مشاهدة النسخة كاملة : المتغيرات* ‬الاجتماعية* ‬المحددة* ‬للدساتير


aymaan noor
19-07-2012, 01:10 AM
المتغيرات* ‬الاجتماعية* ‬المحددة* ‬للدساتير
د*. ‬على ليـلــة

تمهيد*:‬ تعتبر الدساتير واللوائح آليات تحدد حركة التاريخ،* ‬وتصنعه أحيانا بحيث* ‬يمكن قراءة الحالة التى عليها أوضاع المجتمع فى مرحلة معينة من خلال الوثائق الدستورية التى ظهرت فى فضاء هذه المرحلة*. ‬وإذا كان تدفق حركة التاريخ تنظمها وتحدد إتجاهها الوثائق الدستورية.
،* ‬فإن ثمة متغيرات كامنة فى بنية المجتمع ونظامه السياسى هى التى تحدد طبيعة التفاعلات الاجتماعية التى تقع فى المجتمع،* ‬حيث تكمن هذه المتغيرات فى منطقة ما وراء الدساتير،* ‬أى فى السياق الاجتماعى الذى تتفاعل على ساحتة القوى الاجتماعية التى تولت صياغتها وإصدارها،* ‬والتى حددت الأهداف المطلوب تحقيقها من وراء الوثيقية الدستورية كذلك،* ‬والفواعل التى تتفاعل مع بعضها بعضاً* ‬ليخرج الدستور بالنحو الذى خرج عليه*. ‬

ومن الواضح أن الحالة التى عليها الوثيقة الدستورية هى ذات الحالة التى عليها أوضاع المجتمع،* ‬فحيثما كان المجتمع مستقراً،* ‬تتدفق التفاعلات فى مجراه بصورة سلسلة وهادئة ومرنة كلما كانت الوثيقة الدستورية للمجتمع أكثر ثباتا وأكثر قوة*. ‬لذلك تختلف المجتمعات عن بعضها بعضاً* ‬من حيث درجة الوعى الدستورى الذى توافر لها،* ‬وهو الوعى الذى* ‬يتحقق بتاريخية الخبرة الدستورية من ناحية،* ‬ومستوى التحديث الذى بلغه المجتمع،* ‬ومن ثم درجة الأستقرار التى تحققت له من ناحية ثانية*. ‬فهناك مجتمعات عديدة تحقق لها استقرار اجتماعى دائم تقريبا،* ‬وثبات دستورى ملازم له،* ‬فاستقرارها ثابت ودستورها دائم لمئات السنين،* ‬فى حين أن هناك مجتمعات تغير وثائقها الدستورية عدة مرات ربما خلال عقد واحد،* ‬وهو الأمر الذى* ‬يشير إما إلى حالة من عدم الاستقرار الاجتماعى،* ‬أو إلى تأثير متغيرات* ‬غير متوقعة،* ‬أو إلى وعى محدود وقصير المدى*. ‬

وإذا كانت ميزة علم* ‬التاريخ أن* ‬يسبر* ‬غور المفرد الاجتماعى فى محاولة للتعرف على مقدماته وأسبابه والتفاعلات الحادثة والمتتابعة بداخله،* ‬ثم النتائج المترتبة على ذلك،* ‬والتى تشكل بدورها مقومات وأسباب لمفردات اجتماعية تالية،* ‬فإن علم الاجتماع* ‬يسعى إلى استكشاف التعميم،* ‬أو القانون،* ‬الذى* ‬يحكم المفردات التى تنتمى إلى *** واحد*. ‬إرتباطا بذلك فإن قراءة المفردات أو الوثائق الدستورية المتتابعة* ‬يمكن أن تتحقق من زاويتين*: ‬الأولى،* ‬أن نستكشف مضامين الوثائق الدستورية لتحديد العلاقة بينهما وبين سياقها الاجتماعى،* ‬والثانية أن نحاول استكشاف المتغيرات التى تشكل المضامين الدستورية بالنحو الذى تشكلت به*. ‬ومن الواضح أن المتغيرات التى ضبطت إيقاع تشكل هذه المضامين،* ‬صدرت عن السياق الاجتماعى وتنتمى إليه،* ‬سواء كان سياقه قومىاً* ‬أو أقليمىاً* ‬أو عالمياً*. ‬

استناداً* ‬إلى ذلك حاولت هذه الدراسة أن تتأمل الوثائق الدستورية للكشف عن طبيعة المتغيرات التى ضبطت صدور مختلف الوثائق الدستورية،* ‬ابتداء من لائحة مجلس شورى النواب عام* ‬1866* ‬وحتى التعديلات التى أجريت على دستور* ‬1971* ‬حتى* ‬يصبح جسراً* ‬ملائما تعبر عليه قضية التوريث*. ‬وعلى هذا النحو حاولت هذه الدراسة تجريد بعض المتغيرات الحاكمة لتطور المضامين الدستورية،* ‬من خلال قراءة الوثائق الدستورية التى صدرت فى مختلف مراحل التحول الاجتماعى،* ‬ابتداء من مرحلة تشكل الهوية الوطنية للمجتمع المصرى،* ‬وحتى التحول الذى أسسته ثورة* ‬25* ‬يناير* ‬2011،* ‬والذى انطلق بمصر إلى آفاق مستقبل جديد*. ‬

