ذم الطَّمع في واحة الشعر
قال سابق البربري:
يخادعُ ريبَ الدهرِ عن نفسِه الفتى *** سفاهًا وريبُ الدهرِ عنها يخادعُه
ويطمعُ في سوف ويهلِكُ دونها *** وكم مِن حريصٍ أهلكتْه مطامعُه
وقال آخر:
حسبي بعلمي إن نفعْ *** ما الذُّل إلَّا في الطَّمعْ
مَن راقب اللهَ نزعْ *** عن سوءِ ما كان صنعْ
ما طار طيرٌ فارتفعْ *** إلا كما طار وقعْ
قال أبو العتاهية:
لقد لعبتُ وجدَّ الموتُ في طلبي *** وإنَّ في الموتِ لي شغلًا عن اللَّعبِ
لو شمَّرت فكرتي فيما خُلقتُ له *** ما اشتدَّ حرصي على الدُّنيا ولا طلبي
وقال أيضًا:
تعالى اللهُ يا سلمَ بنَ عمرٍو *** أذلَّ الحرصُ أعناقَ الرِّجالِ
هبِ الدُّنيا تُقادُ إليك عفوًا *** أليس مصيرُ ذلك للزَّوالِ
وقال جابر بن أحمد الشيباني:
كلُّ ابنِ أُنثى مخلدٌ إلى طمع *** ما ضاق أمرٌ ضيِّقٌ إلَّا اتسع
وقال الحلَّاج عند ***ه، عليه من الله ما يستحق:
طلبتُ المستقرَّ بكلِّ أرضٍ *** فلم أرَ لي بأرضٍ مستقرَّا
أطعتُ مطامعي فاستعبدَتْني *** ولو أنِّي قنعتُ لكنتُ حُرَّا
وقال ثابت بن قطنة:
لا خيرَ في طمعٍ يهدي إلى طبع *** وغفَّةٌ مِن قوامِ العيشِ تكفيني
وقال آخر:
لا تغضبنَّ على امرئٍ *** لك مانعٌ ما في يديه
واغضبْ على الطَّمعِ الذي *** استدعاك تطلبُ ما لديه
وقال علي بن عبد العزيز القاضي الجرجاني:
ولم أقضِ حقَّ العلمِ إن كان كلَّما *** بدا طمعٌ صيَّرتُه لي سلَّما
ولم أبتذلْ في خدمةِ العلمِ مُهجتي *** لأخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدَم
إذا قيل هذا مشرب قلتُ قد أرى *** ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتملُ الظَّما
أُنَهْنِهُها عن بعضِ ما لا يشينُها *** مخافةَ أقوالِ العدا فيم أو لما؟
وما كلُّ برقٍ لاح لي يستفزُّني *** ولا كلُّ مَن في الأرض أرضاه منعما
أأشقَى به غرسًا وأجنيه ذلَّة؟ *** إذًا فاتِّباع الجهلِ قد كان أحزما
ولو أنَّ أهلَ العلمِ صانوه صانهم *** ولو عظَّموه في النُّفوسِ لعُظِّما
ولكن أهانوه فهان ودنَّسوا *** محيَّاه بالأطماعِ حتَّى تجهَّما
وقال آخر:
يا جامعًا مانعًا والدهرُ يرمقُه *** مقدرًا أيَّ بابٍ منه يغلقُه
مفكرًا كيف تأتيه منيتُه *** أغاديًا أم بها يسري فتطرقُه
جمعتَ مالًا فقل لي هل جمعتَ له *** يا جامعَ المالِ أيامًا تفرقُه
المالُ عندك مخزونٌ لوارثِه *** ما المالُ مالَك إلا يومَ تنفقُه
أرفهْ ببالِ فتى يغدو على ثقةٍ *** أنَّ الذي قسم الأرزاقَ يرزقُه
فالعرضُ منه مصونٌ ما يدنِّسُه *** والوجهُ منه جديدٌ ليس يخلقُه
إنَّ القناعةَ مَن يحللْ بساحتِها *** لم يبقَ في ظلِّها همٌّ يؤرِّقُه
وقال الحادرة الذبياني:
إنَّا نعفُّ فلا نريبُ حليفَنا *** ونكفُّ شحَّ نفوسِنا في المطمعِ
وقال آخر:
من كان يرجو بقاءً لا نفادَ له *** فلا يكنْ عرضُ الدنيا له شجنا
وقال آخر:
لا تخضعنَّ لمخلوقٍ على طمعٍ *** فإنَّ ذاك مضرٌّ منك بالدينِ
واسترزقِ الله مما في خزائنِه *** فإنما هي بينَ الكافِ والنونِ
وقال آخر:
إذا حكى لي طمعٌ راحةً *** قلتُ له: الراحةُ في الياسِ
وإصلاحُ ما عندي وترقيعُه *** أفضلُ من مسألةِ الناسِ
وقال آخر:
ومن يطلبِ الأعلى من العيشِ لم يزلْ *** حزينًا على الدنيا رهينَ غبونِها
إذا شئتَ أن تحيا سعيدًا فلا تكنْ *** على حالةٍ إلا رضيتَ بدونِها
وقال آخر:
إذا أنت لم تأخذْ من الناسِ عصمةً *** تشدُّ بها من راحتيك الأصابع
شربتَ بريق الماءِ حيثُ وجدتَه *** على كدرٍ واستعبدَتْك المطامع
وإني لأبلي الثوبَ، والثوبُ ضيقٌ *** وأترك فضلَ الثوبِ والثوبُ أوسعُ
قال أبو جعفر الأموي شيخ أهل الحجاز لأعرابي من عذرة:
عليك بتقوَى الله واقنعْ برزقِه *** فخيرُ عبادِ الله من هو قانعُ
ولا تُـلْهِكَ الدنيا ولا طمعٌ بها *** فقد أهلك المغرورَ فيها المطامعُ
وصبرًا على نوباتِ ما ناب واعترفْ *** فما يستوي عبدٌ صبورٌ وجازعُ
ألم ترَ أهلَ الصبرِ يُجزوا بصبرِهم *** بما صبروا والله راءٍ وسامعُ
ومن لم يكنْ في نعمةِ الله عنده *** سوى ما حوتْ يومًا عليه الأضالعُ
فقد ضاع في الدنيا وخيَّب سعيَه *** وليس لرزقٍ ساقه الله مانعُ
وقال بعضهم:
رأيتُ مخيلةً فطمعتُ فيها *** وفي الطَّمعِ المذلةُ للرقابِ
وقال آخر:
العبدُ حرٌّ إن قنع *** والحرُّ عبد إن طمع
فاقنعْ ولا تطمعْ فما *** شيءٌ يشينُ سوى الطَّمع
وقال آخر:
اللؤمُ والذُّلُّ والضراعةُ والفا *** قةُ في أصلِ أذنِ مَن طمعا
وقال آخر:
يا ويحَ مَن جعل المطامعَ قائدًا *** يقتادُه نحو الرَّدى بزمامِ
مَن كان قائدُه المطامعَ لم يفُزْ *** يومًا بعيشِ مسرةٍ وسلامِ
وقال الأصمعي:
وما زلتُ أسمعُ أنَّ العقو *** لَ مصارُعها بين أيدي الطَّمع
أنشد العتبي الرشيد:
النفسُ تطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ *** والنفسُ تهلِك بين اليأسِ والطَّمعِ