حين قررت مدرسة ترك العمل قبل عدة أسابيع من بدء الدراسة ، تساءلنا مطولاً من يحل محلها ، فملف الطلبات المقدمة للعمل بالتدريس فارغ.
يرشح لي مدير المدرسة مدرسة ذات خبرة فيسترعي انتباهي أمر مسجل في طلب العمل : مهارتها في تجويد القرآن و حصولها على إجازة في التجويد .
تذكر لي مواظبتها على دروس التجويد و الحفظ. أذكر لها أمر المقرأة اليومية التي أذن بها المدير في يوم العمل فيسرها الأمر.
تلتحق بالعمل فقد وفت الشروط المطلوبة له و تنتظم معنا في المقرأة. تباعد الجداول الدراسية بين البشر فينشغلون عن المقرأة بعد بدء الدراسة فتتوقف مقرأة حقها الإتصال .
و قد أذن صاحب العمل بمقرأة يومية و طالب بها مدرسات القرآن ، فقام قسم القرآن بدوره و نظّم الأمر في جدول يومي ، انتظم فيه القليل قراءة و حفظاً.
و قد حاولنا سابقاً أن تستمر القراءة خلال الدراسة و لو لربع حزب فلم نفلح ، دوماً هناك من تحاول ستر عجزها عن تعلم القراءة الجيدة بتضييع الوقت في المهاترات و الكلام . تنصرف الملائكة من المجلس ، لا يمد التوفيق أشرعته ، يرحل تجاه من هم أعلى همة و أكثر انضباط . لا وجود لهم في هذه النواحي.
أستبشر بحضور المدرسة الجديدة التي تواظب على دراسة التجويد و النطق السليم ، أبحر تجاه مقرأة يومية في العمل .
تستغل الحصص الشاغرة لمذاكرة التجويد. تنهمك في قراءة المصحف لعدة أسطر ثم تتذكر في أحداث حياتها ما يستحق المشاركة مع من تنصت و من لا تنصت. تنفصم عرى القراءة فلا تتصل.
أكتشف كيف تبحر بنا كلمة في غير موضعها بعيداً عن المراد، تتلاطم أمواج العسر و حين يحل الضباب يضيع الإتجاه ، تضطرب البوصلة . يتوقف الإبحار إلى قلب التيه فحيثما ولينا بعيداً عنه نبدو في وسطه تماماً!
يمضي الفصل الدراسي الأول في هذا الحال ثم يبحر الفصل الثاني نحو النظام بفضل جرعة الوزير: خذوا الكتاب بقوة ، يتعافى المصابون بانفلونزا التساهل.
أستند إلى صخرة المشقة ، فتناولني ثواباً بإذن المولى.
في حجرة اللغة العربية و الدين أناقش نشاطاً مشتركاً ، اسمع همهمات و أدرك أنه وقت المقرأة. أطوي النشاط و أنصت لهن يقرأن المصحف صفحة تلو أخرى و تصوب أعلمهن بالقراءة الأخطاء ، تقترب القراءة من الصواب و يتباعد اللحن. أود لو أتيت في قسمي فعلاً مماثلاً.
في اجتماع المدير مع رؤساء الأقسام ، تذكر كل منا أمراً جديداً اتخذته في قسمها أعان البشر قرب غايتهم فيفخر قسم اللغة العربية و الدين بالمقرأة المقامة في القسم اقتراباً من النطق السليم.
يتناول الرجل الفكرة و يطلب تعميمها في كل الأقسام و قد سبق له أن ألح على ذلك مراراً.
في اجتماع قسم العلوم أذكر للمدرسات أمر المقرأة فيسرهن الأمر ثم يتركن الموج يسري بالسفينة اتجاهها المعتاد.
أعزم الأمر و أرتب جدولاً به مواعيد يومية للقراءة و أعين تلك المدرسة القديرة تصوب أخطاءنا و تعيننا على حسن القراءة.
يقترب الزمن نحو المقرأة وهي لازالت تصب السخرية في آذان من حولها من أحداث يوم أغضى الطرف عما تريد و ناولها وضعاً محرجاً لم يرُق لها!
استحضر العزيمة صلابة الصخر تطرد الأهواء و الأمزجة ، يشير صمتي لإتجاه سفينتي ، أعين الوقت ، أزيح الذرائع ، أرتب المكان و أحضر المصاحف ، أضع خطوطاً تحت التفاصيل و استخدم يداي في رسم معالم المقرأة.
في بحر القراءة ، تلتقط أذنها المدربة اللحن فتنهره برفق و تزيحه فيظهر حسن النطق بالقرآن من حناجرنا على مدى ساعة. تضيء نوراً تشعُ إجادة ، حقاً لا عزة لإبنة الإسلام بغير قرآن ربها. أقوم لها بالرضى : أحسنتِ ، أقبل رأسها و امنحها قطعة من الشيكولاتة.
*****************************