الموضوع: السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 30-11-2010, 03:06 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

كان من سجايا الأنصار وكرمهم أنهم كانوا يتنافسون في إنزال المهاجرين واستضافتهم في بيوتهم ، وكانوا كما قال الله تعالى عنهم : ( والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجرإليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .
ثم زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحب والإيثار قوة بعقد المؤاخاة بينهم وبين المهاجرين ، فجعل كل أنصاري ونزيله أخوين ، وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار ، فآخى بينهم على المؤاساة وأنهم يتوارثون فيما بينهم بعد الموت ، دون ذوي الأرحام ، ثم نسخ التوارث وبقيت المؤاخاة ، وكانت قد عقدت في دار أنس بن مالك رضي الله عنه وعنهم أجمعين .
وكان من حب الأنصار لإخوانهم المهاجرين أنهم عرضوا نخيلهم على النبي صلى الله عليه وسلم ليقسم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين ، فأبى فقالوا : إذن تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة فقبل ذلك .
وكان سعد بن الربيع أكثر الناس مالاً ، فقال لأخيه المهاجر عبد الرحمن بن عوف : اقسم مالي نصفين ولي امرأتان ، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي ، أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها ، قال عبد الرحمن : بارك الله في أهلك ومالك ، أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع ، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ، وما هي إلا أيام حتى اكتسب مالاً وتزوج امرأة من الأنصار .

تأسيس المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية :

كانت هذه المؤاخاة ربطاً بين فرد من المهاجرين وبين فرد من الأنصار ، وحيث إن المسلمين صاروا – بعد اجتماعهم بالمدينة – أمة مستقلة فقد كانوا في حاجة إلى تنظيم اجتماعي ، وإلى تعريف بالواجبات والحقوق الإجتماعية ، وإلى إبراز النقاط التي تجعلهم أمة واحدة مستقلة عن الآخرين .
وكانت في المدينة طائفتان أخريان سوى المسلمين ، تختلفان عنهم في العقيدة والدين ، والمصالح والحاجات ، والعواطف والميول ، وهم المشركون واليهود ، فعقد النبي صلى الله عليه وسلم فيما بين المسلمين ميثاقاً ، وفيما بينهم وبين المشركين وفيما بينهم وبين اليهود ميثاقاً آخر وكتب بذلك كتاباً قرر فيه :
1 – أن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس .
2 – وأن أداء ديتهم وفداء أسيرهم بين المؤمنين يكون حسب العرف السابق وأنهم ينصرون المؤمنين في الفداء والدية .
3 – وأنهم يقومون ضد المفسد والباغي والظالم كيد واحدة ، ولو كان ولد أحدهم .
4 – وأنه لا يقتل مؤمن مؤمناً بكافر ، ولا ينصر كافرأ على مؤمن .
5 – وأن ذمة الله واحدة ، فيجير عليهم أدناهم .
6 – وأن من تبع المسلمين من اليهود فله النصر والأسوة .
7 – وأن سلم المسلمين واحدة .
8 – وأن من قتل مؤمناً قصداً يقتص منه ، إلا أن يرضى ولي المقتول ، ويجب على المؤمنين أن يقوموا ضد القاتل .
9 – وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثاً لأو يؤويه .
10 – وأنهم إذا اختلفوا في شيء فإن مرده إلى الله ورسوله .
زيادة على هذا الميثاق بين النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين حق الأخوة الإسلامية في أوقات ومناسبات شتى ، وحضهم على التعاون والتناصر ، والتعاضد والتكاتف ، والمؤاساة وإسداء الخير ، حتى سمت هذه الأخوة إلى أعلى قمة عرفها التاريخ .
وأما المشركون فكانوا على وشك الإنهيار ، حيث أسلمت أغلبيتهم مع ساداتهم وكبرائهم ، ، فلم يكن في استطاعتهم الوقوف في وجه المسلمين ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم : ( أنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ، ولا يحول دونه على مؤمن ) وبذلك انتهى ما كان يخشى منهم .
وأما اليهود فقد تم الإتفاق بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم على الأمور الآتية :
1 – أنهم أمة مع المؤمنين ، ولهم دينهم وللمسلمين دينهم ، وعليهم نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم .
2 – وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وعلى من دهم يثرب ، كل يدافع عن جهته .
3 – وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم .
4 – وأن المرء لا يؤخذ بإثم حليفه .
5 – وأن النصرللمظلوم .
6 – وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين .
7 – وأن يثرب حرام لأهل هذه الصحيفة .
8 - وأن ما يكون بينهم من حدث أو اشتجار فإن مرده إلى الله ورسوله .
9 – وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها .
10 – وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم .
وبهذا الميثاق انتظم المسلمون والمشركون واليهود من سكان يثرب في كيان واحد ، وأصبحت المدينة وضواحيها دولة ذات استقلال وسيادة ، والكلمة النافذة فيها للمسلمين ، ورئيسها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونشط رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه المسلمون في الدعوة إلى الله ، فكان يحضر مجالس المسلمين وغير المسلمين ، يتلو عليهم آيات الله ، ويدعوهم إلى الله ، ويزكي من آمن منهم بالله ، ويعلمهم الكتاب والحكمة .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس