عرض مشاركة واحدة
  #97  
قديم 04-09-2016, 07:33 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي


تابع



خاتمة


لاتترك هيمنة الجيش المصري الراهنة، التي تحظى بدعم شعبي ومساعدات خليجية، لصانعي السياسات الأميركيين وسائل مهمة تُذكَر للضغط على القاهرة في مايتعلّق بحقوق الإنسان والإصلاح السياسي. فوقف المساعدات العسكرية أصبح أقل خطراً مما كان عليه في السابق، ذلك أن المبلغ السنوي البالغ 1.3 مليار دولار يبدو قليلاً مقارنةً بالمساعدات الخليجية الهائلة التي تخطّت مبلغ 20 مليار دولار منذ العام 2013. حتى من دون المساعدات الخليجية، لم تتمكّن المساعدات العسكرية الأميركية من مواكبة التضخّم، لذا لاتسهم سوى بجزء قليل من الفوائد المؤسّسية التي كانت تسهم فيها في الماضي.90


مالَم تصبح الحكومة الأميركية مستعدةً لفرض حظر على تصدير المواد العسكرية المرغوبة أو على قطع الغيار (وهو أمر غير مرجّح بتاتاً)، ستتمكّن القوات المسلحة المصرية من الحصول على ماتحتاج إليه من خلال قنوات الشراء العادية مستخدمةً الأموال الخليجية. إن قدرة جماعات الضغط في الصناعة العسكرية الأميركية على إملاء سياسة التصدير، وتراخي القوانين الأميركية التي تنظّم بيع قطع الغيار العسكرية في العام 2013، 91 والانتشار غير المشروع للتكنولوجيا العسكرية ساهمت كلّها بشكلٍ متزايد في إضعاف قدرة صانعي السياسات الأميركية على استخدام المساعدات العسكرية كشكلٍ من أشكال النفوذ.

ولن تحسّن الزيادة الكبيرة في المساعدات العسكرية بالضرورة العلاقات مع القاهرة، ذلك أن برنامج المساعدات العسكرية الأميركي كان في الواقع مكلفاً جدّاً للجانب المصري. أتاحت المساعدات العسكرية الأميركية استمرار التنسيق في مشاريع صناعية مكلفة كان يمكن استخدام مواردها على نحو أفضل في الاقتصاد الخاص المدني (أو حتى في بعض مؤسسات القطاع العام المدني ذات الأداء الأفضل في مصر). وتتضاعف أسعار قطع الغيار والصيانة والتخزين وأمن الموقع مع كل دفعة جديدة من الأسلحة "المجانية". وإذا كانت القيادة العسكرية مسؤولة الآن عن أداء الاقتصاد المدني، ينبغي عليها التعامل مع هذه الأولويات المتنافسة.

إضافةً إلى ذلك، ستصطدم الأولويات المؤسسية حُكماً بالتطلّعات المهنية والمالية للضباط رفيعي المستوى الذين يرى عددٌ كبير منهم أن رئاسة السيسي تفسح لهم مجال الحصول على الامتيازات. فقد جنى عدد من الجنرالات المتقاعدين في القوات المسلحة المصرية أرباحاً كبيرة من عقود المساعدات العسكرية الأميركية، من خلال العمل كمقدّمي خدمات في القطاع الخاص - تأجير المستودعات، وتنسيق الشؤون اللوجستية الخاصة بالشحن، وتوفير سائر الخدمات لتسهيل سير عمل برنامج المساعدات العسكرية.

لكن نظام الامتيازات المؤسّسية غير المتوازنة هذا هو الذي ساهم في الشعور بالضيق والاستياء الذي كان يلازم الضباط الأعوان لأكثر من عقد. وإن كان العديد من المراقبين يعتبرون أن برنامج المساعدات العسكرية الأميركية هو أساساً هبة لكبار الضباط المصريين، لابد أن يكون رأي المجنّدين العاديين والضباط الأعوان في البرنامج سلبيّاً على نحو مماثل. وفي أي جيش - بما في ذلك الجيش المصري العليل كما يُزعَم – يُعَدّ الولاء والتماسك المؤسسي من المتطلّبات الأساسية التي لاتستطيع أي قيادة قوات مسلحة تجاهلها.

في أوائل العام 2015، طالب ستيفن كوك في مجلس العلاقات الخارجية بزيادة المساعدات العسكرية، محاججاً أن المزيد من المال سيساعد في إبقاء مصر ضمن المحور الأميركي وتجنّب تقرّبها من دول معادية محتملة مثل روسيا.92 حاجج كوك بأن تعزيز المساعدات الأميركية لن يساعد فقط في ضمان المصالح المحدودة أكثر للقوات المسلحة المصرية – على رأسها ترسانة الدبابات والمقاتلات النفاثة المتضخّمة بشكلٍ لايمكن إنكاره - بل من شأنه أيضاً أن يخدم أهدافاً استراتيجية حقيقية من خلال توفير الأسلحة والتدريب لعمليات مكافحة الإرهاب الجديدة في سيناء، حيث قُتِل مئات الجنود المصريين في اشتباكات مع إسلاميين عنيفين.

مع ذلك، لايُعَدّ تأمين تمويل إضافي لعمليات مكافحة الإرهاب خياراً جيداً، إلا إذا كان العنف الذي تشهده سيناء يُمارسه إرهابيون عابرون للحدود يستغلّون المنطقة مؤقّتاً لأنها مساحة غير محكومة نسبيّاً. في هذه الحال، قد يساعد إحضار المزيد من الأسلحة والقوات فعلاً في حماية الجنود المصريين – وبالتالي الحدّ من عقلية الحصار التي تتبنّاها راهناً القوات المسلحة المصرية، والتي يعتبرها كوك عقبة أمام الإصلاح السياسي. لكن زيادة التمويل العسكري لن تحسّن الأمن الإقليمي في المدى الطويل، لأن هذه المجموعات ستنتقل إلى مساحات أقل عسكرة في الدول المجاورة. والأدلّة على أن هذه الأسلحة تُستخدَم في ممارسات العقاب الجماعي التي تُهلِك مجتمعات بأكملها في سيناء، هي مقلقة جدّاً - ولاشك في أنها ستسفر عن معارضة أعنف ضد الحكومة العسكرية.

من جهة أخرى، إذا كان العنف الذي تشهده سيناء تمارسه مجموعات لديها تظلمات مشروعة ومحدّدة تجاه الحكومة العسكرية في مصر، ويبدو أن هذه هي الحال فعلاً، فالحلّ يقتضي مفاوضات سياسية وتنازلات من جانب حكومة السيسي، وليس مزيداً من الأسلحة. فالمطلوب إجراء مفاوضات سياسية وقيام عدالة تصالحية لضحايا النظامَين الحالي والسابق من علمانيين ومتدينين، والمزيد من المال الأميركي لن يحقّق أيّاً من ذلك.


هذه الورقة أُعِّدت برعاية منحة من مركز بحوث التنمية الدوليةInternational Development Research Center.
رد مع اقتباس