اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-12-2013, 10:46 AM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,315
معدل تقييم المستوى: 23
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

اتقفت المذاهب الأربعة على تحريم ذلك ، ومنهم من صرح بأنه كبيرة ، وإليك تفاصيل المذاهب في ذلك :
1) مذهب الشافعية انه كبيرة :
قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/120) :
" الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون .
اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها ".
ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها ، ثم قال ( ص111) : ( تنبيه : عد هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية ، وكأنه أخذ ذلك مما ذكرته من الأحاديث ، ووجه اتخاذ القبر مسجداً منها واضح ، لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه ، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله تعالى يوم القيامة ، ففيه تحذير لنا كما في رواية : " يحذر ما صنعوا " أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك ، فيلعنوا كما لعنوا ، ومن ثم قال أصحابنا : تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً ، ومثلها الصلاة عليه للتبرك والإعظام ، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة من الأحاديث المذكورة لما علمت ، فقال بعض الحنابلة :
قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وابتداع دين لم يأذن به الله ، للنهي عنها ثم إجماعاً ، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها ، واتخاذها مساجد ، أو بناؤها عليها والقول بالكراهة محمول على غير ذلك ، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ، ويجب المبادرة لهدمها ، وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار ، لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه نهى عن ذلك ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ، ولا يصح وقفه ونذره . انتهى " .
هذا كله كلام الفقيه ابن حجر الهيتمي ، وأقره عليه المحقق الآلوسي في " روح المعاني " (5/31) ، وهو كلام يدل على فهم وفقه في الدين ، وقوله فيما نقله عن بعض الحنابلة : " والقول بالكراهة محمول على غير ذلك "
كأنه يشير إلى قول الشافعي " وأكره أن يبنى على القبر مسجد .. " الخ كلامه الذي نقلته بتمامه فيما سبق (ص27) ، وعلى هذا أتباعه من الشافعية كما في " التهذيب " وشرحه " المجموع " ومن الغريب أنهم يحتجون على ذلك ببعض الأحاديث المتقدمة ، مع أنها صريحة في تحريم ذلك ، ولعن فاعله ، ولو أن الكراهة كانت عندهم للتحريم لقرب الأمر ، ولكنها لديهم للتنزيه فكيف يتفق القول بـ( الكراهة ) مع تلك الأحاديث التي يستدلون بها عليها ؟!
أقول هذا ، وإن كنت لا أستبعد حمل الكراهة في عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على الكراهة التحريمية ؛ لأنه هو المعنى الشرعي المقصود في الاستعمال القرآني ، ولا شك أن الشافعي متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر ، فإذا وقفنا في كلامه على لفظ له معنى خاص في القرآن الكريم وجب حمله عليه ، لا على المعنى المصطلح عليه عند المتأخرين ، فقد قال تعالى : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان) وهذه كلها محرمات ، فهذا المعنى ـ والله اعلم ـ هو الذي أراده الشافعي رحمه الله بقوله المتقدم " وأكره " ، ويؤيده انه قال عقب ذلك :" وإن صلى إليه أجزأه ، وقد أساء" فإن قوله " أساء " معناه ارتكب سيئة ، أي حراماً ، فإنه هو المراد بالسيئة في أسلوب القرآن أيضاً ، فقد قال تعالى في سورة (الإسراء ) بعد أن نهى عن *** الأولاد ، وقربان الزنى ، و*** النفس وغير ذلك : (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) أي محرماً .
ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة في كلام الشافعي في هذه المسألة أن مذهبه أن الأصل في النهي التحريم ، إلا ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر ، كما صرح بذلك في رسالته " جماع العلم " (ص125) ونحوه في كتابه " الرسالة " (ص343) ، ومن المعلوم لدى كل من درس هذه المسألة بأدلتها أنه لا يوجد أي دليل يصرف النهي الوارد في بعض الأحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف والأحاديث تؤكد أنه للتحريم كما سبق ؟ ولذلك فإني أقطع بأن التحريم هو مذهب الشافعي ، لا سيما وقد صرح بالكراهة بعد أن ذكر حديث " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " كما تقدم فلا غرابة إذن إن صرح الحافظ العراقي ـ وهو شافعي المذهب ـ بتحريم بناء المسجد على القبر كما تقدم والله أعلم .
ولهذا نقول : لقد اخطأ من نسب إلى الإمام الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنى بحجة أن صرح بكراهة ذلك والكراهة لا تنافي الجواز إذا كانت للتنزيه ! قال ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1/47ـ48) : ( نص الشافعي على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنى ، ولم يقل قط أنه مباح ولا جائز ، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم ، وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ....) إلى قوله (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الى قوله (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) إلى آخر الآيات ثم قال : (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) وفي الصحيح " أن الله عزوجل كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال " . فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم ، وتركه أرجح من فعله حمل ، ثم حمل من منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحاديث ، فغلط في ذلك ، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة ، أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على المعنى الاصطلاحي الحاديث .