أولاً*: ‬الحراك الدستورى من الاهتمام بالسياسة إلى الاهتمام بالمجتمع*:‬

يحكم الوثائق الدستورية فى التاريخ المصرى ميل بإتجاه إلى الامتداد والاتساع،* ‬من الاهتمام بالقضايا والمسائل ذات العلاقة بالنظام السياسى إلى الاهتمام بقضايا المجتمع*. ‬تأكيدا لذلك اننا إذا تأملنا دستور* ‬1923،* ‬هو أول الوثائق الدستورية الأكثر إكتمالاً،* ‬فإننا سوف نجده أن إهتمامه قد تركز بالأساس على إستكمال بناء الدولة والنظام السياسى،* ‬حيث إهتمت بنوده بإستكمال بناء البيروقراطية الحكومية وأسلوب مراقبة الموظفين،* ‬إضافة إلى أنه أرسى أسس المرحلة الليبرالية الأولى،* ‬حيث حدد السلطات الأساسية ومبدأ الفصل بين السلطات وتأسيس المؤسسات البرلمانية،* ‬إلى جانب وضع الأسس لإستكمال البنية الحزبية،* ‬ووضع القواعد الأساسية لإستجواب الوزراء إستناداً* ‬إلى ومسئوليتهم السياسية،* ‬بحيث* ‬يمكن القول بأن دستور* ‬1923* ‬وضع أسس الدولة المدنية*.‬

بالإضافة إلى ذلك،* ‬إتجهت* ‬غالبية مواد الدستور إلى تأكيد ملامح الحياة السياسية والاقتصادية*. ‬فإلى جانب إطلاق أسس بناء الحياة الحزبية،* ‬والتعددية البرلمانية،* ‬وأطلاق الحريات العامة والفردية،* ‬وأسس المشاركة السياسية،* ‬والتأكيد على نظام السوق الحر فى المجال الاقتصادى،* ‬إلى جانب إرساء بعض المبادئ الليبرالية كالتأكيد على حرية الصحافة،* ‬وحرية الرأى،* ‬وحرية الاعتقاد فى ظل شعار* "‬الدين لله والوطن للجميع*"‬،* ‬والمساواة بين المصريين فى الحقوق والواجبات والحفاظ على حرمة المنازل والممتلكات،* ‬بحيث* ‬يمكن القول بأن دستور* ‬23* ‬وضع أسس الدولة المدنية والحياة الديموقراطية،* ‬حيث عالج المسائل المتعلقة بالنظام السياسى دون التطرق إلى القضايا المتعلقة بالمجتمع*.

وإذا كانت الفترة من* ‬1952* ‬وحتى* ‬1970* ‬قد شهدت صدور إعلانات دستورية كالإعلان الدستورى الصادر فى* ‬10* ‬ديسمبر* ‬1952،* ‬والإعلان الدستورى الثانى الصادر* ‬فى* ‬10* ‬فبراير* ‬1953* ‬والذى* ‬يتضمن أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال فترة الانتقال وبعد ثلاث سنوات فى* ‬يناير* ‬1956* ‬صدر الإعلان الدستورى النهائى،* ‬وفى مارس* ‬1958* ‬صدر دستور الوحدة عام* ‬1958* ‬إثر إعلان الوحدة فى فبراير* ‬1958،* ‬ثم الدستور المؤقت لمصر الصادر فى* ‬25* ‬مارس* ‬1964.* ‬ونحن إذا تأملنا الوثائق الدستورية لهذه المرحلة،* ‬فسوف نجد أنها تعبر عن الحالة الثورية التى عاشها المجتمع حينئذ،* ‬والتى إهتمت بتحديد التوجهات الداخلية والأقليمية للمجتمع،* ‬إضافة إلى تحديد طبيعة التوجهات الأيديولوجية التى تضبط توجهات النظام السياسى والمجتمع،* ‬كالتحرك من الانتماء القومى العربى إلى الانتماء الأشتراكى،* ‬وهو الأمر الذى إستتبع تحديد الفئات الاجتماعية الأولى بالإهتمام كالعمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية إضافة إلى تحديد هوية التنظيمات السياسية التى تشكل جسر العبور بين الدولة والمجتمع*.
‬وإذا كانت هذه المرحلة قد تميزت بكثافة الاعلانات الدستورية تعبيراً* ‬عن الحالة الثورية والتغيرات المتلاحقة التى شهدتها هذه المرحلة*. ‬وفى هذا الإطار،* ‬فإننا نستطيع القول بأنه إذا كانت الإعلانات الدستورية فى الفترة من* ‬1923* ‬وحتى* ‬1952* ‬كانت تهتم باستكمال البناء السياسى للدولة حينئذ،* ‬فإننا نجد أن العلاقات الدستورية للفترة من* ‬1952* ‬حتى* ‬1964،* ‬حاولت الاقتراب نسبيا من المجتمع،* ‬وفى العموم،* ‬فإن هذه الفترة تميزت بعدم الاستقرار الدستورى الذى* ‬يتوازى مع عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى الذى فرضته استكمال مسيرة الثورة*. ‬

على خلاف ذلك نجد دستور* ‬1971* ‬الدائم،* ‬الذى صدر فى أعقاب وفاة الرئيس عبد الناصر وتولى الرئيس السادات الذى أصدر هذا الدستور،* ‬الذى اقترب كثيراً* ‬من تناول أوضاع المجتمع،* ‬محاولاً* ‬الأرتقاء بها،* ‬إلى نطاق تحقيق التماسك الاجتماعى*. ‬تأكيدا لذلك نصت المادة السابعة من الدستور على أهمية أن* ‬يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى،* ‬الذى* ‬يستند إلى التأكيد على العدالة الاجتماعية ومنع الاحتكار والاستقلال،* ‬وتوزيع الأعباء العامة بصورة عادلة،* ‬وأهمية كفالة الدولة لتكافؤ الفرص بين المواطنين*. ‬كما تكفل الدولة توفير الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية،* ‬وبوجه خاص فى القرية،* ‬كذلك المادة السابعة التى أكدت على أهمية أن تكفل الدولة التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين،* ‬وذلك وفقاً* ‬للقانون*. ‬

كما أكدت المادة التاسعة من الدستور على الأسرة كأساس للمجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية،* ‬كما تحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية،* ‬وما* ‬يتجسد فيها من قيم وتقاليد*. ‬كما أكدت المادة العاشرة حماية الأمومة والطفولة ورعاية النشء والشباب،* ‬كذلك أكد الدستور على المقومات الدينية والأخلاقية للمجتمع،* ‬حيث نجد أن الدستور* ‬يتجه إلى تعميق الالتزام الدينى*. ‬ويتجلى ذلك من خلال أنه فى حين أكدت المادة الثانية فى الدستور على أن الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية،* ‬ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع،* ‬فإن هذه المادة عدلت فى* ‬1980،* ‬أى بعد تسع سنوات بعد الاستفتاء الشعبى،* ‬حيث أصبحت العبارة الثانية من المادة الثانية تنص* "‬على مبادئ الشريعة االإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع والقوانين التى تصدرها الدولة*".‬

وذلك* ‬يعنى،* ‬حسبما تشير المضامين الدستورية،* ‬أنه إذا كانت الليبرالية الأولى قد قصرت اللعبة السياسية على النخبة السياسية والثقافية والاقتصادية بالمعنى الواسع،* ‬وأستخدمت الجماهير كآلية للضغط الذى تتطلبه ظروف سياسية محددة*. ‬فإننا نجد أن المرحلة الاشتراكية نزلت حسبما تذهب المضامين الدستورية إلى الجماهير فى المجتمع،* ‬تدعوها إلى المشاركة،* ‬خاصة الفئات الأولى بالرعاية من قبل التوجه الاشتراكى كالعمال والفلاحين والطبقة المتوسطة عموما،* ‬باعتبار الألتزام الإشتراكى للزعيم عبد الناصر*. ‬يضاف إلى ذلك فإننا نجد أن العقد الأول من الليبرالية الثانية شهد إهتماما بتطوير أوضاع المواطنين فى المجتمع،* ‬بل والحفاظ على التكوينات التى تشكل مقومات المجتمع*. ‬ربما* ‬يرجع ذلك إلى أن الرئيس السادات الذى صدر فى عصره دستور* ‬1971،* ‬قد استدعى بنزعته الأبوية ميراثه الريفى المؤكد على تقاليد القرية،* ‬والأسرة المصرية الصغيرة أو الكبيرة* "‬المجتمع*"‬،* ‬التى إعتبر نفسه ربالها*. ‬على هذا النحو،* ‬نجد أن المضامين الدستورية تحركت فى خلال خمسة عقود مما هو سياسى إلى ما هو اجتماعى وسياسى*.

ثانياً*: ‬تقنين الدساتير وإضفاء الشرعية على التحولات السياسية والاجتماعية الجديدة

الوثيقة الدستورية ذات طبيعة استراتيجية بالأساس،* ‬ومن ثم فهى تعبر عن حالة تحول اجتماعى* ‬يمر بها المجتمع،* ‬تفرضها ضغوط معينة،* ‬فى الغالب ذات طبيعة شعبية،* ‬وأحيانا ذات طبيعة فئوية أو طبقية،* ‬وفى بعض الأحيان ذات طبيعة عالمية باعتبار أن التحولات التى قد* ‬يمر بها المجتمع،* ‬هى تحولات تتم بفعل قوى إجتماعية،* ‬تضغط حتى* ‬يقوم النظام السياسى بقيادة المجتمع فى إتجاه محدد،* ‬على أن* ‬يتم ذلك فى نطاق بيئة عالمية موافقة للتحول أو حتى مضادة له*.
على هذا النحو* ‬،فإننا نجد أن الوثيقة الدستورية فى* ‬غالب الأحيان هى تقنين لتحول حدث،* ‬وأحيانا تدفع المجتمع بإتجاه تحول* ‬ينبغى أن* ‬يحدث أو* ‬يقع*. ‬وفى الغالب فإننا نجد أن النخبة الاجتماعية والسياسية والثقافية تقوم بدورها التنويرى بإتجاه الدفع لوقوع التحول،* ‬وكذلك بإتجاه تقنينه بوثيقة دستورية*. ‬فى هذا الإطار نستطيع أن نرصد فى التاريخ المصرى عدة تحولات أساسية،* ‬ذات علاقة عضوية بالوثائق الدستورية*. ‬

فى المرحلة الأولى وهى المرحلة صدرت فى نطاقها مجموعة من الوثائق السياسية والدستورية التى عاصرت وشهدت بلورة هوية الدولة المصرية،* ‬وهى الهوية التى بدأ تشكلها من خلال ثورة الشعب المصرى فى عام* ‬1805،* ‬والذى صدر بتاثيرها فرمان سلطانى ثبت بمقتضاه محمد على باشا واليا على مصر،* ‬بإعتبارها ولاية بدأت تنفصل نسبيا عن الخلافة العثمانية*.
‬وفى المرحلة التى تولى فيها محمد على وأبناؤه من بعده شهدت مصر تحولات ونضالات اجتماعية وشعبية انتهت بقيام الثورة العرابية* ‬1881.* ‬التى طالبت بتمصير* ‬القيادة المصرية للجيش المصرى،* ‬إلى جانب المطالبة بعديد من الاصلاحات الاجتماعية والسياسية،* ‬وهى المطالبات التى استجاب لها دستور* ‬1882* ‬الذى أصدره الخديوى توفيق ألغته سلطات الاحتلال البريطانى حينئذ،* ‬وانتهى استكمال بناء الهوية المصرية من خلال صدور مجموعة من الوثائق الأساسية ذات الطبيعة الدستورية كالسياستنامة التى صدرت فى عام* ‬1837،* ‬ولائحة مجلس شورى النواب فى* ‬1876* ‬والتى رفضها الخديوى توفيق،* ‬بحيث لعب هذا الظرف دوراً* ‬فى اندلاع الثورة العرابية،* ‬التى طالبت بتشكيل مجلس النواب،* ‬وأجبر الخديوى توفيق على قبول إعادة الحياة النيابية،* ‬وأجريت إنتخابات بمجلس شورى النواب،* ‬وفى* ‬7* ‬فبراير1882،* ‬أصدر الخديوى توفيق القانون الأساسى،* ‬واللائحة الأساسية التى صدرت فى* ‬53* ‬مادة تضمنت أن تكون الوزارة مسئولة أمام مجلس النواب،* ‬الذى له سلطة التشريع،* ‬ومساءلة الوزراء*. ‬ويدرك المتأمل لهذه اللأئحة عن تضمنها لنظام نيابى متقدم،* ‬حتى تدخلت أنجلترا وأحتلت مصر عسكريا،* ‬وفشلت هذه التجربة الدستورية*.

