محمد صفوت
31-08-2006, 07:07 PM
الحوار مع "د. نبيل فاروق" يتخذ طعما مختلفا في كل مرة، ففي كل حوار ستجد لديه الجديد، لأنه من هواة الدخول في مناطق مختلفة بين الحين والآخر.. مؤخرا تحقق حلمه الذي تأجل لسنوات طويلة وظهر أول مسلسل درامي كتب له هو المعالجة والحوار، وفي الطريق أربعة أفلام سينمائية يراهن هو عليها بأنها ستكون مختلفة عن السينما السائدة في السوق السينمائية..
مسلسل العميل 1001 لاقى نجاحا معقولا قياسا بكونه عرض في قناتين فضائيتين فقط، ويأمل "د. نبيل فاروق" أن يلقى المسلسل رواجا أكبر عندما يتم عرضه في القنوات الأرضية المصرية.
في هذا الحوار الذي يمكن أن نصفه بالساخن جاءت إجابات "د. نبيل فاروق" منمقة جدا وشديدة التهذيب، إلا أنها في ذات الوقت كانت تحمل صراحة شديدة واضحة لكل من سيقرأ السطور القادمة..
اتفضلوا معانا..
العميل 1001 لا علاقة له برأفت الهجان.. وأتحدى!
كان لابد أن نستفتح بـ"العميل 1001" الذي أعطاه الكثيرون تقدير جيد لكنهم قالوا في ذات الوقت إنه يحمل روح "رأفت الهجان"، خاصة فيما يتعلق بفكرة رزع العميل ووجود ضابط مخابرات يتبنى ويرعى هذا العميل..
اذن فكل عمليات زرع العميل منذ قيصرية روسيا وحتى أبد الآبدين ستتشابه فأنت كأنك تقول إن هذه القصة مأخوذة من روميو وجوليت لأن بها حالة حب!!
وكل عمليات المخابرات في التاريخ تقوم على أن هناك ضابط مخابرات نبتت في مخه فكرة، ثم بدأ في تنفيذها ثم نجح في تنفيذها.
خطوات زرع العميل في أي جهاز مخابرات ثابتة، هذا تكنيك وعلم المخابرات ليس عشوائيا إذا كان الشطرنج علما، فبالتالي عملية زرع العميل علم، فلو قرأت عملية زرع "إيلي كوهين" -الجاسوس الإسرائيلي في سوريا- ستجدها نفس الوضع تماما مثل أدوار الشطرنج كل الناس يعرفون كيف تتحرك كل قطعة لكن هل هناك دوران متماثلان؟؟ لا تستطيع أن تقول إن هذا الدور مثل ذلك لأن الملك اتحرك نفس الحركة ولا تستطيع أن تقول إن هذا الدور يحمل روح الدور السابق بسبب وجود الملك!!
قد يكون سبب الأزمة عند الناس أننا نأخذ "رأفت الهجان" كمرجعية لكل مسلسلات المخابرات؟؟
أين؟؟ لا يوجد تشابه.. هل لفكرة العميل؟؟ إن هناك ضابط مخابرات؟؟ في المسلسلين يوجد ضباط مخابرات فلو أخرجنا ضابط المخابرات من هذا ومن ذاك وأخرجنا زرع العميل من الاثنين سنجد أنفسنا لسنا أمام مسلسل مخابرات فلو أردناه مسلسلا اجتماعيا لا يوجد مشكلة أما لو مسلسل مخابرات فلابد من وجود ضابط المخابرات وعميل ولو ذهبنا إلى دموع في عيون وقحة سنجد ضابط المخابرات "صلاح قابيل" والعميل "عادل إمام" فلا يوجد أي مسلسل على مدى التاريخ لا يوجد به ضابط مخابرات وعميل.
أنا أكتب لربات البيوت.. وليس للمثقفين فقط!
الجزء الأول في المسلسل المرتبط بفكرة زرع البطل في داخل المجتمع اليهودي بالإسكندرية كان مميزا، لكن البعض قال إن هناك خطابية زاعقة بعض الشيء، خاصة مع الإلحاح في ذكر كلمة مصر في معظم المشاهد.
أنت تقدم مسلسلا تشاهده سيدات بيوت وشباب ومثقفين وغير مثقفين، حين نعمل سينما لا توجد خطابية أما التليفزيون فأنت لا تقدم المسلسل لطبقة مثقفة ولكن أنت أيضا تخاطب ربة بيت جلست لتشاهد المسلسل بعد انتهائها من الطبيخ.. أنا أقدم عملا لأهل البيت وليس للمثقفين فقط.
أما بخصوص تكرار كلمة مصر أكثر من مرة فقد كان مقصودا لأن فترة الستينيات التي يدور فيها المسلسل كانت هكذا، وكنا نعيش طول الليل والنهار في ظل كلمة مصر والقومية العربية والوطن الأكبر وأنا أكتب مسلسلا عن هذه الفترة لابد وأن أتقمص روح الستينيات وألا أكون كاتبا فاشلا فلا يمكن أن أكتب للستينيات بروح التسعينيات أو الألفينات.
والذي يرفض تكرار كلمة "مصر" هو ذلك الشباب المتمرد فكلمة مصر الآن ابتذل معناها، لكنها في الستينيات كانت كلمة كبيرة ترج، وكونها قد فقدت معناها فهي كارثة ومصيبة، فكأنك عايش في بيت لكنك لا تشعر بقيمة هذا البيت.
أنا اتولدت لأجد كلمة مصر لها معناها وأحزن حين أشعر أننا لا نريد من إكثار الكلام عنها فأنا أحبها جدا وكل غضبي منها خوف عليها.. أنت فقدت رونق الكلمة وهذه هي المشكلة.
نحن نزرع عميلا في إسرائيل.. وليس حبة قمح!
هناك من قال إن الحلقات الأولى كانت تعاني من مط وتطويل؟؟
بالفعل كان إيقاعها بطيئا وهذا يرجع لسببين.. الأول أن المشاهد كان يتم عمل تطويل لها أزيد من اللازم فالمشاهد المكتوبة في السيناريو كانت قصيرة إلا أنه عند تنفيذها كان يتم عمل مقدمة ونهاية لها مما أثر على إيقاع المسلسل في حلقاته الأولى.
هذا يبدو أنه نظام إخراجي مرتبط بالدراما التليفزيونية ولهذا أنا بعد هذه التجربة الدرامية أميل للسينما فأنا أميل أكثر للإيقاع السينمائي السريع وتركيزه.
