مشاهدة النسخة كاملة : يا ثورة ماتمت : متى يثور المصريون ؟


نزار سعيد
30-12-2011, 10:57 PM
* كتب : نزار مغاورى متى يثور المصريون ؟ وهل ثمة ثورات كبرى ناجحة فى التاريخ المصرى الطويل ؟ سؤال باعثه الشجن والألم على ما يحدث فى مصر الآن ، مع شعورى العارم بفشل الثورة المصرية – التى ليست الأولى من نوعها كما خدعونا ، بل هى إمتداد لتاريخ طويل حاول الحكام طمسه كما طمسوا الكثير من القيم المصرية ، كعادة الفراعنة المصريين فى طمس أسماء الفرعون القديم عند تولى فرعون جديد – فحالة الإستقطاب الشديدة ، ونبرة التخوين والتشكيك التى تسيطر على الجميع هذه الأيام ، دفعتنى للرجوع بعيداً فى أعماق التاريخ المصرى ، ومحاولة إستقراء ملامح الثورات المصرية ، فثورة المصرى فى أغلب الأوقات كانت سلبية شبيهة بما نسمية اليوم ( العصيان المدنى ) ، بمعنى تغاضيه أو تعامية عما يحدث حوله رغم وعيه الشديد ، فهو يرفض أن يضحك عليه أحد ويخدعه بل يخدع الجميع بصمته وعزوفه ، ولعل ما حدث فى الإنتخابات الأخيرة وخصوصاً ( استفتاء مارس ) لأكبر دليل على ما أقول ، فقد خرج المصرى لأول مرة ليقف فى طابور طويل إختيارى ، بعيداً عن الطوابير التى يجبر على وقوفها يومياً من أجل ( رغيف العيش ) و ( الأنبوبة ) و ( الأوتوبيس ) .... الخ ، عندما شعر أن لصوته قيمة ، تحرك ، وقبل ذلك نادراً ما كان يخرج ، لأنه لا يريد أن يضحك عليه أحد .
وملامح الإستقطاب الشديدة التى تجرى وقائعها اليوم ، تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه بشكل أو بآخر ، وأننا شعب لا نتعلم من دروس الماضى ، وأى ماض نحمل لو يعلم المصريون ! ، تمضى الأمور دائماً فى صالح الشعب ما دامت القيادة موحدة والهدف واضح ، وتفشل الثورة دائماً عندما يتمكن الطرف الماسك بزمام الأمور من تحويل الطاقة الثورية الى صدور الثوار بدلاً من توجيهها اليه ، وبعيداً عن التاريخ الحديث للثورات المصرية من ثورة القاهرة الأولى والثانية ، وثورة الأسكندرية على خورشيد باشا وتولية محمد على ، ثم الثورة العرابية وثورة 19 وحركة 52 ، حتى ثورة يناير ، أغوص بعيداً عن هذا وأسرد هنا جزءاً من وقائع ما سمى ب ( عصر الشهداء ) الذى تعرض فيه المصريون لأقسى أنواع الظلم والإضطهاد على يد الرومان في الفترة ما بين سنة (31 ق. م) وسنة (395 م ) والتى يؤرخ لها بالتقويم القبطى المصرى الموجود حتى الآن ، حيث اعتمدت روما في توطيد سلطانها بمصر على القوة العسكرية ، وكان يتولى حكم مصر وال يبعثه الإمبراطور نيابة عنه ومقره الإسكندرية يهيمن على إدارة البلاد وشئونها المالية ، وهو مسئول أمام الإمبراطور مباشرة ، وكانت مدة ولايته قصيرة حتى لا يستقل بها ، وهذا ما جعل الولاة لا يهتمون بمصالح البلاد بل صبوا اهتماماتهم على مصالحهم الشخصية ، وحرموا المصريين من الاشتراك في إدارة بلادهم مما جعلهم كالغرباء فيها – وهو بالمناسبة ما كان يحدث خلال الحكم العثمانى مثلاً مع اختلاف المسميات - بالإضافة إلى منع المصريين من الانضمام للجيش حتى لا يدفعهم ذلك إلى جمع صفوفهم ومقاومة الرومان في المستقبل ، كما منعوا من ذلك فى الدول التى تعاقبت على مصر ، ولم يشتركوا إلا نادراً حتى جاء محمد على ليفرض التجنيد الإلزامى على المصريين . ونعرض لنموذجين من الثورات الهامة فى تاريخ مصر ، الأولى حمل المصرى فيها السلاح فى وجه المحتل وكاد ينجح ، والثانية اعتمد فيها العصيان المدنى نموذجاً وسلاحاً لرفض المستعمر الغاشم .
الأولى حدثت في عهد الإمبراطور ( ماركوس أورليوس) الذى تولى الحكم فى الفترة من (161-180 م ) الذى تناول فيلم Gladiator او المصارع جزء من حياته ، عرفت هذه الثورة بحرب الزرع أو الحرب البكوليه - نسبة إلى منطقه في شمال الدلتا - تزعم هذه الثورة كاهن مصرى يدعى ( ايسيدوروس Isidoros) ضد الضرائب الباهظة التى فرضها الرومان على مصر ، وعندما حاول الرومان إجهاض هذه الثورة ، تمكن المصريون من هزيمة الفرق الرومانية والوقوف بوجهها لأول مرة ، وقتل القائد الرومانى فى ذلك الوقت ، وكادت الإسكندرية ( أهم مدن الإمبراطورية الرومانية فى ذلك الوقت ) أن تقع في قبضة الثوار ، اللذين كانوا يلجأون الى خدعة غريبة فى اصطياد الجنود الرومانيين ، وذلك بأن يرتدى أحدهم زى إمرأة ، ويظهر للجنود الرومان لإغرائهم ، أو عرض المال عليهم ، وعندما يقترب الجنود منهم يقومون باصطيادهم واحداً تلو الآخر ، ورغم وصول إمدادات للرومان من سوريا ، إلا أنها لم تتمكن من القضاء على هذه الثورة الشعبية الكبيرة ، وتمكن المصريون من هزيمتهم ، فعمد ( أفيديوس كاسيوس ) القائد الرومانى القادم من سوريا الى إستعمال بعض الخونة من المصريين للوقيعة بين الثوار ليقتتلوا معاً ، وذلك بافتعال أزمات وقتل وتخريب وإلصاق التهم ببعضهم ، فانشغلوا فى صراعات داخلية حتى تمكن كاسيوس من القضاء على الثورة وأعلن نفسه إمبراطوراً من الأسكندرية ، بتأييد من بعض القوات الرومانية التى أتت معه من سوريا ، لكن محاولته الإنفصال بالشرق أجهضت بإغتياله بعد ثلاثة شهور من قضائة على الثورة المصرية ، زار بعدها ( ماركوس أوروليوس ) الإمبراطور الشرعى - الأسكندرية ، وتم إعدام عائلة ( كاسيوس ) وكل من ساندوه فى انقلابه على الإمبراطورية ، وعمد ( ماركوس ) بعدها الى اصلاحات طفيفة لإحتواء الثورة ولتقليل سخط المصريين ، لكنها لم تؤدى الى تغيير حقيقى يذكر فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، لتحبط ثورة من أهم الثورات فى تاريخ مصر لو قدر لها النجاح فى ذلك الوقت لأعادت لمصر مكانتها المفقودة منذ نهاية عصر الأسرات .