ووفقا للسياستنامة تم تنظيم الحكومة فى سبعة دواوين،* ‬كما تبلورت السلطة القضائية للضبط والربط فى القاهرة،* ‬وبداية تشكيل الوزارات الأساسية*. ‬وبموجب لائحة مجلس النواب فى عام* ‬1866* ‬أنشأ الخديوى إسماعيل مجلس شورى النواب ووضع نظامه فى لائحتين عرفت الأولى باسم اللائحة الأساسية،* ‬حيث منح المجلس بموجبها صلاحيات كثيرة،* ‬وفى* ‬1878* ‬أنشئ مجلس للنظار،* ‬وإرتباطا بذلك تم تقدير المسئولية الوزارية بموجب لائحة* ‬يونيو* ‬1979* ‬كذلك الائحة الأساسية فى* ‬1882* ‬والقانون النظامى المصرى الصادر فى مايو* ‬1883* ‬والقانون النظامى الصادر فى* ‬1913* ‬حتى صدور تصريح* ‬فبراير* ‬1922* ‬والذى إعترف بالإستقلال القانونى لمصر،* ‬وألغى الحماية البريطانية،* ‬وتحول اسمها من سلطنة إلى مملكة*.

ويمكن القول بأن النخبة السياسية والثقافية قد لعبت دوراً* ‬سياسيا فى هذا التحول،* ‬إبتداء من الدور الذى لعبته النخبة الدينية،* ‬وهو الدور الذى توج بتولية محمد على واليا على مصر*. ‬إضافة أيضاً* ‬إلى دورها فى الإسهام فى بناء المشروع الاجتماعى والسياسى لمحمد على باشا ومن بعدها الخديوى إسماعيل،* ‬إضافة إلى الدور الذى لعبته هذه النخبة فى المرحلة السابقة على الثورة العرابية،* ‬حيث تمثل ذلك فى ظهور المعارضة السياسية فى مجلس شورى النواب،* ‬كما قام بعض الكتاب بدورهم التنويرى فى الصحف،* ‬فى هذه الفترة إتجه دور النخبة حينئذ نحو بلورة وتعزيز المطالب الشعبية بإنشاء مجلس له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع،* ‬إضافة إلى المطالبة بالاستقلال وإستنفار الارادة الشعبية حتى قيام ثورة* ‬1919* ‬،* ‬وهى الثورة التى شكلت طاقة ضاغطة لصدور إعلان* ‬28* ‬فبراير* ‬1922،* ‬بحيث* ‬يمكن القول بأن ضغط النخبة،* ‬وقدرتهم على إستنفار الارادة الشعبية لعب دور أساسيا فى تأسيس التحولات المتتابعة التى وقعت على مدى مائة سنة تقريبا،* ‬صدرت فيها عديد من الوثائق الدستورية التى بلورت ملامح هذا التحول*.‬

* ‬وإذا كانت المرحلة الأولى قد شهدت وقوع تفاعلات وتحولات ساعدت على بلورة هوية الدولة المصرية،* ‬فإننا نجد أن التحولات التى بدأت بثورة* ‬1919،* ‬كانت تشير إلى بداية وقوع تحول جديد تأثر بالتحولات التى وقعت على الصعيد العالمى،* ‬منها إعلان مبادئ الرئيس ويلسون،* ‬وقيام الثور البلشفية فى روسيا وتأسيس الاتحاد السوفيتى،* ‬والإنقسام الأيديولوجى الذى وقع فى أوروبا*. ‬كما ساعدت على تفجر الثورة* ‬_* ‬التى شكلت بداية التحول الثانى الذى وقع على ساحة المجتمع المصرى* - ‬الأضرار التى سببها الاحتلال البريطانى لمختلف فئات المجتمع المصرى*.
‬من ذلك مثلا رفض بريطانيا تصنيع مصر،* ‬إلى جانب معاناة الطبقة العاملة والبرجوازية المصرية من جراء تغلغل الرأسمالية الأجنبية،* ‬بحيث دفعت هذه الظروف إلى جانب أداء النخبة لدورها التنويرى،* ‬إلى تفجر ثورة* ‬1919،* ‬والتى تحول فيها ما هو إجتماعى إلى ما هو سياسى،* ‬حيث تبلورت المطالب الشعبية من خلال الثورة لتتجه إلى المطالبة بالاستقلال التام وليس الحكم الذاتى،* ‬وهو ما تحقق نسبيا فى تصريح* ‬22* ‬فبراير* ‬1922،* ‬وتأكد بصدور دستور* ‬1923،* ‬بحيث دفعت هذه الثورة الإنجليز إلى تقديم تسهيلات للبرجوازية المصرية فى محاولة للالتفاف على الثورة الشعبية*.‬

