اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-06-2014, 11:36 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New صيغ الدعاء القرآني " إبراهيم بن محمد الحقيل "


مسائل في الدعاء [ ] القرآني:
في رمضان [ ] يجتمع القرآن والدعاء، والقرآن أفضل الكلام، والدعاء [ ] هو العبادة، فإذا كان اختيار عبادة الدعاء [ ] من أفضل الكلام كان ذلك أفضل الدعاء، وخير الدعاء، وفي الدعاء [ ] القرآني مسائل كثيرة جديرة بالبحث والتأمل، وهذه محاولة للمشاركة في هذا الباب من الخير في هذا الشهر الذي هو شهر القرآن والدعاء، وسأفرد كل مسألة بمقالة، وأحاول أن تكون في كل يومين مقالة إن أسعفني الوقت [ ] للكتابة.

وتسرني تعقيبات إخواني ممن له علم في هذا الباب، أن يرشدوني ويوجهوني، ويصححوا خطئي؛ فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، سواء كان ذلك علنًا بتعقب ينشر في الشبكة حتى يستفيد القراء وهذا أحسن فلست أحرج من ذلك، أو كان خاصًا على بريدي (hogail22***********) وأسأل الله تعالى أن ينفع بها قارئها، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، إنه سميع مجيب.

صيغ الدعاء [ ] في القرآن:
أشهر الصيغ القرآنية في الدعاء [ ] وأكثرها (ربنا) للجمع وردت في قرابة (70) موضعًا، و(رب) وردت في أكثر من (مئة) موضع للمفرد.

وجاء الدعاء [ ] بصيغة (اللهم) في أربعة مواضع فقط:
الأول والثاني: في سياق الأمر بهذه الصيغة؛ وذلك في قوله تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]، وقوله تعالى: {قُلِ اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزُّمر:46].

الثالث: في الإخبار عن دعاء المشركين يوم بدر، قال تعالى {وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32].
الرابع: في الإخبار عن دعاء أهل الجنة [ ] قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [يونس:10].

وجاء الجمع بين الصيغتين في موضع واحد، وهو قول الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة:114]، وأما بقية الصيغ المتداولة عند الناس نحو: إلهنا، وسيدنا، ومولانا.. فلم أعثر على شيء منها في القرآن الكريم.

ولذا استحب الإمام مالك رحمه الله تعالى أن يدعو بصيغة الربوبية؛ لأنها أكثر ما ورد في القرآن، فيقول الداعي أو الداعون (رب أو ربنا) عن ابن وهب قال: "سئل مالك عن الداعي يقول: يا سيدي، فقال: يعجبني دعاء الأنبياء: ربنا" (الحلية:6/320)، ونقل ابن تيمية [ ] عن مالك أنه قال: "أكره للرجل أن يقول في دعائه: يا سيدي يا سيدي، يا حنان يا حنان ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء؛ ربنا ربنا. نقله عنه العتبي في العتبية" (الفتاوى:10/285).

ووجَّه شيخ الإسلام ابن تيمية [ ] وابن القيم [ ] رحمها الله تعالى ذلك بأن الأليق في دعاء المسألة استخدام صيغة الربوبية، وفي دعاء الثناء استخدام صيغة الألوهية.

قال ابن تيمية:
"الله هو الإله المعبود فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله، والرب هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة" (الفتاوى:14/12-13).

وقال أيضا: "فإذا سبق إلى قلب العبد قصد السؤال ناسب أن يسأله باسمه الرب، وإن سأله باسمه الله لتضمنه اسم الرب كان حسنًا، وأما إذا سبق إلى قلبه قصد العبادة فاسم الله أولى بذلك، إذا بدأ بالثناء ذكر اسم الله، وإذا قصد الدعاء [ ] دعا باسم الرب" (الفتاوى:10/ 286).

وقال ابن القيم: "وتأمل كيف صدر الدعاء [ ] المتضمن للثناء والطلب بلفظة (اللهم) كما في سيد الاستغفار.. وجاء الدعاء [ ] المجرد مصدرًا بلفظ الرب نحو قول المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} وسر ذلك أن الله تعالى يسأل بربوبيته المتضمنة قدرته وإحسانه وتربيته عبده وإصلاح أمره، ويثني عليه بإلهيته المتضمنة إثبات ما يجب له من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وتدبر طريقة القرآن تجدها كما ذكرت لك" (بدائع الفوائد:2/193-194).

فالإمام مالك رحمه الله تعالى يرى أن الدعاء [ ] بلفظ الربوبية (رب، ربنا) دعاء الأنبياء فأعجبه، وكره غيره، وفسر ابن تيمية [ ] وابن القيم [ ] أن ذلك أليق بدعاء المسألة، كما أن الأليق بدعاء الثناء أن يكون بلفظ الألوهية (اللهم)، وأكدا ذلك في مواضع من كتبهم.

قلت: ما قرره الأئمة الأجلاء فائق من جهة المعنى، ولكنه يحتاج إلى مزيد نظر وتحقيق، فالظاهر أن الغالب على الدعاء [ ] الوارد في القرآن أن يكون بلفظ الربوبية ولو كان فيه ثناء على الله تعالى، وأغلبه دعاء الأنبياء عليهم السلام، وإلا ففي القرآن دعاء الملائكة، ودعاء الصالحين، وكله بلفظ الربوبية سواء اقتصر على مسألة أو سبق بثناء قبلها، ففي دعاء الملائكة [ ] {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ} [غافر:7]، وفي دعاء أولي الألباب {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]، فهذه مسائل سُبقت بثناء على الله تعالى، ومع ذلك كانت صيغة الدعاء [ ] فيها بلفظ الربوبية لا بلفظ الألوهية.

والسنة على العكس من ذلك فالغالب في أدعيتها أن تكون بلفظ الألوهية، سواء كانت ثناء أم مسائل، وسواء كان دعاء أنبياء أم ملائكة أم صالحين: ففي مسائل الأنبياء عليهم السلام دعوة الخليل لما زار أهل إسماعيل في مكة قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ" (رواه البخاري: 3364).

وفي مسائل الملائكة [ ] قول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (رواه مسلم:1442)، ودعاؤهم لمن جلس في المسجد اللهم اغفر له اللهم ارحمه.

وفي دعاء الصالحين دعاء الثلاثة أصحاب الغار فإن كل واحد منهم سأل الله تعالى بعمل صالح وصدر سؤاله بـ(اللهم) (رواه البخاري:2215، ومسلم:2743).

وفي دعاء الثناء على الله تعالى قبل المسألة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي [ ] صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» (رواه مسلم:2713).

وأدعية [ ] المسألة المجردة بلا ثناء أيضًا جاءت في السنة بلفظ الألوهية، سواء كانت مؤقتة كأدعية [ ] الخلاء والجماع [ ] والطعام والشراب ودخول المسجد والخروج منه ونحوها، أم كانت دعوات لأشخاص كدعوته صلى الله عليه وسلم لأنس وابن عباس وحسان رضي الله عنهم، أو دعوته على أناس كدعوته على نفر من كفار مكة، وعلى رعل وذكوان وعصية، أو كانت دعوات مطلقة وهي كثيرة جدًا، وكل ما وقفت عليه منها في الصحيحين فهي بلفظ الألوهية.

وهذا يدل على أغلبية الدعاء [ ] بلفظ الربوبية في القرآن حتى أشبه أن يكون مختصًا به، وعلى أغلبية الدعاء [ ] بلفظ الألوهية في السنة حتى كان مختصًا بها، وليس لأجل أنه دعاء الأنبياء عليهم السلام كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ لأن غالب دعاء النبي [ ] عليه الصلاة والسلام بلفظ الألوهية، بينما دعاء الرسل غيره مما جاء في القرآن بلفظ الربوبية، وليس التفريق بينهما لأجل الاختلاف بين دعاء المسألة والطلب كما قرره الإمامان ابن تيمية [ ] وابن القيم، فلعل ذلك لأجل النظم القرآني وبلاغته أو غير ذلك.

وعليه فلو دعا بـ(رب أو ربنا) فهو دعا بالصيغة الأغلب في القرآن، ولو دعا بـ(اللهم) فهو دعاء بالصيغة الأغلب في السنة، ولو جمع بينهما فقال (اللهم ربنا) فقد ورد الجمع بينهما في القرآن في دعاء عيسى عليه السلام، وورد في السنة من دعاء النبي [ ] عليه الصلاة والسلام في الصلاة وخارجها؛ كما في الصحيحين وغيرهما، ولا فرق في ذلك بين دعاء المسألة والثناء، والله تعالى أعلم.