أما السبب الثاني فهو أن أعمال المخابرات عادة تحتاج إلى إيقاع هادئ في البداية لأن هناك تفاصيل كثيرة لابد أن تعرفها قبل الدخول في العملية وإذا فاتتك التفاصيل لن تستوعب بناء الأحداث بعد ذلك، ثم إنها عملية زرع عميل في قلب إسرائيل وليس زرع حبة قمح في أرض زراعية! المسألة ليست سهلة فهي أشبه بحالة سلخ شخص من مجتمع الى مجتمع آخر وكل هذا لابد أن يتم تمهيده للمشاهد ولو أسرعت الخطى في المرحلة الأولى سيتساءل المشاهد لماذا ضحى بمستقبله وخطيبته.
هل هذا أول سيناريو تكتبه؟؟
أول سيناريو دراما تليفزيونية.. لكني لدي أربعة أعمال أخرى كتبتها للسينما.. أحدهم "العراف" لـ"عمرو دياب" وهو أيضا عن أعمال المخابرات، وعمل آخر أكشن لم يحدد له اسم بعد لـ"أحمد عز" و"خالد صالح" من المحتمل أن يعرض في الصيف القادم إن شاء الله، وثالث هو "أوراق بطل" عن قصة رجل المستحيل لـ"أحمد عز" أيضا، والرابع مع "مصطفى شعبان" بعنوان "الفارس".
أما بخصوص الدراما التليفزيونية فهناك مشروع الآن يجري الإعداد له مع المخرج "أحمد صقر" وهو مخابرات أيضا ولكنه مخابرات حديثة تدور أحداثه في عام 2006 عن الجاسوسية التي تحدث في الوقت الحالي والفكرة جديدة تماما.
ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك أمنيا؟؟
لا بد أن يعرف الناس أن الجاسوسية لا تزال موجودة ومشكلة الناس أنهم يخلطون بين الوسيلة والهدف فالناس يتصورون أن تطور الوسائل تسبب في إلغاء الجاسوسية وهذا طبعا غير صحيح فتطور الوسائل غير وسائل الجاسوسية مثل أي شيء فالمواصلات تطورت لكن لا تزال موجودة. الوسيلة ممكن أن تتغير لكن الجاسوسية مازالت مطلوبة بغض النظر عن وجود أقمار صناعية وما شابه لكن الذي تطور فعلا هو وسائل نقل المعلومات إنما الحصول على المعلومة لا يزال يتم من خلال البشر، فأنا إذا أردت معرفة الذي يدور في أعماقك بشأن أمر ما فلا أستطيع تصويره بالقمر الصناعي وإنما أنا في حاجة إلى جاسوس بشري وهو ما نوضحه في المسلسل.. إن الجاسوسية كانت وستظل.
لم أطالب الشباب بمقاطعة إصدارات المؤسسة..
أنا قانوني!
بعيدا عن المسلسل بعد أن قامت المؤسسة العربية الحديثة بنشر الإعلان الذي يؤكدون فيه أن مؤلفاتك ملك لهم هم فقط، كتبت أنت مقالا ساخنا في الدستور ذكرنا بمقال "محمد عباس" "من يبايعني على الموت" أثناء أزمة "وليمة لأعشاب البحر"، فيما يبدو أنك كنت منفعلا جدا، خاصة أنك طالبت الشباب بمقاطعة إصدارات المؤسسة؟
لا لم أطالب الشباب بأن يقاطعوا المؤسسة، هناك فارق كبير فأنا قانوني في كتابتي أنا قلت إني أنا شخصيا سأقاطع.. طبيعي أن أنفعل فأنا علاقتي بهم انتهت وتعاقدت مع جهة أخرى وكل ما فعلوه محاولة لمنعي من التعاقد ومحاولة لإرهاب الجهات الأخرى لمنعي من التعاقد وهو ما استفزني بشدة فأنا لا علاقة بيني وبينك فلماذا تحاربني؟؟ المشكلة أن صاحب المال دائما يرى في نفسه القوة متصورا أن طغيان المال يعطيك القوة والحق ولذلك فهو عمل إعلان مدفوع الأجر حتى يدخل معي حرب فلوس فكان طبيعيا أن أكون منفعلا خاصة في لحظتها.
لكن ضمنيا أنت طالبت الشباب بمقاطعة إصدارات المؤسسة؟؟ هل كنت تقصد هذا فعلا؟
الضمنيات يفهمها من يريد لكن أنا لم أقل هذا، وسواء كنت أقصده أو لا أقصده في النهاية حين تكتب حتى مع انفعالك لابد أن تراعي أسسا معينة، وأنا صحفي منذ 21 سنة فلن أخطئ الآن. والمؤسسة رفعت عليّ قضية سب وقذف لكن قانونا السب والقذف غير موجودين فيما كتبت، هناك قواعد وهم أحرار والفكرة الآن أني آخذ منهم أشياء بملايين فيريدون الانتقام مني والآن أصبحت حربا شرسة لكي يمنعوني من التعاقد. أخذوا حقوقي وأنا لم أعد أفهم كيف يدور هذا العالم لمجرد أني أطالب بحقي فقط والقاعدة في مصر أن الأكثر ثراء عليه أن يمنحك الحق وليس لك الحق في أن تطلب حقك!! هو يمنحك ما يشاء وهذا هو الفكر المملوكي.
المشكلة كلها حين أرادوا عمل موضوع الإنترنت قلت لهم لا أريد أن أعمله مع المؤسسة ولكن خارجها وهذا حقي.
هناك حقوق تؤخذ ولا تعطى، الحق القانوني يؤخذ ولا يعطى والحق الأدبي يعطى ولا يؤخذ، لكن أحيانا المال يعطي الناس إحساسا بالطغيان. أنا معي أموال إذن آخذ كل الحقوق وإذا أعطيتك حقوقا فهذا مجاملة مني فكل ما حدث أني رفضت فقط.
وما الموقف الآن؟؟ ومادامت الأمور واضحة لماذا لم تحسم القضية بعد؟؟
وصلنا لقضايا ومحاكم، ولكن أنا يحميني قانون حماية المؤلف، والمشكلة أن هذا هو حال القضاء في مصر، بعض الدول فيها مرحلة ما قبل التقاضي، القانون فيها يفصل ما إذا كانت هذه قضية أم لا، لينتهي الموضوع أما عندنا فلا يوجد هذا النظام ولذلك تجد المحاكم لدينا مكدسة بقضايا نصفها غير قانوني وقد تجد أن المحكمة بعد ذلك ترفض الدعوى لعدم الاختصاص، فالمفترض أن عدم الاختصاص يتم حسمه من أول ثانية وأنا أرفع الدعوى توجد لجنة لتقول إن هذا ليس اختصاص هذه المحكمة وإنما اختصاص محكمة القضاء الإداري على سبيل المثال، ولكن المشكلة في عدم وجود خطوط واضحة فلدينا محاكم كثيرة جدا.. محكمة جنح وجنايات وقضاء إداري وإلخ..