* ‬ومن الواضح أن التحول الثانى كانت له طبيعته السياسية بالأساس،* ‬حيث تبلورت هوية النظام السياسى باستكمال تأسيس المجالس النيابية،* ‬واستقرار بناء الأحزاب السياسية،* ‬بحيث أصبحت اللعبة السياسية بين فواعل أربعة حينئذ*. ‬الفاعل الأول* ‬يتمثل فى الإنجليز الذين بيدهم السلطة الفعلية فى البلاد،* ‬بينما* ‬يتحدد الفاعل الثانى بالقصر وعلى رأسه الملك فؤاد*. ‬وتشكل الأبنية السياسية كالمجالس النيابية والأحزاب الفاعل الثالث على المسرح السياسى المصرى،* ‬يضاف إلى ذلك الفاعل الرابع،* ‬والذى* ‬يتمثل فى مختلف فئات الشعب التى أصبحت لها قوتها الضاغطة حينئذ،* ‬خاصة الفئات التى سكنت السياقات الحضرية،* ‬أى المدن،* ‬والتى لعبت النخبة دوراً* ‬أساسيا فى إنضاج وعيها*. ‬

وبغض النظر عن حالة عدم الاستقرار السياسى فى هذه الفترة،* ‬وهى الفترة التى إمتدت من عام* ‬1919* ‬وحتى ثورة* ‬1952،* ‬والتى ألغيت فيها وثائق دستورية عديدة،* ‬كما حدث فى ألغاء الدستور فى عام* ‬1930* ‬وعودة العمل به فى عام* ‬1932،* ‬وتبادل الأحزاب،* ‬وحتى الفواعل الأربعة المواقع فى اللعبة السياسية لهذه المرحلة،* ‬فإن الأمر اللافت للنظر،* ‬أنه فى أعقاب نتاج التحول السياسى الذى أسسة ثورة* ‬1919،* ‬والذى نظمة وحددت طبيعته مواد ومضامين دستور* ‬1923،* ‬فإن النخبة الثقافية والاجتماعية والسياسية،* ‬إتجهت حينئذ للاتساع بالنضال مما هو سياسى إلى ما هو إجتماعى،* ‬حيث بدأ الحديث عن ضرورة تطوير البناء الصناعى للمجتمع المصرى،* ‬وهو التطوير الذى جسدت بعض جوانبه البرجوازية الحضرية بقيادة الزعيم الاقتصادى طلعت باشا حرب،* ‬إضافة إلى السعى بإتجاه تطوير البناء الزراعى،* ‬وهو الجهد الذى نادت به مختلف النخب الأيديولوجية فى هذه الفترة،* ‬وقدمت فى إطاره مشروعات عديدة ماركسية وليبرالية لإصلاح البناء الزراعى والطبقى فى المجتمع المصرى،* ‬وهى المشروعات التى لعبت دوراً* ‬أساسياً* ‬فى بناء المشروع الاجتماعى لثورة* ‬يوليو* ‬1952،* ‬التى شكلت بداية التحول الثالث*. ‬وقد تضافر مع هذه الجهود،* ‬تأسيس جماعة الإخوان المسلمين فى عام* ‬1928،* ‬التى حاولت الدفاع عن الهوية الثقافية المصرية فى مواجهة الاختراق الثقافى،* ‬الذى صاحب الاحتلال البريطانى لمصر،* ‬حيث إتجهت إلى الإحياء الدينى كمدخل للإحياء الثقافى،* ‬باعتبار أن الدين* ‬يشكل فى الغالب قاعدة الثقافة*. ‬بحيث* ‬يمكن القول بأن العقود الثلاثة التى إمتدت من صدور دستور* ‬1923ن وحتى ثورة* ‬1952* ‬شكلت مقدمات مهدت للتحول الثالث الذى بدأ مع ثورة* ‬1952.* ‬

ويمكن القول بأن التحول الثالث كان أكثر التحولات درامية فى التاريخ المصرى،* ‬حيث قامت الثورة بواسطة نخبة الطبقة المتوسطة والتى كان عليها أن تواجه ضرورة الوفاء باستحقاقات كثيرة أبرزها إستكمال الاستقلال،* ‬الذى وضعت بداياته فى الاستقلال القانونى بدستور* ‬1923،* ‬باستكمال جلاء الإنجليز،* ‬ثم التأكيد على إنتماء مصر العربى والاتجاه القوى الذى تأكد فى الفترة من* ‬1952* ‬حتى قيام الوحدة المصرية السورية فى* ‬1958،* ‬وبانهيار الوحدة فى* ‬1961* ‬بفعل ضغوط القوى الليبرالية على الصعيد الداخلى والاقليمى والعالمى،* ‬وهو الأمر الذى دفع القيادة السياسية إلى تبنى الأيديولوجيا الاشتراكية إبتداء من عام* ‬1961،* ‬بعد أن أدركت أن القوى الليبرالية لا تريد* ‬لمصر استقلالا حقيقيا،* ‬إلى أن تمكنت القوى الليبرالية من توجية ضربة قاصمة للتجربة المصرية سواء على مستوى التحديث أو على مستوى الاستقلال فى عام* ‬1967،* ‬وهو الأمر الذى دفع النخبة السياسية والثقافية حينئذ إلى التصميم تحت وطأة الضغوط الشعبية حينئذ،* ‬على المضى قدماً* ‬فى إتجاه تأكيد الاستقلال واستكمال عملية التحديث،* ‬وهو التحول الذى تحددت نهايته بموت الزعيم الاشتراكى ناصر*. ‬