جانب آخر لثورة المصريين فى ذلك العصر ، على الرغم من أن المسيحية صارت الدين الرسمي للإمبراطورية ، لم تنعم مصر بالسلام لوقوع خلاف وجدال في طبيعة السيد المسيح - عليه السلام - بين كنيسة الأسكندرية ، وبين كنيسة روما ، وبذلك تعرض المصريون لألوان العذاب لاعتناقهم مذهبا مخالفا لمذهب الإمبراطورية . إلا أنهم أصروا على مذهبهم وبدأوا في المقاومة السلبية أو العصيان المدنى باللجؤ الى الأديرة ، والتهرب من دفع الضرائب وزراعة الأرض ، وظهور نظام الرهبنة للمرة الأولى فى مصر فى القرن الثالث الميلادى كنوع من الرفض للهيمنة والسلطة الأجنبية ، بل وصل الأمر الى الثورة فى وجه الحامية الإمبراطورية وإعمال القتل فيها ، ولكن الإمبراطورية نجحت فى فرض بطريرك من المذهب الملكى ( الرومانى ) على كرسى البطريركية ، وما إن مات الإمبراطور الذى ولاه ، حتى هجم الشعب السكندرى على هذا البطريرك ومزقته قطعاً فى صحن الكنيسة فيما يطلق عليه الجمعة الحزينة .

وفى القرن السابع الميلادى ، اضطر الإمبراطور البيزنطى بعد موت كسرى ، وعودة مصر الى ولايته أن يسترضى المصريين بإبتداع مذهب لا ينفى إزدواج طبيعة المسيح ، ولكنه يقول بوحدة مشيئته ، فأوفد الى مصر البطريرك قوروش ( المقوقس ) يبشر بالمذهب الجديد ويمد الى سلطته الروحية سلطته الزمنية كحاكماً لمصر ، وقبل أن تطأ أقدامه أرض مصر ، نظم البطريرك القبطى ( بنيامين ) أمور الكنيسة الوطنية ، وأوحى الى الجميع بالمقاومة حتى الموت فى سبيل العقيدة ، ثم نزح الى الصحراء يحتمى بها هو وأساقفته ، ففشل المقوقس فى فرض مذهبه الجديد على المصريين ، واستعمل العنف والإرهاب والتعذيب ضد المصريين فى السنوات العشر الأخيرة من حكمه ، فكال له المصريون أبشع أنواع السباب ، فشبهوه بابن الشيطان ، وبالمسيخ الدجال ، وأنواع أخرى من الشتائم التى يتميز بها المصريين .
وكانت مصر على قدر مع دخول عمرو بن العاص اليها فى هذه الفترة ، فاستقبله المصريون استقبال الفاتحين ، وحارب بعضهم الى جانبه ضد الإحتلال الجاثم على صدورهم سبع قرون من الزمان ، ورأوا فيه المخلص من الذل والإهانة ، وبادلهم عمرو بالمثل فأمنهم على دينهم وكنيستهم وأديرتهم ( النطرون – دير أنبا مقار ) وجاء الرهبان أفواجاً يرحبون بالقائد العربى ويؤكدون إخلاصهم له ، ويكتب وقتها الوثيقة العمرية ، التى أعطت الحق للمصريين لأول مرة منذ فترة طويلة فى بلدهم بعد قرون من القهر والإستعباد .
فمعظم الثورات التى قام بها المصريون عبر التاريخ – والتى سنلقى الضؤ على أبرزها وأهم معالمها فى مقالات لاحقة – قامت إما لجور وظلم الولاة ، أو للتعدى على العقائد ومحاولة فرضها بالقوة ، نجح بعضها ، وتعرض البعض بأسلوب أو بآخر للفشل أو لعدم تحقيق غايته لسببين رئيسيين ، الأول هو الخيانة ، وهى المحرك الأول لما يليها ، بأن ينشق فريق عن الثائرين وتحدث خصومات ونزاعات تؤدى فى النهاية الى صراع كالذى نشهده الآن بين التيارات السياسية المختلفة ، وللحديث بقية عن الثورات المصرية ما بعد الفتح الإسلامى حتى ثورة يناير المجيدة لنأخذ بعض العبر علها تنفعنا فى قادم الأيام .

aymaan noor
30-12-2011, 11:19 PM
جزاك الله خيرا أستاذى الفاضل على هذا المقال الرائع و بارك الله فيك
و فى انتظار المزيد ان شاء الله

راغب السيد رويه
01-01-2012, 06:16 AM
لم تفشل الثورة أخى الفاضل ولكن يجب علينا الصبر والعمل