اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-06-2017, 01:15 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
New محمد رسول الله صلى الله علية وسلم



محمد رسول الله صلى الله علية وسلم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



معرفة الرسول واتباعة وطاعتة

- فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيلَ إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا مِن جهتهم،ولا يُنال رضى الله البتة إلا على أيديهم، فالطَّيِّب من الأعمال والأقوال والأخلاق، ليس إلا هديهم وما جاؤوا به

، فهم الميزانُ الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم تُوزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظمُ مِن ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها،


في نسبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


-خير أهل الأرض نسباً على الإِطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذِرْوة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوُّه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي مَلِك الرّوم، فأَشرف القوم قومُه، وأَشرف القبائل قبيلُه،وأَشرفُ الأفخاذ فخذه.


-البطاقة الشخصية :

فهو محمَّد بن عبد الله، بن عبد المُطَّلِب، بن هَاشِم، بن عَبدِ مَنَاف، بن قُصَيِّ

، بنِ كِلاب، بنِ مُرَّة، بنِ كَعْبِ، بنِ لُؤَي، بنِ غَالِب ، بنِ فِهْر، بنِ مَالِك، بنِ النَّضْرِ، بنِ كِنَانَة ، بنِ خُزَيْمَة، بنِ مُدْرِكَة، بنِ إليَاس ، بنِ مُضَرَ، بنِ نِزَار، بنِ مَعَدِّ، بنِ عَدْنَان.إلى هاهنا معلوم الصحة، متفق عليه بين النسابين، ولا خِلاف فيه البتة، وما فوق "عدنان" مختلف فيه. ولا خلاف بينهم أن "عدنان" من ولد إسماعيل عليه السلام،

وإسماعيل: هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم.وأمّا القول بأنه إسحاق :فباطل بأكثر من عشرين وجهاً،

وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية : هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكِتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن ي*** ابنَه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشكُّ أهلُ الكِتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده،


--مزيد عن سيد الخلق

لا خلاف أنه ولد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجوف مكّة ، وأن مولده كان عامَ الفيل،

وكان أمرُ الفيل تقدِمة قدَّمها الله لنبيه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كِتاب،

وكان دينهم خيراً مِن دين أهل مكّة إذ ذاك، لأَنهم كانوا عُبَّاد أوثان، فنصرهم الله على أهل الكِتاب نصراً لا صنُع للبشر فيه، إرهاصاً وتقدِمة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي خرج من مكَّة، وتعظيماً للبيت الحرام.


-واختلف في وفاة أبيه عبد الله، هل توفي ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل، أو توفي بعد ولادته؟ على قولين: أصحهما:

أنه توفي ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل. وَكَفَلَه جدّه عبد المطلب،

وتُوفي ولِرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوُ ثمان سنين،، ثم كَفَلَه عمُّه أبو طالب، واستمرت كفالتُه له، فلما بلغ ثِنتي عشرة سنة، خرج به عمُه إلى الشام،

وقيل:

كانت سِنُّهُ تسعَ سنين، وفي هذه الخرجة رآه بَحِيرى الراهب، وأمر عمه ألا يَقْدَم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود، فبعثه عمُّه مع بعض غلمانه إلى مكّة،

3-فلمَّا بلغ خمساً وعشرين سنة،ك خرج إلى الشام في تجارة، فوصل إلى "بصرى" ثم رجع، فتزوج عَقِبَ رجوعه خديجة بنتَ خويلد.

وقيل: تزوجها وله ثلاثون سنة. وقيل: إحدى وعشرون، وسنها أربعون، وهي أولُ امرأة تزوجها، وأول امرأة ماتت من نسائه، ولم ينكح عليها غيرها، وأمره جبريلُ أن يقرأ عليها السلام من ربها.
ثم حَبَّبَ اللهُ إليه الخلوة، والتعبدَ لربه، وكان يخلو ب "غار حراء" يَتعَبَّدُ فيه الليالي ذواتِ العدد، وبُغِّضَتْ إليه الأوثان ودينُ قومه، فلم يكن شيء أبغضَ إليه من ذلك.
4-فلما كَمُلَ له أربعون، أشرق عليه نورُ النبوة، وأكرمه اللهُ تعالى برسالته، ولا خلاف أن مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يومَ الاثنين، واختلف في شهر المبعث. فقيل: لثمان مضين من ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، وقيل: بل كان ذلك في رمضان، واحتج هؤلاء بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}

وَأَتَتْ عَليْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ ... شَمْسُ النِّبوَةِ مِنْهُ في رَمَضانِ


6-7-مراتب الوحي مراتبَ عديدة:


1-إحداها: الرُّؤيا الصادقة، وكانت مبدأَ وحيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
2-: ما كان يُلقيه الملَكُ في رُوْعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أَنّه لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَن تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ".
3-ة: أَنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتمثَّلُ له المَلَكُ رجلاً، فيُخاطبه حتى يَعِيَ عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً.
4-: أَنّه كان يأتيه في مثل صَلْصَلَةِ الجرس، وكان أَشدَّه عليه فَيَتَلَبَّسُ به الملكُ حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد وحتى إن راسلته لتَبْرُكُ به إلى الأرض إذا كان راكبها ولقد جاءه الوحيُ مرةً كذلك، وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضُّها
5- أنه يَرَى المَلَكَ في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يُوحِيَه،وهذا وقع له مرتين، كما ذكر الله ذلك في سورة [النَّجم: 7-13]
6-: ما أوحاه الله وهو فوق السماواتِ ليلَة المعراج مِن فرض الصلاة وغيرها.
7-: كلام الله له منه إليه بلا واسطة مَلَكٍ، كما كلّم اللهُ موسى بن عِمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعاً بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو في حديث الإِسراء.


8-: في خِتانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
1-: أنه وُلد مختوناً مسروراً " وليس فيه حديث ثابت،
2-: أنّه خُتِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ شَقَّ قلبَه الملائكةُ عند ظئره حليمة.
3-: أن جدّه عبد المطلب خَتَنَهُ يومَ سابعه، وصنع له مأدُبة وسمّاه محمّداً.



9-: في أمهاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللاتي أرضعنه

1-فمنهن ثويبه مولاة أبي لهب، أرضعته أياماً، وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح، وأرضعت معهما عمَّه حمزةَ بن عبد المطلب. واختلف في إسلامها، فالله أعلم.

2- ثم أرضعته حليمةُ السعدية بلبن ابنها عبد الله أخي أنيسة، وجُدامة، وهي الشيماء أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، واختُلِف في إسلام أبويه من الرضاعة، فالله أعلم، وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان شديدَ العداوة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أسلم عامَ الفتح وحسن إسلامه، وكان عمه حمزة مسترضعاً في بني سعد بن بكر فأرضعت أمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً وهو عند أمه حليمة، فكان حمزة رضيعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جهتين: من جهة ثويبة،ومن جهة السعدية.


10-: في حواضنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1-فمنهن أُمّه آمنةُ بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
2-ومنهن ثويبة وحليمة، والشيماء ابنتها، وهي أخته من الرضاعة، كانت تحضنه مع أمها، وهي التي قدمت عليه في وفد هَوزان، فبسط لها رداءه، وأجلسها عليه رعاية لحقها.
3-ومنهن الفاضلة الجليلة أم أيمن بَرَكة الحبشية، وكان ورِثها مِنْ أبيه، وكانت دايتَه،وزوَّجها من حِبِّه زيد بن حارثة، فولدت له أُسامة، وهي التي دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تبكي، فقالا: يا أم أيمن ما يُبكيك فما عند الله خير لرسوله؟ قالت: إنِّي لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله، وإنما أبكي لانقطاع خبر السماء، فهيجتهما على البكاء، فبكيا.


11-: في مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأول ما نزل عليه


1-بعثه الله على رأس أربعين، وهي سنُّ الكمال. قيل: ولها تبعث الرسل، وأما ما يذكر عن المسيح أنه رُفعَ إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة، فهذا لا يعرف له أثر متصل يجب المصير إليه.
2-وأول ما بدئ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمر النبوة الرؤيا، فكان لا يَرى رُؤيا إلا جاءتْ مِثْلَ فَلَقِ الصبُّح قيل: وكان ذلك ستةَ أشهر، ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة والله أعلم.
3-ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة، فجاءه المَلَك وهو بغار حِرَاءٍ، وكان يُحب الخلوة فيه، فأول ما أنزل عليه { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] هذا قول عائشة والجمهور.


12-: في ترتيب الدعوة ولها مراتب
1-المرتبة الأولى : النبوة. الثانية: إنذار عشيرته الأقربين. الثالثة: إنذار قومه. الرابعة: إنذار قومٍ ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة. الخامسة: إنذارُ جميع مَنْ بلغته دعوته من الجن والإِنس إلى آخر الدّهر.

*-وأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك ثلاث سنين يدعو إلى الله سبحانه مستخفياً، ثم نزل عليه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. فأعلن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدعوة وجاهر قومه بالعداوة، واشتد الأذى عليه وعلى المسلمين حتى أذن الله لهم بالهجرتين.


13-: في أسمائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكلها نعوت ليست أعلاماً محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به تُوجِبُ له المدحَ والكمال

1-فمنها محمد، وهو أشهرها، وبه سمي في التوراة 2-ومنها أحمد، وهو الاسم الذي سماه به المسيح، لسرٍّ ذكرناه في ذلك ا لكِتابِ.
3-ومنها المتوكِّل، 4-ومنها الماحي،5- والحاشر6-، والعاقب،7- والمُقَفِّى،8- ونبى التوبة، 9-ونبيُّ الرحمة، 10-ونبيُّ الملحمة،11- والفاتحُ،12- والأمينُ

13-.ويلحق بهذه الأسماء: الشاهد، والمبشِّر، والبشير، والنذير، والقاسِم، والضَّحوك، والقتَّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحبُ لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود، وغير ذلك من الأسماء

(-وقال جبير بن مُطْعِم: سمَّى لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه أسماء، فقال: "أنا مُحَمَّدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفرَ، وأنا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، والعَاقِب الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبيٌّ".
وأسماؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نوعان:
أحدهما: خاص لا يُشارِكُه فيه غيره من الرسل كمحمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والمقفي، ونبي الملحمة.
والثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كماله، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده، والشَّاهدِ، والمبشِّرِ، والنذيرِ، ونبيِّ الرحمة، ونبيّ التوبة.


14-: في شرح معاني أسمائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


1-أمّا مُحَمَّد، فهو اسم مفعول، من حَمِدَ، فهو محمد، إذا كان كثيرَ الخصال التي يُحمد عليها، لذلك كان أبلغَ من محمود، 2-وأما أحمد، ، مشتق أيضاً من الحمد. فقالت طائفة: ، أي: حَمْدُه للّه أكثرُ من حمد غيره له، فمعناه: أحمد الحامدين لربه،

3-وأما اسمه المتوكل، ففي "صحيح البخاري" عن عبد الله بن عمرو قال: "قرأت في التوراة صفة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُحَمَّد رسولُ الله، عبدي وَرَسُولي، سمَّيتُه المُتَوَكِّل، ليس بِفَظٍّ، ولا غَليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسَّيئةِ السَّيئة، بل يعفو ويصفح، ولن أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقيمَ بِهِ المِلَّة الْعَوْجَاءَ، بأن يقولوا: لا إله إلا الله"

4-وأما الماحي، والحاشر، والمقفِّي، والعاقب، فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم، فالماحي: هو الذي محا الله به الكفر، ، فإنه بُعِثَ وأهل الأرض كلهم كفار، إلا بقايا من أهل الكتاب، وهم ما بين عُبَّاد أوثان، ويهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وصابئة دَهرية، لا يعرفون رباً ولا معاداً، وبين عُبَّاد الكواكب، وعُبّاد النار، -وأما الحاشر، فالحشر ، فهو الذي يُحشر الناسُ على قدمه، فكأنه بعث لحشر الناس.
-والعاقب: الذي جاء عَقِبَ الأنبياء، فليس بعده نبي، فإن العاقب هو الآخر، فهو بمنزلة الخاتم، ولهذا سمي العاقب على الإِطلاق، أي: عقب الأنبياء جاء بعقبهم.
-وأما المقفِّي، فكذلك، وهو الذي قفَّى على آثار من تقدمه، ، فالمقفِّي: الذي قفى من قبله من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم.

5-وأما نبي التوبة، فهو الذي فتح الله به بابَ التوبة على أهل الأرض، فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر الناس استغفاراً وتوبة، حتى كانوا يَعُدُّون لَهُ في المَجْلِس الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُور".
وكان يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبَكُم، فَإِني أَتُوبُ إِلى اللهِ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ"


6-وأمّا نبي الملحمة، فهو الذي بعث بجهاد أعداء الله، فلم يجاهد نبي وأمته قطُّ ما جاهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمّته، والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يُعهد مثلُها قبله، فإن أمته ي***ون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار،وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمّة سواهم.
7-وأما نبيُّ الرحمة، فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهلَ الأرض كلَّهم مؤمنَهم وكافرَهم

8-وأما الفاتح، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مُرْتَجاً، وفتح به الأعين العمي، والآذان الصُّم، والقلوب الغُلف

9-وأمّا الأمين، فهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمينُ مَنْ في السماء، وأمينُ مَنْ في الأرض، ولهذا كانوا يُسمونه قبل النبوة: الأمين.
10-وأمّا الضحوك القتَّال، فاسمان مزدوجان، لا يُفرد أحدهما عن الآخر، فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين، غيرُ عابس، ولا مقطِّب، ولا غضوب، ولا فظّ، قتَال لأعداء الله، لا تأخذه فيهم لومة لائم.
11-وأمّا البشير، فهو المبشَر لمن أطاعه بالثواب، والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب،


15-: في ذكرى الهجرتين الأولى والثانية


لما كثر المسلمون، وخاف منهم الكفارُ، اشتد أذاهم له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفتنتهم إياهم، فأَذِن لهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهجرة إلى الحبشة وقال: "إن بها مَلكاً لا يُظلَمُ النَّاسُ عنده"، فهاجر من المسلمين اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة، منهم عثمان بن عفان، وهو أول من خرج، ومعه زوجته رُقَيَّةُ بنتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقاموا في الحبشة في أحسن جوار، فبلغهم أنَّ قريشاً أسلمتْ، وكان هذا الخبرُ كذباً، فرجعوا إلى مكة، فلما بلغهم أن الأمر أشدُّ ممّا كان، رجع منهم مَنْ رجع، ودخل جماعة، فَلَقُوا مِنْ قُريش أذى شديداً، وكان ممن دخل عبدُ الله بنُ مسعود.

2-ثم أذن لهم في الهجرة ثانياً إلى الحبشة، فهاجر مِن الرجال ثلاثةٌ وثمانون رجلاً، إن كان فيهم عمار، فإنه يُشك فيه، ومن النساء ثمان عشرة امرأة، فأقاموا عند النجاشي على أحسن حال، فبلغ ذلك قريشاً، فأرسلوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة في جماعة، ليكيدوهم عند النجاشي، فرد الله كيدهم في نحورهم.


3-فاشتد أذاهم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحصروه وأهل بيته في الشِّعب شِعَبِ أبي طالب ثلاث سنين، وقيل: سنتين، وخرج من الحصر وله تسع وأربعون سنة، وقيل: ثمان وأربعون سنة، وبعد ذلك بأَشهر مات عمُّه أبو طالب وله سبع وثمانون سنة، وفي الشِّعب وُلد عبدُ الله بن عباس، فنال الكفارُ منه أذى شديداً، ثم ماتت خديجةُ بعد ذلك بيسير، فاشتدَّ أذى الكفار له، فخرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إلى الله تعالى، وأقام به أياماً فلم يجيبوه، وآذَوه، وأخرجوه، وقاموا له سِماطين، فرجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه، فانصرف عنهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راجعاً إلى مكّة، وفي طريقه لقي عَدَّاساً النصرانيَّ، فآمن به وصدَّقه.
4-وفي طريقه أيضاً بنخلة صُرف إليه نفر من الجن سبعةٌ مِنْ أهل نَصِيبين، فاستمعوا القرآن وأسلموا، وفي طريقه تلك أرسل الله إليه مَلَكَ الجبال يأمره بِطاعته، وأن يُطبق على قومه أخشبي مكّة، وهما جبلاها إن أراد، فقال: "لاَ بَلْ أَسْتأنِي بِهِم، لَعَلَّ اللهَ يُخرِجُ مِنْ أَصْلاَبِهِم مَنْ يَعْبُدُه لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً".

5- ، ثم دخل مكّة في جوار المطعم بن عدي.ثم أسري بروحه وجسده إلى المسجد الأقصى، ثم عُرِجَ به إلى فوق السماوات بجسده وروحه إلى الله عزَّ وجل، فخاطبه، وفرض عليه الصلوات، وكان ذلك مرة واحدة، هذا أصح الأقوال.

6-فأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكّة ما أقام، يدعو القبائل إلى الله تعالى، وَيَعْرِضُ نفسه عليهم في كل موسم أن يؤووه، حتى يبلِّغَ رسالة ربه ولهم الجنَّة، فلم تَسْتَجِيبْ له قبيلة، وادَّخر الله ذلك كرامة للأنصار، فلما أراد الله تعالى إظهار دينه، وإنجاز وعده، ونصر نبيه، وإعلاء كلمته، والانتقام من أعدائه،

7- ساقه إلى الأنصار، لما أراد بهم من الكرامة، فانتهى إلى نفر منهم ستة، وقيل: ثمانية، وهم يحلِقُون رؤوسهم عند عقبةِ مِنى في الموسم، فجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا للّه ورسوله، ورجعوا إلى المدينة، فَدَعَوْا قومهم إلى الإِسلام، حتى فشا فيهم، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكرٌ مِنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

8- فأولُ مسجد قُرىء فيه القرآنُ بالمدينة مسجد بني زُريق،ثم قدِم مكة في العام القابل اثنا عشر رجلاً من الأنصار، منهم خمسة من الستة الأولين، فبايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بيعة النساء عند العقبة، ثم انصرفوا إلى المدينة، فقَدِم عليه في العام القابل منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان،

9- وهم أهلُ العقبة الأخيرة، فبايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يمنعوه ممّا يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم، فترحل هو وأصحابُه إليهم، واختار رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم اثني عشر نقيباً، وأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه في الهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرْسالاً متسللين،

10- أولهم فيما قيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقيل: مصعب بن عمير فقدموا على الأنصار في دورهم، فآوَوهم، ونصروهم، وفشا الإِسلامُ بالمدينة، ثم أَذِنَ الله لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهجرة، فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأوّل وقيل: في صفر، وله إذ ذاك ثلاث وخمسون سنة، ومعه أبو بكر الصديق، وعَامرُ بن فُهَيْرَةَ مولى أبي بكر، ودليلهم عبد الله بن الأُرَيْقِط الليثي، فدخل غَار ثَور هو وأبو بكر، فأقاما فيه ثلاثاً، ثم أخذا على طريق الساحل، فلما انتهَوْا إلى المدينة، وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خَلَتْ مِن شهر ربيع الأوّل، وقيل غير ذلك، نزل بقُبَاء في أعلى المدينة على بني عمرو بن عوف.


11-وقيل: نزل على كلثوم بن الهِدْم. وقيل: على سعدِ بن خيثمة، والأول أشهر، فأقام عندهم أربعة عشر يوماً، وأسس مسجد قُباء، ثم خرج يوم الجمعة، فأدركته الجمعة في بني سالم، فجمع بهم بمن كان معه من المسلمين، وهم مائة، ثم ركب ناقته وسار، وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم، ويأخذون بخطام الناقة، فيقول: "خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإنّهَا مَأْمُورَةٌ" فبركت

عند مسجده اليوم، وكان مِربدا لسهل وسهيل غلامين من بني النجار، فنزل عنها على أبي أيوب الأنصاري، ثم بنى مسجده موضع المربد بيده هو وأصحابه بالجريد واللَّبِنِ، ثم بنى مسكنه ومساكن أزواجه إلى جنبه، وأقربُها إليه مسكن عائشة، ثم تحول بعد سبعة أشهر من دار أبي أيوب إليها، وبلغ أصحابَه بالحبشة هجرَتُه إلى المدينة، فرجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً، فَحُبِسَ منهم بمكة سبْعَةٌ، وانتهى بقيتهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، ثم هاجر بقيتهم في السفينة عام خيبر سنة سبع.

16-: في أولاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-أولهم القاسم، وبه كان يُكنى، مات طفلاً، وقيل: عاش إلى أن ركب الدابة، وسار على النجيبة.
2-ثم زينب، وقيل: هي أسن من القاسم،3- ثم رُقَيَّة، 4-وأم كلثوم،5- وفاطمة، وقد قيل في كل واحدة منهن: إنها أسنُّ من أختها، وقد ذُكِرَ عن ابن عباس أن رقيّة أسن الثلاث، وأم كلثوم أصغرُهن.
6-ثم ولد له عبد الله، وهل ولد بعد النبوة، أو قبلها؟ فيه اختلاف، وصحح بعضهم أنه ولد بعد النبوة، وهل هو الطيب والطاهر، أو هما غيرُه؟ على قولين. والصحيح: أنهما لقبان له، والله أعلم.

]- وهؤلاء كلهم من خديجة، ولم يُولد له من زوجة غيرها.
]- ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من سُرِّيَّتِهِ "مارية القبطية" سنة ثمان من الهجرة،وبشَّره به أبو رافع مولاه، فوهب له عبداً، ومات طفلاً قبل الفطام، واختلف هل صلى عليه، أم لا؟ على قولين. وكل أولاده توفي قبلَه إلا فاطمة، فإنها تأخرت بعده بستة أشهر فرفع الله لها بصبرها واحتسابها من الدرجات ما فُضِّلَتْ به على نساء العالمين.

]- وفاطمة أفضلُ بناته على الإِطلاق، وقيل: إنها أفضل نساء العالمين، وقيل: بل أمها خديجة، وقيل: بل عائشة، وقيل: بل بالوقف في ذلك.


17-: في أعمامه وعمّاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
]- فمنهم أسدُ اللهِ وأسدُ رسوله سيدُ الشهداء حمزةُ بن عبد المطلب، 2-والعبّاسُ،3- وأبو طالب واسمه عبدُ مناف4-، وأبو لهب واسمه عبد العزى،5- والزبير، 6-وعبد الكعبة،7- والمقوِّم،8- وضرار،9- وَقُثَم،10- والمغيرة ولقبه حَجل، 11-والغيداق واسمه مصعب، وقيل: نوفل، وزاد بعضهم:12- العوام، ولم يُسلم منهم إلا حمزة والعبّاس.

]- وأمّا عمّاته،1- فصفية أم الزبير بن العوام،2- وعاتكة، 3-وبَرَّة،4- وأروى، 5-وأميمة،6- وأم حكيم البيضاء. أسلم منهن صفية، واختلف في إسلام عاتكة وأروى، وصحح بعضهم إسلام أروى.

]- وأسن أعمامه: الحارث، وأصغرهم سناً: العباس، وعَقَب منه حتى ملأ أولادُه الأرض. ، وكذلك أعقب أبو طالب وأكثر، والحارث، وأبو لهب، وجعل بعضهم الحارث والمقوّم واحدا، وبعضهم الغيداق [رجلاً] واحداً.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-06-2017, 01:27 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي


18-: في أزواجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


]-أولاهن خديجة بنت خُويلد القرشية الأسدية، تزوجها قبل النبوة، ولها أربعون سنة، ولم يتزوجْ عليها حتى ماتت، وأولاده كلُّهم منها إلاَّ إبراهيمَ، وهي التي آزرته على النبوة، وجاهدت معه، وواسته بنفسها ومالها، وأرسل الله إليها السلامَ مع جبريل، وهذه خاصة لا تُعرف لامرأة سواها، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين.
2-ثم تزوج بعد موتها بأيام سَوْدة بنت زَمْعَة القُرشية، وهي التي وهبت يومها لعائشة.
3-ثم تزوج بعدها أمَّ عبد الله عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، المبرَّأة من فوق سبع سماوات، حبيبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وعرضها عليه المَلَكُ قبل نكاحها في سَرَقَةٍ من حرير وقال: "هذه زوجتك" تزوج بها في شوال وعمرها ست سنين، وبنى بها في شوال في السنة الأولى من الهِجرة وعمرها تسع سنين، ولم يتزوج بكراً غيرها، وما نزل عليه الوحي في لِحاف امرأة غيرها، وكانت أحبَّ الخلق إليه، ونزل عذرُهَا مِن السماء، واتفقت الأمة على كفر قَاذِفها، وهي أفقه نسائه وأعلمُهن، بل أفقهُ نساءِ الأمّة وأعلمهُنَّ على الإِطلاق، وكان الأكابرُ مِنْ أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجعون إلى قولها ويستفتونها. وقيل: إنها أسقطت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِقْطاً، ولم يثبت.


4-ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكر أبو داود أنه طلقها، ثم راجعها.
5-ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية، من بني هلال بن عامر، وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين.
6-ثم تزوج أمَّ سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية، واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة، وهي آخر نسائه موتاً. وقيل: آخرهن موتاً صفية.
واختلف فيمن ولي تزويجها منه؟ فقال ابن سعد في "الطبقات": ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها، ولما زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال: "هل جزيتُ سلمة" يقول ذلك، لأن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها،

وقال الإِمام أحمد في "المسند": : حدثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أم سلمة أنها لما انقضت عِدَّتُهَا مِنْ أبي سلمة، بعث إليها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: مَرْحَبَاً برسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني امرأة غَيرى، وإني مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أحدٌ من أوليائي حاضراً... الحديث، وفيه فقالت لابنها عمر ، وتزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شوال سنة أربع

7-ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة، وفيها نزل قوله تعالى: {فَلَمّا قَضَىَ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وبذلك كانت تفتخِر على نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول زوجكُنَّ أهاليكُن، وزوجني الله مِن فوق سبع سماوات.
-ومن خواصها أن الله سبحانه وتعالى كان هو وليَّها الذي زوجها لرسوله مِن فوق سماواته، وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب، وكانت أولاً عند زيد بن حارثة، وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبنَّاه، فلما طلقها زيد، زوَّجه الله تعالى إيَاها لتتأسَّى به أُمَّته في نكاح أزواج من تبنَّوْه.
8-وتزوج في صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُويْريَة بنت الحارث بن أبي ضرار المُصْطَلِقِيَّةَ، وكانت من سبايا بني المُصْطَلِقِ، فجاءته تستعينُ به على كِتابتها، فأدى عنها كتابتَها وتزوجها.
9-ثم تزوج أمَّ حبيبة، واسمها رملة بنت أبي سفيان صخرِ بن حرب القرشية الأموية. وقيل: اسمها هند، تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وسيقت إليه من هناك، وماتت في أيام أخيها معاوية

10-وتزوج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفيَّة بنتَ حُيي بن أَخْطَبَ سيد بني النضير من ولد هارون بن عمران أخي موسى، فهي ابنة نبي، وزوجة نبي، وكانت مِنْ أَجمل نساءِ العالمين.
وكانت قد صارت له من الصَّفيِّ أمة فأعتقها، وجعل عِتقها صداقَها، فصار ذلك سُنَّةً للأمّة إلى يوم القيامة، أن يَعْتِقَ الرجل أمَته، ويجعل عتقها صداقها، فتصير زوجته بذلك،

11-ثم تزوج ميمونةَ بنت الحارث الهِلالية، وهي آخر من تزوج بها، تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح.

12-قيل: ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية. وقيل: القرظية، سبيت يوم بني قريظة، فكانت صفيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ، فإن المعروف أنها من سراريه، وإمائه، والله أعلم.
فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن

]- وأما من خطبها ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسَها له، ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس، ، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها، فدخل عليها ليخطبها، فاستعاذت منه، فأعاذها ولم يتزوجها،

-i وكذلك الكلبية، وكذلك التي رأى بكشحها بياضاً، فلم يدخل بها، -iوالتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن، هذا هو المحفوظ، والله اعلم.


( -ولا خلاف أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي عن تسع، وكان يقسم منهن لثمان: عائشة، وحفصة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وسودة، وجويرية.
i-وأول نسائه لحوقاً به بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينبُ بنت جحش سنة عشرين، وآخِرهن موتاً أم سلمة، سنة اثنتين وستين في خلافة يزيد، والله أعلم.

19-: في سراريه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-: كان له أربع:1- مارية وهي أم ولده إبراهيم،2- وريحانة3- وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي4-، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.


20-: في مواليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-فمنهم زيد بن حارثة بن شراحِيل، حب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتقه وزوجه مولاته أمَّ أيمن، فولدت له أسامة.
2-ومنهم أسلم، 3-وأبو رافع، 4-وثوبان،5- وأبو كَبشَة سُلَيْم،6- وشُقران واسمهصابح،7-ورباح نُوبي،8- ويسار نوبي أيضاً، وهو قتيل العُرَنيين،9- وَمدْعَم،10- وَكرْكرَةَ، نوبي أيضاً، وكان على ثَقَله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يُمسك راحَلته عند القَتالَ يوم خيبر.

i وفي "صحيح البخاري" أنَه الذي غلَّ الشملة ذلك اليوم فَقُتل، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّهَا لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَاراً" وفي "الموطأ" أن الذي غلًّها مِدْعَم، وكلاهما *** بخيبر، والله أعلم.
11-ومنهم أنْجَشَةُ الحادي،12- وسَفينة بن فروخ، واسمه مهران، وسماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سفينة" لأنهم كانوا يُحَمِّلُونه في السفر متاعَهم، فقال:"أنْتَ سَفِينَةٌ : أعتقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال غيره: أعتقته أمُّ سلمة. 13-ومنهم أَنَسة، ويكنى أبا مِشرح،14- وأفلح،15- وعُبيد،16- وطهمان، وهو كيسان،17- وذكوان،18- ومهران، 19-ومروان، وقيل: هذا خلاف في اسم طهمان، والله أعلم.
20-ومنهم حُنين،21- وسندر،22- وفضالة يماني،23- ومابور خصي، 24-وواقد،25- وأبو واقد، 26-وقسام،27- وأبو عسيب،28- وأبو مُويهبة.
( -ومن النساء1- سلمى أم رافع،2- وميمونة بنت سعد،3- وخضرة،4- ورضوى، 5-ورزينة، 6-وأم ضُميرة، 7-وميمونة بنت أبي عسيب،8- ومارية،9- وريحانة.


21-: في خُدَّامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-فمنهم أنسُ بن مالك، وكان على حوائجه، 2-وعبدُ الله بن مسعود صاحبُ نعله، وسواكه، 3-وعُقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته، يقود به في الأسفار،4- وأسلع بن شريك، وكان صاحب راحلته،5- وبلال بن رباح المؤذن،6- وسعد، موليا أبي بكر الصديق،7- وأبو ذر الغفاري، 8-وأيمن بن عبيد، وأمه أم أيمن موليا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أيمن على مطهرته وحاجته.
22-: في كتَّابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-أبو بكر2-، وعمر،3- وعثمان،4- وعلي،5- والزبير،6- وعامر بن فُهيرة،7- وعمرو بن العاص،8- وأُبَيّ بن كعب، 9-وعبدُ الله بن الأرقم،10- وثابتُ بنُ قيس بن شماس،11- وحنظلةُ بن الربيع الأُسَيْدِيُّ، 12-والمغيرةُ بن شعبة، 13-وعبد الله بن رواحة،14- وخالد بن الوليد،15- وخالد بن سعيد بن العاص. وقيل: إنه أول من كتب له16- ومعاوية بن أبي سفيان،17- وزيد بن ثابت وكان ألزَمهم لهذا الشأن وأخصّهم به.


23-: في كتبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كتبها إلى أهل الإِسلام في الشرائع


1-فمنها كتابُه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر، وكتبه أبو بكر لأنسبن مالك لما وجهه إلى البحرين وعليه عمل الجمهور.
2-ومنها كتابُه إلى أهل اليمن ، وهو كتاب عظيم، فيه أنواعٌ كثيرة من الفقه، في الزكاة، والديات، والأحكام، وذكر الكبائر، والطلاق، والعتاق، وأحكام الصلاة في الثوب الواحد، والاحتباءفيه، ومس المصحف، وغير ذلك.
قال الإِمام أحمد: لا شك أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَه، واحتج الفقهاءُ كلُهم بما فيه من مقادير الديات.
3-ومنها كتابه إلى بني زهير.
4-ومنها كتابُه الذي كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة، وغيرها.


24-: في كتبه ورسله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الملوك


( -لما رجع من الحُدَيْبِيَةِ، كتب إلى ملوك الأرض، وأرسل إليهم رسله1-، فكتب إلى ملك الرُّوم، فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوماً،فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش عليه ثلاثة أسطر: محمَّد سطر، ورسول سطر، والله سطر، وختم به الكتب إلى الملوك، وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع.
فأولهم عمرو بن أمية الضَّمْري، بعثه إلى النجاشي، واسمه أَصْحمة بن أَبجر، وتفسير "أصحمة" بالعربية: عطية، فعظَّم كتابَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أَسلم، وشهد شهادة الحق، وكان مِنْ أعلم الناس بالإِنجيل، وصلى عليه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة، هكذا قال جماعة، منهم الواقدي وغيره، وليس كما قال هؤلاء، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس هو الذي كتب إليه، هذا الثاني لا يعرف إسلامه، بخلاف الأول، فإنه مات مسلماً.

]-وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث قتادة عن أنس قال: كتَبَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كِسْرَى، وإلى قَيْصَر، وإلى النَّجَاشِي، وَإلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُم إِلَى اللهِ تَعَالَى، ولَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو محمد بن حزم: إن هذا النجاشي الذي بَعَثَ إليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية الضَّمْرِي، لم يُسلم، والأول هو اختيار ابن سعد وغيره، والظاهر قول ابن حزم.


2-وبعث دِحية بن خليفة الكَلْبي إلى قيصر ملِك الروم، واسمه هِرَقْل، وهَمَّبالإِسلام وكاد، ولم يفعل

]-وقد روى ابنُ حبان في "صحيحه" عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَنْطَلِقُ بِصحِيفَتِي هذِهِ إِلَى قَيْصَرَ وَلَهُ الجَنَّة؟" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وإنْ لَمْ يَقْبَلْ؟ قَالَ: "وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ" فَوَافَقَ قَيْصَرَ وَهُوَ يأتِي بَيْتَ المَقْدِس قَدْ جُعِلَ عَلَيْهِ بِسَاطٌ لاَ يَمْشِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَرَمَى بِالْكِتَابِ عَلَى البِسَاطِ، وَتَنَحَّى، فَلَمَّا أنْتَهَى قَيْصَرُ إِلَى الكِتَابِ، أَخَذَهُ، فَنَادَى قَيْصَرُ: مَنْ صاحِبُ الكِتَابِ؟ فَهُوَ آمِنٌ، فَجَاءَ الرّجُل؟ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: فَإذَا قَدِمْتَ فَأْتِنِي، فَلَمَّا قَدِمَ، أَتاهُ، فَأَمَرَ قَيْصَرُ بِأَبْوَابِ قَصْرِهِ فَغُلِّقَتْ، ثمَّ أَمَرَ مُنَادِياً يُنَادي: أَلاَ إنَّ قَيْصَرَ قَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّداً، وَتَرَكَ النَّصْرَانِيَّةَ، فَأَقْبَلَ جُنْدُهُ وَقَدْ تَسَلَّحُوا حَتَّى أَطَافوا به، فَقَالَ لِرَسُولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وَسلمَ: قَدْ تَرَى أَنيِّ خَائِفٌ عَلَى مَمْلَكَتِي، ثُمَّ أَمَر مُنَادِيَه فَنَادى: أَلاَ إنَّ قَيْصَرَ قَدْ رَضِيَ عَنْكُمْ، وإنَّما اخْتَبَرَكُمْ لينْظُرَ كَيْفَ صَبْرُكُمْ عَلَى دِينكُمْ، فَارجِعُوا فَانصَرِفُوا، وَكَتَبَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي مُسْلِمٌ، وَبَعَثَ إليهِ بدَنانِيرَ، فقًالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كذبَ عَدُوُّ اللهِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ" وَقَسَمَ الدَّنَانِيرَ.
]-وبعث عبد الله بن حُذافة السَّهمي إلى كسرى، واسمه أبرويز بن هُرمز ابن أنوشروان، فمزق كتابَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهمَّ مَزِّق مُلْكَه" فمزق الله ملكه، وملك قومه.

]-وبعث حاطب بن أبي بَلتعة إلى المُقَوْقِس، واسمه خريج بن ميناء ملك الإِسكندرية عظيم القبط، فقال خيراً، وقارب الأمر ولم يُسلم، وأهدى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مارية، وأختيها سيرين وقيسرى، فتسرى مارية، ووهب سيرين لحسان بن ثابت، وأهدى له جارية أخرى، وألفَ مثقال ذهباً، وعشرين ثوباً من قباطي مصر وبغلة شهباء وهي دُلْدل، وحماراً أشهب، وهو عفير، وغلاماً خصياً يقال له: مابور. وقيل: هو ابن عم مارية، وفرساً وهو اللزاز، وقدحاً من زجاج، وعسلاً، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضَنَّ الْخَبِيثُ بِملْكِهِ وَلاَ بقَاءَ لِمُلْكِهِ".


]-وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني ملك البلقاء،
]-وبعث سَلِيطَ بن عمرو إلى هَوذَةَ بن علي الحنفي باليمامة، فأكرمه. وقيل: بعثه إلى هوذة وإلى ثُمامَة بنِ أثال الحنفي، فلم يسْلِمْ هَوذة، وأسلم ثمامة بعد ذلك،

فهؤلاء الستة قيل: هم الذين بعثهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم واحد.
]-وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جعفر وعبد الله ابني الجُلَنْدَى الأزديين بعُمان، فأسلما، وصدقا، وخلَّيا بين عمرو وبينالصدقة والحكم فيما بينهم، فلم يزل فيما بينهم حتى بلغته وفاةُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
]-وبعث العلاء بن الحَضْرمي إلى المنذر بن سَاوَى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من "الجِعْرَانَةِ" وقيل: قبل الفتح فأسلم وصدق

]-.وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحِميري باليمن، فقال: سأنظر في أمري

]-.وبعث أبا موسى الأشعري، ومعاذَ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك. وقيل: بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإِسلام، فأسلم عامة أهلها طوعاً من غير قتال.
]-ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم، ووافاه بمكة في حجة الوداع.
]-وبعث جرير بن عبد الله البَجَلي إلى ذي الكَلاع الحِميري، وذي عمرو، يدعوهما إلى الإِسلام، فأسلما، وتوفي رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجرير عندهم.
]-وبعث عمرو بن أمية الضَّمْري إلى مسيلمَة الكذاب بكتاب، وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يُسلم.

]- وبعث إلى فروة بن عمرو الجُذَامي يدعوه إلى الإِسلام


25-: في أمرائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(- منهم باذان بن ساسان، من ولد بهرام جور، أمَّره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل اليمن كلِّها بعد موت كسرى، فهو أولُ أمير في الإِسلام على اليمن، وأولُ مَنْ أسلم من ملوك العجم.

2- ثم أمَّر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها. ثمّ قُتِلَ شهر، فأمَّر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص.
3-وولَّى رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجِرَ بن أبي أمية المخزومي كِندَة والصَّدِف، فتوفي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يَسِرْ إليها، فبعثه أبو بكر إلى قتال أناس من المرتدين.
4-وولَّى زيادَ بن أمية الأنصاري حضرموت. وولَّى أبا موسى الأشعري زبيدَ وعدن والساحل. وولَّى معاذ بن جبل الجَنَد. وولَّى أبا سفيان صخر بن حرب نَجْرَان.


26-: في حرسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فمنهم سعدُ بن معاذ، حرسه يومَ بدر حين نام في العريش،2- ومحمد بن مسلمة حرسه يوم أُحد،3- والزبير بن العوام حرسه يوم الخندق. 4-ومنهم عبَّاد بن بشر، وهو الذي كان على حرسه، وحرسه جماعة آخرون غير هؤلاء، فلما نزل قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [المائدة: 67] خرج على الناس فأخبرهم بها، وصرف الحرس.


27-: فيمن كان يضرب الأعناق بين يديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والضحاك بن سفيان الكِلابي، وكان قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنزلة صاحب الشًّرَطَةِ من الأمير ووقف المغيرةُ بن شعبة على رأسه بالسيف يوم الحُديبيَةِ.


28-: فيمن كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن كان يأذن عليه
كان بلال على نفقاته،2- ومعيقيب بن أبي فاطمة الدَّوسي على خاتمه،3- وابنُ مسعود على سواكه ونعله، وأذن عليه رباح الأسود وأنسة مولياه، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري.


29- في شعرائه وخطبائه
كان من شعرائه الذين يَذبُّون عن الإِسلام:1- كعبُ بن مالك، 2-وعبدُ الله بن رواحة،3- وحسَّان بن ثابت، وكان أشدَّهم على الكفار حسانُ بن ثابت وكعبُ بن مالك يُعيِّرهم بالكفر والشرك، وكان خطيبَه ثابت بن قيس بن شمَّاس.


30-: في حُداته الذين كانوا يحدون بين يديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر
منهم عبدُ الله بن رواحة، وأنجشة، وعامر بن الأكوع وعمه سلمة بن الأكوع. وفي "صحيح مسلم": كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ حَسَنُالصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُوَيْداً يَا أنْجشَةُ، لاَ تكْسِرِ القَوَارِيرَ ". يعني ضعفة النساء


31- في غزواته وبعوثه وسرايه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1-غزواتُه كلها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة في مدة عشر سنين، فالغزواتُ سبع وعشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: تسع وعشرون وقيل غير ذلك، قاتل منها في تسع: بدر، وأُحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف. وقيل: قاتل في بني النضير والغابة ووادي القُرى من أعمال خيبر.


(- وأمّا سراياه وبعوثه، فقريب من ستين، والغزوات الكبار الأمهات سبع: بدر، وأُحد، والخندق، وخيبر، والفتح، وحنين، وتبوك. وفي شأن هذه الغزوات نزل القران، فسورة (الأنفال ) سورة بدر، وفي أُحُد آخر سورة (آل عمران ) من قوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] إلى قبيل آخرها بيسير، وفي قصة الخندق، وقريظة، وخيبر صدر (سورة الأحزاب)، وسورة (الحشر) في بني النضير، وفي قصة الحديبية وخيبر سورة (الفتح ) وأشير فيها إلى الفتح، وذكر الفتح صريحاً في سورة (النصر).وجرح منها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة واحدة وهي أحد، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين، ونزلت الملائكة يوم الخندق، فزلزلتِ المشركين وهزمتهم، ورمى فيها الحصباءَ في وجوه المشركين فهربوا، وكان الفتحُ في غزوتين: بدر، وحنين. وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة واحدة، وهي الطائف، وتحصَّن في الخندق في واحدة، وهي الأحزاب أشار به عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه.


32-: في ذكر سلاحه وأثاثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان له تسعة أسياف :
1-مأثور، وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه.
2-والعضْب،2- وذو الفِقار، بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكان لا يكادُ يُفارقه، وكانت قائمته وقبيعتُه وحلقتُه وذؤابته وبكراتُه ونعلُه مِنْ فضة.

3- والقلعي، 4-والبتار، 5-والحتف، 6-والرَّسوب، 7-والمِخْذَم،8- والقضيب، وكان نعلُ سيفه فضةً، وما بين ذلك حلق فضة.
-وكان سيفه ذو الفِقار تنفَّله يوم بدر، وهو الذي أُري فيها الرؤيا، ودخل. يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة.
وكان له سبعة أدرع:
ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله، وكان ثلاثين صاعاً، وكان الدَّيْن إلى سنة، وكانت الدِّرعُ مِن حديد.وذات الوِشاح، وذات الحواشي، والسعدية، وفضة، والبتراء والخِرْنق



33-: في دوابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
]-فمن الخيل: السَّكْب. قيل: وهو أول فرس ملكه، وكان اسمه عند الأعرابي الذي اشتراه منه بعشر أواقٍ:2- الضرس، وكان أغرَّ محجَّلاً، طلَقَ اليمين كُميتاً. وقيل: كان أدهم.
3-والمُرْتَجز، وكان أشهب، وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت.
4-وَاللُّحَيْفُ،5- وَاللِّزَازُ،6- وَالظَّرِب،7- وَسَبْحَة، وَالوَرْدُ. فهذه سبعة متفق عليها جمعها

]-ومن الإِبل1- القصواء، قيل: وهي التي هاجر عليها، 2-والعضباء،3- والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جدع، وإنما سُمِّيتا بذلك، ، والعضباء هى التي كانت لا تُسبق، ثم جاء أعرابي على قَعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَلا يَرْفَعَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إلاَّ وَضعَهُ" وغنِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر


34-: في ملابسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-كانت له عمامة تُسمى: السحاب، كساها علياً، وكان يلبَسُها ويلْبَسُ تحتها القَلَنسُوة. وكان يلبَس القلنسُوة بغير عمامة، ويلبَسُ العِمامة بغير قلنسُوة. وكان إذا اعتم، أرخى عِمامته بين كتفيه،

-كما رواه مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن حريث قال: "رأيتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبرِ وَعَلَيهِ عِمَامَة سَوْدَاءُ قَدْ أرخَى طَرفَيهَا بينَ كَتِفَيْهِ".

-وفي مسلم أيضاً، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "دَخَلَ مَكَّةوَعَلَيْهِ عمَامَةٌ سَودَاء عنه



1-، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه.ولبس الخفين، ولبس النعل الذي يسمى التَّاسُومة.ولبس الخاتم، واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يُسراه، وكلها صحيحة السند.

2-ولبس البيضة التي تسمى: الخوذة، ولبس الدرع التي تسمى: الزردية، وظاهر يومَ أُحد بين الدرعين.
]-وفي "صحيح مسلم" عن أسماء بنت أبي بكر قالت: هذه جبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجت جبةَ طيالِسة كَسِروانية لها لبنةُ دِيباج. وفرجاها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذِهِ كانت عند عائشة حتى قُبِضَت، فلما قبضت قبضتُها، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبَسُها، فنحنُ نَغْسلهَا للمرضى تسْتَشفى بها.
]-وكان أحبَّ الثياب إليه القميصُ والحِبَرَةُ، وهي ضرب من البرود فيه حمرة.
]-وكان أحبَّ الألوان إليه البياضُ، وقال: "هي مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ، فَالبسوها، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكمْ "

2-وفي "الصحيح" عن عائشة أنها أخرجت كِساءً ملبَّداوإزاراَ غليظاً فقالت: قُبِضَ روح رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذين.
]-ولبس خاتماً من ذهب، ثم رمى به، ونهى عن التختم بالذهب، ثم اتخذ خاتماً من فضة، ولم ينه عنه.



35- سيرتة فى الطعام

]-وكذلك كان هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ولم يحرمه على الأمة، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر.
]-وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ، وشرب اللبنَ خالصاً ومشوباً، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخَزِيرَة،

]-وكان معظمُ مطعمه يوضع على الأرض في السُّفرة، وهي كانت مائدَته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعَقُها إذا فرغ، وهو أشرفُ ما يكون من الأكلة، فإن المتكبِّرَ يأكل بأصبع واحدة، والجَشِعُ الحريصُ يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة.
]-وكان لا يأكل مُتكِئاً، والاتكاء على ثلاثة أنواع، أحدها: الاتكاء على الجنب، والثاني: التربُّع، والثالث: الاتكاء على إحدى يديه، وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة.
]-وكان يسمى الله تعالى على أول طعامه، ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه: "الْحَمْدُ للهِ حَمداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّع وَلاَ مُسْتَغْنَىَ عَنْه رَبُّنَا". وربما قال: "الْحَمْدُ للهِالَّذِي يُطْعِمُ وَلاَ يُطعَمُ، مَنَّ عَلَينَا فَهَدَانَا، وَأَطعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكلَّ بَلاَءٍ حَسَنٍ أَبْلاَنا، الحَمد للهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطًعَام، وَسَقَى مِنَ الشَّرابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُريَ، وَهَدَى، منَ الضَّلاَلَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ العَمَى، وَفضَّلَ عَلَى كَثِير مِمَّن خَلَقَ تَفْضِيلاً، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ".
وربما قال: " الْحَمد للَّهِ الَّذِي أَطعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ".
]-وكان إذا فرغ مِن طعامه لَعِقَ أصابعه، ولم يكن لهم مناديلُ يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسلَ أيديهم كلما أكلوا.


]-وكان أكثرُ شربه قاعداً، بل زجر عن الشرب قائماً "وشرب مرَّة قائماً". فقيل: هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه - والله أعلم - أنها واقعة عين شرب فيها قائماً لعذر، وسياق القصة يدل عليه، فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدَّلو، وشرب قائماً.
والصحيح في هذه المسألة: النهى عن الشرب قائماً، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، والله أعلم.وكان إذا شرب، ناول مَنْ على يمينه، وإن كان مَنْ على يساره أكبرَ منه.


37: في هديه في النكاح ومعاشرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهله

]-صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أنس رضي الله عنه، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "حُبِّبَ إليَّ، مِن دُنْيَاكُم: النِّسَاءُ، والطِّيْبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ" ،

]- وكان النساء والطيب أحبَّ شيء إليه، وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح الله له من ذلك ما لم يُبحه لأحد من أمته.
]-وكان يقسم بينهن في المبيت والإِيواء والنفقة، وأما المحبة فكان يقول: " اللهُمَ هذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا لاَ أَمْلِكُ" فقيل: هو الحب والجماع، ولا تجب التسوية في ذلك، لأنه مما لا يُملك.
]-، قال ابن عباس: تزوجوا، فَإنّ خيرَ هذه الاُمةِ أكثرها نساء.
]-وطلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وراجع، والى إيلاءً مؤقتاً بشهر، ولم يظاهر أبداً،

]-وكانت سيرته مع أزواجه حسنَ المعاشرة، وحسنَ الخلق.
]-وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويتشيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة.
]-وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها، خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئاً، وإلى هذا ذهب الجمهور.
]-وكان يقول: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لأهلي".
-وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن.
]-وكان إذا صلى العصر، دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل، انقلب إلى بيت صاحبة النَّوبة، فخصها بالليل.

]- وقالت عائشة: كان لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعضٍ في مُكْثِهِ عِنْدَهُنَّ في القَسمِ، وقلَّ يومٌ إلا كان يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتىيبلغَ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها.


]-وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة، و هي سودة، فإنها لما كَبِرَت وهبت نوبتها لعائشة.
]-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسِم لعائشة يومها ويومَ سودة، وسبب هذا الوهم - ؟

]-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي أهلَه آخرَ الليل، وأوله، فَكَانَ إذا جامع أول الليل، ربما اغتسل ونام، وربما توضأ ونام. ]-وكان يطوف على نسائه بغسل واحد، وربما اغتسل عند كل واحدة، فعل هذا وهذا.
]-وكان إذا سافر وَقَدِمَ، لم يطرُقْ أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك.


-: في هديه وسيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومه وانتباهه


]-كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود. قال عبَّاد بن تميم عن عمه: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رِجليه على الأخرى.
]-وكان فراشه أَدَماً حشوُه لِيف. وكان له مِسْحٌ ينام عليه يثنى بثَنيتين، وثُني له يوماً أربع ثنيات، فنهاهم عن ذلك وقال: " رُدُّوه إلَى حَالِهِ الأَوَلِ، فَإنَّه مَنَعَنِي صَلاَتِي اللَّيْلَة ". والمقصود أنه نام على الفراش، وتغطى باللحاف، وقال لنسائه: "مَا أَتَانِي جِبْريلُ وَأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَ عَائِشَة".
]-وكانت وسادتُه أَدَماً حشوها ليف.وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم

1- قال: "بِاسمِك اللهُمَّ أَحْيَا وَأَموتُ".

2-وكان يجمع كفَّيْهِ ثم ينفُث فيهما، وكان يقرأ فيهما: { قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبلَ مِنْ جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. ]- وكان ينام على شِقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ثم يقول: " اللهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبعَثُ عِبَادَكَ ". ]-وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: "الحمدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ له وَلاَ مُؤْويَ" مسلم. ]-وذكر أيضاً أنه كان يقول إذا أوى الى فراشه: " اللهم رب السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَرَب العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبَ وَالنَّوى، منزلَ التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ، وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنتَ آخِذ بِنَاصِيتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الآخِرُ، فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَفَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ، فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقضِ عَنَّا الدَّينَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفقْرِ".


39-وكان إذا استيقظ من منامه في الليل

]-قال: "لاَ إلَه إِلاَّ أَنْتَ سبحَانَكَ، اللهمَ إنِّي أستغْفِركَ لِذَنبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحمَتَكَ، اللهُمَّ زِدْني عِلماً، وَلاَ تُزِغ قَلبي بَعْدَ إِذ هَدَيتَني، وَهَبْ لي مِن لَدنكَ رَحْمَةَ، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهاب ".
(- وكان إذا انتبه من نومه قال: "الْحَمْدُ لله الَّذِيَ أَحيَانَا بَعدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النّشُور ". ]-ثم يتسوَّك، وربما قرأَ العشر الآيات من آخر (آل عمران ) من قوله: {إنَ في خَلْقِ السَّموَاتِ والأَرْضِ...} إِلى آخرها [آل عمران:190-200] وقال: "اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاواتِ والأَرْض وَمَنْ فِيهنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَمُ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ وَمَنْفِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْد، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبيّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ".
(- وكان ينام أول الليل، ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه. وكان إذا نام، لم يُوقظوه حتى يكونَ هو الذي يستقيظ.

(- وكان إذا عرَّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرَّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه،. وقال أبو حاتم: والتعريس إنما يكون قُبيل الصبح. (- وكان نومه أعدلَ النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقولون: هو ثلث الليل والنهار، ثمان ساعات.


40-فصل: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الركوب
ركب الخيلَ والإِبل والبغال والحمير، وركب الفرس مُسْرَجَةً تارة، وَعَرِيَّا أخرى، وكان يُجريها في بعض الأحيان، وكان يركب وحده، وهو الأكثر، وربما أردف خلفه على البعير، وربما أردف خلفه، وأركب أمامه، وكانوا ثلاثة على بعير، وأردف الرجال، وأردف بعضَ نسائه، وكان أكثرَ مراكبه الخيل والإِبل. وأمّا البغال، فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بعضُ الملوك، ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب، بل لما أهديت له البغلة قيل: ألا نُنزي الخيل على الحمر؟ فقال: "إِنَّمَا يَفْعَلُ ذِلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ".



41-واتخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغنم. وكان له مائة شاة، وكان لا يُحب أن تزيد

على مائة، فإذا زادت بهمة، *** مكانها أخرى، واتخذ الرقيق من الإِماء والعبيد، وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الإِماء.

]-وقد روى الترمذي أنه قال: "أيما امْرىءٍ أَعْتَقَ امرءَاً مسلِماَ، كَانَ فِكَاكَه مِنَ النَّار، كلُّ عضوِ مِنهُ عضواً مِنهُ، وَأَيّمَا امْرىءٍ مسلِم أَعتَقَ امْرَأَتين مسْلِمَتَين، كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِئُ كل عضوين مِنهُمَا عُضواً منِهُ "

]-وباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشترى
وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته أكثَر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يُحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره، كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد، وبيعه يعقوب المدبَّر غلام أبي مذكورة، وبيعه عبداً أسود بعبدين.
وأمّا شراؤه، فكثير، وآجر، واستأجر، واستئجاره أكثر من إيجاره،

]- وأهدى، وَقَبِلَ الهدية، وأثاب عليها، ووهب، واتّهَبَ، فقال لسلمة بن الأكوع، وقد وقع في سهمه جارية: "هَبْهَا لِي" فوهَبَها له، فَفَادَى بها مِنْ أهْلِ مكّة أُسَارَى مِنَ المُسلمين.
واستدان برهن، وبِغير رهن، واستعار، واشترى بالثمن الحالِّ والمؤجَّلِ.

]-وكان يُمازح، ويقول في مُزاحِه الحق، ويُوَرِّي، ولا يقول في توريته إلا بحق،

- مثل أن يُريد جهة يقصِدها فيسأل عن غيرها كيف طريقُها؟ وكيف مياهُها ومسلكها؟ أو نحو ذلك. وكان يُشير ويستشير. وكان يعود المريض ويشهدُ الجِنازة، ويُجيب الدَّعْوَة، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم، وسمع مديحَ الشعر، وأثاب عليه

]-وسابق رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه على الأقدام، وصارعَ، وخَصَفَ نعله بيده، ورقَعَ ثوبه بيده، ورقَعَ دلوه، وحلب شاته، وَفَلَى ثوبَه، وخدم أهله ونفسه، وحمل معهم اللَّبِنَ في بناء المسجد، وربط على بطنه الحجر من الجوع تارة، وشبع تارة، واضافَ وأضيفَ، وأحتجم في وَسَط رأسه، وعلى ظهر قدمه، واحتجم في الأخدعين والكاهل وهو ما بين الكتفين، وتداوى، وكوىَ ولم يكتَوِ،ورقى ولم يَسْتَرْقِ، وحمى المريض ممَّا يؤذيه.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في معاملته
كان أحسنَ النَّاسِ مُعاملةً. وكان إذا استلف سلفاً قضى خيراً منه. وكان إذا اسْتَسْلَفَ من رجل سَلَفاً، قضاه إياه، ودعا له، ]-فقال: "بَارَكَ اللهُ لَكَ في أَهلِكَ وَمَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ".

]--واستسلف من رجل أربعين صاعاً، فاحتاج الأنصاريُّ، فأتاه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا جَاءَنَا مِنْ شَيءٍ بَعد" فقال الرجل: وأَرَادَ أن يتكلم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَقُلْ إلا خَيراً، فَأَنَا خَيرُ مَن تَسَلَّفَ " فأعطاه أربعين فضلاً، وأربعين سُلفة، فأعطاه ثمانين

]-. واقترض بعيراً، فجاء صاحبه يتقاضاه، فأغلظ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهمَ به أصحابُه، فقال: "دَعُوهُ فَإنَّ لِصَاحِبِ الحَق مَقَالاً"

]- واشترى مرة شيئاً وليس عنده ثمنُه فأُرْبِحَ فيه، فباعه، وتصدَّق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، وقال: "لاَ أَشْتَرِى بَعْدَ هَذَا شيْئاً إلاَّ وَعِنْدِي ثمنُه"

]-. وتقاضاه غريم له ديناً، فأغلظ عليه، فهمَّ به عمرُ بن الخطاب فقال: "مَهْ يَا عُمَرُ كُنْتُ أَحْوَجَ إَلى أَنْ تَأْمرني بِالْوَفَاءِ. وَكَانَ أَحْوَج إلَى أَنْ تَأْمُرَهُ بِالصَّبْرِ"،

]-وباعه يهودي بيعاً إلى أجل، فجاءه قبل الأجل يتقاضاه ثمنَه، فقال: لم يَحِلَّ الأجلُ،فقال اليهوديُّ: إنكم لَمطْل يَا بنَي عبدِ المطلب، فهمَّ به أصحابُه، فنهاهم، فلم يَزِدْه ذلك إلا حِلماً، فقال اليهودي: كُلُّ شيء منه قد عرفته من علامات النبوة، وبقيت واحدةٌ، وهي أنه لا تزيدُه شدةُ الجهل عليه إلا حلماً، فأردتُ أن أعْرِفَها، فأسلم اليهودي.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشيه وحده ومع أصحابه
كان إذا مشى، تكفَّأ تكفُّؤاً، وكان أسرَعَ الناس مِشيةً، وأحسنَها وأسكنها

i-قال أبو هريرة: ما رأيتُ شيئاً أحسنَ من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأن الشمسَ تجري في وجهه، وما رأيتُ أحداً أسرع في مِشيته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأنما الأرضُ تُطوى له، وإنا لَنجْهَدُ أنفسَنا وإنه لغيرُ مُكْتَرِث.

i- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى تكفَّأ تكفؤاً كأنما ينحطُّ مِنْ صَبَبٍ، وقال مرة: إذا مشى، تقلّع

i-قلتُ: والتقلُع: الارتفاعُ من الأرض بجملته، كحال المنحط من الصبب، وهي مِشية أولي العزم والهِمة والشجاعة، وهي أعدلُ المِشيات وأرواحُها للأعضاء، وأبعدُها من مِشية الهَوَجِ والمهانة : {وَعِبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} [ الفرقان: 63] i-قال غيرُ واحد من السلف: بسكينة ووقار من غير تكبُّر ولا تماوت، وهي مِشية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه مع هذه المِشية كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرضُ تُطوى له، حتى كان الماشي معه يُجْهِدُ نفسَه ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرُ مُكْتَرِثٍ،

]- وهذا يدل على أمرين: أن مِشيته لم تكن مِشية بتماوت ولا بمهانة، بل مشية أعدل المشيات

]-وأما مشيه مع أصحابه، فكانوا يمشون بين يديه وهو خلفهم، ويقول: "دعوا ظهري للملائكة" ولهذا جاء في الحديث: وكان يسوق أصحابه. وكان يمشي حافيا ومتنعلا، وكان يماشي أصحابه فرادى وجماعة، مشى في بعض غزواته مرة فدميت أصبعه، وسال منها الدم، فقال:
هل أنت أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وكان في السفر ساقة أصحابه: يزجي الضعيف، ويردفه، ويدعو لهم، ذكره أبو داود


44- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جلوسه واتكائه
كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط، وقالت قَيْلَةُ بنت مَخْرَمَة: أتيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد القُرفصاء، قالت: فلما رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالمتخشِّع في الجلِسة، أُرعِدتُ من الفَرَق. ولما قدم عليه عديُّ بنُ حاتِم، دعاُه إلى منزله، فألقت إليه الجاريةُ وِسادة يجلِس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض. قال عدي: فعرفتُ أنه ليس بمَلِك. وكان يستلقي أحياناً، ورب وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان يتكىء على الوِسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه. وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف.



- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قضاء الحاجة
1-كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ"

2-وكان إذا خرج يقول: "غُفْرَانَكَ".
3-وكان يستنجي بالماء تارة، ويستجمِر بالأحجار تارة، ويجمع بينهما تارة.
4-وكان إذا ذهب في سفره للحاجة، انطلق حتى يتوارَى عن أصحابه، وربما كان يبعُد نحو الميلين.
وكان يستتِر للحاجة بالهدف تارة، وَبِحَائِشِ النَّخل تارة، وبشجر الوادي تارة.
5-وكان إذا أراد أن يبول في عزَازٍ من الأرض - وهو الموضع الصلب - أخذ عوداً من الأرض، فنكت به حتى يُثَرَّى، ثم يبول.
6-وكان يرتاد لبوله الموضع الدَّمِثَ - وهو اللين الرخو من الأرض - وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، ]-حتى قالت عائشة: "مَنْ حدَّثَكم أنه كان يُبول قائماً، فلا تُصدِّقوه، ما كان يبولُ إلا قاعدا"

]-وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث حذيفة أَنّهُ بَالَ قَائِماً.

i-فقيل: هذا بيان للجوازi-وقيل: إنما فعله مِن وجع كان بِمَأْبِضَيْهِ. وقيل: فعله استشفاءً.

]-وكان يخرج من الخلاء، فيقرأ القرآن، وكان يستنجي، ويستجمِر بشماله، ولم يكن يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس من نَتْر الذَّكَرِ، والنحنحة، والقفز، .
]-وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبُول، لم يردَّ عليه، ذكره مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر.
]-وكان إذا استنجى بالماء، ضرب يده بعد ذلِكَ على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته، لم يرفع ثوبَه حتَّى يدنو مِن الأرض.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفطرة وتوابعها

]-وكان يُعجبه التيمن في تنعُّلِه وترجُّلِه وطهوره وأخذِه وعطائه، وكانت يمينُه لِطعامه وشرابه وطهوره، ويَسارُه لِخَلائه ونحوه من إزالة الأذى.]-وكان هديُه في حلق الرأس تركَه كلَّه، أو أخذَه كلَّه، ولم يكن يحلِق بعضه، ويدعُ بعضه، ولم يُحفظ عنه حلقُه إلا في نُسك.

]- وكان يُحب السِّواكَ، وكان يستاك مفطراً وصائماً، ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المنزل، وكان يستاك بِعُود الأرائك.

]- وكان يُكثر التطيبَ، ويحب الطِّيب، وذُكِرَ عنه أنه كان يَطَّلِي بالنُّوَرة.

]-وكان أولاً يَسْدُلُ شعره، ثم فرقه، والفرق أن يجعل شعره فِرقتين، كل فرقة ذؤابة، والسدل أن يسدُلَه من ورائه ولا يجعله فِرقتين.

]-ولم يدخل حماماً قط، ولعله ما رآه بعينه، ولم يصح في الحمام حديث.

]-وكان له مُكحُلة يكتحِل منها كلَّ ليلة ثلاثاً عند النوم في كل عين.]- واختلف الصحابة في خِضابه]-وكان يُحبُّ الترجُلَ، وكان يرجِّل نفسه تارة، وترجِّله عائشةتارة. وكان شعره فوق الجُمَّة ودُون الوَفْرَةِ، وكانت جُمَّتُه تضرِب شحمةَ أذنيه، وإذا طال، جعله غَدَائِرَ أربعاً،


47- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قص الشارب
]- قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا"

]- وفي "صحيحمسلم" عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا المَجُوسَ "

]-وفي "الصحيحين" عن ابنِ عمر، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، ووفِّرُوا اللِّحى، وأَحفوا الشواربَ ]-" وفي "صحيح مسلم" عن أنس قال: وَقَّتَ لَنَا النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قص الشوارب وَتَقْلِيمِ الأَظْفَار، أَلاَّ نَتْرُكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبعِين يَوْماً وَلَيْلةً.


(- واختلف السلفُ في قصِّ الشارب وحلقِه أيهما أفضل؟

]-فقال مالك في "موطئه": يُؤخذ من الشارب حتى تجدوَ أطرافُ الشفة وهو الإِطار، ولا يجزُّه فَيُمَثِّلَ بنفسه. و قال: يُحفي الشارب، ويُعفي اللِّحى، وليس إحفاءُ الشارب حلقَه، وأرى أن يُؤدَّبَ من حلق شاربه، وقال : إحفاءُ الشارب وحلقه عندي مُثلَةٌ،

]- قال مالك: وتفسير حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحفاء الشارب، إنما هو الإِطار، وكان يكره أن يُؤخذ من أعلاه، وقال: أشهد في حلق الشارب أنه بدعة، وأرى أن يُوجَعَ ضرباَ مَنْ فعله، قال مالك: وكان عمر بن الخطاب إذا كَرَبَهُ أمر، نفخ،فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه. وقال عمر بن عبد العزيز: السنة في الشارب الإِطار.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه
]-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفصحَ خلق الله، وأعذبَهم كلاماً، وأسرعَهم أداءً، وأحلاهم مَنْطِقاً، حتى إن كلامه لَيَأْخُذُ بمجامع القلوب، ويَسبي الأرواح، ويشهدُ له بذلك أعداؤه. وكان إذا تكلم تكلَّم بكلام مُفصَّلِ مُبَيَّنٍ يعدُّه العادُّ، ليس بِهَذٍّ مُسرِعِ لا يُحفظ، ولا منقَطع تخلَّلُه السكتات بين أفراد الكلام، بل هديُه فيه أكملُ الهدي،

]- قالت عائشة: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سردَكم هذا، ولكن كان يتكلَّم بكلام بيِّنٍ فَصْلٍ يحفظه من جلس إليه.

]- وكان كثيراً ما يُعيد الكلام ثلاثاً لِيُعقلَ عنه، وكان إذا سلَّم سلَّم ثلاثاً. وكان طويلَ السكوت لا يتكلم شي غيرِ حاجة، يفتتحُ الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فَصلٍ لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه،]- وإذا كرِه الشيء: عُرِفَ في وجهه، ولم يكن فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا صخَّاباً.

]- وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه. وكان يضحكُ مما يُضحك منه، وهو مما يُتعجب من مثله ويُستغرب

]-وأمَّا بكاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان مِن *** ضحكه، لم يكن بشهيقٍ ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمَعُ عيناه حتى تَهْمُلا، ويُسمع لِصدره أزيزٌ.

]- وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها، وتارة مِن خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحبٌ للخوف والخشية.

]- ولما مات ابنُه إبراهيم، دمعت عيناه وبكى رحمة له، وقال: "تَدْمَعُ العَيْنُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ، ولا نَقُولُ إلا مَا يُرْضِي رَبَّنا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". وبكى لما شاهد إحدى بناتِه وَنَفْسُها تَفِيضُ، وبكى لما قرأ عليه ابنُ مسعود سورة (النساء) وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىَ هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41] وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كَسَفت الشَّمْسُ، وصلى صلاة الكُسوف، وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ، ويقول: "رَبِّ أَلَمْ تَعِدْني أَلاَّ تُعَذِّبَهُم وَأَنَا فِيهِم )


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبته
1-خطب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأرض، وعلى المِنْبَرِ، وعلى البعير، وعلى النَّاقة.

-وكان إذا خطب، احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنَّهُ مُنذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: "صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ" ويقول: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ" وَيَقْرُنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَيَقُولُ: "أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتابُ اللَهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلاَلَةٌ".
$-وكان لا يخطُب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله. .
$-وكان يخطُب قائماً، و أنه كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صَعِدَ المِنَبرَ أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: "السَّلاَمُ عَلَيْكُم" قال الشعبي: وكانأبو بكر وعمر يفعلان ذلك

$-وكان يختِم خُطبته بالاستغفار،

$-وكان كثيراً يخطب بالقرآن وفي "صحيح مسلم" عن أمِّ هشام بنت حارثة قالت: "ما أخذتُ {ق وَالْقُرآنِ المَجِيدِ} [ق: 1]، إلا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى المِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ"

$-، وذكر أبو داود عن ابن مسعود أَنَّ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا تشهَّد قال: "الحَمْدُ للَهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ، فَلاَ مُضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَق بَشِيراً وَنَذِيراً بَيْن يَدَي السَّاعَةِ، مَنْ يُطعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رشَدَ وَمَنْ يَعْصهِمَا، فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ، وَلاَ يَضرُّ اللهُ شيئاً"

$-وقال أبو داود : وبلغنا أن رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا خطب: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَريبٌ، لاَ بُعْدَ لِمَا هُوَ آتٍ، وَلاَ يُعَجِّلُ اللَهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ، وَلاَ يُخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللهُ، لاَ مَا شَاءَ الناسُ، يُرِيدُ اللهُ شَيْئاً وَيُريدُ النَّاسُ شَيئاً، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، وَلاَ مُبْعِدَ لِمَا قرَّبَ اللهُ، ولاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَعَّدَ اللهُ، ولاَ يَكُونُ شَيءٌ إلاَّ بِإِذْنِ اللهِ".