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-06-2014, 11:38 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New صيغ الدعاء القرآني - (2) الإفراد والجمع في الدعاء

الأدعية [ ] في القرآن تأتي تارة بصيغة الجمع (ربنا) وتارة بصيغة المفرد (رب) فهل يغير الداعي الصيغة أم يدعو بها كما هي؟!

لا يخلو الداعي من حالين:
الأولى: أن يدعو بمفرده، وحينئذ لا يغير صيغة الجمع الواردة في الدعاء [ ] القرآني إلى المفرد، ويكون في الإتيان بضمير الجمع تعظيم لله تعالى؛ وذلك لأن جملة من دعوات الأنبياء عليهم السلام كانت بصيغة الجمع كدعوات الخليل عليه السلام في أواخر سورة إبراهيم.

قال ابن القيم [ ] رحمه الله تعالى: "وهذا كما يقول العبد للملك المعظم شأنه نحن عبيدك ومماليكك وتحت طاعتك ولا نخالف أمرك، فيكون هذا أحسن وأعظم موقعًا عند الملك من أن يقول أنا عبدك ومملوكك" (بدائع الفوائد:2/39).
الثانية: أن يدعو بجماعة يؤمنون على دعائه في صلاة أو غيرها، فيغير الصيغة من المفرد إلى الجمع؛ لأنه يدعو وليس يقرأ القرآن.

نحو دعائه بـ{رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه من الآية:114]، يجعلها (ربنا زدنا علمًا) ونحو دعاء الخليل عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ . وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ . وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء:83-85]، يجعلها (ربنا هب لنا حكمًا وألحقنا بالصالحين، واجعل لنا ألسن صدق في الآخرين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم) وهكذا..لأنه إن دعا بصيغة المفرد الواردة في القرآن اختص هو بهذا الدعاء [ ] دون من يُؤمِّنون على دعائه، وهذا فيه حرمان لهم، ولا يحل له أن يستأثر بالدعاء [ ] دونهم.

وفي النهي عنه حديث ضعيف عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» (رواه الترمذي وحسنه:357)، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وإذا كان المأموم مُؤمنًا على دعاء الإمام فيدعو بصيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة [ ] في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعًا، فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم" (الفتاوى:23/118).

وفي فتاوى [ ] اللجنة الدائمة (5/308): "إن كان الإمام يدعو لنفسه ولغيره جهرة حال القنوت والدعاء [ ] في خطب الجمعة [ ] وغيرها، فلا يخص نفسه بالدعاء [ ] دونهم، بل يأتي بصيغة الجمع" (اهـ)، فقولهم (جهرة) خرج منه الدعاء [ ] الذي يخص الإمام به نفسه في السجود وبعد التشهد [ ] ونحوه؛ لأن الإمام لا يجهر به، فله أن يفرده ولا يجمعه، ولو جمعه وقصدهم أو قصد غيرهم فلا بأس؛ لأنه يجوز له أن يدعو لنفسه ولغيره داخل الصلاة وخارجها.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "والمراد بالدعاء [ ] الدعاء [ ] الذي يؤمن عليه المأموم، فإن الإمام لا يخص به نفسه، أما الدعاء [ ] الذي لا يؤمن عليه المأموم فله أن يخص نفسه به (فتاوى [ ] ورسائل العثيمين: 13/140).

ويجوز للداعي أن ينتقل من صيغة المفرد إلى الجمع، ومن الجمع للمفرد في دعاء واحد، وحجة ذلك دعاء الخليل عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ . رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ . رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ . رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:35-41].

فدعا عليه السلام بصيغة المفرد، ثم انتقل منها إلى الجمع، ثم رجع مرة أخرى للمفرد ثم إلى الجمع، وأكثر المفسرين لم يبينوا لم فعل ذلك، لكن من بينوا ذلك اختلفوا على أقوال:
الأول: قال أبو حيان رحمه الله تعالى: "وأتى بضمير جماعة المتكلمين؛ لأنه تقدم ذكره وذكر بنيه في قوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} (البحر المحيط:6/ 446)، وهذا متعقب بالإفراد بعد ذلك {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} و{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}.