لكن على كل الأحوال مؤسسة النشر الأخرى لديها مستشارون قانونيون وتعرف أن موقفي سليم، وبدأنا التعاون بالفعل وستجد في معرض الكتاب القادم إن شاء الله سلاسل "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" و"كوكتيل 2000".
أنا.. والدكتور أحمد خالد توفيق..
بعد تخاصمك القانوني مع المؤسسة كتب "د. أحمد خالد توفيق" مقالا فهمه البعض أنه ضد تصرفك مع المؤسسة وقال الخبثاء إن ثمة خلافات بينكما هل هذا صحيح؟
أنا رددت عليه في الدستور بجملتين وقلت له أنا حين دافعت عن حقي دافعت عن حقك فهذا الحق ليس ملكي وحدي فهو حق كل كاتب ومؤلف.
أنا كنت أتمنى ألا يضع "د. أحمد خالد" قلمه في هذا الموضوع لأنه في النهاية يدافع عن ظلم.. يدافع عن حق الناشر في أن ينتهك حقوق المؤلف وهذا ليس لصالحه وهناك حديث شريف يقول "من أعان ظالما سلطه الله عليه" وأنا لم أفعل شيئا سوى أني طالبت بحقي وإذا كان يرى أنه يعارض هذا الموقف فهو حر.
لكن البعض يرى أن العلاقة كانت متوترة حتى من قبل؟؟
لا مطلقا وهو وجد معركة فاختار أحد الجانبين وطبعا اختار الجانب المربح له، ولذلك أنا لم "أزعل منه" لأني أحسست أنه نوع من الانحياز القهري إلى حد ما وإذا كان هذا رأيه فهو حر. وهو يعلم جيدا طريقة تفكيري من زمان حتى حين كان يكتب قصة ينتقد فيها أعمالي كنت أقرؤها مثل الآخرين مطبوعة وأرفض قراءاتها قبل ذلك، فأنا رجل ليبرالي جدا وطول عمري أرى أن الحرية أمر لا جدال فيه وهي حق كل إنسان وأنا أقف بجوار آخرين في قضايا "مش بتاعتي" لمجرد أنهم أصحاب حق.. باقف وباحارب عشانهم والقضية التي أحارب من أجلها هي قضيتي لأول مرة. وأنا أغضب جدا حين أرى إنسانا له حق ويتركه لأني أحس أنه لو كل شخص اتمسك بحقه، الدنيا هتتعدل رغم أنف الكبار لكن المشكلة أننا نخاف جدا وليس لدينا إيمان بأن الرازق في النهاية هو الله -سبحانه وتعالى- وأنه يمنح صاحب الحق حقه.
طلب مني كثيرون أن أرد على ما كتبه "د. أحمد خالد" لكني أشفقت على المهنة من وجود اثنين فيها "يتخانقوا" فأنا حين أختلف مع ناشر فهذا شيء طبيعي والأديب العالمي "نجيب محفوظ" نفسه يمر بنفس أزمتي بالضبط وهذا الخلاف وارد ولذا وُجد القانون لحماية حقوق الكتابة لأن الناشر بقوة ماله يعتقد أنه يأخذ الحقوق لكني لن أدخل في مناظرة مع كاتب، أنا قررت أنه أي خلاف شخصي مع أي كاتب لن أدخل فيه لأني أشعر أنه إهانة للمهنة في حد ذاتها وقد يكون غرورا مني لكني أعتبر مهنة الكاتب من أسمى المهن في أي دولة لأنه مفكر يضع آراء كثيرة ويتأثر بها جيل بأكمله فلا يصح أن يختلف اثنان من الكتاب إلا بشكل محترم وحول مبدأ وهذا من سمات الكاتب المحترم، المبدأ ممكن أما الرأي فلا، فنحن لسنا آلهة ووارد أن نكون على خطأ. والمؤسسة لها أفضال علي ولكن أنا حسبتها بدقة فاكتشفت أني أقهر للتنازل عن حقوقي وأنا لا أقبل مبدأ القهر وطالما وصلنا للقهر فكل ما أفعله دفاعا عن النفس، فأنا أدافع عن حقي وهم يصرون أنه ليس حقي ويصرون على الحصول على هذا الحق وهو ما سيحسمه القانون حتما.
ذات مرة سألتني إحدى الصحف ماذا لو خسرت هذه القضية، قلت لها لا يهمني المكسب أو الخسارة فيكفيني أن أقاتل فأنا أرى أن هذا حقي لذا لابد أن أقاتل في سبيله وهناك ألف وسيلة للمكسب أو الخسارة ووسائل اللعب غير الشريف كثيرة، لكن إذا خسرت هذا الحق في النهاية أكون قاتلت في سبيله ويكون ربنا سبحانه وتعالى يشاء هذا ويكفي أن كل القوانين في العالم تحميني وإذا خسرت هذه القضية سأعتبر أن كل مصر خسرت ليس لأن أنا "نبيل فاروق" ولكن لأن ذلك يعني أن الحق الواضح المؤيد بقوانين واضحة لم يعد له وجود فما بالك بالحقوق الضمنية؟!
وكمحاولة منا لتوضيح كل وجهات النظرسألنا د. أحمد خالد توفيق عن رأيه فقال: "إن كان د. نبيل يهاجمني فربنا يسامحه.. للأسف لا وقت عندي للتعليق على هذه الأمور لأني مشغول بالكتابة في مواضيع أخرى غير نفسي وصراعاتي الشخصية".
انتظروا تطويرات في رجل المستحيل وملف المستقبل
بعيدا عن الخلاف مع المؤسسة هناك من يرى أن سلسلة رجل المستحيل تعاني في أعدادها الأخيرة من إعادة تدوير الفكرة والمواقف والتفاصيل خاصة في الأعداد الأخيرة..
لا يوجد إعادة تدوير الأفكار.. أنا أعاني من شيء غريب.. أنه إذا عملت روايتين عن السفر عبر الزمن يقولون بأنه تشابه أفكار.. هناك فارق بين التيمة وبين معالجة القصة.. المشكلة أننا نخلط بين الاثنين.. أنا كتبت قصة في ملف المستقبل اسمها الاحتلال سنة 1989 بعدها بخمس سنوات عام 1994 ظهر فيلم يوم الاستقلال وفوجئت بأن أحد الصحفيين كتب بأنني سارق قصة هذا الفيلم!
اندهشت جدا.. لماذا لا توجد لدينا ثقة بنفسنا.. هل أي عمل جيد لابد أن يكون مسروقا..