$- وكان مدارُ خُطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصافِ كماله ومحامده، وتعليمِ قواعدِ الإِسلام، وذكرِ الجنَّة والنَّار والمعاد، والأمرِ بتقوى الله، وتبيينِ موارد غضبه، ومواقعِ رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه.
$-وكان يقول في خطبه: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَكُمْ لَنْ تُطِيقُوا - أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا –كُلَ مَا أُمِرْتُمْ بهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا".
$-وكان يخطُب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخاطَبين ومصلحتهم، ولم يَكُنْ يخطب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله، ويتشهَّد فيها بكلمتي الشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم.
وثبت عنه أنه قال: " كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الجَذْمَاءِ ".
$-وكان منبرُه ثلاثَ درجات، فإذا استوى عليه، واستقبل الناس، أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يَقُلْ شيئاً قبلَه ولا بعدَه، فإذا أخذ في الخطبة، لم يرفع أحدٌ صوته بشيء البتة، لا مؤذنٌ ولا غيرُه.
$-وكان إذا قام يخطب، أخذ عصاً، فتوكَّأ عليها وهو على المنبر، ، وكان الخلفاءُ الثلاثةُ بعده يفعلون ذلك، $- وكان أحياناً يتوكأْ على قوس، ولم يُحفظ عنه أنه توكأ على سيف.
$-وكان إذا عرض له في خطبته عارض، اشتغل به، ثم رجع إلى خطبته، وكان يخطُب، فجاء الحسن والحسين يعثُران في قميصين أحمرين، فقطع كلامه، فنزل، فحملهما، ثم عاد إلى منبره، ثم قال: "صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] رَأَيْتُ هذَيْنِ يعثُران في قَمِيصَيْهِمَا، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ كَلاَمِي فَحَمَلْتُهُمَا".
$-وَجَاءَ سُلَيْكٌ، الغَطَفَاني وهو يخطُب، فجلس، فقال له: "قُمْ يَا سُلَيْكُ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْن وَتَجَوَّزْ فِيِهِما"، ثم قال وهو على المنبر: "إذَا جَاءَ أَحَدُكمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإِمام يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا".

$-وكان يُقصر خطبته أحياناً، ويُطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس وكانت خطبتُه العارِضة أطولَ من خطبته الراتِبة. وكان يخطُب النِّساء على حِدة في الأعياد، ويحرِّضُهُنَّ على الصدقة، والله أعلم.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-06-2017, 01:39 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

50- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء


1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه، وربما صلى الصلواتِ بوضوء واحد


2-وكان يتوضأ بالمُد تارة، وبثلثيه تارة، وبأزيَد منه تارة، وكان يُحَذِّرُ أمته من الإِسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمته مَنْ يعتدي في الطهور، 3-" ومر على سعد، وهو يتوضأ فقال له: "لاَ تُسْرِفْ في المَاء " فقال: وهل فَي الماء من إسراف؟ قال: " نعم وإن كْنْتَ عَلَى نَهرٍ جَارٍ".
4-وصح عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وفي بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثاً.
5-وكان يتمضمض ويستنشق تارة بغَرفة، وتارة بغَرفتين، وتارة بثلاث.


6- وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخُذ نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه، ولا يُمَكن في الغرفة إلا هذا، وأما الغرفتان والثلاث، فيمكن فيهما الفصلُ والوصلُ، إلا أن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان الوصلَ بينهما، كما في "الصحيحين" من حديث عبد الله بن زيد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تمضمض واستنشق منْ كَفٍّ واحدة، فعل ذلك ثلاثاً " وفي لفظ: " تمضمض واستنثر بثَلاَث غَرفَات " فهذا أصحً ما رُوي في المضمضة والاستنشاق، .
7-وكان يستنشق بيده اليمنى، ويستنثِر باليُسرى، 8-وكان يمسحُ رأسه كلَّه، وتارة يُقْبِلُ بيديه وَيُدْبرُ 8-ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله: "أَشْهَدُ أَن لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، واجْعَلْنِي مِنَالمُتَطَهِّرينَ" في آخرِه وفي حديث آخر في "سنن النسائي" ممّا يقال بعد الوضوء أيضاً: "سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،أشهد أن لا إله إلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ".
9-، وكذلك لم يُثبت عنه أنه تجاوز المِرفقين والكعبين، ولكن أبو هريرة كان يفعلُ ذلك ويتأوَّل حديث إطالة الغرة،


10-ولم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتاد تنشيفَ أعضائه بعد الوضوء، ولا صح عنه في ذلك حديث البتة، بل الذي صح عنه خلافه
11-ولم يَكُنْ من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصبَّ عليه الماءُ كلما توضأ، ولكن تارة يصبُّ على نفسه، وربما عاونه مَنْ يصبُّ عليه أحياناً لحاجة كما في "الصحيحين" عن المغيرة بن شعبة أنه صبَّ عليه في السفر لما توضأ.
12-وكان يخلل لحيته أحياناً، وكذلك تخليلُ الأصابع لم يكن يُحافظ عليه، وفي "السنن" عن المُسْتَوْرِدِ بنِ شداد: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ يُدلكُ أصابعَ رجليه بخنصره، وهذا إن ثبت عنه، فإنما كان يفعله أحياناً




51-: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح على الخفين

1-صح عنه أنه مسح في الحضر والسفر، ولم يُنسخْ ذلك حتى تُوفي، ووقَّت للمقيم يوماً وليلة، وللمسافِر ثلاثَة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح،

2- وكان يمسح ظاهر الخفين، ولم يصح عنه مسحُ أسفلهما ، ومسح على الجوربين والنعلين، ومسح على العِمامة مقتصِراً عليها، ومع الناصية، .
3-ولم يكن يتكلف ضِدَّ حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم يَنْزِعْهُمَا، وإن كانتا مكشوفتين، غسل القدمين، ولم يلبَسِ الخف لِيمسح عليه، وهذا أعدلُ الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل،



52-فصل: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التيمم
1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ولم يَصِحَّ عنه أنهتيمم بضربتين، ولا إلى المرفقين.


2- قال الإِمام أحمد: من قال: إن التيمم إلى، المرفقين، فإنما هو شيء زاده مِن عنده وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها، تراباً كانت أَوْ سَبِخَةً أو رملاً. 3-3-وصح عنه أنه قال: "حَيْثُماَ أَدْرَكَتْ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي الصَّلاَةُ، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ"، وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل، فالرمل له طهور

4-وكذلك لم يَصِحَّ عنه التيمُّمُ لكِل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم، وجعله قائماً مقام الوضوء


53-فصل: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة


1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة قال: "اللهُ أَكْبَرُ" ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفَّظ بالنية البتة، ، وكان دأبُه في إحرامه لفظةَ: "اللهُ أَكْبَرُ " لا غيرَها، ولم ينقل أحدٌعنه سواها.
2-وكان يرفع يديه معها ممدودةَ الأصابع، مستقبلاً بها القبلةَ إلى فروع أُذنيه، ورُوي إلى منكبيه، فأبو حميد السَّاعديُّ وَمَنْ معه قالوا: حتى يُحاذيَ بهما المَنكِبيْنِ، وكذلك قال ابن عمر. وقال وائل بن حُجر: إلى حِيال أُذنيه. وقال البراء: قريباً من أُذنيه. وقيل: هو من العمل المخيَّر فيه، وقيل: كان أعلاها إلى فروع أُذنيه، وكفَّاه إلى منكبيه، فلا يكون اختلافاً، ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع، ثم يضعُ اليُمنى على ظهرِ اليُسرى.



3-وكان يستفتح هذا الاستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل.



- "اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْج وَالبَرَدِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ".
4-وتارة يقول: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسلِماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَماتِي للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ، لاَ إلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاغتَرَفتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهدِنِي لأَحْسَنِ الأَخلاَق لاَ يَهْدِي لأِحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّىءَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلٌ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "،


- وتارة يقول: " اللهُمَّ رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السماوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لِمَا اخْتُلِفَ فِيه مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صرَاطٍ مُسْتَقِيم".
-وتارة يقول: "اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ ..." الحديث.


- وتارة يقول: "اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ".
-وتارة يقول: "اللهُ أَكْبَرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُسَبِّحُ عَشْرَ مرَاتٍ، ثُمَّ يَحْمَدُ عَشْراً، ثُمَّ يُهَلِّلُ عَشْرَاً، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ عَشْراً، ثُمَّ يَقول: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي عَشْرَاً"، ثُمَّ يقول: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ المُقَامِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَشْرَاً"
فكل هذه الأنواع صحت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



5-وكان يقول بعد ذلك: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ثم يقرأ الفاتحة، يجهر ب "بسم الله الرَّحمن الرَّحيم " تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها.ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً، حضراً وسفراً، ويخفي ذلك على خلفائه الرَّاشدين،

6-. وكانت قراءته مداً، يقِف عند كل آية، ويمدُّ بها صوته.
فإذا فرغ من قراءة الفاتحة، قال: "آمين"، فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته وقالها من خلفه.


7- وكان له سكتتانِ، سكتة بين التكبير والقراءة، وعنها سأله أبو هريرة،واختلف في الثانية، فروي أنها بعد الفاتحة. وقيل: إنها بعد القراءة وقبل الركوع.

8-فإذا فرغ من الفاتحة، أخذ في سورة غيرِها، وَيُخَفِّفُهَا لعارض مِن سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالباً.
9-قراءته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة
$-وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة (ق)، وصلاها ب (الروم) وصلاها ب (إذَا الشَّمسُ كُوِّرَت) وصلاها ب (إِذَا زُلْزِلَتْ) في الركعتين كليهما، وصلاها ب (المعوِّذَتَيْنِ) وكان في السفر وصلاها، فافتتح ب (سورة المؤْمِنِين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ فركع.
وكان يُصليها يومَ الجمعة ب (ألم تنزيلا السَّجدة) وسورة (هل أتى على الإِنسان ) كاملتين،


$-وأما الظهر، فكان يُطيل قراءتَها أحياناً، حتى قال أبو سعيد: "كانت صلاةُ الظهر تُقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الركعة الأولى ممّا يطيلُها" رواه مسلم. وكان يقرأ فيها تارة بقدر (ألم تنزيل) وتارة ب (سبح اسم ربك الأعلى) و(الليل إذا يغشى) وتارة ب (السماء ذات البروج) و(السماء والطارق).
$-وأما العصر، فعلى النصف مِن قراءة صلاة الظهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصُرت.
$-وأما المغرب، فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة ب(الأعراف) فرَّقها في الركعتين، ومرة ب (الطور) ومرة ب (المرسلات).
: روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قرأ في المغرب ب (المص) وأنه قرأ فيها ب (الصافات) وأنه قرأ فيها ب (حم الدخان) وأنه قرأ فيها ب(سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها ب (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها ب (المعوِّذتين) وأنه


$-وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب (التين والزيتون) ووقَّت لمعاذ فيها ب (الشمس وضحاها) و(سبِّح اسم ربك الأعلى) و(الليل إذا يغشى) ونحوها، وأنكر عليه قراءتَه فيها ب (البقرة) بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى

بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله، وقرأ بهم ب (البقرة) ولهذا قال له: "أفتان أنت يا معاذ" فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها.
@-وأما الجمعةُ، فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة) و(المنافقين ) كَامِلَتَينِ و(سورة سبِّح) و(الغاشية).
@-وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي (ق) و(اقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبِّح) و(الغاشية) وهذا هو الهدي الذي استمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن لقي اللهَ عز وجل، لم ينسخه شيء.



10-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال: مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ.
11-وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربماقرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه.


12-وأما قراءةُ السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض، فلم يُحفظ عنه.

13-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطيلُ الركعة الأولى على الثانية مِن صلاة الصُّبح ومِن كل صلاة، وربما كان يُطيلها حتى لا يسمَعَ وقْعَ قدمٍ، وكان يُطيل صلاة الصبح أكثرَ مِن سائر الصلوات، وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، يشهده اللهُ تعالىوملائكتُه،

14-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من القراءة، سكت بقدر ما يترادُّ إليه نفسُه، ثم رفع يديه كما تقدَّم، وكبَّر راكعاً، ووضع كفَّيه على رُكبتيه كالقابض عليهما، ووتَر يديه، فنحاهما عن جنبيه، وبسط ظهره ومدَّه، واعتدل، ولم يَنْصِبْ رأسه، ولم يَخفِضْه، بل يجعلُه حيالَ ظهره معادِلاً له.
وكان يقول: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ"وتارة يقول مع ذلك، أومقتصِراً عليه: "سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي


&&-. وأما حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: رَمَقْتُ الصلاةَ خَلْفَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان قيامُه فركوعُه فاعتدالُه فسجدتُه، فجلستُه ما بين السجدتين قريباً من السواء. فهذا قد فَهِمَ منه بعضُهم أنه كان يركع بقدر قيامه، ويسجُد بقدره، ويعتدِل كذلك. وفي هذا الفهم شيء، فمرادُ البراء - والله أعلم - أن صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت معتدِلة، فكان إذا أطال القيام، أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام، خفف الركوعَ والسجود، وتارة يجعلُ الركوع والسجود بقدر القيام، ولكن كان يفعَلُ ذلك أحياناً في صلاة الليل وحدها، وفعله أيضاً قريباً من ذلك في صلاة الكسوف، وهديه الغالبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعديلُ الصلاة وتناسبها.
15-وكان يقول أيضاً في ركوعه " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ والرُّوح ". وتارة يقول: " اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِى وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي". وهذا إنما حُفظ عنه في قيام الليل.



16-ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائلاً: "سَمعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَه" وَيَرْفَع يديه كما تقدم، وروى رفعَ اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحوٌ منثلاثين نفساً،


17-وكان دائماً يُقيم صُلبه إذا رفع من الركوع، وبينَ السجدتين، ويقول "لاَ تُجْزِىء صلاةٌ لاَ يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"


18-وكان إذا استوى قائماً، قال: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" وربما قال: "رَبَّنَالَكَ الْحَمْدُ"وربما قال: "اللهُمَّ رَبَّنَا لك الْحَمْد"صح ذلك عنه. وأما الجمع بين "اللهُمَّ" و"الواو " فلم يصح.



19-وكان من هديه إطالةُ هذا الركن بقدر الركوعِ والسجود، فصح عنه أنه كان يقول: "سَمعَ اللهُ لِمن حَمِدَهُ، اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْض، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُنَا لَكَ عَبْدٌ لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ".



20-وصح عنه أنه كان يقول فيه: "اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِد بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".

21-وصح عنه أنه كرر فيه قوله: "لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ" حتى كان بقدر الركوع.



22-وصحَّ عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يمكُث حتى يقول القائل: قد نسِيَ من إطَالَتِه لهذا الرُّكن. وذكر مسلم عن أنس رضيَ اللهُ عنه: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال سَمعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَه، قام حتى نقول: قَدْ أَوهَمَ، ُثمَّ يسجُدُ، ثم يَقْعُدُ بين السجدتين حتى نقولَ: قد أوهم.
23-وصح عنه في صلاة الكُسوف أنه أطال هذا الركنَ بعد الركوع حتى كان قريباً من ركوعه، وكان ركوعُه قريباً من قيامه.
24-ثم كان يُكبِّر وَيخِرُّ ساجداً، ولا يرفع يديه ، فلا يَصِحُّ ذلك عنه البتة،


25-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ يديه قبل ،رُكبتيه ، ثم جبهتَه وأنفَه، هذا هو الصحيح و حديثُ أبي هريرة يرفعه : "إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلاَ يَبْرُك كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ ركْبَتَيْهِ" فالحديث -

26-. و نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات، فنهى عن بُروك كبُروكِ البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السَّبُع، وإقعاء كإقعاء الكلب،ونقر كنقر الغراب ورفعِ الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشُّمْسِ، فهدْيُ المصلي مخالفٌ لهدي الحيوانات.



27- وكان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجدُ على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطين، وعلى الخُمْرَةِ المتَّخذة من خُوص النخل، وعلى الحصير المتَّخذ منه، والفروة المدبوغة. كان إذا سجد، مكَّن جبهته وأنفه من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، وجافى بهما حتى يُرى بياضُ إبطيه، ولو شاءت بَهْمَة - وهي الشاة الصغيرة - أن تمُرَّ تحتهما لمرت.



28-وكان يضع يديه حَذو منكبيه وأُذنيه، وفي "صحيح مسلم" عن البراء أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ". كان يعتدِل في سجوده، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.
وكان يبسُط كفيه وأصابعَه، ولا يُفرِّج بينها ولا يقبضها، وفي "صحيح ابن حبان": "كان إذا ركع، فرج أصابعه، فإذا سَجَدَ، ضمَّ أصابعه"


-وكان يقول

1-وكان يقول: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى" وأمر به.
2-وكان يقول: " سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللهُمَّ اغْفِرْ لي ".
3-وكان يقول: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكةَ والرُّوحِ".
4-وكان يقول " سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ".
5-وكان يقول: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصي ثَنَاءً عَلَيكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".
6-وكان يقول: " اللهُمَّ لَكَ سَجَدتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سجد وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ،تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ".


7-وكان يقول: " اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّه وَجِلَّه، وَأَوَّلَه وَآخِرَهُ،وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَهُ".
8-وكان يقول: "اللهُمَّ اغْفِر لِي خَطِيئَتي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي في أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلي، وَخَطَئِي وَعَمدِي، وَكلُّ ذلِكَ عنْدِي، اللهُمَّ اغْفِر لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إٍلهِي، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ".
9-وكان يقول: " اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي نُوراً".



29-وأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود وقال: "إِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".

وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيُهُمَا أفضلُ؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه.
أحدُها: أن ذِكْره أفضلُ الأذكار، فكان ركنُه أفضلَ الأركان.
والثاني: قوله تعالى: {قُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. الثالث: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ القُنُوتِ".
وقالت طائفة: السجودُ أفضلُ، واحتجت بقولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ" وبحديث "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ للَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَ اللهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً" .وقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِربيعة بنِ كعبٍ الأسلمي وقد سأله مرافقتَه في الجنَّة "أَعنِيِّ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".




30-وكان يُصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار، فلم يُحفظ عنه شيء من ذلك، بل كان يخفف السنن.



31-ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع رأسه مكبِّراً غيرَ رافعٍ يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه،

32- ثم يجلِس مفترِشاً، يفرِشُ رجلَه اليُسرى، ويجلس عليها، وَيَنْصِبُ اليمنى. وذكر النَّسائي عن ابن عمر قال: مِن سنة الصلاة أن ينصِب القدم اليمنى، واستقبالُه بأصابعها القبلة، والجلوسُ على اليسرى ولم يحفظ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الموضع جلسة غير هذه.
33-وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مِرفقه على فخذه، وطرف يده على رُكبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلِّق حلقة، ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويُحرِّكها، هكذا قال وائل بن حُجر عنه.



34-ثم كان يقول: [بين السجدتين]: "اللهُمَّ اغفِرْ لِي وَارْحَمْنِي واجْبُرني وَاهْدِني، وَارْزُقْنِي" وذكر حذيفة أنه كان يقول: "رَبِّ اغْفِرْ لي، رَبِّ اغفِرْ لِي".
35-وكان هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إطالةَ هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابتُ عنه في جميع الأحاديث، وفي "الصحيح" عن أنس رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقعُد بين السجدتين حتى نقول: قَدْ أَوْهَمَ وهذه السنةُ تركها أكثرُ الناس مِن بعد انقراض عصر الصحابة،


36- وقد ذكر عنه مالك بن الحُويرث أنه كان لا ينهضُ حتى يستوي جالسا. وهذه هي التي تُسمى جلسة الاستراحة.

37-وكان إذا نهض، افتتح القراءة، ولم يسكت كما كان يسكُت عند افتتاح الصلاة، د،



38-وكان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يصلي الثانية كالأولى سواء، إلا في أربعة أشياء: السكوت، والاستفتاح، وتكبيرة الإِحرام، وتطويلها كالأولى، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يستفتحُ، ولا يسكتُ، ولا يُكبر للإِحرام فيها، ويقصرها عن الأولى، فتكون الأولى أطولَ منها في كل صلاة كما تقدم.


39-فإذا جلس للتشهد، وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه السبابة، وكان لا ينصِبُها نصباً، ولا يُنيمها،بل يَحنيها شيئاً، ويحركها شيئاً، ، وكان يقبِض أصبعين وهما الخِنصر والبِنصر، ويُحلِّق حلقة وهي الوسطى مع الإِبهام ويرفع السبابة يدعو بها، ويرمي ببصره إليها، ويبسُط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى، ويتحامل عليها.
40-وأما صفة جلوسه، فكما تقدم بين السجدتين سواء، يجلس على رجله اليُسرى، وينصِب اليمنى. ولم يُرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة.


41-وأما حديثُ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الذي رواه مسلم "صحيحه" أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان إذا قَعَد في الصلاة، جعل قَدَمَه اليُسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى فهذا في التَّشهد الأخير



وهو أحدُ الصفتين اللتين رُويتا عنه، ففي "الصحيحين" مِن حديث أبي حُميد في صفة صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فإذَا جلس في الركعتين، جَلَس على رِجله اليُسرى، ونصَب الأخرى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدَّم رجله اليسرى، وَنصبَ اليمنى، وَقَعَد على مقعدته" و مِن الناس من قال: يتورَّك في التشهدين، وهذا مذهب مالك رحمه الله،ومِنهم من قال: يفترش فيهما، فينصب اليمنى، ويفترش اليُسرى، ويجلس عليها، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، ومنهم من قال يتورَّك في كل تشهد يليه السلام، ويفترش في غيره، وهو قول الشافعي رحمه الله، ومنهم من قال يتورَّك في كلِّ صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما، فرقاً بين الجلوسين، وهو قول الإِمام أحمد رحمه الله



42-ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتشهد دائماً في هذه الجلسة، وَيُعَلِّم أصحابه أن يقولوا: "التَّحِيَّاتُ للَّهِ وَالصلَواتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه". وقد ذكر النسائي من حديث أبي الزبير عن جابر قال: كان رسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعلِّمنا التشهد، كما يُعلمنا السورةَ من القرآن: "بِسْمِ اللهِ، وَبِاللهِ، التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصلَواتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبَّيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، أَسْأَلُ اللهَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ النَّار".
ولم تجىء التسميةُ في أول التشهد إلا في هذا الحديث، وله علة غيرُ




43-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخفِّف هذا التشهد جداً حتى كأنه على الرَّضْفِ -وهي الحجارة المحماة- ولم يُنقل عنه في حديث قطُّ أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد، ولا كان أيضاً يستعيذُ فيه مِن عذاب القبر وعذابِ النَّار، وفِتنة المحيا والممات، وفِتنةِ المسيح الدَّجال، ومن استحبَّ ذلك، فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيينُ موضعها، وتقييدُها بالتشهد الأخير.


44-ثم كان ينهض مكبِّراً على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمداً على فخذه كما تقدم، وقد ذكر مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفَع يديه في هذا الموضع، وقد جاءَ ذِكرها مصرحاً به في حديث أبي حُميد الساعدي قال: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة، كبَّر، ثُمَّ رفع يَدَيْهِ حتى يُحاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، وَيُقِيمُ كُلَّ عُضوٍ في موضعه، ثم يَقْرَأ، ثم يرفع يديه حتى يُحاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يركعُ ويضَعُ راحتيه على رُكبتيه معتدِلاً لا يُصوِّبُ رأسه ولا يُقْنعُ به، ثُمَّ يقولُ:سَمعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَهُ، وَيَرفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، حتَّى يَقَرَّ كُلُّ عَظمٍ إلى مَوْضِعِه، ثم يَهْوي إلى الأرْض، وَيُجَافي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبيْهِ ثم يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيَثْنِي رِجْلَه، فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، ويَفتَحُ أَصَابع رِجْلَيْهِ إذا سَجَد، ثم يُكَبِّرُ، وَيَجْلِسُ عَلَى رِجْلِهِ اليُسرى حتى. يَريِحَ كُلُّ عظمٍ إلى مَوضِعِه، ثُمَّ يقُومُ فيصنَعُ في الأخرى مِثْلَ ذَلِكَ، ثم إذَا قَامَ مِنَ الرَّكَعَتيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كما يَصْنَعُ عِنْدَ افتتاحِ الصلاة، ثم يُصَلِّي بَقيةَ صَلاَتِه هَكَذَا، حتى إذا كَانَتِ السَّجْدَةُ التي فيها التسليمُ، أخرج رِجليه، وَجَلَسَ عَلَى شِقِّه الأيْسَرِ مُتَورِّك اً في "صحيح مسلم" أيضاً،


45-ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها، ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئاً،

$- وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه وغيره إلى استحباب القراءة بما زاد على الفاتحة في الأخريين، واحتج لهذا القولِ بحديث أبي سعيد الذي في "الصحيح": حزرْنَا قيامَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهر في الركعتين الأوليين قَدْر قِراءة (ألم تنزيلَ السَّجدة)، وحزرنا قيامَه في الركعتين الأخريين قَدْرَ النصف مِن ذلك، وحزرنا قيامَه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الركعتين الأُخْرَيَيْنِ من الظهر، وفي الأُخريين من العصر على النصف من ذلك.

-، وفي "صحيح البخاريَ" عن عائشة رضي الله عنها قالت سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الالتفاتِ في الصلاة؟ فقال: "هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صلاَةِ الْعَبْدِ".



التورك

ذكره البخاري في "صحيحه" من حديث أبي حميد أيضاً قال: وإذا جلس في الرَّكعة الآخرة، قَدَّم رجله اليُسرى ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته

-: ما ذكره مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن الزبير: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجعل قدمه اليُسرى بين فخذه وساقه، ويفرشُ قدمه اليمنى،

وهذه هي الصفة التي اختارها أبو القاسم الخِرَقِي في "مختصره" وهذا مخالف للصفتين الأوليين في إخراج اليسرى من جانبه الأيمن، وفي نصب اليُمنى، ولعله كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا أظهر.



الاشارة بالسبابة

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جَلَس في التشهُد، وضع يدَه اليمنى على فخذِه اليمنى، وضمَ أصابعه الثلاث، ونصَب السبابة. وفي لفظ: وقبض أصابعه الثلاث، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى. ذكره مسلم عن ابن عمر.
وقال وائِل بن حُجر: "جعل حَدَّ مِرْفَقِه الأيمن على فَخذِه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلَّق حلقة، ثم رفع أصبعه فرأيته يُحركها يدعُو بها" وفي حديث ابن عمر في "صحيح مسلم" "عَقَدَ ثَلاثَةَ وَخَمسِينَ".





وأما المواضع التي كان يدعو فيها في الصلاة، فسبعة مواطن.

1-: بعد تكبيرة الإِحرام في محل الاستفتاح.
2-: قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر والقنوت العارض في الصبح قبل الركوع إن صح ذلك، فإن فيه نظراً. 3-: بعد الاعتدال من الركوع، كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن أبي أوفى: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سَمعَ الله لمِنْ حَمِدَهُ، اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ،وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، اللهُمَّ طَهِّرنِي بِالثَّلجِ وَالبَرَدِ، وَالمَاءِ البَارِدِ، اللهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ".
4- : في ركوعه كان يقول: "سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهمَّ اغْفِرْ لِي".
5- : في سجوده، وكان فيه غالب دعائه.
6-: بين السجدتين.
7-: بعد التشهد وقبل السلام، .
وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك مِن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح، ولا حسن.


. -، إلا أن ها هنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته، وذكر الله وهلَّله وسبَّحه وَحَمِدَه وكبَّره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يُصلي على النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيبَ هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله، وَحَمِدَه، وأثنى عليه، وصلى على، رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استحب له الدعاءُ عقيبَ ذلك، كما في حديث فَضالة بن عبيد "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبدأْ بِحَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيصلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ" قال الترمذي: حديث صحيح.



السلام

1-ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسلم عن يمينه: السلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ الله، وَعَنْ يساره كذلك. هذا كَانَ فِعله الراتب رواه عنه خمسةَ عشر صحابياً،

قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يُسلم تسليمة واحدة مِن حديث سعد بن أبي وقاص، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس، إلا أنها معلولة، ولا يصححها أهلُ العلم بالحديث، ثم ذكر علة حديث سعد: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُسلم في الصلاة تسليمة واحدة. قال:

الدعاء فى الصلاة



1-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو في صلاته فيقول: "اللهُمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْةَ المَحْيَاوَالمَمَاتِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ ".
2-وكان يقول في صلاتِه أيضاً: "اللهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي".
3-وكان يقول: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمرِ، وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً، وَلِسَاناً صَادِقاً، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ ".


4-وكان يقول في سجوده "رَبِّ أعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ".



لفظ الافراد

والمحفوظ في أدعيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة كلِّها بلفظ الإِفراد، كقوله: "رَبِّ اغْفِر لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي"،

وسائر الأدعية المحفوظة عنه، ومنهاقولُه في دعاء الاستفتاح: "اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالماءِ وَالبَرَدِ، اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ" الحديث.


وروى الإِمام أحمد رحمه الله وأهل "السنن" من حديث ثوبان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دونهم، فَإِنْ فَعَل، فَقَدْ خَانَهُم" قال شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديثُ عندي في الدعاء الذي يدعو به الإِمامُ وللمأمومين، ويشترِكون فيه كدعاء القنوت ونحوه والله أعلم.






طأطأ رأسَه

1-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام في الصلاة، طأطأ رأسَه، ذكره الإِمام أحمد رحمه الله وكان في التشهد لا يُجاوز بَصَرُهُ إشارتَه،

2-. وكان قد جعل الله تعالى عينه ونعيمَه وسرورَه وروحَه في الصلاة. وكان يقول: "يا بِلاَلُ أرحناِْ بِالصلاَةِ". وكان يقول: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ ".


3-وكان يدخل في الصلاة وهو يُريد إطالتها، فيسمع بكاءَ الصبي، فيخففها مخافةَ أن يَشُقَّ على أمِّه، وأرسل مرة فارساً طَليعةً له، فقام يصلي، وجعل يلتفِت إلى الشِّعب الذي يجيء منه الفارس، ولم يشْغَلْه ما هو فيه عن مراعاة حال فارسه. كذلك كان يُصلي الفرض وهو حاملٌ أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ابنةَ بنته زينب على عاتقه، إذا قام، حملها، وإذا ركع وسجد، وضعها.


4-وكان يصلي فيجيء الحسنُ أو الحسين فيركبُ ظهره فيُطيل السجدة، كَراهية أن يُلقيَه عن ظهره.وكان يُصلي، فتجيء عائشةُ مِن حاجتها والبابُ مُغلَق، فيمشي، فيفتح لها البابَ، ثمَّ يرجِعُ إلى الصلاة.


5-وكان يَرُدُ السلام بالإِشارة على من يُسلم عليه وهو في الصلاة وقال جابر: بعثني رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجة، ثم أدركتُهُ وهو يصلي، فسلمتُ عليه، فأشار إليَّ. ذكره مسلم في "صحيحه".


6-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي وعائشة معترِضَةً بينَه وبين القبلة، فإذا سجد، غَمَزَهَا بيده، فقبضت رجليها، وإذا قام بسطتهما. كان يُصلي، فجاءه الشيطانُ ليقطع عليه صلاتَه، فأخذه، فخنقه حتى سَالَ لُعابُه عَلَى يَدِه.

7-وكان يُصلي على المنبر ويركع عليه، فإذا جاءت السجدة، نزل القَهْقَرى، فَسَجَدَ على الأرض ثم صَعِدَ عليه.
8-وكان يُصلي إلى جِدار، فجاءت بَهْمَةٌ تمرُّ من بين يديه، فما زال يُدارئها،حتى لَصقَ بطنُه بالجدار، ومرت من ورائه.
يدارئها: يفاعلها من المدارأة وهي المدافعة.
9-وكان يُصلي، فجاءته جاريتانِ من بني عبد المطلب قد اقتتلتا، فأخذهما بيديه، فَنَزَعَ إحداهما من الأخرى وهو في الصلاة ولفظ أحمد فيه: فأخذتا بركبتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزع بينهما، أو فرَّق بينهما، ولم يَنْصَرِفْ.
وكان يُصلي، فمرَّ بين يديه غلام، فقال بيده هكذا، فرجع، ومرت بين يديه جاريةٌ فقال بيده هكذا، فمضت، فلما صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"هُنَّ أَغْلَبُ"


10-وكان يبكي في صلاته، وكان يَتَنَحْنَحُ في صلاته قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان لي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعةٌ آتيه فيها، فإذا أتيتُه استأذنتُ،فإن وجدتُه يُصلي فتنحنح، دخلتُ، وإن وجدته فارغاً، أذن لي، ذكره النسائي. وأحمد، ولفظ أحمد: كان لي مِن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدخلانِ بالليل والنهار، وكنت إذا دخلتُ عليه وهو يصلي، تنحنح. رواه أحمد، وعمل به، فكان يتنحنحُ في صلاته ولا يرى النحنحة مبطلة للصلاة.
11-وكان يُصلي حافياً تارةً، ومنتعلاً أخرى، كذلك قال عبد الله بن عمروعنه: وَأَمَرَ بالصلاة بالنعل مُخالفة لليهود.
12-وكان يُصلي في الثوب الواحد تارة، وفي الثوبين تارة، وهو أكثر.


القنوت
13-وقنت في الفجر بعد الركوع شهراً، ثم ترك القنوت ولم يكن مِن هديه القنوتُ فيها دائماً، ومِنْ المحال أن رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: "اللهُمَ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ وَلَّيْتَ..." الخ ويرفعُ بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابُه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يُضيعه أكثرُ أمته، وجمهورُ أصحابه، بل كلُهم، حتى يقولَ من يقول منهم: إنه مُحْدَثٌ،


- كما قال سعد بن طارق الأشجعي: قلتُ لأبي: يا أبتِ إنَّك قد صليتَ خلفَ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر، وعمر، وعثمان،وعلي، رضي الله عنهم ها هنا، وبالكُوفة منذ خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر.؟ فقال: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ الترمذي: حديث حسن صحيح.

وذكر الدارقطني عن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوتَ في صلاة الفجر بِدعة،



الفصل فى المسالة :

والإِنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر، وأسر، وقنت، وترك، وكان إسرارُه أكثَر من جهره، وتركه القنوتَ أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين،ثم تركه لما قَدِمَ من دعا لهم، وتخلَّصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين، فكان قنوتُه لعارض، فلما زال تَرَك القنوت، ولم يختصَّ بالفجر، بل كان يقنُت في صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخاري في "صحيحه" عن أنسوقد ذكره مسلم عن البراء

-وذكر الإِمام أحمد عن ابن عباس قال: قنت رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصُّبح في دُبُرِ كل صلاة إذا قال: سَمعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَه من الركعة الأخيرة، يدعو على حيٍّ من بني سليم على رِعل وذَكوان وعُصية، ويؤمِّن من خلفه، ورواه أبو داود.


-وكان هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القنوت في النوازل خاصة، وتركَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل،


وأما حديثُ ابن أبي فُديك، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبُري، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسَه مِنَ الرُّكُوعِ من صلاة الصُّبح في الرَكعة الثانية، يرفع يديه فيها، فيدعو بهذا الدعاء: "اللهمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِك لي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَرَبَّنَا وَتعالَيْتَ"

ومن قوم قالوا على القنةت انة منسوخ، وفعله بدعة، فأهلُ الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، ، فإنهم يقنُتون حيثُ قنت رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويتركُونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه،ويقولون: فِعله سنة، وتركُه لسنة، ومع هذافلا يُنكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعِلَه مخالفاً للسنة،

- كما لا يُنكِرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تارِكه مخالفاً للسنة، بل من قنت، فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن،

-وركن الاعتدال محل الدعاء والثناء، فإذا قلنا: لم يكن مِن هديه المداومةُ على القنوت في الفجر، ولا الجهرُ بالبسملة، لم يدلَّ ذلك على كراهية غيره، ولا أنه بدعة، ولكن هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكملُ الهدي وأفضلُه، والله المستعان.




: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سجود السهو

1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني".وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته، وإكمالِ دينهم، ليقتدوا به فيما يشرعُه لهم عند السهو،

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينسى، فيترتب على سهوه أحكامٌ شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة،

1- فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اثنتين في الرُّباعية، ولم يجلس بينهما، فلما قض صلاته، سجد سجدتين قبل السلام، ثم سلم، فأخذَ من هَذا قاعدة: أن من ترك شيئاً من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهواً، سَجد له قبل السلام، وأخذَ من بعض طرقه أنه: إذا ترك ذلك وشرع في ركن، لم يرجع إلى المتروك، لأَنه لما قام، سَبَّحُوا، فأشار إليهم: أن قوموا.
واختلف عنه في محل هذا السجود،


- ففي "الصحيحين" من حديث عبد الله بن بُحَيْنَة، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من اثْنَتَيْنِ من الظهر، ولم يَجْلس بينهما، فلما قضى صلاته، سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثم سلًّم بعد ذلكَ. وفي رواية متفق عليها: يكَبِّر في كل سجدة وهو جالِس قبل أن يُسَلِّمَ.

-وفي "المسند" من حديث يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن زياد بن عِلاقة قال: صلَّى بنا المغيرةُ بن شعبة، فلما صلى ركعتين، قام ولم يجلِس، فسبَّح به مَن خلفه، فَأشار إليهم: أن قوموا، فلما فَرَغَ من صلاته، سلَّم، ثم سجد سجدتين، وسلَّم، ثم قال: هكذا صنع بنا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصححه الترمذي



3-وسلّم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ركعتين في إحدى صلاتي العَشِيِّ، إما الظُّهرِ، وإما العَصْرِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، ثُمَّ أتَمَّهَا، ثُمَّ سلَّم، ثمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلامِ والكلام، يُكبِّر حِين يسجدُ، ثمَّ يُكبِّر حين يرفع.

4-وصلى يوماً فسلَّم وانصرف، وقد بقي مِن الصلاة ركعة، فأدركه طلحةُ بن عبيد الله، فقال: نسيتَ من الصلاة ركعة، فرجع فدخل المسجد، وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى للناس رَكْعَةً ذكره الإِمام أحمد رحمه الله.
5-وصلى الظهر خمساً، فقيل له: زِيدَ في الصلاة؟ قال: وما ذاكَ؟ قالوا: صليتَ خمساً، فسجَدَ سجدتين بعدما سلم. متفق عليه.
فقال الشافعي رحمه الله: كُلُّه قبل السلام.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: كُلُه بعد السلام.
وقال مالك رحمه الله: كُلُّ سهو كان نقصاناً في الصلاة، فإن سجوده قبل السلام، وكُلُّ سهو كان زيادة في الصلاة، فإن سجودهبعد السلام، وإذا اجتمع سهوانِ: زيادة ونقصان، فالسجودُ لهما قبل السلام.
-وأما حديثُ ابن مسعود، فهو "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُم فِي صَلاَتِهِ، فليتحر الصَّوَابَ، ثُمَّ لِيَسجُد سَجدَتَينِ" متفق عليهما.


وفي لفظ "الصحيحين ": "ثم يُسَلِّم، ثمَّ يَسْجدَ سَجدَتَينِ" وهذا هو الذي قال الإِمامُ أحمد، وإذا رجع إلى التحري، سجد بعد السلام.



يتبع ان شاء الله تعالى




رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-06-2017, 01:45 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي


تغميض عينية

-ولم يكن من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغميضُ عينيه في الصلاة، وقد تقدم أنه كان في التشهد يُومىء ببصره إلى أصبعه في الدعاء، ولا تجَاوِزُ بَصرهُ إشارتَه
وذكر البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه قال: كان قِرَامٌ لعائشة، سترت به جانِبَ بيتها، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَة لاَ تَزَالَ تصاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي في صَلاَتِي " ولو كان يُغمض عينيه في صلاته، لما عَرَضَتْ له في صلاته.

-، وأبينُ دلالةَ منه حديثُ عائشة رضي الله عنها، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى في خَمِيصَةٍ لها أعلامٌ، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وأْتُونِي بِانْبِجانِيَّةِ أَبِي جَهمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنى آنفاً صَلاَتِي".

وكذلك على ذلك مَدُّ يده في صلاة الكسوف ليتناولَ العُنقود لما رأى الجنة، وكذلك رؤيتهُ النَّارَ وصاحبةَ الهرة فيها، وصاحِبَ المِحْجَنِ وكذلك حديثُ مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه، وردُّه الغلامَ والجارية، وحجزُه الجاريتين، وكذلك أحاديثُ ردِّ السلام بالإِشارة على من سلم عليه والصلاة، فإنه إنما كان يُشير إلى من يراه، وكذلك حديثُ تعرُّضِ الشيطان له فأخذه فخنفه، وكان ذلك رؤيةَ عين،

-فهذه الأحاديثُ وغيرُها يُستفاد مِن مجموعها العلم بأنه لم يكن يُغْمِضُ عينيه في الصلاة.

-الفصل فى المسالة
وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرِهه الإِمامُ أحمد وغيرُه، وقالوا:هو فعلُ اليهود، وأباحه جماعة ولم يكرهوه، وقالوا: قد يكونُ أقربَ إلى تحصيل الخشوع الذي هو روحُ الصلاة وسرُّها ومقصودها. والصواب أن يُقال: إن كان تفتيحُ العين لا يُخِلُ بالخشوع، فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يُشوش عليه قلبه، فهنالك لا يُكره التغميضُ قطعاً، والقولُ باستحبابه في هذا الحال أقربُ إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم.


القول بعد الانصراف من الصلاة:

: فيما كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله بعد انصرافه من الصلاة، وجلوسِه بعدَها، وسرعةِ الانتقال منها، وما شرعه لأمته من الأذكار والقراءة بعدها

1-كان إذا سلم، استغفر ثلاثاً، وقال: "اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، ومنكَ السلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ"
ولم يمكث مستقبِلَ القِبلة إلا مقدارَ ما يقولُ ذلك، بل يُسرع الانتقالَ إلى المأمومين.

2-الانصراف
-وكان ينفتِل عن يمينه وعن يساره، وقال ابن مسعود: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً ينصرِف عن يساره. الصحيحين -وقال أنس: أكثرُ ما رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينصرف عن يمينه، "مسلم" -وقال عبد الله بن عمرو: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفتِلُ عن يمينه وعن يساره في الصلاة.


3-ثم كان يُقبِل على المأمومين بوجهه، ولا يخصُّ ناحيةً منهم دون ناحية.
4-وكان إذا صلى الفجرَ، جلس في مصلاه حتى تَطْلُعَ الشمسُ.
5-وكان يقولُ في دُبُر كلِّ صلاة مكتوبة: " لاَ إله إِلاَّ الله وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ،له المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ، اللهُمَّ لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،وَلا معْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ"

6-وكان يقول: " لاَ إله إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلهُ الْحَمدُ، وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَديرٌ، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بالله، لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وَلا نَعْبُدُ إلاَ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلًهُ الَفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لاَ إله إِلاًّ اللًّهُ، مُخْلصينَ لَهُ الدًّينَ وَلَو كَرِه الْكَافِرُونَ"
7- كان إذا سلَّم من الصلاة قال: " اللهُمَّ اغْفرْ لي مَا قَدًّمْتُ، وَمَا أخَّرْت، وَمَا أسْرَرْتُ، وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفتُ، وَمَا أنْتَ أَعْلَمُ به منِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إلهَ إِلا اْنْتَ". مسلم
. ولمسلم فيه لفظان أحدُهما: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقوله بين التشهد والتسليم، وهذا هو الصواب
والثاني: كان يقوله بعد السلام، ولعله كان يقوله في الموضعين،

8-.وندب أمته إلى أن يقولُوا في دُبر كل صلاة:

$- سُبحانَ اللهِ ثلاثاًوثلاثون والحمدُ للَّهِ كذلك، واللهُ أكبرُ كذلك، وتمام المائة: لا إلهَ إلا الله وَحْدَه لا شريك له، لَهُ المُلْك وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَعلى كُلِّ شيءٍ قدير.
$-وفي صفة أخرى: التكبيرُ أربعاً وثلاثين فتتم به المائه

$-وفي صفة أخرى: "خمساً وعشرين تسبيحة، ومثلها تحميدة، ومثلها تكبيرة، ومثلها لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شَرِيكَ له، له الملكُ وله الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِير"
$-وفي صفةٍ أخرى: "عشر تسبيحات، وعشر تحميدات، وعشر تكبيرات"

والذى يظهر لفظ الحديث "يُسَبِّحُونَ وَيَحْمَدُونَ، وَيُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين"

ابن القيم وصفة التسبيح :

وإنما مُرَادُه بهذا أن يكون الثلاث والثلاثون في كل واحدة من كلماتِ التسبيح والتحميد والتكبير، اى "قولوا: "سُبحانَ اللهِ، والحَمْدُ للَّه، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين" لأن راوي الحديث سُمي عن أبي صالح السمان، وبذلك فسره أبو صالح قال: قولوا: "سُبحانَ الله والحمدُ للَّهِ، واللهُ أكبر، حتى يكون منهن كُلِّهن ثلاث وثلاثون".

دبر صلاة الفجر وهو ثانى رجلة


1-كما في السنن من حديث أبي ذر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أن يَتكَلَّمَ، لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ يُحيِي وَيُمِيتُ وهو عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّات، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهَُ عشر سَيِّئَاتٍ، وَرُفعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذلِكَ كُلَّهُ في حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوه وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْم إِلاَّ الشِّرْكَ بالله " الصحيحة

عند النوم :

1-وفي "مسند الإِمام أحمد" من حديث أم سلمة، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم ابنته فاطمة لما جاءت تسأله الخادم، فأمرها: أن تسبِّحَ الله عند النوم ثلاثاً وثلاثين، وتحمدَه ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّره ثلاثاً وثلاثين، وإذا صلَّت الصبحَ أن تقول: "لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَبَعْدَ صَلاَةِ المَغْربِ، عَشْرَ مَرَّات ".
2-وفي "صحيح ابن حبان" عن أبي أيوب الأنصاري يرفعه: "مَنْ قَالَ إِذا أَصْبَحَ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلَ شىء قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيئَاتٍ، وَ لَهُ بهنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ عِدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَع رِقَابٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَساً مِنَ الشيطان حَتَى يُمْسِى، وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى المَغْرِبَ دُبُرَ صَلاتِهِ فَمِثْلُ ذلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ "

و في الاستفتاح كان يقول : "اللهُ أكبرُ عشراً، والحمدُ للَّهِ عشراً وسبحانَ اللَهِ عشراً، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللَهُ عَشْراً، ويستغفِرُ الله عشرا، ويقول: اللهم، اغفر لي، وَاهْدِني وارزقني عشراً، ويتعوذ مِن ضِيق المقام يوم القيامة عشراً"

-فالعشر في الأَذكار والدعوات كثيرة.

يقولُ عند انصرافه من صلاته

1-وقد ذكر أبو حاتم في "صحيحه"، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولُ عند انصرافه من صلاته: "اللهُمَّ أصْلحْ لِي دِينِي الَّذي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمْرِي، وَأَصْلحْ لي دُنْيايَ،التى جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ من نِقْمَتِكَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ".
2-" عن أبي أيوب أنه قال: ما صليتُ وراء نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سمعتُه حِين ينصرِفُ مِن صلاته يقول: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خطَايَايَ وَذُنُوبِي كُلَّهَا، اللهُمَّ أَنْعِمْنِي وَأَحْينِي وَارْزُقنِي، وَاهْدِنِي لِصَالِح الأعْمَالِ والأَخلاَقِ، إِنَّهُ لاَ يَهْدِي لِصَالِحِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَصْرِفُ عَنْ سَيئِهَا إِلاَّ أَنْتَ".

3- : قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِي في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبة، لَم يَمْنعهُ من دُخُولِ الجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَموتَ ". وفى رواية قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ في دُبُرِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ، كَانَ في ذِمَّةِ اللهِ إِلَى الصَّلاَةِ الأُخْرَى "

ابن تيمية : قال: ما تركتُها عقيبَ كُلِّ صلاة.

4-عن عُقبة بن عامر قال: "أمرني رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن أقرأ بالمُعَوِّذَاتِ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ولفظ الترمذي "بالمعوذتين".
5-وأوصى معاذاً أن يقول في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ: "اللهمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"
وَدُبُرُ الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا يُرجِّح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دُبُرُ كُلِّ شيء منه، كدُبُرِ الحيوان.

اصلاة الى الجدار :

1-وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى إلى الجِدار، جعل بينه وبينه قدر ممرِّ الشاة، ولم يكن يتباعَدُ منه، بل أمر بالقُرب من السُّترة، وكان إذا صلَّى إلى عُود أو عَمود أو شَجرة، جعله على حاجبه الأيمنِ أو الأيسر، ولم يَصْمُد له صمداً، وكان يَرْكُزُ الحَربة في السفر والبرِّيَّة، فيُصلي إليها، فتكون سترتَه، وكان يُعَرِّض راحلته، فيُصلي إليها، وكان يأخذُ الرحل فيَعْدِلُه فيصلي إلى آخِرتِه، وأمر المصلي أن يستترِ ولو بِسهم أو عصا، فإن لم يجد فليخطَّ خطاً في الارض،

وقال عبد الله: الخط بالطول، وأما العصا، فتُنصب نصباً، فإن لم يكن سُترة، فإنه صح عنه أنه يقطع صلاتَه، "المرأةُ والحِمارُ والكلبُ الأسودُ".

-. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وعائشةُ رضي الله عنها نائمة في قبلته

وكأنَّ ذلك ليس كالمَارِّ، فإن الرجل محرَّم عليه المرورُ بين يدي المصلي، ولا يُكره له أن يكون لابثاً بين يديه، وهكذا المرأةُ يقطع مرورُها الصلاةَ دون لُبثها، والله أعلم.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنن الرواتب
1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحافظ على عشر ركعات في الحضر دائماً، وهى التي

-قال فيها ابن عمر: "حَفِظْتُ مِن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرَ ركعات: ركعتين قبل الظُّهرِ، وركعتين بعدَها وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتينِ بعد العشاء في بيته، وركعتينِ قبلَ الصُّبح". فهذه لم يكن يدعُها في الحضر أبداً،

- ولما فاتته الركعتانِ بعد الظهر قضاهما بعد العصر، وداوم عليهما، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا عَمِلَ عَملاً أثبته، وقضاء. السنن الرواتب في أوقات النهى عام له ولأمته، وأما المداومة على تلك الركعتين في وقت النهي، فمختص به

-. وكان يُصلِّي أحياناً قبلَ الظهر أربعاً، كما في "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْر، وركعتين قبل الغداة "،

-: كان يفعلُ هذا، ويفعل هذا، فحكى كلٌّ عن عائشة وابن عمر ما شاهده، والحديثان صحيحان

قضاء الاربع

1-وفي السنن أيضاً عن عائشةَ رضي الله عنها: "أن رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان إذا لم يُصلِّ أربعاً قبل الظهر، صلاهُنَّ بعدها" وقال ابن ماجه: "كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فاتته الأربعُ قبل الظهر، صلاَّها بعد الركعتين بعد الظهر" وفي التِّرمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي أربعاً قبل الظهر، وبعدها ركعتين". وذكر ابن ماجه أيضاً عن عائشة: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يصلي أربعاً قبل الظهر، يطيل فِيهِنَّ القِيام، ويحسن فيهن الركوعَ والسجود" -فهذه- والله أعلم - هي الأربع التي أرادت عائشة أنه كان لا يدعهن


-. وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث أمِّ حبيبة قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنْ صَلَّى في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَة، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْت في الجَنَةِ " وزاد النسائي والترمذي فيه: "أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بعدها، وركعتينِ بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر" قال النسائي: "وركعتين قبل العصر" (بدل) "وركعتين بعد العشاء" وصححه الترمذي

-وذكر ابن ماجه عن عائشة ترفعه: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةَ مِنْ السُّنَّةِ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ: أَرْبعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَها، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ".

$$-وأما الأربع قبل العصر،: فلم يصحَّ عنه عليه السلام في فعلها


$$-وأما الركعتان قبل المغرب،

- فإنه لم يُنقل عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يُصليهما، وعنه أنه أَقرَّ أصحابه عليهما، وكان يراهم يصلونهما، فلم يأمرهم ولم ينههم،

- وفى "الصحيحين" عن عبد الله المُزني، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "صلُوا قَبْلَ المَغْرِبِ صلُّوا قَبلَ المَغْرِبِ " قال في الثَّالِثَةِ : "لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةَ أن يتخذها الناسُ سنة " وهذا هو الصوابُ في هاتين الركعتين، أنهما مُسْتَحبَّتَانِ مندوبٌ إليهما، وليستا راتبة كسائر السنن الرواتب.


0وكان يُصلي عامةَ السنن، والتطوع الذي لا سبب له في بيته، لا سيما المغرب، فإنه لم يُنقل عنه أنه فعلها في المسجد البتة.
وقال الإِمام أحمد في رواية حنبل: السنة أن يُصليَ الرجلُ الركعتينِ. المغرب في بيته، كذا رُويَ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

- قال السائب بن يزيد: رأيتُ الناس في زمن عمر بن الخطاب، إذا انصرفوا من المغرب، انصرفوا. حتى لا يَبقى في المسجد أحد، كأنهم لا يُصلون بعد المغرب حتى يصيروا إلى أهليهم انتهى كلامه.

فإن صلَّى الركعتين في المسجد، فهل يجزئ عنه، وتقع موقعها؟

- اختلف قولُه، فروى عنه ابنُه عبد الله أنه قال: بلغني عن رجل سماه أنه قال: لو أن رجلاً صلَّى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه؟ فقال: ما أحسنَ ما قال هذا الرجلُ، وما أجودَ ما انتزع وليس هذا وجهَه عند أحمد رحمه الله، وانما وجهُه أن السنن لا يُشترط لها مكان معين، ولا جماعة، فيجوزُ فعلها في البيت والمسجد، والله أعلم.

وفي سنة المغرب سنتان، إحداهما: أنه لا يُفصل بينها وبين المغرب بكلام،

- قال أحمد رحمه الله: يستحب ألا يكون قبل الركعتين بعد المغرب إلى أن يُصَلِّيَهما كلامٌ

-وقال الحسن بن محمد: رأيت أحمد إذا سلم من صلاة المغرب، قام ولم يتكلم، ولم يركع في المسجد قبل أن يدخل الدار، والسنة الثانية: أن تفعل في البيت، كما في الصحيح عن ابن عمر: حَفِظْتُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرَ ركعات: ركعتين قبلَ الظُّهر، وركعتينِ بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح.
وفي "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي في بيتي أربعاً قبل الظهر، ثم يخرج فيُصلي بالناس، ثم يدخُل فيُصلي ركعتين، وكان يُصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيُصلي ركعتين، ويُصلي، بالناس العشاء، ثم يدخل بيتي فيُصلي ركعتين.

وكذلك المحفوظ عنه في سنة الفجر، إنما كان يُصليها في بيته

". وكان هديُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعلَ السنن، والتطوع في البيت إِلا لِعارض، كما أن هديَه كان فِعلَ الفرائض في المسجد إِلا لِعارض من سفر، أو مرض، أو غيره مما يمنعُه من المسجد، وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشدَّ مِن جميع النوافل.
ولذلك لم يكن يدعُها هي والوترَ سفراً وحضراً، وكان في السفر يُواظب على سنة الفجر والوتر أشدَّ مِن جميع النوافل دون سائر السنن، ولم يُنقل عنه في السفر أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سنة راتبة غيرَهما

وقد اختلف الفقهاءُ: أيُّ الصلاتين آكدُ، سنة الفجر أو الوتر؟ قولين: ولا يمكن الترجيحُ باختلاف الفقهاء في وجوب الوتر، فقد اختلفوا أيضاً في وجوب سنة الفجر،

- وسمعت شيخَ الإِسلام ابن تيمية يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته. ولذلك كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى سنة الفجر والوتر بسورتي الإِخلاص، وهما الجامعتان لتوحيدِ العلم والعمل، وتوحيدِ المعرفة والإِرادة، وتوحيدِ الاعتقادِ والقصد، انتهى.


{قُل هُوَ اللهُ أَحَد} تعدِل ثلثَ القران.


الاضجاع بعد سنة الفجر

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضطجع بعد سنة الفجر على شِقه الأيمن، هذا الذي ثبت عنه فى "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها


، وأما ابن حزم : ومن تابعه، فإنهم يوجبون هذه الضجعة، ويُبطل ابن حزم صلاةَ من لم يضجعها بهذا الحديثِ، وهذا مما تفرد به عن الأمة،

وذكر عن أنسَ بن مالك رضي الله عنهم، كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر، ويأمرون بذلك،

وذكر أن ابن عمر كان لا يفعله، ويقول: كفانا بالتسليم.

وقد غلا في هذه الضجعة طائفتان، وتوسط فيها طائفةّ ثالثة، فأوجبها جماعة من أهل الظاهر، وأبطلوا الصلاةَ بتركها كابن حزم ومن وافقه، وكرهها جماعة من الفقهاء، وسموها بدعة، وتوسط فيها مالك وغيره، فلم يروا بها بأساً لمن فعلها راحة، وكرهوها لمن فعلها استناناً،

واستحبها طائفة على الإِطلاق، سواء استراح بها أم لا، واحتجوا بحديث أبي هريرة.

سئل احمد : فإن لم يضطجع عليه شيء؟ قال: لا، عائشة ترويه وابن عمر ينكره. وفى رواية إن أبا عبد الله سئل عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر قال: ما أفعلُه، وإن فعله رجل، فحسن.

ابن القيم : وقد تقال: إن عائشة رضي الله عنها روت هذا، وروت هذا، فكان يفعلُ هذا تارة، وهذا تارة، فليس في ذلك خلاف، فإنه من المباح،

وفي اضطجاعه على شِقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلَّق في الجانب الأيسر، فإذا نام الرجل على الجنب الأيسر، استثقل نوماً، لأنه يكون في دَعة واستراحة، فيثقل نومه، فإذا نام على شِقه الأيمن، فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم، لقلق القلب، وطلبه مستقره، وميله إليه،



في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيام الليل


قد اختلف السلفُ والخلف في أنه: هل كان فرضاً عليه أم لا؟ والطائفتان احتجوا بقوله تعالى: { وَمِنَ الْلَيْلِ فَتَهَجَّد بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإِسراء: 79] على قولين فرض ومنهم من قال ليس بفرض

ابن القيم : فإن قيامَ الليل في حق غيره مباحٌ، ومكفِّر للسيئات، وأما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد غَفَرَ اللهُ له ما تقدم مِن ذنبه وما تأخر، فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب، وغيره يعمل في التكفير.

قال مجاهد: إنما كان نافلةً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكانت طاعته نافلة، أي: وزيادة في الثواب، ولغيره كفارة لذنوبه،

1-ولم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدع قيامَ الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.

واستدل ابن تيمية بذلك يقول: في هذا دليل على أن الوتر لا يُقض لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاةِ الكسوف والاستسقاءِ ونحوها، لأن المقصودَ به أن يكون آخرُ صلاة الليل وتراً، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح، لم يقع الوتر موقعَه.

عدد ركعات الليل :

-وكان قيامُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثَ عشرة، كما قال ابن عباس وعائشة، فإنه ثبت عنهما هذا وهذا، ففي "الصحيحين" عنها: ما كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة.

2-وفى "الصحيحين" عنها أيضاً، كان رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي من الليل ثلاثَ عشر. ركعة، يُوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخِرِهِن

ابن القيم : والصحيح عن عائشة الأول: والركعتان فوق الإِحدى عشرة هما ركعتا الفجر، جاء ذلك مبيناً عنها في هذا الحديث بعينه، كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر)، ذكره مسلم في "صحيحه".

وقال البخاري: في هذا الحديث: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي بالليل ثلاثَ عشرة ركعة، ثم يُصلي إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين

وفي "الصحيحين" : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كانت صلاةُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل عشرَ ركعات، ويُوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر،

وذلك ثلاثَ عشرة ركعة، فهذا مفسر مبين.
. وفي "الصحيحين" عن كُريب عنه، في قصة مبيته عند خالته ميمونة بنت الحارث، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، فلما تبيَّن له الفجرُ، صلَّى ركعتين خفيفتينِ وفي لفظ: فصلَّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذِّنُ. فقام فصلَّى ركعتين خفيفتين، ثم خرج يُصلي الصبح.

مجموعُ ورده الراتب بالليل والنهار

. فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان يُحافظ عليها، جاء مجموعُ ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة، كان يُحافظ عليها دائماً سبعة عشر فرضاً، وعشر ركعات، أو ثنتا عشرة سنة راتبة، وإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل، والمجموع أربعون ركعة، وما زاد على ذلك، فعارض غيرُ راتب،

1- كصلاة الفتح ثمان ركعات،2- وصلاة الضحى إذا قَدِمَ من سفر،3- وصلاته عند من يزوره،4- وتحية المسجد ونحو ذلك، فينبغي للعبد أن يُواظب على هذا الورد دائماً إلى الممات، فما أسرع الإِجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعُه كلَّ يوم وليلة أربعين مرة. والله المستعان.


: في سياق صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل.

1-قالت عائشةُ رضي الله عنها: ما صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشاء قطُّ فدخل علي، إلا صلَّى أربع ركعات، أو ست ركعات، ثم يأوي إلى فراشه.وقال ابن عباس لما بات عنده: صلَّى العِشاء، ثم جَاء، ثُمَّ صلَى، ثم نام ا أبو داود.

2-وكان إذا استيقظ، بدأ بالسواك، ثم يذكُر الله تعالىو كان يقوله عند استيقاظه، ثم يتطهر، ثم يُصلى ركعتين خفيفتين، كما في "صحيح مسلم"، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل، افتتح صلاتَه بركعتينِ خفيفتين وأمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إذا قام أحدُكم مِن الليل، فليفتَتح صلاتَه بركعتين خفيفتين" "رواه مسلم"

وكان يقومُ تارة إذا انتصف الليلُ، أو قبله بقليل، أو بعدَه بقليل، وربما كان يقوم إذا سمع الصارِخَ وهو الدِّيكُ وهو إنما يصيح في النصف الثاني،

- وكان يقطع ورده تارة، ويصله تارة وهو الأكثر، ويقطعه كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده

، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استيقظ، فتسوَّك، وتوضأ، وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ، والأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الألبَاب} [آل عمران: 190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلَّى ركعتين أطال فيهما القيامَ والركوع والسجودَ، ثم انصرف، فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاثَ مرات بست ركعات كل ذلك يَستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأَذن المؤذِّن؟ فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلبي نُوراً، وَفِي لِسَانِي. وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُوراً، وَاجعَل في بَصَرِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراَ، ومن أَمَامِي نُوراً، وَاجْعَل مِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراُ، اللهُمَّ أَعْطِني نوراً " رواه مسلم.

ولم يذكر ابنُ عباس افتتاحَه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة، أنه كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وَإِمَّا أن تكون عائشةُ حفظت ما لم يحفظ بن عباس، وهو الأظهر لملازمتها له، ، وإذا اختلف ابنُ عباس وعائشة في شيء من أمر قيامِه بالليل، فالقولُ ما قالت عائشة.
النوع الاول :وكان قيامُه بالليل ووِترُه أنواعاً، فمِنها هذا الذي ذكره ابن عباس.
النوع الثاني : الذي ذكرته عائشة، أنه كان يفتتح صلاته بركعتين. ثم يُتمم ورده إحدى عشرة ركعة، يُسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة.
النوع الثالث : ثلاث عشرة ركعة كذلك.
النوع الرابع: يُصلي ثمانَ ركعات، يُسلم من كل ركعتين، ثم يُوتر. سرداً متوالية، لا يجلس في شيء إلا في آخرهن.
النوع الخامس: تسع ركعات، يسرُد منهن ثمانياً لا يجلِس في شيء إلا في الثامنة، يجلِس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يُصلي التاسعة، يسلم ثم يقعد، ويتشهد، ويُسلِّم، ثم يُصلي ركعتين جالساً بعدما يسلم.
النوع السادس: يُصلي سبعاً كالتسع لمذكورة، ثم يُصلي بعدها ركعتين جالساً. النوع السابع: أنه كان يُصلي مَثنى مَثنى، ثم يُوتر بثلاث لا يفصِل بينهن فهذا

: سئل أحمد عن الوتر؟ قال: في الركعتين. وإن لم يسلم، رجوت ألا يضرَّه، إلا أن التسليم أثبتُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

النوع الثامن: ما رواه النسائي، عن حُذيفة، أنه صلَّى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رمضان، فركع، فقال في ركوعه: "سُبْحَانَ رَبيَ الْعَظيمِ" مثل ما كان قائماً، ثم جلس يقول: "رَبِّ اغفرْ لي، رَبِّ اغْفِرْ لي " مثلَ مَا كان قائماً. ثم سجد، فقال: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلًى" مثلَ ما كان قائماً، فما صلَّى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة،

الوتر : وأوتر أوّل الليل، ووسطه، وآخرَه. وقام ليلة تامة بآية يتلوها ويردِّدُها حتى الصباح وهي: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادُكَ} [المائدة: 118].


وكانت صلاته بالليل ثلاثةَ أنواع
أحدها - وهو أكثرها: صلاته قائماً
الثاني : أنه كان يُصلي قاعداً، ويركع قاعداً
الثالث : أنه كان يقرأ قاعداً، فإذا بقي يسيرٌ مِن قراءته، قام فركع قائماً، والأنواع الثلاثة صحت عنه.

صفة جلوسه
وأما صفة جلوسه في محل القيام، وقد ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة، وتارة يقرأ فيهما جالساً، فإذا أراد أن يركع، قام فركع،

وفي "صحيح مسلم" عن أبي سَلَمة قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يُصلي ثلاثَ عشرة ركعةً، يُصلي ثمانَ ركعات، ثم يُوتِر، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ثم يُصلي ركعتين بين النداءِ والإِقامةِ مِن صلاة الصبح

وفي "المسند" عن أبي أمامة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما ب{إِذَا زُلزِلَت} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
وروى الدارقطني نحوَه من حديث أنس رضي الله عنه.

القنوت فى الوتر

1- ولم يُحفظ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قنت في الوتر، ولم يصحَّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قنوت الوتر قبلُ أو بعدُ شيء.

قيل لأبي عبد الله في القنوت في الوتر؟ فقال: ليس يُروى فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء، ولكن كان عمر يقنُت من السنة إلى السنة.

دعاء القنوت :
وقد روى أحمد وأهل "السنن" من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلماتٍ أقولهن في الوتر: "اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَولَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِك لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَاَليْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " زاد ا والنسائي: "وَلاَ يَعِزُّ من عَادَيْتَ".وزاد النسائي في روايته: "وَصَلَّى الله عَلَى النَبيّ"



قراءتة 000 صلى الله علية وسلم

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقَطِّعُ قراءتَه، ويقِفُ عِندَ كُلِّ آيَةٍ فيقول: "الحَمْدُ للِه رَبِّ العَالَمِين، ويقِف: الرَّحمنِ الرَّحِيم، ويقِفُ: مَالِك يَوْمِ الدِّين".
2-اى أن قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت آية آية، وهذا هو الأفضل، الوقوفُ على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها، وذهب بعضُ القراء إلى تتبع الأغراض والمقاصد، والوقوف عند انتهائها، واتباعُ هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته أولى.

الترتيل

. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرتِّل السورة حتى تكون أطولَ مِنْ أَطْوَلِ منها، وقام بآَية يُرَدِّدُهَا حتى الصباح.

الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟

وقد اختلف الناسُ في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟ على قولين.
1-فذهب ابنُ مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرُهما إلى أن الترتيلَ والتدبر مع قلة القراءة أفضلُ مِن سرعة القراءة مع كثرتها.

والناس في هذا أربع طبقات: أهلُ القرآن والإِيمان، وهم أفضل الناس. والثانية: من عَدِم القرآن والإِيمان. الثالثة: من أوتي قرآناً، ولم يُؤت إيماناً، الرابعة: من أوتي إيماناً ولم يُؤت قرآناً.



2-وقال أصحابُ الشافعي رحمه الله: كثرة القراءة أفضلُ، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الم حَرْف، وَلَكِنْ أَلِف حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ ". رواه الترمذي. وصححه.
قالوا: ولأن عثمان بن عفان قرأَ القرآن في ركعة، وذكروا آثاراً عن كثير من السلف في كثرة القراءة.


والصواب في المسألة أن يُقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلُّ وأرفعُ قدراً، وثوابَ كثرة القراءة أكثرُ عدداً، فالأول: كمن تصدَّق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبداً قيمتُه نفيسة جداً، والثاني: كمن تصدَّق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عدداً من العبيد قيمتُهم رخيصة، وفي "صحيح البخاري" عن قتادة قال: سألت أنساً عن قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "كان يمدُّ مدًّا".


2-وقال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريعُ القِراءة، وربما قرأتُ القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابنُ عباس: لأن أقرأ سورةَ واحدة أعجبُ إِلَيَّ من أن أفعل ذَلِكَ الذي تفعل، فإن كنت فاعلاً ولا بد، فاقرأ قِراءَةً تُسْمعُ أُذُنَيْك، وَيعيها قلبُك.

وقال ابن مسعود: لاَ تَهُذُّوا القُرْآنَ هَذَّ الشِّعْرِ، وَلاَ تَنْثُرُوه نَثْرَ الدَّقَل، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ القُلُوبَ، وَلاَ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ.
وقال عبد الله أيضاً: إذا سمعتَ الله يقول: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأصغِ لها سمعك، فإنه خيرٌ تُؤمر به، أو شرٌّ تُصرف عنه.

صلاة القيام 00 اسرار ام جهر

وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسرُ بالقراءة في صلاة الليل تارة، ويجهر بها تارة، ويُطيل القيام تارة، ويخفِّفه تارة، ويُوتر آخر الليل - وهو الأكثر - وأوَّله تارة، وأوسطَه تارة.

التطوع بالليل والنهار على راحلته
وكان يُصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر قِبَلَ أي جهة توجهت به، فيركع ويسجد عليها إيماءً، ويجعل سجودَه أخفضَ مِن ركوعه،

- عن أنس بن مالك، قال: "كانَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يُصلي على راحلته تطوعاً، استقبل القبلة، فكبر للصلاة، ثم خلّى عن راحلته، ثم صلَّى أينما توجهت به"

فاختلف الرواة عن أحمد: هل يلزمه أن يفعل ذلك إذا قدر عليه؟ على روايتين: فإن أمكنه الاستدارةُ إلى القبلة في صلاته كلِّها مِثلَ أن يكون في مَحْمِل أو عمارية ونحوها، فهل يلزمه، أو يجوز له أن يُصلِّيَ حيث توجهت به الراحلةُ؟

قال مرة : أنه لا يُجزئُه إلا أن يستقبل القبلة، وقال اخرى :. الاستدارةُ في المَحْمِلِ شديدة يُصلي حيث كان وجهه.


هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاة الضحى


1-روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي سُبْحةَ الضحى، وإني لأُسبِّحُها.

2-قيل لابن عمر: أتُصلي الضحى؟ قال لا، قلتُ: فَعُمَر؟ قال: لا، قلتْ: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا إخاله.
3-وذكر عن ابن أبي ليلى قال: ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي الضحى غيرَ أم هانىء، فإنها قالت: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل بيتَها يومَ فتح مكة، فاغتسل، وصلَّى ثمانَ ركعات، فلم أرَّ صلاةً قطُّ أخفَ مِنها، غير أنهُ يُتم الركوعَ والسجود.
4-وفي "صحيح مسلم"، عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة هل كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يَجيءَ مِن مغيبه. قلتُ: هل كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بين السور؟ قالت: مِن المفصل.


