![]() |
أدب الله تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه، نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله؛ وأن يجعلها بين يدي كل مهماته، وجعل الله تعالى ذلك لجميع خلقه سنة يستنون بها؛ وسبيلاً يتبعونه عليها، في افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل "بسم الله" على ما بطن من مراده، وذلك أن "البا" من "بسم الله" مقتضية فعلا يكون لها جالباً، وليس معها فعل ظاهر، فأغنت تلك الباء السامع عن حاجته أن يذكر القائل مراده، إذ كان كل ناطق بجملة "بسم الله" عند افتتاحه أمراً قد أحضر منطقه به: إما معه، وأما قبله، بلا فصل -: ما قد أغنى سامعه من دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح قيله نظير استغنائه إذا سمع قائلا، قيل له: ما أكلت؟ فقال: تفاحًا - مثلاً - فإنّ في تقدم السؤال على هذه الصورة ما يغنيه عن أن يقول: أكلت تفاحًا. فمعقول إذن أن قول القائل "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم يأخذ في تلاوة السورة: منبئ أن معناه: أتلو بسم الله الرحمن الرحيم، أو أقرأ بسم الله الخ، وكذلك قوله "بسم الله" فقط عند نهوضه للقيام، أو أخذه في أي آخر من سائر أفعاله: منبئ عن مراده بقوله "بسم الله" أنه أراد: أقوم بسم الله، أو أقعد بسم الله. وليس المراد من هذا الفعل الدلالة على البداءة فقط في الشيء الذي سيبدأ فيه: من قراءة، أو قيام، أو أكل، أو نحو ذلك، بل هناك معنى آخر يقصد إليه البادئ بالبسملة في القراءة، أو بذكر الله في الأكل أو القيام؛ أو نحوه وهو -: الاستعانة بالله سبحانه وتعالى على القيام حق القيام بما هو قاصد إلى فعله من ذكر وعبادة، وطلب المدد منه جل ذكره وتقدست أسماؤه في المعونة والتوفيق لما هو بسبيله من عمل ديني أو دنيوي، بل هذا هو المقصود الأول من قول القارئ "بسم الله الرحمن الرحيم" وقول غيره من كل بادئ في عمل "بسم الله". وليس يبعد أن يقصد قائل "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل قراءته لسورة من الذكر الحكيم: أن يشعر نفسه والسامع ما لهذا القرآن من عظمة وجلال، وما على النفس المؤمنة أن تشعر به حين تلاوته وسماعه من الإصغاء إليه والسكون والخشوع عنده، والانقياد له، والطاعة الخالصة لهدايته. فإنه المرسوم الإلهي الأكرم. المنزل من عند الله العزيز الحميد ﴿ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6]. فكأن "بسم الله الرحمن الرحيم" هي عنوان ذلك المرسوم الإلهي: والتصدير الذي يطلب إلى التالي والسامع السكون والإصغاء ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]. ولفظ "الله" هو العلم لرب العالمين، خالق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما وهو علم على الذات الأقدس، وبقية الأسماء الحسنى دوال على الصفات العلية، وقد أبعد - فيما أعلم - من قال أنه مشتق من مادة "أ ل ه" فإن "الإله" قد استعمل في القرآن وغيره من كلام العرب في الحق والباطل، و "الله" لم يطلق إلا على الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. واختص هذه الجملة الكريمة بصفتي "الرحمن الرحيم" إشعاراً بأن مبعث هذه الشرائع السماوية كلها؛ ومصدرها هو صفة الرحمة، فينبغي للعباد أن يتقبلوها القبول الحسن، وأن يفتحوا قلوبهم لها، وأن يردوا مناهلها العذبة، فإنهم في أشد الحاجة إليها وأعظم الضرورة لخيرها ونفعها، وهي غيث القلوب ينزل به الوحي من فوق السموات العلي. فطوبى لقلب تلقاها فرحاً مسروراً مغتبطاً، وهي أعظم بركة على الأرض وأهلها من غيث الماء الذي يحمله السحاب من السماء الدنيا، ولقد وصف الله غيث المطر بالرحمة فقال ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28] ووصف بها غيث العلوم والهداية، فقال في غير آية ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ فكان أجمل الجمال، وأكمل الإعجاز: وصف الله تعالى نفسه في هذه الجملة بهاتين