لو كنت تتكلم عن نفسك فهذا أمر طبيعي لأنك كبرت.. هذا لا يعني أن القصص التي أكتبها موجهة لفئة عمرية معينة، لكن منظورك للأمور مختلف.. مع تطور عقليتك لابد أن يتطور تفكيرك واستيعابك للأمور.. وهذا شيء طبيعي ومنطقي.. حتما سيحدث تغيير عندما تكبر خاصة أن إيقاع التغيير في هذا العصر سريع جدا.. فوارد جدا أنه في مرحلة من المراحل أن تمل هذه النوعية من الروايات.. أنا نفسي حين أكتب الآن أكتب بروح مختلفة.. تخطيطي للمرحلة القادمة بأني سأقدم سلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل بشكل مختلف فأنا أحرص أن أحدث تغييرا فيما أكتب كل فترة.. أغير نمط ما أكتب.
دخلت الحزب الوطني.. مجاملة!
ربما لا يعرف كثيرون أنك كنت عضوا في الحزب الوطني لفترة، ثم الآن أصبحت تكتب في اثنتين من أكثر الصحف المعارضة "الدستور"، و"التجمع" كيف حدث هذا التحول؟!
كانت هذه مرحلة غريبة من حياتي، فصديق عمري "حسام عوض" أصبح أمين شباب الحزب، ذات يوم اتصل بي وطلب مني -باعتباري أشهر كاتب للشباب- أن أنضم إلى أمانة الشباب بالحزب لأنه يريد أن يكون حوله ناس يثق بهم، فوجئت بعدها بأسبوعين بأنهم أرسلوا لي "كارنيه" الحزب دون أن أقدم أي أوراق، وأتحدى الحزب الوطني أن يكون لديهم ورقة واحدة عليها إمضائي، بعدها بفترة أصبحت عضوا في الأمانة العامة للحزب الوطني، بالرغم من أني "مش بتاع سياسة خالص"، وكانت الاجتماعات التي أحضرها غاية في الملل وكنت تقريبا لا أمارس نشاطا سوى أني مستشار لـ"حسام عوض" إلى أن توفي هو في حادث سيارة، فذهبت بعد وفاته إلى اجتماعات الأمانة فوجدت الصورة التي أهاجمها طوال عمري.. وهي أنه بوفاة الرمز أو الرئيس يبدأ الكل في التعامل بشكل عدواني مع كل من كان يرتبط بعلاقة مسبقة بهذا الشخص، من أول يوم وجدتهم يتعاملون معي بحذر متحفز باعتباري من رجال الرمز السابق ولأني لا أعرف أن أتكلم بالمصطلحات الضخمة التي يتكلمون بها وليس لي أي طموح سياسي مطلقا وأكره الروتين الذي يفرضه أي ارتباط سياسي فأنا أحب أن أكون حرا طليقا ولا أحب التعامل مع عقول جامدة أو متحجرة، فتوقفت عن حضور هذه الاجتماعات، إلى أن أبلغني أحدهم بأني لم أسدد الاشتراكات منذ فترة فشطب اسمي من الحزب، ورغم هذا فإني أعتبر هذه الفترة ثرية جدا لأني أحب أن أستفيد من أي تجربة أدخل فيها وهي فترة جعلتني أشعر بأن هذا الكيان ليس سوى فقاعة.. وعموما هذا سيكون نواة لرواية سياسية سأكتبها مسلسلة قريبا في "الدستور".
المرحلة القادمة في مصر.. مضطربة جدا..
رغم أنك قلت إنه "ليس لك في السياسة" يهمنا برضه أن نعرف رأيك في التطورات السياسية التي تحدث في مصر الآن؟!
"إننا نمر بمرحلة مزعجة وفيها الحساسيات أكثر من اللازم، وهناك محاولة لقهر الفكر من منطلق الحرية، فالإخوان المسلمون مثلا يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" فيظهر من يطالب بتشريع قانون يجرم استخدام الدين في السياسة، وهذا غريب إذا لم تكن قادرا على مواجهة شعار فلا تشرع له قانونا.. المفروض أن تتصدى له بالفكر، وبالرغم من أني لا أنتمي للتيار الإسلامي، بل إنهم لا يعبرون عن فكري تماما، إلا أني أرى أن شعار "الإسلام هو الحل" ليس شعارا مطاطا، بل إنه شعار شديد الوضوح بدرجة مقلقلة للبعض، فهو يكون شعارا مطاطيا فقط إذا لم أكن أعلم ما هو الإسلام، المشكلة أننا كعادتنا متطرفون؛ هناك ناس متطرفون دينيا فلابد أن نتطرف ضد الدين وكلا التطرفين سيئ جدا، وعندنا أمثلة كثيرة في ديننا على الوسطية فعندما جاء قوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا له "سنصوم الدهر ولا نفطر ونقوم الليل ولا ننام ولا نقرب النساء" فقال لهم "أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني"، الأمر أشبه بأن يكون هناك مضاد حيوي ومن المفترض أن تأخذ الجرعة كل ست ساعات.. خطأ أن تأخذ الجرعة كل ساعتين وخطأ أيضا أن تأخذها كل 10 ساعات.
المرحلة القادمة مرحلة مضطربة جدا وهناك محاولة مستميتة من القائمين على الحكم في الاستمرار في الحكم، وما تعلمناه في التاريخ أن هناك دائما محاولات مستميتة للحفاظ على المكتسبات وهناك دائما خسارة للمكتسبات، طال الزمن أو قصر.. لا يوجد حكم في التاريخ استمر إلى الأبد، حتما سيحدث تغيير فهي مسألة وقت.. ودائما هناك حجة أسقطت الاتحاد السوفيتي يوما ما وستسقط أي حكم يتشبث بها.. وهي الأمن.. حماية الناس هي الحجة الشهيرة لكل نظام للسيطرة على الناس وقهرهم، حتى أمريكا فعلت هذا بعد 11 سبتمبر إذ أشاعت الخوف في وسط شعبها حتى تمرر إجراءات أمنية استثنائية.
حتى ما حدث في الإسكندرية لا يزيد عن كونه خطأ أمنيا كبيرا.. فالأمن لديه حساسية مفرطة تجاه الدين.. هناك مصطلح ابتكرته أنا ذات يوم وهو "الأمن العقائدي" وهو يعني أن الأمن يريد أن تسير العقيدة كيفما يحلو له ليس مثلما هي أو مثلما يحلو للناس وبالتالي فإنه يتخذ إجراءات عدائية.. ولذا أقول كلمة وأريد أن أسجلها عندكم للتاريخ في "بص وطل" إنه إذا ما حدثت هوجة في مصر أو انقلاب يوما ما ستكون شرارته الأولى من الأمن.. لأن الأمن يتصرف مع كل موقف بمنتهى السخافة واللامنطقية.. في الإسكندرية خافوا من تجمع الناس في الجامع فمنعوهم من الصلاة فيه فاشتعلت الأمور أكثر وأكثر.. التدخل حماقة مستمدة من كونهم الأقوى".