5-وفي "صحيح مسلم" عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله

6- وفي "الصحيحين" عن أم هانئ، أن رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى.


7-وقال الحاكم في "المستدرك": عن أنس رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في سفر سُبْحةَ الضُّحى، صلَّى ثمانَ ركعات، فلما انصرف، قال: "إِنِّي صَلَّيْتُ صلاَةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، فَسَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثاً، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَلاَ يَقْتُلَ أُمَّتِي بِالسِّنِينَ فَفَعَلَ، وسألتُه أَلاَّ يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّاً، فَفَعَلَ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُلبسَهُمْ شِيَعاً فَأَبَى عَلَيَّ صحيح

8-، عن مجاهد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صلَّى الضحى ركعتين، وأربعاً، وستاً وثمانياً
9-وقال الإِمام أحمد: عائشة بنت سعد، عن أم ذرة، قالت: رأيتُ عائشة رضي الله عنها تُصلي الضُّحى وتقول: ما رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إلا أربعَ ركعات.


-، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الضُّحى ستَّ ركعات.
-، عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، قالتا: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي صلاة الضحى ثنتي عشرة ركعة،
-، عن علي رضي الله عنه: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي الضحى".
الفصل فى المسالة : -. فاختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق،

1- منهم من رجح رواية الفعل على الترك بأنها مثبتة تتضمن زيادةَ علم خفيت على النافي.

2- قالوا: وقد يجوز أن يذهب علمُ مثل هذا على كثير من الناس، ويُوجد عند الأقل.

3-قالوا: وقد أخبرت عائشة، وأنس، وجابر، وأم هانىء، وعليُّ بنُ أبي طالب، أنه صلاها. 4-قالوا: ويؤيد هذا الأحاديثُ الصحيحة المتضمنةُ للوصية بها، والمحافظةِ عليها، ومدحِ فاعلها، والثناءِ عليه، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي محمد بصيامِ ثلاثَةِ أيام مِن كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أُوتِرَ قبل أن أنام.

وفي "صحيح مسلم"، عن أبي ذر يرفعه، قال: "يُصبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمىَ مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسبِيْحَةٍ صدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيْدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وتجْزِىءُ مِن ذَلِكَ رَكْعَتانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضحَى".
وفي "مسند الإِمام أحمد"، عن مُعاذ بن أنس الجُهَني، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: "مَن قَعَدَ في مُصَلاَّهُ حينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكعتَي الضُّحى لا يقول إِلاَّ خَيراً، غَفَرَ الله خَطَايَاهُ وإِن كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البحْرِ".


ابن ماجه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَن حَافَظَ على سُبْحَةِ الضُّحَى، غفِرَ لَهُ ذُنُوبُه وإِن كانَت مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ".
وفي "المسند" والسنن، عن نعيم بن همَّار قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول "قال الله عز وجل: يا ابْنَ آدَمَ لاَ تَعْجزَنَّ عَنْ أَرْبعِ رَكَعاتٍ في أوَّلِ النَّهار أكفك آخِرَه" .
عن أنس مرفوعاً: "مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْراً مِن ذَهَبٍ في الجنة".


وفي "صحيح مسلم"، عن زيد بن أرقم أنه رأى قوماً يُصلون من الضحى في مسجد قُباء، فقال: أما لقد عَلِموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضلُ إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلاَةُ الأوَّابين حينَ تَرْمَض الفِصَالُ".
وقوله: ترمَضُ الفِصال، أي: يشتد حر النهار، فتجد الفِصال حرارةَ الرمضاء.

وفي "الصحيح" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الضُّحى في بيت عِتبان بن مالك ركعتين.
-، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يُحافِظُ عَلى صَلاةِ الضُّحَى إلا أَوَاب "

- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا أَذِنَ الله لِشَيء ما أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ " قال: ولعل قائلاً يقول: قد أرسله حماد بن

وفي "جامعه" -، عن أبي سعيد الخُدري، قال: كانَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الضُّحَى حتى نقولَ: لا يدعُها، ويدعُها حتى نقولَ: لا يصليها.


أحمد في "مسنده" ، عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "مَنْ مَشى إلى صَلاةٍ مكَتوبَةٍ وَهوَ مُتَطَهِّر، كانَ لَه كَأَجْرِ الحاجِّ المُحرِم، ومَنْ مَشى إلى سُبحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجْرِ المُعتَمِرِ، وَصَلاة عَلى إِثرِ صَلاة لاَ لَغْوَ بَيْنَهمَا كِتَابٌ في عِلِّيِين " قال أبو أمامة: الغدو والرواح إلى هذِهِ المَساجِدِ مِنَ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزّ وَجَلّ.
وقال الحاكم: عن أبي أمامة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: "مَن صَلَّى الصبحَ في مَسجِدِ جَمَاعَةٍ، ثمَّ ثبتَ فيهِ حَتَّى الضُّحَى، ثمَّ يُصلِّي سُبحَةَ الضُّحَى، كانَ لَهُ كَأَجرِ حاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ تَام لَهُ حَجَّتُه وَعُمرَتُه".


- عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، فأعظموا الغنيمةَ، وأسرعوا الكَرَّة. فقال رجل: يا رسول الله ! ما رأينا بعثاً قطُّ أسرعَ كرةً ولا أعظَمَ غنيمة من هذا البَعثِ، فقال: "أَلا أُخبِركُمْ بِأَسرَعَ كَرَّةً، وَأَعْظَمَ غَنيمَةً: رَجُلٌ توضأَ في بَيتِهِ فَأَحْسَنَ وُضوءَه، ثَمَّ عَمَدَ إلى المَسجِد، فَصَلَّى فيهِ صَلاَةَ الغَداةِ، ثُمَّ أَعقَبَ بِصلاةِ الضّحَى، فَقَد أَرَعَ الكَرَةَ وَأعْظَمَ الغَنِيمَة".

ونقل عنة انة صلاها أربعاً ركعتين، ثمانياً ستاً، عشر، ثنتي عشرة، فأخبر كلُّ واحد منهم عما رأى وسمع.

وقال مجاهد: صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الضحى ركعتين، ثم يوماً أربعاً، ثم يوماً سِتّاً، ثم يوماً ثمانياً ثم تركَ.

فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل مُخْبِرٍ ممن تقدم أن يكون إخبارُه لِما أخبر عنه في صلاة الضُّحى على قدر ما شاهده وعاينه.


والصواب: إذا كان الأمر كذلك: أن يُصلّيها من أراد على ما شاء من العدد.


وطائفة ثانية، ذهبت إلى أحاديث الترك،

1-، فروى البخاري عن ابن عمر، أنه لم يكن يُصليها، ولا أبو بكر، ولا عمر. قلت: فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا إخاله.

2-، عن أبي هريرة، قال: ما رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى صلاة الضحى إلا يوماً واحداً.

3-، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: رأى أبو بكرة ناساً يُصلون الضحى، قال: إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عامَةُ أصحابه.
4-وفي "الموطأ": عن مالك، عن ابن شهاب، عن عُروة، عن عائشة قالت: ما سبَّح رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبحةَ الضّحى قطُّ، وإني لأسبِّحُها، وإن كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليَدَعُ العمل وهو يحب أن يعمل به خشيةَ أن يعمل به الناس، فَيُفرض عليهم.

وقال أبو الحسن علي بن بطَّال: فأخذ قوم من السَّلف بحديث عائشة، ولم يَرَوا صلاةَ الضحى، وقال قوم: إنها بدعة، روى الشعبي، عن قيس بن عُبيد، قال: كنت أختلِف إلى ابن مسعود السَّنَةَ كلَّها، فما رأيتُه مصلياً الضحى.

وعن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجدَ، فإذا ابنُ عمر جالس عند حُجرة عائشة، وإذا الناس في المسجد يُصلون صلاة الضحى، فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة،. وقال مرة: ونِعمَتِ البِدْعةُ. وفى رواية قال : ما ابتدع المسلمون أفضل صلاة مِن الضحى، وسئل أنس بن مالك عن صلاة الضحى، فقال: الصلوات خمس.


وذهبت طائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غِبّاً، فتُصلى في بعض الأيام دون بعض، وهذا أحدُ الروايتين عن أحمد، وحكاه الطبري عن جماعة،

قال: واحتجوا بما روى الجُريري، عن عبد الله بن شَقيق، قال: قلتُ لعائشة أكانَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يَجيءَ مِن مغيبه ثم ذكر حديث أبي سعيد: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي الضحى، حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها،

وذكر: كان ابنُ عباس يُصليها يوماً، ويدعها عشرة

، عن ابن عمر، أنه كان لا يُصلي الضحى. فإذا أتى مسجد قُباء، صلَّى، وكان يأتيه كلَّ سبت.

.
الفصل فى المسالة

وأما قولُ عائشة: لم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي الضحى إلا أن يَقْدَمَ مِنْ مغيبه، فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا. قَدِمَ من سفر، بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين.
فهذا كان هديَه، وعائشةُ أخبرت بهذا وهذا، وهي القائلةُ: "ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةَ الضحى قطّ".
فالذي أثبتته فعلها بسبب، كقدومه من سفر، وفتحه، وزيارتِه لقوم ونحوه، وكذلك إتيانُه مسجد قباء للصلاة فيه،

درر00 من الحكم

1- قال قتادة: فأدوا للّه من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار، فإنهما مطيَّتان يُقحِمَان الناسَ إلى آجالهم، ويُقرِّبان كلَّ بعيد، ويبليان كلَّ جديد، ويَجيئان بكلَّ موعود إلى يوم القيامة.


2-وقال شقيق: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: فاتتني الصلاةُ الليلة، فقال: أدرك ما فاتك مِن ليلتك في نهارك، فإن الله عزّ وجل جعل الليلَ والنهار خِلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شُكورا.
قالوا: وفِعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على هذا، فإن ابن عباس كان يُصليها يوماً، ويدعها عشرة، وكان ابنُ عمر لا يصليها، فإذا أتى مسجد قُباء، صلاها، وكان يأتيه كلَّ سبت وقال سفيان، عن منصور: كانوا يكرهون

يتبع ان شاء الله تعالى

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-06-2017, 01:53 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي


سجودُ الشكر

-وكان مِن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهدي أصحابه سجودُ الشكر عند تجدُّد نِعمة تسُرُ أو اندفاع نِقمة، كما في "المسند" 1-عن أبي بكرة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أتاه أمرٌ يَسُرُّه، خرَّ لله سَاجِداً شُكْراً لله تَعَالى.


2-وذكر ابنُ ماجه، عن أنس، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُشِّرَ بحَاجَةٍ، فخَرَّ للّه سَاجِداً.
3- البخاري، أن علياً رضي الله عنه، لما كتب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلام همْدَان، خرَّ ساجداً ثم رفع رأسه، فقال: "السَّلاَم عَلَى هَمْدَانَ، السَّلاَمَ عَلى هَمْدان"


4-وفي "المسند" من حديث عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سجد شكراً لما جاءته البُشرى من ربه، أنه من صلَّى عليك، صلَّيْت عليه، ومن سلَّم عليك، سلمتُ عليه.
5-وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه، ذكره البخاري.

6- وذكر أحمد عن علي رضي الله عنه، أنه سجد حين وجد ذا الثُّدَيَّة في ***ى الخوارج.
7-، أن أبا بكر الصِّديق رضي الله عنه، سجد حين جاءه ***ُ مسيلِمة.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سجود القرآن
كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا مرَّ بسجدة، كبَّر وسجد، وربما قال في سجوده " سَجَدَ وَجهي لِلّذي خَلَقَهُ وَصوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصرَهُ بِحَولِهِ وَقُوَّتِهِ".
وربما قال: " اللهم احطط عَنِّي بها وِزرا، واكْتُب لي بها أَجْرَاً، واجْعَلْهَا لي عِنْدَكَ ذُخْرَاً، وَتَقبَّلها مِنِّي كَمَا تَقَبَّلتَها مِن عَبْدِكَ داودَ".

2-ولم يُذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود، ، ولا نُقِلَ فيه عنه تشهد ولا سلام البتة وأنكر أحمد والشافعي السلامَ فيه، فالمنصوص عن الشافعي: إنه لا تشهدَ فيه ولا تسليم،

3-وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سجد في (الم تنزيل)، وفي (ص)، وفي (النجم) وفي؟ (إذا السَماء انشقَّت)، وفي (اقرأ باسْم رَبِّكَ الذي خَلَق).
4-وذكر أبو داود عن عمرو بن العاص، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقرأه خمسَ عشرة، سجدة، منها ثلاث في المفصّل، وفي سورة الحج سجدتان.


في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها


1-ثبت في "الصحيحين" عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "نَحْنُ الآخرُون الأَوّلُونَ السَّابِقونَ يَوْمَ القِيامَة، بَيْدَ أنَّهم أوتُوا الكتاب مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرضَ اللهُ عَلَيْهِم، فاخْتَلَفوا فِيهِ، فهَدانَا اللهُ له، والنَّاسُ لَنا فيه تَبَع، اليَهُودُ غداً، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ".
2-وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة، وحُذيفة رضي الله عنهما قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَضَلَّ اللهُ عَن الجُمُعة مَنْ كان قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ السَّبْتِ، وكَانَ لِلنَّصارى يَوْمُ الأَحَدِ، فجاء اللهُ بِنَا، فَهَدَانَا ليومِ الجمعة فَجَعَلَ الجُمُعَةَ والسّبْتَ والأَحَدَ، وكَذلِكَ هُم تَبَعٌ لَنَا يَومَ القِيَامَةِ، نحن الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنيا، والأَوَّلونَ يَوْمَ القِيامَةِ، المَقْضيُّ لهم قبل الخلائِق".

3- وقال أَفْضل أَيَّامِكُم يَومُ الجمعَةِ، فيه خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وفيه قُبضَ، وفيه النَّفخَةُ، الصعْقَةُ، فأكثِرُوا عليَّ مِنَ الصَّلاةِ فيه، فإِنَّ صَلاَتَكُم مَعرُوضةٌ عليَّ" قالوا: يا رسولَ الله وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ (يعني: قدْ بَلِيتَ). "إنَّ الله حَرَّمَ على الأَرضِ أَنْ تأْكُلَ أَجْسَادَ الأنبياءِ".

4- وفي "جامع الترمذي"، من حديث أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وفيه أدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيه أُخرِجَ منها، ولا تَقومُ السَّاعَةُ إِلاَّ في يَوْمِ الجُمُعَةِ صحيح وفى رواية

"سَيِّدُ الأيَّام يَوْمُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُدْخِلَ الجَنَّة، وفيه أُخْرِجَ مِنْهَا، ولا تَقومُ السَّاعَةُ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ".
وارواية الاخرى "خيْر يَوْمٍ طَلَعَت عليه الشَّمْس يومُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُهْبِطَ، وفيه تِيبَ عَليه، وفيه مَاتَ، وفيه تقومُ السَّاعةُ، وما منْ دابَّةٍ إلا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعةِ مِنْ حِينَ تصبِحُ حتَّى تَطْلعَ الشّمْسُ شَفَقاً مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ الجِنَّ والإِنسَ، وفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصادِفُهَا عَبدٌ مُسْلِمِّ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاه". قال كعب: ذلك في كلِّ سنَةٍ يَوْمٌ، فقلتُ: بَلْ في كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرأَ كَعْبّ التَّوْراةَ، فَقَال: صدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ، فحَدَّثْتهُ بِمَجْلِسي مَعَ كَعبٍ، قَالَ: قَدْ عَلِمتُ أَيَّة سَاعَةٍ هي، قُلت: فأَخبِرْنِي بِهَا، قال: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ في يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَقُلتُ: كَيفَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصَادِفُهَا عَبدٌ مسلِمّ وَهوَ يصَلِّي

وَتِلْكَ السَّاعَةُ لاَ يُصَلَّى فيها؟ فَقَالَ ابن سلام: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ الله "مَن جَلَسَ مَجلِساً يَنْتَظِرُ الصلاَةَ، فَهُوَ في صًلاةٍ حَتَّى يُصلِّيَ"؟


وفي "مسند الشافعي" من حديث أنس بن مالك رضي اللهُ عنه، قال: أتى جبريلُ عليه السلام رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بمرْآة بَيْضَاءَ، فِيها نُكتةٌ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما هذِهِ؟ فقال : "هذِهِ يَومُ الجُمُعةِ، فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، والنَّاسُ لَكُمْ فيها تَبَعٌ، اليهودُ والنَّصارى، ولكم فيها خَيْرٌ، وفيها سَاعَةٌ لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يدعو الله بِخَيْرٍ إلا اسْتُجِيبَ لَهُ وهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ المزيد، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جِبْريلُ ! ما يومُ المزيدِ؟ قال: إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الفِرْدَوْسِ وَادِياً أفيحَ فِيهِ كُثُبٌ مِنْ مِسْكٍ، فإذا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ أنزلَ الله سُبحَانَهُ ما شَاءَ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، وَحَوْلَهُ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ عَليها مَقَاعِدُ النَّبيِّينَ، وحَفَّ تِلكَ المنابِرَ بِمنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بالياقوت وَالزَّبَرجَدِ، عليها الشُّهَداءُ والصِّدِّيقُونَ، فجلسوا مِنْ وَرَائهم على تِلْكَ الكُثُبِ"، فيقولُ اللهُ عزّ وجَلَّ: "أَنا رَبّكم قَدْ صَدَقتكم وعدي، فسَلُوني أُعْطِكُم، فيقولون: ربَّنا نسألك رضوانَك، فيقول: قَدْ رَضِيتُ عنْكُم وَلَكُم مَا تَمَنيْتُم وَلَدَيَّ مَزيد، فهم يُحِبُّونَ يَوْمَ الجُمُعةِ لِما يُعطيهم فيه ربُّهم مِنَ الخَيْرِ، وهُوَ اليومُ الَّذي اسْتوى فيه ربُّك تَبَارَكَ وتَعالى على العرش، وفيه خَلَقَ آدم، وفيه تقوم السَّاعة".

وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعظيمُ هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره.

وقد اختلف العلماء: هل هو أفضلُ، أم يومُ عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي.
ابن القيم وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في فجره بسورتي (الم تنزيل) و(هل أتى على الإِنسان).

خواص يوم الجمعة

ابن القيم : ، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة، دفعاً لتوهم الجاهلين، وسمعت ابن تيمية يقول: إنما كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يَومِها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذِكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يومَ الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرٌ للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة حتى يقصدَ المصلي قراءتها حيثُ اتفقت. فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة.

الخاصة الثانية: استحبابُ كثرة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وفي ليلته،

1- لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أكثِروا مِنَ الصلاة عَلَّي يوم الجُمُعة وَلَيْلَة الجُمُعة". ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيدُ الأنام، ويوم الجمعة سيدُ الأيام، فللصلاةِ عليه في هذا اليوم مزيةٌ ليست لغيره


الخاصة الثالثة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإِسلام -، ومن تركها تهاوناً بها، طبع اللهُ على قلبه، وقُربُ أهل الجنة يومَ القيامة، وسبقُهم إلى الزيارة يومَ المزيد بحسب قُربهم من الإِمام يومَ الجمعة وتبكيرهم.


الخاصة الرابعة: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمرٌ مؤكد جداً، ووجوبه أقوى مِن وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوءِ من مس النساء، ووجوب الوضوءِ مِن مرِّ الذكر، وللناس في وجوبه ثلاثةُ أقوال: النفيُ والإِثبات، والتفصيلُ بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها، فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، والثلاثة لأصحاب أحمد.
الخاصة الخامسة: التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
الخاصة السادسة: السِّواك فيه، وله مزية على السواك في غيره.
الخاصة السابعة: التبكير للصلاة.
الخاصة الثامنة: أن يشتغل بالصلاة، والذكر، والقراءة حتى يخرج الإِمام.
الخاصة التاسعة: الإِنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في أصح القولين، فإن تركه، كان لاغياً، ومن لغا، فلا جمعة له، وفي "المسند"، مرفوعاً "والذي يقول لِصاحِبِه أنصِتْ، فَلا جُمُعَةَ لَهُ".
الخاصة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها، فقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرأَ سُورَةَ الكَهْفِ يَوْمَ الجمُعَةِ، سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِن تَحتِ قَدَمِهِ إلى عَنَانِ السَّمَاء يُضىء بِه يَوْمَ القِيامَةِ، وغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ".

الحادية عشرة: إنه لا يُكره فعلُ الصلاة فيه وقتَ الزوال عند الشافعى رحمه الله ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية، وَلَم يكن اعتمادُه.

، وفي الحديث الصحيح "لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيتِه، ثُمَّ يَخرُجُ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْن، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ ينْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الإِمَامُ إلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَينةُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَى". رواه البخاري

$- فندبه إلى الصلاة ما كتِب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإِمام،

$$- ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبعه عليه الإِمام أحمد بن حنبل: خروجُ الإِمام يمنع الصلاة، وخطبتُه تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروجَ الإِمام، لا انتصافَ النهار.

. قال الشافعي: من شأن الناس التهجير إلى الجمعة، والصلاةُ إلى خروج الإِمام، قال البيهقى: الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغَّب في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة إلى خروج الإِمام من غير استثناء، وذلك يُوافِق هذه الأحاديث التي أُبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة، وروينا الرُّخصة في ذلك عن عطاء، وطاووس، والحسن، ومكحول.

قلت: اختلف الناسُ في كراهة الصلاةِ نِصفَ النهار على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ليس وقت كراهة بحال، وهو مذهب مالك.
الثاني : أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها، وهو مذهب أبي حنيفة، والمشهور من مذهب أحمد.
والثالث : أنه وقت كراهة إلا يومَ الجمعة، فليس بوقت كراهة، وهذا مذهب الشافعي.


الثانية عشرة: قراءة (سورة الجمعة) و(المنافقين)، أو (سبح) و(الغاشية) في صلاة الجمعة، فقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بهن في الجمعة، ذكره مسلم في "صحيحه".

$$-ولا يُستحب أن يقرأ مِن كل سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنه خلافُ السنة، وجُهَّال الأمة يُداومون على ذلك.
الثالثة عشرة،: أنه يومُ عيد متكرِّر في الأسبوع، وقد روى أبو عبد الله بن ماجه في "سننه" من حديث أبي لُبابة بنِ عبدِ المُنذر قال: قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن يَومَ الجُمُعَةِ سَيِّد الأيام، وأَعْظَمُها عنِد الله، وهُوَ أَعْظَم عِنْدَ الله مِنْ يَوْمِ الأضْحَى، وَيَوْمِ الفِطْر، فيه خَمسُ خِلالٍ: خَلَقَ الله فيه آدم، وأَهْبَطَ فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى الله آدم، وفيه ساعَةٌ لا يَسْأَلُ الله العَبدُ فيها شيئاً إلا أعطاه، ما لم يسأل حراماً، وفيه تقومُ السَّاعَةُ، ما مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا سماءٍ، ولا أرضٍ، وَلا رِيَاحٍ، ولا جِبالٍ، ولا شَجَرٍ إلا وهنّ يُشْفِقن مِنْ يَوْمِ الجمعة".


الرابعة عشرة: إنه يُستحب أن يلبَس فيه أحسَنَ الثياب التي يقدِرُ عليها،

1- فقد روى الإِمام أحمد في "مسنده" من حديث أبي أيوب قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنِ اغْتَسَلَ يوم الجمُعةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كانَ له، ولَبِسَ مِن أَحسَنِ ثيابِهِ، ثمَّ خَرَجَ وعليه السَّكِينةُ حتَّى يَأْتيَ المسجدَ، ثُمَّ يَرْكَعَ إنْ بَدا له، ولمْ يُؤْذِ أحداً ثُمَّ أَنصَتَ إذا خَرَج إمامُه حتَّى صَلِّيَ، كانت كَفَّارَةً لما بينهما.
2- وفي "سنن ابن ماجه"، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناسَ يومَ الجمعة، فرأى عليهم ثِيابَ النِّمار، فقال: "ما على أَحَدِكُمْ إن وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَخِّذَ ثَوبَيْن لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوبَيْ مِهنَتِه".


الخامسة عشرة: أنه يستحب فيه تجميرُ المسجد، ، عن نعيم بن عبد الله المُجمِر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمَّرَ مسجدُ المدينة كُلَّ جمعة حين ينتصِف النهار. قلت: ولذلك سمي نعيم المجْمِر.


السادسة عشرة: أنه لا يجوز السفرُ في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبله، فللعلماء ثلاثةُ أقوال، وهي روايات منصوصات عن أحمد، أحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز، والثالث: يجوز للجهاد خاصة.
وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فيحرم عنده السفر يومَ الجمعة بعد الزوال، ولهم في سفر الطاعة وجهان، أحدهما: تحريمه، وهو اختيار النووي، والثاني: جوازه وهو اختيار الرافعي.
وأما السفر قبل الزوال، فللشافعي فيه قولان: القديم: جوازه، والجديد: أنه كالسفر بعد زوال.

وأما مذهب مالك، ": ولا يسافر أحدٌ يوم الجمعة بعد الزوال حتى يُصليَ الجمعة، ولا بأس أن يسافر قبل الزوال، والاختيار: أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يُصليَ الجمعة.
وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقاً،

السابعة عشرة: أن للماشي إلى الجمعة بكل خُطوة أجرَ سنة صيامَها وقيامَها،

- عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من غسَّل واغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبَكَّرَ وابتكَرَ، ودنا مِنَ الإمام، فأَنْصَتَ، كانَ لَه بِكُلِّ خطْوَةٍ يَخْطُوها صِيامُ سَنَةٍ وقيامها، وذلِكَ على اللًّهِ يسير" . ".
وقال الإِمام أحمد: غَسَّلَ بالتشديد: جامع أهله، وكذلك فسَّره وكيع.


الثامنة عشرة: أنه يوم تكفير السيِّئات،

وفي "صحيح البخاري"، عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَغْتَسِل رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ وَيَتَطهَّرُ ما استطَاعَ مِن طُهْر، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهنِهِ أَوْ يَصرَّ مِن طيبِ بَيْتِه، ثُمَّ يَخْرج، فلايفرِّقُ بَينَ اثنينِ، ثُمَّ يُصَلي مَاكتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنصتُ إذَا تَكَلَّمَ الإِمَام، إلا غفِرَ لَهُ مَا بيْنهُ وبَينَ الجُمعةِ الأُخرَى" .ومن رواية ابو الدرداء " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعة، ثمَّ لَبِسَ ثِيابَه، وَمَسَّ طيباً إن كان عنده، ثُمَّ مَشى إلى الجمُعة وعَلَيْه السَّكِينَةُ، ولم يَتَخَطَّ أَحَداً، ولم يُؤذِه، وركَعَ ما قُضِي له، ثُمَّ انتظرَ حتَّى يَنْصَرِفَ الإِمام، غُفِرَ لَه ما بَين الجمُعَتَين".


التاسعة عشرة: أن جهنم تسَجَّر كُلَّ يومٍ إلا يومَ الجمعة. - أنه أفضل الأيام عِند الله، ويقعُ فيه من الطاعات، والعبادات، والدعوات، والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، ما يمنع من تسجير جهنم فيه

العشرون: أن فيه ساعةَ الإِجابة، وهي الساعة التي لا يسأل اللهَ عبدٌ مسلم فيها شيئاً إلا أعطاه

1-، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً لا يوافِقها عبدّ مُسلم وهو قائم يصلِّي يسألُ الله شَيئاً إِلاَّ أعْطَاهُ إِيَّاهُ، وقال: بِيدِه يقَلِّلها"وفى رواية "سيِّدُ الأيَّام يومُ الجُمُعَة، وأَعْظَمُها عِندَ الله، وأعظم غِد الله مِنْ يومِ الفِطْرِ، وَيَوْمِ الأضْحى، وفيهِ خَمسُ خِصَالٍ: خَلَقَ اللهُ فِيهِ آدَمَ، وأَهبَطَ اللهُ فِيهِ آدَمَ إلى الأرْضِ، وفيه تَوَفَّى الله عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ، وفيه ساعةٌ لا يَسْأَلُ اللهَ العبد فيهَا شَيْئاً إِلاَّ أَتاهُ الله إِيَّاهُ ما لم يَسْأَل حَرَاماً، وفيهِ تَقُومُ الساعَةُ، ما مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا أرْضٍ، ولا رِياحٍ، ولا بَحْرٍ، ولا جِبالٍ، ولا شَجَرٍ، إلا وهنَّ يُشْفِقْنَ مِن يَوْمِ الجُمُعَة".


ساعة الجمعة000 وابن القيم

ابن القيم :وقد اختلف الناس في هذه الساعة: هل هي باقية أو قد رُفِعت؟ على قولين،

، والذين قالوا: هي باقية ولم تُرفع، اختلفوا، هل هي في وقت من اليوم بعينه، أم هي غير معينة؟ على قولين. ثم اختلف من قال بعدم تعيينها: هل هي تنتقل في ساعات اليوم، أو لا؟ على قولين أيضاً، والذين قالوا بتعيينها، اختلفوا على أحد عشر قولاً.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: هي مِن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعدَ صلاة العصر إلى غروبِ الشمس.

الثاني: أنها عند الزوالِ، عن الحسن البَصري

.الثالث: أنها إذا أذن المؤذِّن بصلاة الجمعة، عن عائشة رضي الله عنها.

الرابع: أنها إذا جلس الإمامُ على المنبر يخطُب حتى يفرُغ قال ابن المنذر: رويناه عن الحسن البصري.
الخامس: : هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة.
السادس: ، وقال: كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة.
السابع: قاله أبو ذر: إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبراً إلى ذراع.
الثامن: أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس، قاله أبو هريرة، وعطاء، وعبد الله بن سلام، وطاووس

التاسع: أنها آخرُ ساعة بعد العصر، وهو قول أحمد، وجمهور الصحابة، والتابعين.
العاشر: أنها من حين خروج الإِمام إلى فراغ الصلاة، .
الحادي عشر: أنها الساعة الثالثةُ من النهار، .

ابن القيم :وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر.
الأول: أنها من جلوس الإِمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي بُردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعتَ أباك يحدِّث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن ساعة الجمعة شيئاً؟ قال: نعم سمعتُه يقول: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هِيَ مَا بَيْنَ أَن يَجْلِسَ الإِمَامُ إلى أن تُقْضَى الصَّلاَةُ".
ومن رواية ابن ماجة : "إنَّ في الجمُعة سَاعةً لا يسألُ اللهَ العبد فيها شيئاً إلاَّ آتاه اللهُ إيَاه" قالوا: يا رسول الله ! أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قال: "حِينَ تُقام الصَّلاة إلى الانصراف منها".


والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإِمام أحمد، وخلق. وحجة هذا القول ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال: "إنَ في الجمعة ساعةً لا يُوافِقها عَبْدٌ مسلم يَسأَلُ الله فيهَا خَيْراً إِلاَّ أعْطاه إيَّاهُ وهِيَ بَعْدَ العَصرِ". ومن رواية النسائى
قال: "يوم الجمعةِ اثنَا عَشَرَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لاَ يُوجَدُ مُسلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا شَيْئاً إلاَّ أعطَاه، فالتَمِسُوها آخِرَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصر". عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناساً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرَّقوا ولم يختلِفوا أنها آخرُ ساعة من يوم الجمعة.
وفي "سنن ابن ماجه": عن عبد الله بن سلام، قال: قلت ورسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالِس: إنَّا لَنَجِدُ في كِتَابِ الله (يعني التوراة) في يَومِ الجمُعَة سَاعَة لا يُوافِقُها عَبدٌ مُؤمِنٌ يُصلي يسألُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً إِلاِّ قَضَى الله لَهُ حَاجَتَهُ قَالَ عَبدُ اللهِ: فأشارَ إلي رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بَعْضَ سَاعَةٍ. قلت: صدقتَ يا رسُولَ الله، أو بَعضَ سَاعة. قلت: أَيُّ ساعةٍ هي؟ قال: "هي آخرُ ساعةٍ من سَاعات النَّهار". قلت: إنها ليست ساعةَ صلاة، قال: بلى إن العبدَ المؤمنَ إذا صلَّى، ثم جَلَسَ لا يجلِسُه إلاً الصلاَة، فهو في صَلاةٍ". وفى رواية

وفي "سنن أبي داود"، ، عن أبي هريرة قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمس يَوْمُ الجُمُعَة، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أهْبِطَ، وفيه تِيبَ عليه، وفيه مات، وفيه تقومُ الساعة، وما مِن دابَّةِ إلا وهي مُصيخَةٌ يَومَ الجُمُعَة، من حين تُصبِحُ حتيَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقاً من السَّاعَة، إلا الجنَّ والإنسَ، وفيه ساعةٌ لا يُصادفها عَبْد مُسْلِمٌ وهو يُصَلِّي يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حاجةً إلا أعطاهُ إيَّاها"

قال كعب: ذلك في كلِّ سنةٍ يوم؟ فقلتُ: بل في كل جمُعَةٍ قال: فقرأ كعبٌ التوراة، فقال: صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو هريرة: ثمَّ لَقِيْت عبدَ الله بنَ سلام، فحدثته بمجلِسي مَعَ كَعْب، فَقالَ عَبْدُ الله بنُ سلام: وقد علمتُ أيَّة سَاعَةٍ هِيَ. قال أبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَخْبِرني بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَم: هي آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، فقلت: كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِم وَهُوَ يُصَلِّي" وتِلْكَ السَّاعَةُ لا يُصَلَّى فِيهَا؟ فقال عبدُ الله بن سلام: ألَم يَقُل رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من جَلَسَ مَجْلِساً يَنْتَظِرُ الصلاَةَ، فَهُوَ في صَلاَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ"؟ قال: فقلت: بلى. فقال: هُوَ ذَاكَ وفي "الصحيحين" بعضه.
$-وأما من قال إنَّها من حين يفتتح الإِمامُ الخطبة إلى فراغه من الصلاة، فاحتج بما رواه مسلم في "صحيحه : "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجلِس الإِمامُ إلى أن يقضِيَ الإِمام الصلاة".



الفصل فى المسالة

ابن القيم :، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الساعة التي تُذكر يومَ الجمعة: ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. وكان سعيد بن جُبير، إذا صلى العصر، لم يُكلّم أحدا حتى تغرب الشمس، وهذا هو قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث. ويليه القول: بأنها ساعة الصلاة، وبقية الأقوال لا دليل عليها. فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر،


وكذلك قولُه في ساعة الجمعة "هي ما بَيْنَ أن يجلس الإمامُ إلى أن تنقضي الصلاة" لا يُنافي قوله في الحديث الآخر "فالتَمسُوها آخرَ سَاعَة بَعْدَ العَصْرِ".
ومثله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ما تعُدُّونَ المُفْلسَ فيكم"؟ قالوا: من لا درْهَمَ له ولا مَتَاع. قال: "المُفْلسُ من يَأتي يَومَ القيامَة بحًسَنات أمْثَال الجبال، ويأَتي وقد لَطمَ هذا، وضَرَبَ هذَا، وسَفَكَ دَمَ هذَا،َ فَيَأخُذ هذا من حَسًناتَه، وَهَذَا منْ حَسَنَاته" الحديث


وهذه الساعة هي آخِر ساعة بعد العصر، يعظِّمها جميع أهل الملل. وعند أهل الكتاب هي ساعة الإِجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه، وقد اعترف به مؤمنُهم.


الحادية والعشرون: أن فيه صلاةَ الجمعة التي خُصَّت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع، والعدد المخصوص، واشتراط الإِقامة، والاستيطان، والجهر بالقراءة. وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأتِ نظيرُه إلا في صلاة العصر، ففي السنن الأربعة، من حديث أبي الجَعْدِ الضَّمْرِي - وكانت له صحبة - إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَع تَهاوُناً، طَبعَ اللهُ عَلى قَلْبِهِ ".

وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ، إلا قولاً يحكى عن الشافعي ، أنها فرض كفاية ، وهذا غلط عليه


الثانية والعشرون : أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده ،
الثالثة والعشرون : أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة ، ، فيوم الجمعة يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان .
ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم ، سلمت له سائر جمعته ، ومن صح له رمضان وسلم ، سلمت له سائر سنته ، ومن صحت له حجته وسلمت له ، صح له سائر عمره ، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام ، والحج ميزان العمر ،

الرابعة والعشرون : فضل التعجيل الى المسجد ، في "الصحيحين" عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: "مَن رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى، فَكَأنما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَنْ رَاحَ في السَّاعة الثَّالِثَةِ، فَكأنَّما قَرَّبَ كَبْشَاً أَقرَنَ ".
وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين:
أحدهما : أنها من أول النهار، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
والثاني : أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال، وهذا هو المعروف في مذهب مالك، واختاره بعضُ الشافعية، واحتجوا عليه بحجتين:
الحجة الثانية: أن السلف كانوا أحرصَ شيء على الخير، ولم يكونوا يَغْدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس، وأنكر مالك التبكيرَ إليها في أول النهار، وقال: لم نُدرك عليه أهل المدينة. في "سنن أبي داود" من حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، غَدَتِ الشَّياطِينُ بِرَايَاتِهَا إلى الأَسْوَاق، فَيَرْمُونَ النَّاسَ بالترابيثِ أَو الرَّبَائِثِ وَيُثَبِّطُونَهُم عَنِ الجُمُعَةِ، وَتَغْدُو المَلاَئِكَةُ، تَجْلِسُ عَلَى أبْوَاب المَسَاجِدِ، فَيَكتُبونَ الرَّجُلَ مِن سَاعَةٍ، والرَّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْن حتَّى يَخْرُجَ الإِمَام".
: أختلف أهلُ العلم في تلك الساعات، فقالت طائفة منهم: أراد الساعاتِ مِن طلوع الشمس وصفائِها، والأفضلُ عندهم التبكيرُ في ذلك الوقت إلى الجمعة، وهو قول ، وأبي حنيفة والشافعي، وأكثر العلماء، بل كلهم يستحب البكور إليها.
قال الشافعي رحمه الله: ولو بكر إليها بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس، كان حسناً.

-: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يومَ الجمعة باكراً، فقال: هذا خلاف حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: سبحان الله إلى أي شيء ذهب في هذا، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "كالمُهْدِي جَزُوراً ". قال:

السابعة والعشرون: أنه قد فُسِّرَ الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة، ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اليَوْمُ المَوْعُودُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، والْيَوْمُ المَشْهود: هو يَومُ عَرَفَة، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ، وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِن يَومِ الجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنِّ يَدْعُو اللهَ فيهَا بخَير إلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ، أَوْ يَسْتَعِيذُهُ منْ شَرٍّ إِلاَّ أعَاذَ مِنْهُ".


وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "نَحنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِنَا، وأُوتِينَاهُ مِن بَعدِهمْ، فَهَذا يَوْمُهُمُ الَذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيه، فَهَدانَا اللهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فيه تَبَعٌ، اليَهُودُ غَداً، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ".

الثلاثون: أنه خِيرة الله من أيام الأسبوع، كما أن شهر رمضان خيرتُه من شهور العام، وليلة القدر خيرتُه من الليالي، ومكةُ خيرتُه مِن الأرض، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيرتُه مِن خلقه.


الثانية والثلاثون: أنه يكره إفرادُ يوم الجمعة بالصوم، هذا منصوصُ أحمد

وفي "صحيح مسلم"، عن محمد بن عباد، قال: سألتُ جابر بن عبد الله، وهو يطوفُ بالبيت: أنهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم وربِّ هذه البَنِيَّةِ.
وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يَصُومَنَّ أحدُكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ إلا أنْ يَصُومَ يَوْمَاً قبلَهُ، أَو يَوَمَاًَ بَعْدَه". واللفظ للبخاري.
وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "لا تَخصوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيامِ من بين الليالي، ولا تَخُصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيَام منْ بَيْن سَائِرِ الأَيَّامِ، إلا أَنْ يَكُونَ في صَوْمِ يَصُومُهُ أَحَدُكُم ".
وفي "صحيح البخاري"، عن جُويرية بنت الحارث، " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها يومَ الجمعة وهي صائمة، فقال: أصُمت أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَتُرِيدِينَ أن تَصُومي غداً؟ قالت: لا. قَالَ: فأَفطِري ".
وفي "مسند أحمد" عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تَصُومُوا يَومَ الجُمُعَةِ وَحْدَهُ".

الثالثة الثلاثون: إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يوماً


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبه


1-كان إذا خطب، احمرَّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه حتى كأنه منذرُ جيش، يقول: "صَبَّحَكُمْ ومساكم" ويقول: "بُعِثتُ أَنَا والسَّاعَة كَهَاتَينِ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ أصبُعَيهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى". ويقول: "أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ الله، وَخَيْرَ الهدْي هَدْي مُحَمَّدِ، وَشَرَّ الأُمورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلاَلَة ". ثم يقول: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَن ترَكَ مَالاً، فَلأَهلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنَاً أَو ضَيَاعاً، فإليَّ وعليَّ" رواه مسلم.
2-وفي لفظ: كانت خُطبة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الجمعَةِ، يَحْمَدُ الله ويُثْنِي عَلَيهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أثَرِ ذلِكَ وَقَدْ عَلاَ صَوْتُه فَذَكَرُه. في لفظ: يَحْمَدُ الله وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُه، ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِ اللهُ، فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فلاَ هَادِيَ لَهُ، وَخَيْر الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ".وفي لفظ للنسائي، "وكُلُ بِدْعةٍ ضلاَلَةٌ، وَكُلّ ضلاَلَةٍ في النَّارِ".وكان يقول في خطبته بعد التحميدِ والثناءِ والتشهد "أَمَّا بَعْدُ".
3-وكان يُقصِّرُ الخُطبة، ويطيل الصلاة، ويكثر الذِّكر، ويَقْصدُ الكلماتِ الجوامع، وكان يقول: "إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِه، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهٌ"
4-وكان يُعَلِّمُ أصحابَه في خُطبته قواعِدَ الإِسلام، وشرائعَه، ويأمرهم، وينهاهم في خطبته إذا عَرَض له أمر، أو نهى، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يُصلي ركعتين.
5-ونهى المتخطِّي رِقابَ الناس عن ذلك، وأمره بالجلوس. وكان يقطعُ خطبته للحاجة تعْرِضُ، أو السؤالِ مِنْ أَحَدٍ من أصحابه، فيُجيبه، ثم يعود إلى خُطبته، فيتمُّها.
6-وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة، ثم يعودُ فَيُتِمُّها، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فأخذهما، ثم رَقِيَ بهما المنبر، فأتم خطبته.

7-وكان يدعو الرجل في خطبته: تعالَ يا فلان، اجلِسْ يا فلان، صلِّ يا فُلان.
8-وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأىَ منهم ذا فاقة وحاجة، أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها.
9-وكان يُشير بأصبعه السَّبَّابَة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه.
10-وكان يستسقي بهم إذا قَحَطَ المطر في خطبته.

11-وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمعَ الناسُ، فإذا اجتمعوا، خرج إليهم وحدَه من غير شاويش يصيح بين يديه، ولا لبس طيلسان، ولا طرحة، ولا سواد، فإذا دخل المسجد، سلَّم عليهم، فإذا صَعِد المنبر، استقبل الناسَ بوجهه، وسلَّم عليهم، ولم يدع مستقبلَ القبلة، ثم يجلِس، ويأخذ بلالٌ في الأذان، فإذا فرغ. منه، قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخطب من غير فَصلٍ بين الأذان والخطبة، لا بإيراد خبر ولا غيره.
12-ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيرَه، وإنما كان يعتَمِد على قوس أو عصاً قبل أن يتَّخذ المنبر، وكان في الحرب يَعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمِد على عصا.


13-وكان منبره ثلاثَ درجات، وكان قبلِ اتخاذه يخطُب إلى جِذع يستند إليه، فلما تحوَّل إلى المنبر، حنَّ الجِذْعُ حنيناً سمعه أهل المسجد، فنزل إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضمَّه قال أنس: حنَّ لما فقد ما كان يسمع من الوحي، وفقده التصاق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


14-ولم يُوضع المنبر في وسط المسجد، وإنما وضع في جانبه الغربي قريباً من الحائط، وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة.
15-وكان إذا جلس عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غير الجمعة، أو خطب قائماً في الجمعة، استدار أصحابُه إليه بوجوههم، وكان وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبلَهم في وقت الخطبة.
16-وكان يقوم فيخطب، ثم يجلِس جلسة خفيفة، ثم يقوم، فيخطب الثانية، فإذا فرغ منها، أخذ بلال في الإِقامة. 17-وكان يأمر الناس بالدنِّو منه، ويأمرهم بالإِنصات، وتخبرهم أن الرجل إذا قَالَ لِصاحبه: أَنْصِت فَقَدْ لَغَا. ويقول: "مَنْ لَغَا فَلاَ جمُعَة لَهُ". وكان يقول: "مَن تَكَلَّمَ يَوْمَ الجمُعَة والإِمامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسفَاراً، والَذِي يَقُولَ لَه: أنْصت لَيْسَت لَهُ جُمُعَة ". رواه الإِمام أحمد.
18- وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَحْضُر الجُمُعَة ثَلاثَةُ نَفَر: رَجُلٌ حَضرَها يَلغُو وَهُوَ حَظُه منها، ورَجُلٌ حَضَرَها يَدْعو، فَهُوَ رَجُلُ دَعا الله عَزَّ وَجَلَّ إن شَاءَ أَعْطَاهُ، وإنْ شَاءَ مَنَعَهْ، وَرَجلٌ حَضَرهَا بإنْصاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أحداً، فَهي كَفَّارَةٌ له إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ التي تَليها، وَزيادَة ثَلاثَةَ أيْامٍ، وَذَلِكَ أن الله عزَّ وجَلَ يقول: {مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثَالِها} [الأنعام: 160]"، ذكره أحمد وأبو داود.
19-وكان إذا فرغ بلال من الأذان، أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخطبة، ولم يقم أحدٌ يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذانُ إلا واحداً، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد، لا سُنَّة لها قبلها، وهذا أصحُّ قولي العلماء، وعليه تدلُّ السُّنَّة،

-فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج مِن بيته، فإذا رَقِي المنبر، أخذ بلالٌ في أذان الجمعة، فإذا أكمله، أخذ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخطبة من غير فصل، وهذا كان رأَيَ عين، فمتى كانوا يُصلون السُّنَّة؟!


- في "الصحيحين" عن جابر، قال: دخل رجال يومَ الجمعة ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فقال "أَصلَّيْتَ" قال: لا.قال: فَصّل رَكْعَتَيْن. وقال: "إذا جاء أَحَدُكُم الجُمُعَةَ والإِمَامُ يَخْطُبُ، فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيتَجَوَّزْ فيهما ".

قلت: وهذا من باب استحباب فعل تحية المسجد والإِمام على المنبر،

- قال أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى المسجدَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أنصتَ حتى يَفرُغَ الإمامُ من خُطبته، ثم يُصلي معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيَّامٍ".

- وفى رواية: "إن المسلمَ إذا اغتسل يومَ الجمعة، ثم أقبلَ إلى المسجد لا يُؤذي أحداً، فإن لم يجد الإِمام خَرج، صلَّى ما بدا له، وإن وجد الإمامَ خرج، جلس، فاستمع وأنصت حتى يقضيَ الإمامُ جمعته وكلامَه، إن لمَ يُغفر له في جُمعته تلك ذنوبه كلُّها أَنْ تكون كَفَّارَةً للجمعة التي تليها"


20-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الجمعة، دخل إلى منزله، فصلى ركعتين سُنَّتَها، وأمر مَنْ صلاها أن يُصليَ بعدها أربعاً.

قال ابن تيمية: إن صلى في المسجد، صلى أربعاً، وإن صلى في بيته، صلى ركعتين ، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلَّى في المسجد، صلى أربعاً، وإذا صلى في بيته، صلى ركعتين.
وفي "الصحيحين": عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته.

وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الجُمُعَة، فَلْيصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ".

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في العيدين


1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي العيدين في المُصَلَّى، وهو المصلَّى الذي على باب المدينة الشرقي، وهو المصلَّى الذي يُوضع فيه مَحْمِلُ الحاج، ولم يُصلِّ العيدَ بمسجده إلا مرةً واحدة أصابهم مطر، فصلَّى بهم العيدَ في المسجد كان فِعلهما في المصلَّى دائماً.
2-وكان يلبَس للخروج إليهما أجملَ ثيابه، فكان له حُلَّة يلبَسُها للعيدين والجمعة، .

3- وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن غير معارضٍ النهيُ عن لُبس المعصفر والأحمر، وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يَحرِقَهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبَسُه، والذي يقُوم عليه الدليل تحريمُ لِباس الأحمر، أو كراهيتُه كراهية شديدة.
4-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكُل قبلَ خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وتراً،

5-وأما في عيد الأضحى، فكان لا يَطعَمُ حتى يَرجِعَ مِن المصلَّى، فيأكل من أضحيته.
6-وكان يغتسل للعيدين، صح الحديث فيه، ولكن ثبت عن ابن عمر مع شِدة اتِّباعه للسُنَّة، أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه.
7-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج ماشياً، والعَنَزَةُ تحمل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلَّى، نُصِبت بين يديه ليصليَ إليها، فإن المصلَّى كان إذ ذاك فضاءً لم يكن فيه بناءٌ ولا حائط، وكانت الحربةُ سُترتَه.
8-وكان يُؤَخِّر صلاة عيد الفطر، ويُعجِّل الأضحى، وكان ابنُ عمر مع شدة اتباعه للسنة، لا يخرُج حتى تطلُع الشمسُ، ويكبِّر مِن بيته إلى المصلى.

9-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلَّى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة: أنه لا يُفعل شيء من ذلك.ولم يكن هو ولا أصحابُه يُصلون إذا انتهوا إلى المصلَّى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.
صفة صلاة العيدين

10-وكان يبدأ بالصلاة قبلَ الخُطبة، فيُصلِّي ركعتين، يكبِّر في الأولى سبعَ تكبيراتِ مُتوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكُت بين كُل تكبيرتين سكتةً يسيرة، ولم يُحفَظ عَنه ذكرٌ معين بين التكبيرات . وكان ابنُ عمر مع تحريه للاتباع، يرفع يديه مع كُلِّ تكبيرة.

القراءة فيهما
11-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتم التكبير، أخذ في القراءة، فقرأ فاتِحة الكتاب، ثم قرأ بعدها (ق والقرآن المجيد) في إحدى الركعتين، وفي الأخرى، (اقتربَت الساعَةُ وانشقَّ القَمَرُ).
وربما قرأ فيهما (سبحِّ اسمَ ربِّك الأعلى)، و(هل أتاك حديثُ الغَاشية) صح عنه هذا وهذا، ولم يَصِح عنه غيرُ ذلك.


12-فإذا فرغ من القراءة، كبَّر وركع، ثم إذا أكمل الركعة، وقام من السجود، كبَّر خمساً متوالية، فإذا أكمل التكبيرَ، أخذ في القراءةِ، فيكون التكبيرُ أَوَّل ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع


13-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكمل الصلاةَ، انصرف، فقام مُقابِل الناس، والناسُ جلوس على صفوفهم، فيعِظهم ويُوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يُريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هُنالك مِنبر يرقى عليه، ولم يكن يخْرِجُ منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض

، قال جابر: شهِدتُ مع رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة يومَ العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فامر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناَّس، وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهُن، متفق عليه.


14- ورخص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شهد العيد: أن يجلس للخطبة، وأن يذهب، ورخَّص لهم إذا وقع العيدُ يومَ الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة

15- وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخالف الطريقَ يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجعُ في آخر

16-وروي عنه، أنه كان يُكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبَر، وَللَّهِ الحَمْدُ.

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الكسوف


1-لما كَسَفَتِ الشَّمسُ، خرجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد مُسرِعاً فزِعاً يجُرُّ رداءه، وكان كسُوفُها في أوَّل النهار على مقدار رُمحين أو ثلاثة مِن طلوعها،

صفتها

2- فتقدَم، فصلى ركعتين، قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة طويلة، جهر بالقراءة، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فأطال القيام وهو دون القيام الأول، وقال لما رفع رأسه: "سَمعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الحَمْد" 3-، ثم أخذ في القراءة، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأولِ، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مِثلَ ما فعل في الأولى، فكان في كُلِّ ركعة رُكوعان وسجودان، فاستكمل في الركعتين أربعَ ركعات وأربعَ سجدات،

4- ورأى في صلاته تلك الجنة والنار،2- وهمَّ أن يأخذ عُنقوداً من الجنة، فيُريَهم إياه،3- ورأى أهل العذاب في النار، فرأى امرأة تخدِشُها هِرَّةٌ ربطتها حتى ماتت جُوعاً وعطشاً، 4-ورأى عمرو بن مالك يجر أمعاءَه في النار، وكان أولَ من غيَّر دين إبراهيم،5- ورأى فيها سارِقَ الحاج يُعذَب،

5- ثم انصرف، فخطب بهم خطبة بليغة، حُفِظَ منها قوله: "إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَر آَيَتَانِ مِن آياتِ الله لا يَخْسِفَانِ بمَوْتِ أَحَدٍ، وَلا لِحَياتِهِ، فإذا رَأيْتُم ذَلِكَ، فادعوا الله وكَبروا، وصَلُوا، وتَصدَقوا يا أُمَّةَ مُحَمَّد، والله مَا أَحَدٌ أَغيَرَ مِنَ الله أَنْ يزنيَ عَبدُهُ، أَوْ تَزْنيَ أَمَته، يا أمَّة محَمَّد، والله لَو تَعلَمون ما أَعلَم لَضحِكتم قَليلاً، وَلَبَكَيْتمْ كَثِيراً ".
وقال: " لَقَدْ رَأيتُ في مَقَامِي هذا كُلَّ شَيءٍ وُعِدتُم به، حَتَّى لَقَدْ رأيتُني أريد أن آخذَ قِطفاً مِن الجنة حِينَ رأيتُمُوني أَتَقدَمُ، وَلَقَد رأيتُ جَهَنَّم يَحطِم بَعْضُها بَعْضَاً حِينَ رأيْتمُوني تَأَخَّرتُ".وفي لفظ: وَرَأيت الناَّرَ فلم أرَ كاليوم مَنْظراَ قَطّ أَفْظَعَ منها، ورَأيْت أكثَر أهلِ ألنار النِّسَاءَ. قالُوا: وَبِمَ يا رسول الله؟ قال: بِكُفرِهنَّ. قيل: أيكفُرنَ بالله؟ قال: يَكْفرنَ العَشيرَ، وَيَكفرنَ الإِحسَان، لو أَحسَنتَ إلى إحْداهنَّ الدَّهْرَ كُلَّه، ثُمَّ رأت مِنكَ شَيئاً، قالت: مَا رَأيْتُ مِنكَ خَيراً قطُّ.
ومنها: "ولَقَدْ أُوحِي إليَّ أنَكُم تُفتَنون في القُبورِ مِثلَ، أو قَريباً مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَال، يُؤْتى أَحَدُكُم فَيُقال له: ما عِلْمُك بِهَذا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤمِن أو قال: المُوقِن، فيقول: مُحَمَّد رَسُول الله، جاءنَا بالبيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبنا، وآمنَاَّ، واتَّبَعنَا، فيُقال لَهُ: نم صَالِحاً فَقَدْ عَلِمنَا إن كنتَ لمؤمنا، وأمَّا المُنافِق أَوْ قَالَ: المُرْتابُ، فيَقُول: لا أدْرِي، سمِعْت النَّاسَ يَقولُون شَيئاً، فقلتُه".


6-وفي طريق أخرى لأحمد بن حنبل رحمه الله، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سَلَّمَ، حَمِدَ الله وأثنى عليه، وشَهد أن لا إلَه إلاَّ الله، وأنَّه عبدُه ورسولُه، ثم قال: "أَيُّهَا الناَّسُ، أُنُشِدُكُم باللهِ هَلْ تَعْلَمونَ أنِّي قَصرْتُ في شيء مِنْ تَبْلِيغ رِسَالاتِ ربِّي لمَا أخْبَرتُموني بِذَلِك؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَشْهَدُ أَّنكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالاَتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لأُمَّتِكَ، وقَضيْتَ الَّذي عَلَيْكَ". ثُمَّ قَال: "أمَّا بَعدُ فإنَّ رِجَالاً يَزعَمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هذِهِ الشَّمْس، وكُسُوفَ هَذا القَمَر، وَزَوَالَ هذه النُّجُومِ عَن مَطالِعها لِموتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْل الأرْضِ، وإنَّهُم قَدْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيات مِن آياتِ الله تَبارَكَ وَتَعَالى يَعْتَبِرُ بِهَا عِبادُهُ، فَيَنظُرُ منْ يُحْدِثُ مِنهُم تَوْبَةً، وايْمُ اللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ منُذ قُمْتُ أُصَلِّي ما أَنْتُم لاقُوه مِنْ أمْرِ دُنيَاكُمْ وآخِرَتِكُم، وإنَّهُ - واللهُ أَعْلَمُ - لا تَقوم السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثَون كَذَّاباً آخرُهُم الأعْوَرُ الدَّجَّالُ، مَمْسُوح العَيْنِ اليسْرى، كَأَنَّها عَيْنُ أَبي تحيى لِشيْخٍ حِينَئذٍ مَن الأَنْصَارِ، بَينَه وبَيْنَ حُجرَة عائشة، وإنَّه مَتَى يَخْرُجْ، فسَوْفَ يَزْعُمُ أنَّه اللهُ، فَمَن آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ واتّبَعَه، لَم يَنفَعْه صَالح مِن عَمَلِه سَلَفَ، وَمن كَفَر به وكَذَّبه، لَم يُعاقَب بشيءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفاً، وإنَّه سَيَظهَرُ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلاَّ الحَرَمَ وَبَيْتَ المَقدِس، وإنه يَحْصُر المُؤمنين في بَيْت المَقْدِس، فَيُزَلْزَلونَ زِلزَالاً شَدِيدَاً، ثُمَّ يُهلِكُه الله عزَّ وجَلَّ وَجنودَه، حتى إنَّ جِذْمَ الحَائِطِ أَوْ قَال: أَصْلَ الحَائِطِ، وأصْلَ الشَّجَرَةِ ليُنَادي: يا مُسْلمُ، يا مُؤْمِن، هذَا يَهُودِيٌ، أَوْ قَالَ: هَذَا كَافِرٌ، فَتَعَالَ فاقْتُلْهُ قَالَ

: وَلَنْ يَكُونَ ذلِكَ حَتَى تَرَوْا أُمُوراً يَتَفَاقَمُ بَيْنكم شَأْنُهَا في أَنْفُسِكم، وتساءلونَ بَيْنكم: هَلْ كَانَ نَبيّكُمْ ذَكَر لَكُمْ مِنْهَا ذِكْراَ: وحتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَراتِبها، ثمَّ على أثَر ذَلِكَ القَبْضُ".
فهذا الذي صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صفة صلاة الكسوف وخطبتها. وقد رُوي عنه أنه صلاَّها على صفات أخر.
منها: كُلّ ركعة بثلاث ركوعات.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاستسقاء


1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه استسقى على وجوه.
أحدها: يومَ الجمعة على المنبر في أثناء خطبته، وقال : "اللهم أَغِثنا، اللهُم أَغِثنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهم اسقِنا، اللهُم اسقِنَا، اللهُمَّ اسقِنَا".
الوجه الثاني: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعد الناسَ يوماً يخرجُون فيه إلى المصلى، فخرج لما طلعت الشمسُ متواضعاً، متبذِّلاً، متخشِّعاً، مترسِّلاً، متضِّرعاً، فلما وافى المصلَّى، صَعِدَ المنبر - إن صحِ، وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبَّره،

2- وكان مما حُفِظ من خطبته ودعائه: " الحَمْدُ لِله رَبِّ العالَمين، الرَّحْمن الرَّحيم، مالِكِ يَوْمِ الذَين، لا إله إلا اللهُ، يَفْعَلُ ما يُريد، اللهُم أَنتَ الله لا إله إلا أنت، تَفْعَل ما تُريدُ، اللهُم لا إلا إله إلا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنيُ وَنَحْن الفُقَراءُ، أَنْزِل عَلَينَا الغَيْثَ، واجعَل ما أَنْزَلْتَه علينا قُوَّةً لَنَا، وَبلاغَاً إلى حين" ث م رفع يديه، وأخذ في التضرُّع، والابتهال، والدعاء، وبالغ في الرفع حتى بدا بياضُ إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهَره، واستقبل القبلة، وحول إذ ذاك رداءَه وهو مستقبل القبلة، فجعل الأيمنَ على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وظهرَ الرداء لبطنه، وبطنه لظهره، وكان الرداء خميصةً سوداء، وأخذ في الدعاء مستقبلَ القِبلة، والناسُ كذلك، ثم نزل فصلَّى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداءٍ البتة، جهر فيهما بالقراءة، وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب:.{سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1]، وفي الثانية: {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1].
الوجه الثالث:أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى على منبر المدينة استسقاء مجرداً في غير يوم جمعة، ولم يُحفظ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الاستسقاء صلاة.
الوجه الرابع: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى وهو جالس في المسجد، فرفعٍ يديه،ودعا اللهَ عز وجل، فحُفِظَ مِن دعائه حينئذ: "اللهُم اسْقِنا غَيْثاً مُغيثا مَرِيعاً طَبَقاً عَاجِلاً غَيْرَ رائِثٍ، نافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ"
الوجه الخامس: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى عند أحجار الزيت قريباَ من الزَّوراء، وهي خارج باب المسجد الذي يُدعى اليوم باب السلام نحو قذفةِ حجر، ينعطفُ عن يمين الخارج من المسجد.
الوجه السادس: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمينَ العطشُ، فشَكَوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال بعضُ المنافقين: لو كان نبياً، لاستسقى لقومه، كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: "أَوَقَدْ قَالُوها؟ عَسَىَ رَبّكم أَنْ يَسْقِيَكم، ثُمَ بَسَطَ يَدَيه، ودعا، فما ردَّ يديه من دعائه، حتى أظلَّهُمُ السَّحابُ، وأُمطِروا، فأفعمَ السيلُ الوادي، فشرب الناس، فارتَوَوْا".
دعائه في الاستسقاء

3-وحُفظ من دعائه في الاستسقاء: " اللهُم اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وانْشُرِ رَحْمَتَك، وأَحْي بَلَدَكَ المَيِّتَ"، "اللَهُم اسْقِنا غَيثاً مُغِيثاً مَريئاً، مريعاً، نافِعاً غير ضارٍّ، عاجِلاً غَيْرَ اَجِل ". وأُغيث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل مرة استسقى فيها.
واستسقى مرة، فقام إليه أبو لُبابة فقال: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن التمر في المَرابد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم اسقِنَا حَتَّى يَقومَ أبو لُبَابة عُرياناً، فَيَسدَّ ثَعلَبَ مِرْبَدِه بإزاره"، فأمطرت، فاجتمعوا إلى أبي لُبابة، فقالوا: إنها لن تُقلعَ حتى تقوم عُرياناً، فتسُدَّ ثعلبَ مربدك بإزارك كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعل، فاستهلت السماء.
ولما كثر المطر، سألوه الاستصحاء، فاستصحى لهم وقال: "اللهم حَوَالَيْنَا ولا عَلَينَا، اللهُم على الآكام والجِبال، وَالظِّراب، وبُطونِ الأودية وَمَنَابِت الشَّجَر".
4-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأى مطر قال: "الَّلهم صيِّبَاً نَافِعاً"
5-وكان يحسر ثوبَه حتى يصيبه من المطر، فسئل عن ذلك،فقال: "لأنه حَديثُ عَهْدٍ بِرَبِّه".
الغيمَ والريح،

6-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى الغيمَ والريح، عُرِفَ ذلك في وجهه، فأقبل وأدبر، فإذا أمطرت، سُرِّيَ عنه، وذهب عنه ذلك، وكان يخشى أن يكون فيه العذاب.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفره وعبادته فيه


1-كانت أسفاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دائرةَ بين أربعة أسفار: سفرِه لهجرته، وسفره للجهاد وهو أكثرها، وسفرِه للعمرة، وسفرِه للحج.
2-وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيَّتُهُن خرج سهمُها، سافر بها معه، ولما حجّ، سافر بهن جميعاً.
3-وكان إذا سافر، خرج مِن أول النهار، وكان يستحِبُّ الخروجَ يوم الخميس، ودعا الله تبارك وتعالى أن يُبارك لأُمَّتِهِ في بُكورها.وكان إذا بعث سرية أو جيشاً، بعثهم من أول النهار، وأمرَ المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمِّروا أحدهم.

4- ونهى أن يُسافر الرجل وحدَه، وأخبر أن الراكِبَ شَيْطَانٌ، والرَّاكِبانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاثَةُ رَكْب.

5-وذُكِرَ عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر "اللَهُم إلَيْك تَوَجَهْتُ، وبِكَ اعْتَصَمْت، اللهُم اكْفِني مَا أَهمَّني وَمَا لاَ أَهْتَم بهِ، اللهُمَّ زَوِّدْني التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَوَجِّهْنِي لِلخَيْرِ أَيَنَمَا تَوَجَّهْتُ".


6-وكان إذا قُدِّمتَ إليه دابتُه ليركبها، يقول: "بسم الله حين يضع رجله في الرِّكاب، وإذا استوى على ظهرها، قال: الحمدُ لله الَذي سَخَّرَ لَنَا هَذا وَمَا كُنَّا لَهُ بمقْرِنينَ وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لمنْقَلِبونَ، ثُمَّ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ، الحَمد لِلَّهِ، الحَمْدُ لِلَّهِ، ثم يقول:. الله أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبر، ثم يقولٌ: سُبْحَانَكَ إِنَيّ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغفِرِ لِي إِنَّه لاَ يَغْفر الذُنُوبَ إِلاَّ أَنتَ " وكان يقول: " اللهم إنَّا نَسْألُكَ في سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُم هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُغدَهُ، اللهم أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأَهْلِ، اللَهُمَّ إنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المنقَلَبِ، وَسوءِ المَنْظَرِ في الأَهلِ وَالمَالِ" وإذا رجع، قالهن، وزاد فيهن: "آيبون تَائِبُونَ عَابِدُون لِرَبِّنَا حَامِدُون".


7-وكان هو وأصحابُه إذا عَلوا الثنايا، كبَّروا، وإذا هبطوا الأودية،سبَحوا.

8- وكان إذا أشرف على قرية يُريد دخولَها يقولُ "اللهُمًّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وما أظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرضين السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وما أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَما ذَرَيْنَ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِه القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِهَا، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا"
-وذكر عنه أنه كان يقول: "اللهُمَّ إِنِّي أسأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هذِهِ القَرْيَة وَخَيْرِ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشرِّ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، اللهُمّ ارزُقْنَا جَنَاهَا، وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا، وَحَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا، وَحَبِّب صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا".
القصر فى السفر

9-وكان يَقصُر الرُّبَاعية، فيصليها ركعتين مِن حين يخرُج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبُت عنه أنه أتمَّ الرُّباعية في سفره البتة،

وروت ام المؤمنين عائشة رضى الله عنه : قالت: إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، زِيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر

وقال أنس: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى مكة، فكان يُصلي ركعتين ركعتين حتى رجَعْنَا إلى المدينة. متفق عليه.
-ولما بلغ عبد الله بن مسعود أن عثمانَ بن عفان صلَّى بمِنى أربعَ ركعات قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجِعون، صليتُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمِنى ركعتين وصليتُ مع أبي بكر بمِنى ركعتين، وصليتُ مع عمر بن الخطاب بِمنى ركعتين، فليت حظي مِن أربع رَكعاتٍ ركْعَتَانِ متقبَّلتَانِ. متفق عليه.

-وفي "صحيح البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنه قال: صحبتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان في السفر لا يَزيد على ركعتين، وأبا بكر وعُمَر وعُثمان يعني في صدر خلافة عثمان،


10-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفره الاقتصارُ على الفرض، ولم يُحفظ عنه أنه صلى سُنة الصلاة قبلَها ولا بعدَها، إلا ما كان من الوِتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن ليدعهما حَضراً، ولا سفراً.

-. وفي "الصحيحين"، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي في السفر على راحلته حيثُ توجهت، يُومئ إيماءً صلاةَ الليل، إلا الفرائضَ ويُوتر على راحلته.
قال الشافعي رحمه الله: وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يتنفل ليلاً، وهو يقصُر

، وفي "الصحيحين": عن عامر بن ربيعة، أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي السُّبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته فهذا قيام الليل.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله، عن التطوع في السفر؟ فقال: أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأسٌ

وأما ابنُ عمر، فكان لا يتطوَّع قبلَ الفريضة ولا بعدَهَا، إلا مِن جوف الليل مع الوتر، وهذا هو الظاهر من هدي النبي بطلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان لا يُصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئاً، ولكن لم يكن يمنعُ من التطوع قبلها ولا بعدها، فهو كالتطوع المطلق، لا أنه سنة راتِبة للصلاة، كسنة صلاة الإِقامة

هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةُ التطوع على راحلته

وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةُ التطوع على راحلته حيث توجَّهت به،وكان يُومئ إيماءً برأسه في ركوعه، وسجوده، وسجودُه أخفضُ مِن ركوعه، ، وسائر من وصف صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، أطلقوا أنه كان يُصلي عليها قِبَلَ أيِّ جهة توجَّهت به، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإِحرام ولا غيرَها، كعامر بن ربيعة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأحاديثُهم أصحُ مِن حديث أنس هذا، والله أعلم.وصلى على الراحلة، وعلى الحمار إن صح عنه، وقد رواه مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عمر.
وصلى الفرضَ بهم على الرواحل لأجل المطر والطين


يتبع ان شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17-06-2017, 02:04 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قراءة القرآن،

واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته، واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك
1-كان له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِزب يقرؤه، ولا يُخِلُّ به،


2- وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً.

3- وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن) ويمد (الرحيم)، وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فى أول قراءته، فيقول: "أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم"، ورُبَّما كان يقول: "اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ ". وكان تعوّذُه قبلَ القراءة.
4-وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد الله بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع. وخَشَع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسماع القران مِنه، حتى ذرفت عيناه.


5-وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً ومتوضئاً، ومُحْدِثاً،ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة.
6-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته {إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً} [الفتح: 1]. وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، آ ا آ ثلاث مرات، ذكره البخاري.


الترجيع فى القراءة
7-وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: "زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم". وقوله: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن ". وقوله: "ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان". علمت أن هذا الترجيعَ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان اختياراً لا اضطراراً لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة، لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختياراً لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه، ثم يقول؟كان يُرجِّعُ في قراءته، فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً.



8-وقد استمع ليلةً لقراءة أبي موسى الأشعري، فلما أخبره بذلك، قال: لوْ كنتُ أعلم أنك تسمعه، لحبَّرْته لَكَ تَحْبِيراً. أي: حسَّنته وزيَّنته بصوتي تزييناً

الترجيع والفصل فى المسالة

،1- فقالت طائفة: تكره قراءة الألحان، وممن نص على ذلك أحمد ومالكٌ وغيرهما، فقال أحمد في قراءة الألحان: ما تعجبُني وهو محْدَث. وقال : القراءةُ بالألحان بدعة لا تسمع، : القراءةُ بالألحان لا تُعجبني إلا أن يكون ذلك حُزناً، فيقرأ بحزن مثلَ صوت أبي موسى

-، عن مالك، أنه سئل عن الألحان في الصلاة، فقال: لا تُعجبني، وقال: إنما هو غناءٌ يتغنَّون به، ليأخذوا عليه الدراهم،

: وقالت طائفة: التغنِّي بالقران، هو تحسينُ الصوت به، والترجعُ بقراءته : ذكر الطبري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يقول لأبي موسى: ذكِّرنا ربَّنا، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن، وقال: من استطاع أن يتغنى بالقرآن غِناء أبي موسى، فليفعل، : وكان عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، يتتبَع الصوتَ الحسن في المساجد في شهر رمضان


قال المجوِّزون - واللفظ لابن جرير-: الدليلُ: على أن معنى الحديث تحسينُ الصوت، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامعَ قراءته، كما أن الغناء بالشعر هو الغناءُ المعقولُ الذي يُطرب سامعه -: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "مَا أذنَ اللهُ لشيء مَا أذنَ لنبيٍّ حسن التَّرنُّم بالقُرْآن" ومعقول عند ذوي الحِجا، أنَ الترنُّم لاَ يكًون إلا بالَصوت إذا حسَّنه المترنم وطرَّب به. وروي في هذا الحديث "ما أذِنَ الله لشيء ما أذن لنبي حسنِ الصوت يتغنى بالقراَن يجهرُ به". قال الطبري: وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا،




قال المانعون من ذلك: الحجة لنا من وجوه. أحدها: ما رواه حُذيفة بن اليمان، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إقرؤوا القُرْآن بِلحُونِ العَرَبِ وأصْوَاتِها، وإيَاكُم وَلُحُونَ أَهْلِ الكِتَابِ وَالفِسْق، فإنَّهُ سَيَجيء فى مِنْ بَعْدِي أَقوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالقُرْآنِ تَرْجِيعَ الغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، مَفتُونَةً قُلُوبُهُم، وَقُلُوبُ الَذِينَ يُعْجِبُهُم شَأْنُهُم"

- واحتج معه بحديث آخر، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر شرائطَ الساعة، وذكر أشياء، منها: "أن يُتخذ القرآنُ مَزاميرَ، يُقدِّمونَ أَحَدَهُم لَيْسَ بِأَقْرَئِهِم وَلا أَفْضَلِهِم ما يُقَدِّمُونَهُ إلا لِيُغَنِّيَهُم غِنَاءً".
قالوا: وقد جاء زياد النهدي إلى أنس رضي الله عنه مع القراء، فقيل له: إقرأ، فرفع صوته وطرَّب، وكان رفيعَ الصوت، فكشف أنس عن وجهه، وكان على وجهه خِرقة سوداء، وقال: يا هذا! ما هكذا كانوا يفعلون، وكان إذا رأى شيئاً يُنكره، رفع الخِرقة عن وجهه.


قالوا: وقد منع النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤذِّن المُطَرِّبَ في أذانه من التطريب ، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذِّن يطرِّب، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الأذان سَهْلِّ سمح.، فإن كان أَذَانُكَ سَهْلا سَمْحاً، وإلاَّ فَلا تُؤذِّن"

وفصل النزاع،

أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسىالأشعري للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَو علمتُ أنّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً" والحزين ومَن هاجه الطرب، والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة،




: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عيادة المرضى



1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودُ مَنْ مَرِضَ من أصحابه، وعاد غلاماً كان يَخدِمه مِن أهل الكتاب، وعاد عمَّه وهو مشرك، وعرض عليهما الإِسلام، فأسلم اليهودي، ولم يسلم عمُّه.
2-وكان يدنو من المريض، ويجلِسُ عند رأسه، ويسألُه عن حاله، فيقول: كيف تجدُك؟
3-وذكر أنه كان يسأل المريضَ عما يشتهيه، فيقول: "هَل تَشْتَهِي شَيئاً"؟ فإن اشتهى شيئاً وعلِم أنه لا يضرّه، أمر له به.


4-وكان يمسح بيده اليُمنى على المريض، ويقول: " اللهُمَّ رَبَّ النَّاس، أَذْهِبِ البأْسَ، واشْفِه أَنتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إلا شِفاؤكَ، شِفاءً لا يُغادرسَقَماً".
5-وكان يدعو للمريض ثلاثاً كما قاله لسعد: "اللهم اشْفِ سَعْداً، اللهُمَّ اشْفِ سَعْداً اللهُمَّ اشْفِ سَعْداً".
6-وكان إذا دخل على المريض يقول له: " لا بَأسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ الله".
7-وربما كان يقول: " كَفَّارَةٌ وَطَهورٌ "


8-وكان يَرْقِي مَن به قَرحة، أو جُرح، أو شكوى، فيضِع سبَابته بالأرض، ثم يرفعها ويقول: "بِسْمِ الله، تُرْبَةُ أرْضِنا، بِرِيقَةِ بَعضِنا يُشْفى سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنا" هذا في "الصحيحين"،

تصحيح حديث سبعون الاف بغير حساب

- وهو يبطل اللفظة التي جاءت في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأنهم لا يرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ فقوله في الحديث: "لا يرقون" غلط من الراوي، سمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول ذلك. قال: وإنما الحديث "هم الذين لا يَسْتَرْقُونَ".

قلت: وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنةبغير حساب، لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء، وهو سؤالُ الناس أن يرقوهم. ولهذا قال:." وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ، فلكمال توكُّلهم على ربهم، وسُكونهم إليه، وثقتهم به، ورِضاهم عنه، وإنزال حوائجهم به، لا يسألون الناس شيئاً، لا رُقيةً ولا غيرها، ولا يحصُلُ لهم طِيرَةٌ تصدُّهم عما يقصِدونه، فإن الطِّيَرَةَ تَنْقُصُ التوحيد وتُضْعِفُه.

قال: والراقي متصدِّق مُحسن، والمسترقي سائل، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى، ولم يسترق، وقال : "مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه".



9-ولم يكن مِن هديه عليه الصلاة والسلام أن يَخُصَّ يوماً من الأيام بعيادة المريض، ولا وقتاً من الأوقات، بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلاً ونهاراً، وفي سائر الأوقات. وفي "المسند" عنه: "إذا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسلِمَ مَشَى في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ، غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإن كَانَ غُدوَةً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإن كَانَ مَسَاءً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ". وفي لفظ "ما مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِماً إلا بَعَثَ اللَهُ لَه سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يصَلّونَ عَلَيه أَيَّ ساعةٍ مِنَ النَّهار كانت حتَّى يُمْسِيَ، وأيَّ ساعَةٍ مِن الليلِ كانت حتَّى يُصْبِحَ ".



10-وكان يعود من الرمد وغيره، وكان أحياناً يضع يده على جبهة المريض، ثم يمسحُ صدره وبطنه ويقول: "اللهُمَّ اشْفِهِ" وكان يمسح وجهه أيضاً.وكان إذا يئس من المريض قال: "إنا للهِ وإنَّا إليه رَاجِعُون".



: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنائز والصلاة عليها،

واتباعها، ودفنها، وما كان يدعو به للميت في الصلاة الجنازة وبعد الدفن وتوابع ذلك



1-كان هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنائز أكملَ الهدي، مخالفاً لهدي سائر الأمم،

2- وكان مِن هديه في الجنائز إقامةُ العبوديةِ للربِّ تبارك وتعالى على أكمل الأحوال، والإِحسان إلى الميت، وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلِها، ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفاً يحمَدون الله ويستغفرون له، ويسألون له المغفرةَ والرحمةَ والتجاوزَ عنه،

3- ثم المشي بين يديه إلى أن يُودِعُوهُ حفرته، ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوجَ ما كان إليه، ثم يتعاهدُه بالزيارة له في قبره، والسلام عليه، والدعاء له كما يتعاهدُالحيُّ صاحِبَه في دار الدنيا.



-فأول ذلك: تعاهدُه في مرضه، وتذكيرُه الآخرة، وأمرُه بالوصية، والتوبة، وأمرُ مَنْ حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه، ثم النهى عن عادة الأمم التي لا تؤمِنُ بالبعث والنُّشور، مِن لطم الخدُود، وشقِّ الثياب، وحلقِ الرؤوس، ورفع الصوت بالنَّدب، والنِّياحة وتوابع ذلك.

4-وسَنَّ الخشوعَ للميت، والبكاءَ الذي لا صوت معه، وحُزْنَ القلب، وكان يفعل ذلك ويقول: "تَدْمَعُ العينُ وَيَحْزَنُ القَلبُ وَلاَ نَقولُ إلا ما يُرضِي الرَّبَّ".
5-وسَنَّ لأمته الحمد والاسترجاعَ، والرضى عن الله، ولم يكن ذلك منافياً لدمع العين وحُزنِ القلب، ولذلك كان أرضى الخلقِ عن الله في قضائه،


6-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِسراعُ بتجهيز الميت إلى الله، وتطهيره، وتنظيفِه، وتطييبه، وتكفيِنه في الثياب البيض، ثم يؤتى به إليه، فيُصلِّي عليه بعد أن كان يُدعى إلى الميت عند احتضاره، فيُقيم عنده حتى يقضي، ثم يحضر تجهيزه، ثم يُصلِّي عليه، ويشيِّعه إلى قبره، ثم رأى الصحابةُ أن ذلك يشقُ عليه، فكانوا إذا قض الميتُ، دعوه، فحضر تجهيزه، وغسله، وتكفينَه. ثم رأوا أن ذلك يشقُّ عليه، فكانوا هم يُجهِّزون ميتهم، ويحملونه إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سريره، فيُصلي عليه خارِج المسجد.


7-ولم يكن من هديه الراتب الصلاةُ عليه في المسجد، وإنما كان يُصلي على الجنازة خارج المسجد، ورُبما كان يصلي أحياناً على الميت في المسجد، كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد ولكن لم يكن ذلك سنتَه وعادتَه،،،


قال الخطابي: وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صُلِّىَ عليهما في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإِنكار الدليلُ على جوازه



8-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسجيةُ الميت إذا مات، وتغميضُ عينيه، وتغطيةُ وجهه وبدنه، وكان رُبما يُقبِّل الميت كما قبَّل عثمانَ بن مظعون وبكى وكذلك الصِّدِّيقُ أكبَّ عليه، فقبَّله بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

9-وكان يأمر بغسل الميت ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر بحسب ما يراه الغاسِل، ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة، وكان لا يُغسَل الشهَداءَ قَتلَى المعركة، وذكر الإِمام أحمد، أنه نهى عن تغسيلهم، وكان ينزع عنهم الجلودَ والحديدَ ويَدفِنُهم في ثيابهم، ولم يُصلِّ عليهم.
10-وكان إذا مات المُحرِمُ، أمر أن يُغسل بماء وسِدْر، ويُكفن في ثوبيه وهما ثوبا إحرامه: إزاره ورداؤه، وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه


11- وكان يأمرمن ولي الميتَ أن يُحسن كفنه، ويُكفنه في البياض، وينهى عن المغالاة في الكفن، وكان إذا قصَّرَ الكفنُ عن سَتر جميع البدن، غطَّى رأسه، وجعل على رجليه من العُشب.

12-وكان إذا قُدِّم إليه ميت يُصلِّي عليه، سأل: هل عليه دَين، أم لا؟ فإن لم يكن عليه دَين، صلَّى عليه، وإن كان عليه دين، لم يصل عليه، وأذِن لأصحابه أن يُصلوا عليه، فإن صلاته شفاعة، وشفاعتُه موجبة، والعبد مرتَهَنٌ بدَينه، ولا يدخل الجنة حتى يُقضى عنه، فلما فتح الله عليه، كان يُصلي على المدِين، ويتحمَّل دينه، ويدع ماله لورثته



13-فإذا أخذ في الصلاة عليه، كبر وحَمِدَ الله وَأَثنَى عَليْهِ، وصلى ابن عباس على جنازة، فقرأ بعد التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب جهراً، وقال: "لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّة"


14-ومقصودُ الصلاة على الجنازة: هو الدعاء للميت، لذلك حفظَ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونُقِلَ عنه ما لم يُنقل مِنْ قراءة الفاتِحة والصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



من ادعيتة للميت


1-فحُفِظَ من دعائه: "اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ، وعَافِهِ، واعَفُ عَنهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَه، وَوَسِّعْ مَدْخَلَه، واغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقِّهِ مَنَ الخطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وأَبْدِلْهُ دَارَاً خَيْراً مِنْ دَارِه، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وأَدْخِلْهُ الجَنةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَارِ".
2-وحُفِظَ من دعائه: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا، وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا، وكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا، وأُنْثَانَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبنَا، اللهُمَّ مَنْ أَحيَيْتَهُ مِنَّا، فأَحْيهِ عَلَى الإِسْلاَم، وَمَنْ تَوفَّيْتَهُ مِنَّا، فَتَوَفَّه عَلَى الإِيمَانِ، اللهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفتِنَّا بَعْدَهُ".
3-وحُفِظَ مِن دعائه: "اللهُمَّ إنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ في ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مَنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّار، فأَنْتَ أَهْلُ الوَفَاءِ وَالحَق، فَاغفِرْ لَهُ وَارْحَمهُ، إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ".
4-وحُفِظَ مِن دعائه أيضاً: "اللهُمَّ أَنْتَ رَبهَا، وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا، وَأَنتَ رَزَقْتَهَا، وأَنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلامِ، وَأَنْتَ قَبضْتَ رُوحَهَا، وتَعْلَمُ سِرَّهَا وَعَلانِيَتَهَا، جئْنَا شفَعَاءَ فَاغفِرْ لَهَا".


15-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بإخلاص الدعاء للميت،

صفة الصلاة على الجنازة

1-وكان يُكبرِّ أربعَ تكبيرات، وصح عنه أنه كبَّر خمساً، وكان الصحابة بعده يُكبِّرون أربعاً، وخمساً، وستاً، ، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمنع مما زاد على الأربع، بل فعله هو وأصحابُه من بعده.



هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التسليم من صلاة الجنازة.

1-فروي عنه: إنه كان يسلِّم واحدة. وروي عنه: أنه كان يسلم تسليمتين.



وأما رفع اليدين،

فقال الشافعي: ترفع للأثر، والقياس على السنة في الصلاة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه في كل تكبيرة كبَّرها في الصلاة وهو قائم.



16-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فاتته الصلاة على الجنازة، صلى على القبر، فصلى مرة على قبر بعد ليلة، ومرة بعد ثلاث، ومرة بعد شهر، ولم يُوقت في ذلك وقتاً.



- فحدَّ الإِمام أحمد الصلاة على القبر بشهر، إذ هو أكثر ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى بعده، -وحدَّه الشافعي رحمه الله، بما إذا لم يَبْلَ الميت، ومنع منها مالكٌ وأبو حنيفة رحمهما الله إلا لِلوليِّ إذا كان غائباً.
17-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يقومُ عند رأس الرجل وَوَسْطِ المرأة.




الصلاةُ على الطفل

18-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاةُ على الطفل، فصح عنه أنه قال: "الطِّفْل يُصَلى عَلَيْهِ".
وفى رواية ، "صلُوا على أَطْفَالِكُم، فإنَّهم مِنْ أَفْراطِكُم".
: سأل ُ أحمد: متى يَجِبُ أن يُصلى على السِّقط؟ قال: إذا أتى عليه أربعة أشهر، لأنه يُنفخ فيه الروح.



19-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّه لا يُصلِّي على مَن *** نفسه، ولا على مَنْ غَلَّ من الغنيمةُ.
20-واختلف عنه في الصلاة على المقتُولِ حداً، كالزاني المرجوم، فصح عنه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على الجهنية التي رجمها، فقال عمر: تُصلِّي عليها يا رسولَ الله وقد زَنَتْ؟ فقال: " لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بين سَبْعِينَ مِن أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهم، وهَل وَجَدْتَ تَوْبَةً أفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله تعالى ". ذكره مسلم.
وذكر البخاري في "صحيحه"، قصة ماعِز بنِ مالك وقال: فقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْراً وَصَلَّى عَلَيْهِ


وقال بُريدة بن الحصيب: إنه قال: "اسْتَغْفِروا لِمَاعِز بن مَالِك". فقالوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. ذكرهما مسلم. وقال جابر: فصلَّى عليه، ذكره البخاري،



21-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى على ميت، تبِعه إلى المقابر ماشياً أمامه.وهذه كانت سنة خلفائه الراشدين مِن بعده،

22- وسنَّ لمن تبعها إن كان راكباً أن يكون وراءها، وإن كان ماشياً أن يكون قريباً منها، إمَّا خلفها، أو أمامها، أو عن يمينها، أو عن شمالها.

23-وكان يأمر بالإِسراع بها، حتى إن كانوا ليَرمُلُون بها رَمَلاً، وأما دبيب الناسِ اليومَ خُطوة خُطوة، فبدعة مكروهة مخالِفة للسنة، ومتضمِّنة للتشبُّه بأهل الكتاب اليهود. وكان أبو بكر يرفع السوطَ على من يفعل ذلك، ويقول: لقد رأيتنا ونحنُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرْمُلُ رملاً.قال ابن مسعود رضي الله عنه: سألنا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المشي مع الجنازة، فقال: "ما دُونَ الخَببِ" رواه أهل السنن

24- وكان يمشي إذا تَبعَ الجنازة ويقول "لم أكُن لأَركَبَ والمَلائِكَةُ يَمْشون". فإذا انصرف عنها، فربَّما مشى، وربَما ركِب.
25-وكان إذا تَبِعها، لم يجلِسْ حتى تُوضع، وقال " إذا تَبِعتُم الجِنَازَة، فلا،: تَجْلِسُوا حتى توضعَ ".
- ابن تيمية رحمه الله: والمراد: وضعُها بالأرض.


26-ولم يكن مِن هديه وسنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة على كُلِّ ميت غائب.
فقد مات خلق كثيرٌ من المسلمين وهم غُيَّب، فلم يُصلِّ عليهم،


27- وصح عنه: أنه صلَّى على النجاشي صلاته على الميت، فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق،

أحدها: أن هذا تشريعٌ منه، وسنةٌ للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قولُ الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليسَ ذلك لغيره،

وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: الصواب: أن الغائبَ إن مات ببلد لم يُصلّ عليه فيه، صُلِّيَ عليه صلاة الغائب، كما صلَّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النجاشي، لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صلِّيَ عليه حيثُ مات، لم يُصلَّ عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

صلى على الغائب، وتركه، وفِعلُه، وتركُه سنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع، والله أعلم، والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصحها: هذا التفصيلُ، والمشهور عند أصحابه: الصلاة عليه مطلقاً.



28-وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قام للجنازة لما مرَّت به، وأمرَ بالقيامِ لها، وصح عنه أنه قعد، فاخْتُلِفَ في ذلك، فقيل: القيامُ منسوخ، والقعودُ آخر الأمرين، وقيل. بل الأمران جائزان، وفِعلُه بيان للاستحباب، وتركُه بيان للجواز، وهذا أولى من ادعاء النسخ.



29-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألاَّ يدفن الميت عند طلوع الشَّمس، ولا عند غروبِها، ولا حين يَقُوم قائمُ الظهيرة وكَانَ مِن هديه اللَّحدُ وتعميقُالقبر وتوسيعُه مِن عِند رأس الميت ورجليه، ويُذكرُ عنه، أنه كان إذا وضع الميِّتَ في القبر قال "بسْمِ اللهِ، وَبِاللهِ، وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ الله". وفي رواية: "بِسْم اللَهِ، وَفي سَبِيلِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ"
30-ويُذكر عنه أيضاً أنه كان يحثُوا التراب على قبر الميت إذا دُفِنَ مِنْ قِبَلَ رأسِه ثلاثاً.
31-وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه، وسَأَلَ له التَّثبِيتَ، وأمَرَهُم أن يَسْأَلُوا لَهُ التَّثبِيتَ.
ولم يكن يجلِس يقرأ عند القبر، ولا يُلقِّن الميت كما يفعله الناس اليوم،


32-ولم يكن من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعليةُ القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجَر ولَبِن، ولا تشييدُها، ولا تطيينُها، ولا بناءُ القباب عليها، فكُلُّ هذا بدعة مكروهة، مخالفةٌ لهديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ000 وقد بَعثَ عليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه إلىَ اليمن، ألاَّ يَدَع تمْثًالاً إلا طمَسَه، وَلاَ قَبْرَاً مُشْرِفاً إلا سَوَّاه، فسنتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسويةُ هذه القبور المُشرفة كلِّها، ونهى أن يُجصص القبرُ، وأن يُبنى عليه، وأن يكتبَ عليه.



33-وكانت قبور أصحابه لا مُشرِفة، ولا لاطئة، وهكذا كان قبرُه الكريمُ، وقبرُ صاحبيه، فقبرُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّم مَبْطوحٌ ببطحاء العرَصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه

34-كان يعلم قبرَ مَنْ يريدُ تعرَّفَ قَبرِه بصخرة.



35-ونهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اتخاذ القبورِ مساجد، وإيقادِ السُّرج عليها،واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القُبور، ونهى أمته أن يتخِذوا قبرَه عيداً، ولعن زوَّراتِ القبور وكان هديُهُ أن لا تُهان القبورُ وتُوطأ، وألا يُجلَس عليها، ويُتكأ عليها ولا تُعظَّم بحيث تُتَّخذُ مساجِدَ فيُصلَّى عندها وإليها، وتُتخذ أعياداً وأوثاناً.

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيارة القبور


1-كان إذا زار قبور أصحابه يزورُها للدعاء لهم، والترحُّم عليهم، والاستغفارِ لهم، وهذه هي الزيارةُ التي سنها لأمته، وشرعَها لهم، وأمرهم أن يقُولوا إذا زارُوها: "السَّلامُ عَليكُم أَهْلَ الدِّيار مِنَ المُؤمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وإنَّا إن شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُون، نَسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُم العَافِيَةَ".
2-وكان هديُه أن يقولَ ويفعلَ عند زيارتها، مِن *** ما يقولُه عندالصلاة على الميت، من الدِعاءِ والترحُّمِ، والاستغفار.


- فَأبَى المشركون إلا دعاءَ الميت والإِشراك به، والإِقسامَ على الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجُّهَ إليه، بعكس هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهديُ هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت،

-وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجبَ وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هديَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابِه، تبيَّن له الفرقُ بين الأمرين وبالله التوفيق.


التعزية


3-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعزية أهلِ الميت، ولم يكن مِن هديه أن يجتر للعَزاء، ويُقرأ له القرآن، لا عندَ قبره ولا غيره، وكُل هذا بدعة حادثة مكروهة.
4-وكان من هديه: السكونُ والرضى بقضاء الله، والحمد للّه، والاسترجاع، ويبرأ ممن خرق لأجل المُصيبة ثيابَه، أو رفع صوتَه بالندب والنياحة، أو حلق لها شعره.


5-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أهل الميت لا يتكلَّفون الطعام للناس، بل أمر أن يصنع الناسُ لهم طعاماً يُرسلونه إليهم وهذا من أعظم مكارم الأخلاق والشِّيم، والحملِ عن أهل الميت، فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس.
6-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تركُ نعي الميت، بل كان ينهى عنه، ويقول: هو مِن عمل الجاهلية، وقد كرِه حذيفةُ أن يُعلم به أهلُه الناسَ إذا مات وقال: أخاف أن يكون من النعي.




صلاة الخوف

1-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في صلاة الخوف، أن أباحَ اللهُ سبحانَه وتعالى قصرَ أركانِ الصلاة وعددِها إذا اجتمع الخوفُ والسفرُ، وقصرَ العدد وحدَه إذا كان سفرٌ لا خوف معه، وقصرَ الأركان وحدَها إذا كان خوفٌ لا سفرَ معه وهذا كان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه تُعلم الحِكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف.
2-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف، إذا كان العدوّ بينهَ وبين القبلة، أن يَصُفَّ المسلمين كلَّهم خلفَه، ويكبِّرُ ويكبرون جميعاً، ثم يركع فيركعون جميعاً، ثم يرفعُ ويرفعون جميعاً معه، ثم ينحدِرُ بالسجود والصفُّ الذي يليه خاصة، ويقوم الصفُّ المؤخَّر مواجِهَ العدُوِّ، فإذا فرغ من الركعة الأولى، ونهَض إلى الثانية، سجدَ الصفُّ المؤخَّر بعد قيامه سجدتين، ثم قاموا، فتقدَّموا إلى مكان الصفِّ الأول، وتأخَّر الصفُّ الأولُ مكانَهم لتحصُلَ فضيلةُ الصفِّ الأولِ للطائفتين، ولِيُدرِكَ الصفُّ الثاني مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجدتين في الركعة الثانية، كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى، فتستوي الطائفتانِ فيما أدركوا معه، وفيما قَضَوْا لأنفسهم، وذلك غايةُ العدل، فإذا ركع، صنع الطائفتان كما صنعوا أوَّل مرة فإذا جلس للتشهد، سجد الصفُّ المؤخَّر سجدتين، ولحقوه في التشهد، فيسلِّم بهم جميعاً.




3-وإن كان العدُو في غير جهة القبلة، فإنَّه كان تارةً يجعلُهم فِرقتينِ: فِرقةً بإزاء العدوِّ، وفِرقةً تُصلي معه، فتُصلي معه إحدى الفرقتين ركعةً، ثم تنصرِف في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى، وتجيءُ الأخرى إلى مكان هذه، فتُصلي معه الركعة الثانية، ثم تُسلم، وتقضي كلُّ طائفة ركعةً ركعةً بعد سلام الإِمام.



4-وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعة، ثم يقوم إلى الثانية، وتقضي هي ركعة وهو واقف، وتُسلم قبل ركوعه، وتأتي الطائفة الأخرى، فتصلي معه الركعة الثانية، فإذا جلس في التشهد، قامت، فقضت ركعةً وهو ينتظرها في التشهد، فإذا تشهدت، يُسلم بهم.
5-وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، فتُسلم قبله، وتأتي الطائفة الأخرى، فيُصلي بهم الركعتين الأخيرتين، ويُسلم بهم، فتكون له أربعاً، ولهم ركعتين ركعتين.


6-وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، ويسلم بهم، وتأتي الأخرى، فتصلي بهم ركعتين، ويُسلم فيكون قد صلى بهم بكلِّ طائفة صلاة.
8-وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعةَ، فتذهب ولا تقضي شيئاً، وتجيء الأخرى، فيُصلي بهم ركعة، ولا تقضي شيئاً، فيكون له ركعتان، ولهم ركعة ركعة، وهذه الأوجه كُلُها تجوز الصلاة بها.



قال الإِمام أحمد: كلُّ حديث يُروى في أبواب صلاة الخوف، فالعمل به جائز.
وقال: ستةُ أوجه أو سبعة، تُروى فيها، كُلُّها جائزة، وقال : أنا أقولُ: من ذهب إليها كلِّها، فحسن




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصدقة والزكاة


1-هَدْيُه فى الزكاة، أكملُ هَدْى فى وقتها، وقدْرِها، ونِصابها، وَمَنْ تَجِبُ عليه، ومَصْرِفِها. وقد راعى فيها مصلحةَ أربابِ الأموال، ومصلحة المساكين، وجعلها الله سبحانه وتعالى طُهرةً للمال ولصاحبه، وقيَّد النعمة بها على الأغنياء، فما زالت النعمةُ بالمال على مَن أدَّى زكاتَه، بل يحفظُه عليه ويُنميه له، ويدفعُ عنه بها الآفاتِ، ويجعلُها سُوراً عليه، وحِصناً له، وحارساً له.
2-ثم إنه جعلها فى أربعة أصناف من المال: وهى أكثرُ الأموال دَوَراناً بين الخلق، وحاجتُهم إليها ضرورية.أحدها: الزرع والثمار.
الثانى: بهيمةُ الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم.
الثالث: الجوهران اللَّذان بهما قِوام العالم، وهما الذهب والفضة.
الرابع: أموالُ التجارة على اختلاف أنواعها.


3- ثم إنه أوجبها مَرَّةً كلَّ عام،

4-وجعل حَوْل الزروع والثمار عند كمالِها واستوائها، وهذا أعدلُ ما يكون، إذ وجوبُها كلَّ شهر أو كُلَّ جمعة يضُرُّ بأرباب الأموال، ووجوبُها فى العمر مرة مما يضرُّ بالمساكين، فلم يكن أعدلَ مِن وجوبها كُلَّ عام مرة.
5-ثم إنه فاوَتَ بين مقادير الواجب بحسب سعى أرباب الأموال فى تحصيلها، وسهولةِ ذلك، ومشقته، فأوجب الخُمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصَّلاً من الأموال، وهو الرِّكاز. ولم يعتبر له حَوْلاً، بل أوجب فيه الخُمسَ متى ظفر به.



5-وأوجب نصفه وهو العُشر فيما كانت مشقةُ تحصيله وتعبه وكُلفته فوقَ ذلك، وذلك فى الثمار والزروع التى يُباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها، ويتولَّى الله سقيها مِن عنده بلا كُلفة من العبد، ولا شراء ماءٍ، ولا إثارة بئرٍ ودولابٍ.
6-وأوجب نِصف العُشر، فيما تولى العبد سقيَه بالكُلفة، والدَّوالى، والنواضِح وغيرها.



7-وأوجب نِصف ذلك، وهو ربعُ العُشر، فيما كان النَّماء فيه موقوفاً على عمل متصلٍ مِن رب المال، بالضرب فى الأرض تارة، وبالإدارة تارة، وبالتربص تارة، ولا ريبَ أن كُلفة هذا أعظم من كُلفة الزرع والثمار،

8- وأيضاً فإن نمو الزرع والثمار أظهرُ وأكثر من نمو التجارة، فكان واجبُها أكثرَ من واجب التجارة، وظهورُ النمو فيما يُسقى بالسماء والأنهار، أكثرُ مما يُسقى بالدوالى والنواضح، وظهورهُ فيما وجد محصلاً مجموعاً، كالكنز، أكثر وأظهر من الجميع.
9-ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساةَ كلُّ مال وإن قلَّ، جعل للمال الذى تحتمله المواساة نُصُباً مقدَّرةً المواساة فيها، لا تُجْحِفُ بأرباب الأموال، وتقع موقِعها من المساكين،


10- فجعل للوَرِقِ مائتى درهم، وللذهب عشرين مثقالاً، وللحبوبِ والثمار خمسةَ أوسق، وهى خمسة أحمال من

أحمال إبل العرب،

11-وللغنم أربعين شاة، وللبقر ثلاثين بقرة، وللإبل خمساً، لكن لما كان نِصابها لا يحتمل المواساة من جنسها، أوجب فيها شاة. فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمساً وعشرين، احتمل نصابُها واحداً منها، فكان هو الواجب
12-ثم إنه لما قَدَّرَ سِنَّ هذا الواجب فى الزيادة والنقصان، بحسب كثرة الإبل وقلَّتِها من ابن مَخاض، وبنت مَخاض، وفوقه ابنُ لَبُون، وبنت لَبون، وفوقه الحِقُّ والحِقَّة، وفوقَه الجَذَعُ والجَذَعَة، وكلما كثُرت الإبلُ، زاد السِّن إلى أن يصل السِّنُ إلى مُنتهاه، فحينئذٍ جعل زيادة عدد الواجب فى مقابلة زيادة عدد المال.



13-فاقتضت حكمته أن جعل فى الأموال قَدْراً يحتمل المواساة، ولا يُجحِفُ بها، ويكفى المساكين، ولا يحتاجُون معه إلى شئ، ففرض فى أموال الأغنياء ما يكفى الفقراء، فوقع الظلمُ من الطائفتين، الغنيُّ يمنعُ ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه، فتولَّد من بين الطائفتين ضررٌ عظيم على المساكين


وفاقةٌ شديدة، أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف فى المسألة.


14-والربُّ سبحانه تولَّى قَسْمَ الصدقة بنفسه، وجزَّأها ثمانيةَ أجزاء، يجمعُها صِنفانِ من الناس، أحدهما: مَن يأخذ لحاجة، فيأخذ بحسب شدة الحاجة، وضعفها، وكثرتِها، وقِلَّتها، وهم الفقراءُ والمساكين، وفى الرقاب، وابن السبيل. والثانى: مَن يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها، والمؤلَّفةُ قلوبُهم، والغارِمون لإصلاح ذاتِ البَيْن، والغُزاةُ فى سبيل الله، فإن لم يكن الآخِذُ محتاجاً، ولا فيه منفعة للمسلمين، فلا سهم له فى الزكاة.

[فى مَن هو أهل لأخذ الزكاة]



1-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا علم من الرجل أنه مِن أهل الزكاة، أعطاه، وإن سأله أحدٌ من أهل الزكاة ولم يَعْرِفْ حاله، أعطاه بعد أن يخبره أنه لا حظَّ فيها لِغنى ولا لِقوى مكتسِب.

2-وكان يأخذها من أهلها، ويضعُها فى حقها.
3-وكان من هَدْيه، تفريقُ الزكاة على المستحقين الذين فى بلد المال، وما فضلَ عنهم حُمِلَت إليه، ففرَّقها هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك كان يبعث سُعاته إلى البوادى، ولم يكن يبعثُهم إلى القُرى، بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن، ويُعطيها فقراءهم، ولم يأمره بحملها إليه.



4-ولم يكن من هَدْيه أن يبعث سُعاته إلا إلى أهل الأموال الظاهرة مِن المواشى والزروع والثمار، وكان يبعثُ الخارِصَ فيخرُصُ على أرباب النخيل تمرَ نخيلهم، وينظر كم يجئ منه وَسْقاً، فَيحْسِبُ عليهم من الزكاة بقدره،

5-وكان يأمر الخاَرِصَ أن يدعَ لهم الثلثَ أو الرُّبعَ، فلا يخرصه عليهم لما يعرُو النخيلَ مِن النوائب، وكان هذا الخرصُ لكى تُحصى الزكاةُ قبل أن تؤكل الثمارُ وتُصْرَمَ، وليتصرَّف فيها أربابها بما شاؤوا، ويضمنوا قدرَ الزكاة، ولذلك كان يبعث الخارِصَ إلى مَن ساقاه من أهل خيبر وزارعه، فيخرُص عليهم الثمارَ والزروع، ويُضمِّنُهم شطرًها،

6- وكان يبعثُ إليهم عبد الله بن رَواحة، فأرادوا أن يَرشُوه، فقال عبد الله: تُطعمونى السُّحتَ؟، واللهِ لقد جئتكم من عند أحبِّ الناس إلىَّ، ولأنتُم أبغضُ إلىَّ من عِدَّتِكم مِن القِردةِ والخنازير، ولا يحمِلُنى بُغضى لكم وحُبِّى إياه، أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السمواتُ والأرض.


7-ولم يكن من هَدْيه أخذُ الزكاة من الخيل، والرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، ولا الخضروات ولا المباطخ والمقاتى والفواكه التى لا تُكال ولا تُدَّخر إلا العنب والرُّطب فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم يُفرِّق بين ما يبس منه وما لم ييبس.


وقال الشافعى: ، أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة. وإلى هذا ذهب مالك، والشافعى.



8-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاءه الرجل بالزكاة، دعا له فتارة يقول: "اللهم بارك فيه وفى أبله ". وتارة يقول "اللهم صل عليه".

9-ولم يكن منهديه أخذ كرائم الأموال فى الزكاة بل وسط المال، ولهذا نهى معاذاُ عن ذلك.

يتبع ان شاء الله تعالى

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17-06-2017, 02:10 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

[فى نهى المتصدق أن يشترى صدقته]



1-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى المتصدِّق أن يشترىَ صدقته، وكان يُبيح للغنى أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه الفقير، وأكل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن لحم تُصُدِّقَ به على بَريرَةَ وقال: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ ولنا مِنْهَا هَدِية".



2-وكان أحياناً يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة، كما جهّز جيشاً فَنَفِدَتِ الإبل، فأمر عبد الله بن عمرو أن يأخذ من قلائص الصدقة،

3-وكان يَسِمُ إبل الصَّدَقَةِ بيده، وكان يَسِمُها فى آذانها.
4-وكان إذا عراه أمر، استسلف الصدقة من أربابها، كما استسلف من العباس رضى الله عنه صدقة عامين.ر




فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى زكاة الفطر



1-فرضها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلم، وعلى مَنْ يَمُونُهُ مِنْ صَغِيرٍ وكَبِيرِ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ.
وروى عنه: أو صاعاً من دقيق، وروى عنه: نصف صاع من بُرٍّ.



2- : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صاعٌ مِنْ بُرٍّ أوْ قَمْح على كُلِّ اثْنَيْن" رواه الإمام أحمد وأبو داود.



3-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إخراج هذه الصدقة قبلَ صلاة العيد، وفى السنن عنه: أنه قال: "مَنْ أدَّاها قَبْلَ الصَّلاة، فَهِى زَكَاةٌ مَقْبُولَة، ومَنْ أَدَّاها بَعْدَ الصَّلاة فَهِىَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ".
وفى "الصحيحين"، عن ابن عمر، قال: أمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ أَنْ تُؤدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلاة.
ومقتضى هذين الحديثين: أنه لا يجوزُ تأخيرُها عن صلاة العيد،وأنها تفوتُ بالفراغ مِن الصلاة، وهذا هو الصواب، فإنه لا مُعارِض لهذين الحديثين ولا ناسخ، ولا إجماع يدفع القولَ بهما،




4-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخصيصُ المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسِمها على الأصناف الثمانية قبضةً قبضةً، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحدٌ من أصحابه، ولا مَنْ بعدهم، بل أحدُ القولين عندنا: أنه لا يجوزُ إخراجُها إلا على المساكين خاصة، وهذا القولُ أرجحُ من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صدقة التطوع
1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظمَ الناس صدقةً بما ملكت يدُه، وكان لا يستكثِر شيئاً أعطاه للَّهِ تعالى، ولا يستقِلُّه، 2-وكان لا يسألُه أحدٌ شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء مَنْ لا يخافُ الفقر، وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شىءٍ إليه، وكان سُرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخِذِ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير، يمينه كالرِّيح المرسلة.



3-وكان إذا عرض له مُحتاج، آثره على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه.
4-وكان يُنوِّع فى أصناف عطائه وصدقته، فتارةً بالهبة، وتارةً بالصدقة، وتارةً بالهدية، وتارةً بشراءِ الشىء ثم يُعطى البائع الثمن والسِّلعة جميعاً، ، ويقبل الهديَّة ويُكافىءُ عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطفاً وتنوُّعاً فى ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن،


5- وكانت صدقُته وإحسانُه بما يملكُه، وبحاله، وبقوله، فيُخْرِجُ ما عنده، ويأمُرُ بالصدقة، ويحضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيلُ الشحيح، دعاه حالُه إلى البذل والعطاء، وكان مَنْ خالطَه وصَحِبه، ورأى هَدْيَه لا يملِكُ نفسه من السماحة والنَّدى.



6-وكان هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى الإحسان والصدقةِ والمعروف، ولذلك كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرحَ الخلق صدراً، وأَطيَبهم نفساً، وأنعمَهم قلباً



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصيام



1-لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ، وفِطامَها عن المألوفات، قال تعالى: {يأَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ جُنَّة". وأمَرَ مَنِ اشتدَّتْ عليه شَهوةُ النكاح، ولا قُدرة لَه عليه بالصِّيام،


3-وكان فرضه فى السنة الثانية من الهجرة، فتوفِّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد صامَ تِسع رمضانات،

4-وفُرِضَ أولاً على وجه التخيير بينه وبين أن يُطعِم عن كُلِّ يوم مسكيناً، ثم نُقِلَ مِن ذلك التخيير إلى تحتُّم الصومِ، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يُطيقا الصيامَ، فإنهما يُفطِران ويُطعمان عن كُلِّ يوم مسكيناً، ورخَّص للمريض والمسافِر أن يُفطرا ويقضيا، ولِلحامِل والْمُرضِعِ إذا خافتا على أنفسهما كَذَلِكَ، فإن خافتا على ولديهما، زادتامع القضاء إطعام مِسكين لِكُلِّ يوم، فإن فطرهما لم يكن لِخوف مرض، وإنما كان مع الصِّحة، فجُبِر بإطعام المسكين كفطر الصحيح فى أوَّل الإسلام.
وكان للصوم رُتَبٌ ثلاث،


إحداها: إيجابُه بوصف التخيير.
والثانية تحتُّمه، لكن كان الصائمُ إذا نام قبل أن يَطْعَمَ حَرُمَ عليه الطعامُ والشرابُ إلى الليلة القابلة، فنُسِخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهى التى استقر عليها الشرعُ إلى يوم القيامة.


وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شهر رمضان،

1-الإكثارُ من أنواع العبادات، فكان جبريلُ عليه الصلاة والسلام يُدارسه القرآن فى رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجودَ بالخير من الريح المرسلة، وكان أجودَ الناس، وأجود ما يكون فى رمضان، يُكْثِرُ فيه مِن الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذِّكرِ، والاعتكاف.



2-وكان يَخُصُّ رمضانَ من العبادة بما لا يَخُصُّ غيرَه به من الشهور، حتى إنه كان ليُواصل فيه أحياناً لِيُوَفِّرَ ساعات لَيلِهِ ونهارِه على العبادة، وكان ينهى أصحابَه عن الوصال، فيقولون له إنَّك تُواصل، فيقول: "لَسْتُ كَهَيْئَتِكُم إنِّى أَبِيتُ وفى رواية: إنِّى أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّى يُطْعِمُنى وَيَسْقِينى".



3-لم يكن مُواصِلاً، وفى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوِصَال، فقال رجل من المسلمين: إنكَ يا رسولَ الله تُواصِل، فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأَيُّكُم مِثْلى، إنِّى أَبيتُ يُطْعِمُنى رَبِّى وَيَسْقِينى".
4-وأيضاً: فإن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نهاهم عن الوِصَال، فأبوا أن ينتهوا، واصلَ بهم يوماً، ثم يوماً، ثم رأوا الهلال فقال: "لو تَأَخَّرَ الهِلال، لزِدْتُّكم ". كالمُنكِّل لهم حينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَال.
وفى لفظ آخر: "لو مُدَّ لنا الشَّهْرُ لوَاصَلْنا وِصَالاً يَدَعُ المُتَعَمِّقُون تَعَمُّقَهم، إنِّى لَسْتَُ مِثْلَكُمْ أو قال: إنَّكُم لَسْتُم مِثْلى فإنِّى أَظَلُّ يُطْعِمُنى ربِّى ويَسْقِينى" فأخبر أنه يُطعَم ويُسقَى، مع كونه مُواصِلاً، وقد فعل فعلهم منكِّلاً بهم، معجِّزاً لهم فلو كان يأكل ويشرب، لما كان ذلك تنكيلاً، ولا تعجيزاً، بل ولا وِصَالاً، وهذا بحمد الله واضح.



5-وقد نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوِصَال رحمة للأُمة، وأذِن فيه إلى السَّحَر، وفى صحيح البخارى، عن أبى سعيد الخدرى، أنه سَمِعَ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تُواصِلوا فَأَيُّكُم أراد أنْ يُواصِل فَلْيُوَاصِل إلى السَّحَر".


فإن قيل: فما حُكمُ هذه المسألة، وهل الوِصَال جائز أو محرَّم أو مكروه؟ قيل: اختلف الناسُ فى هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه جائز إن قَدَرَ عليه، وهو مروى عن عبد الله بن الزبير كما فى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة، أنه نهى عن الوِصَال وقال: "إنِّى لستُ كَهَيْئَتِكُم" فلما أَبَوْا أن يَنْتَهُوا، واصَلَ بِهِمْ يوماً، ثم يوماً، فهذا وِصاله بهم بعد نهيه عن الوِصال، ولو كان النهى للتحريم، لما أَبَوْا أن ينتهوا، ولما أقرَّهم عليه بعد ذلك. قالوا: فلما فعلُوه بعد نهيه وهو يعلَم ويُقِرُّهم، عُلِمَ أنه أراد الرحمة بهم، والتخفيفَ عنهم، وقد قالت عائشةُ: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوِصال رحمة لهم متفق عليه.
وقالت طائفة أخرى: لا يجوز الوِصال، منهم: مالك، وأبو حنيفة، والشافعى،




والقول الثالث وهوأعدلُ الأقوال: أن الوِصال يجوز من سَّحَر إلى سَّحَر، وهذا هو المحفوظ عن أحمد، وإسحاق، لحديث أبى سعيد الخُدرى، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا تُواصلوا فأَيُّكم أراد أنْ يُواصِل فليواصل إلى السَّحَر". رواه البخاري وهو أعدلُ الوِصال وأسهلُه علِى الصائم، وهو فى الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه تأخَّر، فالصائم له فى اليوم والليلة أكلة، فإذا أكلها فى السَّحَر، كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره.. والله أعلم.



[فى أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يدخل فى صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد]
1-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يدخُل فى صوم رمضان إلا بُرؤيةٍ محقَّقة، أو بشهادة شاهدٍ واحد، كما صام بشهادة ابن عمر، وصام مرة بشهادة أعرابى، واعتمد على خبرهما، ولم يُكلِّفْهما لفظَ الشهادة. فإن كان ذلك


إخباراً، فقد اكتفى فى رمضان بخبر الواحد، وإن كان شهادة، فلم يُكلِّف الشاهدَ لفظَ الشهادة، فإن لم تكن رؤيةٌ، ولا شهادةٌ، أكمل عِدَة شعبان ثلاثين يوماً.


2-وكان إذا حال ليلةَ الثلاثين دون منظره غيمٌ أو سحاب، أكمل عِدَّة شعبان ثلاثين يوماًً، ثم صامه.


3- ولم يكن يصوم يومَ الإغمام، ولا أمرَ به، بل أمر بأن تُكمَّل عِدة شعبان ثلاثين إذا غُمَّ، وكان يفعل كذلك، فهذا فعله، وهذا أمرُه، ولا يُنَاقِضُ هذا قوله: "فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم فاقْدُرُوا له"، فإن القدر: هو الحِسابُ المقدَّر، والمراد به الإكمال كما قال: "فأَكْمِلُوا العِدَّة" والمراد بالإكمال، إكمالُ عِدَّة الشهر الذى غُمَّ،

كما قال فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى: "فأَكْمِلُوا عِدَّة شَعبان". وقال: "لا تَصُوموا حَتَّى تَروهُ، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْه، فإن غُمَّ عليكم فأكْمِلوا العِدَّة"

4- والذى أمر بإكمال عِدَّته، هو الشهرُ الذى يغم، وهو عند صيامه وعند الفطر منه، وأصرحُ من هذا قوله: "الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وعِشْرون، فلا تَصُومُوا حَتَّْى تَرَوه، فإنْ غُمَّ عليكم فأَكْمِلُوا العِدَّة"، وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه وإلى آخره بمعناه، فلا يجوز إلغاء ما دلَّ عليه لفظُه، واعتبارُ ما دلَّ عليه من جهة المعنى. وقال: "الشَّهْرُ ثَلاثون، والشَّهْرُ تِسْعَةٌ وعِشْرون، فإنْ غُمَّ عليكم فَعُدُّوا ثَلاثين".

5-وقال: "لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرٌوْيَتِهِ، وأَفْطِروا لِرُؤيتِهِ، فإن حَالَتْ دَونَه غَمَامَةٌ فأكْمِلُوا ثلاثين".

6-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرُ الناس بالصَّوْمِ بشهادةِ الرجل الواحد المسلم،

7-وخروجِهم منه بشهادة اثنين وكان من هَدْيه إذا شهد الشاهدان برؤية الهلال بعد خروج وقت العيد، أن يُفْطِرَ، ويأمرَهم بالفِطر، ويُصلِّى العيد من الغد فى وقتها.



8-وكان يُعجِّلُ الفطر، ويحضُّ عليه، ويتسحَّرُ، ويحُثُّ على السَّحور ويؤخِّرُه، ويُرغِّبُ فى تأخيره.
9-وكان يحضُّ على الفطر بالتمر، فإن لم يجد، فعلى الماء،


10-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِر قبل أن يُصلِّىَ، وكان فِطْرُه على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها، فعلى تمرات، فإن لم يجد، فعلى حسواتٍ من ماءٍ.
11-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يقول عِند فطره: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُروقُ، وثَبَتَ الأجْرُ إن شاء الله تعالى"


12-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن للصَّائم عِنْدَ فِطْرِه دَعْوَةً ما تُرَدُّ" . رواه ابن ماجه.
13-وصح عنه أنه قال: "إذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهنا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ ههنا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". 14-، ونهى الصائِم عن الرَّفَث، والصَّخَب والسِّباب وجوابِ السِّباب، فأمره أن يقول لمن سابَّه: "إنِّى صائم 15-وسافر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رمضان، فصام وأفطر، وخيَّرَ الصحابة بين الأمرين.


16-وكان يأمرهم بالفطر إذا دَنَوْا مِنْ عدوهم لِيتقوَّوْا على قتالِهِ فلو اتفق مثلُ هذا فى الحَضَر وكان فى الفطر قُوة لهم على لقاء عدوِّهم، فهل لهم الفطر؟ فيه قولان، أصحُّهُما دليلاً: أن لهم ذلك وهو اختيارُ ابن تيمية،



18-وسافر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رمضان فى أعظم الغزواتِ وأجلّها فى غَزَاة بدرٍ، وفى غَزَاة الفتح.
قال عمر بن الخطاب: "غزوْنَا مع رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رمضان غزوتين: يَوْمَ بَدْرٍ، والفَتْحَ، فَأَفْطَرْنَا فيهِمَا".
19-ولم يكن من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقديرُ المسافةِ التى يفطر فيها الصائِمُ بحَدٍّ، ولا صحَّ عنْهُ فى ذَلِكَ شئ. وقد أفطر دِحيةُ بن خليفة الكَلْبِى فى سَفَرِ ثلاثةِأميال، وقالَ لمن صامَ: قد رَغِبُوا عَنْ هَدْى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
20-وكان الصحابة حين يُنشئون السَّفر، يُفطِرُون مِن غير اعتبار مجاوزةِ البُيوت، ويُخبرون أن ذلك سُّنَّته وهَدْيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه الآثار صريحة فى أن مَن أنشأ السفر فى أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه.
21-وكان مِن هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُدركه الفجر وهو جُنبٌ من أهله، فيغتسِلُ بعد الفجر ويصوم.
22-وكان يُقبِّلُ بعض أزواجه وهو صائم فى رمضان وشبَّه قُبلة الصائِم بالمضمضة بالماء.




23-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إسقاطُ القضاءِ عمن أكلَ وشرِب ناسياً، وأن الله سبحانه هو الذى أطعمه وسقاه،

24-والذى صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الذى يُفْطِرُ به الصَّائِمُ: الأكلُ،والشربُ،والحِجامة والقئ، والقرآن دال على أن الجِماعَ مفطر كالأكل والشُّرب، لا يُعرف فيه خِلاف ولا يَصِحُّ عنه فى الكُحل شئ. 25-وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم.
26-وذكر الإمام أحمد عنه، أنه كان يَصُبُّ المَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ صَائِمٌ.
27-وكان يتمضمض، ويستنشق وهو صائم، ومنع الصَّائِمَ مِن المُبالغةِ فى الاستنشاق،


28- ولا يَصِحُّ عنه أنه احتجَمَ وهو صائم، قاله الإمام أحمد،
وقال حنبل: حدثنا أبو عبد الله، حدثنا وكيع، عن ياسين الزيات، عن رجل، عن أنس، أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم فى رمضان بعد ما قال: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ". قال أبو عبد الله: الرجل: أراه أُبان بن أبى




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صيام التطوع

1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم حتى يُقال: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى يُقال: لا يَصُومُ، وما استكمل صِيامَ شهر غيرَ رمضان، وما كان يصومُ فى شهر أكثر مما يَصُوم فى شعبان.
ولم يكن يخرُج عنه شهر حتى يَصُومَ مِنه.
2-ولم يَصُمِ الثَّلاثَة الأشهر سرداً كما يفعلُه بعضُ الناس، ولا صام رجباً قطُّ، ولا استحب صِيامَه، بل رُوى عنه النهى عن صيامه،


3-وكان يتحرَّى صِيام يوم الإثنين والخميس.
4-وقال ابنُ عباس رضى الله عنه: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يُفْطِرُ أَيَّامَ البِيض فى سَفَرٍ ولا حَضَر" وكان يحضُّ على صيامها.


5-وقال ابنُ مسعود رضى الله عنه: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كلِّ شهر ثلاثة أيام

6-وقالت عائشة: "لم يكن يُبالى مِن أىِّ الشهر صامها". ذكره مسلم، ولا تناقض بين هذه الآثار.


وأما صيامُ عشرِ ذى الحِجَّةِ، فقد اخْتُلِفَ فيه


1- فقالت عائشة: "ما رأيته صائماً فى العشر قط".ذكره مسلم.
2-وقالت حفصةُ:"أربعٌ لم يكن يَدَعُهُنَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صيامُ يومِ عاشوراءِ، والعشرُ، وثلاثةُ أيامٍ من كل شهر، وركعتا الفجر". ذكره الإمام أحمد رحمه الله.
3-وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه "كان يَصوم تسعَ ذي الحِجة، ويَصُومُ عاشوراء، وثلاثةَ أيامٍ من الشهر، أو الاثنين من الشهر، والخميس"،


صيامُ ستة أيام من شوَّال

،1- فصح عنه أنه قال: "صِيامُهَا مَعَ رَمَضَانَ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ".
2-وأما صيامُ يوم عاشوراء، فإنه كان يتحرَّى صومَه على سائِر الأيَّام، ولما قَدِمَ المدينة، وجد اليهودَ تصومُه وتُعظِّمُه، فقال: "نَحْنُ أَحَقُّ بمُوسى مِنْكُم". فصامه، وأمَر بصيامه، وذلك قبلَ فرض رمضان، فلما فُرِضَ رمضان، قال: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ ومَنْ شَاءَ تَرَكَه".



3- ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة، أنها قالت: كانت قُريشُ تصومُ يوم عاشوراء فى الجاهلية، وكان عليه الصلاةُ والسلامُ يصُومُه، فلما هاجر إلى المدينة، صامه، وأمرَ بصيامه، فلما فُرِضَ شهرُ رمضانَ قال: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَركَه".
4- ما ثبت فى الصحيحين أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله بن مسعود وهو يتغدَّى فقال: يا أبا محمد ؛ ادْنُ إلى الغَدَاءِ. فقال: أَوَ لَيْسَ اليومُ يومَ عاشُوراء؟ فقال: وهل تدرى ما يَوْمُ عاشُوراء؟ قال: وما هو؟ قال: إنما هُوَ يومٌ كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُه قبل أن يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فلما نزل رَمَضَانُ تركه.


5-وقد روى مسلم فى صحيحه عن ابن عباس، أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صام يَوْمَ عاشُوراء وأَمَرَ بِصيامِه، قَالُوا: يا رسولَ الله ؛ إنَّهُ يومٌ تُعظِّمُه اليهودُ والنَّصارى، فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كانَ العَامُ المُقْبِل إنْ شَاءَ الله صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِع".

6- ثبت فى الصحيحين عن معاويةبن أبى سفيان، سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "هذا يَوْمُ عَاشُوراء، ولم يَكْتُبِ الله عليكم صِيامَه، وأَنا صَائِمٌ، فمَن شَاءَ، فَلْيَصُمْ، ومَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِر ". ومعاوية إنما سمع هذا

7- مسلماً روى فى صحيحه عن عبد الله بن عباس، أنه لما قيل لِرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ هذا اليومَ تُعظِّمُه اليهودُ والنصارى قال: "إنْ بَقيتُ إلى قَابِل، لأصُومَنَّ التَّاسِعَ " فلم يأتِ العامُ القابِلُ حتى تُوفِّى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

2- ثم روى مسلم فى صحيحه عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيتُ إلى ابن عباس وهو متوسِّد رداءه فى زمزم، فقلتُ له: أخبرنى عن صوم عاشوراء. فقال:"إذا رَأَيْتَ هِلال المُحرَّم، فاعدُدْ، وأصبح يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِماً قُلْتُ: هَكَذَا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه؟ قال: نعم".



3- روى عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاء، وخَالِفُوا اليهودَ، صُومُوا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ"

.
تابع هدية فى الصوم


1-ولم يكن من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سردُ الصوم وصيام الدهر، بل قد قال: "مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لا صَامَ ولا أَفْطر".

2-فهَدْيُه الذى لا شك فيه، أن صيامَ يوم، وفِطرَ يومٍ أفضلُ من صوم الدهر، وأحبُّ إلى الله. وسرد صيام الدهر مكروه،

3-وقال: "إنَّ أَحَبَّ الصِّيام إلى اللهِ صِيامُ داوُدَ"،

-4: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وأَتْبَعَهُ سِتَّةَ أيَّامٍ مِنْ شَوَّال، فَكأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ".

5-وقال فيمن صام ثلاثة أيام من كل شهر: "إنَّ ذلِكَ يَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ"،

6-، فإنه جعل صيام ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر بمنزلة صيامِ الدهر، إذ الحسنةُ بعشر أمثالها،

7-، وكذلك قولُه فى صيام ستةِ أيام من شواَّل، إنه يَعْدِلُ مع صيام رمضان السنة، ثم قرأ: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، فهذا صيامُ ستة وثلاثين يوماً، تعدِل صِيام ثلاثمائة وستين يوماً،



8-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل على أهله فيقول: "هَلْ عِنْدَكُم شَىْءٌ"؟ فإن قالوا: لا. قال: "إنِّى إذاً صَائِم"، 9-فينشئ النية للتطوع من النهار،

10-وكان أحياناًينوى صوم التطوع، ثم يُفْطِرُ بعدُ، أخبرت عنه عائشة رضى الله عنها بهذا وهذا، فالأول: فى صحيح مسلم، والثانى: فى كتاب النسائى

11-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان صائماً ونزل على قوم، أتمَّ صيامه، ولم يُفْطِرْ، كما دخل على أم سُلَيمٍ، فأتته بتمر وسمن، فقال: "أَعِيدوا سَمْنَكُم فى سِقَائِه،وتَمْرَكُم فى وِعَائِه، فإنِّى صَائِم". ولكنَّ أمَّ سُلَيم كانت عنده بمنزلة أهل بيته،

12-وقد ثبت عنه فى "الصحيح": عن أبى هريرة رضى الله عنه: "إذا دُعِىَ أَحَدُكُم إلى طعام وَهُوَ صائِمٌ فَلْيَقُلْ: إنِّى صَائِم".



13-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كراهةُ تخصيصِ يومِ الجُمْعَةِ بالصَّومِ فِعلاً منه وقولاً، فصح النهىُّ عن إفراده بالصَّوم، من حديث جابر بن عبد الله، وأبى هريرة، ، وشرب يومَ الجمعة وهو على المنبر، يُريهم أنه لا يصومُ يومَ الجمعة، وعلل المنع من صومه بأنه يومُ عيد،

فروى الإمام أحمد،من حديث أبى هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَوْمُ الجُمْعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُم يَوْمَ صِيامِكُم إلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَه أَوْ بَعْدَه".



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الاعتكاف
1- شُرِع الاعتكاف فى أفضل أيام الصوم، وهو العشر الأخير من رمضان، ولم يُنقل عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه اعتكف مفطراً قَطُّ، بل قد قالت عائشة: لا اعتكاف إلا بصوم.ولم يذكر اللهُ سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، ولا فعله رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مع الصوم.



2-فالقول الراجح فى الدليل الذى عليه جمهورُ السَلَف: أن الصومَ شرطٌ فى الاعتكاف، وهو الذى كان يُرجِّحه بن تيمية.



3-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكِف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفَّاه الله عَزَّ وجَلَّ، وتركه مرة، فقضاه فى شوَّال.
4-واعتكف مرة فى العشر الأول، ثم الأوسط، ثم العشر الأخير، يلتمس ليلة القدر، ثم تبيَّن له أنها فى العشر الأخير، فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عَزَّ وجَلَّ.


5-وكان يأمر بخباءٍ فيُضرب له فى المسجد يخلُو فيه بربه عَزَّ وجَلَّ.
6-وكان إذا أراد الاعتكاف، صلَّى الفجر، ثم دخله، فأمر به مرة، فَضُرِب فأمر أزواجه بأخبيتِهنَّ، فضُرِبت، فلما صلَّى الفجر، نظر، فرأى تلك الأخبية، فأمر بخبائه فَقُوِّضَ، وترك الاعتكاف فى شهر رمضان حتى اعتكف فى العشر الأول من شوَّال.
7-وكان يعتكِفُ كل سنة عشرة أيام، فلما كان فى العام الذى قُبِض فيه اعتكف عشرين يوماً، وكان يعارضه جبريل بالقرآن كل سنةٍ مرة، فلما كان ذلك العام عارضة به مرَّتين، وكان يَعْرِضُ عليه القرآن أيضاً فى كل سنة مرة فعرض عليه تلك السنة مرَتَّين.
8-وكان إذا اعتكف، دخل قُبَّته وحدَه، وكان لا يدخل بيته فى حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان، وكان يُخْرِجُ رأسه من المسجد إلى بيت عائشة، فترجِّله، وتغسله وهو فى المسجد وهى حائض، وكانَتْ بعضُ أزواجه تزورُه وهو معتكِفٌ، فإذَا قامت تذهبُ، قامَ معها يَقْلِبُها، وكان ذلك ليلاً،


9-ولم يُباشر امرأة مِن نسائه وهو معتكف لا بِقُبلَةٍ ولا غيرها،

10- وكان إذا اعتكف طُرِحَ له فراشُه، ووضِع له سريرُه فى معتكفه،

11- وكان إذا خرج لحاجته، مرَّ بالمريض وهو على طريقه، فلا يُعرِّجُ عليه ولا يَسْأَلُ عنه. واعتكف مرة فى قبة تُركية، وجعل على سدتها حصيراً، كلّ هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه،



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حَجِّه وعُمَره



1-اعتمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَ الهِجرة أرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فى ذى القعْدة، الأولى: عُمرةُ الحُديْبِيَة، وهى أولاهُن سنةَ سِت، فصدَّه المشركون عن البيت، فنحرَ البُدْنَ حيثُ صُدَّ بالحُديبيةِ، وحَلَقَ هو وأصحابُه رؤوسهم، وحلُّوا من إحرامهم، ورجع مِن عامه إلى المدينة.
الثانية: عُمْرَةُ القَضِيَّةِ فى العام المقبل، دخل مكة فأقام بها ثلاثاً، ثمَّ خَرَجَ بعد إكمال عُمرتِه،


الثالثة: عُمرتُه التى قرنها مع حَجَّتِه، فإنه كان قارناً لبضعة عشر دليلاً، .
الرابعة: عُمرتُه من الجِعْرَانَةِ، لما خرج إلى حُنين، ثم رجع إلى مكة، فاعتمر مِن الجِعْرَانَةِ داخلاً إليها.
ففي الصحيحين عن أنس بنِ مالك قال: "اعتمَر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فى ذِى القِعْدَةِ، إلاَّ الَّتى كانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةٌ مِنَ الحُدَيْبيةِ أو زَمَنَ الحُدَيْبِيةِ فى ذى القِعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبل فى ذى القِعْدَةِ، وعُمْرَةٌ مِنَ الجِعْرانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِم حُنَيْنٍ فى ذى القعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِه".
ولم يُناقِضَ هذا ما فى "الصحيحين" عن البَّراء بن عازب قال: "اعتمر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذى القعْدَةِ قبل أن يحجَّ مرتين"،


لأنه أراد العُمْرة المفردَة المستقِلَّة التى تمَّت، ولا ريب أنهما اثنتانِ، فإن عُمرة القِران لم تكن مستقِلَّةٌ، وعُمرَة الحديبية صُدَّ عنها، وحيل بينه وبين إتمامها،

-ولذلك قال ابنُ عباس: "اعتمر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ: عُمْرَةَ الحُدَيْبِية، وعمرُةَ القضاءِ مِنْ قابل، والثالثة من الجِعْرَانَةِ، والرابِعة مع حَجَّته". ذكره الإمام أحمد.





2-ولم يكن فى عُمْرِهِ عُمْرَةٌ واحِدة خارجاً من مكة كما يفعلُ كثيرٌ من الناس اليوم، وإنما كانت عُمَرُهُ كُلُّها داخلاً إلِى مكة، وقد أقام بعد الوحى بمكة ثلاث عشرة سنة لم يُنقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة فى تلك المدة أصلاً.
فالعُمْرة التى فعلها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرعها، هى عُمْرةُ الداخل إلى مكة، لا عُمْرةُ مَن كان بها فيخرُج إلى الحل لِيعتمرَ، ولم يفعل هذا على عهده أحد قطُّ إلا عائشة وحدها بين سائر مَن كان معه، لأنها كانت قد أُهلَّت بالعُمرة فحاضت، فأمرها، فأدخلت الحجَّ على العُمرة، وصارت قارِنة، وأخبرها أنَّ طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعُمْرتها، فوجدت فى نفسها أن يَرجعَ صواحباتها بحج وعُمْرة مستقلين، فإنهنَّ كنَّ متمتعات ولم يحضن ولم يقرِنَّ، وترجعُ هى بعُمْرة فى ضمن حَجَّتها، فأمر أخاها أن يُعمِرَها من التنعيم تطييباً لقلبها، ولم يعتمِرْ هو من التنعيم فى تلك الحجَّة ولا أحد ممن كان معه


3-دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة بعد الهجرة خمسَ مرات سِوى المرةِ الأولى، فإنه وصل إلى الحُديبية، وصُدَّ عن الدخول إليها، أحرم فى أربع مِنهنَّ مِن الميقات لا قبله، فأحرم عام الحُديبية من ذى الحُليفة، ثم دخلها المرة الثانية، فقضى عُمْرته، وأقام بها ثلاثاً، ثم خرج، ثم دخلها فى المرة الثالثة عامَ الفتح فى رمضان بغير إحرام، ثم خرج منها إلى حُنين، ثم دخلها بعُمْرة من الجِعرانة ودخلها فى هذه العُمْرة ليلاً، وخرج ليلاً، فلم يخرج من مكة إلى الجِعرانة ليعتمِر كما يفعلُ أهلُ مكة اليوم، وإنما أحرم منها فى حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عُمْرته ليلاً، رجع من فوره إلى الجِعرانة، فبات بها، فلما أصبح وزالتِ الشمسُ، خرج من بطن سَرِفَ حتى جامَع الطريق [طريق جَمْعٍ بِبَطْنِ سَرِف]، ولهذا خفيت هذه العُمرة على كثير من الناس.



4-والمقصود، أن عُمَرَهُ كلَّها كانت فى أشهر الحج، مخالفةً لهَدْى المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العُمْرة فى أشهر الحج، ويقولون: هى من أفجر الفجُور،

-وهذا دليل على أن الاعتمار فى أشهر الحج أفضلُ منه فى رجب بلا شك.
وأما المفاضلةُ بينه وبين الاعتمار فى رمضان، فموضع نظر، فقد صح عنه أنه أمر أم مَعقِل لما فاتها الحجُ معه، أن تعتمِرَ فى رمضان، وأخبرها أَنَّ عُمْرَةً فى رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّة.


5-ولم يُحفظ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أنه اعتمر فى السنة إلا مرَّة واحدة، ولم يعتمِرُ فى سنة مرتين، وقد ظن بعضُ الناس أنه اعتمَرَ فى سنة مرتين



رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17-06-2017, 02:14 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

-: فى سياق هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حَجَّته
1-لا خلاف أنَّه لم يَحُجَّ بعد هجرته إلى المدينة سِوى حَجَّةٍ واحدة، وهى حَجة الوَداع، ولا خلاف أنها كانت سنةَ عشر.
2-ولما عزم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحجِّ أعلم الناس أنه حاج، فتجهزوا للخروج معه، وسمِع ذلك مَنْ حول المدينة، فَقَدِمُوا يُريدون الحجَّ مع رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووافاه فى الطريق خلائقُ لا يُحصَون، فكانُوا مِن بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله مدَّ البصر، وخرجَ من المدينة نهاراً بعد الظهر لِسِتٍّ بَقِينَ مِن ذى القِعْدةِ بعد أن صلَّى الظهرَ بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خُطبةً علَّمهم فيها الإحرام وواجباتِه وسننه.
وقال ابن حزم: وكان خروجُه يومَ الخميس، قال ابن حزم: وقد نصَّ ابنُ عمر على أن يَوْمَ عرفة، كان يَوْمَ الجمعة،


3-وفى "الصحيحين"، عن عائشةَ رضى الله عنها قالت: خرجنا مَعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حَجَّةِ الوداع، فأهللنا بعُمرة، ثم قال: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيُهلَّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ، ثُمَّ لا يَحِلّ حتَّى يَحلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً، فطاف الَّذِينَ أَهَلُّوا بالعُمْرةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثم طَافُوا طَوَافاً آخَرَ بَعْدَ أنْ رَجَعُوا مِنْ مِنَى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، فإنَّمَا طَافُوا طَوَافَاً واحِداً".



4-وصحَّ أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِعائِشة: "إنَّ طوافَكِ بالبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ، يَكْفِيكِ لحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ".



5-وفى "الصحيحين" عن جابر قال: دخل رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عائشة، ثم وجدَها تبكى فَقَالَ: "ما يُبْكِيكِ" ؟ فقالت: قد حِضْتُ وقد حَلَّ الناس ولم أَحِلَّ ولم أطُفْ بالبَيْتِ، فقال: "اغْتَسِلى ثُمَّ أهلِّى" ففعلت، ثم وقفت المواقِفَ حتى إذا طهُرت، طافت بالكعبة وبالصفا والمَرْوَةِ، ثم قال:"قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعاً".


وهذا يدل على ثلاثة أُمور،


أحدها: أنها كانت قارنة، والثانى: أن القارن يكفيه طوافٌ واحدٌ وسعىٌ واحد. والثالث: أنه لا يجب عليها قضاءُ تِلك العُمْرةِ التى حاضت فيها، ثم أدخلت عليها الحجَّ، وأنها تَرْفُض إحرام العُمْرة بحيضها، وإنما رفضت أعمالها والاقتصارَ عليها، وعائشة لَم تَطُفْ أولاً طوافَ القُدوم، بل لم تَطُفْ إلا بعْدَ التَّعريفِ، وسعت مع ذلك، فإذا كان طوافُ الإفاضة والسعىُ بعدُ يكفى القارِنَ، فلأن يكفيه طوافُ القدوم مع طواف الإفاضة، وسعي واحد مع أحدهما بطريق الأَوْلى، لكن عائشة تعذَّر عليها الطواف الأول، فصارت قصَّتها حُجَّةً،

فإن المرأة التى يتعذَّر عليها الطوافُ الأول، تفعلُ كما فعلت عائشة، تُدخِلُ الحَجَّ على العُمْرة، وتصيرُ قارنةً، ويكفيها لهما طوافُ الإفاضة والسعىُ عقيبه.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى العقيقة


1-: سُئل رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ العَقِيقَةِ، فقال: "لا أُحِبُّ العُقُوقَ" وكَأَنَّهُ كَرِهَ الاسْمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ؛ يَنْسُكُ أَحَدُنَا عَنْ وَلَدِهِ؟ فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أنَ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ، فَلْيَفْعَلْ: عَنِ الغُلاَم شَاتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاة".
2-وصح عنه من حديث عائِشَةَ رضى الله عنها: "عَنِ الغُلام شَاتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ".
3-وقال : "كُلُّ غُلاَم رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، ويُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى".


