الموضوع: السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 30-11-2010, 03:03 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الحبيب صلى الله عليه وسلم في الطائف
وفي هذه الظروف الصعبة قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته ، أو يؤوه وينصروه ، فخرج إليها ماشياً على قدميه ، ومعه مولاه زيد بن حارثة ، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام حتى بلغ الطائف ، ونزل على ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف ، فدعاهم إلى الإسلام وإلى نصرته صلى الله عليه وسلم على تبليغه ، فلم يستجيبوا له ، بل ردوا عليه أسوء رد ، فتركهم وقصد الآخرين ، فدعاهم إلى قبول الإسلام ونصرته ، ولم يزل ينتقل من رئيس إلى رئيس ، فلم يترك أحداً من أشرافهم إلا وكلمه ، وقضى في ذلك عشرة أيام ، ولكن لم يجب له أحد ، بل قالوا له : اخرج من بلدنا ، وأغروا به صبيانهم وسفهاءهم وعبيدهم ، فلما تهيأ وخرج وقفوا له صفين ، وأخذوا يسبونه ويشتمونه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه وقدميه صلى الله عليه وسلم وحتى اختضب نعلاه بالدم ، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه يقيه بنفسه ، ويدافع عنه ، فأصابه شجاج في رأسه ، واستمرت هذه السفاهة حتى وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف فدخل فيه ، فلما دخل فيه انصرفوا عنه .
وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في الحائط تحت ظل حبلة من عنب ، معتمداً إلى جدار ، وقد أثر في نفسه ما لاقاه ، فدعا بالدعاء المشهور : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنـزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) .
ورآه ابنا ربيعة في هذا الحال فأخذتهما رقة ، وأرسلا إليه بقطف من عنب مع مولى نصراني اسمه عداس ، فلما مد النبي صلى الله عليه وسلم يده ليتناوله قال : ( بسم الله ) ثم أكل ، فقال عداس : هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ ) .
فقال نصراني من أهل نينوى .
فقال : ( من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ ) .
فقال : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي ) . وقرأ عليه قصة يونس عليه السلام من القرآن ، فأسلم عداس على ما يقال .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحائط ، وتقدم في طريقه إلى مكة ، وهو كئيب حزين مهموم ، حتى إذا بلغ قرن المنازل ، أظلته سحابة فيها جبريل ومعه ملك الجبال لتأمره بما شئت ، ثم سلم ملك الجبال وقال : يا محمد ! ذلك ، فما شئت ، إن شئت أطبقت علهم الأخشبين – وهما جبلا مكة : أبو قبيس والذي يقابله – فقال صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .
وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من همه بمجيء هذا النصر ، وتقدم في طريقه إلى مكة حتى نزل بنخلة ، وأقام بها أياماً ، وأثناء إقامته بها صرف الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن ، وهو قائم يصلى بأصحابه صلاة الفجر ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، وقد آمنوا به ، ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذلك القرآن : آيات من سورة الأحقاف ، وآيات من سورة الجن .
وبعد أيام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من نخلة يريد مكة ، وهو يرجو من الله الفرج والمخرج ، ويخشى من قريش الشر والبطش ، فأحب أن يحتاط لنفسه ، فلما دنا من مكة مكث بحراء ، وبعث رجلاً إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فاعتذر بأنه حليف ، والحليف لا يجير ، فأرسل إلى سهيل بن عمرو ، فاعتذر بأنه من بني عامر بن لؤي ، وهم لا يجيرون على بني كعب بن لؤي ، فأرسل إلى المطعم بن عدي ، وهو من بني نوفل بن عبد مناف أخي هاشم بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم وعبد مناف أعز بطن في قريش ، فقال المطعم : نعم ، وتسلح هو وبنوه ، ثم أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ودخل المسجد الحرام ، وطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته والمطعم بن عدي و أولاده محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح وكان المطعم قد أعلن في قريش أنه أجار محمداً فقبلوا ذلك منه .

__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس