجوداً في ذلك الوقت منذ 1400سنة ، ولكن بعض الأشياء تتناول فكرة عامة، ولكن وصف هذه الأشياء بتفصيل كبير أمر صعب جداً، ولذلك فمن المؤكد أن هذا ليس علماً بشرياً بسيطاً، لا يستطيع الإنسان العادي أن يشرح هذه الظواهر بذلك القدر من التفصيل، ولذلك فقد فكرت في قوة خارقة للطبيعة خارج الإنسان، لقد جاءت المعلومات من مصدر خارق للطبيعة".

وفي مؤتمر القاهرة (1986م) حول الإعجاز العلمي قدم البرفسور الأمريكي بالمار بحثاً ختمه بقوله: "أنا لا أعلم المستوى الثقافي الذي كان عليه الناس في زمن محمد [رضيى الله عنه] ولا أدري في أي مستوى علمي كانوا، فإذا كان الأمر كما نعرف عن أحوال الأولين والمستوى العلمي المتواضع والذي ليس فيه هذه الإمكانيات، فلا شك أن هذا العلم الذي نقرؤه الآن في القرآن هو نور من العلم الإلهي قد أوحي به إلى محمد ".
ونختم جولتنا مع إعجاز القرآن العلمي بالحديث عن حديث القرآن عن تطور الجنين وتخلقه، وننقل شهادة البروفيسور مارشال جونسون رئيس قسم التشريح ومدير معهد دانيال بجامعة توماس جيفرسون بفلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد أذهله ما ذكره القرآن عن تطور الجنين، فقال: "إنني كعالم أستطيع فقط أن أتعامل مع أشياء أستطيع أن أراها بالتحديد، أستطيع أن أفهم علم الأجنة وتطور علم الأحياء، أستطيع أن أفهم الكلمات التي تترجم لي من القرآن .. إنني لا أرى شيئاً لا أرى سبباً لا أرى دليلاً على حقيقة تفند مفهوم هذا الفرد محمد [رضيى الله عنه] الذي لا بد وأنه يتلقى هذه المعلومات من مكان ما، ولذلك إنني لا أرى شيئاً يتضارب مع مفهوم أن التدخل الإلهي كان مشمولاً فيما كان باستطاعته أن يبلغه".
ويضيف البرفسور كيث ل مور مؤلف الكتاب الشهير الذي يعتبر مرجعاً معتمداً في كليات الطب العالمية (The Developing Human) "أطوار خلق الإنسان"، فيقول عما سمعه من إعجاز قرآني في علم الأجنة: "يتضح لي أن هذه الأدلة حتماً جاءت لمحمد من عند الله، لأن كل هذه المعلومات لم تكشف إلا حديثاً وبعد قرون عدة، وهذا يثبت لي أن محمداً رسول الله".[15]
وصدق الله وهو يقول: ]ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد[ (سبأ: 6).
[1] كما أسلفت في المقدمة؛ فإني لن أتحدث عن صور الإعجاز المختلفة للقرآن العظيم، فهذا بحر لايُدرك قعره ولا يُسبر غوره.
[2] رواه البخاري ح (4981)، ومسلم ح (152) واللفظ له.
[3] فتح الباري (8/623).
[4] تفسير القرآن العظيم (2/678).
[5] إغاثة اللهفان (2/347).
[6] تفسير القرآن العظيم (2/455).
[7] جامع البيان (1/372-373).
[8] الجامع لأحكام القرآن (1/267).
[9] انظر: لماذا أسلم صديقي، إبراهيم خليل (ص50 -54 ).
[10] تيسير الكريم الرحمن (ص45-46).
[11] رواه الحاكم في المستدرك (2/550)، وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (2/198).
[12]رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/204-205) وهو مرسل؛ لأن محمد بن كعب القُرظي تابعي، لكن يعضده رواية أخرى أخرجها البيهقي في الدلائل (2/202) وابن إسحاق في السيرة (1/187).
[13] يوميات مسلم ألماني، د.مراد هوفمان (ص122).
[14] قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (ص 52-76)، وانظر: ربحت محمداً ولم أخسر المسيح، عبد المعطي الدلالاتي (ص 109-110).
[15] إنه الحق، هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي (ص 49، 51-52، 81، 116-120).