قال الإمام أحمد: معناه: أنه محبوسٌ عن الشفاعة فى أبويه، والرهن فى اللُّغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وظاهر الحديثِ أنه رهينةٌ فى نفسه، ممنوعٌ محبوس عن خير يُراد به، ولا يلزمُ من ذلك أن يُعاقَب على ذلك فى الآخرة، وإن حُبِسَ بترك أبويه العقيقةَ عما ينالُه مَنْ عَقَّ عنه أبواه، وقد يفوتُ الولَد خير بسبب تفريطِ الأبوين وإن لم يكن مِن كسبه، كما أنَّه عند الجِماع إذا سمَّى أبوه، لم يضرَّ الشيطانُ ولَدَه، وإذا ترك التسميةَ، لم يحصل للولد هذا الحِفْظُ.


4-وأيضاً فإنَّ هذا إنما يدُلُّ على أنها لازمة لا بُد منها، فشبه لزومَها وعدَمَ انفكاك المولود عنها بالرهن. وقد يَسْتَدِلُّ بهذا مَن يرى وجوبَها كالليث بن سعْد والحسن البصرى، وأهل الظاهر. والله أعلم.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تسمية المولود وخِتانه


1-عن سَمُرَةَ فى العقيقة: "تُذْبَحُ يَوْمَ سًَابِعِهِ وَيُسَمَّى"


-، فأمّا الخِتَان، فقال ابنُ عبّاس: كانوا لا يختنون الغلام حتى يُدرِكَ، -أبا عبد الله قال: وإن خُتِنَ يومَ السابع، فلا بأس، . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فصار خِتان إسحاق سُنَّة فى ولده، وخِتان إسماعيل سُنَّة فى ولده، وقد تقدَّم الخلافُ فى ختان النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى كان ذلك.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأسماء والكُنى
1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ، لاَ مَلِكَ إلاَّ اللهُ".
2-وثبت عنه أنه قال: " أحَبُّ الأسْمَاءِ إلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وهَمَّامٌ، وأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةٌ".
3-وثبت عنه أنه قال: "لا تُسَمِينَّ غُلامَكَ يَسَاراً وَلاَ رَبَاحاً وَلاَ نَجِيحاً وَلاَ أَفْلَحَ، فَإنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّتَ هُوَ؟ فَلاَ يَكُونُ، فَيُقَالُ: لا".


4-وثبت عنه أنه غيَّر اسم عاصية، وقال: "أنتِ جَميلَةٌ".
5-وكان اسم جُوَيْريَةَ: بَرَّةً، فغيَّره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم جُوَيْرِيَة.
6-وقالت زينبُ بنتُ أمِّ سلمة: نهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُسَمَّى بِهذا الاسمِ، فَقَالَ: "لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ البِّر مِنْكُم".
7-وغيَّر اسم أَصْرَم بزُرعةَ، وغيَّرَ اسمَ أبى الحَكَم بأبى شُرَيْحٍ.
8-وغيَّرَ اسم حَزْن جدِّ سعيد بن المسيب وجعله سَهلاً فأبَى، وقال "السَّهْلُ يُوطَأ وَيُمْتَهَنُ".


9-قال أبو داود: وغيَّرَ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمَ العَاصِ، وعَزِيز، وعَتْلَةَ، وشَيطَان والحَكَم، وغُراب، وحُباب، وشِهاب، فسماه هِشاماً، وسمِّى حرباً سِلْماً، وسمَّى المضطجعَ المنبعِثَ، وأرضاً عَفْرَةً سمَّاها خَضِرَةً، وشِعْبُ الضَّلالَةِ سماه شِعْبَ الهُدى، وبنو الزِّنية سماهم بنى الرِّشدة، وسمَّى بنى مُغوِيَةَ بنى رِشْدَةَ.


فى فقه هذا الباب



1-لما كانت الأسماءُ قوالِبَ للمعانى، ودالَّةً عليها، اقتضتِ الحكمةُ أن يكونَ بينها وبينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبى المحضِ الذى لا تعلُّقَ له بها، فإن حِكمة الحكيم تأبى ذلك، والواقِعُ يشهد بِخَلافه، 2-بل للأسماء تأثيرٌ فى المسميَات، وَلِلْمُسَمَّيَاتِ تأثُّر عن أسمائها فى الحُسن والقبح، والخِفَّة والثِّقَل، واللطافة والكَثَافة، كما قيل:
وقلَّما أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَبٍ ... إلاَّ وَمَعْنَاهُ إن فَكَّرتَ فى لَقَبِهْ
3-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحِبُّ الاسم الحسَن،


4- وأمر إذا أَبْرَدُوا إليهِ بَرِيداً أن يَكُونَ حَسَنَ الاسْمِ حَسَنَ الوَجْهِ. 5-وكانَ يأخذ المعانى من أسمائِهَافى المنامِ واليقظة، كما رأى أنه وأصحابَه فى دار عُقبة بن رافِع،

6- فأُتُوا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابَ، فأَوَّله بأن لهم الرفعةَ فى الدنيا، والعاقبةَ فى الآخرةِ، وأنَّ الدِّينَ الذى قد اختاره الله لهم قد أرطب وطَابَ،

7- وتَأوَّلَ سُهولة أمرِهم يومَ الحديبية مِن مجيئ سُهيل بن عمرو إليه.
8-وندب جماعة إلى حلب شاة، فقام رجلٌ يحلُبها، فقال: "ما اسْمُكَ"؟ قال: مُرَّة، فقال: "اجْلِسْ"، فَقَامَ آخَرُ فقال: "ما اسْمُكَ"؟ قال: أظنه حَرْب، فقال: "اجْلِسْ"، فَقَامَ آخرُ فقال: "ما اسْمُكَ"؟ فقال: يَعِيشُ، فَقَال: "احلُبها".
9-وكان يكره الأمكِنةَ المنكرةَ الأسماء، ويكره العُبُورَ فيها، كمَا مَرَّ فى بعضِ غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضِحٌ ومُخزٍ، فعدلَ عنهما، ولَم يَجُزْ بينهما.
$$-ولما كان بين الأسماء والمسميَّاتِ مِن الارتباط والتناسُبِ والقرابةِ،ما بين قوالب الأشياءِ وحقائِقها، وما بينَ الأرواحِ والأجسامِ، عَبَرَ العَقْلُ مِن كل منهما إلى الآخر،


10- كما كان إياسُ بن معاوية وغيرُه يرى الشخصَ، فيقولُ: ينبغى أن يكونَ اسمُه كَيْتَ وكَيْتَ، فلا يكاد يُخطىءُ، وضِدُّ هذا العبور من الاسم إلى مسماه،

11-كما سأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجلاً عن اسمه، فقال: جَمْرَةُ، فقال: واسمُ أبيك؟ قال: شِهَابٌ، قال: مِمَّن؟ قال: مِنَ الحُرَقَةِ، قال: فمنزلُك؟ قال: بِحرَّة النَّار، قال: فأينَ مسكنُكَ؟ قال: بِذَاتِ لَظَى. قال: اذهَبْ فقد احترق مسكنك، فذهب فوجد الأمرَ كذلك،

-فَعَبَرَ عمر من الألفاظ إلى أرواحها ومعانيها، كما عَبَرَ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اسم سُهيل إلى سهولة أمرهم يَوْم الحُديبية، فكان الأمرُ كذلك،

12- وقد أمر النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بتحسين أسمائهم، وأخبر أنهم يُدعَوْنَ يومَ القِيَامَةِ بها، وفى هذا - والله أعلم - تنبيهٌ على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء، لتكون الدعوة على رؤوس الأشهاد بالاسم الحسنِ، والوصفِ المناسِبِ له.
13-وتأمل كيف اشتُقَّ للنبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن وصفه اسمان مطابقان لمعناه، وهما أحمد ومحمَّد، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محمَّد، ولِشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد، فارتبط الاسمُ بالمسمى ارتباطَ الروحِ بالجسد،


14- وكذلك تكنيتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى الحكم بن هشام بأبى جهل كنية مطابقة لوصفه ومعناه، وهو أحقُّ الخَلْقِ بهذه الكُنية

15-، وكذلِك تكنيةُ الله عَزَّ وجَلَّ لعبد العُزَّى بأبى لهب، لما كان مصيره إلى نار ذاتِ لهب، كانت هذه الكُنية أليقَ به وأوفقَ، وهو بها أحقُّ وأخلقُ.

16-ولما قَدِمَ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، واسمها يَثْرِبُ لا تُعرف بغير هذا الاسم، غيَّره ب "طيبة" لمَّا زال عنها ما فى لفظ يثرِب من التثريب بما فى معنى طَيبة من الطِّيب، استحقت هذا الاسم، وازدادت به طيباً آخر، فأثَّر طِيبُها فى استحقاق الاسم، وزادها طِيباَ إلى طيبها.
$$-ولما كان الاسمُ الحسنُ يقتضى مسمَّاه، ويستدعيه من قرب،


18-قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده: "يَابَنى عَبْد اللهِ، إنَّ اللهَ قَدْ حَسَّنَ اسْمَكُم واسْمَ أَبِيكُم"

فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بحسن اسم أبيهم، وبما فيه من المعنى المقتضى للدعوة،

مثال: وتأمل أسماءَ الستة المتبارِزين يومَ بدر كيف اقتضى القَدَرُ مطابقة أسمائهم لأحوالهم يومئذ، فكان الكفارُ: شيبة، وعُتبةَ، والوليدَ، ثلاثة أسماء من الضعف، فالوليدُ له بداية الضعف، وشيبة له نهاية الضعف، كما قال تعالى: {اللهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم: 54] وعُتْبة من العتب، فدلت أسماؤهم على عتبٍ يَحِلُّ بهم، وضَعْفٍ ينالُهم،

وكان أقرانهم من المسلمين: علىٌ، وعبيدةُ، والحارِث، رضى الله عنهم، ثلاثة أسماء تُناسب أوصافهم،

وهى العلو، والعبودية، والسعى الذى هو الحرث فعَلَوْا عليهم بعبوديتهم وسعيهم فى حرث الآخرة،

$$-ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه، ومؤثِّراً فيه،

19- كان أحبُّ الأسماءِ إلى اللهِ ما اقتضى أحبَّ الأوصاف إليه، كعبدِ الله، وعبدِ الرحمن، وكان إضافةُ العبودية إلى اسم الله، واسم الرحمن، أحبَّ إليه من إضافتها إلى غيرهما، كالقاهر، والقادر، فعبدُ الرحمن أحبُّ إليه من عبد القادر، وعبدُ اللهِ أحبُّ إليه من عَبْدِ ربِّه، وهذا لأن التعلق الذى بين العبد وبين الله إنما هو العبوديةُ المحضة، والتعلُّقُ الذى بين اللهِ وبينَ العبد بالرحمة المحضة، فبرحمته كان وجودُه وكمالُ وجوده، والغايةُ التى أوجده لأجلها أن يتألّه له وحده محبةً وخوفاً، ورجاءاً وإجلالاً وتعظيماً، فيكون عَبْداً لِلَّهِ وقد عبده لما فى اسم الله من معنى الإلهية التى يستحيلُ أن تكون لغيره، ولما غلبت رحمتُه غضَبه وكانت الرحمةُ أحبَّ إليه من الغضب، كان عبدُ الرحمن أحبَّ إليه من عبد القاهر.



$$-ولما كان كلُّ عبد متحركاً بالإرادة، والهمُّ مبدأُ الإرادة،

20- ويترتب على إرادته حركتُه وكسبُه، كان أصدقَ الأسماء اسمُ همَّام واسمُ حارث، إذ لا ينفكُّ مسماهما عن حقيقة معناهما،

21-ولما كان المُلْكُ الحقُّ لِلَّهِ وحده، ولا ملك على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم وأوضَعه عند الله، وأغضَبه له سمُ "شاهان شاه" أى: ملكُ الملوك، وسلطانُ السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله، فتسميةُ غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يُحب الباطلَ.
وقد ألحقَ بعض أهل العلم بهذا: "قاضى القضاة" وقال: ليس قاضىالقضاة إلا مَن يقضى الحقّ وهو خيرُ الفاصلين، الذى إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن فيكون.
22-ويلى هذا الاسم فى الكراهة والقبح والكذب: سيِّدُ الناس، وسيِّدُ الكل، وليس ذلك إلا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، كما قال: "أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ" فلا يجوز لأحد قطُّ أن يقول عن غيره: إنَّه سيِّدُ الناس وسيِّدُ الكل، كما لا يجوز أن يقول: إنَّه سيِّد ولدِ آدم.
23-ولما كان مسمى الحربِ والمُرَّة أكرَه شئ للنفوس وأقبَحَها عندها، كان أقبحُ الأسماء حرباً ومُرَّة، وعلى قياس هذا حنظلة وحَزْن، وما أشبههما، وما أجدرَ هذه الأسماء بتأثيرها فى مسمياتها، كما أثَّر اسم "حَزْن" الحزونة فى سعيد بن المسيِّب وأهلِ بيته.
24-ولما كان الأنبياءُ ساداتِ بنى آدم، وأخلاقُهم أشرفَ الأخلاق وأعمالُهم أَصَحَّ الأعمال، كانت أسماؤهم أشرفَ الأسماء، فندب النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته إلى التسمى بأسمائهم، كما فى سنن أبى داود والنسائى عنه: "تَسَمَّوْا بأَسْمَاءِ الأنْبِيَاءِ" ولو لم يكن فى ذلك من المصالح إلا أن الاسمَ يُذَكِّرُ بمسمَّّاه، ويقتضى التعلُّقَ بمعناه، لكفى به مصلحةً مع ما فى ذلك من حفظ أسماء الأنبياء وذِكرها، وأن لا تُنسى، وأن تُذكِّر أسماؤُهم بأوصافهم وأحوالهم.



25-وأما النهى عن تسمية الغلام ب: يسار وأفلحَ ونجيح ورباح، فهذا لمعنى آخر قد أشار إليه فى الحديث، وهو قوله: "فإنك تقولُ: أَثَمَّتَ هو؟ فيُقال: لا" - فإن هذه الأسماء لما كانت قد تُوجب تطيُّراً تكرَهه النفوس، ويَصُدُّها عما هى بصدده، ، فقلَّ مَن تطيَّر إلاووقعت به طِيرَتُه، وأصابه طائرُه، اقتضت حكمةُ الشارع، الرءوف بأُمَّته، الرحيمِ بهم، أن يمنعَهم من أسبابٍ تُوجب لهم سماعَ المكروه أو وقوعَه، وأن يعدل عنها إلى أسماء تُحَصِّلُ المقصودَ من غير مفسدة، هذا أولى، مع ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه، بأن يُسمى يساراً مَن هو مِن أعسر الناس، ونجيحاً مَن لا نجاح عنده، ورَبَاحاً مَن هو من الخاسرين، فيكون قد وقع فى الكذب عليه وعلى الله، وأمر آخر أيضاً وهو أن يُطالَب المسمَّى بمقتضى اسمه، فلا يُوجد عنده، فيجعل ذلك سبباً لذمِّة وسبِّه،

26- وأمر آخر: وهو ظنُّ المسمى واعتقادُه فى نفسه أنه كذلك، فيقعُ فى تزكية نفسه وتعظيمها وترفُّعِهَا على غيره، وهذا هو المعنى الذى نهى النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجله أن تُسمى "بَرَّة" وقال: "لا تُزَكُّوا أنْفُسَكُم، الله أعْلَمُ بِأَهْلِ البِرِّ مِنْكُم".
وعلى هذا فتُكره التسمية ب: التَّقى، والمتَّقى، والمُطيعِ، والطائع، والراضى، والمُحسن، والمخلِص، والمنيب، والرشيدِ، والسديد.




وأما الكُنْية

1- فهى نوعُ تكريم لِلمَكْنِّى وتنويهٌ به كما قال الشاعر:
أَكْنِيهِ حينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَه ... وَلاَ أُلِقِّبُهُ وَالسَّوْءَةُ اللَّقَبُ
2-وكنَّى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُهيباً بأبى يحيى، وكًَنَّى علياً رضى الله عنه بأبى تراب إلى كنيته بأبى الحسن، وكانت أحبَّ كنيته إليه، وكنَّى أخا أنسِ بن مالك وكان صغيراً دون البلوغ بأبى عُمير.
3-وكان هَدْيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكنيةَ مَن له ولد، ومَن لا ولد له، ولم يثبُت عنه أنه نهى عن كُنية إلا الكنية بأبى القاسم، فصح عنه أنه قال: "تسمَّوْابِاسْمِى وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيتِى "


4- ونهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تسمية العِنَبِ كَرْماً وقال: "الكَرْمُ قَلْبُ المُؤمِنِ" وهذا لأن هذه اللفظةَ تَدُلُّ على كثرة الخير والمنافع فىالمسمَّى بها، وقلبُ المؤمن هو المستحِقُّ لذلك دون شجرة العِنَب، ولكن: هل المرادُ النهىُ عن تخصيصِ شجرة العِنب بهذا الاسم، وأن قلب المؤمن أولى به منه، فلا يُمنع من تسميته بالكَرْم كما قال فى "المِسكين" و"الرَّقُوب" و"المُفلِسِ



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حفظ المنطق واختيار الألفاظ
...

1-كان يتخيَّر فى خِطابه، ويختارُ لأُمته أحسنَ الألفَاظ، وأجملها، وألطفها، وأبعَدها من ألفاظ أهلِ الجفاء والغِلظة والفُحش، فلم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً ولا صَخَّاباً ولا فَظَّاً.
2-وكان يكرهُ أن يُسْتَعْمَلَ اللفظُ الشريفُ المصونُ فى حقِّ مَنْ ليس كذلك، وأن يُسْتَعمل اللفظُ المَهينُ المكروه فى حقِّ مَن ليس مِن أهله.
3-فمِن الأول منعهُ أن يُقال للمنافق: "يا سيدنا" وقال: "فإنَّه إنْ يكُ سَيِّداً فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُم عَزَّ وَجَلَّ"، ومنعُه أن تُسمى شجرةُ العِنب كَرْماً، ومنعُه تسمية أبى جهل بأبى الحَكَم، وكذلك تغييره لاسم أبى الحكم من الصحابة: بأبى شريح، وقال: "إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكمُ".
4-ومِن ذلك نهيُه للمملوك أن يقول لسيِّده أو لسيدته: ربِّى وَرَبَّتِى، وللسَّيِّدِ أن يقول لمملوكِهِ: عَبْدِى، ولَكِن يَقُولُ المالِكُ: فَتَاىَ وفَتَاتِى، ويَقُولُ المملوكُ: سيِّدى وسيِّدتى،
5-ومن ذلك قولُه: "لاَ تَقُولُوا: مَاشَاءَ اللهُ وشَاءَ فُلانٌ، وَلَكِن قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ مَا شَاءَ فُلاَنٌ"، وقال له رجل: ما شَاءَ اللهُ وشِئْتَ، فَقَالَ: "أَجَعلْتَنِى لِلَّهِ نِدَّاً؟ قُل: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ".
وفى معنى هذا الشرك المنهى عنه قولُ مَن لا يتوقَّى الشرك: أنا باللهِ وَبِكَ، وأنا فى حَسْبِ اللهِ وحَسْبِكَ، وما لى إلا اللهُ وأنتَ، وأنا متوكِّل على الله وعليك، وهذا من اللهِ ومِنك، واللهُ لى فى السماء وأنت لى فى الأرض، وواللهِ وحياتِك، وأمثال هذا من الألفاظ التى يجعل فيها قائِلُهَا المخلوقَ نِدّاً للخالق، وهى أشدُّ منعاً وقُبْحاً من قوله: ما شَاءَ اللهُ وشئتَ.




: فى النهى عن سب الدهر
وأما القِسْمُ الثانى وهو أن تُطلق ألفاظُ الذمِّ على مَن ليس مِن أهلها


1-، فمثلُ نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سبِّ الدهرِ، وقال: "إنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ"، وفى حديث آخر: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينى ابْنُ آدَمَ فَيَسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بِيَدِى الأَمْرُ أَقلِّبُ اللَّيلَ والنَّهَارَ" ، وفى حديث آخر " لا يَقُولَنَّ أحَدُكُم: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ".
فى هذا ثلاثُ مفاسد عظيمة.


إحداها: سَبُّه مَنْ ليس بأهلٍ أن يُسَب،فإن الدهرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ مِن خلق الله، منقادٌ لأمره، مذلَّلٌ لتسخيره، فسابُّه أولى بالذمِّ والسبِّ منه.
الثانية: أن سبَّه متضمِّن للشرك، فإنه إنما سبَّه لظنَّه أنه يضرُّ وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد ضرَّ مَن لا يستحق الضرر، وأعطى مَن لا يستحقُّ العطَاءَ، ورفع مَن لا يستحقُّ الرِّفعة، وحرم مَن لا يستحِقُ الحِرمان، وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة، وأشعارُ هؤلاء الظلمة الخونة فى سبِّه كثيرةٌ جداً، وكثيرٌ من الجُهَّال يُصرِّح بلعنه وتقبيحِه.
الثالثة: أن السبَّ منهم إنما يقعُ على مَن فعل هذه الأفعال التى لو اتَّبَعَ الحقُّ فيها أهواءَهم لفسدتِ السماواتُ والأرض، وإذا وقعت أهواؤُهم، حَمِدُوا الدهرَ، وأَثْنَوْا عليه. وفى حقيقةِ الأمر، فَربُّ الدهر تعالى هو المعطى المانِعُ، الخافِضُ الرافعُ، المعزُّ المذِلُّ، والدهرُ ليس له من الأمر شئ، فمسبَّتهم للدهر مسبَّة للَّه عَزَّ وجَلَّ، ولهذا كانت مؤذيَةً للربِّ تعالَى، كما فى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قالَ الله تَعالَى: يُؤْذِينى ابْنُ آدَمَ ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وأَنَا الدَّهْرُ"،


- فسابُّ الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما. إما سبُّه لِلَّهِ، أو الشِّركُ به، فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذى فعل ذلك وهو يسبُّ مَن فعله، فقد سبَّ الله.
2-ومن هذا قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَقُولَنَّ أحَدُكُم: تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإنَّهُ يَتَعَاظَمُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، فَيَقُولُ: بِقُوَّتِى صَرَعْتُهُ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: بسْمِ اللهِ، فَإنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ".


3-ومثل هذا قولُ القائل: أخزى الله الشيطان، وقبَّح اللهُ الشيطان، فإن ذلك كله يفرحه ويقول علم ابن آدم أنى قد نلته بقوتى، وذلك مما يعينه على إغوائه، ول

ا يفيده شيئاً، فأرشد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مسه شىء من الشيطان أن يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه، ويستعيذ بالله منه، فإن ذلك أنفع له، وأغيظ للشيطان



: فى النهى عن قول الرجل: خبثت نفسى ]
1-مِن ذلك: نهيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقولَ الرجل: "خَبُثَتْ نَفْسِى، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى" ومعناهما واحد: أى: غَثَتْ نفسى، وساء خُلُقُها، فكره لهم لفظَ الخُبث لما فيه من القُبح والشنَاعة، وأرشدهم إلى استعمال الحسن، وهجران القبيح، وإبدالِ اللفظ المكروه بأحسن منه.
2-ومِن ذلك نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قول القائل بعد فواتِ الأمر: "لَو أنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا" وقال: "إنَّ "لو" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" وأرشده إلى ما هو أنفعُ له من هذه الكلمة، وهو أن يقول: "قَدَّرَ اللهُ ومَا شَاءَ فَعَلَ" وفى ضمن "لو" ادعاء أن الأمر لو كان كما قدَّره فى نفسه، لكان غيرَ ما قضاه الله وقدَّرَه وشاءه، فإنَّ ما وقع مما يتمنَّى خلافَه إنما وقع بقضاء الله وقَدَرِه ومشيئته،


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذِّكْر

كان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكملَ الخلق ذِكْراً للّه عَزَّ وجَلَّ، بل كان كلامُه كُلُّهُ فى ذِكر الله وما والاه، وكان أمرُهُ ونهيُه وتشريعُه للأمة ذِكْراً منه لِلَّهِ، وإخبارُهُ عن أسماءِ الربِّ وصِفاتِه، وأحكامِهِ وأفعاله، ووعدِه ووعيده، ذِكراً منه له، وثناؤُه عليه بآلائه، وتمجيدُه وحمدُه وتسبيحُه ذكراً منه له، وسؤالُه ودعاؤه إياه، ورغبتُه ورهبتُه ذِكراً منه له، وسكوته وصمتُه ذِكراً منه له بقلبه، فكان ذاكراً للّه فى كل أحيانه، وعلى جميع أحواله، وكان ذِكْرُهُ لِلًَّهِ يجرى مع أنفاسه، قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفى مشيه وركوبه ومسيره، ونزولِه وظعنه وإقامته.
1-وكان إذا استيقظَ قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أحْيانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ".
2-وقالت عائشةُ: كان إذَا هَبَّ مِنَ اللَّيْلِ، كَبَّر اللهَ عَشْراً، وحَمِدَ الله عَشْراً، وقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ" عَشْراً، "سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ" عَشْراً، واسْتَغْفَرَ اللهَ عَشْراً، وهَلَّلَ عَشْراً، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنيَا، وَضِيقِ يَوْمِ القِيَامَةِ" عَشْراً، ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ الصلاة.


3-وقالت أَيْضاً: كَانَ إذا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "لاَ إلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِى، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللهُمَّ زِدْنِى عِلَمَاً وَلاَ تُزِغْ قَلْبِى بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنِى، وَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ " ذكرهما أبو داود
4-وأخبر أنَّ مَن استيقظَ من اللّيْل فَقَالَ: "لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ، الحمدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ} [العَلِىِّ العَظِيمِ]" - ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ اغْفِر لِى - أَوْ دعا بدعاء آخر، - استُجِيبَ لَهُ، فإنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، قُبِلَتْ صَلاَتُه" ذكره البخارى


5-وقال ابنُ عباس عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ مَبيتِهِ عِنْدَهُ: إنَّهُ لَمَّا اسْتَيْقَظَ، رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَواتِيمُ مِنْ سُورَةِ "آلِ عِمْرَانَ": {إنَّ فِى خَلْقِ السَّموَاتِ والأرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخِرِها.
ثم قال: " اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَاواتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إلهِى، لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ العَلِىِّ العَظِيمِ".
6-وقد قالت عائشةُ رضى الله عنها: كَانَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ قال: " اللهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إهْدِنِىلِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بإذنك، إنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
7-ورُبَّمَا قالت: كان يفتتِحُ صلاتَهُ بِذَلكَ، وكانَ إذا أوتر، ختم وتره بعدَ فَراغِهِ بِقولِه: "سُبْحَانَ الملِكِ القُدُّوسِ" ثلاثاً، ويَمُدُّ بالثَّالِثَةِ صَوْتَه.
8-وكَانَ إذَا خَرجَ مِن بَيتِهِ يَقُولُ: "بسم الله، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، اللهُمَّ إنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أَو أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ" حَدِيث صحيح.
9-وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، يُقَالُ لَهُ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ،وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ "
10-وقال ابنُ عباس عنه ليلةَ مبيته عِندهُ: إنَّهُ خرج إلى صَلاةِ الفجر وهُو يَقُولُ: "اللهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُوراً، واجْعَلْ فِى لِسَانِى نُورَاً، وَاجْعَلْ فِى سَمْعِى نُورَاً، واجْعَلْ فِى بَصَرِى نُورَاً، واجْعَلْ مِنْ خَلْفِى نُورَاً، ومِنْ أمَامِى نُوراً، واجْعَلْ مِنْ فَوْقِى نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ تَحْتِى نُوراً، اللهُمَّ أعْظِمْ لِى نُوراً".
11-، وذكر أبو داود عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان إذا دخل المسجدَ قال : "أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ، وبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،فَإذَا قَالَ ذلِكَ قال الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّى سَائِرَ اليَوْمِ".
12-وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِى أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ".
13-وَذُكر عنه: "أنَّهُ كانَ إذَا دَخَلَ المَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِى ذنوبى، وافْتَحْ لِى أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإذَا خَرَجَ صَلَّى عَلى مُحمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّم، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَح لِى أبْوَابَ فَضْلِكَ 14-وكَانَ إذَا صلَّى الصُّبْحَ، جَلَسَ فى مُصلاَّه حَتَّى تطلُعَ الشَّمْسُ يَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.
15-وكان يقول إذَا أَصْبَحَ: "اللهُمَّ بِكَ أصْبَحْنَا، وَبِكَ أمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبكَ نَمُوتُ، وَإلَيْكَ النُّشُورُ" حديث صحيح


16-وكان يَقُولُ: "أصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِى هذَا اليَوْم، وَخَيْرَ مَا بَعْدَهُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شرِّ هذَا اليَوْمِ، وَشرِّ مَا بَعْدَهُ، رَبِّ أعُوذُ بِكًَ مِنَ الكَسَلِ، وَسُوءِ الكِبَر، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فى النَّارِ، وعَذَابٍ فى القَبْرِ، وإذَا أمْسَى قَالَ: أمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ..." إلى آخِرِهِ. ذكره مسلم
18-وقال له أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضىَ اللهُ عنهُ: مُرْنى بِكَلِمَاتٍ أقُولُهُنَّ إذَا أصْبَحْتُ وإذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ: قُلْ: "اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَىءٍ وَمَلِيكَهُ وَمَالِكه، أشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ أنْتَ، أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ نَفْسِى، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكهِ، وأنْ أقْتَرِفَ عَلَى نَفسِى سُوءاً أوْ أَجُرَّهُ إلَى مُسْلِمٍ" قال: "قُلْهَا إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ، وإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ" حديث صحيح
19-وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فى صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىءٌ فى الأرْضِ وَلاَ فى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ - ثَلاَتَ مَرَّاتٍ - إلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَىْء " حديث صحيح


20-وقال: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: رَضِيتُ بِاللهِ رَبَّاً، وَبِالإسْلاَمِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أنْ يُرْضِيَهُ" صححه الترمذى والحاكم
22-وقالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِى مِنْ نِعْمَةٍ أوْ بأحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِيْنَ يُمْسِى، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ" حديث حسن
23-وكَانَ يدعو حينَ يُصبح وحينَ يُمْسِى بهذِهِ الدعَواتِ: "اللهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ العَافِيَةَ فى الدُّنْيَا والآخِرَة، اللهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِية فى دِينِى وَدُنْيَاىَ وَأهْلِى وَمَالِى، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِى، وآمِنْ رَوْعَاتِى، اللهُمَّ احْفظْنِى مِنْ بَيْن يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِى، وَعَنْ يمينى وَعَنْ شِمَالِى، وَمِنْ فَوْقِى، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِى " صححه الحاكم
24-وقال: "إذَا أصْبَحَ أحَدُكُم، فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذَا الْيَوْمِ: فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَه وَهِدَايَتَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ إذَا أمْسَى، فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلِكَ" حديث حسن


25-وذكرَ أبو داود عنه أنه قال لِبعض بناتِهِ: "قُولِى حِيْنَ تُصْبِحِينَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ العَلِىِّ العَظِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ، أعْلَمُ أنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىْءٍ قديرٌ، وأنّ الله قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْماً، فَإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ، حُفِظَ حَتَّى يُمْسِىَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِى حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ ".
26-وقال لرجل من الأنصار: " ألاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَماً إذَا قُلْتَهُ أذْهَبَ اللهُ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ"؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: "قُل إذَا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ: اللهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرِّجَالِ" قال: فقلتُهن، فأذهب الله همِّى وقضًَى عنى دَيْنى.
27-وكان إذا أصبح قال: "أصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَكَلِمَةِ الإخْلاصِ، ودِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِلَّةِ أبِينَا إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ".
28-ويُذكَرُ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لِفاطمة ابنتهِ: "مَا يَمْنَعُكِ أنْ تَسْمَعِى مَا أُوصِيكِ بِهِ: أنْ تَقُولِى إذَا أصْبَحْتِ وَإذَا أمْسَيْتِ: يَا حَىٌُّ، يَا قَيُّومُ بك أستغيث، فأصلح لى شأنى، ولا تَكِلْنِى إلى نفسى طرفةَ عَيْنٍ".
29-ويُذكرُ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لِرجل شكا إليهِ إصابةَ الآفاتِ: "قُل: إذَا أصْبَحْتَ : بِسْمِ اللهِ عَلَى نَفْسِى، وَأَهْلِى وَمَالِى، فَإنَّهُ لا يَذْهَبُ عَلَيْكَ شَىءٌ".
20-ويُذكَر عنه أنه كان إذَا أصبح قالَ: "اللهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً طَيِّباً، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً".
21-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العبد إذا قالَ حِينَ يُصبِحُ ثلاثَ مرات : "اللهُمَّ إنِّى أَصْبَحْتُ مِنْكَ فى نِعْمَةٍ وَعَافِيَةٍ وَسِتْرٍ، فَأَتْمِمْ عَلَىَّ نِعْمَتَكَ وَعَافِيَتَكَ وَسِتْرَكَ فى الدُّنيَا والآخِرَةِ، وإذَا أمْسى، قالَ ذلِك، كَانَ حَقًّا عَلَى


يتبع ان شاء الله
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17-06-2017, 02:22 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

اللهِ أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ".
23-وَيذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " مَنْ قَالَ فى كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: حَسْبِىَ اللهُ لاَ إلَه إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمُ - سَبْعَ مَرَّاتٍ - كَفَاهُ اللهُ مَا أهَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ".
24-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من قالَ هذِهِ الكَلِمَاتِ فى أوَّلِ نَهَارِهِ، لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُمْسِىَ، وَمَنْ قَالَهَا آخِرَ نَهَارِهِ لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُصْبِحَ: "اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إله إلاَّ أنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَأنْتَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ العَلِىِّ العَظِيمِ، أعْلَمُ أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، وَأنَّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْماً، اللهُمَّ إنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى، وَشَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" ، وقَد قِيلَ لأبى الدرداء: قدِ احترق بيتُك فقالَ: ما احترقَ، ولم يكن اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِيفعل، لِكَلِمَاتٍ سمعتهُنَّ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرها.
25-وقالَ: "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أنْ يَقُولَ العبدُ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إلهَإلاَّ أنْتَ خَلَقْتَنِى وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِى، فَاغْفِرْ لِى إنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، مَنْ قالَهَا حِينَ يُصْبِحُ موقِناً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِى مُوقِناً بِهَا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ".
26-"ومَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ - مِائَةَ مَرَّةٍ - لَمْ يَأْتِ أَحدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلاَّ أحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أوْ زَادَ عَلَيْهِ".
27-وَقَالَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرَ مَرَّاتٍ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ الله لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ بها عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَكَانَتْ كَعِدْل عَشْر رِقَابٍ، وَأَجَارهُ اللهُ يَوْمَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا أمْسَى فَمِثْلُ ذلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ".


28-وقال: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يُصْبِحُ: لاَ إلَه إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، فى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدلَ عَشْر رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مائةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْ مِائَةُ سَيِّئَة، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذلِكَ حتى يُمْسِىَ، وَلَمْ يَأْتِ أحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ".





: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذِّكْر عند لبس الثوب ونحوِهِ


1-كانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا استجدَّ ثوباً سمَّاه باسمه، عِمامةً، أو قميصاً، أو رِدَاءً، ثم يقول: "اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أسْأَلُكَ خَيْرَهُ، وَخَيْرُ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ" حديث صحيح.
2-ويُذكر عنه أنه قال: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِىهذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّة، غَفَرَ الله له مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
3-وفى "جامع الترمذى" عن عُمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى، وَأتجَمَّلُ بِهِ فى حَيَاتِى، ثُمَّ عَمَدَ إلَى الثَّوْبِ الَّذِى أخْلَقَ فَتَصَدَّقَ به، كَانَ فى حِفْظِ اللهِ، وفى كَنَفِ اللهِ، وَفِى سَبِيلِ اللهِ، حَيّاً وَمَيْتاً".
4-وصحَّّ عنه أنه قال لأُمِّ خالد لما ألبسها الثوب الجديد: " أبْلِى وَأَخْلِقِى، ثم أبلى وأخلقى - مَرَّتَيْنِ ".
5-وفى "سنن ابن ماجه" أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى على عُمَر ثوباً فقالَ: "أَجَدِيدٌ هذَا، أمْ غَسِيلٌ"؟ فَقَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، فقالَ: "الْبَسْ جَدِيداً، وَعِشْ حَمِيداً، ومُتْ شَهِيداً".




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند دخوله إلى منزله


1-لم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيفجأ أهله بغتةً يتخوَّنُهم، ولكن كان يدخلُ على أهله على عِلْم منهم بدخوله، وكان يُسَلِّمُ عليهم، وكان إذا دخل، بدأ بالسؤال، أو سأل عنهم، وربما قال: "هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ"؟ وربما سكت حتى يحضرَ بين يديه ما تيسّر.
2-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقولُ إذا انقلب إلى بيته: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَفَانِى، وَآوَانِى، وَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنِى وَسَقَانِى، وَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى مَنَّ عَلَىَّ فَأَفْضَلَ، أسْأَلُكَ أنْ تُجِيرَنِى مِنَ النَّار".


3-وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لأنَس: "إذَا دَخلْتَ عَلَى أهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَىَ أهْلِكَ ". قال الترمذى: حديث حسَن صحيح.
4-وفى السنن عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَوْلَجِ، وَخَيْرَ المَخْرَجِ، بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا، وعَلَى الله رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ".
5-وفيها عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى الله: رَجُلٌ خَرَجَ غَازياً فى سَبِيلِ اللهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ حَتَّى يَتَوفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى المَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى الله حَتَّى يَتَوفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلامٍ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى الله " حديث صحيح.
6-وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَر اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإذَا لَمْ يذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء" ذكره مسلم.




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذِّكْرِ عند دخوله الخلاء


1-ثبت عنه فى "الصحيحين" أنه كان يقولُ عند دخوله الخلاء: "اللهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ". 2-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سَتْرُ مَا بَيْنَ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِى آدَمَ إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ الكَنِيفَ أنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ".
3-وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجلاً سلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ.
4-وأخبر أن الله سبحانه يمقُت الحديث على الغائط: فَقَالَ: "لاَ يَخْرُج الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الغَائِطَ كَاشِفينَ عَنْ عَوْرَاتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فإنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ".
5-وقد تقَدَّمَ أنه كان لا يستقْبِلُ القِبْلة ولا يستدبِرُهَا ببولٍ ولا بغائط، وأنه نهى عن ذلك


عن عائشة: ذُكِرَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أناساً يكرهون أن يستقبلوا القِبْلة بفرُوجهم، فقال: "أَوَ قد فعلُوها؟ حوِّلوا مَقْعَدَتى قِبَلَ القِبْلَةِ" رواه الإمام أحمد وقال: هو أحسن ما رُوى فى الرخصة

6-وكان إذا خرج من الخلاء قال: "غُفْرَانَكَ"،

7- ويُذكر عنه أنه كان يقول: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أذْهَبَ عَنِّى الأذَى، وَعَافَانِى " ذكره ابن ماجه



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار الوضوء
1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه وضع يديه فى الإناء الذى فيه الماء، ثم قال للصحابة: "تًَوَضَّؤوا بِسْمِ اللهِ".
2-وثبت عنه أنه قال لجابر رضى الله عنه: "نَادِ بِوَضُوءٍ" فجئ بالماء فقالَ: "خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ علىَّ وقُلْ: بِسْمِ الله" قال: فَصَبَبْتُ عَلَيه، وقُلْتُ: بسم الله، قال: فرأيتُ الماء يَفورُ مِنْ بَيْنَ أصَابِعه .
3-وقال: " لاَ وُضُوءَ لِمَن لًَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ".


4-صحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " مَن أسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَشَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أيَّهَا شَاءَ " ذكره مسلم
وزاد الترمذى بعد التشهد: "اللهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَابِينَ واجْعَلْنِى مِنَ المُتَطَهِّرِينَ" وزاد الإمام أحمد: ثمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّمَاءِ. وزاد ابن ماجه مع أحمد: قول ذلك ثلاث مرات.
5-وذكر عنة انة قال "مَنْ تَوَضَّأَ فَفَرَغَ مِنْ وضُوئِهِ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبحَمْدِكَ أشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إلَيْكَ، كُتِبَ فى رَقٍّ وطُبعَعَلْيْهَا بِطَابعٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ تَحْتَ العَرْشِ فَلَمْ يُكْسَرْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ"،


6-. ثم ذكر بإسناد صحيح من حديث أبى موسى الأشعرى قال: أتيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوءٍ فتوضَّأَ، فسمعتُه يقول ويدعو: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى، وَوَسِّعْ لِى فى دَارى، وبَارِكْ لِى فى رِزْقِى " فقلتُ: يا نبىَّ اللهِ: سمعتُك تدعو بكذا وكذا، قال: "وهَلْ تَرَكَتْ مِنْ شَىْءٍ"؟




فصل: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأذان وأذكاره
1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سنَّ التأذين بترجيع وبغير ترجيع، وشرع الإقَامَةَ مثنى وفُرادى، ولكن الذى صح عنه تثنيةُ كلمةِ الإقَامَةِ: "قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ" ولم يصح عنهُ إفرادُهَا البتة، وكذلك صحَّ عنه تكرارُ لفظ التكبير فى أول الأذان أربعاً، ولم يَصِحَّ عنه الاقتصارُ على مرتين،
2-وفى "صحيح البخارى" عن أنس: "أُمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ، ويُوتِرَ الإقَامَةَ، إلا الإقَامَة".



وأمّا هَدْيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذِّكر عند الأذان وبعدَه، فشرع لأُمَّته منه خمسة أنواع:
1- : أن يقول السامع كما يقول المؤذِّن، إلا فى لفظ: "حىّ على الصلاة"، "حىّ على الفلاح" فإنه صح عنه إبدالُهما ب "لا حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ" ولم يجئ عنه الجمعُ بينها وبين: "حىّ على الصلاة"، "حىّ على الفلاح" ولا الاقتصارُ على الحيعلة، وهَدْيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى صح عنه إبدالُهما بالحوقلة،



2-: أن يقول: وأَنَا أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، رَضِيتُ بِالله رَباً، وَبالإسْلاَمِ دِينَاً، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَأَخْبَرَ أنَّ مَنْ قَالَ ذلِكَ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ.


-3 : أن يُصلِّىَ على النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَ فَراغه من إجابة المؤذِّن، وأكْمَلُ ما يُصلَّى عليه بِهِ، ويصل إليه، هى الصلاة الإبراهيمية كما علَّمه أُمَّته أن يُصلُّوا عليه، فلا صلاَةَ عليه أكملُ منها وإن تحذلق المتحذلقون.
-4: أن يقولَ بعد صلاته عليه: "اللهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الذى وعَدْتَهُ إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ" هكذا جاء بهذا اللفظ: "مقاماً محموداً" بلا ألف ولا لام، وهكذا صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-5: أن يدعوَ لنفسه بعد ذلك، ويسألَ الله من فضله، فإنه يُسْتَجَاب له، كما فى "السنن" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ كَمَا يَقُولُونَ - يَعْنِى المُؤَذِّنِينَ - فَإذَا انْتَهيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ".


6-وفى السنن عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بينَ الأذَانِ والإقامَةِ" قالوا فما نقولُ يا رسول الله؟ قال: "سَلُوا الله العَافِيةَ فى الدُّنْيَا والآخِرَةِ" حديث صحيح.
7-وفيها عنه: "سَاعَتَانِ، يَفْتَحُ اللهُ فِيهمَا أبْوابَ السَّمَاءِ وقَلَّما تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوتُه: عِنْدَ حُضُورِ النِّدَاءِ، والصَّفِّ فى سَبِيلِ الله".



وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكثِرُ الدعاء فى عَشْرِ ذى الحِجَّة، ويأمُر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد.
1-ويُذكر عنه أنه كان يُكبِّر من صلاة الفجر يومَ عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، فيقول: "اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، والله أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ" وهذا وإن كان لا يصح إسناده، فالعمل عليه، ولفظه هكذا يشفع التكبير، وأما كونه ثلاثاً، فإنما رُوى عن جابر وابن عباس مِن فعلهما ثلاثاً فقط، وكِلاهما حسن، قال الشافعى: إن زاد فقال: "الله أكبرُ كبيراً، والحمدُ للَّه كثيراًَ، وسُبْحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلاً، لا إلهَ إلا اللهُ، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، مخلصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون، لا إله إلا اللهُ وحدَهُ، صدَقَ وعده، ونصرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده، لا إله إلا الله واللهُ أكبرُ" كان حسناً.





فصل: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذِّكْرِ عند رؤية الهلال
1-يُذكر عنه أنه كان يقول: "اللهُمَّ أَهِلَّه عَلَيْنَا بِالأمْنِ والإيمَانِ، والسَّلاَمَةِ والإسْلامِ، رَبِّى وَرَبُّكَ اللهُ" قال الترمذى: حديثٌ حسن.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار الطعام قبله وبعده
1-كان إذا وضع يده فى الطعام قال : "بسْمِ اللهِ" ويأمر الآكل بالتسمية، ويقول "إذَا أكَلَ أحَدُكُم، فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ تعَالَى، فإنْ نَسِىَ أنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ فى أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ فى أوَّلِه وَآخِرِهِ" حديث صحيح.
2-والصحيحُ وجوبُ التسمية عند الأكل، وهو أحدُ الوجهين لأصحاب أحمد، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة، ولا مُعارِضَ لها،ولا إجماعَ يسوِّغُ مخالفتها ويُخْرِجُهَا عن ظاهرها، وتارِكُهَا شريكهُ الشيطان فى طعامه وشرابه.
هل اذا سمى واحد فى جماعة 000 لايشاركهم الشيطان


وهاهنا مسألة تدعو الحاجة إليها، وهى أن الآكلين إذا كانوا جماعة، فسمَّى أحدُهم، هل تزولُ مشاركة الشيطان لهم فى طعامهم بتسميته وحدَه، أم لا تزول إلا بتسمية الجميع؟

1-فنصَّ الشافعى على إجزاء تسمية الواحد عن الباقين، وجعله أصحابُه كردِّ السلام، وتشميتِ العاطس

2-، وقد يُقال: لا تُرفع مشاركةُ الشيطان للآكل إلا بتسميته هو، ولا يكفيه تسميةُ غيره، ولهذا جاء فى حديث حذيفة: إنَّا حضرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً، فجاءت جارية كأنما تُدْفَع، فذهبتْ لتضع يدها فى الطعام، فأخذَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدها، ثمَّ جاء أعرابى كَأَنَّمَا يُدْفَعُ، فأخذ بيده، فقالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وإنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهذَا الأعْرَابىِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، والَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ لَفِى يَدى مَعَ يَدَيْهِمَا" ثم ذكرَ اسمَ الله وأكل، ولو كانت تسمية الواحد تكفى، لما وضع الشيطان يده فى ذلك الطعام.
3-ولكن قد يُجاب بأن النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن قد وضع يده وسمَّى بعدُ، ولكنَّ الجارية ابتدأت بالوضع بغيرِ تسمية، وكذلك الأعرابىُّ، فشاركهماالشيطانُ، فمِن أين لكُم أن الشيطان شارك مَن لم يُسمِّ بعد تسمية غيره؟، فهذا مما يُمكن أن يُقالَ، لكن قد روى الترمذىُّ وصححه من حديث عائشة قالت: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكلُ طعاماً فى سِتَّةِ من أصحابه، فجاء أعرابى، فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمَا إنَّه لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُم"


ومِن المعلوم أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأولئك الستة سَمَّوا، فلما جاء هذا الأعرابى فأكل ولم يسمِّ، شاركه الشيطانُ فى أكله فأكل الطعام بِلُقمتين، ولو سمَّى لكفى الجميع.
، بل تَقِلُّ مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم، وتبقى الشركةُ بين مَن لم يُسمِّ وبينه، والله أعلم.



4-وكان إذا رُفِعَ الطعامُ من بين يديه يقول: "الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً كَثِيراً طيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ، غيرَ مَكْفِىٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنىً عَنْه رَبُّنا" عَزَّ وَجَلَّ. ذكره البخارى.
5-وربمَا كانَ يقول: "الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ".
6-وكان يقول: "الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أطْعَمَ وَسَقَى وسوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً ".
7-وذكر البخارىُّ عنه أنه كان يقولُ: "الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى كَفَانَا وَآوَانا"، 8-وذكر الترمذى عنه أنه قال: "مَنْ أكَلَ طَعامَاً فَقَالَ: الحَمْدُ للّهِ الَّذِى أَطْعَمَنِى هَذَا مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلا قُوَّةٍ، غَفَرَ اللهُلَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " حديث حسن.
9-ويُذكر عنه أنه كان إذَا قُرِّبَ إليه الطعامُ قال: "بِسْمِ اللهِ" فإذَا فَرَغَ مِن طعامه قال: "اللهُمَّ أطٌعَمْتَ وَسَقَيْتَ، وأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ، وهَدَيْتَ وأَحْيَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ عَلى مَا أَعْطَيْتَ" وَإسْناده صحيح.
10-وفى السنن عنه أنه كان يقولُ إذا فرغ: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى مَنَّ عَلَيْنَا وَهَدَانَا، والَّذِى أَشْبَعَنَا وَأَرْوَانَا، ومِنْ كُلِّ الإحْسَانِ آتَانَا" حديث حسن.
11-وفى السنن عنه أيضاً: "إذَا أكَلَ أَحَدُكُم طَعَاماً فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهَ اللهُ لَبَنَا، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فإنه ليس شئ ويُجزِئ عن الطعام والشراب غير اللبن " حديث حسن.
12-ويُذكر عنه أنه كَانَ إذَا شَرِبَ فى الإنَاءِ تَنَفَّسَ ثَلاثَة أنْفَاسٍ، ويَحْمَدُ اللهَ فى كُلِّ نَفَسٍ، وَيَشْكُرُهُ فى آخِرِهِنَّ.


13-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل على أهلِهِ رُبَّمَا يسأْلُهم: "هَلْ عِنْدَكُم طَعَامٌ"؟ وَمَا عَابَ طَعَاماً قطٌّ،

بَلْ كَانَ إذَا اشتهاهُ أكَلَهُ، وإنْ كَرِهَهُ تَرَكهُ وَسَكَت، وربما قال: "أجِدُنى أعَافُهُ إنِّى لا أَشْتَهِيهِ".
14-وكان يمدح الطعامَ أحياناً، كقوله لما سأل أهلَهُ الإدامَ، فقالُوا: ما عِندنا إلا خَلٌّ، فدعا به فجعل يأكُلُ مِنْهُ ويقُولُ: "نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ"، وليس فى هذا تفضيل له على اللبن واللَّحم والعَسَل والمَرَق، وإنما هو مدح له فى تلك الحال التى حضر فيها، ولو حَضَرَ لحم أو لبن، كان أولى بالمدح منه، وقال هذَا جبراً وتطييباً لقلب مَن قدَّمه، لا تفضيلاً له على سائر أنواع الإدام.
15--وكان إذا قُرٍّبَ إليه طعام وهو صائم قال: "إنِّى صَائِمٌ"،


16- وأمرمَن قُرِّبَ إليه الطعامُ وهو صائم أن يُصَلِّىَ، أى يدعو لمن قدَّمه، وإن كان مفطراً أن يأكل منه.
17-وكان إذا دُعىَ لِطعام وتبعه أحد، أعلمَ به ربَّ المنزل، وقال: "إنَّ هذَا تَبِعَنَا، فَإنْ شِئْتَ أنْ تأذَنَ لَهُ، وَإنْ شِئْتَ رَجَعَ".
18-وكانَ يتحدَّث على طعامه، كما تقدَّم فى حديث الخل، وكما قال لِربيبه عمر ابن أبى سلمة وهو يُؤاكِلهُ: "سَمِّ اللهَ، وكُلْ ممَّا يَليك".
19-وربما كان يُكرِّر على أضيافه عرضَ الأكل عليهم مِراراً، كما يفعلهُ أهلُ الكرم، كما فى حديث أبى هريرة عند البخارى فى قصة شُرب اللبن وقولِهِ له مِراراً: "اشْرَبْ" فَمَا زَالَ يَقُولُ: "اشْرَبْ" حَتَّى قَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا أجدُ لَهُ مَسْلَكاً.
20-وكان إذا أكل عند قوم لم يخرُج حتى يَدْعُوَ لهم، فدعا فى منزل عبد الله ابن بُسر، فقالَ: "اللهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِيمَا رَزَقْتَهُم، وَاغْفِرْ لَهُمْ، وَارْحَمْهُمْ" ذكره مسلم.
21-ودعا فى منزل سعد بنِ عُبادة فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ،وَأَكَلَ طَعَامَكُم الأبْرَارُ، وصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلائِكَةُ".
22-وصح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه دخل منزله ليلَةً، فالتمس طعاماً فلم يجده، فقال: " اللهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِى، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِى".
23-وَذُكِرَ عنه أن عَمْرو بنَ الحَمِق سقاه لبناً فقال: "اللهُمَّ أَمْتِعْهُ بِشَبَابِهِ "، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً لَمْ يَرَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
24-وكان يدعو لمن يُضيف المساكينَ، ويثنى عليهم، فقالَ مرَّة: "ألا رَجُلٌ يُضِيفُ هذَا رحِمَهُ اللهُ"، وقال للأنصارىِّ وامرأته اللَّذَيْنِ آثرا بقُوتِهما وقُوتِ صِبيانهما ضَيْفَهُمَا: "لَقَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ".


25-وكَانَ لا يأْنَفُ مِن مؤاكلة أحدٍ صغيراً كان أو كبيراً، حُراً أو عبداً، أعرابياً أو مهاجراً، حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه فى القَصعة فقال: "كُلْ بِسْمِ اللهِ ثِقَةً بِاللهِ، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ".
26-وكان يأمُرُ بالأكل باليمين، وينهى عن الأكل بالشمال، ويقول: " إنَّ الشَّيْطَانَ يَأكُلُ بشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بشِمَالِهِ "، ومقتضى هذا تحريمُ الأكل بها، وهو الصحيح، فإن الآكلَ بِهَا، إما شيطان، وإما مشبَّه به، 27-وصحَّ عنه أنه قال لرجل أكل عنده، فأكل بشماله: "كُلْ بِيَمينِكَ"، فقال: لا أستطيعُ، فقال: "لاَ اسْتَطَعْتَ" فما رفع يده إلى فيه بعدها، فلو كان ذلك جائزاً، لما دعا عليه بفعله، وإن كان كِبْرُهُ حمله على ترك امتثال الأمر، فذلك أبلغُ فى العصيان واستحقاق الدعاء عليه.
28-وأمر مَن شَكَوْا إليه أنهم لا يشبعُونَ: أن يجتمِعُوا على طعامهم ولا يتفرَّقُوا، وأن يذكُروا اسمَ اللهِ عليه يُبارك لهم فيه.
29-وصحَّ عنه أنه قال: "إنَّ الله لَيرضَى عَنِ العَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ يَحْمَدُهُعَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا".


: فى هَدْيِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السلام والاستئذانِ وتشميت العاطس
1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى "الصحيحين" عن أبى هُريرة أن " أفْضَلَ الإسْلاَمِ وَخَيْرَهُ إطْعَامُ الطًَّعَامِ، وَأَنْ تَقْرَأَ السَّلاَمَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ". 2-وفيهما "أن آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لمَّا خلقَه اللهُ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلى أولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلائِكَةِ، فَسَلِّم عَلَيْهِمْ، وَاسْتَمِعْ مَا يُحيُّونَكَ بِهِ، فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، فَزَادُوهُ: "وَرَحْمةُ اللهِ".
3-وفيهما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أمَرَ بِإفْشَاءِ السَّلام وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلام بَيْنَهُمُ تَحَابُّوا، وَأنَّهُمُ لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلا يُؤمِنُونَ حَتَّى يَتَحَابُّوا".
4-وقال البخارى فى "صحيحه": قال عمَّار: ثلاثٌ مَنْ جمعَهُنَّ، فَقَدْ جَمَعَ الإيمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلام لِلعَالَم، والإنْفَاقُ مِنَ الإقْتَارِ.
ابن القيم: فإن الإنسان خُلِقَ ظلوماً جهولاً، فكيف يُطلَبُ الإنصافُ ممن وصفُهُ الظلمُ والجهل؟، وكيف يُنصِفُ الخلَقَ مَن لم يُنْصِفِ الخَالِقَ؟، كما فى أَثر إلهى يقول اللهُ عَزَّ وجَلَّ: "ابْنَ آدَمَ مَا أنْصَفْتَنى، خَيْرِى إلَيْكَ نَازِلٌ، وشَرُّكَ إلىَّ صَاعِدٌ، كَمْ أَتَحَبَّبُ إلَيْكَ بِالنِّعَمِ، وَأَنَا غَنِىٌ عَنْكَ، وَكَمْ تَتَبَغَّضَ إلىَّ بِالمَعَاصِى وَأنْتَ فَقِيرٌ إلىَّ، ولا يَزَالُ المَلَكُ الكَرِيمُ يَعْرُجُ إلىَّ مِنْكَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ".وفى أثَر آخر: "ابْن آدَمَ مَا أنْصَفْتَنِى، خَلَقتُكَ وَتَعْبُدُ غَيْرِى، وَأَرْزُقُكَ وَتَشْكُرُ سِوَاىَ".


وبذل السلام للعالَم يتضمن تواضعَه وأنَّه لا يتكبَّر على أحد، بل يبذُلُ السلام للصغير والكبير، والشريفِ والوضيعِ، ومَن يعرِفه ومَن لا يعرفه، والمتكبِّر ضِدُّ هذا، فإنه لا يَرُدُّ السلام على كُلِّ مَن سلَّم عليهِ كبراً منه وتِيهاً، فكيف يبذُلُ السلامَ لِكل أحد.



5-وثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مرَّ بِصبيان، فسلَّم عليهم، ذكره مسلم. وذكر الترمذى فى "جامعه" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مرَّ يَوْماً بجماعةِ نسوة، فألوى بيده بالتسليم".
6- وفى "صحيح البخارى": أن الصحابه كانوا ينصرِفُونَ مِن الجمعة فيَمُرُّونَ عَلَى عجوز فى طريقهم، فَيُسلِّمونَ عليها، فتُقدِّم لهم طعاماً من أُصول السلق والشًَّعِيرِ. 8-وهذا هو الصوابُ فى مسألة السلام على النساء: يُسلِّم على العجوز وذواتِ المحارم دونَ غيرهن.
9- وثبت عنه فى "صحيح البخارى" وغيره تسليمُ الصغير على الكبير، والمارِّ على القاعد، والراكب على الماشى، والقليلِ على الكثير.
10-وفى "جامع الترمذى" عنه: يُسلِّم الماشى على القائم.
11-وفى "مسند البزار" عنه: يسلِّم الراكبُ على الماشى، والماشى على القاعِد، والماشيان أيهما بدأ، فهو أفضل.
12-وفى "سنن أبى داود" عنه: "إنَّ أوْلَى النَّاسِ باللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بالسَّلامِ".
13-وكان فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السلامُ عند المجيء إلى القوم، والسلامُ عند الانصراف عنهم، وثبت عنه أنه قال: " إذَا قَعَدَ أحَدُكُمْ، فَلْيُسَلِّمْ، وَإذَا قَامَ، فَلْيُسَلِّمْ، وَلَيْسَتِ الأُولَى أحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ".
14-وذكر أبو داود عنه: "إذَا لَقِىَ أحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيُسَلِّم عَلَيْهِ، فَإنْحَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أو جِدَارٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أيْضاً".
15-وقال أنس: "كانَ أصحابُ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَاشَوْنَ، فَإذَا اسْتَقْبَلْتَهُم شَجَرَةٌ أَوْ أَكَمَةٌ، تَفَرَّقُوا يَمِيناً وَشِمَالاً، وَإذَا الْتَقَوْا مِنْ وَرَائِهَا، سَلَّمَ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ".
16-ومن هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الداخِل إلى المسجد يبتدئُ بركعتين تحيةَ المسجد، ثم يجئُ فيُسلِّم على القوم، فتكون تحيةُ المسجد قبلَ تحية أهله، فإن تلك حقُّ اللهِ تعالى، والسلامُ على الخلق هو حقٌ لهم، وحقُّ اللهِ فى مثل هذا أحقُّ بالتقديم، بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعاً معروفاً، والفرقُ بينهما حاجةُ الآدمى وعدمُ اتساع الحق المالى لأداء الحقين، بخلاف السلام.
17-وكانت عادةُ القوم معه هكذا، يدخلُ أحدهم المسجدَ، فيُصلى ركعتين، ثم يجئُ، فيسلِّم على النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا جاء فى حديث رفاعة بن رافع أن النبى صلى الله عيه وسلم بَيْنَمَا هُو جَالِس فى المسجدِ يَوْماً قال رِفاعة: ونحن معه إذ جاء رجلٌ كالبدوى، فصلَّى، فأخَفَّ صلاته، ثمَّ انصَرفَ فَسَلَّمَ عَلَى النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَعَلَيْكَ فَارْجعْ، فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْتُصَلَّ ".. وذكر الحديث فأنكر عليه صلاته، ولم يُنكر عليه تأخيرَ السلام عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ما بعد الصلاة.
18-وعلى هذا: فيُسَن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاثُ تحيات مترتبة: أن يقولَ عند دخولِه: بسم الله والصلاةُ على رسول الله. ثم يصلِّى ركعتينِ تحيةَ المسجد، ثم يُسلِّمُ على القوم.
19-"وكان إذا دخَلَ على أهله باللَّيل، يُسلِّم تسلِيماً لا يُوقِظُ النَّائِمَ، ويُسْمِعُ اليَقْظَانَ" ذكره مسلم. 20-وقد روى ، عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السَّلامُ قَبْلَ السُّؤالِ، فَمَنْ بَدَأَكُم بالسُّؤَال قَبْلَ السَّلاَمِ، فَلا تُجِيبُوهُ".
21- وأجود منها ما رواه الترمذى عن كَلَدَةَ بنْ حَنْبَلٍ، أنَّ صفوان بن أُمية بعثه بِلَبَنٍ وَلَبأ وَجِدَايَةٍ وَضَغَابِيْسَ إلى
النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأعْلَى الوَادِى قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيّهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْ، وَلَمْ أَسْتَأذِنْ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أأدْخُلُ" ؟، قال: هذا حديث حسن .




22-وكان إذَا أتى باب قوم، لم يسْتَقْبِل البابَ مِن تلقاء وجهه، ولكن مِن رُكته الأيمن، أو الأَيْسَرِ، فيقول: "السَّلاَمُ عَلَيْكُم، السَّلامُ عَلَيْكُمْ".
23-وكان يُسلِّم بنفسه على مَن يُواجهه، ويُحَمِّلُ السَّلامَ لمن يُريد السَّلام عليه مِن الغائبين عنه، ويتحمَّل السلامَ لمن يبلِّغه إليه، كما تحمَّل السلام مِن الله عَزَّ وجَلَّ على صِّدِّيقةِ النساء خديجةَ بنت خويلد رضى الله عنها لما قال له جبريلُ: "هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أتَتْكَ بِطَعَامٍ، فَاقْرَأْ [عَلَيْهَا] السَّلامَ مِنْ ربِّهَا" [ومِنِّى] وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فى الجَنَّةِ ".
وقال للصِّدِّيقة الثانية بنت الصِّديق عائشةَ رضى الله عنها: "هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأْ عَلَيْكِ السَّلامَ" فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، يَرَى مَا لاَ أرَى.


24-وكان هديُه انتهاء السلام إلى: "وبركاتُهُ"، فذكر النَّسائى عنه "أن رجلاً جاء فقال: السَّلامُ عليكم، فَرَدَّ عَلَيْهِ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "عَشْرَةٌ" ثُمَّ جلس، ثم جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "عِشْرُونَ" ثُمَّ جَلَسَ وَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عَلَيْهِ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "ثَلاثُونَ"

25-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُسلِّمَ ثلاثاً كما فى "صحيح البخارى" عن أنس رضى الله عنهُ قال: كانَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ سَلَّمَ ثَلاثاً"، ولعل هذا كان هَدْيَه فى السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغُهم سلام واحد، أو هَدْيَه فى إسماع السلام الثانى والثالث، إن ظنَّ أن الأولَ لم يحصُل به الإسماع كما سلَّم لما انتهى إلى منزل سعد بن عُبادة ثلاثاً، فلما لم يُجبهأحد رجع، وإلا فلو كان هَدْيُه الدائمُ التسليمَ ثلاثاً لكان أصحابُه يُسلِّمونَ عليه كذلك، وكان يُسلِّمُ على كُلِّ مَن لقيه ثلاثاَ، وإذا دخل بيته ثلاثاً، ومَن تأمل هَدْيَه، علِم أن الأمر ليس كذلك، وأنَّ تكرار السلامِ كان منه أمراً عارضاً فى بعض الأحيان، والله أعلم.
26-وكان يبدأ مَن لقيه بالسلام، وإذا سلَّم عليه أحدٌ، ردَّ عليهِ مِثلَ تحيته أو أفضلَ منها على الفور من غير تأخير، إلا لِعذر، مثل حالة الصلاة، وحالة قضاء الحاجة.
27-وكان يُسمِعُ المسلم ردَّهُ عليه، ولم يكن يَرُدُّ بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا فى الصلاة، فإنه كان يرد على مَن سلَّم عليه إشارة، ثبتَ ذلك عنه فى عدة أحاديث، ولم يجئ عنه ما يعارضها ، والصحيح عنالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يُشير فى الصلاة، رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
28-وكان هَدْيه فى ابتداء السلام أن يقول: "السَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ"، وكان يكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام.
قال أبو جُرَىَّ الهُجيمىُّ: أتيتُ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلَيكَ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ، فَإنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحيةُ المَوْتَى" حديث صحيح.


29-وكان يردُّ على المُسلِّمِ: "وَعَلَيْكَ السَّلامُ" بالواو، وبتقديم "عَلَيْكَ" على لفظ السلام.




يتبع ان شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17-06-2017, 02:28 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

مسالة لو حذف الرادُّ "الواو" فقالَ: "عَلَيْكَ السَّلاَمُ" هَلْ يكونُ صحيحاً؟

وتكلم الناسُ هاهنا فى مسألة، وهى لو حذف الرادُّ "الواو" فقالَ: "عَلَيْكَ السَّلاَمُ" هَلْ يكونُ صحيحاً؟

1-فقالت طائفة : لا يكون جواباً، ولا يسقط به فرضُ الردِّ، لأنه مخالِف لسُنَّة الردِّ، ولأنه لا يُعلم: هل هو رد، أو ابتداء تحية؟ فإن صورته صالحة لهما، ولأن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُم أَهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: "وعَلَيْكُم" فهذا تنبيهٌ منه على وجوب الردِّ على أهلِ الإسلام، فإن "الواو" فى مثل هذا الكلام تقتضى تقريرَ الأول، وإثبات الثانى، فإذا أُمِرَ بالواو فى الرد على أهل الكتاب الذين يقولون: السام عليكم، فقالَ: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُم أهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: وعَلَيْكُم" فَذِكْرُها فى الردِّ على المسلمين أولى وأحرى.
2-وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك ردٌ صحيح، كما لو كان بالواو، ونص عليه الشافعى رحمه الله فى كتابه الكبير، واحتج لهذا القول بقوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً} [الذاريات: 24-25]، قَالَ سَلامٌ أى: سلام عليكم، لا بد من هذا، ولكن حسُنَ الحذفُ فى الرد، لأجل الحذف فى الابتداء، واحتجوا -بما فى "الصحيحين" عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّم عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرمِن المَلائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، فَزَادُوهُ: "وَرَحْمَةُ اللهِ".


فقد أخبرَ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذه تحيتُهُ وتحيةُ ذُرِّيته، قالوا: ولأن المسلَّم عَلَيْهِ مَأْمُورٌ أن يُحيِّى المُسلِّمَ بمثل تحيته عدلاً، وبأحسنَ منها فضلاً، فإذا ردَّ عليه بمثل سلامه، كان قد أتى بالعدلِ.
وأما قوله: " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُم "، فهذا الحديثُ قد اختُلِفَ فى لفظة "الواو" فيه، فروى على ثلاثة أوجه، أحدها: بالواو، قال أبو داود: كذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار ، فقال فيه: "فعليكم"، وحديث سفيان فى "الصحيحين" عن عبد الله بن دينار بإسقاط "الواو"، وفى لفظ لمسلم والنسائى: فقل: "عليك" - بغير واو.
وقال الخطابى: عامةُ المحدِّثين يروونه: "وعليكم" بالواو، وكان سفيان ابن عيينة يرويه: "عليكم" بحذف الواو، وهو الصوابُ، وذلك أنه إذا حذف الواو، صار قولهم الذى قالوه بعينه مردوداً عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم، والدخول فيما قالوا، لأن الواو حرفٌ للعطف والاجتماع بين الشيئين... انتهى كلامه.


ابن القيم والفصل فى المسالة : وعلى هذا فيكون الإتيانُ بالواو هو الصواب، وهو أحسنُ من حذفها، كما رواه مالك وغيرُهُ، ، ولهذا جاء فى الحديث: "إنَّ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلاَّ السَّامَ" ولا يختلفون أنه الموت،



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السلام على أهلِ الكِتاب
1-صَحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "لا تَبْدَؤوهُمْ بِالسَّلامِ، وَإذَا لَقيتُموهُمْ فى الطَّرِيقِ، فاضْطَّروهُمْ إلَى أضْيَقِ الطَّرِيقِ"، ابن القيم :لكن قَد قِيل: إن هذا كان فى قضيةٍ خاصةٍ لمَّا سارُوا إلى بنى قُريظة قال: "لاَ تَبْدَؤوهُمْ بالسَّلام" فهل هذا حُكْمٌ عام لأهْلِ الذمّة مطلقاً، أو يختَصُّ بِمَنْ كانَتْ حالُه بمثل حالِ أولئك؟ هذا موضِعُ نظر،


2-ولكن قد روى مسلم فى "صحيحه" من حديث أبى هُريرة أن النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ تَبْدَؤوا اليَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بالسَّلامِ، وَإذَا لَقِيْتُم أحَدَهُم فى الطَّريق، فَاضْطَرُّوهُ إلى أَضْيَقِهِ" والظَّاهر أن هذا حكم عام.
3-وقد اختلف السَلَفُ والخَلَفُ فى ذلك، فقال أكثرُهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يُردُّ عليهم، رُوى ذلك عن ابن عباس، ، وهو وجه فى مذهب الشافعى رحمه الله، لكن صاحبُ هذا الوجه قال: يُقال له: السَّلامُ عَلَيْكَ، فقط بدونِ ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد،


4- وقالت طائفة: يجوزُ الابتداءُ لِمصلحة راجحة مِن حاجة تكون له إليه، أو خوف مِن أذاه، أو لِقرابةٍ بينهما، أو لِسببٍ يقتضِى ذلك، يُروى ذلك عن إبراهيم النَّخعى، وعلقمَة. وقال الأوزاعىُّ: إن سلَّمْتَ، فقد سلَّمَ الصالحونَ، وإن تركتَ، فقد ترك الصَّالِحون.
واختلفوا فى وجوب الرد عليهم،1- فالجمهورُ على وجوبه، وهو الصوابُ،


5-وثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مرَّ على مجلس فيه أخلاطٌ مِن المُسْلِمِينَ، والمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، واليَهُودِ، فَسَلَّم عليْهم.
6-وصحّ عنه أنه كتب إلى هِرَقلَ وَغَيْرِهِ: "السَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى".
7-وكان من هَدْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا بلَّغَهُ أحدٌ السلامَ عن غيره أن يردَّ عليه وعلى المبلِّغ، كما فى "السنن" أن رجلاً قال له: إنَّ أبى يُقْرِئُكَ السَّلامَ، فَقَالَ لهُ : "عَلَيْكَ وَعَلَى أبِيكَ السَّلامَ".
8-وكان من هَدْيه تركُ السَّلام ابتداءً ورَداً على مَن أحدث حدثاً حتى يتوبَ منه، كما هجر كعبَ بنَ مالك وصاحبَيْه، وكان كعب يُسلِّم عليه، ولا يَدرى هَلْ حَرَّكَ شَفتيه بردِّ السَّلامِ عَلَيْهِ أم لا؟.دوسلَّم عليه عمارُ بنُ ياسرٍ، وقد خَلَّقه أهلُهُ بزَعفران، فلم يردَّ عليه، فقال: "اذْهبْ فاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ".
9-وهجر زينب بنت جحش شهرين وبعضَ الثالث لمَّا قال لها: "أعْطِى صفيَّة ظهَراً" لما اعتلَّ بعيرُها، فَقَالت: أنَا أعْطِى تِلْكَ اليهودِيَّةَ؟، ذكرهما أبو داود.




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الاستئذان


1-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الاسْتِئذَانُ ثَلاَثٌ، فَإنْ أُذِنَ لَكَ وَإلاَّ فارْجِعْ".


2-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال : "إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَر".
3-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أراد أن يفَقَأ عَيْنَ الَّذِى نَظَر إلَيْهِ مِنْ جُحْرٍ فى حجرته، وقال: " إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَر".
4-وصحَّ عنه أنه قال: "لَوْ أنَّ امْرءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ".
5-وصحَّ عنه أنه قال: "مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فى بَيْتِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِم، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أنْ يَفْقَؤوا عَيْنَهُ".
6-وصحَّ عنه أنه قال: "مَنِ اطَّلَعَ فى بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَفَقَؤوا عَيْنَهُ، فلاَ دِيةَ لَهُ، ولا قِصَاصَ".
7-وصح عنه: التسليمُ قبل الاستئذان فعلاً وتعليماً، واستأذن عليه رجلٌ، فقالَ: أَأَلِجُ؟ فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: "اخْرُجْ إلى هَذَا، فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَان"، فَقَالَ لَهُ: قل: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُل؟فسمعه الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ له النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ.
8-ولمَّا اسْتَأْذَنَ عليه عُمَرُ رَضِىَ الله عنه، وهو فى مَشْرُبِتَهِ مُؤلِياً مِنْ نِسَائِهِ، قال: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رسول الله، السَّلامُ عليكم، أيَدْخُلُ عُمَرُ؟.
9-وقد تقدَّم قولهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَلَدَةَ بْنِ حَنْبَل لما دخل عليه ولم يُسلِّم: "ارْجعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُم أَأَدْخُل"؟.
ابن القيم :وفى هذه السنن ردٌ على مَن قال: يُقدَّمُ الاستئذان على السلام، وردٌ على مَن قال: إن وقعت عينُه على صاحب المنزل قبل دخوله، بدأ بالسَّلام، وإن لم تقع عينه عليه، بدأ بالاستئذان، والقولان، مخالفان للسُّنَّة.
10-وكان من هَدْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استأذَنَ ثلاثاً ولم يُؤذن له، انصرف، وهو ردٌ على مَن يقول: إن ظنَّ أنهم لم يسمعوا، زاد على الثلاث، وردٌ على مَن قال: يُعيدُهُ بلفظٍ آخر، والقولان مخالفان للسُّنَّة.


11-وكان من هَدْيه أن المستأذِنَ إذا قِيلَ له: مَنْ أنْتَ؟ يقول: فلانُ بنُ فلان، أو يذكر كُنيته، أو لَقبه، ولا يقول: أنا، كما قال جِبْرِيلُ للملائكة فى ليلة المعراج لما استفتح بابَ السماء فسألوه: مَنْ؟ فقال: جِبريلُ، واستمر ذلك فى كل سماء سماء.
12-وكذلك فى "الصحيحين" لما جَلَس النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى البُسْتَان، وجاء أبو بكر رضى الله عنه، فاستأذن فقال: "مَن"؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر، فاستأذنَ فقالَ: "مَن"؟ قال: عمر، ثم عثمانُ كذلك.
13-وفى "الصحيحين"، عن جابر: أتيتُ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدققتُ البابَ فقال: "مَن ذا"؟ فقلت: أنَا، فَقَالَ: "أنَا أنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.
14-ولما استأذنت أُمُّ هانئ، قال لها: "مَنْ هذِهِ"؟ قالت: أُمُّ هانئ، فلم يكره ذِكرها الكُنية، وكذلك لما قال لأبى ذر: "مَنْ هَذَا"؟ قَالَ: أَبُو ذر، وكذلك لما قال لأبى قتادة: "مَنْ هَذَا"؟ قال: أبو قتادة.


15-وذكر البخارى فى هذا الباب حديثاً يدلُّ على أن اعتبار الاستئذان بعد الدعوة، وهو حديثُ مجاهد عن أبى هريرة: دخلتُ مع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدتُ لبناً فى قدح، فقال: "اذْهَبْ إلى أهْلِ الصُّفّةِ، فادْعهُمُ إلىَّ" قال: فَأَتَيْتُهم، فدعوتُهم، فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم، فدخَلُوا.

وقد قالت طائفةٌ: بأن الحديثين على حالين، فإن جاء الداعى على الفور مِن غير تراخ، لم يحتج إلى استئذان، وإن تراخى مجيئه عن الدعوة، وطال الوقتُ، احتاجَ إلى استئذان.
وقال آخرون: إن كان عند الداعى مَن قد أذِنَ له قبل مجئ المدعو، لم يحتج إلى استئذان آخر، وإن لم يكن عنده مَن قد أذِنَ له، لم يدخل حتى يستأذن.
16-وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا دخل إلى مَكَان يُحب الانفراد فيه، أمَرَ مَن يُمْسِكُ البابَ، فلم يَدخلْ عليه أحد إلا بإذن.
17-وأما الاستئذانُ الذى أمر الله به المماليكَ، ومَنْ لم يَبْلُغِ الحُلُمَ، فى العوراتِ الثلاثِ: قبلَ الفجر، ووقتَ الظهيرة، وعند النوم، فكان ابنُ عباس يأمرُ به، ويقول: ترك الناسُ العملَ بها، فقالت طائفة: الآيةُ منسوخة، ، وقال طائفة: أمرُ ندبٍ وإرشاد، لا حتم وإيجاب، ، وقالت طائفة: المأمور بذلك النساءُ خاصة، وأما الرجالُ، فيستأذِنون فى جميع الأوقات، وهذا ظاهرُ البطلان، وقالت طائفة: كان الأمرُ بالاستئذان فى ذلك الوقت للحاجة، ثم زالت، والحكمُ إذا ثبت بعلَّةٍ زال بزوالها،


ابن القيم: فروى أبو داود فى "سننه" أن نفراً من أهل العراق قالوا لابن عباس: يا ابن عباس، كيف ترى هذه الآية التى أُمِرْنَا فيها بِمَا أُمِرْنَا، ولا يَعملُ بها أحدٌ: {يَأيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ...} [ النور: 58] الآية. فقال ابنُ عباس: إن الله حَكيمٌ رحيمٌ بالمؤمنين، يُحِبُّ السِّتْرَ، وكان الناسُ ليسَ لِبيُوتهم سُتُور ولا حِجَال، فربمَا دخلَ الخادِمُ، أو الولدُ أو يتيمُة الرجل، والرجلُ على أهله، فأمرهم اللهُ بالاستئذان فى تلك العَوَرَاتِ، فجاءهم اللهُ بالسُّتُور والخير، فلم أر أحداً يَعْمَلُ بذلك بَعْدُ.
وقالت طائفة: الآية محكمة عامة لا مُعارِضَ لها ولا دافع، والعملُ بها واجب، وإن تركه أكثرُ الناس.
والصحيح: أنه إن كان هناك ما يقوم مقامَ الاستئذانِ من فتح باب فتحُه دليل على الدخول، أو رفع ستر، أو تردُّد الداخل والخارج ونحوه، أغنى ذلك عن الاستئذان، وإن لم يكن ما يقومُ مقامه، فلا بُد منه، والحكم معلَّلٌ بعلَّة قد أشارت إليها الآية، فإذا وُجِدَتْ، وُجِدَ الحكمُ، وإذا انتفت انتفى. والله أعلم.




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار العطاس\


1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الله يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤبَ، فَإذَا عَطَسَ أَحَدُكُم وَحَمِدَ الله، كَانَ حَقّاً عَلَى كُلِّ مُسْلِم سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وأمَّا التَّثَاؤُبُ، فإنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإذَا تَثَاءَبَ أحدُكُم، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنَّ أَحَدَكُم إذَا تَثَاءَبَ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ" ذكره البخارى.
2-وثبت عنه فى "صحيحه": " إذا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُل: يَهْدِيكُم اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم".
3-وفى "الصحيحين" عن أنس: "أنه عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلانِ، فشمَّتَ أحَدَهُمَا، ولم يُشمِّتِ الآخَر، فَقَالَ الَّذى لم يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ، فَلَمْ تُشَمِّتْنِى، فَقَالَ: "هَذَا حَمِدَ اللهَ، وأنْتَ لَمْ تَحْمَدِ الله".


4-وثبت عنه فى "صحيح مسلم": "إذا عَطَسَ أحَدُكُم فَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ الله، فَلاَ تُشَمِّتُوهُ".
5-وثبت عنه فى "صحيحه": من حديث أبى هريرة: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌ: إذَا لَقِيتَهُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإذَا دَعَاك فَأجبْهُ، وَإذَا اسْتَنْصَحَكَ، فانْصَحْ لَهُ، وَإذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتْهُ، وَإذَا مَرِضَ، فَعُدْه، وَإذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ".
6-وروى الترمذى، أن رَجُلاً عَطَسَ عِندَ ابنِ عمر، فقال: الحَمْدُ لِلَّه، والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: وأنَا أقُولُ: الحمدُ لِلَّهِ والسلامُ على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنعَلَّمَنَا أنْ نَقُولَ: الحمْدُ لِلَّهِ على كُلِّ حال.
ابن القيم: فظاهر الحديثِ المبدوء به: أن التشميتَ فرضُ عَيْن على كُلِّ مَنْ سمع العاطس يحمَدُ الله، ولا يُجْزِئ تشميتُ الواحد عنهم، وهذا أحدُ قولى العلماء


7-وكان من هَدْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى العُطاس ما ذكره أبو داود والترمذى، عن أبى هريرة: كانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا عَطَس، وَضَعَ يَدَهُ أوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ، أو غَضَّ بِهِ صَوْتَه ".: حديث صحيح

8-ويُذكر عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّ التَثَاؤُبَ الشَّدِيدَ، والعَطْسَةَ الشَّدِيدَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
9-ويُذكر عنه: أنَّ الله يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ والعُطَاسِ.
10-وصحَّ عنه: أنه عطسَ عنده رجلٌ، فقال له: "يَرْحَمُكَ اللهُ". ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فقالَ: "الرَّجُلُ مَزْكُوم ". هذا لفظ مسلم أنه قال فى المرة الثانية، وأما الترمذى: فقال فيه عَنْ سلمة بن الأكوع: عَطَس رجلٌ عِند رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شاهد، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُكَ اللهُ"، ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ والثَّالِثَةَ، فَقَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ". قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.
11-وقد روى عن أبى هريرة موقوفاً عليه: "شَمِّتْ أخَاكَ ثلاثاً، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ".
وقوله فى هذا الحديث: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" تنبيه على الدعاء له بالعافية، لأن الزكمة عِلَّة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيهٌ له على هذه العِلَّة ليتداركها ولا يهملها، فيصعُبَ أمرُهَا، فكلامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كله حكمة ورحمة، وعلم وهدى.


12-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَهُ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فكان يقولُ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكُم".



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار السفر وآدابه


1-صحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إذَا هَمَّ أحَدُكُم بِالأمْر، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّى أَسْتَخْيِرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيوب، اللهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَم أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لى فى دينى وَمَعَاشِى، وَعَاجِلِ أمْرِى وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لى، وَيًَسِّرْهُ لى، وَبَارِكْ لى فيه، وإنْ كُنْتُ تَعْلَمُه شَراً لى فى دِينِى ومَعَاشى، وَعَاجلِ أمْرِى وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عنِّى، وَاصْرِفْنِى عَنْهٌُ، وَاقْدُرْ لى الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنى به" قال: ويُسَمِّى حاجته، قال: رواه البخارى.
ابن القيم :فعوَّض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بهذا الدعاء، عما كان عليه أهلُ الجاهلية من زجر الطَّيْرِ والاستسقامِ بالأزلام الذى نظيرُه هذه القرعة التى كان يفعلُها إخوانُ المشركين ، وعوَّضهم بهذا الدعاء الذى هو توحيدٌ والمقصودُ أن الاستخارة تَوكُّلٌ على الله وتفويضٌ إليه،


2-، عن أنس رضى الله عنه قال: لم يُرد النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَراً قطُّ إلا قال حين ينهض من جلوسه: " اللهُمَّ بِكَ انْتَشَرْتُ، وَإلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وبِكَ اعْتَصَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، اللهُمَّ أنْتَ ثِقَتِى، وأنْتَ رَجَائِى، اللهُمَّ اكْفِنى مَا أَهَمَّنِى وَمَا لاَ أَهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّى. عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤكَ، ولا إلَه غَيْرُكَ، اللهُمَّ زَوِّدنى التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِى ذَنْبِى، وَوَجِّهْنِى لِلْخَيْر أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ "، ثم يخرج.



3-وكانَ إذا ركب راحِلته، كبَّر ثلاثاً، ثم قال : "سُبْحَانَ الَّذى سَخَّر لَنَا هذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْن، وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون". ثم يقول: "اللهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ فى سَفَرِنَا هذَا البِرَّ والتَّقْوَى، ومِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، واطْو عنَّا بُعْدَه، اللهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فى السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ فى الأهْلِ، اللهُمَّ اصْحَبْنَا فى سَفَرِنَا، واخلُفْنَا فى أهْلِنَا". وإذَا رجع قالهنَّ وزاد فيهنَّ: "آيِبُونَ تائِبُون، عابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ".
4-وفى "صحيح مسلم": أنه كان إذا سافر يقول: "اللهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، ومِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ، ومِنْ سُوءِ المَنْظَر فى الأهْلِ والمال ".


5-وكانَ إذَا وَضَعَ رِجْلَه فى الرِّكَابِ لِرُكُوبِ دَابَّتِهِ، قال: "بِسْمِ الله"، فَإذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ"- ثَلاثاً- "الله أكْبَرُ"- ثَلاثاً، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون"- ثمَّ يقولُ: "الحَمْدُ لِلَّهِ"- ثَلاثاً- "الله أكْبَرُ" ثَلاثاً، ثمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَ الله"- ثلاثاً، ثمَّ يقول: "لا إلَه إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، سُبْحَانَكَ إنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى، فَاغْفِرْ لِى، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنْتَ".
6-وكانَ إذَا ودَّعَ أصحابَه فى السفر يقولُ لأحدهم: "أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ، وَخَواتيمَ عَمَلِكَ".
7-وجاء إليه رجل وقال: يا رسولَ الله: إنِّى أُرِيدُ سَفَراً، فَزَوِّدْنِى. فقال:" زَوَّدَكَ الله التَّقْوَى". قال: زِدْنِى. قال: "وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ" قال: زدنى. قال: "ويَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ ".
8-وقال له رجل: إنِّى أريدُ سفراً، فقال: "أُوصيك بتقْوَى الله، والتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ"، فلمَّا ولَّى، قال: "اللهُمَّ ازْوِ لَهُ الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ".
9-وكان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه، إذَا عَلوُا الثنايا، كبَّرُوا، وَإذَا هَبَطُوا، سبَّحُوا، فوضعت الصلاة على ذلك.
10-وقال أنس: كان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عَلا شَرَفاً مِنَ الأرْضِ، أو نَشْزاً قال: "اللهُمَّ لَكَ الشَّرَفُ عَلَى كلِّ شَرَفٍ، وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَمْدٍ".
11-وكان سيرُه فى حَجَّه العَنَقَ، فإذَا وَجَدَ فجوةً، رَفَعَ السَّيرَ فوقَ ذلكَ، وكَانَ يقول: "لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رفْقَةً فيها كَلْبٌ وَلا جَرَسٌ".


12-وكان يكرهُ للمُسَافر وحْدَهُ أن يسيرَ بالليل، فقالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسَُ ما فى الوحْدَةِ ما سَار أحَدٌ وَحْدَه بِلَيْلٍ".
13-بل كان يَكْرَهُ السفرَ للواحد بلا رفقة، وأخبر: "أنَّ الوَاحِدَ شَيْطَانٌ والاثْنَانِ شَيْطَانَانِ، والثَّلاَثَةُ رَكْبٌ".
14-وكان يقول: " إذَا نَزَلَ أحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بكَلماتِ الله التَّامَّات مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، فَإنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَئ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ". ولفظ مسلم: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثم قَالَ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَىءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزله ذلك".



15-وكان إذا رأى قريةً يُريد دخولها قال حين يراها: "اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وما أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأرْضين السَّبْعِ ومَا أَقْلَلْنَ، ورَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيحِ وَمَا ذَرَيْن، إنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِهَا، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فيهَا".
16-وكانَ إذا بدا له الفجرُ فى السَّفرِ، قال: "سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ الله وحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذاً بالله مِنَ النَّارِ". 17-وكان يَنْهَى أن يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إلى أرْضِ العَدُوِّ، مخَافَةَ أنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ.


18-وَكَانَ يَنْهى المَرْأَةَ أنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَوْ مَسَافَةَ بَرِيدٍ.
19-وكانَ يَأْمُرُ المُسَافِرَ إذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ، أن يُعَجِّلَ الأوْبَةَ إلَى أهْلِهِ.




20-وَكَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ سَفَرِهِ يُكَبِّر عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، آيُبونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ".
21-وكان ينهى أنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أهْلَهُ لَيْلاً إذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ. وفى "الصحيحين": كان لا يَطْرُقُ أهْلَه لَيْلاً يَدْخُلُ عَلَيْهنَّ غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً.
22-وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ يُلَقَّى بِالْوِلْدَانِ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ، قالَ عبد الله بنُ جعفر: وإنه قَدِمَ مَرَّةً مِن سفر، فَسُبِقَ بى إليه، فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ، ثم جِئَ بأَحَدِ ابنى فاطمَةَ، إما حَسَن وإما حُسين، فأردفه خلفَه، قالَ: فدخلنا المَدِينَةَ ثَلاثَةً على دَابَّةٍ.
23-وكان يعتنِق القَادِمَ مِنْ سَفَرِهِ، ويُقَبِّلُه إذا كَان مِنْ أهْلِهِ. قال الزهرى: عن عُروة، عن عائشة: قدم زيدُ بنُ حارثة المدينةَ، ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بيتى، فأتاه، فَقَرَعَ البَابَ، فَقَامَ إليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرياناً يَجُرُّ ثَوْبَهُ، واللهِ ما رأيته عُرياناً قَبْلَه ولا بَعْدَه، فاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ.


24-قالت عائشةُ: لما قَدِمَ جعفرٌ وأصحابُه، تلقاه النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ.
25-قال الشعبى: وكان أصحابُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ، تَعَانَقُوا.
26-وكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَرَكعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ






فصل: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار النكاح


1-ثبت عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه علَّمهم خُطبة الحاجَةِ: " الحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الله، فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُه وَرَسُولُهُ" ، ثُمَّ يَقْرَأُ الآيَاتِ الثَّلاثَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا الله الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ، إنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]،


{يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا اتَّقُوا الله وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
قال شعبة: قلت لأبى إسحاق: هذه فى خطبة النكاح، أو فى غيرها؟ قال: فى كل حاجة.
2-وقال: "إذَا أفَادَ أحَدُكُم امْرَأةً، أو خَادِماً، أو دابَّةً، فَلْيَأْخُذْ بناصِيَتِها، وَلْيَدْعُ الله بِالبَرَكَةِ، وَيُسَمِّى الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ خَيْرَها، وخَيْرَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ".
3-وكان يقولُ للمتزوج: "بَارَكَ الله لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فى خَيْرٍ ".
4-وقال: "لَو أنَّ أحَدَكم إذا أراد أنْ يَأْتِىَ أَهْلَه، قال: بِسْمِ الله، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فإنه إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فى ذلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً".


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقول مَنْ رأى ما يُعجبه مِن أهله ومالِه
1-يُذكر عن أنس أنه قال: "ما أنعم الله عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فى أهلٍ، ولا مَالٍ، أو ولدٍ، فيقول: ما شَاءَ الله، لا قُوَّة إلاَّ باللهِ، فَيَرَى فِيهِ آفَةً دُونَ المَوْتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلاَ إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ الله لا قُوَّةَ إلا بِاللهِ} [الكهف: 39]".




: فيما يقول مَن رأى مُبْتَلى
1-صحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما مِنْ رَجُلٍ رأى مُبْتَلى فقالَ: الحمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى ممَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِى عَلَى كَثير ممَّن خَلَقَ تَفْضِيلاً، إلاَّ لَمْ يْصِبْه ذَلِكَ البَلاءُ كَائِناً مَا كَانَ".




: فيما يقوله مَن لحقته الطِّيرَةُ
1-ذُكِرَ عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدهُ، فَقَالَ: " أحْسَنُهَا الفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِماً، فَإذَا رَأَيْتَ مِنَ الطِّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ فَقُلْ: اللهُمَّ لا يَأتِى بالحَسَنَاتِ إلاَّ أنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ".
2-وكَانَ كَعب يقول: " اللهُمَّ لا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، وَلاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ، وَلاَ رَبَّ غَيرُكَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِكَ، والَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنَّهَا لرأْسُ التَّوَكُّلِ، وكَنْزُ العَبْدِ فى الجَنَّةِ، ولا يقُولُهُنَّ عَبْدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمْضِى إلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَىء".




: فيما يقوله مَن رأى فى منامه ما يكرهه
1-صَحَّ عنهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فمَنْ رَأى رُؤيَا يَكْرَهُ مِنْهَا شَيْئاً، فَلّيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثلاثاً، وَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإنَّهَا لا تَضُرُّهُ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أحَداً. وَإنْ رَأَى رُؤيَا حَسَنَةً، فَلْيَسْتَبْشِرْ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا إلاَّ مَنْ يُحِبُّ".
2-وَأَمَرَ مَنْ رَأى مَا يَكْرَهُهُ أنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أنْ يُصَلِّىَ.
3-فأمره بخمسةِ أشياء: 1-أن ينفُثَ عَنْ يساره،2- وَأن يستعيذَ باللهِ من الشَّيطان،3- وأن لا يُخبر بها أحداً،4- وأن يتحوَّل عن جنبه الذى كان عليه،5-وأن يقومَ يُصلِّى، ومتى فعل ذلك، لم تضرَّه الرؤيا المكروهة، بل هذا يدفَعُ شرَّها.
4-وقال: "الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فإذَا عُبِّرَتْ، وَقَعَتْ، ولا يَقُصُّهَا إلاَّ على وَادٍّ، أوْ ذِى رَأْى".
5-وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، إذَا قُصَّت عليه الرؤيا، قال: اللهُمَّ إنْ كَانَ خَيْراً فَلَنَا، وإنْ كَانَ شَرَّاً، فَلِعَدُوِّنَا.
6-ويُذكر عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عُرِضَتْ عَلَيهِ رُؤْيَا، فَلْيَقُلْ لِمَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ خَيْراً".
7-ويُذكر عنه أنه كان يقول للرائى قبل أن يعبرُها له: "خَيْراً رَأَيْتَ " ثم يَعْبُرُهَا.
8-: كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا أراد أن يَعْبُر رُؤيا، قال: إن صَدَقَتْ رُؤياكَ، يكونُ كذا وكذا




: فيما يقولُه ويفعلُه مَن ابتُلى بالوَسْوَاسِ، ومَا يستعينُ به على الوسوسة


1-وقال له عثمانُ بنُ أبى العاص: يا رَسُولَ الله ؛ إنَّ الشيطانَ قد حال بينى وَبَيْنَ صَلاتِى وقِراءتى، قال: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ له: خِنْزَبٌ، فَإذَا أحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، واتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثاً".


2-وشكى إليه الصحَابَةُ أنَّ أحدهم يَجِدُ فى نفسِهِ- يُعرِّض بالشىء- لأن يَكُونَ حُمَمَةً أحبُّ إليه من أنْ يتَكلَّمَ به، فقال: "الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى رَدَّ كَيْدَهُ إلى الوَسْوَسَةِ".
3-وأرشد من بُلى بشىءٍ مِن وسوسة التسلسل فى الفاعلين، إذا قيل له: هذَا الله خَلَق الخلق، فمَن خَلَقَ الله؟ أن يقرأ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
4-كذلك قال ابنُ عباسٍ لأبى زُميل سماك بن الوليد الحنفى وقد سأله: ما شىءٌ أجِدُهُ فى صدرى؟ قال: ما هُو؟ قال: قلتُ: واللهِ لا أتكلَّمُ به. قال: فقال لى: أشىء مِن شَك؟ قلتُ: بلى، فَقَالَ لى: ما نَجا مِنْ ذلِكَ أحد، حتى أنزلَ الله عَزَّ وجَلَّ: {فَإن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّا أنْزَلْنَا إلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس: 94] قال: فقال لى: فإذا وجدتَ فى نفسك شيئاً، فَقُلْ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].


فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلانِ التسلسل الباطل ببديهة العقل، وأن سلسلةَ المخلوقات فى ابتدائها تنتهى إلى أولٍ ليس قَبلَه شئ، كما تنتهىفى آخرِها إلى آخر ليس بعَده شئ، كما أن ظهورَه هو العلوُّ الذى ليس فوقَه شئ، وبُطونَه هو الإحاطة التى لا يكون دونه فيها شئ

5-وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزالُ النَّاسُ يَتَسَاءلونَ حَتَّى يقول قائِلُهم: هذا الله خَلَقَ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ الله؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ وَلْيَنْتَهِ" ، وقدْ قال تَعالى: {وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللهِ، إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [ فصلت: 36].
6-ولما كان الشيطانُ على نوعين: نوعٍ يُرى عياناً، وهو شيطانُ الإنس، ونوعٍ لا يُرى، وهو شيطانُ الجن، أمرَ سبحانه وتعالى نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكتَفىَ مِن شر شيطان الإنس بالإعراض عنه، والعفو، والدفع بالتى هى أحسنُ، ومن شيطان الجن بالاستعاذة باللهِ منه، وجمع بينَ النوعين فى سورة الأعراف، وسورة المؤمنين، وسورة فصلت، والاستعاذة فى القراءة والذِّكر أبلغُفى دفع شر شياطين الجن، والعفوُ والإعراضُ والدفعُ بالإحسان أبلغُ فى دفع شرِّ شياطينِ الإنس. قال:





: فى ما يقوله ويفعله مَن اشتد غضبه
1-أمره- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يُطفئ عَنْهُ جَمْرَةَ الغضب بالوُضُوءِ، والقعودِ إنْ كَانَ قَائِمَاً، والاضطِجَاع إن كَانَ قَاعِدَاً، والاستعاذةِ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ.
2-ولما كان الغضبُ والشهوةُ جمرتين مِن نارٍ فى قلبِ ابن آدم، أمر أن يُطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذةِ من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44]... الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدَّة الشهوةِ، فأمرهم بما يُطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانةُ بالصبرِ والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذةِ من الشيطان عند نزغاته،


3- ولما كانت المعاصى كلها تتولد مِن الغضب والشهوة، وكان نهايةُ قوةِ الغضبِ ال***، ونهايةُ قوةِ الشهوة الزِّنى، جمع الله تعالى بين ال*** والزِّنى، وجعلهما قرينين فى سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصودُ: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شرَّ قوتَى الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة.




وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رَأَى مَا يُحِبُّ، قال:

1- "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ". وَإذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ".


لِمَن تقرَّب إليه بما يُحِبُّ


1-وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو لِمَن تقرَّب إليه بما يُحِبُّ وبما يُنَاسِبُ، فلما وَضَعَ لهُ ابن عبَّاس وَضُوءَهُ قال: "اللهُمَّ فَقِّهْهُ فى الدِّين، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ".
ولمَّا دَعَّمَهُ أبو قَتَادَة فى مَسيرِهِ بالليل لمَّا مالَ عن راحِلته، قال: "حَفِظَكَ الله بِما حَفِظَتَ بِهِ نَبِيَّه".
2-وقال: "مَنْ صُنِعَ إليهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خَيْرَاً، فَقَدْ أَبْلَغَ فى الثَّنَاءِ


3-واستقرض من عبد الله بن أبى ربيعة مالاً، ثم وفَّاه إياه، وقال: "بَارَكَ الله لَكَ فى أهْلِكَ وَمالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأدَاءُ".
4-ولمَّا أرَاحَهُ جَرِيرُ بن عبد الله البَجَلِى مِن ذِى الخَلَصَةِ: صَنَمِ دَوْس، بَرَّكَ عَلَى خَيْلِ قَبِيلَتِهِ أَحْمس وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
5-وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أُهديت إليه هديةٌ فقبلها، كافأ عليها بأكثر منها، وإن ردّهَا اعتذَرَ إلى مُهْدِيهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّعْبِ ابن جَثَّامةَ لما أَهْدَى إلَيْهِ لَحْمَ الصَّيْدِ: "إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاَّ أنَّا حُرُمٌ" والله أعلمُ.





نهيق الحمار00 وصياح الديكة 000 ورؤية الحريق

1-وأمر- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّته إذا سَمِعُوا نَهِيقَ الحِمَارِ أن يتعوَّذُوا باللهِ منَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم، وإذَا سَمِعُوا صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، أَنْ يَسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ.
2-ويُروى عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أَمَرَهُم بالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رؤية الحَرِيق، فَإنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُه.


كفارة المجلس
1-وكره- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهل المجلسِ أن يُخْلُوا مَجْلِسَهُم مِنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وجَلَّ، وقال: " مَا مِنْ قَوْمٍ يقومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرونَ الله فيهِ إلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفةِ الحِمارِ".
2-وقال: "مَنْ قَعَدَ مَقعَداً لم يَذكُرِ الله فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الله تِرَةٌ، ومَنِ اضطجع مضجعاً لا يذكرُ الله فيه، كانت عليه من الله تِرَةٌ". والتِّرَةُ: الحسرة.وفى لفظ: " وما سَلَكَ أَحَدٌ طَرِيقاً لَمْ يَذْكُرِ الله فِيهِ، إلاَّ كَانَتْ عَلَيْهِ تِرَةٌ".



3-وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَلَسَ فى مَجْلسٍ، فَكَثُرَ فيهِ لَغَطُهُ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وبحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ، إلا غُفِرَ لَهُ ما كانَ فى مَجْلِسه ذَلِكَ ".
4-وفى "سنن أبى داود" و"مستدرك الحاكم" أنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يقُولُ ذلِكَ إذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله ؛ إنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلاً مَا كُنْتَ تَقُولُه فِيمَا مَضَى. قال: "ذَلِكَ كَفَّارةٌ لِمَا يَكُونُ فى المَجْلِسِ".
هدية فى الارق


1-وشكى إليه خالدُ بنُ الوليد الأرقَ بالليل، فقال له: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فقل: اللهُمَّ رَبِّ السماوات السَّبْعِ وَما أَظَلَّتْ، وَرَبَّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الشَّيَاطِين وَمَا أَضَلَّتْ، كُنْ لى جَاراً مِنْ شَرِّ خَلْقكَ كُلِّهِم جَميعاً مِنْ أنْ يَفْرُطَ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَىَّ، أَوْ أَنْ يَطْغى عَلَىَّ،عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، ولاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ".

هدية فى الفزع00 والكوابيس000
1-وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ أصحابَه من الفزع: " أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَامَّة مِنْ غَضَبِهِ وَمِنْ شَرِّ عباده، ومن شرِّ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين، وأنْ يَحْضُرُون".
2-ويُذكر أن رجلاً شَكَى إلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يفزع فى مَنَامِه، فقال: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فقل أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَامَّة مِنْ غَضَبِهِ وَمِنْ شَرِّ عباده، ومن شرِّ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين، وأنْ يَحْضُرُون".
..." ثم ذكرها، فقالها فذهب عنه.




: فى ألفاظ كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكْرَهُ أن تُقَال
1-فَمِنْهَا: أن يقول: خَبُثَتْ نَفْسِى، أَوْ جَاشَتْ نَفْسِى، وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ.
2-ومنها: أن يُسَمِّى شَجَرَ العِنَبِ كَرْماً، نَهَى عَنْ ذلِكَ، وقال: "لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنْبُ والحَبَلةُ ".


3-وكرِه أن يقولَ الرجلُ: هلكَ النَّاسُ. وقال: "إذَا قَالَ ذلِكَ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ". وفى معنى هذا: فسد الناسُ، وفسد الزمانُ ونحوهُ.
4-ونهى أن يُقَالَ: ما شَاءَ الله، وَشَاءَ فُلانٌ، بَلْ يُقَالُ: مَا شَاءَ الله، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ الله وَشِئْتَ، فَقَالَ: "أَجَعَلْتَنِى للهِ نِدّاً؟، قل: مَا شَاءَ الله وَحْدَهُ".
5-وفى معنى هذَا: لولا الله وفلانٌ، لما كانَ كذا، بل هو أقبحُ وأنكر، وكذلك: أنا باللهِ وبفُلان، وأعوذُ باللهِ وبفُلان، وأنا فى حَسْبِ الله وحَسْبِ فلان، وأنا متَّكِل على الله وعلى فلان، فقائلُ هذا، قد جعل فلاناً نِدَّاً للهِ عَزَّ وجَلَّ.
6-ومنها: أن يُقال: مُطِرْنا بَنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، بل يقُولُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمتهِ.
7-ومنها: أن يحلِفَ بغير الله. صحَّ عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "مَنْ حَلَفَبِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكَ".
8-ومنها: أن يقول فى حَلِفِهِ: هو يَهُودِى، أو نصرانى، أو كافر، إن فعل كذا.
9-ومنها: أن يقولَ لِمسلمٍ: يا كَافِرُ.
10-ومنها: أن يقولَ للسلطان: مَلِكُ المُلُوكِ. وعلى قياسه: قاضى القضاة.
11-ومنها: أن يقول السَّيِّدُ لِغلامه وجارِيته: عَبْدِى، وأمَتِى، ويقول الغلامُ لسيده: ربى، وليقُل السَّيِّدُ: فَتَاى وفتاتى، وليَقُلِ الغلامُ: سيِّدى وسيِّدتى.
12-ومنها: سبُّ الرِّيحِ إذَا هبَّتْ، بل يسألُ الله خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، ويَعُوذُ باللهِ مِنْ شرِّهَا وشر ما أُرسلت به.


13-ومنها: سبُّ الحُمَّى، نهى عنه، وقال: "إنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ، كمَا يُذْهِبُ الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيدِ".
14-ومنها: النَّهىُ عن سب الدِّيكِ، صحَّ عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإنَّهُ يُوقِظُ للصَّلاةِ".
15-ومنها: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتَّعَزِّى بعزائهم، كالدُّعَاء إلى القبائل والعَصبِيَّة لها وللأنساب، ومثلهُ التعصبُ لِلمذاهب، والطرائِقِ، والمشايخ، وتفضيلُ بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونُهُ منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويُوالى عليه، ويُعادِى عليه، وَيزِنُ الناس به، كُلُّ هذا مِن دعوى الجاهلية.
16-ومنها: تسميةُ العِشَاء بِالعَتَمَةِ تسمية غالبة يُهجَرُ فيها لفظُ العِشَاء.
17-ومنها: النهىُ عَن سِبَابِ المُسْلِم، وأن يتناجى اثنَانِ دُونَالثَّالِث. وأن تُخْبِرَ المرأةُ زَوْجَها بِمَحَاسِنِ امرأةٍ أُخْرَى.
18-ومنها: أن يقولَ فى دُعائه: "اللهُمَّ اغْفِرْ لى إنْ شِئْتَ، وارْحَمْنِى إنْ شِئْتَ".
19-ومنها: الإكثارُ مِنَ الحَلِفِ.
20-ومنها: كراهةُ أن يقول: قَوْسُ قُزَح، لِهذَا الذى يُرى فى السَمَاء.
21-ومنها: أن يسأل أحَداً بِوَجهِ الله.
22-ومنها: أن يسمِّىَ المدينة بيثرب.
23-ومنها: أن يُسألَ الرجلُ فيم ضرَبَ امرأته، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.


24-ومنها: أنْ يقول: صُمْتُ رمضانَ كُلَّهُ، أو قمتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ.

25-ومن الألفاظِ المكروهَةِ الإفصاحُ عَنِ الأشياءِ التى ينبغى الكنايةُ عنها بأسمائها الصَّريحة:
26-ومنها: أن يقولَ: أطالَ الله بقاءَك، وأدامَ أيَّامَكَ، وعِشتَ ألفَ سنة... ونحو ذلك.
27-ومنها: أن يقول الصائِمُ: وحقِّ الذى خَاتِمه على فمِ الكافر.
28-ومنها: أن يقول للمُكُوس: حقوقاً. وأن يقول لِمَا يُنْفِقُهُ فى طاعةِ الله: غَرِمْتُ أو خَسِرْتُ كَذَا وَكَذَا، وأن يقولَ: أنفقتُ فى هذه الدنيا مالاً كثيراً.
29-ومنها: أن يقولَ المفتى: أحلَّ اللهُ كذَا، وحرّم الله كذا فى المسائل الاجتهادية، وإنما يقولُه فيما ورد النصُّ بتحريمه.
30-ومنها: أن يُسَمِّىَ أدلةَ القرآن والسُّنَّة ظواهِرَ لفظية ومجازاتٍ، فإن هذه التسمية تُسْقِطُ حُرمتَها مِن القلوب، ولا سيما إذا أضَافَ إلى ذلك تسمية شُبَهِ المتكلمينَ والفلاسفة قَواطِعَ عَقلية، فلا إله إلا الله، كم حَصَلَ بهاتين التسميتين مِن فساد فى العقول والأديان، والدنيا والدين.


31-ومنها: أن يُحدِّث الرجلُ بجِمَاع أهله، وما يكونُ بينه وبينها، كما يفعله السَّفَلَةُ.
ومما يُكره من الألفاظ: زعموا، وذكروا، وقالوا... ونحوه.
32-ومما يُكره منها أن يقول للسلطان: خليفةُ الله، أو نائِبُ الله فى أرضه، فإن الخليفة والنائبَ إنما يكونُ عن غائب، واللهُ سبحانهوتعالى خليفةُ الغَائِبِ فى أهلهِ، ووكيلُ عبده المؤمن.



33-وليحذر كُلَّ الحذر من طغيان "أنا"، و"لى"، و"عندى"، فإن هذه الألفاظَ الثلاثةَ ابتُلى بها إبليسُ، وفرعون، وقارون: ف {أنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] [ص: 76] لإبليس، و{لِى مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51] لفرعون، و{إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِى} [القصص: 78] لقارون. وأحسنُ ما وُضِعَت "أنا" فى قول العبد: أنا العبدُ المذنب، المخطئ، المستغفر، المعترِف... ونحوه. و"لى"، فى قوله: لى الذنب، ولى الجُرم، ولى المسكنةُ، ولى الفقرُ والذل. و"عندى" فى قوله: "اغْفِرْ لى جِدِّي، وَهَزْلِي، وخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلِكَ عِنْدِي".

يتبع ان شاء الله تعالى






رد مع اقتباس
  #11  
قديم 17-06-2017, 02:35 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الجهَاد والمغَازى والسَّرايَا وَالبُعُوث
1-لما كان الجِهَاد ذِروةَ سَنَامِ الإسلام وقُبَّتَه، ومنازِلُ أهله أعلى المنازل فى الجنة، كما لهم الرَّفعةُ فى الدنيا، فهم الأَعْلَوْنَ فى الدنُّيَا والآخِرةِ، كان رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذَّروةِ العُليا منه، واسْتولى على أنواعه كُلَّها فجاهد فى اللهِ حقَّ جهاده بالقلب، والجَنانِ، والدَّعوة، والبيان، والسيفِ، والسِّنَانِ، وكانت ساعاته موقوفةً على الجهاد، بقلبه، ولسانه، ويده. ولهذا كان أرفعَ العَالَمِينَ ذِكراً، وأعظمَهم عند الله قدراً.
وأمره الله تعالى بالجِهاد مِن حينَ بعثه، وقال: { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان: 51-52]،




واختلفت عباراتُ السَلَف فى حقِّ الجهاد:
1-فقال ابن عباس: "هو استفراغُ الطاقة فيه، وألا يَخافَ فى اللهِ لومةَ لائم".


2- وقال مقاتل: "اعملوا للهِ حقَّ عمله، واعبدُوه حقَّ عِبادته". وقال عبد الله بنُ المبارك: "هو مجاهدةُ النفس والهوى".



: مراتب الجهاد


إذَا عُرِفَ هذا، فالجهادُ أربع مراتب: جهادُ النفس، وجهادُ الشيطان، وجهادُ الكفار، وجهادُ المنافقين.


فجهاد النفس أربعُ مراتب أيضاً:


إحداها: أَنْ يُجاهِدَها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذى لا فلاح لها، ولا سعادة فى معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت فى الدَّارين.
الثانية : أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها.
الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا يُنجِيه مِن عذاب الله.
الرابعة : أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علم وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيماً فى ملكوتِ السموات.



جهاد 00 الشيطان


1-وأما جهادُ الشيطان، فمرتبتان، إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقى إلى العبد مِن الشبهات والشُّكوكِ القادحة فى الإيمان.
الثانية: جهادهُ على دفع ما يُلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهواتِ، فالجهادُ الأول يكون بعده اليقين، والثانى يكون بعدَه الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ، وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهواتِ والإرادات الفاسدة، واليقينُ يدفع الشكوك والشبهات.


وأما جهادُ الكفار والمنافقين، فأربع مراتب:

بالقلب، واللِّسان، والمالِ، والنفسِ، وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان.


وأما جهادُ أرباب الظلم، والبِدعِ، والمنكرات،


1- فثلاث مراتبَ: الأولى: باليدِ إذا قَدَرَ، فإن عَجَزَ، انتقل إلى اللِّسان، فإن عَجَزَ، جاهد بقلبه، فهذِهِ ثلاثةَ عشرَ مرتبةً من الجهاد، و"مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النَّفَاقِ".



2-ولا يَتِمُّ الجهِادُ إلا بالهِجْرةِ، ولا الهِجْرة والجهادُ إلا بالإيمَانِ، والرَّاجُونَ رحمة الله هم الذين قاموا بهذِهِ الثلاثة. قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ، وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 218].





: [الإسراء والمعراج]
1-ثم أُسرِىَ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ على الصحيح، مِن المسجد الحرامِ إلى بيتِ المقدس، راكباً على البُراقِ، صُحبة جبريل عليهما الصلاةُ والسَّلام، فنزل هُناكَ، وصَلَّى بالأنبياء إِماماً، وربط البُراقَ بحَلْقَةِ بابِ المسجد.
2-وقد قيل: إنه نزل ببيتِ لحمٍ، وصلَّى فيه، ولم يَصِحَّ ذَلكَ عَنْهُ البتة.
ثمَّ عُرِجَ بِهِ تِلكَ الليلةَ مِنْ بَيْتِ المقدسِ إِلى السَّمَاءِ الدُّنيا، فاستفتح لَهُ جِبْريلُ، فَفُتِحَ لَهُ، فَرَأَى هُنَالِكَ آدَمَ أَبَا البَشَرِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، ورحَّبَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِنُبوَّتِه، وَأَرَاهُ الله أرْوَاحَ السُّعَدَاءِ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَرْوَاحَ الأَشْقِيَاءِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ لَهُ، فَرَأى فِيهَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا وَعِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، فَلَقِيَهُمَا وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا، فَردَّا عليه، وَرَحَّبَا بِه، وَأَقَرَّا بِنُبُوَّتِهِ،


3-ثُمَّ عُرج بهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَة، فَرأى فيها يوسف، فسلَّمَ عليه، فردَّ عليه، ورحَّبَ به، وأقرّ بنبوتِه،

4-ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَرَأَى فِيهَا إِدْريسَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِنبوَّتِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَرَأَى فِيهَا هَارون بْنَ عِمْرَان، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ عُرِجُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَلَقِىَ فِيهَا مُوسَى بْن عِمْرَان، فَسَلَّمَ عَلَيهِ وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، فَلَمَّا جَاوَزَهُ، بَكَى مُوسَى، فَقِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ: أَبْكِى، لأَنَّ غُلاَمَاً بُعِثَ مِنْ بَعْدِى، يَدْخُلُ الجنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِى،

5- ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَلَقِىَ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ رُفِع إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، ثُمَّ رُفِعَ لَهُ البَيْتُ المَعْمُورُ

6-، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الجبَّارِ جَلَّ جَلالُه، فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلى عَبْدِهِ مَا أوْحَى، وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً.

فَرَجِعَ حَتَّى مَرَّ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: بِمَ أُمِرْتَ ؟ قَالَ: بِخَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجعْ إِلىَ رَبِّكَ، فَاسْأْلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فالْتَفَتَ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فى ذلِكَ، فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلاَ بِهِ جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بِهِ الجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وهُوَ فى مَكَانِهِ هذا لفظُ البخارى فى بعض الطرق فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَاً، ثُمَّ أُنْزِلَ حَتَّى مَرَّ بِمُوسَى، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: ارْجعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُوسَى، وَبَيْنَ الله عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسَاً، فَأَمَرَهُ مُوسَى بالرُّجُوعِ وَسُؤَالِ التَّخْفِيفِ، فَقَالَ: "قَدِ اسْتَحْييْتُ مِنْ رَبِّى، وَلكِنْ أَرْضَى وَأُسلِّمُ"، فَلَمَّا بَعُدَ نَادَى مُنَادٍ: قَدْ أَمْضيْتُ فَرِيضَتِى، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِى.
7-واختلف الصحابةُ: هل رأى ربَّهُ تلك الليلةَ، أم لا ؟ فصحَّ عن ابن عَبَّاس أنه رأى ربَّهُ، وصحَّ عنه أنه قال: "رَآهُ بِفُؤَادِهِ".
وصحَّ عَنْ عَائِشَةَ وابْن مًَسْعُودٍ إِنْكَارُ ذلِكَ، وقَالاَ: إِنَّ قَوْلَه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى} [النجم: 13-14] إِنَّمَا هُوَ جِبْريلُ.


8-وَصَحَّ عَنْ أبى ذَرَّ أَنَّه سَأَلَهُ: هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ ؟ فقالَ: "نُورُ أَنَّى أرَاهُ" أى: حال بينى وبين رؤيته النور، كما قال فى لفظ آخر: "رَأَيْتُ نُورَاً".
وقد حكى عثمانُ بن سعيد الدَّارمى اتفاقَ الصَّحَابة على أنه لم يره.
9-قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية قدَّس الله روحَه: وليس قولُ ابن عباس: "إنه رآه" مناقِضاً لهذا، ولا قولُه: "رآهُ بفُؤاده" وقد صحَّ عنه أنه قال: "رأيتُ ربِّى تَبَارَكَ وتَعَالَى ) ولكن لم يكن هذا فى الإسراء، ولكن كان فى المدينة لما احتُبِسَ عنهم فى صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤيةِ رَبِّه تبارك وتعالى تِلْكَ اللَّيْلَةَ فى منامه، وعلى هذا بنى الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى، وقال: "نعم رآه حقاً، فإنَّ رؤيا الأنبياء حق، ولا بُدَّ"، ولكن لم يَقُلْ أحمد رحمه الله تعالى: إنَّه رآهُ بِعَيْنَىْ رأسِهِ يقظةً، ومَن حكى عنه ذلك، فقد وَهِمَ عليه




فلما أصبحَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قومِه، أخبرهم بما أراه اللهُ عَزَّ وجَلَّ

1-من آياتهِ الكبرى، فاْشْتَدَّ تكذيبُهم له، ، وسألوه أن يَصِفَ لَهُمْ بَيْتَ المَقْدِسِ، فجلاَّهُ الله له حَتَّى عَايَنَهُ، فَطَفِقَ يُخِبُرهم عَنْ آياتِهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَن يَرُدُّوا عَلَيْهِ شَيْئًا.
2-وأخبَرَهُم عَنْ عِيرهم فى مَسْرَاهُ ورجوعِهِ، وأخبَرَهُم عن وقتِ قُدومِهَا، وأخبَرَهُم عن البعير الذى يَقْدُمُها، وكان الأمرُ كما قال، فلم يِزَدْهُم ذلك إلا نفوراً، وأبى الظالمون إلا كُفوراً.


الروح 00 ام الجسد

1- عن عائشة ومعاوية أنهما قالا: "إنما كان الإسراء بروحه، ولم يَفْقِد جسدَه"،

ابن القيم :، ولكن ينبغى أن يُعلم الفرقُ بين أن يُقال: كان الإسراءُ مناماً، وبين أن يُقال: كان بروحه دونَ جسده، وبينهما فرقٌ عظيم، وعائشة ومعاوية لم يقُولا: كان مناماً، وإنما قالا: "أُسْرِىَ بِرُوحِهِ ولم يَفْقِدْ جَسَدَهُ"، وَفَرْقٌ بين الأمرين، فإن ما يراه النائم قد يكون أمثالاً مضروبة للمعلوم فى الصُّور المحسوسة، فيرى كأنَّه قد عُرِجَ به إلى السماء، أو ذُهِبَ به إلى مكة وأقطار الأرض، وروحُه لم تصعَد ولم تذهب، وإنما مَلَكُ الرؤيا ضَرَبَ له المِثَال،

2- والَّذِينَ قالوا: عُرِجَ برسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طائفتان: طائفةٌ قالت: عُرِجَ بروحه وبدنه، وطائفة قالت: عُرِجَ بروحه ولم يَفْقِدْ بدَنه، وهؤلاء لم يُرِيدُوا أن المِعراجَ كان مناماً، وإنما أرادوا أن الرُّوحَ ذاتَها أُسْرِىَ بها، وعُرِجَ بِهَا حقيقةً، وباشرت مِنْ جِنس ما تُباشِرُ بعد المفارقة، ومعلوم أن هذا أمرٌ فوقَ ما يراهُ النائمُ



: [في تحويل القبلة]
1-وكان يُصلِّى إلى قِبلة بيت المقدس، ويُحِبُّ أن يُصرَفَ إلى الكعبة، وقال لجبريل: "وَدِدْتُ أَنْ يَصْرِفَ الله وَجْهِى عَنْ قِبْلَةِ اليَهُودِ" فقال: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَادْعُ رَبَّكَ، واسْأَلْهُ" فَجَعَلَ يُقَلِّبُ وجهه فى السماء يرجُو ذَلِكَ حتى أنزل الله عليه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: 144]، وذلك بعد ستةَ عشر شهراً مِن مَقْدَمِهِ المدينةَ قبل وقعةِ بدر بشهرين.
2-وكان للهِ فى جعل القِبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلِها إلى الكعبة حِكَمٌ عظيمة، ومِحْنَةٌ للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين.
فأما المسلمون، فقالوا: سَمِعْنَا وأطعنا وقالُوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم.
وأما المشرِكُونَ، فقالُوا: كما رجع إلى قبلتنا يُوشِكُ أن يَرْجعَ إلى ديننا، وما رجع إليها إلا أنه الحقُّ.
وأما اليهودُ، فقالوا: خالف قِبْلة الأنبياء قبله، ولو كان نبياً، لكان يُصلِّى إلى قِبْلة الأنبياء.
وأما المنافقون، فقالوا: ما يدرى محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقاً، فقد تركها، وإن كانت الثانية هى الحق، فقد كان على باطل.
وكثرت أقاويلُ السفهاء مِن الناس، وكانت كما قال الله تعالى: {وَإنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} [البقرة: 143]، وكانت مِحنة من الله امتحن بها عبادَهُ، ليرى مَن يتَّبعُ الرسول منهم ممن يَنْقَلِبُ على عَقِبَيه.



: [الترغيب في الجهاد وما ورد من الأحاديث في فضله]
$$--ثم فرضَ عليهم القِتَالَ بعدَ ذلك لمن قاتلهم دون مَن لم يُقاتِلْهم فقال: {وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190].
$$-ثم فرض عليهم قتالَ المشركِينَ كافَّة، وكان محرَّماً، ثم مأذوناً به، ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأموراً به لجميع المشركين إما فرضَ عَيْنٍ على أحد القولين، أو فرضَ كِفاية على المشهور.والتحقيق أن جنسَ الجهادِ فرضُ عَيْن إما بالقلب، وإما باللِّسان، وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كُلِّ مسلم أن يُجاهد بنوع مِن هذه الأنواع.



1- فَقَالَ: "انْتَدَبَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِى، وتَصْدِيقٌ بِرُسُلى أَن أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ منْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الجنَّةَ، وَلوْلاَ أَنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِى مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَودِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فى سَبِيلِ الله، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل".
2-وقال: "مَثَلُ المُجَاهِدِ فى سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بآيَاتِ اللهِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَة حَتَّى يَرْجعَ المُجَاهِدُ فى سَبيل الله، وتوكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ فى سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِماً مَعَ أَجْرٍ أَو غَنِيمةٍ".
3-وقال: "غَدْوَةٌ فى سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَافيها".


4-وقال فيما يَروى عن ربِّه تبارك وتعالى: "أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِى خَرَجَ مُجَاهِداً فى سَبِيلى ابْتِغاءَ مَرْضَاتى، ضَمِنْتُ لهُ أَنْ أُرْجعه إِنْ أَرْجَعْتُهُ بِمَا أصابَ مِنْ أَجْرٍ أو غَنِيمَةٍ، وَإِنْ قَبَضْتُهُ أَنْ أَغْفِرَ له وَأَرْحَمَهُ وَأُدْخِلَهُ الجَنَّةَ".
5-وقال: "جَاهِدُوا فى سَبِيلِ اللهِ، فإنَّ الجِهَادَ فى سَبِيلِ الله بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يُنْجِى اللهُ به مِنَ الهمِّ والغَمِّ".
6-وقال: "أَنَا زَعيمٌ والزَّعيمُ الحَميلُ لِمَنْ آمَنَ بى، وأَسْلَمَ وهَاجَرَ بَبيْتٍ فى رَبَضِ الجَنَّةِ، وبِبَيْتٍ فى وَسَطِ الجَنَّةِ، وَأَنَا زَعِيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِى وَأَسْلَمَ، وَجَاهَدَ فى سَبِيلِ اللهِ بِبَيْتٍ فى رَبَضِ الجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فى وَسَطِ الجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فى أَعَلَى غُرَفِ الجَنَّةِ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، لَم يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَباً، ولا مِنَ الشَّرِّ مَهْرَباً يَمُوتُ حَيْثُ شَاءَ أَنْ يموت".


7-وقال: "مَنْ قَاتَلَ فى سَبيلِ الله من رَجُل مُسْلِمٍ فُواقَ نَاقةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة".
8-وقالَ: "إِنَّ فى الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجةٍ أعَدَّهَا اللهُ للمُجاهِدِينَ فى سَبِيلِ اللهِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، فَإذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَن، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنهَارُ الجَنَّةِ".
9-وقال لأبى سعيد: "مَنْ رَضىَ باللهِ رباً، وبالإسْلامِ دِيناً، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة"، فعجب لها أبُو سعيدٍ، فقال: أَعِدْهَا علىَّ يا رسُولَ اللهِ، فَفَعَل، ثم قالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وأُخْرَى يَرْفَعُ اللهُ بهَا العَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فى الجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ"، قال: وما هى يا رسول اللهِ؟ قال:
"الجِهَادُ فى سَبِيلِ اللهِ".
10-وقال: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيِلِ الله، دَعَاهُ خَزَنَةُ الجنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ، أَىْ فُلُ هَلُمَّ، فمنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ، دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمنْ كَانَ مِنْ أهل الجِهَادِ، دُعِىَ مِنْ بَابِ الجِهَاد، ومَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعىَ بَابِ الرَّيَّانِ"، فقال أبو بكر: بأبى أَنْتَ وأُمِّى يا رسولَ اللهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِىَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوابِ كُلِّهَا ؟ قال: "نَعَمْ وأرجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُم".



11-وقالَ: "مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فى سَبيِلِ الله، فَبِسَبْعمائةٍ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، وَعَادَ مَرِيضَاً أَوْ أَمَاطَ الأذَى عَنْ طَرِيقٍ، فالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا، ومَنِ ابْتَلاَه الله فى جَسَدِهِ فَهُوَ لَهُ حِطَّةُ".
12-وذكر ابنُ ماجه عنه: "مَنْ أَرْسَلَ بِنَفَقَةٍ فى سَبِيلِ اللهِ، وَأَقَامَ فى بَيْتِهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ فى سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْفَقَ فى وَجْهِهِ ذَلِكَ، فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ" ثم تلا هذه الآية: {وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: 261].
13-وقال: "مَنْ أَعَانَ مُجَاهِداً فى سَبِيلِ اللهِ أَوْ غَارِمَاً فى غُرْمِهِ أَوْ مُكَاتَباً فى رَقَبتِهِ أَظَلَّهُ اللهُ فى ظِلَّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلا ظِلُّهُ".


14-وقال: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فى سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار".
15-وقالَ: "لاَ يَجْتَمِعُ شُحٌ وَإِيمَانٌ فى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فى سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهنَّمَ فِى وَجْهِ عَبْدٍ"، وفى لَفْظِ: "فى قَلْبِ عَبْدٍ"، وفى لفظ: "فى جَوْفِ امْرِئ"، وفى لفظ: "فى مَنْخَرَىْ مُسْلِمٍ"
16-وذكر الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى: "مَنِ اغْبَرَّت قَدَمَاهُ فى سَبِيلِ اللهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ".
17-وذكر عنه أيضاً أنَّهُ قال: "لاَ يَجْمَعُ اللهُ فى جَوْفِ رَجُلٍ غُبَارَاً فى سَبِيلِ الله ودخان جَهَنَّمَ، وَمَنِ اغْبَّرتْ قَدَمَاهُ فى سَبِيلِ اللهِ، حَرَّمَ اللهُ سَائِر جَسَدِهِ عَلى النَّارِ، ومَنْ صَامَ يَوْمَاً فى سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ عَنْهُ النَّارَ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ لِلرَّاكِبِ المُسْتَعْجِلِ، وَمَنْ جُرِحَ جِرَاحَةً فى سَبِيلِ الله، خُتِمَ لَهُ بِخَاتَمِ الشُّهَدَاءِ، لَهُ نُورٌ يَوْمَ القِيَامَةِ لَوْنُهَا لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ، وَرِيحُهَا رِيحُ المِسْك يَعْرِفُه بِهَا الأَوَّلُونَ والآخِرُونَ، ويَقُولُونَ: فُلانٌ عَلَيْهِ طَابعُ الشُّهَدَاءِ، وَمَنْ قاتَلَ فى سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ".
18-وذكر ابن ماجه عنه: "مَنْ رَاحَ رَوْحَةً فى سَبِيلِ اللهِ، كَانَ لَهُ بِمِثُلِ مَا أَصَابَهُ مِنَ الغُبَارِ مِسْكَاً يَوْمَ القِيَامَةِ".
19-وذكر أحمد رحمه الله عنه: "مَا خَالَطَ قَلْبَ امْرِىءٍ رَهَجٌ فى سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ".
20-وقال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فى سَبِيل الله خَيْرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا عَلَيْهَا".


21-وقال: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ، جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كان يَعْمَلُهُ، وَأُجْرىَ عَلَيْهِ رِزْقُه وَأَمِنَ الفَتَّان".
22-وقالََ: "كُلُّ مَيَّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إلا الَّذِى مَاتَ مُرَابِطَاً في سَبِيل الله فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، ويُؤمَّنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ".
23-وقال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فى سَبِيلِ الله خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَنَازِلِ".
24-وذكر ابنُ ماجه عنه: "مَنْ رَابَطَ ليْلَةً فى سَبِيلِ الله، كَانَتْ لَهُ كَأَلْفِ لَيْلَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا".
25-وقال: "مُقَامُ أَحَدِكُم فى سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ فى أَهْلِهِسِتَّينَ سَنَةً، أَمَا تُحِبُونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَتَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، جَاهِدُوا فى سَبِيلِ اللهِ، مَنْ قَاتَلَ فى سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ".
26-وذكر أحمد عنه: "مَنْ رَابَطَ فى شَىءٍ مِنْ سَوَاحِلِ المُسْلِمِينَ ثَلاَثَةَ أَيَّام، أَجْزَأَتْ عَنْهُ رِبَاطَ سَنَةٍ".
27-وذُكِرَ عنه أيضاً: "حَرَسُ لَيْلَةٍ فى سَبِيلِ الله أفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُقَامُ لَيْلُهَا، ويُصَامُ نَهَارُهَا".
28-وقال: "حَرُمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ أَوْ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَحَرُمتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فى سَبِيلِ الله".
29-وذكر أحمد عنه: "مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ المُسْلِمِينَ فى سَبِيلِ اللهِ مُتَطَوَّعَاً لا يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ، لَمْ يَرَ النَّارَ بعَيْنَيْهِ إِلاَّ تَحِلَّةَ القَسَم، فَإنَّ الله يَقُولُ: {وَإنْمِنْكُمْ إلا وارِدُهَا } [مريم: 71]".
30-وقالَ لِرجلٍ حَرَسَ المسلمين ليلةً فى سفرهم مِنْ أوَّلِها إلى الصباح عَلَى ظَهْرِ فرسه لم يَنِزلْ إلا لصلاةٍ أو قَضَاءِ حَاجَةٍ: "قَدْ أَوْجَبْتَ فَلاَ عَلَيْكَ ألا تَعْمَلَ بَعْدَهَا".
31-وقال: "مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فى سَبِيلِ الله، فَلَهُ دَرَجَةٌ فى الجَنَّةِ".
32-وقَالَ: "مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فى سَبِيلِ اللهِ، فَهُوَ عِدْلُ مُحَرَّرٍ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فى سَبِيلِ الله، كَانَتْ لَهُ نُورَاً يَوْمَ القِيَامَةِ".
وعند النسائى تفسير الدرجة بمائة عام.
33-وقَالَ: "إِنَّ اللهً يُدْخِلُ بالسَّهْمِ الوَاحِدِ الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فى صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، والمُمِدَّ بِهِ، والرَّامِىَ بِهِ، وارْمُوا وَارْكَبُوا، وأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلىَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وكُلُّ شَىءٍ يَلْهُو به الرجلُ فباطلٌ إلا رَمْيَهُ بقوسه، أو تَأْدِيبَه فرسَه، وملاعبتَه امرأته، ومَنْ علَّمهُ الله الرَّمىَ، فتركه رغبةًعنه، فنِعْمَةٌ كفرها" رواه أحمد وأهل السنن.
34-وعند ابن ماجه: "مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْى ثم تَركَهُ، فَقَدْ عَصَانِى".
35-وذكر أحمد عنه أنّ رجلاً قال له: أوصِنى فَقَالَ: "أُوصِيكَ بِتَقْوَى الله، فإنَّهُ رَأْسُ كُلَّ شَىءٍ، وعَلَيْكَ بِالجِهَادِ، فَإنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإسْلاَم، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الله وَتِلاَوَةِ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ رُوحُكَ فى السَّمَاءِ، وَذِكْرٌ لَكَ فى الأرْض".
36-وقال: "ذِرْوَةُ سَنَامِ الإسْلاَم الجِهَادُ".
37-وقال: "ثَلاَثَةٌ حَقٌ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فى سَبِيلِ الله، وَالمُكَاتَبُيريدُ الأَدَاءَ، والنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ العَفَافَ".
38-وقال: "مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ".
39-وذكر أبو داود عنه: "مَنْ لَمْ يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيَاً، أَوْ يُخَلِّفْ غَازِيَاً فى أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، أَصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ".
40-وَقَالَ: "إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بالدِّينَار والدِّرْهَم، وَتَبَايَعُوا بالعِينَةِ، واتَّبَعُوا أذْنَابَ البَقَرِ، وَترَكُوا الجِهَادَ فى سَبِيلِ الله، أنْزَلَ الله بِهِمْ بَلاَءً، فلم يَرْفَعْهُعَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينهُم".
41-وذكر ابن ماجه عنه: "مَنْ لَقِىَ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فى سَبِيلِ اللهِ، لَقِىَ اللهَ، وَفِيهِ ثُلْمَة".
42-وقال تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وفسر أبو أيوب الأنصارى الإلقاء باليد إلى التهلُكةِ بِتَركِ الجِهَادِ.


43-وصحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَ أبْوَابَ الجنّةِ تَحْتَ ظِلال السيُّوفِ".
44-وصحَّ عنه: " مَنْ قَاتَل لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِىَ العُلْيَا، فَهُوَ فى سبيل اللهِ ".
45-وصحَّ عنه: "إنَّ النَّارَ أَوَّلُ ما تُسَعَّرُ بالْعَالِمِ والمَنْفِقِ وَالمقْتُولِ فى الجِهَادِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقَال ".
46-وصَحَّ عنه: "أَنَّ مَنْ جَاهَدَ يَبْتَغِى عَرَضَ الدُّنيَا، فَلاَ أَجْرَ لَهُ".
47-وصحَّ عنه أنه قال لعبدِ الله بن عمرو: "إِنْ قَاتَلْتَ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً، بَعَثَكَ اللهُ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً، وإِنْ قَاتَلْتَ مُرَائِياً مُكَاثِرَاً، بَعَثَكَ اللهُ مُرَائِيَّا مُكَاثِراً، يا عَبْدَ اللهِ بن عَمْرو عَلَى أىَّ وَجْهٍ قَاتَلْتَ أَوْ قُتِلْتَ، بَعَثَكَ اللهُ عَلَى تِلْكَ الحَالِ".
48-وَكَانَ يَسْتَحِبُّ القِتَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ، كَمَا يَسْتَحِبُّ الخُرُوجَ لِلسَّفَرِ أَوَّلَه، فَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ، أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ النَّصْرُ




: [ما ورد في فضل الشهيد وكيفية تقسيم الغنائم]
1-قَال: "والَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فى سَبِيلِ اللهِ والله أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِةِ إِلا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، والَّريحُ رِيحُ الْمِسْكِ".
2-وفى الترمذى عنه: "لَيْس شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ أَوْ أَثَرَيْنِ، قَطْرةِ دَمْعَةٍ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَقَطْرَةِ دَمٍ تُهْرَاقُ فى سَبِيل اللهِ، وَأَمَّا الأَثرانِ، فَأَثَرٌ فى سَبيلِ الله، وَأَثَرٌ فى فَرِيضَةٍ مِنْ فَرائِضِ اللهِ".
3-وصحَّ عنه أنه قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لاَ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلا الشَّهيدَ لما يَرىَ مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنيَا، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخُرى".وفى لفظ: "فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرامَة".
4-وقالَ لأُمِّ حَارِثَةَ بن النُّعْمَانِ، وَقَدْ قُتِل ابْنُهَا مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَألَتْهُ أَيْنَ هُوَ ؟ قال: "إِنَّهُ فى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى".
5-وقال: "إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْر، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثمَّ تأْوى إلى تِلْكَ القَنَادِيلِ، فاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطَّلاَعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئَاً ؟ فَقَالُوا: أَىَّ شَىْءٍ نَشْتَهِى، وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعلَ بِهِمْ ذلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْركُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَردَّ أَرْواحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا".
6-وقال: "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله خِصَالاً أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، ويُرَى مَقْعَده مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حِلْيَةَ الإِيْمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُورِ العيْنِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَيُزوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنَ الْحُورِ الْعينِ، وَيُشفعَ فى سَبْعِينَ إِنْسَاناً مِنْ أَقَارِبهِ" 7-وقال لجابر: "أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا قَالَ الله لأَبِيكَ" ؟ قال: بَلَى، قَالَ: "مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدَاً إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحَاً، فَقَالَ: يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَارَبِّ تُحيِيِنى فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قال: إِنَّهُ سَبَقَ مِنَّى "أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجعُونَ" قالَ: يَارَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِى، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالى هذه الآية: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً، بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
8-وقَالَ: "لَمَّا أُصِيبَ إِخُوانُكُمْ بأُحُدٍ، جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُمْ فى أَجْوافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ، وَتأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتأْوِى إِلَى قَنَادِيلَ مِنْذَهَبٍ فى ظِلً الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ، قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللهُ لَنَا لِئلا يَزْهَدُوا فى الجِهَادِ، وَلاَ يَنْكُلوا عَن الْحَرْب، فَقَالَ اللهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُم، فَأَنزل اللهُ على رسولِه هذه الآيات: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً} [آل عمران: 169].
9-وفى "المسند" مرفوعاً: "الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ، فى قُبَّةٍ خَضْرَاء، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقهُمْ مِنَ الجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيَّة".
10-وقال: "لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى يَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ، كَأَنَّهُمَا طَيْرَانِ أَضَلَّتَا فَصيلَيْهِمَا بِبَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ بِيدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا".
11-وفى "المستدرك" والنسائى مرفوعاً: "لأَنْ أُقْتَلَ فى سَبيلِ الله أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى أَهْلُ المَدَرِ وَالْوَبَر".
12-وفيهما: "ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنَ القَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ".


13-وفى "السنن": "يَشْفَعُ الشَّهِيدُ فى سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه".
14-وفى "المسند": "أَفْضلُ الشُّهَدَاء الَّذِينَ إِنْ يَلْقَوْا فى الصَّفِ لا يَلْفِتُونَ وجوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ فى الْغُرَفِ العُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فى الدُّنْيَا، فَلا حِسَابَ عَلَيْه".
15- وصحَّ عنه: "أَنَّهُ لاَ يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلَهَ فى النَّارِ أَبَدَاً".
16-وسُئل أَىُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ: "مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ"، قيل: فَأىّ القَتْلِ أَفْضَلُ ؟ قال: "مَنْ أُهْرِيقَ دَمُهُ، وعُقِرَ جَوَادُهُ فى سَبِيلِ الله".
17-وفى "سنن ابن ماجه": "إِنَّ مِنْ أَعْظَم الجِهَادِ كَلَمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر" .


18-وصحَّ عنه: "أَنَّهُ لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" وفى لفظ: "حتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَالَ".
19-وكان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبايعُ أصحَابَه فى الحربِ على ألا يَفِرُّوا، وربَّما بايعهم على الموتِ، وبايعهم على الجهادِ كما بايعهم على الإسلام، وبايعهم على الهِجرةِ قبل الفتح، وبايَعُهُم على التوحيد، والتزامِ طاعةِ الله ورسوله، وبايع نفراً من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً.
20-وكانَ السَّوطُ يَسْقُطُ مِن يَدِ أحَدِهِم، فينزلُ عن دابته، فيأخُذُهُ، ولا يَقُولُ لأَحدِ: نَاولْنى إيَّاهُ.


21-وكان يُشاوِر أصحابه فى أمر الجهاد، وأمر العدو، وتخير المنازل، وفى "المستدرك" عن أبى هريرة: "ما رأيتُ أحداً أكثر مشورةً لأصحابه مِن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
22-وكان يقولُ: "الحَرْبُ خَدْعَةٌ".
23-وكان يبعث العيون يأتونه بخبر عدوِّه، ويُطلِعُ الطلائعَ، ويبِّيتُ الحرسَ.




: فى هديه فيمن جَسَّ عليه
1-ثبت عنه أنه *** جاسوساً مِن المشركين. وثبت عنه أنه لم يقتُل حاطباً، وقد جَسَّ عليه، واستأذنه عمرُ فى ***ه فقال: " وما يُدْريكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم " فاستدلَّ به مَن لا يرى *** المسلم الجاسوس، كالشافعى، وأحمد، وأبى حنيفة رحمهم الله، واستدل به مَنْ يرى ***ه، كمالك، وابن عقيل مِن أصحاب أحمد رحمه الله وغيرهما قالوا: لأنه عُلِّل بِعلَّة مانعة مِن ال*** منتفيةٍ فى غيره، ولو كان الإسلامُ مانعاً من ***ه، لم يُعلَّل بأخصَّ منه، لأن الحكم إذا عُلِّلَ بالأعم، كان الأخص عديمَ التأثير، وهذا أقوى.. والله أعلم.



2-وكان هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتقَ عبيدِ المشركين إذا خرجُوا إلى المسلمين وأسلموا، ويقول: "هُمْ عُتَقَاءُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ".

3-وكان هديُه أنَّ مَن أسلم على شىء فى يده، فهو له، ولم ينظُرْ إلى سببه قبل الإسلام، بل يُقِرُّه فى يدِهِ



: فى هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأرض المغنومة
1-ثبت عنه أنه قسم أرضَ بنى قُريظة وبنى النَّضير وخيبر بينَ الغانمين، وأما المدينة، ففُتِحت بالقرآن، وأسلم عليها أهلُها، فأُقِرَّت بحالها. وأما مكة، ففتحها عَنْوَةً، ولم يقسمها، فأشكل على كُلِّ طائفةٍ من العلماء الجمعُ بين فتحها عنوة، وتركِ قسمتها، فقالت طائفة: لأنها دارُ المناسِكِ، وهى وقفٌ على المسلمين كلِّهم، وهم فيها سواء، فلا يُمْكِنُ قسمتُها، ثم مِن هؤلاء مَن منع بيعهَا وإجارَتها، ومنهم مَن جوَّز بيع رِباعها، ومنع إجارَتها، والشافعى لما لم يجمع بين العَنوةِ، وبين عدم القسمة، قال: إنها فُتِحتْ صُلحاً، فلذلك لم تُقْسم. قال: ولو فُتِحَتْ عَنوة، لكانت غنيمة، فيجبُ قسمتها كما تجب قسمةُ الحيوان والمنقول، ولم يرَ بأساً من بيع رباع مكة، وإجارتها، واحتج بأنها ملك لأربابها تُورث عنهم وتُوهب، وقد أضافها الله سبحانه إليهم إضافةَ الملك إلى مالكه، واشترى عمرُ بن الخطاب داراً مِن صفوان بن أمية،




: فى هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأمان والصلحِ، ومعاملةِ رسل الكفار،

وأخذِ الجزية، ومعاملةِ أهل الكتاب، والمنافقين، وإجارة مَن جاءه من الكفار حتى يسمَعَ كلامَ الله، وردِّه إلى مأمنه، ووفائِهِ بالعهدِ، وبراءتِهِ من الغدر.
1-ثبت عنه أنه قال: " ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والملائِكَةِ، والنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً ولا عَدْلاً".
2-وقال: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُم، وَهُمْ يَدٌ على مَنْ سِواهُمْ، ويَسْعَى بذِمَّتِهِمْ أَدْناهُم، لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، ولا ذُو عَهْدٍ فى عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثَاً فَعلى نَفْسِهِ، ومَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً أَوْ آوى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ".


3-وثبت عنه أنه قال: "مَنْ كَانَ بَيْنَه وبَيْنَ قَومٍ عَهْدٌ فَلا يَحُلَّنَّ عُقْدَةً وَلاَ يَشُدَّهَا حتَّى يَمْضِى أَمَدُهُ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ".
4-وقال: "مَنْ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، فأَنَا بَرِىءٌ مِنَ القَاتِل". وفى لفظ: "أُعْطِى لِوَاءَ غَدْر".
5-وقال: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِواءٌ عِندَ إسْتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ يُقال: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ ".
6-ويُذكر عنه أنه قال: "مَا نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلاَّ أُديلَ عَلَيْهمُ العَدُوُّ".


يتبع ان شاء الله تعالى



رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17-06-2017, 02:49 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

الطب النبوى



1-وأما الحِمية.. فقال تعالى فى آية الوضوء: {وَإن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُوْا صَعِيداً طَيِّباً}[النساء: 43][المائدة: 6]، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حِميةً له أن يُصيبَ جسدَه ما يُؤذيه، وهذا تنبيهٌ على الحِمية عن كل مؤذٍ له من داخل أو خارج، فقد أرشد سُبحانه عِباده إلى أُصول الطب، ومجامعِ قواعده، ونحن نذكرُ هَدْى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، ونبيِّنُ أنَّ هَدْيه فيه أكمل هَدْىٍ.

2- فكان من هَدْيِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلُ التداوى فى نفسه، والأمرُ به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، 2-ولكن لم يكن مِن هَدْيه ولا هَدْى أصحابه استعمالُ هذه الأدوية المركَّبة التى تسمى "أقرباذين"، بل كان غالبُ أدويتهم بالمفردات،

: [فى الأحاديث التى تحث على التداوى وربط الأسباب بالمسببات]
1-روى مسلم فى "صحيحه": من حديث أبى الزُّبَيْر، عن جابر بن عبد الله، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لِكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ، برأ بإذن اللهِ عَزَّ وجَلَّ".
2-وفى "الصحيحين": عن عطاءٍ، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أنزل اللهُ مِنْ داءٍ إلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً".
3-وفى "مسند الإمام أحمد عن أُسامةَ ابن شَريكٍ، قال: "كنتُ عندَ النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاءت الأعرابُ، فقالوا: يا رسول الله؛ أَنَتَدَاوَى ؟ فقال:
"نَعَمْ يا عبادَ اللهِ تَدَاوَوْا، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يضَعْ داءً إلا وَضَعَ لَهُ شِفاءً غيرَ داءٍ واحدٍ"، قالوا: ما هو ؟ قال: "الهَرَمُ".وفى لفظٍ: " إنَّ اللهَ لم يُنْزِلْ دَاءً إلا أنزل له شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ".
4-وفى "المسند": من حديث ابن مسعود يرفعه: "إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يُنْزِلْ داءً إلا أنزَلَ لَهُ شِفاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ".
5-وفى "المسند" و"السنن": عن أبى خِزَامةَ، قال: قلتُ: يا رسول اللهِ؛ أرأيْتَ رُقىً نَسْتَرْقِيهَا، ودواءً نتداوى به، وتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هل تَرُدُّ من قَدَرِ اللهِ شيئاً ؟ فقال: "هى من قَدَرِ الله".



ابن القيم : فقد تضمَّنت هذه الأحاديثُ إثبات الأسباب والمسبِّبات، وإبطالَ قولِ مَن أنكرها، ويجوزُ أن يكون قوله"لكل داءٍ دواء"، على عمومه حتى يتناول الأدواءَ القاتِلة، والأدواء التى لا يُمكن لطبيب أن يُبرئها، ويكون الله عَزَّ وجَلَّ قد جعل لها أدويةً تُبرئها، ولكن طَوَى عِلمَها عن البَشَر، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً، لأنه لا عِلم للخلق إلا ما علَّمهم الله، ولهذا علَّق النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّفاءَ على مصادفة الدواء لِلداء، فإنه لا شىءَ من المخلوقات إلا له ضِدّ،




: في هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الاحتماء من التخم، والزيادة فى الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذى ينبغى مراعاتُه فى الأكل والشرب
1-: عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ما مَلأَ آدَمِىٌ وِعاءً شَراً مِنْ بطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإنْ كان لا بُدَّ فَاعلاً،فَثُلُتٌ لِطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشَرَابِه، وثُلُثٌ لِنَفَسِه".


وكان علاجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمرض ثلاثة أنواع
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثانى : بالأدوية الإلهية.
والثالث : بالمركَّب من الأمرين.
ونحن نذكر الأنواع الثلاثةَ من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنبدأ بذكر الأدوية الطبيعية التى وصفها واستعملها، ثم نذكر الأدوية الإلهية، ثم المركَّبة.
وهذا إنما نُشير إليه إشارة، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما بُعِثَ هادياً، وداعياً إلى الله، وإلى جنَّته، ومعرِّفاً بالله، ومبيِّناً للأُمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها،




ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية


: فى هَدْيه فى علاج الحُمَّى
1-ثبت فى "الصحيحين": عن نافع، عن ابن عمرَ، أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّمَا الحُمَّى أو شِدَّةُ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهنمَ، فَأبْرِدُوُهَا بِالْمَاءِ". ونظيرُه قوله: "شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيْحِ جَهنمَ"،


وقوله: "بالماء" فيه قولان، أحدهما: أنه كل ماء، وهو الصحيح.
2-من حديث أنَسٍ يَرفعه: "إذَا حُمَّ أَحَدُكُم، فَلْيُرَشَّ عليهِ الماءَ البارِدَ ثلاثَ ليالٍ مِنَ السَّحَرِ".


3- "الْحُمَّى كِيرٌ مِن كِيرِ جَهَنَّمَ، فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بالماءِ البَاردِ".
4-: "الْحُمَّى قطعةٌ من النَّارِ، فَأبْرِدُوهَا عَنْكُم بالماءِ البارِد "،


5- وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَة من ماءٍ، فَأَفْرَغَهَا عَلَى رَأْسِه فَاغْتَسَلَ.
6- من حديث أبى هريرةَ قال: ذُكِرَت الْحُمَّى عِنْدَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَّهَا رجلٌ، فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَسُبَّهَا فإنها تَنْفِى الذُّنُوبَ، كما تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".



: فى هَدْيه فى علاج استطلاق البطن


1-فى "الصحيحين": من حديث أبى المتوكِّل، عن أبى سعيد الخُدْرِىِّ، "أنَّ رجلاً أتى النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّ أخى يشتكى بطنَه وفى رواية: استطلقَ بطنُهُ فقال: "اسْقِهِ عسلاً"، فذهب ثم رجع، فقال: قد سقيتُه، فلم يُغنِ عنه شيئاً وفى لفْظ: فلَم يزِدْه إلا اسْتِطْلاقاً، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقولُ له: "اسْقِه عَسَلاً". فقال لهُ فى الثالثةِ أو الرابعةِ: "صَدَقَ اللهُ، وكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ".
2-وفى "صحيح مسلم" فى لفظ له: " إنَّ أخى عَرِبَ بطنُه"، أى فسد هضمُه، واعتلَّتْ مَعِدَتُه، والاسم: "العَرَب" بفتح الراء، و"الذَّرَب" أيضاً.


ابن القيم00 ومنافع العسل


1-والعسل فيه منافعُ عظيمة، فإنه جلاءٌ للأوساخ التى فى العروق والأمعاء وغيرها


2-، موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم،

3-وإذا شُرِبَ حاراً بدُهن الورد، نفع من نهش الهوام، وشرب الأفيون،

4- وإن شُرِبَ وحده ممزوجاً بماء نفع من عضة الكَلْبِ الكَلِبِ، وأكلِ الفُطُرِ القتَّال،

5- وإذا جُعِلَ فيه اللَّحمُ الطرىُّ، حَفِظَ طراوته ثلاثَةَ أشهر، وكذلك إن جُعِل فيه القِثَّاء، والخيارُ، والقرعُ، والباذنجان، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر،

6-ويحفظ جثة الموتى، ويُسمى الحافظَ الأمين. 7-وإذ لطخ به البدن المقملوالشَّعر، *** قَملَه وصِئْبانَه، وطوَّل الشَّعرَ، وحسَّنه، ونعَّمه، وإن اكتُحل به، جلا ظُلمة البصر، وإن استُنَّ به بيَّضَ الأسنان وصقَلها، وحَفِظَ صحتَها، وصحة اللِّثةِ، ويفتح أفواهَ العُروقِ،

8- ويُدِرُّ الطَّمْثَ، ولعقُه على الريق يُذهب البلغم، ويَغسِلَ خَمْلَ المعدة، ويدفعُ الفضلات عنها، ويسخنها تسخيناً معتدلاً، ويفتح سُدَدَها، ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة، وهو أقلُّ ضرراً لسُدَد الكبد والطحال من كل حلو.
9-وهو مع هذا كله مأمونُ الغائلة، قليلُ المضار، مُضِرٌ بالعرض للصفراويين، ودفعها بالخلِّ ونحوه، فيعودُ حينئذ نافعاً له جداً.
10-وهو غِذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطِلاء مع الأطلية، ومُفرِّح مع المفرِّحات، فما خُلِقَ لنا شىءٌ فى معناه أفضلَ منه، ولا مثلَه، ولا قريباً منه


11-، وكان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشربه بالماء على الرِّيق،

: في هديه في الطَّاعون، وعلاجه، والاحتراز منه


1-فى "الصحيحين" عن عامر بن سعد بن أبى وَقَّاصٍ، عن أبيه، أنه سمعه يَسأَلُ أُسَامَةَ بن زيدٍ: ماذا سمِعْتَ من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الطاعون؟ فقال أُسامةُ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طائفةٍ من بنى إسرائيلَ، وعَلَى مَن كان قَبْلَكم، فإذا سَمِعْتُم به بأرضٍ، فَلا تَدْخُلوا عليه، وإذا وَقَعَ بأرضٍ وأنْتُم بها، فلا تَخُرُجوا منها فِرَاراً مِنْهُ".
2-وفى "الصحيحين" أيضاً: عن حَفْصَةَ بنت سِيرِينَ، قالت: قال أنسُ ابن مالكٍ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّاعُونُ شهادةٌ لكلِّ مُسْلِم".
3-الطاعون من حيث اللُّغة: نوعٌ من الوباء، وهو عند أهل الطب: ورمٌ ردئ قتَّال يخرج معه تلهُّب شديد مؤلم جداً يتجاوز المقدار فى ذلك، ويصير ما حوله فى الأكثر أسود أو أخضر، أو أكمد، ويؤول أمره إلى التقرح سريعاً.


4-وفى أثر عن عائشة: أنها قالت للنبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: " غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَعيرِ يَخْرُجُ فى المَرَاقِّ والإِبْط".
5-، وقد ورد فى الحديث الصحيح: "أَنهُ بقيةُ رِجز أُرسِلَ عَلى بَنِى إسرائيلَ"، وورد فيه: " أنهُ وَخْزُ الجنِّ" ، وجاء: "أنهُ دَعوةُ نبىّ".



[نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الدخول إلى الأرض التى هو بها أو الخروج منها]


1-وفى "الصحيح": أنَّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بِسَرْغَ لَقيه أبو عُبيدة بن الجرَّاح وأصحابه، فأخبرُوه أنَّ الوَباءَ قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال لابن عباس: ادعُ لى المهاجرينَ الأوَّلينَ، قال: فدعوتُهم، فاستشارهم، وأخبرهم أنَّ الوباء قد وقع بالشام. فاختلفوا، فقال له بعضُهم: خرجتَ لأَمر، فلا نرى أن تَرْجِعَ عنه. وقال آخرون: معك بقيةُ الناس، وأصحابُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا نرى أن تُقْدِمَهُم على هذا الوَبَاء، فقال عمر: ارتفعوا عَنِّى، ثم قال: ادعُ لى الأنصار، فدعوتُهم له، فاستشارهم، فسلكُوا سبيلَ المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عَنِّى، ثم قال: ادْع لى مَنْ هَهُنَا من مشيخةِ قريشٍ من مُهاجرةِ الفتح، فدعوتهم له، فلم يختلف عليه منهم رجلان، قالوا: نرى أن ترجِعَ بالناس ولا تُقْدِمَهُم على هذا الوباء، فَأَذَّنَ عمر فى الناس: إنى مُصبحٌ على ظَهْرٍ، فأَصْبِحُوا عليهِ. فقال أبو عُبيدة بن الجرَّاح: يا أميرَ المؤمنين؛ أفِرَاراً من قَدَرِ الله تعالى ؟ قال: لو غيرُك قالها يا أبا عُبيدة، نعم نَفِرُّ من قَدَرِ الله تعالى إلى قَدَرِ الله تعالى، أرأيتَ لو كانَ لك إبلٌ فهبطتَ وَادِياً له عُدْوَتَان، إحداهما خِصبة، والأُخرى جَدْبة، ألستَ إنْ رعيتَها الخِصبة رعيتَها بَقدَرِ الله تعالى، وإن رعيتها الجدبةَ رعيتَها بقدر الله تعالى ؟.


قال: فجاء عبد الرحمن بن عَوْف وكانَ متغيباً فى بعض حاجاتِهِ، فقال: إنَّ عندى فى هذا علماً، سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا كان بِأَرْضٍ وأنْتُمْ بها فلا تَخْرُجوا فِرَاراً منه، وإذا سَمِعْتُم به بأرضٍ فلا تَقْدَموا عَلَيْهِ".



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى داء الاستسقاء وعلاجه

1-فى "الصحيحين": من حديث أنس بن مالك، قال:
"قَدِمَ رَهْطٌ من عُرَيْنَةَ وَعُكَل على النَّبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاجْتَوَوا المدينة، فشكوا ذلك إلى النَّبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لو خرجُتم إلى إِبِل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا، فلما صحُّوا، عمدوا إلى الرُّعَاةِ ف***ُوهم، واستاقُوا الإبل، وحاربُوا الله ورسوله، فبعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى آثارهم، فأُخِذُوا، فَقَطَعَ أيديَهُم، وأرجُلَهُم، وسَمَلَ أعْيُنَهُم، وألقاهم فى الشمس حتى ماتوا".
والدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء،


2-ما رواه مسلم فى "صحيحه" فى هذا الحديث أنهم قالوا: "إنَّا اجتوينا المدينة، فعظمت بطونُنا، وارتهشت أعضاؤنا".... وذكر تمام الحديث.
3-والجَوَى: داء من أدواء الجوف والاستسقاء: مرض مادى سببه مادة غريبة باردة تتخلَّل الأعضاء فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها، كون إلا مع آفة فى الكبد خاصة، .
قال الرازىُّ: لبن اللِّقاح يشفى أوجاعَ الكبد، وفساد المِزاج.




مضادة لِعلاج الاستسقاء. قال: واعلم أنَّ لبن النُّوق دواءٌ نافع لما فيه من الجِلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأنَّ هذا اللَّبن شديد المنفعة، فلو أنَّ إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام شُفِىَ به

5-. وأنفعُ الأبوال: بَوْل الجمل الأعرابى، وهو النجيب.. انتهى.
6-وفى القصة: دليلٌ على التداوى والتطبُّب، وعلى طهارة بول مأكول اللَّحم، فإن التداوى بالمحرَّمات غير جائز، ولم يُؤمروا مع قرب عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم، وما أصابته ثيابُهم من أبوالها للصلاة، وتأخيرُ البيان لا يجوزُ عن وقت الحاجة.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الجُرْح
1-فى "الصحيحين" عن أبى حازم، أنه سمع سَهْلَ بن سعدٍ يسألُ عما دُووىَ به جُرْحُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أُحُدٍ. فقال: "جُرِحَ وجهُه، وكُسِرَت رَبَاعيتهُ، وهُشِمَت البَيْضةُ على رأسه، وكانت فاطمةُ بنتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغسِلُ الدمَ، وكان علىُّ بن أبى طالب يسكُب عليها بالْمِجَنِّ، فلما رأت فاطمة الدمَ لا يزيد إلا كَثرةً، أخذت قطعةَ حصيرٍ، فأحرقتْها حتى إذا صارت رَماداً ألصقتهُ بالجُرحِ فاستمسك الدمُ، برمَادِ الحصيرِ المعمول من البَرْدِىّ "،


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى العلاج بشُرب العسل، والحجامة، والكىّ

1-فى "صحيحِ البخارى": عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عباس، عن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "الشِّفَاءُ فى ثلاثٍ: شُرْبَةِ عسلٍ، وشَرْطةِ مِحْجَمٍ، وكَيَّةِ نارٍ، وأنا أنْهى أُمَّتى عن الْكَىِّ".
2-وقد قال بعض الناس: إنَّ الفصدَ يدخل فى قوله: "شَرْطهِ مِحْجَمٍ" ؛ فإذا أعْيَا الدواءُ، فآخِرُ الطبِّ الْكَىٌّ.


3-وقوله: "وأنا أنْهى أُمَّتى عن الكَىِّ"، وفى الحديث الآخر: "وما أُحبُّ أن أَكْتَوِى". إشارةٌ إلى أن يؤخَّرَ العلاجَ به حتى تَدفَع الضرورةُ إليه،

الحجامة 00 وابن القيم فى الطب النبوى


1-وأما الحِجَامةُ، ففى "سنن ابن ماجه" قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مَرَرْتُ ليلةَ أُسْرِىَ بى بملإٍ إلا قالُوا: يا محمدُ؛ مُرْ أُمَّتَكَ بِالحِجَامَةِ".
2-وروى الترمذى من حديث ابن عباس هذا الحديث، وقال فيه: "عليكَ بالحِجَامَةِ يا مُحَمَّدُ".
3-وفى "الصحيحين" ، عن ابن عباس، أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احتجَمَ وأعْطى الحَجَّامَ أجْرَه


4-وفى "الصحيحين" ، عن أنس، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجمَهُ أبُو طَيْبَةَ، فأمَرَ لهُ بصَاعينِ مِن طعامٍ، وكلَّمَ مواليهُ، فخفَّفُوا عنهُ مِن ضريبتِهِ، وقال: "خَيْرُ مَا تَدَاويْتمْ بِهِ الْحِجَامَةَ".
5-وفى "جامع الترمذىّ" : سمِعتُ عِكْرمَةَ يقولُ: "كانَ لابن عباسٍ غِلمةٌ ثلاثةٌ حَجَّامُون، فكانَ اثنَانِ يُغلانِ عليه، وَعَلَى أهلِهِ، وواحدٌ لحجمِهِ، وحجمِ أهلِهِ. قال:


5-وقال ابنُ عباسٍ: قال نبىُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ العبدُ الحَجَّامُ يَذْهَبُ بالدَّمِ، وَيُخِفُّ الصُّلْبَ، ويَجْلُو البَصَرَ ". وقال: إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ عُرِجَ بِهِ، ما مرَّ عَلَى مَلأٍ مِن الملائكةِ إلاَّ قالُوا : "عليكَ بالحِجَامَةِ". وقالَ:"إنَّ خيرَ مَا تحْتَجِمُونَ فيهِ يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَةَ، ويَوْمَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ إحْدَى وَعِشرينَ"، وقال: "إنَّ خَيْرَ ما تَدَاويْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ واللَّدُودُ والحِجَامَةُ والمَشِىُّ، وإنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُدَّ، فقالَ: "مَن لَدَّنِى" ؟ فَكُلُّهُمْ أمسكُوا. فقال: "لا يبقَى أحَدٌ فى البَيْتِ إلا لُدَّ، إلاَّ العباسَ ".

6- . وقد رُوِى عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "خَيْرُ ما تداويتم به الحِجَامَة والفَصْدُ ". وفى حديث: "خَيْرُ الدواءِ الحِجَامَةُ والفَصْد"..

7- قال أنس رضى الله تعالى عنه: "كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتجمُ فى الأخْدَعَيْن والكَاهِلِ".
8-وفى "الصحيحين" عنه: "كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتجم ثلاثاً: واحدةً علىكاهله، واثْنتين على الأخْدَعَيْن"


9-وفى "الصحيح" عنه: "أنه احتجم وهو محرمٌ فى رأسه لِصداع كان به".
10-وفى "سنن ابن ماجه" عن علىّ: "نزل جبريلُ على النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجامة الأخْدَعَيْنِ والكَاهِلِ".
11-وفى "سنن أبى داود" من حديث جابر: "أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم فى وَركه من وثءٍ كان به".


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أوقات الحِجَامة

1-روى الترمذى فى "جامعه" من حديث ابن عباس يرفعه: "إنَّ خَيْرَ ما تَحتَجِمُون فيه يَوْمُ سابعَ عشَرَةَ، أو تاسِعَ عشرةَ، ويومُ إحْدَى وعِشْرِينَ".
2-وفيه عن أنس: "كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فى الأخدَعَين والكاهل، وكان يحتجم لِسَبْعَةَ عَشَرَ، وتِسْعَةَ عَشَرَ، وفى إحْدَى وعِشرِينَ".
3-وفى "سنن ابن ماجه" عن أنس مرفوعاً: "مَنْ أراد الحِجَامة فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ، أو تِسْعَةَ عَشَرَ، أو إحْدَى وعِشرِينَ، لا يَتَبَيَّغ بأحَدِكُم الدَّمُ، في***َه".
4-وفى "سنن أبى داود" مِن حديث أبى هريرة مرفوعاً: "مَن احْتَجَمَ لِسَبْع عَشْرَةَ، أو تِسْعَ عَشْرَة، أو إحْدَى وعِشْرِينَ، كانَتْ شِفاءً من كلِّ داءٍ"، 00000وهذا معناه من كل داءٍ سببه غلبة الدَّم.



ابن القيم :وتُكره عندهم الحِجَامَة على الشبع، وفى أثر: "الحجامةُ على الرِّيق دواء، وعلى الشبع داء، وفى سبعة عشر من الشهر شفاء".
5-وفى قوله: "لا يَتَبَيَّغْ بأحدِكم الدَّمُ في***َهُ"، ، يعنى لئلا يَتَبَيَّغ، . و"التَّبَيُّغُ": الهَيْجُ، وهو مقلوب البغى، وهو بمعناه، فإنه بغى الدم وهيجانه.


وأما اختيارُ أيام الأسبوع للحِجَامة

وأما اختيارُ أيام الأسبوع للحِجَامة،

1-، عن أبى هريرة مرفوعاً: "مَن احْتَجَمَ يومَ الأربِعَاء أو يومَ السَّبْتِ، فأصابَهُ بياضٌ أو بَرَصٌ، فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ".

2-، قال: قلت لأحمد: تُكره الحِجَامة فى شىء من الأيام ؟ قال: قد جاء فى الأربعاء والسبت.
3-، من حديث نافع قال: قال لى عبد الله ابن عمر: "تَبَيَّغَ بى الدم، فابْغِ لى حجَّاماً؛ ولا يكن صبيّاً ولا شيخاً كبيراً، فإنى سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "الحِجَامَةِ تزِيدُ الحَافِظَ حِفْظاً، والعاقِلَ عقلاً، فاحْتَجِمُوا على اسم الله تعالى، ولا تحْتَجِمُوا الخَمِيسَ، والجُمُعَةَ، والسَّبْتَ، والأحَدَ، واحْتَجِمُوا الاثْنَيْن، وما كان من جُذامٍ ولا بَرَصٍ، إلا نزلَ يوم الأربعاء". : "واحْتَجِمُوا يومَ الاثْنَيْن والثُّلاثَاء، ولا تَحْتَجِمُوا يوم الأربعاء".
4-وقد روى أبو داود فى "سننه" من حديث أبى بكرةَ، أنه كان يكره الحِجَامَة يَوْمَ الثُّلاثَاء، وقال: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "يومُ الثُّلاثَاء يوم الدَّمِ وفيه ساعةٌ لا يَرْقَأُ فِيهَا الدَّمُ".
5-، وجوازُ احتجامِ الصائم، فإنَّ فى "صحيح البخارىِّ" أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "احْتَجَمَ وهو صائم"، ولكن:هل يفطر بذلك، أم لا ؟ مسألة أُخرى، الصوابُ: الفِطرُ بالحِجامة، لصحته عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير معارضٍ، وأصحُّ ما يعارَضُ به حديثُ حِجَامته وهو صائم، ولكنْ لا يَدلُّ على عدم الفِطر إلا بعد أربعة أُمور. أحدها: أنَّ الصوم كان فرضاً. الثانى: أنه كان مقيماً. الثالث: أنه لم يكن به مرضٌ احتاج معه إلى الحِجَامة. الرابع: أنَّ هذا الحديث متأخرٌ عن قوله: "أفطَرَ الحاجِمُ والمحجُومُ".



6-وفيها: دليلٌ على جواز التكسُّبِ بصناعة الحِجَامة، وإن كان لا يَطيب للحُرِّ أكلُ أُجرتِهِ من غير تحريم عليه، فإنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه أجرَه، ولم يَمْنَعه من أكله، وتسميتُهُ إياه خبيثاً كَتسميته للثوم والبصل خبيثين، ولم يلزم مِن ذلك تحريمُهما.



: في هَديهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَطع العُرُوق والكي

1-ثبت فى "الصحيح" من حديث جابر بن عبد الله، أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَثَ إلى أُبَىِّ بن كعب طَبيباً، فقَطَعَ له عِرْقاً وكَواه عليه.
ولما رُمِى سعدُ بن معاذٍ فى أكْحَلِهِ حسَمَهُ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ورِمَت، فحسَمهُ الثانية. و"الحَسْمُ" هو: الكَىُّ.
2-وفى طريق آخر: أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى سعدَ بن مُعاذٍ فى أكْحَلِهِ بِمِشْقَصٍ، ثم حسمَهُ سعد بن مُعاذٍ أو غيرُه من أصحابه.


3-وفى لفظ آخر: أنّ رجلاً من الأنصار رُمِى فى أكْحَلِه بِمِشْقَصٍ، فأمر النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به فكُوِىَ.
وقال أبو عُبيدٍ: وقد أُتِىَ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ نُعِتَ له الكَىُّ، فقال: "اكْوُوهُ وارْضِفُوهُ ". قال أبو عُبيدةَ: الرَّضْفُ: الحجارة تُسخَّنُ، ثم يُكمدُ بها.
4-وفى "صحيح البخارى" من حديث أنس، أنه كُوِىَ من ذاتِ الجَنْبِ والنَّبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَىٌ.
5-وفى الترمذى، عن أنسٍ، أنَّ النَّبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَوَى أسْعَدَ بن زُرَارَةَ من الشَّوْكَةِ".
6-وقد تقدَّم الحديث المتفَقُ عليه وفيه: "ومَا أُحِبُّ أن أَكْتوِى"، وفى لفظ آخرَ: "وأنا أنْهَى أُمَّتِى عن الْكَىِّ".



قال الخطابىُّ: إنما كَوى سعداً ليَرْقَأَ الدمُ من جُرحه، وخاف عليه أنْ يَنْزِفَ فيَهْلِكَ. والكىُّ مستعملٌ فى هذا الباب، كما يُكْوَى مَن تُقطع يدُه أو رِجلُه.
وأما النهىُ عن الكىِّ، فهو أن يَكتوىَ طلباً للشفاء، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يَكتو، هَلَك، فنهاهم عنه لأجل هذه 7-وثبت فى "الصحيح" فى حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنَّةَ بغير حساب أنهم "الذينَ لا يَسْتَرقُونَ، ولا يكتوُونَ، ولا يتطيَّرُونَ، وعَلَى ربهِمْ يتوكَّلُونَ".
فقد تضمنتْ أحاديثُ الكىِّ أربعةَ أنواع، أحدُها: فعلُه، والثانى:عدمُ محبته له، والثالث: الثناء على مَن تركه، والرابع: النهى عنه، ولا تَعَارُض بينها بحمدِ الله تعالى، فإنَّ فِعلَه يدلُّ على جوازه، وعدمَ محبتِه له لا يدلُّ على المنع منه. وأما الثناءُ على تاركِه، فيدلُّ على أنَّ تَرْكَه أولى وأفضلُ. وأما النهىُ عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذى لا يُحتاجُ إليه، بل يفعل خوفاً من حدوث الداء.. والله أعلم.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الصَّرْع
1-أخرجا فى "الصحيحين" من حديث عطاء بن أبى رباح، قال: قال ابنُ عباسٍ: ألاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قلتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَت النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَتْ: إنِّى أُصْرَعُ، وَإنِّى أَتَكَشَّفُ؛ فَادْعُ الله لى، فقَالَ: "إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجنَّةُ؛ وإنْ شِئْتِ دعوتُ اللهَ لكِ أن يُعافِيَكِ "، فقالت: أصبرُ. قالتْ: فإنى أتكشَّفُ، فَادعُ الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها.
2-قلت: الصَّرع صرعان: صَرْعٌ من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصَرْعٌ من الأخلاطِ الرديئة. والثانى: هو الذى يتكلم فيه الأطباء فى سببه وعِلاجه.
3-وأما صَرْعُ الأرواح، وعِلاجُ هذا النوع يكون بأمرين: أمْرٍ من جهة المصروع، وأمْرٍ من جهة المعالِج، فالذى من جهة المصروع يكون بقوةِ نفسه، وصِدْقِ توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوُّذِ الصحيح الذى قد تواطأ عليه القلبُ واللِّسان، فإنَّ هذا نوعُ محاربةِ، والمحَارب لا يتمُّ له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحاً فى نفسه جيداً،


4-وأن يكون الساعدُ قوياً، فمتى تخلَّف أحدُهما لم يُغن السلاح كثيرَ طائلٍ، فكيف إذا عُدِمَ الأمران جميعاً: يكونُ القلب خراباً من التوحيد، والتوكل، والتقوى، والتوجه، ولا سلاحَ له.
والثانى: من جهة المعالِج، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً، حتى إنَّ من المعالجينَ مَن يكتفى بقوله: "اخرُجْ منه"، أو بقول: "بِسْمِ الله"، أو بقول: "لا حَوْل ولا قُوَّة إلا بالله"، والنبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولُ: "اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ، أنا رَسُولُ اللهِ".
5-وشاهدتُ شيخنَا يُرسِلُ إلى المصروع مَن يخاطبُ الروحَ التى فيه، ويقول: قال لكِ الشيخُ: اخرُجى، فإنَّ هذا لا يَحِلُّ لكِ، فيُفِيقُ المصروعُ، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروحُ مارِدةً فيُخرجُها بالضرب، فيُفيق المصروعُ ولا يُحِس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرُنا منه ذلك مراراً.
وكان كثيراً ما يَقرأ فى أُذن المصروع: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: 115].



6-وكان يعالِجُ بآية الكرسىِّ، وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومَن يعالجه بها وبقراءة المعوِّذتين.



7-ولو كُشِفَ الغِطاء، لرأيتَ أكثرَ النفوسِ البَشَريةِ صَرْعَى هذه الأرواحِ الخبيثةِ، وهى فى أسرِها وقبضتِها تسوقُها حيثُ شاءتْ، ولا يُمكنُها الامتناعُ عنها ولا مخالفتها، وبها الصَّرْعُ الأعظمُ الذى لا يُفيقُ صاحبُه إلا عند المفارقةِ والمعاينةِ، فهناك يتَحقَّقُ أنه كان هو المصروعَ حقيقةً، وبالله المستعان.

: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج عِرْق النَّسَا
1-روى ابن ماجه فى "سننه" من حديث محمد بن سِيرين، عن أنس بن مالك، قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "دواءُ عِرْقِ النَّسَا ألْيَةُ شاةٍ أعْرَابِيَّةٍ تُذَابُ، ثمَّ تُجزَّأُ ثلاثةَ أجزاءٍ، ثُمَّ يُشْرَبُ على الرِّيقِ فى كلِّ يومٍ جُزْءٌ ".
2-عِرْقُ النَّسَاء: وجعٌ يبتدىءُ مِن مَفْصِل الوَرِك، وينزل مِن خلفٍ على الفخذ، وربما على الكعب، وكلما طالت مدتُه، زاد نزولُه، وتُهزَلُمعه الرجلُ والفَخِذُ،


3- و"الألْيَةُ" فيها الخاصيَّتان: الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج، والإخراج. وهذا المرضُ يَحتاج عِلاجُه إلى هذين الأمرين.
وفى تعيينِ الشاةِ الأعرابيةِ لقِلةُ فضولِها، وصِغرُ مقدارِها، ولُطف جوهرها، وخاصيَّةُ مرعاها لأنها ترعى أعشابَ البَرِّ الحارةَ، كالشِّيحِ، والقَيْصُوم، ونحوهما،



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج يبس الطبع واحتياجه إلى ما يُمشيه ويُلينه
1-روى الترمذىُّ فى "جامعه" وابن ماجه فى "سننه" من حديث أسماء بنت عُمَيْسٍ، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بماذا كُنتِ تَسْتَمْشِينَ" ؟ قالت: بالشُّبْرُم، قال: "حَارٌ جَارٌ". قالت: ثم استمشيْتُ بالسَّنا،فقال: "لو كان شىءٌ يَشْفِى من الموتِ لكانَ السَّنا".
2-وفى "سنن ابن ماجه" عن إبراهيم بن أبى عَبلة، قال: سمعتُ عبد الله ابن أُم حرام، وكان قد صلَّى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القِبْلتين يقول: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "عليكم بالسَّنا والسَّنُوت، فإنَّ فيهما شفاءً مِنْ كلِّ داءٍ إلا السَّامَ" ، قيل: يا رسول الله؛ وما السَّامُ ؟ قال: "الموتُ".
قوله: "بماذا كنتِ تستمشين" ؟ أى: تلينين الطبع حتى يمشى، ولا يصير بمنزلة الواقف، فيؤذى باحتباس النَّجْوِ. ولهذا سمى الدواءُ المسهل مَشِيّاً على وزن فعيل. وقيل: لأن المسهول يكثر المشى والاختلاف للحاجة.
وقد روى: "بماذا تستشفين" ؟ فقالت: بالشُّبْرُم، وهو من جملة الأدوية اليتوعية،


التعريف : وهو: قِشر عِرْق شجرة، وهو حارٌ يابس فى الدرجة الرابعة، وأجودُه المائل إلى الحُمْرة، الخفيفُ الرقيقُ الذى يُشبه الجلد الملفوف، وبالجملة فهو من الأدوية التى أوصى الأطباءُ بترك استعمالها لخطرها، وفرطِ إسهالها.
3-وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَارٌ جَارٌ" ويُروى: "حَارٌ يَارٌ" . قلت: وفيه قولان، أحدهما: أنَّ الحارَّ الجارَّ بالجيم: الشديدُ الإسهال؛ فوصفه بالحرارة، وشدةِ الإسهال وكذلك هو.


السنا00 والتعريف

، وهو نبت حِجازى أفضلُه المكىّ، وهو دواء شريف مأمون الغائلة، قريبٌ من الاعتدال، حارٌ يابس فى الدرجة الأولى، يُسْهِلُ الصفراءَ والسوداءَ، ويقوِّى جِرْمَ القلب، وهذه فضيلة شريفة فيه، وخاصيته النفعُ من الوسواس السوداوى، ومن الشِّقاق العارض فى البدن، ويفتح العَضَل وينفع من انتشار الشعر، ومن القُمَّل والصُّداعَ العتيق، والجرب، والبثور، والحِكَّة، والصَّرْع،

2- وشرب مائه مطبوخاً أصلحُ مِن شربه مدقوقاً، ومقدارُ الشربة منه ثلاثة دراهمَ، ومن مائه: خمسة دراهم.

3- وإن طُبِخَ معه شىء من زهر البنفسج والزبيب الأحمر ال***** العَجَم، كان أصلحَ.


وأما "السَّنوتُ


وأما "السَّنوتُ" ففيه ثمانية أقوال:
أحدها: أنه العسل. والثانى: أنهرُبُّ عُكة السمن يخرجُ خططاً سوداء على السمن. الثالث: أنه حَبٌ يُشبه الكمون وليس به، قاله ابن الأعرابى. الرابع: أنه الكَّمون الكرمانىّ. الخامس: أنه الرازيانج. السادس: أنه الشِّبتُّ.
السابع: أنه التمر. الثامن: أنه العَسل الذى يكون فى زِقاق السمن،


.
قال بعض الأطباء: : يخلط السَّناء مدقوقاً بالعسل المخالط للسمن، ثم يُلعق فيكون أصلحَ من استعماله مفرداً لما فى العسل والسمن من إصلاح السَّنا، وإعانته له على الإسهال.. والله أعلم.
2-وقد روى الترمذىُّ وغيره من حديث ابن عباس يرفعه: "إنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيتُم به السَّعُوطُ واللَّدُودُ والحِجَامةُ والمَشِىُّ".
والمَشِىُّ: هو الذى يمشى الطبعَ وَيُليِّنُه ويُسَهِّلُ خُروجَ الخارِج.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج حِكَّة الجسم وما يولد القَمْل
1-فى "الصحيحين" من حديث قَتادةَ، عن أنس بن مالك قال: "رخَّص رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الرَّحمن بن عَوْفٍ، والزُّبَيْر بن العوَّام رضى الله تعالى عنهما فى لُبْسِ الحريرِ لِحكَّةٍ كانت بهما".
وفى رواية: "أنَّ عبدَ الرَّحمن بن عَوْف، والزُّبَير بن العوَّام رضى الله تعالى عنهما، شكَوْا القَمْلَ إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فى غَزاةٍ لهما، فَرَخَّص لهما فىقُمُصِ الحرير، ورأيتُه عليهما".



هذا الحديثُ يتعلق به أمران؛ أحدُهما: فِقْهى، والآخر: طِبى.
فأما الفقهى: فالذى استقرت عليه سُنَّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إباحةُ الحرير للنساء مطلقاً، وتحريمه على الرجال إلا لحاجةٍ ومصلحةٍ راجحةٍ، فالحاجة إمَّا من شِدَّة البرد، ولا يَجِدُ غيرَه، أو لا يجدُ سُترةً سواه. ومنها: لباسه للجرب، والمرض، والحِكةِ، وكثرة القَمْل كما دلّ عليه حديث أنس هذا الصحيح.
والجواز: أصح الروايتين عن الإمام أحمدَ، وأصحُ قولى الشافعى، إذ الأصلُ عدمُ التخصيص، والرخصةُ إذا ثبتت فى حقِّ بعض الأُمة لمعنى تعدَّتْ إلى كُلِّ مَن وُجِدَ فيه ذلك المعنى، إذ الحكمُ يَعُم بعُمُوم سببه.
ومَن منع منه، قال: أحاديثُ التَّحريم عامةٌ، وأحاديثُ الرُّخصةِ يُحتمل اختصاصُها بعبد الرَّحمن بن عَوف والزُّبَيْر، ويُحتمل تَعديها إلى غيرهما. وإذا احتُمِلَ الأمران، كان الأخذ بالعموم أولى، ولهذا قال بعض الرواة فى هذا الحديث: فلا أدرى أبَلغتِ الرُّخصةُ مَنْ بعدهما، أم لا ؟
والصحيح: عمومُ الرُّخصة، فإنه عُرْف خطاب الشرع فى ذلك ما لم يُصرِّحْ بالتخصيص، وعدم إلحاق غير مَن رخَّص له أوَّلا به، كقوله لأبى بُرْدة فى تضحيته بالجذعة من المَعْز:
"تجزيكَ ولن تَجْزىَ عن أحدٍ بَعْدَك"، وكقوله تعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى نكاح مَن وهبتْ نفسَها له: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب: 50].


وتحريمُ الحرير: إنما كان سداً للذرِيعة، ولهذا أُبيح للنساء، وللحاجة، والمصلحةِ الراجحة، وهذه قاعدةُ ما حُرِّم لسد الذرائع، فإنه يُباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة،



3-وقد روى النسائىُّ من حديث أبى موسى الأشعرىِّ، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إنَّ اللهَ أحلَّ لإِناثِ أُمَّتِى الحريرَ والذَّهبَ، وحَرَّمَه عَلى ذُكُورِها".وفى لفظٍ: "حُرِّمَ لِباسُ الحَريرِ والذَّهَبِ عَلى ذُكورِ أُمَّتى، وأُحِلَّ لإِناثِهِم".
4-وفى "صحيح البخارى" عن حُذَيفة، قال: "نهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لُبْس الحرير والدِّيباجِ، وأن يُجلَسَ عليه"، وقال: "هُو لهم فى الدُّنيا، ولكم فى الآخِرَة ".



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج ذاتِ الجنب
1-روى الترمذى فى "جامعه" من حديث زيد بن أرقمَ، أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "تَدَاوَوْا مِنْ ذاتِ الجَنْبِ بالقُسْطِ البَحْرى والزَّيْتِ".
وذاتُ الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقى وغيرُ حقيقى. فالحقيقى: ورمٌ حار يَعْرِضُ فى نواحى الجَنب فى الغشاء المستبطن للأضلاع. وغير الحقيقى: ألم يُشبهه يَعْرِضُ فى نواحى الجنبِ




وذاتُ الجنب: من الأمراض الخطرة،

2- وفى الحديث الصحيح: عن أُم سلمةَ، أنها قالت: بدأ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمرضِه فى بيت ميمُونةَ، وكان كلَّما خَفَّ عليه، خرجَ وصلَّى بالناس، وكان كلَّما وَجَد ثِقَلاً، قال: "مُرُوا أبا بكرٍ فليُصَلِّ بالناس"، واشتد شكواه حتى غُمِرَ عليه مِن شدةِ الوجع، فاجتمع عنده نساؤه، وعمُّه العباس، وأُمُّ الفضل بنت الحارث، وأسماءُ بنت عُمَيْس، فتشاوروا فى لدِّهِ، فَلدُّوه وهو مغمورٌ، فلما أفاق قال: "مَن فعل بى هذا ؟ هذا من عمل نساءٍ جِئْنَ من ههُنا"، وأشار بيده إلى أرضِ الحبشةِ، وكانت أُمُّ سلمةَ وأسماءُ لَدَّتاهُ، فقالوا: يا رسولَ الله؛ خشِينَا أن يكون بكَ ذاتُ الجنب. قال: "فَبِمَ لَدَدْتُمُونى" ؟ قالوا: بالعُودِ الهندىِّ، وشىءٍ من وَرْسٍ وقَطِرَاتٍ من زيت. فقال: "ما كان اللهُ لِيَقْذِفَنِى بذلك الدَّاءِ"، ثم قال: "عَزَمْتُ عليكم أنْ لا يَبْقى فى البيتِ أحدٌ إلا لُدَّ إلا عَمِّىَ العَبَّاس".

3-وفى "الصحيحين" عن عائشةَ رضى الله تعالى عنها قالت: لَدْدنَا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشار أن لا تَلُدُّونِى، فقلنا: كراهِيةُ المريض للدواءِ، فلما أفاق قال: "ألم أنْهَكُمْ أن تَلُدُّونِى، لا يَبْقَى منكم أحدٌ إلا لُدَّ غَيْرَ عَمِّى العباس، فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُم".
: اللَّدُودُ: ما يُسقى الإنسان فى أحد شِقَّى الفم، أُخِذ من لَدِيدَى الوادى، وهما جانباه. وأما الوَجُورُ: فهو فى وسط الفم.
قلت: واللَّدود بالفتح: هو الدواءُ الذى يُلَدَّ به. والسَّعوطُ: ما أُدخل من أنفه.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الصُّدَاع والشقيقة



:1- أنَّ هذا النوع كان يُصيب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيمكث اليوم واليومين، ولا يخرج.
2-وفيه: عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد عَصَبَ رأسه بعِصَابةٍ.
وفى "الصحيح": أنه قال فى مرض موته: "وَارَأْسَاهُ". وكان يُعصِّبُ رأسه فى مرضه، وعَصْبُ الرأس ينفع فى وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.




3-وعِلاجه وقد روى البخارى فى "تاريخه"، وأبو داود فى "السنن" أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شَكا إليه أحدٌ وجَعاً فى رأسِهِ إلا قال له: "احْتَجِمْ"، ولا شَكى إليه وجَعاً فى رجلَيْه إلا قال له: "اخْتَضِبْ بالحِنَّاء".
4-وفى الترمذى: عن سَلْمَى أُمِّ رافعٍ خادمِة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالتْ: كان لا يُصيبُ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرحةٌ ولا شَوْكةٌ، إلا وَضَع عليها الحِنَّاءَ




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج العُذْرة وفى العلاج بالسَّعوط

1-ثبت عنه فى "الصحيحين" أنه قال: "خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُم به الحِجَامةُ، والقُسْطُ البَحْرِىُّ، ولا تُعَذِّبُوا صِبْيانَكُمْ بالغَمْزِ من العُذْرَةِ".
2-وفى "السنن" و"المسند" عنه من حديث جابر بن عبد الله قال: دَخَلَرسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عائشة، وعِندَها صَبِىٌ يَسِيلُ مَنخراهُ دماً، فقال: "ما هذا" ؟ فقالوا: به العُذرةُ، أو وَجعٌ فى رأسه، فقال : "وَيلكُنَّ، لا تَقْتُلنَ أَوْلادَكُنَّ، أيُّما امرأةٍ أصابَ وَلَدَها عُذْرَةٌ أو وَجَعٌ فى رأسِه، فَلْتَأخُذْ قُسْطاً هِنْدِيَّاً فَلْتَحُكَّه بماءٍ، ثم تُسْعِطْهُ إيَّاهُ" فأمَرتْ عائشةُ رضى الله عنها فصُنِعَ ذلك بالصبىِّ، فبَرَأَ.
قبل: العُذْرَةُ: تهيُّجٌ فى الحَلْق من الدم، فإذا عُولج منه، قيل: قد عُذِرَ به، فهو معذورٌ.. انتهى.
وقيل: العُذْرَةُ: قرحة تخرج فيما بين الأذُن والحلق، وتَعرض للصبيان غالباً.



والقُسْطُ البحرىُّ المذكور فى الحديث: هو العود الهندى، وهو الأبيض منه، وهو حلو، وفيه منافعُ عديدة. وكانوا يُعالجون أولادَهم بغَمز اللهاة، وبالعِلاَق، وهو: شىء يُعلِّقونه على الصبيان، فنهاهم النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، وأرشدهم إلى ما هو أنفعُ للأطفال، وأسهلُ عليهم.
والسَّعوطُ: ما يُصَبُّ فى الأنف،


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج المفؤود

1-روى أبو داود فى "سننه" من حديث مُجاهدٍ، عن سعد، قال: "مَرضتُ مرضاً، فأتَانِى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودنى، فَوَضَعَ يَدَه بين ثَديَىَّ حَتَّى وَجَدتُ بَرْدَها على فؤادى، وقال لى: إنَّكَ رجُلٌ مَفْؤُودٌ فأْتِ الحارَثَ بن كَلَدَةَ من ثَقِيفٍ، فإنَّه رجلٌ يتطبَّبُ، فلْيأْخُذْ سبعَ تَمَراتٍ من عَجْوَةِ المدينةِ، فلْيَجأْهُنَّ بِنَواهُنَّ، ثم لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ".
المفؤود: الذى أُصيب فؤادُه، فهو يشتكيه، كالمبطون الذى يشتكى بطنه.
واللَّدُود: ما يُسقاه الإنسانُ من أحد جانبى الفم.
وفى التَّمْر خاصيَّةٌ عجيبةٌ لهذا الداء، ولا سِيَّما تمرَ المدينة، ولا سِيَّما العجوة منه، وفى كونها سبعاً خاصيةٌ أُخرى، تُدرَك بالوحى،


2-وفى "الصحيحين": منحديث عامر بن سعد بن أبى وَقَّاصٍ، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ تَصَبَّحَ بسبعِ تَمَرَاتٍ من تَمْرِ العَالِيَة لم يَضُرَّهُ ذلك اليومَ سَمٌ ولا سِحْرٌ".
3-وفى لفظ: "مَن أكل سَبْعَ تمراتٍ ممَّا بَيْن لاَبَتَيْها حينَ يُصبحُ، لم يَضُرَّهُ سَمٌ حتى يُمْسِى".



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى دفع ضرر الأغذية والفاكهة وإصلاحها بما يدفع ضررها، ويُقوِّى نفعَها
1-ثبت فى "الصحيحين" من حديث عبد الله بن جعفر، قال: "رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل الرُّطَبَ بالقِثَّاء".
بالقِثَّاء والرُّطَب، فسمنت.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحِمية

والحِمية حِميتان: حِمية عمَّا يجلِبُ المرض، وحِمية عما يزيده، فيقف على حاله، فالأولى: حِمية الأصحاءِ. والثانية: حِمية المرضى. فإنَّ المريض إذا احتمى، وقف مرضُه عن التزايد، وأخذت القُوَى فى دفعه. والأصل فى الحِمية قوله تعالى: {وَإن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة:6 ]، فَحَمَى المريضَ من استعمال الماء، لأنه يضرُّه.
1-وفى "سنن ابن ماجه" وغيره، عن أُمِّ المنذِر بنت قيس الأنصارية، قالت: دَخَلَ علىَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه علىّ، وعلىٌ ناقِهٌ من مرض، ولنا دوالى مُعلَّقة، فقام رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل منها، وقام علىٌّ يأكل منها، فطفِقَ رسولُ


الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلىٍّ: "إنك ناقِةٌ " حَتَّى كفَّ. قالت: وصنعت شعيراً وسِلْقاً، فجئت به، فقال النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلىٍّ: "مِنْ هذا أَصِبْ، فإنه أنفعُ لَكَ"، وفى لفظ فقال: "مِنْ هذا فَأصِبْ، فإنه أوفَقُ لَكَ".
2-وفى "سنن ابن ماجه" أيضاً عن صُهَيْبٍ، قال: قدمِتُ على النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين يديه خبزٌ وتمرٌ، فقال: "ادْنُ فَكُلْ"، فأخذتُ تمراً فأكلتُ، فقال: "أتأكُلُ تمراً وبِكَ رَمَدٌ" ؟ فقلت: يا رسول الله؛ أمضُغُ مِنَ الناحية الأخرى، فتبسَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3-وفى حديث محفوظ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبداً، حماه مِنَ الدُّنيا، كما يَحْمِى أحَدُكُم مريضَه عَنِ الطَّعَامِ والشَّرابِ".
وفى لفظ: "إنَّ اللهَ يَحْمِى عَبْدَه المؤمِنَ مِنَ الدُّنيا".



يتبع ان شاء الله تعالى

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 17-06-2017, 02:57 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الرَّمدِ

بالسكون، والدَّعةِ، وترْكِ الحركةِ، والحِميةِ مما يَهيج الرَّمد
وقد تقدَّم أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى صُهَيْباً من التَّمْر، وأنكر عليه أكْلَه، وهو أرمدُ، وَحَمَى علياً من الرُّطَبِ لمَّا أصابه الرَّمدُ.
3-": أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان إذا رَمِدَتْ عينُ امرأةٍ من نسائه لم يأتِهَا حَتَّى تَبرَأَ عينُها".
الرَّمدُ: ورمٌ حار يَعرِضُ فى الطبقة الملتحمة من العَيْن، وهو بياضُها الظاهر، وسببُه انصبابُ أحد الأخلاط الأربعة،


ومن أسباب علاجه ملازمةُ السكون والراحة، وتركُ مس العَيْن والاشتغال بها،

وقد رُوى فى حديث مرفوع، : "علاجُ الرَّمد تَقطيرُ الماءِ الباردِ فى العَيْن" لم اقف علية

فإنَّ الماء دواء بارد يُستعان به على إطفاء حرارةِ الرَّمد إذا كان حاراً،

3-ولهذا قال عبدُ الله بن مسعود رضى الله عنه، لامرأتِه زينبَ وقد اشتَكتْ عينُها: لو فَعلتِ كما فَعَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان خيراً لكِ وأجدَرَ أن تُشْفى، تَنْضَحِينَ فى عينِكِ الماءَ، ثم تقولينَ: "أَذهِبْ البأْسَ ربَّ النَّاس، واشْفِ أنتَ الشَّافِى، لا شِفاءَ إلا شِفَاؤك، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَماً

فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الخَدَران الكُلِّى الذى يَجْمُدُ معه البدنُ
1-ذكر : أنَّ قوماً مرُّوا بشجرةٍ فأكلُوا منها، فكأنما مرَّتْ بهم ريحٌ، فأجمدتْهُم، فقال النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَرِّسُوا الماءَ فى الشِّنَانِ، وصُبُّوا عليهم فيما بين الأذانَيْن "، ثم قال أبو عُبَيْد: "قَرِّسُوا": يعنى بَرِّدوا. وقولُ الناس: قد قَرَسَ البردُ، إنما هو من هذا بالسين ليس بالصاد. والشِّنان: الأسقِيةُ والقِرَبُ الخُلقانُ: يُقال للسِّقاء: شَنٌ، وللقِربة: شَنَّة. وإنما ذكر الشِّنانَ دون الجُدُدِ لأنها أشدُّ تبريداً للماء. وقوله: "بين الأذَانَين"، يعنى: أذانَ الفجر والإقامة، فسمى الإقامة أذاناً.. انتهى كلامه.





: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى إصلاح الطعام الذى يقع فيه الذُّباب وإرشاده إلى دفع مَضَرَّات السموم بأضدادها

1-فى "الصحيحين" من حديث أبى هُريرة، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا وقَعَ الُّذَبابُ فى إناءِ أحَدِكُم، فامْقُلُوه، فإنَّ فى أحد جنَاحيهِ داءً، وفى الآخرِ شِفَاءً".
2-وفى "سنن ابن ماجه" عنِ أبى سعيد الخُدْرىِّ، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أحَدُ جَناحَى الذُّبابِ سَمٌ، والآخَرُ شِفَاءٌ، فإذا وَقَعَ فى الطَّعَام، فامْقُلُوه، فإنه يُقَدِّمُ السُّمَّ، ويُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ".
هذا الحديث فيه أمران: أمرٌ فقهىٌ،


فأما الفقهى.. فهو دليلٌ ظاهر الدلالةِ جدًا على أنَّ الذُّباب إذا مات فى ماء أو مائع، فإنه لا يُنجِّسه، وهذا قول جمهور العلماء، ولا يُعرف فى السَّلَف مخالفٌ فى ذلك. ووَجهُ الاستدلال به أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بمَقْلِهِ، وهو غمسُه فى الطعام، ومعلومٌ أنه يموت من ذلك، ولا سِيَّما إذا كان الطعامُ حاراً.

: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج البَثْرَة

1- وفى "الصحيحين" عن عائشة أنها قالت: طيَّبْتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَدِى بذَرِيرةٍ فى حَجَّةِ الوَداع للحِلِّ والإحْرَامِ.
والبَثْرَة: خُراج صغير


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الأورام والخُرَاجات التى تبرأ بالبَطِّ والبَزْلِ
1-يُذكر عن علىٍّ أنه قال: دخلتُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل يعودُه بظهره ورمٌ، فقالوا: يا رسول الله؛ بهذه مِدَّةٌ. قال: "بُطُّوا عنه"، قال علىُّ: فما بَرِحتُ حتى بُطَّتْ، والنبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاهدٌ.
2-ويُذكر عن أبى هريرة: أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر طبيباً أن يَبُطَّ بطن رجل أجْوَى البطن، فقيل: يا رسول الله؛ هل ينفع الطّبُّ؟
قال: "الذى أنْزَلَ الداء، أنزل الشِّفَاء، فِيمَا شاء".



وأما قوله فى الحديث الثانى: "إنه أمر طبيباً أن يَبُطَّ بطن رجل أجْوَى البطن"، فالجَوى يُقال على معانٍ منها: الماءُ المُنْتِنُ الذى يكون فى البطن يحدُث عنه الاستسقاءُ.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم
1-روى ابن ماجه فى "سننه" من حديث أبى سعيد الخُدرىّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دَخَلْتُم على المَرِيضِ، فَنَفِّسوا لَهُ فى الأجَلِ، فإنَّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ شيئاً، وَهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ المريضِ".
وفى هذا الحديث نوعٌ شريفٌ جداً من أشرف أنواع العلاج، وهو الإرشاد إلى ما يُطيِّبُ نفسَ العليل من الكلام الذى تقوى به الطبيعة، وتنتعشُ به القُوَّة، وينبعِثُ به الحارُّ الغريزى، فيتساعدُ على دفع العِلَّة أو تخفيفها الذى هو غايةُ تأثير الطبيب.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تغذية المريض بألطفِ ما اعتاده من الأغذية
1-فى "الصحيحين" من حديثِ عُرْوةَ، عن عائشةَ: أنها كانتْ إذا ماتَ الميتُ من أهلِها، واجتمع لذلك النساءُ، ثم تفرَّقْنَ إلى أهلهن، أمرتْ ببُرْمَةٍ من تَلْبينةٍ فطُبِخَتْ، وصنعت ثريداً، ثم صبَّت التلبينةُ عليه، ثم قالت: كُلوا منها، فإنى سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "التَّلْبِينَةُ مَجمَّةٌ لفؤادِ المريضِ تَذهبُ ببعضِ ".
2-وفى "السنن" من حديث عائشة أيضاً، قالت: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عليكُمْ بالبَغيضِ النَّافع التَّلْبِينِ"، قالت: وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشتكَى أحدٌ من أهله لم تَزلْ البُرْمةُ على النارِ حتى ينتهىَ أحدُ طرَفَيْهِ. يَعنى يَبْرَأ أو يموت.
3-وعنها: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قيل له: إنَّ فلانَا وَجِعٌ لا يطْعَمُ الطَّعَامَ، قال: "عَلَيْكُم بالتَّلْبِينَةِ فحُسُّوه إيَّاها"، ويقول: "والذى نفْسىبيدِه إنَّهَا تَغْسِلُ بَطْنَ أحدِكُم كما تَغسِلُ إحداكُنَّ وجهَها مِنَ الوَسَخ".



التَّلْبين: هو الحِسَاءُ الرقيقُ الذى هو فى قِوَام اللَّبن، ومنه اشتُق اسمُه، قال الهَرَوىُّ: سميت تَلبينةً لشبهها باللَّبن لبياضِها ورقتِها، وهذا الغِذَاءُ هو النافع للعليل، وهو الرقيقُ النضيج لا الغليظ النِّىءُ، وإذا شئتَ أن تعرِفَ فضل التَّلْبينَةِ، فاعرفْ فضل ماء الشعير، بل هى ماءُ الشعير لهم،


فإنها حِساء متَّخذ من دقيق الشعير بنُخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يُطبخ صِحاحاً، والتَّلبينَة تُطبخ منه مطحوناً، وهى أنفع منه لخروج خاصيَّةِ الشعير بالطحن، وقد تقدَّم أنَّ للعاداتِ تأثيراً فى الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادةُ القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صِحاحاً، وهو أكثرُ تغذيةً، وأقوى فعلاً، وأعظمُ جلاءً، وإنما اتخذه أطباءُ المدن منه صِحَاحاً ليكونَ أرقَّ وألطفَ، فلا يَثقُل على طبيعة المريض،

4-وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها: " مجمةٌ لفؤاد المريض" ، يُروى بوجهين؛ بفتح الميم والجيم، وبضم الميم، وكسر الجيم. والأول: أشهر. ومعناه: أنها مُريحةٌ له، أى:
تُريحهُ وتسكِّنُه من "الإِجْمام" وهو الراحة. وقولُه: "تُذهب ببعض الحُزْن"، هذا والله أعلم




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج السُّمِّ الذى أصابه بخَيْبَر من اليهود
1-، عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك: أنَّ امرأةً يهوديةً أهدَتْ إلى النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاةً مَصْلِيَّةً بِخَيْبَر، فقال: "ما هذه" ؟ قالتْ: هَديَّةٌ، وحَذِرَتْ أن تقولَ: مِنَ الصَّدَقة، فلا يأكلُ منها، فأكل النبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكل الصحابةُ، ثُم قال: "أمسِكُوا"، ثم قال للمرأة: "هل سَمَمْتِ هذه الشَّاة" ؟ قالتْ: مَن أخبَرَك بهذا ؟ قال: "هذا العظمُ لساقها"، وهو فى يده، قالتْ: نعمْ. قال: "لِمَ" ؟قالتْ: أردتُ إن كنتَ كاذباً أن يَستريحَ منك النَّاسُ، وإن كنتَ نبيّاً لم يَضرَّك، قال: فاحتَجَم النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثةً على الكاهِلِ، وأمَرَ أصحابَه أن يَحتجِمُوا؛ فاحتَجَموا، فمات بعضُهم.
وفى طريق أُخرى: "واحتَجَمَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كاهِلِه مِنْ أجْل الذى أكَلَ من الشَّاة، حَجَمَه أبو هِندٍ بالقَرْنِ والشَّفْرة، وهو مولىً لبنى بَيَاضَةَ من الأنصار، وبقى بعد ذلك ثلاثَ سنين حتى كان وجعُه الذى تُوفى فيه، فقال: "ما زِلْتُ أجِدُ من الأُكْلَةِ التى أكَلْتُ مِن الشَّاةِ يومَ خَيْبَرَ حتى كان هذا أوانَ انْقِطَاعِ الأَبْهَرِ مِنِّى" ، فتُوفى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهيداً،


3-ولما احتجم النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احتجمَ فى الكاهل، وهو أقربُ المواضع التى يمكن فيها الحجامة إلى القلب،



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج السِّحر الذى سحرته اليهودُ به

1-.وقد ثبت فى "الصحيحين" عن عائشة رضى الله عنها، أنها قالت: "سُحِرَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إنْ كان لَيُخَيَّلُ إليه أنه يأتى نِساءه، ولم يَأتِهِنَّ"، وذلك أشدُّ ما يكون مِن السِّحر.
قال القاضى عِيَاض: والسِّحر مرضٌ من الأمراض، وعارضٌ من العلل يجوز عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنواع الأمراض ممَّا لا يُنكَرُ، ولا يَقدَحُ فى نُبوته، وأمَّا كونُه يُخيَّل إليه أنه فعل الشىء ولم يفعله، فليس فى هذا ما يدخل عليه داخلةً فى شىء من صدقه، لقيام الدليل والإجماعِ على عصمته من هذا، وإنَّما هذا فيما يجوز طُرُوُّه عليه فى أمر دنياه التى لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل مِن أجلها، وهو فيها عُرضةٌ للآفات كسائر البَشَر، فغيرُ بعيد أنه يُخيَّلَ إليه من أُمورها ما لا حقيقةَ له، ثم يَنجلى عنه كما كان.
والمقصود: ذِكرُ هَدْيِه فى علاج هذا المرض، وقد رُوى عنه فيه نوعان:
أحدهما وهو أبلغُهما: استخراجُه وإبطاله، كما صحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سأل ربَّه سبحانه فى ذلك؛ فدُلَّ عليه، فاستَخْرَجه من بئر، فكان فى مِشْطٍ ومُشَاطَةٍ، وجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَر، فلمَّا استَخْرَجه، ذهب ما به، حتى كأنَّما أُنْشِطَ من عِقال، فهذا من أبلغ ما يُعالَجُ به المَطْبُوبُ، وهذا بمنزلة إزالةِ المادة الخبيثة وقلْعِها مِن الجسد بالاستفراغ.
والنوع الثانى: الاستفراغُ فى المحل الذى يَصِلُ إليه أذى السِّحر، فإنَّ للسِّحر تأثيراً فى الطبيعة، وهَيَجانِ أخلاطها، وتشويشِ مِزاجها، فإذا ظهر أثرُهُ فى عضو، وأمكن استفراغُ المادة الرديئة من ذلك العضو، نَفَع جداً.



3-وقد ذكر أبو عُبيدٍ فى كتاب "غريب الحديث" له بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبى لَيْلَى، أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجمَ على رأسه بقَرْنٍ حين طُبَّ، قال أبو عُبيد: معنى طُبَّ: أى: سُحِرَ.



ومن أنفع علاجات السِّحر الأدوية الإلهية، بل هى أدويتُه النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السُّفْلية، ودفعُ تأثيرها يكون بما يُعارِضُها ويُقاومها من الأذكار، والآيات، والدعواتِ التى تُبْطِلُ فعلها

: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الاستفراغ بالقىء

1-روى الترمذىُّ فى "جامعه" عن مَعدان بن أبى طلحةَ، عن أبى الدرداء: أنَّ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاءَ، فتوضَّأ فلقيتُ ثَوْبان فى مسجد دِمَشق، فذكرتُ له ذلك، فقال: صَدَقَ، أنا صَبَبْتُ له وَضُوءَه. قال الترمذى: وهذا أصح شىء فى الباب.
القىءُ: أحد الاستفراغات الخمسة التى هى أُصول الاستفراغ، وهى: الإسهال، والقىء، وإخراج الدم، وخروج الأبخرة والعَرق. وقد جاءت بها السُّنَّة.
فأما الإسهال.. فقد مرَّ فى حديث: "خيرُ ما تداويتم به المَشِىُّ" وفى حديث "السَّنا". وأما إخراج الدم.. فقد تقدَّم فى أحاديث الحِجامة.
والقىءُ استفراغٌ من أعلا المَعِدَة، والحُقنة من أسفلها، والدواءُ من أعلاها وأسفلها.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الإرشاد إلى معالجة أحْذَق الطَّبِيبَيْن
1-ذكر مالك فى "موطئه": عن زيد بن أسلمَ، أنَّ رجلاً فى زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصابه جُرْحٌ، فاحتَقَن الجُرْحُ الدَّم. وأن الرجلَ دعا رجُلَيْن من بنى أنمار، فنَظَرا إليه فزعما أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لهما: "أَيُّكما أطَبُّ"؟ فقال: أوَ فى الطِّبِّ خيرٌ يا رسولَ الله ؟ فقال: "أنزلَ الدواءَ الذى أنزلَ الداء".
ففى هذا الحديث أنه ينبغى الاستعانةُ فى كل عِلم وصِناعة بأحذقِ مَنْ فيها فالأحذق،


وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنزل الدواءَ الذى أنزلَ الداءَ"، قد جاء مثلُه عنه فى أحاديث كثيرةٍ، فمنها ما رواه عمرو بن دِينارٍ عن هِلال بن يِسَافٍ، قال: "دخلَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مريض يَعودُه، فقال: "أرسِلُوا إلى طَبيبٍ "، فقال قائلٌ: وأنتَ تقولُ ذلك يا رسولَ الله ؟
قال: "نعمْ، إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لم يُنْزِلْ داءً إلاَّ أنزَلَ له دَواءً".
3-وفى "الصحيحين" من حديث أبى هريرةَ يَرفعُه: "ما أنزلَ اللهُ من داءٍ إلا أنزلَ له شفاء"، ولهذا قال : "عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه ".