1) مذهب الحنفية الكراهة التحريمية
والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه " الآثار" (ص45) : (لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر ، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً ) .
والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم ، كما هو معروف لديهم ، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم كما يأتي .
3) مذهب المالكية التحريم
وقال القرطبي في تفسيره ( 10/38) بعد أن ذكر الحديث الخامس : (قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ).
4) مذهب الحنابلة التحريم
ومذهب الحنابلة التحريم أيضاً كما في " شرح المنتهى " (1/353) وغيره ، بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، ووجوب هدهما ، فقال ابن القيم في " زاد المعاد " (3/22) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد ، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه ، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه قال : (ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها ، مسجد يصلى فيه ، ويذكر اسم الله فيه ، لما كان بناؤه ضرراً وتفريقاً بين المؤمنين ، ومأوى للمنافقين ، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله ، إما بهدم أو تحريق ، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع لـه ، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار؛ فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحق بذلك ، وأوجب ، وكذلك محال المعاصي والفسوق ، كالحانات ، وبيوت الخمارين ، وأرباب المنكرات ، وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر ، وحرق حانوت رويشد الثقفي وسماه فويسقاً ، وحرق قصر سعد لما احتجب عن الرعية ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة ، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك . ومنها أن الوقف لا يصح على غير بر ، ولا قربة ، كما لم يصح وقف هذا المسجد ، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق ، فلو وضعا معاً لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجداً ، أو أوقد عليه سراجاً ، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى ).
فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة ، من تحريم بناء المساجد على القبور . وقد اتفق العلماء على ذلك اعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم ، ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد سئل رحمه الله بما نصه : (هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر ؛ والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا ؟ وهل يمهد القبر ، أو يعمل عليه حاجز أو حائط) ؟ فأجاب : الحمدلله ، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ؛ فإني أنهاكم عن ذلك " . وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيّر ، إما بتسوية القبر ، وإما بنبشه إن كان جديداً ، وإن كان المسجد بني على بعد القبر ، فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر ، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل ، فإنه منهي عنه " كذا في الفتاوى له (1/107/ ، 2/192) .
وقد تبنت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه ، فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد ، فليراجعها من شاء في " مجلة الأزهر " (ج112ص501و503) .
وقال ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " (ص52) :
(يحرم الإسراج على القبور ، واتخاذ القبور المساجد عليها ، وبينها ، ويتعين إزالتها ، ولا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين ".
ونقله ابن عروة الحنبلي في " الكواكب الدراري " (2/244/1) وأقره .
وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور ، فنحذر المؤمنين من مخالفتهم ، والخروج عن طريقتهم ، خشية أن يشملهم وعيد قوله عز وجل }ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-12-2013, 06:19 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

خالص الشكر والتقدير لحضرتك على هذه المعلومات القيمة

هناك خلطًا بين أمور متفرقة أحدث لبسًا في التعامل مع هذه المسألة، ولذلك نفرق بين ثلاثة أمور :
1- الصلاة في القبور.
2- الصلاة في المسجد الذي به ضريح.
3- اتخاذ القبر مسجدًا.

أولاً : الصلاة في القبور :
القبر : مدفن الإنسان، يقال :قَبَرَهُ يَقْبِرُهُ ويَقْبُرُهُ، قبرًا ومقبرًا : دفنه، وأقبره : جعل له قبرا، والمقبرة، بفتح الباء وضمها : موضع القبور أي موضع دفن الموتى. والقابر : الدافن بيده([1]).
والقبر محترم شرعًا توقيرًا للميت، ومن ثم اتفق الفقهاء على كراهة وطء القبر والمشي عليه، لما ثبت ؛أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور([2]). لكن المالكية خصوا الكراهة بما إذا كان مسنمًا، كما استثنى الشافعية والحنابلة وطء القبر للحاجة من الكراهة، كما إذا كان لا يصل إلى قبر ميته إلا بوطء قبر آخر.
أما عن حكم الصلاة في المقابر ؛فذهب الحنفية إلى أنه تكره الصلاة في المقبرة، وبه قال الثوري والأوزاعي، لأنها مظان النجاسة، ولأنه تشبه باليهود، إلا إذا كان في المقبرة موضع أعد للصلاة ولا قبر ولا نجاسة فلا بأس.
وقال المالكية : تجوز الصلاة بمقبرة عامرة كانت أو دارسة، منبوشة أم لا، لمسلم كانت أو لمشرك.
وفصل الشافعية الكلام فقالوا : لا تصح الصلاة في المقبرة التي تحقق نبشها بلا خلاف في المذهب، لأنه قد اختلط بالأرض صديد الموتى، هذا إذا لم يبسط تحته شيء، وإن بسط تحته شيء تكره. وأما إن تحقق عدم نبشها صحت الصلاة بلا خلاف؛ لأن الجزء الذي باشره بالصلاة طاهر، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه؛ لأنها مدفن النجاسة. وأما إن شك في نبشها فقولان : أصحهما : تصح الصلاة مع الكراهة؛ لأن الأصل طهارة الأرض فلا يحكم بنجاستها بالشك، وفي مقابل الأصح : لا تصح الصلاة؛ لأن الأصل بقاء الفرض في ذمته، وهو يشك في إسقاطه، والفرض لا يسقط بالشك.
وقال الحنابلة : لا تصح الصلاة في المقبرة قديمة كانت أو حديثة، تكرر نبشها أو لا، ولا يمنع من الصلاة قبر ولا قبران؛ لأنه لا يتناولها اسم المقبرة وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدًا. وروي عنهم أن كل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه. ونصوا على أنه لا يمنع من الصلاة ما دفن بداره ولو زاد على ثلاثة قبور، لأنه ليس بمقبرة.
هذا بشأن كلام الفقهاء في مسألة الصلاة في المقبرة، والمقابر دون التعرض لمسألة الصلاة في المساجد التي يجاورها الأضرحة.