د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #175  
قديم 18-12-2013, 08:56 PM
أبو سارة وأميرة أبو سارة وأميرة غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
المشاركات: 384
معدل تقييم المستوى: 11
أبو سارة وأميرة is on a distinguished road
افتراضي

وما ينطق عن الهوي
إن هو إلا وحي يوحي
رد مع اقتباس
  #176  
قديم 18-12-2013, 10:58 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سارة وأميرة مشاهدة المشاركة
وما ينطق عن الهوي
إن هو إلا وحي يوحي
عليه الصلاة والسلام
بارك الله فيك اخى الكريم
__________________
رد مع اقتباس
  #177  
قديم 23-12-2013, 11:05 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

دلالة أخلاقه وأحواله صلى الله عليه وسلم على نبوته

ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كرم أخلاقه وجميل صفاته، فمثل هذه الكمالات إنما هي بعض منحة الله له، وهي دليل يقنع العقلاء على نبوته صلى الله عليه وسلم، فما كان لهذه الأخلاق أن تكون لدعي يفتري على الله الكذب.
قال ابن تيمية: "ودلائل صدق النبي الصادق وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جداً، فإن من ادعى النبوة وكان صادقاً؛ فهو من أفضل خلق الله وأكملهم في العلم والدين، فإنه لا أحد أفضل من رسل الله وأنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه ...
وإن كان المدعي للنبوة كاذباً فهو من أكفر خلق الله وشرهم .. ولما كان هذا من أعلى الدرجات وهذا من أسفل الدركات؛ كان بينهما من الفروق والدلائل والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الآخر ما يظهر لكل من عرف حالهما، ولهذا كانت دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة، كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة".[1]
وبهذا النوع من الدلائل آمن الرهط الأول من المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تظهر على يديه معجزاته الباهرة، فأول أهل الأرض إيماناً به خديجة رضي الله عنها، استدلت لنبوة زوجها بما عرفته من كمال أخلاقه، وعظيمِ خلاله، فقالت له وقد رجع إليها من غار حراء خائفاً:
(كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).[2] فجعلت - رضي الله عنها - من كريم خِلاله دليلاً على صدقه ونبوته.
يكفيه في ذلك وصفُ ربهِ له ]وإنك لعلى خلق عظيم[ (القلم: 5).
وكثير من العقلاء رأوا في أخلاقه صلى الله عليه وسلم دليلاً كافياً على نبوته ، من هؤلاء هرقل ملك الروم الذي بلغه أمرُ النبي، فسأل أبا سفيان - وهو يومئذ على الكفر- عن صفاته وأخلاقه.
فلما استبانت له نبوته قال: "فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه".
[1] الجواب الصحيح (1/127-129).
[2] رواه البخاري ح (4)، ومسلم ح (160).

د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #178  
قديم 23-12-2013, 11:10 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

كرم النبي صلى الله عليه وسلم

ومن جميل صفاته صلى الله عليه وسلم كرمُه الفياض، وجُوده السيّال، كرمُه كرمُ رجل عافت نفسه الدنيا، حتى ما عاد يفرح بإقبالها، ولا يغتم ولا يهتم بإدبارها، إنه أكرمُ الناس وأجودُهم، وصفه ابنُ عمهِ ابنُ عباس رضيى الله عنه فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسُه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة).[1]
وعاشره أنس بن مالك عشرَ سنين، ثم وصفه فقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس وأشجعَ الناس وأجودَ الناس).[2]
ومن رام إثبات ذلك فليصخ السمع وهو شهيد:
رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين فعلِقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمُرة [نوع من الشجر]، فخطِفَتْ رداءَه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العِضاهِ نَعَماً لقسمتُه بينَكم ، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً)).[3]
وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل فسأله أن يعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءني شيء قضيتُه)). فقال عمر: يا رسول الله، ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم قولَ عمر.
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعُرف البِشر في وجهه بقول الأنصاري، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((بهذا أمرت)).[4]
فعطاؤه مع العوز وقلة ذات اليد، وهذا غاية الجود.
وجاءه صلى الله عليه وسلم نفرٌ من الأنصار فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفِد ما عنده، ثم قال: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعففْ يعِفُّهُ الله، ومن يستغن يغنِه الله، ومن يتصبر يصبرْه الله، وما أعطي أحد عطاء هو خيرٌ وأوسعُ من الصبر)).[5]
وجاءته امرأة ببردة فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكَها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فجسَّها رجل من القوم فقال: يا رسول الله اُكسُنيها. قال: ((نعم)).
فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع، فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتَها إياه، وقد عَرفْتَ أنه لا يرد سائلاً! فقال الرجل: والله ما سألتُها إلا لتكون كفني يوم أموت.[6]
نعم، إنه صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً، ويجود حتى بما هو أحوج الناس إليه.
هو البحر من أيِ النواحي أتيتَه فلُجتُه المعروف والبحرُ ساحله
تراه إذا مـا جئته مـتهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
‏ ولو لم يكن في كفه غيرُ روحه ‏ ‏لـجاد بها فليـتق الله سائلُه
ولفرط كرمه صلى الله عليه وسلم ، يقول جابر: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط؟ فقال: لا).[7]
في يوم حنين جاءه رجلٌ فسأله غنماً بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه، فقال: أيْ قومِ أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر!
فقال أنس: إن كان الرجل ليُسلِم، ما يريدُ إلا الدنيا، فما يسلمْ حتى يكونَ الإسلام أحبَ إليه من الدنيا وما عليها. [8]
ويذكر ابن عساكر أن صفوان بن أمية سار يوم حنين بين الغنائم ، فجعل ينظر إلى شِعبٍ مُلأ نعماً وشاء ورعاء، فأدام النظر إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمُقه فقال النبي: ((أبا وهب، يعجبُك هذا الشِعب؟)) قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: ((هو لك وما فيه)).

فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفسُ نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أسلم صفوان سيد قريش وأحد عقلائها لما رآه من جود النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى في كرم كفه وفيضِ عطائه وطيبةِ نفسه بهذا العطاء؛ ما يدل على نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم.
وعطاؤه صلى الله عليه وسلم ليس مرتبطاً بمصلحة شخصية، ولا يطرد بزيادة العلاقة مع المُعطى أو نقصاِنها، يقول عليه الصلاة والسلام: (( إني لأعطي الرجل، وغيرُه أحبُ إليّ منه، خشيةَ أن يكبه الله في النار)).[9]
ومن صور كرمه صلى الله عليه وسلم ما رواه جابر بن عبد الله، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال لي: ((أتبيع ناضِحك [أي جملك] هذا بدينار، واللهُ يغفرُ لك؟)).
قلت: يا رسول الله هو ناضِحكم إذا أتيتُ المدينة [أي أنه يعطيه للرسول صلى الله عليه وسلم بلا مقابل إذا وصلوا المدينة].
فقال صلى الله عليه وسلم: ((فتبيعه بدينارين، واللهُ يغفر لك؟)) قال: فما زال يزيدني ديناراً ديناراً، ويقول مكان كل دينار: ((والله يغفر لك)) حتى بلغ عشرين ديناراً.

فلما أتيت المدينة أخذتُ برأس الناضح، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا بلال، أعطه من الغنيمة عشرين ديناراً)) وقال: ((انطلق بناضحك، فاذهب به إلى أهلك)).[10]
وفي رواية في مسند أحمد قال جابر: (فمررت برجل من اليهود، فأخبرته: قال: فجعل يعجب ، ويقول: اشترى منك البعير، ودفع إليك الثمن، ووهبه لك؟ فقلت: نعم).
وحُق له أن يعجب، رجل يشتري جملاً من آخر ، ويزيده في السعر، ثُم يعطيه ثمن البعير والبعير، فما هذا بمعهود بين الناس لا مألوف، إنه جود نبي أدبه ربه فأحسن تأديبه.
[1] رواه البخاري ح (6) ، مسلم ح ( 2308).
[2] رواه البخاري ح (2820).
[3] رواه البخاري ح (2821).
[4] رواه الطبري في تهذيب الآثار ح (168)، والترمذي في الشمائل ح (350)، والبزار في مسنده ح (274).
[5] رواه مالك في الموطأ ح (1880).
[6] رواه البخاري ح (5810).
[7] رواه البخاري ح (6034)، ومسلم ح (2311).
[8] رواه مسلم ح (2312).
[9] رواه البخاري ح (27)، ومسلم ح (150).
[10] رواه ابن ماجه ح (2205)، وأحمد ح (13839).
د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #179  
قديم 23-12-2013, 11:15 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