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى التحرز من الأدواء المعدية بطبعها، وإرشاده الأصحاءَ إلى مجانبة أهلها
1-ثبت فى "صحيح مسلم" من حديث جابر بن عبد الله، أنه كان فى وَفْد ثَقِيف رجلٌ مجذومٌ، فأرسل إليه النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْجِعْ فَقَدْ بايَعْنَاكَ".
2-وروى البخارى فى "صحيحه" تعليقاً مِن حديث أبى هريرة، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ".
3-وفى "الصحيحين" من حديث أبى هُريرة، قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ".


الجُذَام: عِلَّة رديئة تحدثُ من انتشار المِرَّةِ السَّوداء فى البدن كُلِّه، ، ورُبما فسد فى آخره اتصالُها حتى تتأكَّلَ الأعضاء وتسقط، ويُسمى داءَ الأسد.



4-وقد ظنَّ طائفة مِن الناس أنَّ هذه الأحاديث معارَضةٌ بأحاديثَ أُخَر تُبطلها وتُناقضها، فمنها: ما رواه الترمذى، من حديث عبد الله بن عمر (ان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيَدِ رجُلٍ مجذومٍ، فأدخلها معه فى القَصْعَةِ، وقال: "كُلْ باسم الله، ثِقَةً بالله، وتوكُّلاً عليه" ، ورواه ابن ماجه.
5-وبما ثبت فى "الصحيح"، عن أبى هُريرة، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا عَدوَى ولا طِّيَرَة".
6-ونحن نقول: لا تعارُض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة. فإذا وقع التعارضُ، فإما أن يكون أحدُ الحديثين ليس مِن كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد غَلِطَ فيه بعضُ الرواة مع كونه ثقةً ثَبتاً، فالثقةُ يَغْلَطُ، أو يكونُ أحدُ الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يَقْبَلُ النسخ، أو يكونُ التعارضُ فى فهم السامع، لا فى فى نفس كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا بُدَّ مِن وجه من هذه الوجوه الثلاثة. وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان مِن كل وجه، ليس أحدُهما ناسخاً للآخر، فهذا لا يُوجد أصلاً، ومعاذَ اللهِ أن يُوجَدَ فى كلام الصادق المصدوق الذى لا يخرج من بين شفتيه إلا الحقُّ، والآفةُ مِن التقصير فىمعرفة المنقول، والتمييز بين صحيحه ومعلوله، أو من القُصور فى فهم مُراده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمل كلامه على غير ما عناه به، أو منهما معاً. ومن ههنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع.. وبالله التوفيق.
قال ابن قتيبة فى كتاب "اختلاف الحديث" له حكايةً عن أعداء الحديث وأهله: قالوا: حديثان متناقضان رويتُم عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا عَدوَى ولا طِّيَرَة". وقيل له: إنَّ النُّقْبَةَ تقع بمِشْفَرِ البَعيرِ، فيجرَبُ لذلك الإبلُ،
قال: "فما أعدَى الأولَ" ؟، ثم رويتُم: " لا يُوردُ ذو عاهة على مُصِحٍّ" و"وفِرَّ من المجذومِ فِرارَك من الأسَدِ" ، وأتاه رجل مجذوم ليُبايَعه بَيْعة الإسلام، فأرسل إليه البَيْعةَ، وأمَره بالانصراف، ولم يأذن له، وقال: "الشُّؤمُ فى المرأة والدارِ والدَّابةِ".. قالوا: وهذا كُلُّه مختلِفٌ لا يُشبه بعضُه بعضاً.


وقالت فِرقة أُخرى: إنَّ الجاهلية كانت تعتقد أنَّ الأمراض المعدية تُعدى بطبعها من غير إضافة إلى الله سبحانه، فأبطل النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتقادَهم ذلك، وأكل مع المجذوم ليُبَيِّنَ لهم أنَّ الله سبحانه هو الذى يُمرض ويَشفى، ونهى عن القُرب منه ليتبينَ لهم أنَّ هذا من الأسباب التى جعلها الله مُفضية إلى مسبباتها، ففى نهيه إثباتُ الأسباب، وفى فعله بيان أنها لا تستقِلُّ بشىء، بل الربُّ سبحانه إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقى عليها قُواها فأثَّرت.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المنع من التداوى بالمحرَّمات

1-روى أبو داود فى "سننه" من حديث أبى الدرداء رضى الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاء، وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دواءً، فَتَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بِالْمُحَرَّم".
2-وذكر البخارى فى "صحيحه" عن ابن مسعود: "إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عليكم".


3-وفى "السنن" عن أبى هريرة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّوَاءِ الخَبِيثِ.
4-وفى "صحيح مسلم" عن طارق بن سُوَيد الجُعفىِّ، أنه سأل النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخمر، فنهاه، أو كَرِهَ أن يصنَعَها، فقال: إنما أصنعُها للدواء، فقال: " إنَّه لَيْسَ بِدَوَاءٍ ولكنَّهُ دَاءٌ".
5-وفى "السنن" أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الخمر يُجْعَل فى الدَّواء، فقال: "إنَّهَا دَاءٌ ولَيسَتْ بِالدَّوَاءِ " رواه أبو داود، والترمذى.
6-وفى "صحيح مسلم" عن طارق بن سُويدٍ الحضرمى ؛ قال: قلت: يا رسول الله ؛ إنَّ بأرضنا أعناباً نَعتصِرُها فنشرب منها، قال: "لا". فراجعتُه، قلتُ: إنَّا نستشفى للمريض قال: "إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ".
7-وفى "سنن النسائى" أنَّ طبيباً ذَكر ضِفْدَعاً فى دواءٍ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهاه عن قَتْلِها.


8-ويُذكر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "مَنْ تَدَاوَى بِالْخَمْرِ، فَلا شَفَاهُ اللهُ".



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج القَمْلِ الذى فى الرأس وإزالته
1-فى "الصحيحين" عن كعب بن عُجْرةَ، قال: كان بى أذىً مِن رأسى، فَحُمِلْتُ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقَمْلُ يَتناثَرُ على وجهى، فقال : "ما كنتُ أَرى الجَهْدَ قد بَلَغَ بِكَ ما أرَى" ، وفى رواية: فأمَرَه أن يَحْلِقَ رأسَه، وأن يُطعِمَ فَرقاً بَيْنَ سِتَّةٍ، أو يُهدِىَ شاة، أو يَصُومَ ثلاثةَ أيامٍ.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج المصاب بالعَيْنِ
1-روى مسلم فى "صحيحه" عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العَيْنُ حَقٌ ولو كان شَىْءٌ سَابَقَ القَدَرِ، لَسَبَقتْهُ العَيْنُ".
2-وفى "صحيحه" أيضاً عن أنس: "أنَّ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّصَ فى الرُّقية مِن الحُمَةِ، والعَيْنِ والنَّملةِ"
3-وفى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العَيْنُ حَقٌ".
4-وفى "سنن أبى داود" عن عائشة رضى الله عنها، قالت: كان يُؤمَرُ العائِنُفيتوضَّأ، ثم يَغْتَسِلُ منه المَعِينُ.
5-وفى "الصحيحين" عن عائشة قالت: أمرنى النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أَمَرَ أن نَسْتَرْقِىَ من العَيْن.
6-وذكر الترمذى، ، أنَّ أسماء بنت عُمَيْس قالت: يا رسولَ الله ؛ إنَّ بَنِى جعفر تُصيبُهم العَينُ، أفأسترْقِى لهم ؟ فقال: "نعم فَلَوْ كان شَىْءٌ يَسْبِقُ القضاءَ لسَبَقَتْهُ العَيْنُ" صحيح.
7-وروى مالك رحمه الله، ، عن أبى أُمامةَ بن سهل بن حنيفٍ، قال: رأى عامرُ بن ربيعة سَهْلَ بن حُنَيف يغتسِلُ، فقال: واللهِ ما رأيتُ كاليوم ولا جِلْدَ مُخَبَّأة، قال: فلُبِطَ سَهْلٌ، فأتى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامراً، فتَغَيَّظَ عليه، وقال: "عَلامَ يَقْتُلُ أحدُكُم أخاهُ ؟ ألاَ بَرَّكْتَ ؟ اغْتَسِلْ له"، فغسل له عامرٌ وجهَه ويديه ومِرفَقَيْه ورُكبتيه، وأطرافَ رِجليه، وداخِلَة إزاره فى قدح، ثم صبَّ عليه، فراحَ مع الناس.
8-وروى مالك رحمه الله أيضاً عن محمد بن أبى أُمامة بن سهل، عن أبيه هذا الحديث، وقال فيه: " إنَّ العيْنَ حقٌ، توضَّأْ لهُ"، فتوضَّأ له.


9-وقال: "العَيْنُ حَقٌ، ولو كان شىءٌ سَابَقَ القَدَرَ، لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلَ أحدُكمْ، فَلْيَغْتَسِلْ" ، صحيحٌ.
10-قال الزُّهْرى: يُؤْمَر الرجل العائن بقدح، فيُدخِلُ كفَّه فيه، فيتمضمض، ثم يَمُجّه فى القدح، ويغسِلُ وجهه فى القدح، ثم يُدخِل يده اليُسرى، فيصُبُّ على رُكبته اليُمنى فى القَدَح، ثم يُدخِلُ يده اليُمنى، فيصُبُّ على رُكبته اليُسرى، ثم يَغْسِلُ داخِلَة إزارِهِ، ولا يُوضع القَدَحُ فى الأرض، ثم يُصَبُّ على رأس الرجل الذى تُصيبه العينُ من خلفه صبةً واحدةً.
والعَيْن عَيْنان: عَيْنٌ إنسية، وعَيْنٌ جِنِّية. فقد صح عن أُمِّ سلمةَ، أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى فى بيتها جاريةً فى وجهها سَفْعَةٌ، فقال: "اسْتَْرقُوا لها، فإنَّ بها النَّظرَة".
قال الحسين بن مسعود الفرَّاء: وقوله "سَفْعَة" أى: نظرة، يعنى من الجن، يقول: بها عينٌ أصابْتها من نظَرِ الجن أنفذُ من أسِّنَة الرِماح


11-ويُذكر عن جابر يرفعه: "إنَّ العَيْنَ لتُدْخِلُ الرجُلَ القَبْرَ، والجَمَلَ القِدْرَ".



: العلاجُ النبوىُّ لهذه العِلَّة،

1-وهو أنواعٌ، وقد روى أبو داود فى "سننه" عن سهل بن حُنَيفٍ، قال: مررْنا بَسيْلٍ، فدخلتُ، فاغتسلتُ فيه، فخرجتُ محموماً، فنُمِىَ ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "مُرُوا أبا ثابتٍ يَتَعَوَّذُ". قال: فقلتُ: يا سيدى ؛ والرُّقَى صالحة ؟ فقال: " لا رُقيةَ إلا فى نَفْسٍ، أو حُمَةٍ، أو لَدْغَةٍ".
والنَّفْس: العَيْن، يقال: أصابت فلاناً نفسٌ، أى: عَيْن. والنافِس: العائن. واللَّدْغة بدال مهملة وغين معجمة وهى ضربةُ العقرب ونحوها.


ابن القيم000 والتعوذات النبوية
1-فمن التعوُّذاتِ والرُّقَى الإكثارُ من قراءة المعوِّذتين، وفاتحةِ الكتابِ، وآيةِ الكُرسى، ومنها التعوذاتُ النبوية.
2-نحو: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ مِن شرِّ ما خَلق".
3-ونحو: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّةِ، مِن كُلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومِن كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ".
4-ونحو: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ التى لا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌ ولا فاجرٌ، مِن شَرِّ ما خلق وذرَأ وبرَأ، ومِن شَرِّ ما ينزلُ من السماء، ومِن شَرِّ ما يَعرُجُ فيها، ومِن شَرِّ ما ذرأ فى الأرض، ومِن شَرِّ ما يخرُج مِنها، ومِن شَرِّ فِتَنِ الليلِ والنهار، ومِن شَرِّ طَوَارق الليلِ، إلا طارقاً يَطرُق بخير يا رحمن".
5-ومنها: "أَعُوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّةِ مِن غضبه وعِقَابه، ومِن شرِّ عباده، ومِن هَمَزات الشياطينِ وأن يَحضُرونِ".
6-ومنها: "اللهُمَّ إنى أعوذُ بوجْهِكَ الكريم، وكلماتِك التامَّاتِ من شرِّ ما أنت آخِذٌ بناصيته، اللهُمَّ أنتَ تكشِفُ المأثَمَ والمَغْرَمَ، اللهُمَّ إنه لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، ولا يُخلَفُ وعدُك، سبحانَك وبحمدِك".
7-ومنها: "أَعُوذُ بوجه اللهِ العظيمِ الذى لا شىءَ أعظمُ منه، وبكلماتِه التامَّات التى لا يُجاوزُِهن بَرٌ ولا فاجرٌ، وأسماءِ الله الحُسْنَى، ما علمتُ منها وما لم أعلم، مِن شَرِّ ما خلق وذرَأ وبرأ، ومن شَرِّ كُلِّ ذى شرٍّ لا أُطيق شرَّه، ومِن شَرِّ كُلِّ ذى شَرٍّ أنتَ آخِذٌ بناصيته، إنَّ ربِّى على صِراط مستقيم".
8-ومنها: "اللهُمَّ أنت ربِّى لا إله إلا أنتَ، عليك توكلتُ، وأنتَ ربُّ العرشِ العظيم، ما شاء اللهُ كان، وما لم يشأْ لم يكن، لا حَوْلَ ولا قُوَّة إلا بالله، أعلم أنَّ اللهَ على كُلِّ شىء قديرٌ، وأنَّ الله قد أحاط بكل شىء علماً، وأحصَى كُلَّ شىءٍ عدداً، اللهُمَّ إنى أعوذُ بِكَ مِن شَرِّ نفسى، وشَرِّ الشيطانِ وشِرْكه، ومِن شَرِّ كُلِّ دابةٍ أنتَ آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربِّى على صِراط مستقيم".
وإن شاء قال: "تحصَّنتُ باللهِ الَّذى لا إله إلا هُوَ، إلهى وإله كُلِّ شىء، واعتصمتُ بربى وربِّ كُلِّ شىء، وتوكلتُ على الحىِّ الذى لا يموتُ، واستَدْفَعتُ الشرَّ بلاحَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، حسبىَ اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، حسبىَ الربُّ مِن العباد، حسبىَ الخَالِقُ من المخلوق، حسبىَ الرازقُ مِنَ المرزوق، حسبىَ الذى هو حسبى، حسبىَ الذى بيده ملكوتُ كُلِّ شىءٍ، وهو يُجيرُ


ولا يُجَارُ عليه، حسبىَ الله وكَفَى، سَمِعَ الله لمنْ دعا، ليس وراء اللهِ مرمَى، حسبىَ الله لا إله إلا هُوَ، عليه توكلتُ، وهُوَ ربُّ العرشِ العظيم".
ومَن جرَّب هذه الدعوات والعُوَذَ، عَرَفَ مِقدار منفعتها، وشِدَّةَ الحاجةِ إليها، وهى تمنعُ وصول أثر العائن، وتدفعُه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها، وقوةِ نفسه، واستعداده، وقوةِ توكله وثباتِ قلبه، فإنها سلاح، والسلاحُ بضاربه.



وإذا كان العائنُ يخشى ضررَ عينه وإصابتهَا للمَعين،


1- فليدفع شرِّها بقوله: اللهُمَّ بَارِكْ عليه، كما قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حُنيف: " ألا برَّكْتَ" أى: قلتَ: اللهُمَّ بارِكْ عليه .
2-ومما يُدفع به إصابةَ العَيْن قولُ: "ما شاء الله لا قُوَّة إلا بالله"، روى هشام ابن عروة، عن أبيه، أنه كان إذا رأى شيئاً يُعجِبُه، أو دخل حائطاً مِن حِيطانه، قال: "ما شاء الله، لا قُوَّة إلا بالله".
3-ومنها رُقْيَةُ جِبريل عليه السَّلامُ للنبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التى رواها مسلم فى "صحيحه": "باسمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يُؤذيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نفسٍ أو عَيْنِ حَاسدٍ اللهُ يَشفِيكَ، باسمِ اللهِ أرْقِيكَ".



[فى أمر العائن بغسل مَغابنِهِ وأطرافه وداخِلَةِ إزاره]
1-ومنها: أن يُؤمر العائِنُ بغسل مَغابنِهِ وأطرافه وداخِلَةِ إزاره، وفيه قولان ؛ أحدهما: أنه فرجُه. والثانى: أنه طرفُ إزاره الداخل الذى يلى جسدَه من الجانب الأيمن، ثم يُصَبُّ على رأس المَعِين مِن خلفه بغتة، وهذا مما لا ينالُه عِلاجُ الأطباء، ولا ينتفِعُ به مَن أنكره، أو سَخِرَ منه، أو شَكَّ فيه، أو فعله مجرِّباً لا يعتقد أنَّ ذلك ينفعُه.



2-وقال الخطَّابى فى "غريب الحديث" له عن عثمان: إنه رأى صبياً تأخذه العَيْن، فقال: دسِّموا نونته.

فقال أبو عمرو: سألت أحمد بن يحيى عنه، فقال: أراد بالنونة: النُّقرة التى فى ذقنه. والتدسيمُ: التسويد. أراد: سَوِّدُوا ذلك الموضع من ذقنه، ليرد العَيْن.

3-قال ومن هذا حديثُ عائشةَ ان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب ذاتَ يومٍ، وعلى رأسهِ عِمامةٌ دَسْماء أى: سوداء أراد الاستشهاد على اللَّفظة، ومن هذا أخذ الشاعرُ قَوله:



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى العلاج العام لكل شكوى بالرُّقية الإلهية

1-روى أبو داود فى "سننه": من حديث أبى الدرداء، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَن اشتكى منكم شيئاً، أو اشتكاهُ أخٌ له فلْيقُلْ: رَبَّنا اللهَ الذى فى السَّماء، تقدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فى السَّماء والأرضِ كما رَحْمَتُك فى السَّماءِ، فاجعل رحمتكَ فى الأرض، واغفر لنا حُوْبَنَا وخطايانا أنتَ ربُّ الطَّيِّبِين، أنْزِلْ رحمةً من رحمتك، وشفاءً من شفائك على هذا الوَجَع، فيَبْرأ بإذْنِ اللهِ ".
2-وفى "صحيح مسلم" عن أبى سعيد الخُدْرِى، أنَّ جبريلَ عليه السلام أتى النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمدُ ؛ أشتكيْتَ ؟ فقال: "نعم". فقال جبريلُ عليه السلام : "باسمِ اللهِ أَرقيكَ مِن كُلِّ شىءٍ يُؤذيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نفْسٍ أو عَيْن حاسدٍ اللهُ يَشفيكَ، باسمِ اللهِ أرقيكَ".
فإن قيل: فما تقولون فى الحديث الذى رواه أبو داود: "لا رُقيةَ إلا من عَيْنٍ، أو حُمَةٍ"، والحُمَةُ: ذوات السُّموم كلها ؟
فالجواب: المرادُ به: لا رُقية أولى وأنفعُ منها فى العَيْن والحُمَة،


3-وفى "صحيح مسلم" عنه أيضاً:"رخَّص رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الرُّقية من العَيْن والحُمَةِ والنَّمْلَةِ".

: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رُقْيَة اللَّدِيغ بالفاتحة

1-أخرجا فى "الصحيحين" من حديث أبى سعيد الخدرى، قال: "انْطلَقَ نَفَرٌ من أصحابِ النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سفرةٍ سافرُوها حتى نزلوا على حىٍّ مِن أحياءِ العرب، فاسْتَضَافوهم، فأبَوْا أن يُضَيِّفُوهُم، فلُدِغَ سَيِّدُ ذلك الحىِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شىء لا يَنْفَعُه شىء، فقال بعضهم: لو أتيتُم هؤلاءِ الرَّهطَ الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شىء. فأتوهم، فقالوا: يا أيُّهَا الرَّهطُ ؛ إنَّ سَيِّدَنا لُدِغَ، وسَعينا له بكُلِّ شىء لا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أحدٍ منكم من شىء ؟ فقال بعضُهم: نعم واللهِ إنى لأَرْقى، ولكن اسْتَضَفْناكُمْ، فلم تَضيِّفُونَا، فما أنا بَرَاقٍ حتى تَجْعَلُوا لنا جُعْلاً، فصالَحُوهم على قطيعٍ من الغنم، فانطلَقَ يَتْفُل عليه، ويقرأ: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فكأنما أُنشِطَ من عِقَالٍ، فانطلق يمشى وما به قَلَبَةٌ، قال: فأوفَوْهُم جُعْلَهُم الذى صالحوهم عليه، فقال بعضُهم: اقتسِمُوا، فقال الذى رَقَى: لا تفعلوا حتى نأتىَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنذكُرَ له الذى كان، فننظُرَ ما يأمرُنا، فَقَدِمُوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا له ذلك، فقال: "وما يُدْريكَ أنَّها رُقْيَةٌ" ؟، ثم قال: "قد أصَبْتُم، اقسِمُوا واضْرِبوا لى مَعَكُم سهماً".



2-. قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[الإسراء: 82]. و"مِن" ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض، هذا أصَحُّ القولين،

3- وقد قيل: إنَّ موضع الرُّقْيَة منها :{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 4]،

4-وفى النفث سِرٌ آخر، فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة، ولهذا تفعلُه السَّّحَرةُ كما يفعلَهُ أهلُ الإيمان. قال تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ} ،



5-وقد روى مسلم فى "صحيحه" عن أبى هُريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله ؛ ما لقيتُ مِنْ عقربٍ لَدَغْتنى البارحةَ فقال: "أما لو قُلْتَ حِينَ أمْسَيْتَ: أعُوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ،لم تَضُرَّك".
6-: فكما فى "الصحيحين" من حديث عائشة كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوى إلى فراشِهِ نَفَثَ فى كَفَّيْهِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} والمُعَوِّذَتَيْن. ثم يمسحُ بهما وجهه، وما بلغت يدُه من جسده".
7-وكما فى حديث عُوذة أبى الدرداء المرفوع: "اللهُمَّ أنت رَبِّى لا إله إلا أنت عليكَ تَوَكَّلْتُ وأنتَ رَبُّ العَرْشِ العظيم"، وقد تقدَّم وفيه: "مَن قالها أوَّل نهارِهِ لم تُصِبْهُ مُصيبة حتى يُمسى، ومَن قالها آخر نهارِهِ لم تُصِبْه مُصيبةٌ حتى يُصْبِح".
8-وكما فى "الصحيحين": "مَن قَرَأَ الآيَتَيْن مِن آخرِ سُورةِ البقرةِ فى لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ".
9-وكما فى "صحيح مسلم" عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن نَزَلَ مَنْزِلاً فقال: أَعُوذُ بكلمات ِاللهِ التَّامَّاتِ مِن شرَِّ ما خَلَقَ، لم يَضُرَّهُ شَىءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلهِ ذلِكَ".
10-وكما فى "سنن أبى داود" أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان فى السفر يقول باللَّيل :"يا أرضُ ؛ رَبِّى ورَبُّكِ اللهُ، أَعُوذُ باللهِ مِن شَرِّكِ وشَرِّ ما فِيكِ، وشَرِّ ما يَدُبُّ عليكِ، أعوذُ باللهِ مِن أسَدٍ وأسْوَدٍ، ومِن الحَيَّةِ والعقربِ، ومِن ساكنِ البَلَدِ، ومن والدٍ وما وَلَدَ".


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 17-06-2017, 03:01 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رُقْيَة النَّمْلَة


1- من حديث أنس الذى فى "صحيح مسلم" أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "رخَّص فى الرُّقْيَةِ مِنَ الحُمَةِ والعَيْنِ والنَّمْلَةِ".
2-وفى "سنن أبى داود" عن الشِّفَاء بنت عبد الله، قالت: دخل علىَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عِند حَفْصَة، فقال: "ألا تُعَلِّمينَ هذه رُقية النَّمْلةِ كما عَلَّمْتِيها الكتابةَ".
النَّمْلَة: قُروح تخرج فى الجنبين، وهو داء معروف، وسُمِّى نملةً، لأن صاحِبَه يُحس فى مكانه كأنَّ نملة تَدِبُّ عليه وَتعضُّه،


3-: أنَّ الشِّفَاء بنتَ عبد الله كانت تَرقى فى الجاهلية من النَّمْلَة، فلمَّا هاجرت إلى النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت قد بايعته بمكة، قالت: يا رسول الله ؛ إنِّى كنت أرقى فى الجاهلية من النَّمْلَة، وإنى أُريدُ أن أعْرِضَهَا عليكَ، فعرضت عليه فقالت: بسم اللهِ ضَلَّت حتى تعود مِن أفواهها، ولا تَضُرُّ أحداً، اللهُمَّ اكشف البأسَ ربَّ الناسِ، قال: ترقى بِهَا عَلَى عُودٍ سبعَ مَرات، وتقصِدُ مَكاناً نظيفاً، وَتَدْلُكُهُ على حجر بخَلِّ خَمرٍ حاذق، وتَطْلِيه على النَّمْلَةِ. وفى الحديث: دليلٌ على جواز تعليم النساء الكتابة.


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رُقْيَة الحَيَّة
1-وفِى "سنن ابن ماجه" من حديث عائشة: "رخَّص رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الرُّقْيَة من الحيَّةِ والعقرب".
2-ويُذكر عن ابن شهاب الزُّهْرى، قال: لَدَغَ بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَّةٌ، فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "هَلْ مِن رَاقٍ" ؟ فقالوا: يا رسول الله ؛ إن آل حزم كانوا يَرْقُون رُقيةَ الحَيَّةِ، فلما نَهَيْتَ عن الرُّقَى تركوها، فقال: "ادْعُو عُمارة بن حزم" فدعوه، فعرضَ عليه رُقاه، فقال: "لا بأسَ بها" فأذن له فيها فرقاه.




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رُقْيَة القَرْحة والجُرْح
1-أخرجا فى "الصحيحين" عن عائشة قالت: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشتكى الإنسانُ أو كانت به قَرحةٌ أو جُرحٌ، قال بأصبعه: هكذا ووضع سفيانُ سبَّابَتَهُ بالأرض، ثم رفعها وقال: "بسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أرضِنا بِرِيقَةِ بعضِنا، يُشْفَى سَقِيمُنا بإذنِ رَبِّنا".



ومعنى الحديث: أنه يأخذ مِن ريق نفسه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب، فيعلَق بها منه شىء، فيمسح به على الجُرح، ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، فينضَمُّ أحدُ العلاجين إلى الآخر، فَيقْوَى التأثير.
وهل المراد بقوله: "تُرْبَةُ أَرضِنا" جميع الأرض أو أرضُ المدينة خاصة


في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علاج الوجع بالرقية
1-روى مسلم في "صحيحه" عن عثمان بن أبي العاص، "أنه شكى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضع يَدَكَ عَلَى الَّذي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وقُل: بِسْمِ الله ثلاثاً، وقُلْ سبع مرات: أعوذُ بِعِزَّةِ الله وقُدرَتهِ منْ شَرِّ مِا أجدُ وأُحاَذِر" وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها،


2- وفي "الصحيحين": أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "كان يعوِّذُ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى، ويقول: "اللهمَّ رَبَّ الناس، أَذهِب الباَسَ، واشفِ أنت الشّافي، لا شِفَاء إلا شفاؤُك، شفاءً لا يغادرُ سَقَماً". ففي هذه الرُقية توسل إلى الله بكمال زبوبيته، وكما رحمته بالشفاء، وأنه وحده الشافي، وأنه لا شفاء إلا شِفاؤُه، فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته.
في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علاج حر المصيبة وحزنها
قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }[البقرة: 155] .


1- وفي "المسند" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ما من أَحَدٍ تصيبُه مصِيبَةٌ فيقولُ: إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجِعُونَ، اللهم أجرنِي في مُصيبَتى وأخلفْ لي خيراً منهَا، إلا أجاَرَه الله في مصِيبَتِهِ، وأخلفَ لهُ خَيراً منها".

2-وفى "الصحيح" مرفوعاً: "الصَّبْرُ عند الصَّدْمَةِ الأُولى".
وقال أبو الدرداء: إنَّ الله إذا قضى قضاءً، أحب أن يُرضَى به.
3- قال الشيخ عبد القادر: يا بُنَىَّ ؛ إنَّ المصيبةَ ما جاءت لِتُهلِكَكَ، وإنَّما جاءت لتمتحِنَ صبرك وإيمانَك، يا بُنَىَّ ؛ القَدَرُ سَبُعٌ، والسَّبُعُ لا يأكل الميتةَ.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج الكرب والهم والغم والحزن
1-أخرجا فى "الصحيحين" من حديث ابن عباس، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند الكَرْب: " لا إلهَ إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العَظِيمُ، لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ السَّبْع، ورَبُّ الأرْض , رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ".
2-وفى "جامع الترمذىِّ" عن أنس، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ، قال : "يا حَىُّ يا قَيُّومُ برحمتِكَ أستغيثُ".
3-وفيه عن أبى هُريرة: "أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان إذا أهمَّهُ الأَمْرُ، رفع طرفه إلى السماء فقال: "سُبْحَانَ الله العظيمِ"، وإذا اجتهد فى الدعاء قال: "يا حَىُّ يا قَيُّومُ".
4-وفى "سنن أبى داود"، عن أبى بكر الصِّدِّيق، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " دَعَواتُ المكروبِ: اللهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجُو، فَلا تَكِلْنِى إلى نَفْسى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لى شَأنى كُلَّهُ، لا إله إلا أنْتَ".
5-وفيها أيضاً عن أسماء بنت عُمَيس قالت: قال لى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا أُعلِّمُكِ كلماتٍ تقوليهِنَّ عِنْدَ الكَرْبِ أو فى الكَرْبِ: "اللهُ رَبِّى لا أُشْرِكُ به شيئاً". وفى رواية أنها تُقال سبعَ مرات.
6-وفى "مسند الإمام أحمد" عن ابن مسعود، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أصابَ عبداً هَمٌ ولا حُزْنٌ فقال: اللهُمَّ إنِّى عَبْدُكَ، ابنُ عَبْدِكَ، ابنُ أمتِكَ، ناصِيَتى بيَدِكَ، مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌْ فىَّ قضاؤكَ، اسألُكَ بكل اسْمٍ هُوَ لكَ سَمَّيْتَ به نَفْسَكَ، أو أنزلْتَه فِى كِتَابِكَ، أو عَلَّمْتَهُ أحداً من خَلْقِك، أو استأثَرْتَ به فى عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ: أن تَجْعَل القُرْآنَ العظيم رَبيعَ قَلْبِى، ونُورَ صَدْرى، وجِلاءَ حُزنى، وذَهَابَ هَمِّى، إلا أذْهَبَ اللهُ حُزْنَه وهَمَّهُ، وأبْدَلَهُ مكانَهُ فرحاً".
7-وفى "الترمذىِّ" عن سعد بن أبى وَقَّاص، قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دعوةُ ذى النُّون إذْ دَعَا رَبَّهُ وهو فى بَطْنِ الحُوتِ: {لاَ إلهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ، لَمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ فى شىءٍ قَطُّ إلا اسْتُجِيبَ له".


8- وفى رواية: "إنِّى لأعلمُ كِلْمَةً لا يقولُهَا مكْروبٌ إلا فرَّج الله عنه: كَلِمَةَ أخى يُونُس".
9-وفى "سنن أبى داود" عن أبى سعيد الخدرى، قال: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقالُ له: أبو أُمَامة، فقال: "يا أبا أُمامة ؛ ما لى أرَاكَ فى المسجدِ فى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ" ؟ فقال: هُمومٌ لَزِمَتْنى، وديونٌ يا رسولَ الله، فقال: "ألا أُعَلِّمُكَ كلاماً إذا أنت قُلْتَهُ أذهبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ هَمَّكَ وقَضَى دَيْنَكَ" ؟ قال: قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: " قُلْ إذا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ: اللهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ من الهَمِّ والحَزَنِ، وأعوذُ بِكَ من العَجْزِ والكَسَلِ، وأعوذُ بِكَ من الجُبْنِ والبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَال"، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله عَزَّ وجَلَّ هَمِّى، وقَضى عنى دَيْنِى.
10-وفى "سنن أبى داود"، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن لَزِمَ الاستغفارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ من كلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، ورزَقَهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِب"
11-وفى "المسند": أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا حَزَبَه أمرٌ، فَزِعَ إلى الصَّلاة، وقد قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالْصَّلاَة}


12-وفى "السنن": "عَلَيْكُم بالجِهَادِ، فإنَّه بابٌ مِن أبوابِ الجَنَّةِ، يدفعُ اللهُ به عن النُّفُوسِ الهَمَّ والغَمَّ".
13-ويُذكر عن ابن عباس، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن كَثُرَتْ هُمُومُهُ وغُمُومُهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ".
14-وثبت فى "الصحيحين": أنها كَنزٌ من كنوز الجَنَّة.وفى "الترمذى ": أنها بابٌ من أبواب الجَنَّة.



15-وفى "السنن" و"صحيح أبى حاتم" مرفوعاً: "اسمُ اللهِ الأعْظَم فى هاتَيْنِ الآيتين: {وَإلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ، لا إلهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وفاتحةِ آلِ عمران: {آلم اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ}[آل عمران: 1-2] 16-وفى "السنن" و"صحيح ابن حِبَّان" أيضاً: من حديث أنس أنَّ رجلاً دعا، فقال: اللهُمَّ إنِّى أسألُكَ بأنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لا إلَهَ إلا أنتَ المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، يا ذا الجلال والإكرام، يا حىُّ يا قَيُّومُ، فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لقد دَعَا اللهَ باسمِهِ الأعْظَم الذى إذا دُعِىَ به أجابَ، وإذا سُئِلَ به أعْطَى".
17-ولهذا كان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اجتهد فى الدعاء، قال: "يَا حىُّ يا قَيُّومُ".
18-وفى قوله: "اللهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو، فلا تَكِلْنى إلى نفسى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لى شأنى كُلَّهُ لا إلهَ إلاَّ أنتَ"


: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاجِ الفَزَع، والأرَقِ المانِع من النوم
1-روى الترمذىُّ فى "جامعه" عن بُريدةَ قال: شكى خالدٌ إلى النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله ؛ ما أنام الليل مِن الأرَقِ، فقال النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إذا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ السَّبْع وَمَا أظَلَّتْ، ورَبَّ الأرَضِينَ، وَمَا أَقَلَّتْ، وربَّ الشَّيَاطينِ وما أضَلَّتْ، كُنْ لَى جاراً مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جميعاً أنْ يَفْرُطَ علىَّ أحدٌ مِنْهُمْ، أَوْ يَبْغىَ عَلَىَّ، عَزَّ جَارُك، وجَلَّ ثَنَاؤُكَ، ولا إلهَ غَيْرُك".
2-وفيه أيضاً: عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده أنَّ رسولَاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُعَلِّمُهم مِنَ الفَزَعِ: " أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التامَّةِ مِنْ غَضِبهِ، وعِقَابِهِ، وَشرِّ عِبَادِه، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وأعُوذُ بِكَ رَبِّ أنْ يَحضُرُونِ" ، قال: وكان عبد الله بن عَمْرو يُعَلِّمُهنَّ مَن عَقَلَ من بنيه، ومَن لم يَعْقِلْ كتبه، فأعلقه عليه، ولا يخفى مناسبةُ هذه العُوذَةِ لعلاج هذا الداءِ.



فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى علاج داء الحريق وإطفائه
ُ1- قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَأيتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّروا، فإنَّ التكبيرَ يُطفِئُهُ".



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حفظ الصحة



1-روى البخارىُّ فى "صحيحه" من حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ مِنَ الناس: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ".
2-وفى "الترمذى" وغيره من حديث عُبَيْد الله بن مِحصَن الأنصارى، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن أصْبَحَ مُعَافىً فى جَسَدِهِ، آمناً فى سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فكأنما حِيزَتْ لَهُ الدُّنيا". وفى "الترمذى" أيضاً من حديث أبى هريرة، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أوَّلُ ما يُسْألُ عنه العَبْدُ يومَ القيامَةِ مِنَ النَّعِيم، أن يُقال له: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، ونُرَوِّكَ مِنَ الماءِ البارد". ومن هاهنا قال مَن قال مِن السَّلَف فى قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر: 8] قال: عن الصحة
3-وفى "مسند الإمام أحمد": أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للعباس: "يا عباس، يا عَمَّ رسول اللهِ ؛ سَلِ اللهَ العافِيةَ فى الدُّنْيَا والآخِرَة".
4-وفيه عن أبى بكر الصِّدِّيق، قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سَلُوا اللهَ اليَقينَ والمُعافاةَ، فما أُوتِىَ أحدٌ بَعْدَ اليقينِ خَيراً من العافية"،




5-وفى "الترمذى" مرفوعاً: "ما سُئِلَ اللهُ شيئاً أحبَّ إلَيْهِ من العافيةِ".
6-وقال عبد الرحمن بن أبى ليلى: عن أبى الدرداء، قلت: يا رسول الله ؛ لأن أُعافَى فأشكُر أحبُّ إلىَّ من أن أُبتََلى فأصبر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ورسولُ اللهِ يُحِبُّ مَعَكَ العافِيَةَ ".
7-ويُذكر عن ابن عباس أنَّ أعرابياً جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: ما أسألُ الله بعد الصلواتِ الخمس ؟ فقال: "سَلِ اللهَ العافيةَ" ، فأعاد عليه، فقال له فى الثالثة: "سَلِ اللهَ العَافِيةَ فى الدُّنيا والآخرَة".
هدية فى المطعمُ والمشرب


،1- فلم يكن مِن عادته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبسُ النفسِ على نوع واحد من الأغذية لا يتعدَّاه إلى ما سواه،

2-وكان إذا عافت نفسُه الطعامَ لم يأكله، ولم يُحمِّلْها إيَّاه على كُره، .قال أنس: ما عابَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً قَطُّ، إن اشتهاه أكلَه، وإلا تركه، ولم يأكلْ منه. ولمَّا قُدِّمَ إليه الضَّبُّ المشوىُّ لم يأكلْ منه، فقيل له: أهو حرامٌ ؟



قال: "لا، ولكنْ لم يكن بأرضِ قَوْمى، فأجِدُنى أعافُه". فراعى عادتَه وشهوتَه، فلمَّا لم يكن يعتادُ أكله بأرضه، وكانت نفسُه لا تشتهيه، أمسَكَ عنه، ولم يَمنع مِن أكله مَن يشتهيه، ومَنْ عادتُه أكلُه.

3- وكان يحبُّ اللَّحم، وأحبُّه إليه الذراعُ، ومقدم الشاة، ولذلك سُمَّ فيه.وفى "الصحيحين": "أُتِىَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلحم، فرُفِع إليه الذراع، وكانت تُعجبُه".وذكر أبو عُبيدة وغيره عن ضباعَة بنت الزُّبير، أنها ذَبحتْ فى بيتها شاةً، فأرسل إليها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ أطعِمِينا من شاتكم، فقالت للرسول: ما بقىَ عندَنا إلاَّ الرَّقبةُ، وإنى لأستحى أنْ أُرسلَ بها إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرجع الرسولُ فأخبره، فقال: "ارْجِعْ إليها فقلْ لها: أَرْسِلى بِهَا، فإنَّها هاديةُ الشَّاةِ وأقْرَبُ إلى الخَيْر، وأبعدُها مِنَ الأذَى"



4-وكان يُحب الحَلْواءَ والعسلَ،

5-.وكان يأكُلُ الخبز مأدُوماً ما وَجَدَ له إداماً، فتارةً يَأدِمُه باللَّحم ويقول: "هُوَ سَيِّدُ طعامِ أهلِ الدُّنيا والآخرةِ" رواه ابن ماجه وغيره "وتارة بالبطيخ، وتارةً بالتمر،فإنه وضع تمرة على كِسْرة شعير، وقال: "هذا إدامُ هذه". ، وتارةً بالخَلِّ، ويقول: "نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ" ، وهذا ثناءٌ عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر، لا تفضيلٌ له على غيرِه، كما يظن الجُهَّالُ،

فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هيئة الجلوسِ للأكل
1-صحَّ عنه أنه قال: "لا آكُلُ مُتَّكِئاً"، وقال: "إنما أجْلِسُكما يَجْلِسُ العبدُ، وآكُلُ كما يأكُلُ العبدُ".
2--وروى ابن ماجه فى "سننه" أنه نَهى أن يأكلَ الرجلُ وهو منبطحٌ على وجهه.وقد فُسِّر الاتكاءُ بالتربُّع، وفُسِّر بالاتكاء على الشىء، وهو الاعتمادُ عليه، وفُسِّر بالاتكاء على الجنب. والأنواعُ الثلاثة من الاتكاء، " وكان يأكل وهو مُقْعٍ، ويُذكر عنه أنه كان يجلس للأكل مُتَورِّكاً على ركبتيه، ويضعُ بطنَ قدمِه اليُسْرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعاً لربه عَزَّ وجَلَّ، وأدباً بين يديه، واحتراماً للطعام وللمؤاكِل،


3-وكان يأكُلُ بأصابعه الثَّلاث،

4-ومَن تدبَّر أغذيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما كان يأكلهُ، وجَده لم يجمع قَطُّ بين لبن وسمك، ولا بين لبن وحامض، ولا بين غذائين حارَّين أنه كان ينهى عن النوم على الأكل،

5-ويُكره شرب الماء عقيبَ الرياضة، والتعبِ، وعقيبَ الجِمَاع، وعقيبَ الطعامِ وقبله، وعقيبَ أكل الفاكهة، وإن كان الشربُ عقيبَ بعضِها أسهلَ مِن بعض، وعقب الحمَّام، وعند الانتباه من النوم، فهذا كُلُّهُ منافٍ لحفظ الصحة، ولا اعتبار بالعوائد، فإنها طبائع ثوانٍ.



وأما هَدْيه فى الشراب،

1-، فإنه كان يشرب العسلَ الممزوجَ بالماء البارد

2-وقولُه فى الحديث الصحيح: "إن كان عندكَ ماء باتَ فى شَنٍ وإلا كَرَعْنَا"، فيه دليلٌ على جواز الكَرْع، وهو الشرب بالفم من الحوضِ والمِقْراةِ ونحوها

3- وكان من هَدِْيه الشُّربُ قاعداً، هذا كان هديَه المعتادَ وصحَّ عنه أنه نهى عن الشُّرب قائماً، وصحَّ عنه أنه أمر الذى شرب قائماً أن يَسْتَقىءَ، وصَحَّ عنه أنه شرب قائماً.
فقالت طائفةٌ: هذا ناسخٌ للنهى، وقالت طائفةٌ: بل مبيِّنٌ أنَّ النهىَ ليس للتحريم، بل للإرشاد وتركِ الأوْلى،


4-وفى "صحيح مسلم" من حديث أنس بن مالك، قال: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتنفَّسُ فى الشَّراب ثلاثاً، ويقولُ: "إنه أرْوَى وأمْرَأُ وأبْرَأُ "

5-: " إذا شَرِبَ أحَدُكُم فَلا يَتنفَّسْ فى القَدَحِ، ولكنْ لِيُبِنِ الإناءَ عن فيهِ"
وفى هذا الشرب حِكمٌ جَمَّة، وفوائدٌ مهمة، وقد نبَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مَجامِعها، بقوله: " إنه أروَى وأمرَأ وأبرأ"




6-وقد روى مسلم فى "صحيحه" من حديث جابر بن عبد الله، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "غطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، فإنَّ فى السَّنَةِ لَيْلَةً ينزِلُ فِيهَا وِباءٌ لا يَمُرُّ بإناءٍ ليس عليه غِطَاءٌ، أو سِقاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إلا وَقَعَ فيه من ذلك الدَّاء".
7-وصَحَّ عنه أنه أمرَ عند إيكاءِ الإناء بذكر اسم الله، فإنَّ ذِكْر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشيطان، وإيكاؤُه يطرد عنه الهَوامَّ، ولذلك أمر بذكر اسم الله فى هذين الموضعين لهذين المعنيين.
8-وروى البخارى فى "صحيحه" من حديث ابن عباس، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الشُّرب مِنْ في السِّقاء.



9-وفى "سنن أبى داود" من حديث أبى سعيد الخُدرىِّ، قال: "نهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشُّرب من ثُلْمَةِ القَدَحِ، وأن ينفُخَ فى الشَّراب".

10-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب اللَّبن خالصاً تارةً، ومُشَوباً بالماء أُخرى.

11-وفى جامع "الترمذى" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أكل أحدكم طعاماً فيلقُلْ: اللهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وأطْعِمنا خيراً منه، وإذا سُقى لبناً فليقل: اللهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وزِدْنا منه، فإنه ليس شىءٌ يُجْزِئُ منَ الطعام والشرابِ إلاَّ اللبنُ". الصحيحة
12-وثبت فى "صحيح مسلم" أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُنْبَذُ له أوَّل الليل، ويشربُه إذا أصبح يومَه ذلك، والليلةَ التى تجىءُ، والغَد، واللَّيلةَ الأُخرى،والغَد إلى العصر، فإن بقى منه شىءٌ سقاه الخادِمَ، أو أمر به فَصُبَّ.
وهذا النبيذ: هو ما يُطرح فيه تمرٌ يُحليه، وهو يدخل فى الغذاء والشراب، وله نفع عظيم فى زيادة القوة، وحفظِ الصحة، ولم يكن يشربه بعدَ ثلاث خوفاً من تغيُّره إلى الإسكار.



: فى تدبيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الملبس
1-، وكان أكثر لُبسه الأردية والأُزُر، وهى أخفُّ على البدن من غيرها، وكان يلبسُ القميص، بل كان أحبَّ الثياب إليه.
2-وكان هَديُه فى لُبسه لما يلبَسُه أنفَعُ شىء للبدن، فإنه لم يكن يُطيل أكمامه، ويُوسِعُها، بل كانت كُمُّ قميصه إلى الرُّسْغ لا يُجاوز اليد، فتشق على لابسها، وكان ذيلُ قميصه وإزاره إلى أنصاف الساقين لم يتجاوز الكعبين، ولم تكن عِمامته بالكبيرة التى يؤذى الرأس حملُها، ولا بالصغيرة التى تقصرُ عن وقاية الرأس من الحر والبرد ؛ بل وَسَطاً بين ذلك،


3-وكان يلبسُ الخِفاف فى السفر دائماً، أو أغلب أحواله لِحاجة الرِّجلين إلى ما يقيهما من الحر والبرد، وفى الحَضَر أحياناً.
4-وكان أحبُّ ألوان الثياب إليه البياضَ، والحِبَرَة، وهى: البرود المحبَّرة.
5-ولم يكن مِن هَدْيه لُبس الأحمر، ولا الأسود، ولا المصبَّغ، ولا المصقول
6-وأما الحُلَّة الحمراء التى لبسها، فهى الرداءُ اليمانىُّ الذى فيه سوادٌ وحُمرة وبياض، كالحُلَّةِ الخضراء، فقد لبس هذه وهذه، وقد تقدَّم تقريرُ ذلك، وتغليطُ مَن زعم أنه لبس الأحمر القانى بما فيه كفاية.



: فى تدبيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمر المسكن
1-لمَّا علم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه على ظهرِ سيرٍ، وأن الدنيا مرحلةُ مسافرٍ ينزلُ فيها مُدَّة عمره، ثم ينتقلُ عنها إلى الآخرة، لم يكن من هَديه وهَدى أصحابه ومن تبعه الاعتناءُ بالمساكن وتشييدها، وتعليتها وزَخرفتها وتوسِيعها، بل كانت من أحسن منازل المسافر تقى الحر والبرد، وتسترُ عن العيون، وتمنعُ من ولوج الدوابِّ، ولا يُخاف سقوطُها لفرطِ ثقلها، ولا تُعشش فيها الهوام لِسعتها ولا تعتَوِرُ عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها،


: فى تدبيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمر النوم واليقظة
1-، فإنه كان ينام أوَّلَ الليل، ويستيقظ فى أول النصف الثانى، فيقومُ ويَستاك، ويتوضأ ويُصَلِّى ما كتبَ اللهُ له، 2- وكان يفعلُه على أكمل الوجوه، فينامُ إذا دعتْه الحاجةُ إلى النوم على شِقِّه الأيمن، ذاكراً الله حتى تغلبه عيناه، غيرَ ممتلئ البدنِ من الطعام والشراب، ولا مباشرٍ بجنبه الأرضَ، ولا متخذٍ للفُرش المرتفعة، بل له ضِجَاع من أُدم حشوهُ ليف، وكان يَضطجع على الوِسادة، ويضع يده تحت خدِّه أحياناً.




3-فى "سننه" من حديث أبى هريرة، قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان أحدكم فى الشَّمْسِ فَقَلَصَ عنه الظِّلُّ، فصار بَعْضُهُ فى الشَّمْسِ وبَعْضُهُ فى الظِّل، فَلْيَقُمْ".



4-وفى "سنن ابن ماجه" وغيره من حديث بُريدَةَ بن الحُصَيب، "أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أنْ يقعُدَ الرَّجُلُ بين الظِّلِّ والشمس"، وهذا تنبيه على منع النوم بينهما.
5-وفى "الصحيحين" عن البَرَاء بن عازِبٍ، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فتوضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاة، ثم اضطَّجِعْ على شِقِّكَ الأيمنِ، ثم قل: اللهُمَّ إنِّى أسْلمتُ نَفْسِى إليكَ، ووَجَّهْتُ وجْهىِ إليكَ، وفَوَّضْتُ أمرى إليكَ، وألجأْتُ ظَهْرى إليكَ، رَغبةً ورَهبةً إليكَ، لا ملجأَ ولا مَنْجا منك إلاَّ إليكَ، آمَنتُ بكتابِكَ الذى أنْزَلْتَ، ونبيِّكَ الذى أرْسلتَ. واجعلْهُنَّ آخر كلامِكَ، فإن مِتَّ مِن ليلتِك، مِتَّ على الفِطْرة".
6-وفى "صحيح البخارى" عن عائشة أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "كان إذا صلَّى ركعتى الفجرِ يعنى سُنَّتَها اضْطَّجَعَ على شِقِّه الأيمنِ".



وأمَّا هَدْيُه فى يقظته،

1- فكان يَستيقظ إذا صاح الصَّارخُ وهو الدِّيك، فيحمَدُ اللهَ تعالى ويُكبِّره، ويُهلِّله ويدعوه، ثم يَستاك، ثم يقوم إلى وضُوئه، ثم يَقِفُ للصلاة بين يَدَى ربه، مُناجياً له بكلامه، مُثنياً عليه، راجياً له، راغباً راهباً، فأىُّ حفظٍ لصحةِ القلب والبدن، والرُّوح والقُوَى، ولنعيم الدنيا والآخرة فوقَ هذا.



وأمَّا تدبيرُ الحركة والسكون، وهو الرياضة، فنذكرُ منها فصلاً يُعلم منه مطابقةُ هَدْيِه فى ذلك لأكملِ أنواعِه وأحمدِها وأصوبِها، فنقول:
2-ولا رَيْبَ أنَّ الصلاة ، ومن أنشط شىء للبدن والروح والقلب، كما فى "الصحيحين" عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: "يَعقِدُ الشَّيْطَانُ على قافِيَةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يَضربُ على كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طويلٌ، فارقُدْ، فإنْ هو استيقَظ، فذكَرَ اللهَ انحلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ، انحلَّتْ عُقْدَةٌ ثانيةٌ، فإنْ صَلَّى انحلَّتْ عُقْدُهُ كُلُّهَا، فأصبحَ نشيطاً طَيِّبَ النفْسِ، وإلاَّ أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ".



[فى الجِماع والباه وهَدْى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه]
1-وأما الجِماعُ والباهُ، فكان هَدْيُه فيه أكملَ هَدْىٍ، يحفَظ به الصحة، وتتمُّ به اللَّذةُ وسرور النفس، ويحصل به مقاصدُه التى وُضع لأجلها، فإن الجِمَاع وُضِعَ فى الأصل لثلاثة أُمور هى مقاصدُه الأصلية:
أحدها: حفظُ النسل، الثانى: إخراجُ الماء الذى يضر احتباسُه واحتقانُه بجملة البدن.
الثالث: قضاءُ الوَطر، ونيلُ اللَّذة، والتمتعُ بالنعمة، وهذه وحدَها هى الفائدةُ التى فى الجنَّة، إذ لا تناسُلَ هناك، ولا احتقانَ يستفرِغُه الإنزالُ.



2- ولذلك كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعاهدُه ويُحبُه، ويقول: "حُبِّبَ إلىَّ مِن دُنْيَاكُمُ: النِّسَاءُ والطِّيبُ". وفى رواية: "أصبرُ عن الطعام والشراب، ولا أصبرُ عنهنَّ".
3-وحثَّ على التزويج أُمَّته، فقال: "تَزَوَّجوا، فإنِّى مُكاثرٌ بِكُمُ الأُمَمَ".
4-وقال ابن عباس: خيرُ هذه الأُمة أكثرُها نِساءً.
5-وقال: "إنِّى أتزوَّجُ النساءَ، وأنامُ وأقومُ، وأَصُومُ وأُفطِرُ، فمن رَغِبَ عن سُنَّتى فليس منِّى".
6-وقال: "يا معشرَ الشبابِ ؛ مَن استطاعَ منكم الباءَةَ فلْيَتَزَوَّجْ، فإنه أغضُّ للبصرِ، وأحْفَظُ للْفِرْج، ومَن لم يستطعْ، فعليه بالصومِ، فإنه له وِجاءٌ"
7-ولما تزوج جابر ثيِّباً قال له: "هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ".
8-وروى ابن ماجه فى "سننه" من حديث أنس بن مالك قال، قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن أراد أنْ يَلْقَى اللهَ طاهراً مُطَهَّراً، فَلْيَتَزَوَّج الحَرَائِرَ".وفى "سننه" أيضاً من حديث ابن عباس يرفعه، قال: "لم نَرَ للمُتَحابَّيْن مِثْلَ النِّكاحِ".
9-وفى "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدُّنيا مَتَاعٌ، وخَيْرُ متاع الدُّنْيا المرأةُ الصَّالِحَةُ".
10-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحرِّض أُمته على نكاح الأبكار الحسان، وذواتِ الدين، وفى "سنن النسائى" عن أبى هريرةَ قال: سُئل رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أىُّ النساءِ خير ؟ قال: "التى تَسُرُّهُ إذا نَظَرَ، وتُطِيعُهُ إذا أَمَرَ، ولا تُخَالِفُه فيما يَكَرَهُ فى نفسِها ومالِهِ ".
11-وفى "الصحيحين" عنه، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "تُنكَحُ المرأةُ لمالِها، ولِحَسَبِها، ولِجَمَالِها، ولِدِينِهَا، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّين، تَرِبَتْ يَدَاكَ".
12-وكان يَحثُّ على نكاح الوَلُود، وَيَكرهُ المرأة التى لا تلد، كما فى "سنن أبى داودَ" عن مَعْقِل بن يَسار، أنَّ رجلاً جاء إلى النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنى أصَبتُ امرأةً ذاتَ حَسَبٍ وجمالٍ، وإنَّها لاَ تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُها ؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانيةَ، فَنَهَاه، ثم أتاه الثالثةَ، فقال: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فإنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمْ".
13-وفى "الترمذى" عنه مرفوعاً: "أَرْبَعٌ من سُنن المُرْسَلِينَ: النِّكاحُ، والسِّواكُ، والتَّعَطُّرُ والحِنَّاءُ".


: الصواب: أنه الخِتَان

14-وممَّا ينبغى تقديُمُه على الجِماع ملاعبةُ المرأة، وتقبيلُها، ومصُّ لِسانها، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُلاعبُ أهله، ويُقَبلُها
15-وروى أبو داود فى "سننه": أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان يُقبِّلُ عائشةَ، ويمصُّ لِسَانَها".
16-ويُذكر عن جابر بن عبد الله قال: "نَهَى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المُواقعةِ قبلَ المُلاَعَبَةِ".
17-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما جامع نساءَه كُلَّهن بغُسل واحد، وربما اغتَسَلَ عند كل واحدة منهن، فروى 18-مسلم فى "صحيحه" عن أنس أنَّ النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَطوفُ على نسائه بغُسْلٍ واحد.
19-وروى أبو داود فى "سننه" عن أبي رافع مولَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه فى ليلة، فاغتَسَلَ عند كلِّ امرأةٍ منهنَّ غُسلاً، فقلتُ: يا رسول الله ؛ لو اغتسلتَ غُسلاً واحداً، فقال: "هذا أزكى وأطْهَرُ وأطْيَبُ".
20-وشُرع للمُجامِع إذا أراد العَودَ قبل الغُسل الوضوء بين الجِمَاعَيْن، كما روى مسلم فى "صحيحه" من حديث أبى سعيد الخدرىِّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتى أحدُكُم أَهْلَهُ، ثم أرادَ أن يعودَ فلْيَتَوَضأ".




21-. وقالت عائشةُ للنبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيْتَ لو مَرَرْتَ بشجرةٍ قد أُرْتِعَ فيها، وشجرةٍ لم يُرْتَعْ فيها، ففى أيِّهما كنتَ تُرتِعُ بعيرَك ؟ قال: "فى التى لم يُرْتَعْ فيها". تريد أنه لم يأخذ بكراً غيرَها.
22-، وجِماعُ الحائض حرامٌ طبعاً وشرعاً،


23-وأحسنُ أشكالِ الجِماع أن يعلوَ الرجلُ المرأةَ، مُستفرِشاً لها بعدَ المُلاعبة والقُبلة، وبهذا سُميت المرأة فِراشاً، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الولَدُ لِلفِراش"، وهذا من تمام قَوَّامية الرجل على المرأة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، وكما قيل:
إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشَاً يُقِلُّنِى ... وَعِنْدَ فَرَاغِى خَادِمٌ يَتَمَلَّقُ
وقد قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187]،


24- وكانت قريش والأنصار تَشْرَحُ النِّساءَ على أقْفَائِهن، فعابَتِ اليهودُ عليهم ذلك، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
25-وفى "الصحيحين" عن جابر، قال: كانت اليهود تقولُ: إذا أتى الرجلُ امرأتَه من دُبُرِها فى قُبُلِها، كان الولدُ أَحوَلَ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
وفى لفظ لمسلم: "إن شاء مُجَبِّيَة، وإن شاء غير مُجَيِّبَة، غَيْرَ أنَّ ذلك فى صِمِامٍ واحدٍ


و"المُجَبِّية": المُنْكَبَّة على وجهها، و"الصمام الواحد": الفَرْج، وهو موضع الحرْثِ والولد.
26-وأما الدُّبرُ: فلم يُبَحْ قَطُّ على لسان نبىٍّ من الأنبياء، ومَن نسب إلى بعض السَّلَف إباحة وطء الزوجة فى دُبُرها، فقد غلط عليه.
27-وفى "سنن أبى داود" عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ملعونٌ مَن أتى المرأةَ فى دُبُرِها".
28-وفى لفظ لأحمد وابن ماجه: "لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ جَامَعَ امرأتَه فى دُبُرِها".
29-وفى لفظ للترمذى وأحمد: " مَن أتى حائضاً، أو امرأةً فى دُبُرِها، أوْ كاهناً فَصَدَّقَهُ، فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
30-وفى لفظ للبيهقى: "مَنْ أتى شيئاً مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ فى الأدبار فقد كفر".
31-وفى " : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيى من الحقِّ، لا تأتُوا النِّسَاءَ فى أعجازِهِنَّ"، وقال مَرَّة: "فى أدبارِهِنَّ".


32-وفى "الترمذى": عن على بن طَلْق، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تأتوا النِّسَاءَ فى أعجازِهِنَّ، فإن الله لا يستحى من الحقِّ".
33-، قال: سُئِل قتادة عن الذى يأتى امرأته فى دُبُرِها ؛ فقال ، أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تلك اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى".


34-وفى "المسند" أيضاً: عن ابن عباس: أنزلت هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223] فى أُناسٍ من الأنصار، أتَوْا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألوه، فقال: "ائْتِها على كُلِّ حال إذا كان فى الفَرْج".
35-وفى "المسند" أيضاً: عن ابن عباس، قال: جاء عمرُ بنُ الخطاب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله: هلكتُ. فقال: "وما الذى أهلكَكَ" ؟ قال: حَوَّلْتُ رَحْلى البارِحَةَ، قال: فلم يَرُدَّ عليه شيئاً، فأوحى الله إلى رسوله: {نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَقْبِلْ وأَدْبِرْ، واتَّقِ الحَيْضَةَ والدُّبُرَ".
36-وفى "الترمذى": عن ابن عباس مرفوعاً: "لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ أتى رَجُلاً أو امرأةً فى الدُّبُرِ".
37- قال: "مَلْعُونٌ مَن يأتى النِّسَاءَ فى محاشِّهِنَّ" ؛ يعنى: أدْبَارِهِنَّ.
وذكر أبو نعيم الأصبهاني، من حديث خزيمة بن ثابت يرفعه، "إنَّ الله لا يَسْتَحي مِنَ الحَق، لا تأتوا النِّساَء في أَعْجاَزِهِنَّ".
38-وقال الشافعي: ، عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح، عن خزيمة ، أن رجلا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: "حلال"، فلما ولى، دعاه فقال: "كيف قُلتَ، في أيِّ الخُرْبَتَينِ، أو في أي الخَرْزَتَينِ، أو في أيِّ الخَصْفَتَينِ أمنْ دُبُرهاَ في قُبُلهَا ؟ فَنَعَم. أم مِنْ دُبُرِهاَ في دُبُرِهاَ، فلا، إنَّ الله لا يَسْتَحيِي مِنَ الحَق، لا تأتوا النِّساَء في أَدبارهِنَّ".



39-قلت: ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبر طريقاً إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع "من" ب "في" ولم يظن بينهما فرقاً، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه.
وقد قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] قال مجاهد: سألتُ ابن عَبَّاس عن قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222]، فقال: تأتيها من حيث أمرت أن تعتزلها يعني في الحيض. وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول: في الفرج، ولا تعدُه إلى غيره.
40-وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دُبرها من وجهين: أحدهما: أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد لا في الحُشّ الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] الآية قال: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وإتيانُها في قبلها مِن دبرها مستفادٌ


من الآية أيضا، لأنه قال: أنى شئتم، أي: من أين شئتم من أمام أو من خلف. قال ابن عباس: فأتوا حرثكم، يعني: الفرج.



: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حفظ الصحة بالطيب
1-وفى "صحيح البخارى": أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يَرُدُّ الطِّيبَ.
2-وفى "صحيح مسلم" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عُرِضَ عليه رَيْحانٌ، فلا يَرُدَّهُ فإنه طَيِّبُ الرِّيح، خَفِيفُ المَحْمِلِ".


3-وفى "سنن أبى داود" و"النسائي"، عن أبى هريرةَ رضى الله عنه، عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَن عُرِضَ عَلَيهِ طِيبٌ، فَلا يَرُدَّهُ، فَإنَّهُ خَفِيفُ المَحْمِلِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ".
4-وفى "مسند البزَّار": عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا أفْنَاءَكُم وسَاحَاتِكُم، ولا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ يَجْمَعُون الأكُبَّ فى دُورِهِمْ ". الأكُب: الزبالة.
5-وذكر ابن أبى شيبة، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لَهُ سُكَّةٌ يَتَطَيَّب منها.
6-وصَحَّ عنه أنه قال: "إنَّ للهِ حَقّاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِى كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ، وَإنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ".
وفى الطيب من الخاصية، أنَّ الملائكة تُحبه، والشياطين تنفِرُ عنه، وأحبُّ شيءٍ إلى الشياطين الرائحةُ المنتنة الكريهة،


فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حفظ صحة العَيْن
1-روى أبو داود فى "سننه": أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بالإِثْمِدِ المُروَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وقال: "ليتَّقِهِ الصَّائِمُ". قال أبو عبيد: المروَّح: المطيَّب بالمسك.
2-وفى "سنن ابن ماجه" وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كانت للنبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنها ثلاثاً فى كُلِّ عَيْنٍ.
3-وفى "الترمذي": عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اكتحَلَ يجعلُ فى اليمنَى ثلاثاً، يبتدىء بها، ويختم بها، وفى اليُسْرى ثنتين.


4-وقد روى أبو داود عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اكْتَحَلَ فلْيُوتِرْ"

-5وفى "سنن ابن ماجه" عن سالم، عن أبيه يرفعه: "عَلَيْكُم بالإثْمِدِ، فإنَّهُ يَجْلُو البَصَر، ويُنْبِتُ الشَّعرَ".
وفى رواية : "فإنه مَنْبَتَةٌ للشَّعر، مذهبة للقذَى، مصْفاة للبصر".


6-وفى "سنن ابن ماجه" أيضاً: عن ابن عباس رضى الله عنهما يرفعه: "خيرُ أكْحالِكم الإثمد، يجلُو البَصَرَ، ويُنبت الشَّعرَ".





: فى ذكر شىء من الأدوية والأغذية المفردة التى جاءت على لسانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتبة على حروف

1-إثْمِدٌ: هو حجر الكحل الأسود، يُؤْتَى به من أصبِهانَ، وهو أفضلُه، ويؤتَى به من جهة المغرب أيضاً، وأجودُه السريعُ التفتيتِ الذى لفُتاته بصيصٌ، وداخلُه أملسُ ليس فيه شىء من الأوساخ.



2-أُتْرُج: ثبت فى "الصحيح": عن النبىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "مَثَلُ المؤمن الذى يقرأ القرآن، كمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، طعْمُها طَيِّبٌ، وريحُها طَيِّبٌ".

بَصَلٌ: روى أبو داودَ فى "سننه": عن عائشةَ رضى الله عنها، أنها سُئِلَتْ عن البصل، فقالت: "إنَّ آخرَ طعام أكلَهُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان فيه بَصَلٌ".



2-وثبت عنه فى "الصحيحين": "أنه منع آكِلَه من دُخُولِ المَسْجِدِ".
3- وفى السنن: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أمَرَ آكِلَه وآكِلَ الثُّومِ أن يُميتَهُما طبخاً".



تَمْرٌ: 1-ثبت فى "الصحيح" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَراتٍ" وفى لفظٍ: "مِن تَمْر العَاليةلم يَضُرَّه ذلك اليَوْمَ سُمٌ ولا سِحْرٌ".
2-وثبت عَنه أنه قال: "بيتٌ لا تَمْرَ فيه جِيَاعٌ أهْلُهُ".
3-وثبتَ عنه أنه أكل التَّمرَ بالزُّبدِ، وأكل التَمْرَ بالخبز، وأكله مفرداً.



سِوَاكٌ:

1- فى "الصحيحين" عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلا أن أَشُقَّ على أُمَّتى لأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عند كُلِّ صلاةٍ ".
2-وفيهما: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قامَ من اللَّيل يَشُوصُ فَاهُ بالسِّوَاكِ.
3-وفى "صحيح البخارى" تعليقاً عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ".
4-وفى "صحيح مسلم": أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دَخَلَ بيته، بدأ بِالسِّوَاكِ.
5-، وصَحَّ عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبى بكر، وصَحَّ عنه أنه قال: "أكْثَرْتُ عَلَيْكُم فى السِّوَاكِ".
وأصلح ما اتُخِذَ السِّواكُ من خشب الأراك ونحوه


وقال البخارىُّ: قال ابن عمرَ: يستاكُ أول النَّهار وآخره.
وأجمع الناسُ على أنَّ الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً، والمضمضةُ


امراض العيون

1-كمأة: ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" ، أخرجاه في "الصحيحين".
والكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع، وسميت كمأة لاستتارها، ومنه كمأ الشهادة: إذا سترها وأخفاها، والكمأة مخفية تحت الأرض لا ورق لها، ولا ساق، ومادتها من جوهر أرضي بخاري محتقن في الأرض نحو سطحها يحتقن ببرد الشتاء، وتنميه أمطار الربيع، فيتولد ويندفع نحو سطح الأرض متجسداً، ولذلك يقال لها: جدري الأرض، تشبيهاً بالجدري في صورته ومادته، لأن مادته رطوبة دموية، فتندفع




عند سن الترعرع في الغالب، وفي ابتداء استيلاء الحرارة، ونماء القوة.
وهي مما يوجد في الربيع، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً، وتسميها العرب: نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته، وتنفطر عنها الأرض، وهي من أطعمة أهل البوادي، وتكثر بأرض العرب، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء.
وهي أصناف: منها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة يحدث الاختناق.
ومن أكلها فليدفنها فى الطين الرَّطب، ويَسلِقها بالماء والملح والصَّعْتر، ويأكلها بالزيت والتوابِل الحارَّة، لأن جوهرها أرضى غليظ، وغِذاءها ردىء، لكن فيها جوهر مائى لطيف يدل على خفتها، والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرَّمد الحار، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأنَّ ماءها يجلو العَيْن. وممن ذكره المسيحىُّ، وصاحب القانون، وغيرهما.
3-وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الكَمْأَة من المَنِّ"، فيه قولان:
أحدهما: أنَّ المنَّ الذى أُنزل على بنى إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط، بل أشياءُ كثيرة مَنَّ الله عليهم بها من النبات الذى يُوجد عفواً من غير صنعة ولا عِلاج ولاحرث،




4-وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الكمأة: "وماؤها شفاء للعَيْنِ" فيه ثلاثة أقوال:



أحدها: أنَّ ماءَها يُخلَط فى الأدوية التى يُعالَج بها العَيْنُ، لا أنه يُستعمل وحده، ذكره أبو عُبيد.
الثانى: أنه يُستعمل بحْتاً بعد شَيِّها، واستقطار مائها، لأنَّ النار تُلطِّفه وتُنضجه، وتُذِيبُ فضلاتِه ورطوبتَه المؤذية، وتُبقى المنافع.
الثالث: أنَّ المراد بمائها الماءُ الذى يحدث به من المطر، وهو أولُ قَطْر ينزل إلى الأرض، فتكون الإضافة إضافةَ اقتران، لا إضافة جزء، ذكره ابن الجوزى، وهو أبعدُ الوجوه وأضعفها.
وقيل: إن استُعمل ماؤها لتبريد ما فى العَيْن، فماؤها مجرَّداً شفاء، وإن كان لغير ذلك، فمركَّب مع غيره.
وقال الغافقى: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعَيْن إذا عُجِنَ به الإثمِد واكتُحِلَ به، ويُقوِّى أجفانها، ويزيدُ الروحَ الباصرة قوةً وحِدَّة، ويدفع عنها نزول النوازل.
كَبَاثٌ: فى "الصحيحين": من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه، قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْنِى الكَباثَ، فقال:
"عليكم بالأسْوَدِ مِنْهُ، فإنَّه أطْيَبُه".



واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:02 PM.