اندهشنا كثيرا من كون د. نبيل فاروق يقول بأنه ليس له في السياسة بينما آراؤه السياسية بهذه القوة والجرأة.. فقررنا أن نغلق الكاسيت.. وأن نتكلم معه في حوار آخر امتد لنصف ساعة قال فيها آراء أكثر سخونة.. ماذا قال؟؟.. مش هنقولكم طبعا.. هو العمر بعزقة؟!
مسلسل العميل 1001 لاقى نجاحا معقولا قياسا بكونه عرض في قناتين فضائيتين فقط، ويأمل "د. نبيل فاروق" أن يلقى المسلسل رواجا أكبر عندما يتم عرضه في القنوات الأرضية المصرية.
في هذا الحوار الذي يمكن أن نصفه بالساخن جاءت إجابات "د. نبيل فاروق" منمقة جدا وشديدة التهذيب، إلا أنها في ذات الوقت كانت تحمل صراحة شديدة واضحة لكل من سيقرأ السطور القادمة..
اتفضلوا معانا..
العميل 1001 لا علاقة له برأفت الهجان.. وأتحدى!
كان لابد أن نستفتح بـ"العميل 1001" الذي أعطاه الكثيرون تقدير جيد لكنهم قالوا في ذات الوقت إنه يحمل روح "رأفت الهجان"، خاصة فيما يتعلق بفكرة رزع العميل ووجود ضابط مخابرات يتبنى ويرعى هذا العميل..
اذن فكل عمليات زرع العميل منذ قيصرية روسيا وحتى أبد الآبدين ستتشابه فأنت كأنك تقول إن هذه القصة مأخوذة من روميو وجوليت لأن بها حالة حب!!
وكل عمليات المخابرات في التاريخ تقوم على أن هناك ضابط مخابرات نبتت في مخه فكرة، ثم بدأ في تنفيذها ثم نجح في تنفيذها.
خطوات زرع العميل في أي جهاز مخابرات ثابتة، هذا تكنيك وعلم المخابرات ليس عشوائيا إذا كان الشطرنج علما، فبالتالي عملية زرع العميل علم، فلو قرأت عملية زرع "إيلي كوهين" -الجاسوس الإسرائيلي في سوريا- ستجدها نفس الوضع تماما مثل أدوار الشطرنج كل الناس يعرفون كيف تتحرك كل قطعة لكن هل هناك دوران متماثلان؟؟ لا تستطيع أن تقول إن هذا الدور مثل ذلك لأن الملك اتحرك نفس الحركة ولا تستطيع أن تقول إن هذا الدور يحمل روح الدور السابق بسبب وجود الملك!!
قد يكون سبب الأزمة عند الناس أننا نأخذ "رأفت الهجان" كمرجعية لكل مسلسلات المخابرات؟؟
أين؟؟ لا يوجد تشابه.. هل لفكرة العميل؟؟ إن هناك ضابط مخابرات؟؟ في المسلسلين يوجد ضباط مخابرات فلو أخرجنا ضابط المخابرات من هذا ومن ذاك وأخرجنا زرع العميل من الاثنين سنجد أنفسنا لسنا أمام مسلسل مخابرات فلو أردناه مسلسلا اجتماعيا لا يوجد مشكلة أما لو مسلسل مخابرات فلابد من وجود ضابط المخابرات وعميل ولو ذهبنا إلى دموع في عيون وقحة سنجد ضابط المخابرات "صلاح قابيل" والعميل "عادل إمام" فلا يوجد أي مسلسل على مدى التاريخ لا يوجد به ضابط مخابرات وعميل.
أنا أكتب لربات البيوت.. وليس للمثقفين فقط!
الجزء الأول في المسلسل المرتبط بفكرة زرع البطل في داخل المجتمع اليهودي بالإسكندرية كان مميزا، لكن البعض قال إن هناك خطابية زاعقة بعض الشيء، خاصة مع الإلحاح في ذكر كلمة مصر في معظم المشاهد.
أنت تقدم مسلسلا تشاهده سيدات بيوت وشباب ومثقفين وغير مثقفين، حين نعمل سينما لا توجد خطابية أما التليفزيون فأنت لا تقدم المسلسل لطبقة مثقفة ولكن أنت أيضا تخاطب ربة بيت جلست لتشاهد المسلسل بعد انتهائها من الطبيخ.. أنا أقدم عملا لأهل البيت وليس للمثقفين فقط.
أما بخصوص تكرار كلمة مصر أكثر من مرة فقد كان مقصودا لأن فترة الستينيات التي يدور فيها المسلسل كانت هكذا، وكنا نعيش طول الليل والنهار في ظل كلمة مصر والقومية العربية والوطن الأكبر وأنا أكتب مسلسلا عن هذه الفترة لابد وأن أتقمص روح الستينيات وألا أكون كاتبا فاشلا فلا يمكن أن أكتب للستينيات بروح التسعينيات أو الألفينات.
والذي يرفض تكرار كلمة "مصر" هو ذلك الشباب المتمرد فكلمة مصر الآن ابتذل معناها، لكنها في الستينيات كانت كلمة كبيرة ترج، وكونها قد فقدت معناها فهي كارثة ومصيبة، فكأنك عايش في بيت لكنك لا تشعر بقيمة هذا البيت.
أنا اتولدت لأجد كلمة مصر لها معناها وأحزن حين أشعر أننا لا نريد من إكثار الكلام عنها فأنا أحبها جدا وكل غضبي منها خوف عليها.. أنت فقدت رونق الكلمة وهذه هي المشكلة.
نحن نزرع عميلا في إسرائيل.. وليس حبة قمح!
هناك من قال إن الحلقات الأولى كانت تعاني من مط وتطويل؟؟
بالفعل كان إيقاعها بطيئا وهذا يرجع لسببين.. الأول أن المشاهد كان يتم عمل تطويل لها أزيد من اللازم فالمشاهد المكتوبة في السيناريو كانت قصيرة إلا أنه عند تنفيذها كان يتم عمل مقدمة ونهاية لها مما أثر على إيقاع المسلسل في حلقاته الأولى.
هذا يبدو أنه نظام إخراجي مرتبط بالدراما التليفزيونية ولهذا أنا بعد هذه التجربة الدرامية أميل للسينما فأنا أميل أكثر للإيقاع السينمائي السريع وتركيزه.
أما السبب الثاني فهو أن أعمال المخابرات عادة تحتاج إلى إيقاع هادئ في البداية لأن هناك تفاصيل كثيرة لابد أن تعرفها قبل الدخول في العملية وإذا فاتتك التفاصيل لن تستوعب بناء الأحداث بعد ذلك، ثم إنها عملية زرع عميل في قلب إسرائيل وليس زرع حبة قمح في أرض زراعية! المسألة ليست سهلة فهي أشبه بحالة سلخ شخص من مجتمع الى مجتمع آخر وكل هذا لابد أن يتم تمهيده للمشاهد ولو أسرعت الخطى في المرحلة الأولى سيتساءل المشاهد لماذا ضحى بمستقبله وخطيبته.
