المبحث الرابع
طلاق الفضولي
الفضولي في اللغة هو من يشتغل بما لا يعنيه، نسبة إلى الفضول جمع فضل، وهو الزيادة. والفضولي في اصطلاح الفقهاء كما يقول الجرجاني (ت816هـ) في "التعريفات" هو: "من لم يكن وليًا ولا أصيلًا ولا وكيلًا في العقد"، أو كما يقول الزيلعي (ت970هـ) في: "البحر الرائق": "هو من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي". ويكون الطلاق من الفضولي كما لو قال رجل من آحاد المسلمين لإمرأة متزوجة من غيره: "أنت طالق من زوجك"، فهل يكون هذا الطلاق لغوًا، أو يكون موقوفًا على إذن زوجها، أو يكون صحيحًا مع الإثم؟ ثلاثة مذاهب للفقهاء، كما يلي:
المذهب الأول: يرى أن طلاق الفضولي لغو مطلقًا، حتى ولو أجازه الزوج الأصيل. وهو مذهب الشافعية في الجديد والحنابلة في المعتمد والظاهرية والإمامية؛ لصدور الطلاق من غير ذي صفة، وما بني على باطل فهو باطل.
المذهب الثاني: يرى أن طلاق الفضولي موقوف على إجازة الزوج الأصيل، وتكون سراية آثار الطلاق من بعد الإجازة لا قبلها. وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية للحنابلة اختارها ابن تيمية؛ لصدور الطلاق ممن يصح منه التصرف وإن كان لا يملكه، فاستعيض بإجازة المالك عن عدم ملك الفضولي للتصرف.
المذهب الثالث: يرى أن طلاق الفضولي صحيح مع الإثم. وهو رواية ثالثة عند الحنابلة ذكرها المرداوي (ت885هـ) في "الإنصاف" اختارها القاضي أبو بكر عبد العزيز (ت363هـ) في "التنبيه"؛ لعموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود مثل قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة:1)، والعبرة في صحة العقود هي صدورها ممن يتصف بأهلية التصرف، فإن كان يملك هذا التصرف لم يكن آثمًا لأنه يستعمل حقه، وإن كان لا يملك هذا التصرف كالفضولي فإنه يأثم لتعديه على حق غيره، وهذا الإثم لا يمنع الحكم بصحة التصرف؛ قياسًا على الحاكم المتغلب فإنه يأثم بتغلبه ويصح تصرفه، وقياسًا على حكم القاضي بشهادة الزور فيما أورده القرافي (ت684هـ) في "الفروق"، والسرخسي (ت483هـ) في "المبسوط"، أنه روي عن علي بن أبي طالب أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة، وشهد له شاهدان، فقضى بينهما بالزوجية، فقالت والله يا أمير المؤمنين ما تزوجني، فاعقد بيننا عقدًا حتى أحل له، فقال: "شاهداك زوجاك".