الثاني: قال ابن جزي رحمه الله تعالى: "وجمع الضمير يدل على أنه كان علم أن ابنه يعقب هناك نسلاً" (اهـ)، وهو كسابقه متعقب بـ{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}.
الثالث: وقال أبو السعود: "آثر عليه السلام ضمير الجماعةِ لا لما قيلَ من تقدم ذكرِه وذكرِ بنيه، وإلا لراعاه في قوله {ربَّ إنهن... ألخ، بل لأن الدعاء [ ] المصدّرَ به، وما أورده بصدد تمهيدِ مبادي إجابتهِ من قوله: ({إِنَّى أَسْكَنتُ...} -الآية- متعلقٌ بذريته، فالتعرضُ لوصف ربوبيته تعالى لهم أدخلُ في القبول وإجابة المسئول" (تفسير أبي السعود:5/51)، وهو كسابقيه متعقب بـ{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم:40].

الرابع: وقال ابن عاشور: "وأضيف الرب هنا إلى ضمير الجمع خلافًا لسابقيه؛ لأن الدعاء [ ] الذي افتتح به فيه حظ للداعي ولأبنائه، ولعل إسماعيل عليه السلام حاضر معه حين الدعاء [ ] كما تدل له الآية الأخرى" (التحرير والتنوير:13/240)، ويظهر لي أن هذا الوجه هو أحسن أوجه تخريج ذلك، ومع ذلك فهو متعقب بأول الدعاء، وهو قول الخليل عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة من الآية:126]، فإن هذه الدعوة [ ] عامة ونافعة لكل من أتى البيت الحرام وهي بلفظ الإفراد، إلا أن يقال: "إنه وقت الدعاء [ ] لم يكن فيه إلا زوجه وابنه".

وعلى كل حال: فإن الداعي لو راعى أن تكون دعوته بلفظ الإفراد إن كانت دعوة خاصة به، وبلفظ الجمع إن كانت عامة كان موافقًا لهذا القول، ولو دعا بلفظ الجمع باعتبار تعظيم الله تعالى كما هو قول ابن القيم [ ] الذي سقته آنفًا فحسن أيضًا.
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-06-2014, 06:36 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New دعاء المضطر

أخبر الله تعالى في آيات كثيرة جدا أن الإنسان إذا أصابته حالة الاضطرار هرع إلى الله تعالى بالدعاء، وترك حالة الكفر أو الفجور التي كان عليها قبل ذلك، وأظهر حاجته لله تعالى، وأنزل فاقته به سبحانه، وأقر باضطراره إليه عز وجل، ثم قد يعود إلى كفره أو فجوره بعد نجاة الله تعالى له، ورفع حالة الاضطرار التي كان عليها؛ لأنه ينسى.

ومن تلكم الآيات:
قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:40-41]، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12].

وقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ . ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل:53-54]، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:67].

وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم:33]، وقوله تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:49].

وقوله سبحانه في بعض الآيات: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم من الآية:33]، يدل على أن بعض الناس ينتفع من حالة الاضطرار التي أصابته فلا يعود بعد كشفها عنه إلى ما كان عليه قبل الاضطرار من الكفر أو المعصية؛ فيكون من نعم الله تعالى المتعددة عليه: أنه أصابه بالضراء، وألهمه الدعاء، واستجابه له، ورزقه الموعظة مما مرَّ به، فكان ما أصابه خيرًا.

وأفضال الله تعالى على عبادة كثيرة، وألطافه بهم عظيمة، فلا يجزع عبد أو طائفة أو أمة من الناس إن أصيبوا بضراء ألجأتهم إلى الاضطرار، فلعل رجوعهم إلى الله تعالى لا يكون إلا بذلك، أو لعل فاقتهم ودعاءهم لا يستخرج إلا بذلك.

ودعوة المضطر مجابة على كل حال، قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62]، جاء ذلك في سياق البرهان على ربوبية الله تعالى وألوهيته، بأسلوب الاستفهام التقريري {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} المختوم بالاستفهام الإنكاري: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}، والآية هنا عامة في إجابة دعاء المضطر برا كان أم فاجرًا، مؤمنًا كان أم كافرًا، بل ولو كان ملحدًا لا يؤمن بالربوبية، ثم لجأ إلى الله تعالى حال اضطراره لأجابه الله تعالى؛ لأن الله تعالى علق إجابة الدعاء [ ] بالاضطرار فقط.

ويدل لذلك أن الله تعالى استجاب دعاء المشركين في البحر كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]، وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان:32].

وكثير من دعاء الأنبياء عليهم السلام هو دعاء مضطرين كقول إبراهيم ومحمد عليهما السلام: "حسبي الله"، قالها الخليل حين قذف في النار، وقالها محمد حين قيل له: إن الناس قد جمعوا لكم، ودعاء نوح: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر من الآية:10]، وقال يعقوب: {أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف من الآية:86]، وقال أيوب: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء من الآية:83]، وقال يونس: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].

ودلت السنة على ما دل عليه القرآن من إجابة دعاء المضطر؛ كما جاء في حديث أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ، قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَامَ تَدْعُو؟ قَالَ: «أَدْعُو إِلَى اللهِ وَحْدَهُ، الَّذِي إِنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَ عَنْكَ..»" (رواه أحمد:20636).

ومن وقع في الاضطرار فلا يسأل أحدًا أن يدعو له ويترك هو الدعاء؛ لأنه يكون بذلك قد ترك طريق مظنة الإجابة وسلك غيره؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ الْمَكِّيِّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ طَاوُسٌ يَعُودُنِي، فَقُلْتُ: "يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ادْعُ اللهَ لِي. فَقَالَ: ادْعُ لِنَفْسِكَ؛ فَإِنَّهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ" (تفسير ابن أبي حاتم:9/2910). وقال الذهبي رحمه الله تعالى: "دعاء المضطر مجاب في أي مكان اتفق" (السير:9/344).

وأما ما جاء في القرآن نفيًا لإجابة دعاء الكافر -ولو كان مضطرًا- فهو على نوعين:
الأول: نفي إجابة دعاء الكافر إذا دعا معبوداته من دون الله تعالى؛ لأن هذه المعبودات لا تسمع دعاءه إن كانت جمادات أو أمواتًا، ولو سمعته فإنها لا تنفعه، ومن هذا النوع قول الله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد:14].

فالذي في ضلال ولا يستجاب دعاؤهم أصنامهم، وليس دعاءهم الله تعالى، وهذه الآية هي مثل قول الله تعال: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر: 13، 14].

الثاني: نفي إجابة دعاء الكافر يوم القيامة؛ لأن العمل -ومنه الدعاء- قد انقطع، فلا ينفعهم دعاؤهم آنذاك، ومنه قول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ . قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:49-50]، واستدل ابن عاشور بهذه الآية على عدم إجابة دعاء الكافر مطلقًا، لا في الدنيا [ ] ولا في الآخرة، ويأتي بحث ذلك في مقال قادم إن شاء الله تعالى.

والظاهر أن المشرك المضطر لو لم يخلص في دعائه لله تعالى، بأن دعاه ودعا معه معبوداته من دون الله تعالى أنه لا يجاب؛ لأن الله تعالى وصف المشركين حال دعائهم المجاب بالإخلاص [ ] {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس من الآية:22]، قال الطبري رحمه الله تعالى: "أخلصوا لله -عند الشدّة التي نزلت بهم- التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم" (جامع البيان:20/60).

على أن حالة الاضطرار جالبة للإخلاص في الأغلب، قال القرطبي رحمه الله تعالى: "ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجئ ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب [ ] عما سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر" (تفسير القرطبي:13/223).
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-06-2014, 06:37 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New هل تجاب دعوة الكافر؟


أكفر الخلق (إبليس) المطرود من رحمة الله [ ] تعالى، وكل كفر في الجن [ ] والإنس فبسبب إغوائه وإضلاله ووسوسته وصده عن دين الله تعالى، ومع ذلك دعا الله تعالى بعد أن طرد من رحمته عز وجل فأعطاه بعض ما سأل: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ . إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ} [الحجر:36-38].

وكثيرًا ما يستدل بعض الدعاة والوعاظ بإجابة الله تعالى لإبليس حين طلب الإنظار على أن الله تعالى يجيب دعوة الداعي، وأن المؤمن أولى بالإجابة من إبليس؛ لحث الناس على الدعاء، فهل تعد هذه إجابة من الله تعالى لدعاء إبليس؟

اختلف العلماء [ ] في ذلك على قولين:
القول الأول: "أن إبليس دعا ربه سبحانه فأجابه، لكن لم يجبه إلى ما أراد، فإنه طلب الإنظار إلى يوم البعث حتى لا يذوق الموت؛ إذ بعد البعث لا موت، فأجابه الله تعالى وجعل إنظاره إلى يوم الوقت [ ] المعلوم"، وقد قيل فيه: "إنه يوم الصعقة الأولى التي يموت فيها الأحياء".

قال ابن كثير [ ] رحمه الله تعالى: "أجابه تعالى إلى ما سأل؛ لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب" (تفسير ابن كثير:3/393).

وقال السمعاني رحمه الله تعالى: "فإن قيل: وهل يجوز أن يجيب الله دعوة الكافر؛ حيث أجاب دعوة اللعين؟ قيل: يجوز على طريق الاستدراج والمكر والإملاء لا على سبيل الكرامة" (تفسير السمعاني:2/169)، وقال السعدي رحمه الله تعالى: "ولما كانت حكمة الله مقتضية لابتلاء العباد واختبارهم؛ ليتبين الصادق من الكاذب ومن يطيعه ممن يطيع عدوه أجابه لما سأل" (تفسير السعدي:1/284).

القول الثاني: أن الله تعالى لم يجب إبليس إلى ما دعا، ولكن دعوته وافقت أمرًا مقدرًا.

قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: "وقد أفاد التأكيد بـ(إن) والإخبار بصيغة {مِنَ المُنْظَرِينَ} أن إنظاره أمر قد قضاه الله وقدره من قبل سؤاله، أي: تحقق كونك من الفريق الذين أُنظروا إلى يوم البعث، أي: أن الله خلق خلقًا وقدّر بقاءهم إلى يوم البعث، فكشف لإبليس أنه بعض من جملة المنظرين من قبل حدوث المعصية منه، وإن الله ليس بمغير ما قدره له، فجواب الله تعالى لإبليس إخبار عن أمر تحقق، وليس إجابة لطلبة إبليس؛ لأنه أهون على الله من أن يجيب له طلبًا، وهذه هي النكتة في العدول عن أن يكون الجواب: أنظرتك أو أجبت لك، مما يدل على تكرمة باستجابة طلبه، ولكنه أعلمه أن ما سأله أمر حاصل فسؤاله تحصيل حاصل" (التحرير والتنوير:8/45-46).

وتفريعًا على هذه المسألة: هل تستجاب دعوة الكافر أم لا؟
فجمهور المفسرين يرون أن الله تعالى قد استجاب دعوة إبليس بالإنظار لحكمة ابتلاء الخلق به، وهذا يدل على جواز إجابة الله تعالى دعوة الكافر، واستدلوا لذلك بأدلة كثيرة، منها:
1- قول الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. ولم يفرق في الآية بين مؤمن وكافر، فمن دعا الله تعالى وهو مضطر استجاب له.

2- قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] وفي معناها آيات كثيرة أوردت جملة منها في مقالة (دعوة المضطر).

3- قول النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمُعَاذ رضي الله عنه: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (رواه البخاري:1496، ومسلم:19)، فهذا عام يشمل كل مظلوم ولو كان كافرًا، وقد جاء في روايات أخرى ضعيفة: «ولو كان كافرًا» «ولو كان فاجرًا ففجوره على نفسه»..

قال الإمام ابن تيمية [ ] رحمه الله تعالى: "والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار؛ فإن الكفار يسألون الله الرزق [ ] فيرزقهم ويسقيهم" (الفتاوى:1/ 206). وقال أيضًا: "وأما إجابة السائلين فعام؛ فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافرًا" (الفتاوى:1/223).

وأما ابن عاشور رحمه الله تعالى فيرى أن دعوة الكافر لا تجاب، واستدل بأدلة:
1- قول الله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:50]، قال ابن عاشور: "والمعنى: أن دعاءهم لا ينفعهم ولا يقبل منهم، وسواء كان قوله: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} من كلام الملائكة [ ] أو من كلام الله تعالى فهو مقتض عموم دعائهم؛ لأن المصدر المضاف من صيغ العموم فيقتضي أن دعاء الكافرين غير متقبل في الآخرة وفي الدنيا [ ] لأن عموم الذوات يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة" (التحرير والتنوير:24/166).

2- أن الله تعالى لا يستجيب لآكل الحرام وهو مؤمن، فكيف يستجيب للكافر؟
قال ابن عاشور: "وكيف يستجاب دعاء الكافر وقد جاء عن النبي [ ] صلى الله عليه وسلم استبعاد استجابة دعاء المؤمن الذي يأكل الحرام ويلبس الحرام" (السابق:24/166).