هل هذا أول سيناريو تكتبه؟؟
أول سيناريو دراما تليفزيونية.. لكني لدي أربعة أعمال أخرى كتبتها للسينما.. أحدهم "العراف" لـ"عمرو دياب" وهو أيضا عن أعمال المخابرات، وعمل آخر أكشن لم يحدد له اسم بعد لـ"أحمد عز" و"خالد صالح" من المحتمل أن يعرض في الصيف القادم إن شاء الله، وثالث هو "أوراق بطل" عن قصة رجل المستحيل لـ"أحمد عز" أيضا، والرابع مع "مصطفى شعبان" بعنوان "الفارس".
أما بخصوص الدراما التليفزيونية فهناك مشروع الآن يجري الإعداد له مع المخرج "أحمد صقر" وهو مخابرات أيضا ولكنه مخابرات حديثة تدور أحداثه في عام 2006 عن الجاسوسية التي تحدث في الوقت الحالي والفكرة جديدة تماما.
ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك أمنيا؟؟
لا بد أن يعرف الناس أن الجاسوسية لا تزال موجودة ومشكلة الناس أنهم يخلطون بين الوسيلة والهدف فالناس يتصورون أن تطور الوسائل تسبب في إلغاء الجاسوسية وهذا طبعا غير صحيح فتطور الوسائل غير وسائل الجاسوسية مثل أي شيء فالمواصلات تطورت لكن لا تزال موجودة. الوسيلة ممكن أن تتغير لكن الجاسوسية مازالت مطلوبة بغض النظر عن وجود أقمار صناعية وما شابه لكن الذي تطور فعلا هو وسائل نقل المعلومات إنما الحصول على المعلومة لا يزال يتم من خلال البشر، فأنا إذا أردت معرفة الذي يدور في أعماقك بشأن أمر ما فلا أستطيع تصويره بالقمر الصناعي وإنما أنا في حاجة إلى جاسوس بشري وهو ما نوضحه في المسلسل.. إن الجاسوسية كانت وستظل.
لم أطالب الشباب بمقاطعة إصدارات المؤسسة..
أنا قانوني!
بعيدا عن المسلسل بعد أن قامت المؤسسة العربية الحديثة بنشر الإعلان الذي يؤكدون فيه أن مؤلفاتك ملك لهم هم فقط، كتبت أنت مقالا ساخنا في الدستور ذكرنا بمقال "محمد عباس" "من يبايعني على الموت" أثناء أزمة "وليمة لأعشاب البحر"، فيما يبدو أنك كنت منفعلا جدا، خاصة أنك طالبت الشباب بمقاطعة إصدارات المؤسسة؟
لا لم أطالب الشباب بأن يقاطعوا المؤسسة، هناك فارق كبير فأنا قانوني في كتابتي أنا قلت إني أنا شخصيا سأقاطع.. طبيعي أن أنفعل فأنا علاقتي بهم انتهت وتعاقدت مع جهة أخرى وكل ما فعلوه محاولة لمنعي من التعاقد ومحاولة لإرهاب الجهات الأخرى لمنعي من التعاقد وهو ما استفزني بشدة فأنا لا علاقة بيني وبينك فلماذا تحاربني؟؟ المشكلة أن صاحب المال دائما يرى في نفسه القوة متصورا أن طغيان المال يعطيك القوة والحق ولذلك فهو عمل إعلان مدفوع الأجر حتى يدخل معي حرب فلوس فكان طبيعيا أن أكون منفعلا خاصة في لحظتها.
لكن ضمنيا أنت طالبت الشباب بمقاطعة إصدارات المؤسسة؟؟ هل كنت تقصد هذا فعلا؟
الضمنيات يفهمها من يريد لكن أنا لم أقل هذا، وسواء كنت أقصده أو لا أقصده في النهاية حين تكتب حتى مع انفعالك لابد أن تراعي أسسا معينة، وأنا صحفي منذ 21 سنة فلن أخطئ الآن. والمؤسسة رفعت عليّ قضية سب وقذف لكن قانونا السب والقذف غير موجودين فيما كتبت، هناك قواعد وهم أحرار والفكرة الآن أني آخذ منهم أشياء بملايين فيريدون الانتقام مني والآن أصبحت حربا شرسة لكي يمنعوني من التعاقد. أخذوا حقوقي وأنا لم أعد أفهم كيف يدور هذا العالم لمجرد أني أطالب بحقي فقط والقاعدة في مصر أن الأكثر ثراء عليه أن يمنحك الحق وليس لك الحق في أن تطلب حقك!! هو يمنحك ما يشاء وهذا هو الفكر المملوكي.
المشكلة كلها حين أرادوا عمل موضوع الإنترنت قلت لهم لا أريد أن أعمله مع المؤسسة ولكن خارجها وهذا حقي.
هناك حقوق تؤخذ ولا تعطى، الحق القانوني يؤخذ ولا يعطى والحق الأدبي يعطى ولا يؤخذ، لكن أحيانا المال يعطي الناس إحساسا بالطغيان. أنا معي أموال إذن آخذ كل الحقوق وإذا أعطيتك حقوقا فهذا مجاملة مني فكل ما حدث أني رفضت فقط.
وما الموقف الآن؟؟ ومادامت الأمور واضحة لماذا لم تحسم القضية بعد؟؟
وصلنا لقضايا ومحاكم، ولكن أنا يحميني قانون حماية المؤلف، والمشكلة أن هذا هو حال القضاء في مصر، بعض الدول فيها مرحلة ما قبل التقاضي، القانون فيها يفصل ما إذا كانت هذه قضية أم لا، لينتهي الموضوع أما عندنا فلا يوجد هذا النظام ولذلك تجد المحاكم لدينا مكدسة بقضايا نصفها غير قانوني وقد تجد أن المحكمة بعد ذلك ترفض الدعوى لعدم الاختصاص، فالمفترض أن عدم الاختصاص يتم حسمه من أول ثانية وأنا أرفع الدعوى توجد لجنة لتقول إن هذا ليس اختصاص هذه المحكمة وإنما اختصاص محكمة القضاء الإداري على سبيل المثال، ولكن المشكلة في عدم وجود خطوط واضحة فلدينا محاكم كثيرة جدا.. محكمة جنح وجنايات وقضاء إداري وإلخ..
لكن على كل الأحوال مؤسسة النشر الأخرى لديها مستشارون قانونيون وتعرف أن موقفي سليم، وبدأنا التعاون بالفعل وستجد في معرض الكتاب القادم إن شاء الله سلاسل "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" و"كوكتيل 2000".
أنا.. والدكتور أحمد خالد توفيق..
بعد تخاصمك القانوني مع المؤسسة كتب "د. أحمد خالد توفيق" مقالا فهمه البعض أنه ضد تصرفك مع المؤسسة وقال الخبثاء إن ثمة خلافات بينكما هل هذا صحيح؟
أنا رددت عليه في الدستور بجملتين وقلت له أنا حين دافعت عن حقي دافعت عن حقك فهذا الحق ليس ملكي وحدي فهو حق كل كاتب ومؤلف.
أنا كنت أتمنى ألا يضع "د. أحمد خالد" قلمه في هذا الموضوع لأنه في النهاية يدافع عن ظلم.. يدافع عن حق الناشر في أن ينتهك حقوق المؤلف وهذا ليس لصالحه وهناك حديث شريف يقول "من أعان ظالما سلطه الله عليه" وأنا لم أفعل شيئا سوى أني طالبت بحقي وإذا كان يرى أنه يعارض هذا الموقف فهو حر.
لكن البعض يرى أن العلاقة كانت متوترة حتى من قبل؟؟
لا مطلقا وهو وجد معركة فاختار أحد الجانبين وطبعا اختار الجانب المربح له، ولذلك أنا لم "أزعل منه" لأني أحسست أنه نوع من الانحياز القهري إلى حد ما وإذا كان هذا رأيه فهو حر. وهو يعلم جيدا طريقة تفكيري من زمان حتى حين كان يكتب قصة ينتقد فيها أعمالي كنت أقرؤها مثل الآخرين مطبوعة وأرفض قراءاتها قبل ذلك، فأنا رجل ليبرالي جدا وطول عمري أرى أن الحرية أمر لا جدال فيه وهي حق كل إنسان وأنا أقف بجوار آخرين في قضايا "مش بتاعتي" لمجرد أنهم أصحاب حق.. باقف وباحارب عشانهم والقضية التي أحارب من أجلها هي قضيتي لأول مرة. وأنا أغضب جدا حين أرى إنسانا له حق ويتركه لأني أحس أنه لو كل شخص اتمسك بحقه، الدنيا هتتعدل رغم أنف الكبار لكن المشكلة أننا نخاف جدا وليس لدينا إيمان بأن الرازق في النهاية هو الله -سبحانه وتعالى- وأنه يمنح صاحب الحق حقه.
طلب مني كثيرون أن أرد على ما كتبه "د. أحمد خالد" لكني أشفقت على المهنة من وجود اثنين فيها "يتخانقوا" فأنا حين أختلف مع ناشر فهذا شيء طبيعي والأديب العالمي "نجيب محفوظ" نفسه يمر بنفس أزمتي بالضبط وهذا الخلاف وارد ولذا وُجد القانون لحماية حقوق الكتابة لأن الناشر بقوة ماله يعتقد أنه يأخذ الحقوق لكني لن أدخل في مناظرة مع كاتب، أنا قررت أنه أي خلاف شخصي مع أي كاتب لن أدخل فيه لأني أشعر أنه إهانة للمهنة في حد ذاتها وقد يكون غرورا مني لكني أعتبر مهنة الكاتب من أسمى المهن في أي دولة لأنه مفكر يضع آراء كثيرة ويتأثر بها جيل بأكمله فلا يصح أن يختلف اثنان من الكتاب إلا بشكل محترم وحول مبدأ وهذا من سمات الكاتب المحترم، المبدأ ممكن أما الرأي فلا، فنحن لسنا آلهة ووارد أن نكون على خطأ. والمؤسسة لها أفضال علي ولكن أنا حسبتها بدقة فاكتشفت أني أقهر للتنازل عن حقوقي وأنا لا أقبل مبدأ القهر وطالما وصلنا للقهر فكل ما أفعله دفاعا عن النفس، فأنا أدافع عن حقي وهم يصرون أنه ليس حقي ويصرون على الحصول على هذا الحق وهو ما سيحسمه القانون حتما.
ذات مرة سألتني إحدى الصحف ماذا لو خسرت هذه القضية، قلت لها لا يهمني المكسب أو الخسارة فيكفيني أن أقاتل فأنا أرى أن هذا حقي لذا لابد أن أقاتل في سبيله وهناك ألف وسيلة للمكسب أو الخسارة ووسائل اللعب غير الشريف كثيرة، لكن إذا خسرت هذا الحق في النهاية أكون قاتلت في سبيله ويكون ربنا سبحانه وتعالى يشاء هذا ويكفي أن كل القوانين في العالم تحميني وإذا خسرت هذه القضية سأعتبر أن كل مصر خسرت ليس لأن أنا "نبيل فاروق" ولكن لأن ذلك يعني أن الحق الواضح المؤيد بقوانين واضحة لم يعد له وجود فما بالك بالحقوق الضمنية؟!
وكمحاولة منا لتوضيح كل وجهات النظرسألنا د. أحمد خالد توفيق عن رأيه فقال: "إن كان د. نبيل يهاجمني فربنا يسامحه.. للأسف لا وقت عندي للتعليق على هذه الأمور لأني مشغول بالكتابة في مواضيع أخرى غير نفسي وصراعاتي الشخصية".
انتظروا تطويرات في رجل المستحيل وملف المستقبل
بعيدا عن الخلاف مع المؤسسة هناك من يرى أن سلسلة رجل المستحيل تعاني في أعدادها الأخيرة من إعادة تدوير الفكرة والمواقف والتفاصيل خاصة في الأعداد الأخيرة..
لا يوجد إعادة تدوير الأفكار.. أنا أعاني من شيء غريب.. أنه إذا عملت روايتين عن السفر عبر الزمن يقولون بأنه تشابه أفكار.. هناك فارق بين التيمة وبين معالجة القصة.. المشكلة أننا نخلط بين الاثنين.. أنا كتبت قصة في ملف المستقبل اسمها الاحتلال سنة 1989 بعدها بخمس سنوات عام 1994 ظهر فيلم يوم الاستقلال وفوجئت بأن أحد الصحفيين كتب بأنني سارق قصة هذا الفيلم!
اندهشت جدا.. لماذا لا توجد لدينا ثقة بنفسنا.. هل أي عمل جيد لابد أن يكون مسروقا..
لو كنت تتكلم عن نفسك فهذا أمر طبيعي لأنك كبرت.. هذا لا يعني أن القصص التي أكتبها موجهة لفئة عمرية معينة، لكن منظورك للأمور مختلف.. مع تطور عقليتك لابد أن يتطور تفكيرك واستيعابك للأمور.. وهذا شيء طبيعي ومنطقي.. حتما سيحدث تغيير عندما تكبر خاصة أن إيقاع التغيير في هذا العصر سريع جدا.. فوارد جدا أنه في مرحلة من المراحل أن تمل هذه النوعية من الروايات.. أنا نفسي حين أكتب الآن أكتب بروح مختلفة.. تخطيطي للمرحلة القادمة بأني سأقدم سلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل بشكل مختلف فأنا أحرص أن أحدث تغييرا فيما أكتب كل فترة.. أغير نمط ما أكتب.