حلم النبي صلى الله عليه وسلم

ومن عظيم أخلاقه وجميل خلاله صلى الله عليه وسلم؛ عفوه عمن ظلمه، وحِلمه على من جهل عليه، وذلك أن لا حظَّ لنفسه في نفسه. ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)).[1]
وعن أنس بن مالك رضيى الله عنه قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً. كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ((ما له؟ ترِبَ جبينُه)).[2]
ولما سئلت أمُ المؤمنين عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئةَ، ولكن يعفو ويصفح).[3]
وهذه الصفة من صفاته صلى الله عليه وسلم مذكورة في الكتب قبل الإسلام، ففي البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن .. ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح بها أعيُناً عُمياً، وآذاناً صُماً، وقُلوباً غُلفاً).[4]
وقد صدق رضيى الله عنه ، ففي السفر المنسوب إلى النبي إشعيا: " هوذا عبدي الذي أَعضُده، مختاري الذي سُرّت به نفسي، وضعتُ روحي عليه، فيخرج الحق للأمم، لا يصيح، ولا يَرفع ولا يُسمع في الشارع صوتُه، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ، إلى الأمان يخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته، هكذا يقول الله الرب خالق السموات " (إشعيا 42/1-4)
ومن عفوه صلى الله عليه وسلم وحِلمه أنه في يوم حنين لما أجزل العطاء لضعاف الإيمان يتألف قلوبهم للإسلام؛ قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله! يتهم رسول الله بالظلم والحيف.
يقول ابن مسعود: فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فغضب حتى رأيتُ الغضب في وجهه، ثم قال: ((يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)).[5]
إنه يمتثل أمر ربه وهو يقول له: } فاصفح الصفح الجميل {(الحجر: 85).
ويقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ حتى إذا بلغ وسطه أدركه رجل، فجبذ بردائه من ورائه، وكان رداؤه صلى الله عليه وسلم خشناً، فحمّر رقَبتَه، فقال: يا محمد، احمل لي على بعيريَّ هذين، فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك.
فقال رسول الله: ((لا، وأستغفر الله، لا أحملُ لك حتى تُقِيدني مما جبذتَ برقبتي)) فقال الأعرابي: لا والله لا أُقيدُك .
يقول أبو هريرة: فلما سمعنا قولَ الأعرابي أقبلنا إليه سراعاً، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عزمتُ على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامَه حتى آذن له)).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: ((يا فلان، احمل له على بعير شعيراً، وعلى بعير تمراً)). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((انصرفوا)).[6]
قال السندي: "أراد أنه لكمال كرمه يعفو البتة، وفي أمثال هذه الأحاديث دليل على أنه لولا (أي: لو لم يؤت) المعجزات إلا هذا الخلق لكفى شاهداً على النبوة".[7] } فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين{ (آل عمران: 159).
ومن حلمه صلى الله عليه وسلم أن أعرابياً جهل حرمة المسجد، فقام يبول في طرف المسجد، فقام إليه الصحابة ينتهرونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه، دعوه)) فتركوه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له مبيناً ومعلماً: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن))، ثم أمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنَّه [فصبَّه] عليه.[8]
واستدان النبي صلى الله عليه وسلم من أحدهم ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب دينه، فأغلظ القول في طلبه، فهمَّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عليه الصلاة والسلام معتذراً لسوء مقال الرجل وغلظته: ((إن لصاحب الحق مقالاً)).
ثم قال لأصحابه: ((اشتروا له سِناً))، فأعطوه إياه. فقالوا: إنا لا نجد إلا سِنَّاً هو خيرٌ من سِنِّه. قال: ((فاشتروه، فأعطوه إياه، فإن من خيركم أحسنَكم قضاءً)).[9]
فلم يقابل رسول الله إساءة الرجل بمثلها، بل عفا عنه وصفح، ثم أحسن إليه، فرد خيراً مما أخذ، وهو في كل ذلك يمتثل أمر ربه ومولاه } والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين { (آل عمران: 134).

وهكذا فإن هذا الصفح وذلكم الحلم، إنما هما بعض أخلاق النبوة التي كساها الله نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم لتكون شاهداً آخر على نبوته ورسالته.[10]
[1] رواه البخاري ح (3296)، ومسلم ح (4294).
[2] رواه البخاري ح (6031).
[3] رواه الترمذي ح (2016)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (5820).
[4] رواه البخاري ح (2125).
[5] رواه البخاري ح (3405)، ومسلم ح (1062).
[6] رواه النسائي ح (4776)، وأبو داود ح (4775).
[7] شرح السندي على النسائي (8/34).
[8] رواه البخاري ح (221)، ومسلم ح (285)، واللفظ له.
[9] رواه البخاري ح (2390)، ومسلم ح (1601).
[10] يعلق المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج في كتابه "حياة محمد" على عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش عند فتح مكة بقوله: "كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في مكة تدل على أنه نبي مرسل، لا على أنه قائد مظفر، فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو". قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل ص (81).
د. منقذ بن محمود السقار
__________________
رد مع اقتباس
  #180  
قديم 24-12-2013, 01:07 AM
mr ayman ali mr ayman ali غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 2
معدل تقييم المستوى: 0
mr ayman ali is on a distinguished road
افتراضي

صلى الله عليه وسلم وجزاه عنا خير ما جزا نبيا عن امته
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
النبوة, دلائل, سيرة النبى, هدى المصطفى


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:59 PM.