
30-12-2009, 02:46 PM
|
 |
نـجــم الـعـطــاء
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
|
|
ثــمّ إختفى في غار فمُهُ الضيّق بخمسة أشبار ، وطوله ثمانية عشر شبرا ، ولايتسع إلاَّ لشخصين ، وفي طريق معاكس لطريق هجرته ، ومكث فيه ثلاثة أيام ، وذلك ليسنّ لأمته أنّ الإختفاء من الأعداء عند الحاجة ، من حسن التدبير للرسالة ، ولايتنافى مع الشجاعة ، وفيه أبلغ رد على الأغبيـاء الذين يعيبون على المجاهدين التخفي في الكهوف !
وفي إختفائه صلى الله عليه وسلم في غار (ثور) الضيق ، إشارة إلى أن الإنطلاقات العظيمة في ( الثورة) على الباطل ، تمرّ بمضايق ثم تنتصر .
ومن عجائب التقدير في قصة الهجرة أنّ ( الإثنين ) خرجا من الغار يوم (الإثنين) ، ودخلا المدينة يوم ( الإثنين ) ، وإنما ترفع الأعمال يوم الإثنين .
وفي الهجرة درسٌ يبيّن عظـم فضل الصحابة ، وأنَّ الدعوة أحيانا تستلزم تغيير البيئة لإنجاح المشروع ، وانَّ مكر الأعداء مهما عظم ، فلن يطفىء نور هذا الدين ، وأنّ السعي للتمكين في الأرض ، بإقامة الدولة المجاهدة الحاكمة بالشريعة من أعظم فروض الدين ، ولو لم يمكن ذلك إلاّ بهجرة وجبت الهجرة على ما فيها من المشاقّ ، وأنّ التمكين لايأتي إلاّ بعد الإبتلاء ، وأنّ من صدق في نصر الدين ، نصره الله وأيده بالآيات ، حتى يسخّر له عدوه ، وتأمَّل كيف أنَّ سراقة انطلق وراء النبي صلى الله عليه وسلم و الصديق ، طامعا في جائزة قريش ، فآل آمره إلى أن قال : فأخبرتهم أخبار ما يريد الناس ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع !
وأنَّ الدعوة إنما تأخذ في مراحل حتى تبلغ منتهاها ، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، ولهذا تفشل مشاريع العجلة التي تنشد إقامة نظام الحكم الإسلامي ، وتنتهي إلى فوضى ، لأنها لم تسلك طريقة النبوّة الهادية لكل خير ، وتأمـّل كيف أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يهاجر إلى المدينة ليقيم فيها دولة الإسلام ، إلاّ بعدما شاع قبول رسالته فيها ، ومهّد لدولـته بإكتساب الأنصار ، حتى قال جابر رضي الله عنه في حديث العقبة : حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلاّ ودخله الإسلام
وحتى مع قدومه المدينة ، كان يتألف الناس ، ويراعي ما هم فيه من الأحوال ، ريثما ينقلهم بالتدريج إلى مشروعه ، ثم بعد ذلك أطـلق سيف الجهـاد.
وأنّ الصراع بين الحق وبالباطل ، يمـر بمراحل : أولها بعث الدعوة إلى الحق ، ثم الانتشار وكسب الأنصار ، ثم المواجهة الحتمية مع الباطل بالحجة ، والبيان ، ثم معركـة القـوة ، والسنان ، ثم التمكين لأهل الحق ، ولابد من الابتلاء ، و الامتحان في مرحلتي المواجهة قبل التمكين ، وقد تطول هذه المراحل فتأخذ عقودا ، وقد تقصـر ، بحسب الأزمنة ، والأمكنـة .
وأنَّ تسلط الكفار وعلوّهم في بعض مراحل الصراع بين الحق ، والباطل ، سنة ماضية ، لا تضر أهـل الحق ، ولاتدل على هوانهم على الله تعالى .
وأن الحقّ ، إنما يُنصر بأنصاره من الرجال ، ولهذا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم مع المهاجريـن إلى أنصاره ، قال تعالى ( هو الذين أيَّدك بنصره وبالمؤمنين ) ، ولهذا لابد من حسن اختيار الأنصار لدعوة الحق ، فإن وجدوا في بيئة أخرى ، فليهاجر الداعي إليهم .
و أنَّ الله يجعل لمن يهاجر في سبيله مراغما في الأرض وسعة ، فيفتح له أبواب الخير ، ما ينصر به دعوته ، مما لم يكن في حسبانه قـط
|