يوميات شحات

[H.H.KH]

(6)

الباشمهندس عمرو

بدأ التليفون المحمول في الإنتشار في مصر على نطاق واسع و أصبح الموبايل في يد جميع فئات و شرائح الشعب فقرائها و أغنيائها بل و معدميها , أصبحت هذه التكنولوجيا غير مستغربة في يد أي شخص حتى لو كان شحاتا

إنقسم مستخدمي المحمول وقتئذ الى فسطاطين , الفسطاط الأول و يمثل الشريحة العظمى من الشعب كان يستخدم التليفون المحمول لعمل رنات فقط أو ما يعرف بالميسد كول أو يرسل رسالة مجانية كلمني شكرا
أما الفسطاط الثاني فكانت شريحة رقيقة من النبلاء كانوا يتكلمون مباشرة

طبعا أنا كنت من الشريحة الأولى و كان عندي تليفون مستعمل ماركة فردة الشبشب الشهيرة و أستمر معي الى وقت قريب و كان يستفز خفة دم أصدقائي للتعليق كلما رأوه معي بنكاتهم مثل , لما بتدخل السينيما بتدفعله تذكرة؟ و أكيد الكمسري في القطار بيطوقه , أو ونش المرور ممكن ييجي يخده منك

كنت معتاد على بعض المضايقات من الناس الذين يتطوعون بنصحي و يوبخوني بألفاظ من عينة , روح شفلك شغلة بدل كده و يا بني أنت طويل عريض و بصحتك حرام عليك شفلك شغله أفضل لك , لكن الحقيقة كان ذلك يحدث قليلا و على إستحياء

كان يوما عاديا كأي يوم مر عليّ و كان جالسا بداخل سيارته الفارهة الفخمة و سألته , فنظر الى نظرة حادة من تحت النظارة و هو يعطيني الجنيه و قال “ مش تشوفلك شغلة أحسن بدل اللي أنت فيه ده” على غير العادة قلت له متهكما يعني عندك شغل ليا؟ قال لي بصوت عالي برضو اللماضة في دمكم ,, يله إمشي , , رميت الجنيه في وشة و هممت بالمشي , كانت هذه الفعلة قمة الأستفزاز له “ طيب غور دلوقتي يا إبن كذا و كذا أصل أجيبك تحت عجلات العربية “ و رماني في وجهي بعلبة مياه غازية كانت بجواره و جرى بالسيارة دون حتى ان أرد عليه الشتيمة ,

مشيت قليلا و بعد خمس دقائق وجدته عائد بالسيارة و كأنه يبحث عني فظننت أنه عاد ليكمل و لكن حدث العكس “ متزلعش مني أصل أنا متضايق شوية” قالها بعد أن إقترب مني , قولتله أنت فاكر إن أنا هخاف منك أنت و لا المدرعة بتاعتك دي بأمارة إيه الغروراللي أنت فيه ده أحنا بنى آدمين زي بعض و هممت بالبكاء و لم أبك ,

نزل من السيارة و قبل رأسي فبكيت بشده فأقسم علي أن يشتري لي عصير علشان أهدّي نفسي و أجلسني جنبه بالسيارة و بدأ بالتعارف , أنت منين و ظروفك ايه , قولتله بصراحة كل شيء فلم يصدق الا بعد أن رأي البطاقة , أردت النزول من السيارة قال لي أنتظر هدخل البنك ده و أجيلك على طول , عاوزك , دا أنت حكايتك حكاية , بعد أن خرج من البنك قال لي تيجي معايا إسكندرية صد رد؟ قولتله ماشي

أسمه عمرو عرفت من مكالماته التليفونية التي مفرداتها إيطاليا , الكونتينر , دبي , شركة الشحن , المينا , .... أنه يعمل في الأستيراد و التصدير على مجال واسع بالملايين ,, شخص متواضع و دمه خفيف جدا على النقيض تماما لما حدث بيننا في بداية المقابلة , رجل بيزنيس من الطراز الأول , وقعت قصتي عليه كالصاعقة و في الطريق الصحراوي تطرقنا الى الزكاه و الصدقات , قال لي أنا الحمد لله بطلع زكاتي سنويا 2.5 % من الأرباح قلت له بل من رأس المال , قل بل من الأرباح صممت على رأيي فطلب أحد أصدقائة و سأله يبدو أنه قال نفس كلامي , قفل التليفون و قال لي أنا لازم أسأل شيخ في الموضوع ده لو الكلام ده صح تبقى مصيبة , دا أنا بدفع النسبة من الأرباح

رجعنا من الطريق الزراعي و تركته في طنطا لأركب منها الى االمنصورة على وعد بلقاء أخر بعد أن أخذ رقم تليفوني

الباشمهندس عمرو في العقد الخامس من عمره , ورث عن والده هذا البزنس الكبير , يصوم و يصلي و لا يشرب السجائر , يدير ملايينه بدقة بالغة و لكن للأسف لم تحالفه دقته في حساب نسبة زكاة ماله , فرق شاسع بين النسبة من الأرباح و من رأس المال

مر إسبوعين و حوالي الساعة الواحدة ظهرا رن تليفوني المحمول فرددت الو مين معايا قاللي أنا عمرو أزيك يا مؤمن قولتله عمرو مين , قالي ضاحكا عمرو يابني اللي رميت الجنيه في وشه و كان هيدوسك بالعربية , اللي سافرت معاه إسكندرية , رددت بسرعة اهلا وسهلا ازيك يا باشا , قاللي لو أنت في مصر النهاردة تعال أقعد معايا أنا و أصدقائي هنسهر النهاردة في كوفي شوب , من لبختي ظننت أن الكوفي شوب يعني ملهى ليلي , قولتله ماشي بس ميكونش فيه خمرة , قالي خمرة ايه يا أهبل دا أنا مابشربش سجاير

وصلت في الميعاد و المكان المتفق عليه ووجدته منتظرني بناقلة الجنود بتاعته
قصدي سيارته ال 4 في 4 الفارهة ركبت معه وذهبنا الى الكوفي شوب

كانت الصورة المرسومة لرجال الأعمال في خيالي تختلف تماما عن حقيقة عمرو و أصدقائه , أشرف فقط الذي يدخن , أما الأحمدين فمثل صديقهم عمرو

أعمالهم التجارية مستقرة بعكس ما فعلت بهم البورصة

عرفت أنهم أصدقاء منذ أن كانوا طلاب و أن يوم الخميس ميعادهم الأسبوعي شيء مهم جدا في جدول أعمالهم المزدحم

جلسة خفيفة الظل إمتدت لست ساعات اثاروا خلالها قصتي وأعجبوا جميعا بشخصي , تكلمنا في مواضع عديدة وحين يأتي دوري في الكلام , ينصتون اليّ بشغف و كلما أثنى علي أحدهم قال لهم عمرو مش قولتلكوا , دا دماغ عالية جدا

شكرني عمرو لأني كنت سبب في معرفته نسبة زكاة ماله الصحيحة و عرض علي
أن يساعدني لكي أبدأ مشروعي و لم ينصحني بترك الشحاتة رغم أنه قالها ضمنيا

سألني كم تريد من المال كي تبدأ مشروعك و كم وفرت , قولتله أنا معايا 40 الف و علشان أبدأ محتاج من 80 الى 100 الف قال لي أنا ممكن اسلفك 30 الف و تسدهم بالتقسيط المريح و لو تعثرت يا سيدي أنا مسامحك و معادنا الخميس اللي جاي و بالفعل نفذ وعده و أعطاني 30 الف و رفض أن يأخذ وصل أمانة

الباشمهندس عمرو مازل على اتصال بي حتى اليوم يطمئن على حالي و أحيانا أكون ضيفا عليهم في لقاء الخميس

الفصل القادم سأحكي بعض المواقف و الفصل اللي بعده ستكون الخاتمة