ويجيب ابن عاشور على الآيات التي تفيد إجابة دعاء الكفار بأن دعواتهم وافقت قدرًا محتومًا، قال: "ولهذا لم يقل الله: فلما استجاب دعاءهم، وإنما قال: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ}، أي: لأنه قدر نجاتهم من قبل أن يدعوا، أو لأن دعاءهم صادف دعاء بعض المؤمنين" (السابق:24/167)، ومع قوة تخريجات ابن عاشور فالذي يظهر لي رجحانه هو قول الجمهور، وهو أن الله تعالى قد يستجيب دعاء الكافر، ولا سيما إن كان مضطرًا أو مظلومًا.

وأما الآية التي استدل بها ابن عاشور فهي في عدم إجابة دعائهم في الآخرة كما هو سياقها، وإن كان ابن عاشور يرى عمومها لكونها مصدرًا مضافًا.. قال الألوسي رحمه الله تعالى: "واستدل بها مطلقًا من قال: "إن دعاء الكافر لا يستجاب، وإنه لا يُمَكَّن من الخروج في الاستسقاء، والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة، وأن الكافر قد يقع في الدنيا [ ] ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى إثر دعائه كما يشهد بذلك آيات كثيرة، وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له" (روح المعاني:12/329).

ومن المهم الانتباه إلى أن ابن عاشور لا ينفي حصول مراد الكفار عند دعوات دعوا بها، ولكنه لا يجعلها استجابة من الله تعالى؛ لأن الاستجابة تكريم لا يليق بالكافر، فيخرجها ابن عاشور تخريجات أخرى، وقد أشار إلى هذا المعنى الألوسي في كلامه الآنف ذكره حين قال: "وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له".

وأما الحديث الذي استدل به ابن عاشور في منع الإجابة عن آكل الحرام، فهذا مانع من موانع الإجابة يشمل المؤمن والكافر، لكن لا يلزم منه رد دعوة الكافر مطلقًا بقياس الأولى؛ لأنه قياس في مقابل النص في دعاء المضطر والمظلوم.

بقي أن نعلم -وهو مما يزيل الإلباس-: أن إجابة الله تعالى لدعاء عباده لا تكون تكريمًا على الدوام، بل قد تكون تكريمًا، أو ابتلاء، أو عقوبة؛ فالرجل إذا دعا على أهله أو ولده أو ماله وهو غضبان فاستجيب له فيهم؛ كان ذلك ابتلاء أو عقوبة، والداعي لا يريد الإجابة، ومع ذلك أجيب؛ ولذا ورد النهي عن الدعاء [ ] على الأهل والمال والولد؛ لئلا يوافق ساعة إجابة فيستجاب.

وكذلك إجابة دعاء الكافر قد تكون خيرًا له؛ كمن دعا الله تعالى أن يبصره بالحق ويعينه عليه، ثم اهتدى، وهذا من أعظم صور الاضطرار المجاب صاحبه؛ لأن الكفر والشك والحيرة أعظم الغم والكرب، وأقل منه إذا دعا بالنجاة من عدو، ونحو ذلك، وقد تكون شرًا عليه كما لو دعا بجاه أو مال أو نحوه فيستجاب له؛ لأن فيه هلاكه، فلا تكون استجابة الله تعالى كرامة له، بل هي عقوبة معجلة.

قال شيخ الإسلام: "فليس كل من متعه الله برزق ونصر، إما إجابة لدعائه، وإما بدون ذلك، يكون ممن يحبه الله ويواليه، بل هو سبحانه يرزق المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وقد يجيب دعاءهم ويعطيهم سؤلهم في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خلاق" (الاقتضاء:2/315).

وقال ابن القيم [ ] رحمه الله تعالى: "فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له، ولا راضياً بفعله؛ فإنه يجيب البر والفاجر، والمؤمن والكافر" (إغاثة اللهفان:1/215).

