التعريف بالقضاء والقدر
المبحـث الأول
التعريف بالقدر
" القدر مصدر ، تقول : قَدَرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقْدِره بالكسر والفتح قَدْراً وقَدَراً ، إذا أحطت بمقداره "
(1) .
والقدر في اللغة " القضاء والحكم ومبلغ الشيء ، والتقدير التروية والتفكر في تسوية الأمر "
(2) .
والقدر في الاصطلاح : " ما سبق به العلم ، وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد ، وأنه – عز وجل - قدَّر مقادير الخلائق ، وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل ، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى ، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها "
(3) .
وقال ابن حجر في تعريفه : " المراد أنّ الله – تعالى – علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ، ثمّ أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد ، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته "
(4) .
ونقل السفاريني عن الأشعرية أن " القدر إيجاد الله – تعالى – الأشياء على قدر مخصوص ، وتقدير معين في ذواتها وأحوالها طبق ما سبق به العلم وجرى به القلم "
(5) .
وهذه التعريفات متقاربة فيما بينها ، وهي تفيد أن القدر يشمل أمرين :
الأول : علم الله الأزلي الذي حكم فيه بوجود ما شاء أن يوجده ،وحدد صفات المخلوقات التي يريد إيجادها ، وقد كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ بكلماته ، فالأرض والسماء أحجامهما وأبعادهما وطريقة تكوينهما وما بينهما وما فيهما كل ذلك مدون علمه في اللوح المحفوظ تدويناً دقيقاً وافياً .
والثاني : إيجاد ما قدر الله إيجاده على النحو الذي سبق علمه وجرى به قلمه ، فيأتي الواقع المشهود مطابقاً للعلم السابق المكتوب .
والقدر يطلق ويراد به التقدير السابق لما في علم الله ، ويطلق ويراد ما خلقه وأوجده على النحو الذي علمه .
وسئل الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – عن القدر فأجاب شعراً قائلاً:
فما شئتَ كان وإن لم أشـأ ××× وما شئتُ إن تشأ لم يكنْ
خلقتَ العباد على ما علمتَ ××× ففي العلم يجري الفتى والمُسِنْ
على ذا مننتَ وهذا خذلتَ ×××× وهذا أعنـتَ وهذا لم تُعِنْ
فمنهم شقي ومنهم سعيد ××× ومنهم قبـيح ومنهم حَسَنْ
--------------------------------
(1) فتح الباري لابن حجر العسقلاني :1/118 .
(2) القاموس المحيط للفيروزآبادي :ص591 .
(3) عقيدة السفاريني :1/348 .
(4) فتح الباري :1/118 .
(5) عقيدة السفاريني :1/345 .
(6) الاعتقاد للبيهقي :ص162.شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي :1/702 .