الصفتين "بسم الله الرحمن الرحيم". ما أبدعها من جملة، وما أبركها من كلمة، وما أحلاها في لسان المؤمن وسمعه وقلبه، وكذلك كل القرآن ﴿ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]. وما أعجب لشيء عجبي لزعم من زعم أنها ليست من القرآن، فإنك إن أردت الحق والعلم الصحيح تجد البراهين القاطعة آخذة برقاب بعضها آية بينة على أن "بسم الله الرحمن الرحيم" من القرآن الكريم، ويكفي أنها نقلت في المصاحف من يوم الصحابة إلى يومك هذا، وإلى ما بعده مع ما نقل من القرآن تواتراً قطعياً لا مرية فيه، ولا شبهة عند كل عاقل منصف، مع العلم القطعي أن الصحابة كانوا أحرص على تجريد القرآن من كل مغاير له، أمانة في التحمل، وأمانة في الأداء لم يعهد لها نظير في أي أمة، وحفظاً وصياناً من الله الذي أخذ على نفسه تعالت أسماؤه أن يكون أبداً حافظاً لهذا القرآن الكريم، لأنه حجته القائمة على خلقه إلى أن تقوم الساعة، الماحي لكل ما قبله، والخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأنت كذلك إذا أمعنت النظر- منصفاً مبرأ من العصبية - في مختلف الروايات التي جاءت في (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة، خلص لك من ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها في أول الفاتحة، وأول كل سورة، غير أنه كان يقرؤها سراً، لا جهراً مع الفاتحة، وقل إن كان يجهر بها، كما كان يجهر في بعض الأحايين بالتعوذ والاستفتاح والتسبيح على سبيل التعليم والإرشاد. وذلك دال عندي - والله أعلم - على أنها ليست من الفاتحة ولا من كل سورة، بل إنها سورة مستقلة تقرأ في مفتتح كل سورة، إلا سورة (براءة) التي لم يأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل البسملة في مفتتحها، وذلك طبعاً غيرها في سورة النمل؛ فإنه لا يشك مسلم أنها آية منها. والذي أعرف من السنة ومختلف أقوال السلف فيها: أنها إنما تقرأ - كما سبق - في مفتتح السورة لا في وسطها؛ ولا عند تلاوة أي آية من القرآن؛ إلا سورة النمل فأعتقد - والله أعلم - أن الصواب: أن يفتتح القارئ لشيء من بعض السورة بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقط؛ ويقتصر على ذلك، ولا يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) إلا إذا كان سيقرأ من أول السورة. وعجب من قرائنا أن يقرؤوها عند تلاوتهم (مثلا) بعض آي من سورة الأنفال؛ فإذا ختموها وأرادوا قراءة سورة براءة لم يقرؤوا (بسم الله الرحمن الرحيم) فلماذا هذا؟ فإن قالوا: إنه غير وارد قراءتها في أول براءة، قلنا: نعم، وهذا حق، وكذلك غير وارد قراءتها في وسط السورة، فكذلك فكونوا أبداً مع الوارد ولا تتعدوه، فخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وليس عندهم في ذلك إلا عادة غلبت على بعض حفظة القرآن، وقارئيه في المحافل و المجتمعات، وقلدهم في ذلك بعض من لم يعتن بتحقيق المسألة من الجهة العلمية. هدانا الله وإياهم إلى الصراط المستقيم. وقد صنف الإمام المحقق الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري المتوفى سنة 463 في البسملة كتاب (الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف) مطبوع في الرسائل المنيرية (ج 2 ص 153 - 194) جمع فيه كل ما ورد في موضوع البسملة من الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين والعلماء رضي الله عنهم أجمعين. وقد ذكر من حجج من أسقط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب في الصلاة وكره قراءتها فيها ولم يعدها آية - حديث أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين" ثم ساقه من طريق آخر إلى أبي الجوزاء عن عائشة قالت "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير؛ والقراءة بالحمد لله رب العالمين، ويختمها بالتسليم" قال أبو عمر: رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم، لا يختلف في ذلك إلا أنهم يقولون: إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة وحديثه عنها إرسال. وأما الفقهاء فيقولون: إن هذا الحديث لا حجة فيه لمن يرى إسقاط بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب؛ وإنما فيه الحجة على من رأى أن فاتحة الكتاب وغيرها سواء؛ وأنه جائز قراءتها وقراءة غيرها دونها في الصلاة؛ ويجيز أن يفتتح الصلاة بغيرها من القرآن. فهذا الحديث حجة على من قال ذلك؛ وأما من قال: إن الصلاة لا تجزئ إلا بأم القرآن، وأنها يفتتح بها القراءة في الصلوات دون ما سواها من القرآن، وأن ما سواها من القرآن إنما يقرأ في الصلاة بعد، فلا حجة عليه بهذا الحديث ولا بما كان مثله. قالوا: وإنما قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، تعنى دون غيرها من القرآن، و"الحمد لله رب العالمين" اسم لسورة أم القرآن، وفاتحة الكتب اسم أيضاً لها. وإنما قالت عائشة "يفتتح بالحمد لله رب العالمين" ولم تقل "دون بسم الله الرحمن الرحيم" لأنه لم يفد السامع فائدة، لأن بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة مثبتة في المصحف، وقد اختلفوا فيها: هل هي آية من أول كل سورة أو آية مفردة في أوائل السورة؟ كاختلافهم هل هي آية من الفاتحة على ما تقدم ذكره. وإنما قصدت عائشة رحمها الله إلى الإعلام بالسورة التي يفتتح بها الصلاة، وأخبرت بأي السور يفتتح قراءة الصلاة بكلام رفعت به الإشكال، فقصدت إلى ما في فاتحة الكتاب مما ليس في غيرها، لأن بسم الله الرحمن الرحيم في غيرها، فكان قولها "بالحمد لله رب العالمين" كما لو قال قائل: كان يفتتح الصلاة "ببراءة من الله ورسوله" ولم يقل بسورة التوبة، أو قال "بألم، أحسب الناس" ولم يقل بالعنكبوت، أو بق أو بيس ومثل هذا كثير، فكذلك قول عائشة: كان - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين ولم تقل بأم القرآن ولا بفاتحة الكتاب، لأنها قصدت إلى إعلام السامع بالسورة التي يفتتح بها قراءة الصلاة فسمتها بذلك، وليس فيه ما يسقط بسم الله الرحمن الرحيم ولا ما يثبتها. ثم ساق حجة من يسقط بسم الله الرحمن الرحيم: حديث أبي هريرة "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" وساق كل طرقه وألفاظه، وتكلم عليه متناً وإسناداً ثم قال: وأما من رأى إثبات بسم الله الرحمن الرحيم في أول فاتحة الكتاب فقالوا لا يجوز أن يحال اسم الصلاة إلى القراءة إلا بما لا إشكال فيه من المجاز أو بالدليل الذي لا يحتمل التأويل. قالوا: ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الله تبارك وتعالى "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" أن الصلاة دعاء وعبادة، فمن العبد الدعاء ومن الله الإجابة، ومن العبد الطاعة بالركوع والسجود والقيام والقعود، ومن الله الإجابة والجزاء بالمغفرة والهدى. قالوا فهذا معنى قسم الصلاة بين العبد وبين ربه على ظاهر الكلام دون إحالة اللفظ والله أعلم. وعلى هذا التأويل يكون المعنى في ابتدائه القراءة بالحمد لله رب العالمين بمعنى ما تقدم ذكره في حديث عائشة وغيره من الابتداء بالحمد لله رب العالمين. ثم ساق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا؛ واستوعب كل طرقه، وتكلم عليها متناً وإسناداً. والخلاصة التي تطمئن إليها النفس بعد قراءة هذه الرسالة وغيرها: أن القول في بسم الله الرحمن الرحيم أنها تقرأ أول كل سورة إلا براءة، وأنها تقرأ في الصلاة سراً لا جهراً، وهذا مذهب أهل الحديث وكثير من الفقهاء، والله سبحانه وتعالى أعلم. |