ونظراً* ‬لأن التحول كان شاملاً* ‬وفى كل الاتجاهات،* ‬فقد تميزت هذه المرحلة بكثافة الاعلانات الدستورية التى توازنت مع كثافة الأحداث التى ميزت هذا التحول،* ‬حيث محاولة أعادة صياغة المجتمع المصرى وفق رؤية ثورية جديدة*. ‬مثال على ذلك أن دستور* ‬1952* ‬إرتبط بالصراع على السلطة،* ‬وهو الصراع الذى قدم فى إطاره دستور* ‬1954* ‬بواسطة أحد أجنحة السلطة،* ‬وهو الدستور الذى رفضه الرئيس ناصر،* ‬وشكل بعد ثلاث سنوات مجموعة صاغت دستور* ‬1956 .وحينما قامت الوحدة مع سوريا صدر دستور* ‬1958* ‬الذى تشكل من إعادة استدعاء دستور* ‬1956،* ‬مع إضافة بعض المواد التى تتناسب مع قيام الوحدة*. ‬وحينما وقع الانفصال فى* ‬1961* ‬لم تحدث عودة إلى دستور* ‬1956،* ‬ولكن صدر دستور* ‬1964* ‬المؤقت،* ‬الذى برزت فيه المضامين الاشتراكية كالتأكيد على نسبة* ‬50٪* ‬من العمال والفلاحين فى التنظيمات السياسية،* ‬إلى جانب* ‬إضافة بعض المواد التى تدفع بالمجتمع على طريق التوجه الاشتراكى،* ‬وهو الأمر الذى* ‬يشير إلى تحالف الدولة المصرية حينئذ مع المعسكر الاشتراكى،* ‬وارتفاع وتيرة معاداة التوجه الليبرالى سواء على الصعيد الداخلى أو الأقليمى أو العالمى*.

وقد بدأ التحول الرابع مع وفاة الرئيس ناصر،* ‬وتولى الرئيس السادات الذى إستطاع أن* ‬يخرج منتصراً* ‬من صراع القوى،* ‬والذى سعى فى إطاره الرئيس الجديد تقليص ارتباطاته بالمعسكر الاشتراكى وتعميق علاقاته بالتوجه الليبرالى والقوى الليبرالية فى العالم*. ‬ويمكن القول بأن الرئيس السادات شرع فى تأسيس تحول كان محكوما بأريعة قوى،* ‬حيث تمثلت القوة الأولى فى التيار الدينى،* ‬الذى استدعاه الرئيس السادات لمواجهة الماركسية والناصرية المناوئة،* ‬بينما تتمثل القوة الثانية فى الشرائح والفئات الشعبية،* ‬التى* ‬ينتمى* ‬غالبها إلى الطبقة الوسطى،* ‬التى استفادت من المرحلة القومية والاشتراكية للرئيس عبد الناصر*. ‬حيث أدرك الرئيس السادات أنها سوف تكون قوى مناوئة له،* ‬إذا حاول المساس بإمتيازاتها*. ‬بينما تمثل الطبقة العليا،* ‬التى فرض عليها النظام السياسى الناصرى قدراً* ‬كبيراً* ‬من العنت القوة الثالثة*. ‬حيث سعى الرئيس السادات لعودتها إلى الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،* ‬للاستفادة منها فى بناء عملية التحديث،* ‬وكمدخل للحصول على قبول القوى الرأسمالية العالمية* ‬_* ‬وهى القوة الرابعة فى هذه المرحلة* ‬_* ‬لتأييد نظامه السياسى،* ‬خاصة أنه كان نظام ضعيف الشرعية فى بدايته،* ‬بحيث* ‬يمكن القول بأن دستور* ‬1971* ‬شكل الساحة التى تفاعلت عليها القوى الأربع،* ‬ومن ثم فقد صدر بالأسلوب والطبيعة التى كان عليها*. ‬

* ‬وحتى* ‬يقنن الرئيس السادات تحوله من التوجه الاشتراكى إلى التوجه الليبرالى،* ‬تشكلت لجنة لصياغة الدستور،* ‬جاءت بدستور* ‬يؤسس نظام برلمانى على* ‬غرار دستور* ‬1954،* ‬غير أن السادات رفضه*.‬،* ‬ثم شكلت لجنة جديدة لصياغة دستور* ‬1971،* ‬الذى كان من أهم سماته أنه* ‬يشكل حالة تحول من الاشتراكية إلى الليبرالية،* ‬ومن ثم فقد حمل سماتهما معا*. ‬يضاف إلى ذلك* ‬،* ‬أن القراءة الفاحصة لهذا الدستور،* ‬تشير إلى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات التشريعية والقضائية*. ‬حيث تمت هندسة مواد هذا الدستور بحيث تصبح* ‬غالبية الصلاحيات تقريبا فى* ‬يد رئيس الجمهورية،* ‬دون أن تكون فى* ‬يد أى مستوى أدنى من ذلك*. ‬وفى عام* ‬1980* ‬كانت شرعية الرئيس السادات قد تدعمت بإنتصار أكتوبر* ‬1973،* ‬ومن ثم فقد قرر إجراء تعديل فى سنة* ‬1980* ‬فى المادة* ‬77* ‬بدستور* ‬1971،* ‬والخاصة بمدة الرئاسة،* ‬وجعلها مدداً* ‬بدلا من مدة واحدة،* ‬إضافة إلى تعديل المادة* ‬المتعلقة بالشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع إرضاءً* ‬للقوى الدينية حينئذ*.