ولا يظنن ظان أنه إن كان الأمر كذلك فإنه لا فرق بين المؤمن والكافر في باب الدعاء [ ] والاستجابة؛ إذ الفرق كبير جدًا، ومن أوجهه:
1- أن دعاء المؤمن يقبل، ويؤجر عليه؛ لأنه عبادة، سواء أعطي ما سأل أم لم يعطه، وثواب ذلك أعظم مما سأل لو أعطيه في الغالب، خاصة سؤال أمور الدنيا، وليس كذلك الكافر، فدعاؤه غير مقبول، ولا أجر له فيه، ولو أعطي سؤله، وهذا فرق مهم يجب أن لا يعزب عن بال المؤمن.

قال ابن القيم: "فالدعاء [ ] قد يكون عبادة فيثاب عليه الداعي، وقد يكون مسألة تقضى به حاجته ويكون مضرة عليه، إما أن يعاقب بما يحصل له، أو تنقص به درجته، فيقضي حاجته ويعاقبه على ما جرّأ عليه من إضاعة حقوقه واعتداء حدوده" (إغاثة اللهفان:1/216).

2- أن المؤمن لا بد أن يجاب في دعائه، وليس كذلك الكافر، ولكن إجابة الله تعالى له تكون بما هو أصلح للعبد، والله تعالى أعلم بما يصلح له، وحجة ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا» (رواه أحمد:11133).

ومن المسائل المتعلقة بهذا الموضوع: حكم طلب المؤمن الدعاء [ ] من الكافر؟ وهل يُؤَمِّنُ المؤمن على دعاء الكافر ولو لم يطلبه منه؟ أما طلب الدعاء [ ] من الكافر فالظاهر المنع منه؛ لأن المؤمن أولى بالاستجابة من الكافر؛ ولأن في طلب الدعاء [ ] منه إعزازا له، وقد يعتقد صحة ما هو عليه من الكفر فيصده عن الدين؛ ولما فيه من فتنة المؤمنين في دينهم إن رأوا بعض المسلمين يطلبون من الكفار الدعاء [ ] لهم.

وأما التأمين على دعاء الكافر إذا دعا من غير طلب الدعاء [ ] منه، فالذين يقولون بعدم الاستجابة للكافر يمنعون ذلك، قال الروياني: "لا يجوز أن يؤمن على دعائه؛ لأنه غير مقبول" (تحفة الحبيب على شرح الخطيب:2/241).

والذي يظهر لي أن دعاء الكافر لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يدعو الله تعالى بخير للمؤمن، أو لجماعة المؤمنين، كاستسقائه مثلاً، ولا يكون فيه إعزاز للكافر؛ فإنه يشرع للمؤمن التأمين عليه؛ فإنَّ تأمين المؤمن دعاء، وهذا أكثر ما يقع في ولد مؤمن مع والدين كافرين، أو قريب أو جار، أو حضور أهل الذمة للاستسقاء ونحوه، عن حسان بن عطية قال: "لا بأس أن تؤمن على دعاء الراهب إذا دعا لك، فقال: إنه يستجاب لهم فينا ولا يستجاب لهم في أنفسهم" (رواه إسحاق بن راهويه:1686).

وأكثر ما ترد هذه المسألة عند الفقهاء في خروج أهل الذمة للاستسقاء مع المؤمنين، فهل يُمنعون وهو مذهب الحنفية وقال به بعض الشافعية، أو يتركون وهو مذهب الجمهور (ينظر: المبسوط:2/77، والذخيرة:2/434، والمغني:2/328).

الثانية: أن يدعو غير الله تعالى فلا يجوز التأمين على دعائه؛ لأنه إقرار للشرك، أو يكون فيه إعزاز للكافر فلا يُؤَمِّن؛ لأن المفسدة أعظم، أو يدعو بدعاء ملتبس محتمل، فله أن يجيبه بقوله: "ولكم بمثل"، ونحو ذلك؛ لقول النبي [ ] صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْكَ» (رواه مسلم:2164). وقوله صلى الله عليه وسلم: «يُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ» (رواه البخاري:6030).

وأختم المقالة بتنبيهين:
الأول: يجب على المسلم الحذر من ظلم الكافر؛ فكفره لا يسوغ ظلمه؛ لأن الله تعالى حرم الظلم [ ] على نفسه، ووعد بإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرًا.

الثاني: في دعوة الكافر للإسلام قد يصل المؤمن مع بعض الكفار إلى طريق مسدود في النقاش والجدال والإقناع، فينصح بأن يختم الجدل بقوله للكافر: "ادع الله تعالى دعاء مضطر أن يدلك على الحق ويعينك على إتيانه".
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:28 PM.