دخلت الحزب الوطني.. مجاملة!
ربما لا يعرف كثيرون أنك كنت عضوا في الحزب الوطني لفترة، ثم الآن أصبحت تكتب في اثنتين من أكثر الصحف المعارضة "الدستور"، و"التجمع" كيف حدث هذا التحول؟!
كانت هذه مرحلة غريبة من حياتي، فصديق عمري "حسام عوض" أصبح أمين شباب الحزب، ذات يوم اتصل بي وطلب مني -باعتباري أشهر كاتب للشباب- أن أنضم إلى أمانة الشباب بالحزب لأنه يريد أن يكون حوله ناس يثق بهم، فوجئت بعدها بأسبوعين بأنهم أرسلوا لي "كارنيه" الحزب دون أن أقدم أي أوراق، وأتحدى الحزب الوطني أن يكون لديهم ورقة واحدة عليها إمضائي، بعدها بفترة أصبحت عضوا في الأمانة العامة للحزب الوطني، بالرغم من أني "مش بتاع سياسة خالص"، وكانت الاجتماعات التي أحضرها غاية في الملل وكنت تقريبا لا أمارس نشاطا سوى أني مستشار لـ"حسام عوض" إلى أن توفي هو في حادث سيارة، فذهبت بعد وفاته إلى اجتماعات الأمانة فوجدت الصورة التي أهاجمها طوال عمري.. وهي أنه بوفاة الرمز أو الرئيس يبدأ الكل في التعامل بشكل عدواني مع كل من كان يرتبط بعلاقة مسبقة بهذا الشخص، من أول يوم وجدتهم يتعاملون معي بحذر متحفز باعتباري من رجال الرمز السابق ولأني لا أعرف أن أتكلم بالمصطلحات الضخمة التي يتكلمون بها وليس لي أي طموح سياسي مطلقا وأكره الروتين الذي يفرضه أي ارتباط سياسي فأنا أحب أن أكون حرا طليقا ولا أحب التعامل مع عقول جامدة أو متحجرة، فتوقفت عن حضور هذه الاجتماعات، إلى أن أبلغني أحدهم بأني لم أسدد الاشتراكات منذ فترة فشطب اسمي من الحزب، ورغم هذا فإني أعتبر هذه الفترة ثرية جدا لأني أحب أن أستفيد من أي تجربة أدخل فيها وهي فترة جعلتني أشعر بأن هذا الكيان ليس سوى فقاعة.. وعموما هذا سيكون نواة لرواية سياسية سأكتبها مسلسلة قريبا في "الدستور".
المرحلة القادمة في مصر.. مضطربة جدا..
رغم أنك قلت إنه "ليس لك في السياسة" يهمنا برضه أن نعرف رأيك في التطورات السياسية التي تحدث في مصر الآن؟!
"إننا نمر بمرحلة مزعجة وفيها الحساسيات أكثر من اللازم، وهناك محاولة لقهر الفكر من منطلق الحرية، فالإخوان المسلمون مثلا يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" فيظهر من يطالب بتشريع قانون يجرم استخدام الدين في السياسة، وهذا غريب إذا لم تكن قادرا على مواجهة شعار فلا تشرع له قانونا.. المفروض أن تتصدى له بالفكر، وبالرغم من أني لا أنتمي للتيار الإسلامي، بل إنهم لا يعبرون عن فكري تماما، إلا أني أرى أن شعار "الإسلام هو الحل" ليس شعارا مطاطا، بل إنه شعار شديد الوضوح بدرجة مقلقلة للبعض، فهو يكون شعارا مطاطيا فقط إذا لم أكن أعلم ما هو الإسلام، المشكلة أننا كعادتنا متطرفون؛ هناك ناس متطرفون دينيا فلابد أن نتطرف ضد الدين وكلا التطرفين سيئ جدا، وعندنا أمثلة كثيرة في ديننا على الوسطية فعندما جاء قوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا له "سنصوم الدهر ولا نفطر ونقوم الليل ولا ننام ولا نقرب النساء" فقال لهم "أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني"، الأمر أشبه بأن يكون هناك مضاد حيوي ومن المفترض أن تأخذ الجرعة كل ست ساعات.. خطأ أن تأخذ الجرعة كل ساعتين وخطأ أيضا أن تأخذها كل 10 ساعات.
المرحلة القادمة مرحلة مضطربة جدا وهناك محاولة مستميتة من القائمين على الحكم في الاستمرار في الحكم، وما تعلمناه في التاريخ أن هناك دائما محاولات مستميتة للحفاظ على المكتسبات وهناك دائما خسارة للمكتسبات، طال الزمن أو قصر.. لا يوجد حكم في التاريخ استمر إلى الأبد، حتما سيحدث تغيير فهي مسألة وقت.. ودائما هناك حجة أسقطت الاتحاد السوفيتي يوما ما وستسقط أي حكم يتشبث بها.. وهي الأمن.. حماية الناس هي الحجة الشهيرة لكل نظام للسيطرة على الناس وقهرهم، حتى أمريكا فعلت هذا بعد 11 سبتمبر إذ أشاعت الخوف في وسط شعبها حتى تمرر إجراءات أمنية استثنائية.
حتى ما حدث في الإسكندرية لا يزيد عن كونه خطأ أمنيا كبيرا.. فالأمن لديه حساسية مفرطة تجاه الدين.. هناك مصطلح ابتكرته أنا ذات يوم وهو "الأمن العقائدي" وهو يعني أن الأمن يريد أن تسير العقيدة كيفما يحلو له ليس مثلما هي أو مثلما يحلو للناس وبالتالي فإنه يتخذ إجراءات عدائية.. ولذا أقول كلمة وأريد أن أسجلها عندكم للتاريخ في "بص وطل" إنه إذا ما حدثت هوجة في مصر أو انقلاب يوما ما ستكون شرارته الأولى من الأمن.. لأن الأمن يتصرف مع كل موقف بمنتهى السخافة واللامنطقية.. في الإسكندرية خافوا من تجمع الناس في الجامع فمنعوهم من الصلاة فيه فاشتعلت الأمور أكثر وأكثر.. التدخل حماقة مستمدة من كونهم الأقوى".
اندهشنا كثيرا من كون د. نبيل فاروق يقول بأنه ليس له في السياسة بينما آراؤه السياسية بهذه القوة والجرأة.. فقررنا أن نغلق الكاسيت.. وأن نتكلم معه في حوار آخر امتد لنصف ساعة قال فيها آراء أكثر سخونة.. ماذا قال؟؟.. مش هنقولكم طبعا.. هو العمر بعزقة؟!