ويشير المتأمل لدستور* ‬1971* ‬إلى تداخل التوجهات الاشتراكية والليبرالية على ساحته،* ‬ارضاء للقوى الاشتراكية من ناحية،* ‬فى مقابل ارضاء القوى الليبرالية من ناحية ثانية*. ‬ذلك إلى جانب التحلل التدريجى وغير المحسوس من الإرث الاشتراكى،* ‬حتى لا* ‬يتسبب التغيير الجذرى فى إستنفار القوى الاجتماعية* ‬غير الموالية ضد نظامة،* ‬فى وقت كانت شرعيتة ضعيفة على نحو ما أشرت*.
‬ولذلك نجد أن مضامين مواد الدستور تعكس تبايناً* ‬فى التوجهات الأيديولوجية،* ‬تأكيد لذلك ما تذهب إليه المادة الأولى حول بناء مجتمع* "‬ديموقراطى على أساس المواطنة*" ‬بدلا من الحديث عن* "‬تحالف قوى الشعب العاملة*" . ‬كذلك القول بأن الاقتصاد الوطنى* ‬يقوم على الحرية الاقتصادية وكفالة كافة أشكال الملكية،* ‬وفى نفس الوقت الحديث عن الحفاظ على حقوق الطبقة العاملة*"‬،* ‬والقول فى المادة* ‬24* ‬بأن* "‬الدولة ترعى الإنتاج الوطنى،* ‬وتعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية*" ‬بدلا من سيطرة الشعب على أدوات الإنتاج*. ‬وإلغاء أن تكون الملكية العامة سندا لقوة الوطن وأساساً* ‬للنظام الاشتراكى،* ‬ومصدراً* ‬لرفاهية الشعب من المادة* ‬33*". ‬وفى المادة* ‬33* ‬إلغاء عبارة* "‬بما* ‬يؤكد تحالفات قوى الشعب العاملة على مستوى القرية*". ‬وفى المادة* ‬59* ‬إلغاء عبارة* "‬حماية المكاسب الاشتراكية وإستبدالها بحماية البيئة*". ‬وفى المادة* ‬73* ‬رفع عبارة* "‬حماية رئيس الدولة للمكاسب الاشتراكية*: ‬وفى المادة* ‬180* ‬رفع عبارة* "‬حماية النضال الشعبى والاشتراكية*" . ‬حيث نجد أنه وإن شكل دستور* ‬1971* ‬جسر العبور الهادئ من المرحلة الاشتراكية السابقة إلى الليبرالية المستهدفة،* ‬فإن تعديلات* ‬1980* ‬أكدت على التحول الليبرالى،* ‬وقامت بتنقية الدستور من بقايا الصياغات المرتبطة بالمرحلة الاشتراكية لأن شرعية النظام أصبحت قوية* ‬_* ‬حينئذ* ‬_* ‬كما أشرت،* ‬بحيث مكنته من إجراء هذه التعديلات*. ‬

ومع اغتيال الرئيس السادات وتولى الرئيس مبارك السلطة،* ‬بانتقال دستورى هادئ،* ‬استمر دستور* ‬1971* ‬بتعديلاته التى صدرت فى* ‬1980* ‬يحكم التحول الليبرالى الجديد الذى كشف عن وجهه صراحة*. ‬حيث بدأت عديد من المظاهر السلبية تطفو على سطح المجتمع*. ‬من هذه المظاهر زيادة تبعية النظام السياسى والدولة والمجتمع للقوى العالمية،* ‬والاندماج السياسى والاقتصادى فى النظام العالمى*. ‬بشروط القوى العالمية والمؤسسات الدولية*. ‬من المظاهر السلبية أيضا توحش القوى الرأسمالية فى المجتمع،* ‬بحيث إتجهت إلى التحالف مع السلطة لتأمين أنشطتها،* ‬ومن ثم شوهت التحول الليبرالى الثانى،* ‬بممارسة الاحتكار والفساد،* ‬الذى تشرته على ساحة النظام السياسى ذاته*.
‬إضافة إلى ظهور نخبة فاسدة،* ‬ساعدها فى السيطرة امتلاكها لرأسمال اقتصادى وسياسى واضح،* ‬أصبحت تسعى بموجبة وبصورة مستميتة لاستمرار النظام السياسى بقيادة الأب الرئيس العاجز،* ‬أو من خلال الإبن الذى لديه شبق الشوق إلى السلطة حتى تؤمن مصالحها،* ‬بحيث نجد أن التعديلات الدستورية التى صدرت خلال هذه الفترة،* ‬والتى تناولت المواد الدستورية* ‬76،77،78* ‬قد إستهدفت تأمين استمرار التحول المتراجع إلى الخلف،* ‬وإلى ضمان بقائه من خلال توريث الإبن دفة قيادة المجتمع،* ‬والسعى بإتجاه قطع الطريق أمام أية مطالبات أصلاحية أو تغييرية*.

ثالثاًً*: ‬الحضور العالمى فى صياغة الوثائق الدستورية

* ‬من الواضح أن القراءة المتأملة للدساتير المصرية،* ‬أو التعديلات التى أجريت عليها تشير إلى أن البعد العالمى كان حاضراً* ‬بصورة واضحة،* ‬وذلك باعتبار أن العالم الذى نعيش فيه أصبح قرية صغيرة،* ‬مجتمعاتها تؤثر فى بعضها بعضاَ*. ‬تأكيدا لذلك أننا إذا تأملنا الصياغات الدستورية التى وقعت فى المائة سنة الأخيرة،* ‬لوجدنا أن البعد العالمى كان حاضراً،* ‬خاصة أن الفترة التاريخية التى بدأ خلالها العالم* ‬يتعرف على بعضه بعضاً،* ‬من خلال الموجات الاستعمارية التى إنطلقت من أوروبا إلى مختلف أرجاء العالم المتخلف والنامى،* ‬أو بسبب الحروب العالمية الأولى والثانية،* ‬إضافة إلى الحركات التى تفجرت على أرض المستعمرات،* ‬والتى تسعى إلى الإطاحة بقوى الاستعمار*.

* ‬ويتمثل أول حضور للبعد العالمى من خلال قوى الاستعمار البريطانى التى تدخلت أكثر من مرة فى الاعلانات الدستورية المصرية سواء بإلغائها،* ‬كما حدث بالنسبة للأئحة الدستورية فى عام* ‬1882،* ‬وقد تواصل النضال الشعبى بسبب ذلك حتى صدور تصريح* ‬28* ‬فبراير عام* ‬1922،* ‬والذى اعترف فيه الاحتلال البريطانى باستقلال مصر،* ‬وإلغاء الحماية البريطانية على مصر،* ‬ثم صدر دستور* ‬1923* ‬الذى نظم حدود وعلاقات السلطات الثلاث*. ‬وقد ظلت قوى الاحتلال حاضرة على الساحة منذ* ‬1982* ‬وحتى* ‬1952،* ‬حيث كان لوجودها تأثير بارز،* ‬سواء على الإعلانات الدستورية،* ‬أو على المؤسسات العاملة وفقا لهذه الدساتير*. ‬

* ‬ومع قيام ثورة* ‬1952* ‬التى دفعت إليها الطبقة المتوسطة،* ‬وجلاء الاحتلال البريطانى عن مصر،* ‬بدأت حقبة التنمية والتحديث،* ‬والتى تشرذمت بسببها الطبقة المتوسطة إلى فريقين*: ‬أحدهما* ‬يؤكد على الديموقراطية الليبرالية،* ‬وهو الفريق الذى دفع بدستور* ‬1954* ‬الذى رفضه الفريق المقابل بقيادة جمال عبد الناصر،* ‬والذى أكد على العدل الاجتماعى،* ‬بحيث* ‬يمكن القول بأن الديموقراطية الليبرالية والتأكيد على ضرورة العدل الاجتماعى كانتا انعكاساً* ‬لأيديولوجيات عالمية،* ‬وكذلك أيديولوجيات قوى داخلية متصارعة،* ‬هى الأيديولوجيا الليبرالية والأيديولوجيا الاشتراكية*. ‬وحينما شنت القوى العالمية الليبرالية العدوان الثلاثى على مصر فى عام* ‬1956،* ‬وأسقطت طموحات الوحدة فى عام* ‬1961،* ‬سقط معها العمل بدستور* ‬1956،* ‬ودستور* ‬1958* ‬المرتبط بها*. ‬واتجه النظام السياسى حينئذ إلى صياغة دستور* ‬1964* ‬الاشتراكى بطبيعتة،* ‬والذى* ‬يعكس الحضور الكامل للأيديولوجيا الاشتراكية فى فضاء المجتمع،* ‬وهو الأمر الذى* ‬يعنى أن الوثائق الدستورية للفترة من* ‬1952* ‬_* ‬وحتى* ‬1970* ‬كانت فى صياغتها ومضامينها متأثرة بحضور القوى العالمية*. ‬

* ‬وفى الفترة من* ‬1971* ‬وحتى* ‬1980،* ‬وهى الفترة التى فتح الرئيس السادات أبواب المجتمع ونوافذه أمام الليبرالية والقوى الليبرالية،* ‬نستطيع أن تلمس هذا الحضور العالمى للصياغات الدستورية من خلال ثلاثة أبعاد،* ‬حيث* ‬يشير البعد الأول إلى الإشارات المتكررة فى دستور* ‬1971،* ‬إلى أهمية القطاع الخاص فى قيادة عملية التنمية والتحديث،* ‬وهو بعد تؤكد عليه وتدعمه القوى الليبرالية فى العالم،* ‬خاصة أن القطاع الخاص القومى والأجنبى* ‬يحتمى عادة بنفوذ هذه القوى،* ‬ويتمثل البعد الثانى فى التعديلات الدستورية التى تؤكد على التعدد الحزبى،* ‬وتأكيد التحول الديموقراطى،* ‬من ذلك مثلاً* ‬ما تذهب إليه المادة* ‬62* ‬فى دستور* ‬1971،* ‬والتى تؤكد على تنظيم النظام الانتخابى بما* ‬يضمن تمثيل الأحزاب السياسية وتأكيد تمثيل المرأة فى المجلسين،* ‬وهى قضايا تؤكد عليها القوى العالمية بشكل عام*. ‬فى حين* ‬يتصل البعد الثالث بالتأكيد على خيار السلام،* ‬باعتبار أن القوى العالمية* ‬يهمها خيار السلام،* ‬حيث نص دستور* ‬1971* ‬على التصميم على خيار السلام القائم على العدل،* ‬باعتبار أن ذلك* ‬يجلب دعم القوى العالمية للنظام السياسى*. ‬

وقد استمر نفس المنطق فى عصر الرئيس مبارك،* ‬حيث انعكس خضوعة للقوى العالمية من خلال مؤشرات عديدة،* ‬كالتأكيد على حقوق المرأة،* ‬وتوفير الحد الأدنى لمشاركتها الاجتماعية والسياسية*. ‬إضافة إلى تطوير التشريعات سواء داخل بنية الدستور أو فى الصياغات القانونية الأدنى،* ‬ويدخل فى هذا الإطار إنشاء المؤسسات القومية للمرأة كالمجلس القومى للمرأة على سبيل المثال*. ‬أو تطوير بعض المواد الدستورية التى تشير إلى عمق الالتزام بإنجاز التحول الديموقراطى،* ‬ودعم المجتمع المدنى،* ‬بإعتبار أن ذلك من شأنه أن* ‬يجمّل وجه النظام السياسى على الصعيد العالمى،* ‬ولو لم* ‬يشر إلى تحقيق إنجازات حقيقية على الصعيد القومى*.‬

راغب السيد رويه
19-07-2012, 02:11 AM
* ‬من الواضح أن القراءة المتأملة للدساتير المصرية،* ‬أو التعديلات التى أجريت عليها تشير إلى أن البعد العالمى كان حاضراً* ‬بصورة واضحة،* ‬وذلك باعتبار أن العالم الذى نعيش فيه أصبح قرية صغيرة،* ‬مجتمعاتها تؤثر فى بعضها بعضاَ*. ‬تأكيدا لذلك أننا إذا تأملنا الصياغات الدستورية التى وقعت فى المائة سنة الأخيرة،* ‬لوجدنا أن البعد العالمى كان حاضراً،* ‬خاصة أن الفترة التاريخية التى بدأ خلالها العالم* ‬يتعرف على بعضه بعضاً،* ‬من خلال الموجات الاستعمارية التى إنطلقت من أوروبا إلى مختلف أرجاء العالم المتخلف والنامى،* ‬أو بسبب الحروب العالمية الأولى والثانية،* ‬إضافة إلى الحركات التى تفجرت على أرض المستعمرات،* ‬والتى تسعى إلى الإطاحة بقوى الاستعمار*.

جزاك الله خيرا وبارك فيك