اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > القسم العلمى و الصحى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-05-2015, 11:58 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي النظام بين الطب والإسلام

النظام بين الطب والإسلام



د. حامد الغوابي









يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، ويقول - سبحانه -: ﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [لقمان: 10].

أيها القارئ الكريم، تأمَّل نظام هذا الملكوت، وقلِّب الطرْف في سِفره الزاخر، هل ترى أبدع منه نظامًا، نشَر الله بنوده، وأعلن به في كل شيء وجودَه؟!

أيُّ نظامٍ أملَكُ للنواظر والخواطر من نظام هذا الكون البديع، وقد أشاعه الله في السماء وفي الأرض، فوجده الإنسان في كل منظرٍ، وأحسَّه في كل مشهدٍ؟!

رفَع - سبحانه - السموات بغير عمدٍ، وزيَّنها بالكواكب، وبَسَط الأرض مهادًا، فأرسى فيها الجبال أوتادًا، ورفَع الشمس منارًا، كأنها كرة من اللهب تتوهَّج نارًا، وجعلها مصدر الحياة للأحياء، وجعل القمر ضياءً وقدَّره منازِلَ.

انظر إلى الشمس إذ تَبرح كِناسها في الشروق ثم تدخل إليه في الغروب، وإلى القمر وهو يمرُّ في منازله بانتظام، تقدير العزيز العليم؛ ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 37 - 40].

أيها القارئ الكريم، إن حياتنا هذه ما هي إلا سفينة في خِضَم، والراكبون فيها جميعًا مسؤولون عن سلامتها، فإن لم يَسُدْهم وهم فوقها نظامٌ، فلن تصل بهم إلى برِّ الأمان، وهل يستطيع أحد من راكبيها باسم الحرية الشخصية أن يَثقُب موضعه الذي هو فيه، فيُسبِّب هلاك مواطنيه؟! وفي ذلك يصوِّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهمية النظام أجملَ تصويرٍ، ويدعو إلى المحافظة عليه أروعَ دعوة؛ إذ يقول: ((إن قومًا ركِبوا سفينة، فاقتَسموا، فصار لكلٍّ منهم موضعًا، فنقَر رجل منهم موضعه بفأسٍ، فقالوا: ماذا تصنع؟ قال: هو مكاني أصنع فيه ما أشاء، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن ترَكوه هلَك وهلَكوا)).

فالإسلام إن كان قد أباح لكل إنسان حريَّته، فقد حدَّد لهذه الحرية نظامًا ورسَم لها حدودًا، ولم يَتركها فوضى لا تعرف واجبًا، ولا تتحرَّج حرامًا، ولا تتهيَّب محظورًا؛ لئلا تَنحدر بصاحبها إلى هُوَّة الخُسران.

فالإسلام دين النظام، وهل في ذلك شكٌّ؟ فشارِعه بديع السموات والأرض، ومُبَلِّغه محمد مُنظِّم الشرع الأمين، وكتابه القرآن الكريم الذي نظَّم حياة الناس بما شرَع من معاملات وأخلاق وقوانين؛ لذلك حمَل الإسلام الإنسان على النظام، اسمع قول الله - عز وجل - لموسى - عليه السلام - عندما استسقاه قومه:
﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [الأعراف: 160].

أرأيت أيها المؤمن إلى ذلك النظام الربَّاني الذي أخَذ الله به الناس ليَحتذوه في حياتهم، فقد كان من الممكن أن يجعلها عينًا واحدة، ولكن سيتكالَب عليها الناس، ويزدحمون حولها بالمناكب، ويختلط الحابل بالنابل، ويصير أمرهم فوضى، ولا يستطيع أحد الشرب إلا بجَهد النفس.

أيها القارئ الكريم، أرأيت يومًا خلية نحلٍ؟
إذًا لرأيتَ مجتمعًا كله نظام وتنسيق، فأفراد الخلية يُؤمِّرون عليها واحدة، يُطيعونها ولا يعصون لها أمرًا؛ حتى ينتظمَ العمل، وكل فردٍ في الخليَّة له عمل، فمنها ما تَبني عيون الشمع بترتيب هندسي مُنظم، يَعجِز عنه الفنان المدرَّب، ومنها ما تَجمع الرحيق، ومنها ما تحمل الماء، ومنها ما تعمل على تنظيف الخلية، ومنها ما تَجمع الرحيق، ومنها ما تحمل الماء، ومنها المُدافعات عنها، تردُّ من يعتدي عليها، إلى آخر ما يرى من نظامٍ في العلم بديعٍ، وترتيب وتنسيق، فهذا النظام الذي ألْهَمه الله مجتمعَ النحل، فدبَّرت به خليَّتها، ونظَّمت جندها - كان سببًا في نجاح الخلية، وهكذا يكون النظام رائد النجاح، فما أَولى بني الإنسان أن يأخذوا من النحل المَثل، ويَحملوا على النظام أنفسهم، فيَنجحوا في حياتهم؟!