في ذكر البسملة وفضائلها العظيمة وفوائدها أخي المسلم وأختي المسلمة: إن (بسم الله الرحمن الرحيم) أمرها عظيم، وفضلها كبير، وأجرها كثير، ولا شك أن لها منزلة عظيمة، فيها كل خير وبركة، وقد افتتح بها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كتاب الله تبارك وتعالى. وقد اتفق العلماء أنها بعض آية من سورة النمل، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ﴾ [النَّمل: 30]، واختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة أو من كل سورة كتبت في أولها، أو أنها بعض آية من كل سورة، أو أنها آية في فاتحة الكتاب دون غيرها، أو أنها كتبت للفصل بين السور لا أنها آية، إلى آخر ما جاء في أقوال العلماء سلفاً وخلفاً رحمهم الله تعالى. أما ما جاء في فضلها وبركتها وما يستفاد منها ففي السنة النبوية المطهرة فهو ما يلي: أولاً: تستحب عند دخول الخلاء حسب ما ورد في الحديث: "بسم اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" أي (الشياطين والشيطانات)، وهذا هو الستر والحجاب بين المسلمين وبين عدوهم الشيطان الرجيم. ثانيًا: تستحب البسملة في أول الوضوء كما جاء في الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". ثالثاً: تستحب عند قراءة القرآن، والحديث، ومجالس الذكر. رابعاً: تجب عند ال***. خامساً: تستحب عند الأكل لما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". وهذا توجيه نبوي عظيم وأدب من آداب النبوة أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاتباعه والعمل به. سادساً: تستحب عند الجماع لما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً". وأسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعاً للعمل بذلك والمحافظة عليه، وتعليمه لأمة الإسلام؛ وأن يجعل فيه الخير والبركة وحفظ النفس والذرية في الحاضر والمستقبل من الشيطان الرجيم، وتنشئة الأجيال على القرآن والسنة، والفوز بالأجر العظيم، وأن نحفظ أنفسنا وذرياتنا من الشيطان الرجيم. سابعاً: إنما شرعت البسملة لذكر الله العلي العظيم قياماً أو قعوداً أو قرآناً أو صلاة أو وضوءاً أو أكلاً أو شرباً، فذكر الله سبحانه وتعالى في الشروع بها تبركاً وتيمناً واستعانة على إتمام العمل، وطلب القبول والإخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال فيه الخير والبركة، وينبغي للمسلمين عموماً قول ذلك وفعله، والحرص عليه، والبسملة لا تزيد المسلم إلا كل خير وبر وبركة وحفظ ورعاية وعناية من الله سبحانه وتعالى، فنسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا الاستقامة على دينه، ويهدينا صراطه المستقيم، ويجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم آمين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
في الاستعاذة والبسملة أولًا: الاستعاذة: قال الله -تعالى-: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]. حكمها: مستحبة قبل قراءة القرآن، وقيل: واجبة؛ أخذًا بظاهر الأمر في الآية، والصحيح أنها مستحبة، وهو قول جمهور العلماء؛ قال الإمام الجصاص - رحمه الله - [1]: "والاستعاذة ليست بفرض؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة[2]، ولو كانت فرضًا لم يخله من تعليمها"، وقال الإمام ابن الجزري - رحمه الله -:http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَاسْتُحِبَّ تَعَوُّذٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبْ[3] http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألفاظ الاستعاذة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)[4]، أو (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله من الشيطان)، وهناك ألفاظ أخرى، واللفظ الأول مقدم؛ لورود الآية بمقتضاه، وفيما سبق قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -: إِذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- جِهَارًا مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللَّهِ مُسْجَلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عَلَى مَا أَتَى فِي النَّحْلِ يُسْرًا وَإِنْ تَزِدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- وَلَوْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ لَمْ يَبْقَ مُجْمَلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أوقات الإسرار وأوقات الجهر بالاستعاذة: يُسَرُّ بالاستعاذة عند القراءة سرًّا، وعند القراءة خاليًا، سواء أَقَرَأَ القارئ سرًّا أم جهرًا، وفي الصلاة سريةً كانت أم جهرية، وإن كان القارئ وسط قوم يتدارسون القرآن ولم يكن القارئُ المبتدئَ بالقراءة. ويستحب الجهر بالاستعاذة إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع إليه، وفي حالة التعليم والمدارسة عندما يكون القارئ المبتدئَ بالقراءة[5]. ثانيًا: البسملة: حكمها: البسملة قد تكون واجبة، وقد تكون ممنوعة، وقد تكون مستحبة. أولًا: الوجوب: البسملة نص قرآني يجب قراءته في موضعين من القرآن العظيم: الموضع الأول: وهو أول آية في سورة الفاتحة. الموضع الثاني: في سورة النمل في قوله -تعالى-: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30]. ويجب الإتيان بالبسملة أيضًا في أوائل السور، عدا سورة التوبة؛ اتباعًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قراءتها، وتبركًا بتلاوتها على أنها ليست آية من القرآن العظيم. قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -: وَلاَ بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَائِكَ سُورَةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- سِوَاهَا وَفِي الْأَجْزَاءِ خَيِّرَ مَنْ تَلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثانيًا: المنع: ولا يصح قراءةُ البسملة في أول سورة التوبة؛ ذلك أنَّها لم تكتب في المصحف على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقيل: لأن سورة براءة نزلت بالسيف. قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -: وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- لِتَنْزِيلِهَا بِالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثالثًا: الاستحباب: ذهب بعض العلماء إلى استحباب قراءة البسملة داخل أي سورة، ولو بعد أولها بآية واحدة وإن كانت سورة التوبة[6]. باب أوجه الاستعاذة مع البسملة عند أوائل السور وللاستعاذة مع البسملة عند أول كل سورة، ما عدا سورة التوبة أربعة أوجه: الوجه الأول: قطع الجميع. أي: قطع الاستعاذة عن البسملة، وقطع البسملة عن أول السورة، فيقرأ الاستعاذة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة، ثم يتوقف، ثم يقرأ أول السورة. الوجه الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث. أي: قطع الاستعاذة عن البسملة، ثم وصل البسملة مع أول السورة، فيقرأ الاستعاذة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة ويصلها بأول السورة. الوجه الثالث: وصل الأول بالثاني وقطع الثالث. أي: وصل الاستعاذة بالبسملة، ثم يتوقف، ثم يقرأ أول السورة. الوجه الرابع: وصل الجميع. أي: وصل الاستعاذة بالبسملة مع وصل البسملة مع أول السورة بغير توقف. باب أوجه البسملة بين السورتين الوجه الأول: قطع الجميع. أي: قطع آخر السورة عن البسملة، وقطع البسملة عن أول السورة الأخرى، فيقرأ آخر السورة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة، ثم يتوقف، ثم يقرأ أول السورة الأخرى. الوجه الثاني: قطع الأول، ووصل الثاني بالثالث. أي: قطع آخر السورة عن البسملة، ثم وصل البسملة مع أول السورة الأخرى، فيقرأ آخر السورة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة ويصلها بأول السورة الأخرى. الوجه الثالث: وصل الجميع. أي: وصل آخر السورة بالبسملة مع وصل البسملة مع أول السورة الأخرى بغير توقف. قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -: وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بِسُنَّةٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- رِجَالٌ نَمَوْهَا دِرْيَةً وَتَحَمُّلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَصَاحَةٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- وَصِلْ وَاسْكُتَنْ كُلٌّ جَلاَياَهُ حَصَّلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هذا ويمتنع وصل الأول والثاني وقطع الثالث؛ أي: يمتنع وصل آخر السورة بالبسملة، ثم قراءة أول السورة الأخرى مقطوعًا عمَّا قبله؛ لأنَّ البسملة للافتتاح لا للاختتام، فيستثقل فعل هذا عند أئمة القراء، كما قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -: وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif--- فَلاَ تَقِفَنَّ الدَّهْرَ فِيهَا فَتُثْقَلاَ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأما عن سورة التوبة براءة، فيبتدأ بها بأحد وجهين: الأول: قراءة الاستعاذة وقطعها عن أول السورة. والثاني: وصل الاستعاذة بأول السورة، وأما عن حال سورة التوبة براءة مع آخر السورة التي قبلها سورة الأنفال، ففيها ثلاثة أوجه: الأول: قطع آخر سورة الأنفال عن أول سورة التوبة. والثاني: وصل آخر الأنفال بأول التوبة. والثالث: السكت سكتة لطيفة على آخر الأنفال، ثم الوصل بأول التوبة. ------------ [1] (ج 5 ص 13 من أحكام القرآن). [2] يعني حديث المسيء صلاته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً دخل المسجد ورسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ))، فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال: ((وعليك السلام، فارجع فصل، فإنك لم تصل))، فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))؛ صحيح رواه البخاري (5897) (5/2307)، (760) (1/274)، (724) (1/263)، (6290) (6/2455)، ومسلم (397) (1/298). [3] كذا علق الشيخ محمود بن أمين طنطاوي - حفظه الله. [4] صح الحديث بهذه الصيغة ورواه الترمذي (242) (2/9)، وأبو داود (775) (1/265)، وابن ماجه (807) (1/265)، والدارمي (1239) (1/310)، وابن خزيمة (467) (1/238)، وابن حبان (1779) (5/78)، (2601) (6/336)، والدارقطني في سننه (4) (1/298)، والطبراني في الكبير (1569، 1570) (2/134، 135)، وفي مسند الشاميين (1343) (2/281)، وأبو يعلى (1108) (2/358)، (4994) (8/411)، (5077) (9/10)، (5380) (9/258)، وعبدالرزاق (2580) (2/84)، وابن أبي شيبة (2396) (1/209)، (2460) (1/215)، (29123) (6/17)، (29142) (6/19)، والبيهقي في الكبرى (2179) (2/34)، (2184، 2185) (2/35)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1073) (1/197)، وأحمد (25266) (6/156) بسند صحيح وفيه: قالوا يا رسول الله وما همزه ونفخه ونفثه؟ قال: ((أما همزه فهذه الموتة التي تأخذ بني آدم، وأما نفخه فالكبر، وأما نفثه فالشعر)). [5] هكذا قال العلامة الشيخ رزق خليل حبة شيخ المقارئ المصرية - عليه من الله سحائب الرحمة - وأشار إلى ذلك الشيخ محمد بن صادق قمحاوي في البرهان، (ص 8). [6] قال الحافظ السيوطي: فإن قرأ (البسملة) من أثناء سورة استحبت له أيضًا؛ نص عليه الشافعي فيما نقله العبادي، قال القراء: ويتأكد عند قراءة نحو: ﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [فصلت: 47]، و﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ ﴾ [الأنعام: 141]؛ لما ذكر في ذلك بعد الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان؛ انتهى؛ الإتقان في علوم القرآن (1/308)، وانظر: النشر لابن الجزري (1/266)، وقال الشيخ الضباع شارحًا لقول الشاطبي: (وَفِي الْأَجْزَاءِ خَيِّرَ مَنْ تَلاَ): وأما الأجزاء والمراد بها ما بعد أوائل السورة ولو بكلمة، فالقارئ مخير بين البسملة وتركها، وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيين، وعلى اختيار تركها جمهور المغاربة؛ (إرشاد المريد ص32 طبعة مكتبة صبيح). |
جزاكم الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتكم
|
اقتباس:
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:50 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.