أيها القارئ الكريم، تخيَّل شارعًا خلا من نظام المرور، وانظر، تَجِدْ أرتال السيارات الذاهبة والعائدة قد تكدَّست فيه بغير نظامٍ، فيتعطَّل المرور وتنقطع مصالح الناس، فضلاً عما يتسبَّب من حوادث، ثم تخيَّل جيشًا من الجيوش لا يَسوده نظام، وانظر هل يقوى مثله على مواجهة عدوٍّ من الأعداء؟

إن مآله إلى الهزيمة والانكسار، فكم من فئة قليلة مُنظَّمة غلبَت فئة كثيرة مَرَدت على النظام، وإنك لترى القرآن يرغِّب في النظام للجيوش، فيقول - عز وجل -:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].

ثم كان أمرُ الله بالصلاة حتى في الحروب، وضَع الله للمحاربين نظامًا يؤدون به صلاتهم، ويكفُل لهم النصر، فلا يؤخذون على غِرَّة، ولا يتركون في صفوفهم ثَغرة يَنفُذ منها إليهم العدوُّ؛ فقال - سبحانه - مخاطبًا رسوله:
﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء: 102].

وهكذا ترى الإسلام نظامًا شاملاً، يَفرض نفسه على مظاهر الحياة، ويُنظِّم أمور الدنيا كما يُنظم أمور الآخرة.

أيها القارئ الكريم، هذا جسمك صُنع الله الذي أتقن كلَّ شيء خلقه؛ ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، انظر فيه وتبصَّر، تَجِدِ النظام مُجسَّمًا، والإعجاز مُمثَّلاً.

والقلبُ كيف تَروح فيه وتَغتدي
هذي الدماءُ يَحفُّهنَّ نظامُ؟

والعينُ كيف تنظَّمت آلاتُها
فيها يرى الإنسان والأنعامُ؟

والأُذن كيف بها تصيخ لمُسمعٍ
والأنف كيف به العبير يُشامُ؟

تتحرَّك الشَّفتانِ حول لسانِها
فإذا تحرُّكها البسيط كلامُ


ذلك نظام الله أودَعه جسم الإنسان، ثم انظر إلى اللقمة الواحدة، يأكلها فتتسَلمها العصائر المختلفة بترتيبٍ، حتى تصير في جسمه دمًا جديدًا.

ولقد جعل الله - سبحانه - خَلْقه الإنسانَ، سلسلة منظَّمة تمرُّ من دور إلى دورٍ بترتيب ونظامٍ؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].

هكذا يقول القرآن في نظام خِلقة الإنسان وتكوينه، وانتقاله من طورٍ إلى طور منذ قرون عديدة، ثم يأتي الطب الحديث، فيُقرّ هذا الترتيب العجيب، ويُضيفه معجزةً إلى معجزات القرآن الكريم.

أيها القارئ الكريم، لقد نظَّم الله الكون، ونظَّم منك الجسد، ونظَّم لك الدنيا بما فيها؛ لتَنظم على ضوء ذلك حياتك، فتَنظم أوقات عملك، وأوقات فراغك، فلا تَنتهِ من العمل حتى تَمَل وتجهَد، ولا تُطل أوقات فراغك، فتَذهب منك الفرص، ونظِّم مواعيد غذائك، وكُلْ واشرَب في مواعيد منتظمة، تَكسِب بذلك صحة وعافية، وقد سبَق أن بيَّن الرسول أهمية هذا التنظيم، فقال: ((نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكَلنا لا نَشبَع))، وذلك غاية ما يدعو إليه الطب لحِفظ الصحة، فإن إدخال الطعام على الطعام والبِطنة، هما سببُ كثيرٍ من الأمراض، ثم عليك بتنظيم مواعيد نومك، فالنوم هِبة من الرحمن للإنسان، يجدِّد به أنسِجته، ويُنشِّط به جسده، ولن ترى رجلاً أهملَ تنظيم مواعيد نومه، فيَسهر الليلَ مثلاً، ثم ينام النهار أو ينام في أوقات مختلفة، إلا وهو عُرضة للمرض؛ ولذلك يقول القرآن:
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ [غافر: 61].

ويقول خالق الكون ومنظِّمة: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 10 - 11]، ومُجمل القول: أن تُنظِّم أمور دنياك كما تُنظم أمور آخرتك.


وختامًا: خُذ نفسك أيها المسلم بنظام الإسلام؛ فإنَّا لا نَعدِل به نظامًا، ولا نرضى سواه إمامًا، ولا نُطيع لغيره أحكامًا.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:32 PM.