ثانيًا : الصلاة في المسجد الذي به ضريح :
وأما الصلاة بالمسجد الذي به ضريح أحد الأنبياء عليهم السلام أو الصالحين، فهي صحيحة، ومشروعة، وقد تصل إلى درجة الاستحباب، ويدل على هذا الحكم عدة أدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة العملي.
فمن القرآن الكريم قوله تعالى : { فَقَالُوا ابْنُوا
عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }([3])، ووجه الاستدلال بالآية أنّها أشارت إلى قصّة أصحاب الكهف، حينما عثر عليهم الناس، فقال بعضهم: نبني عليهم بُنيانًا، وقال آخرون: لنتّخذنّ عليهم مسجدًا.
والسياق يدل على أن الأوّل: قول المشركين، والثاني: قول الموحّدين، والآية طرحت القولين دون استنكار، ولو كان فيهما شيء من الباطل لكان من المناسب أن تشير إليه وتدل على بطلانه بقرينة ما، وتقريرها للقولين يدل على إمضاء الشريعة لهما، بل إنّها طرحت قول الموحدين بسياق يفيد المدح، وذلك بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قول الموحدين قاطعًا (لنتّخذنّ) نابعًا من رؤية إيمانية، فليس المطلوب عندهم مجرد البناء، وإنّما المطلوب هو المسجد. وهذا القول يدلّ على أن أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله معترفين بالعبادة والصلاة.
قال الرازي في تفسير (لنتّخذنّ عليه مسجدًا) : نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد([4]).
وقال الشوكاني: ذكر اتخاذ المسجد يُشعر بأنّ هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون، وقيل: هم أهل السلطان والملوك من القوم المذكورين، فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم، والأوّل أولى([5]). وقال الزجاجي: هذا يدلّ على أنّه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور، لأن المساجد للمؤمنين. هذا بخصوص ما ذكر في كتاب الله فيما يخص مسألة بناء المسجد على القبر.
ومن السنة حديث أبي بصير الذي رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قالا : «إن أبا بصير انفلت من المشركين بعد صلح الحديبية، وذهب إلى سيف البحر، ولحق به أبو جندل بن سهيل بن عمرو، أنفلت من المشركين أيضًا، ولحق بهم أناس من المسلمين حتى بلغوا ثلاثمائة وكان يصلي بهم أبو بصير، وكان يقول :
الله العلي الأكبر من ينصر الله ينصر
فلما لحق به أبو جندل، كان يؤمهم، وكان لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها، و***وا أصحابها، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم، إلا أرسل إليهم، فمن أتاك منهم فهو آمن، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهم من المسلمين أن يلحقوا ببلادهم وأهليهم، فقدم كتاب رسول صلى الله عليه وسلم على أبي جندل، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرأه، فدفنه أبو جندل مكانه، وبنى على قبره مسجدًا »([6]).
أما فعل الصحابة رضي الله عنهم يتضح في موقف دفن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه، وهو ما حكاه الإمام مالك رضي الله عنه عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال : «فقال ناس : يدفن عند المنبر، وقال آخرون : يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه »([7])، ووجه الاستدلال أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترحوا أن يدفن صلى الله عليه وسلم عند المنبر وهو داخل المسجد قطعًا، ولم ينكر عليهم أحد هذا الاقتراح، بل إن أبا بكر رضي الله عنه اعترض على هذا الاقتراح ليس لحرمة دفنه صلى الله عليه وسلم في المسجد، وإنما تطبيقًا لأمره صلى الله عليه وسلم بأن يدفن في مكان قبض روحه الشريف صلى الله عليه وسلم.
وبتأملنا إلى دفنه صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان؛ نجد أنه صلى الله عليه وسلم قُبض في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها، وهذه الحجرة كانت متصلة بالمسجد الذي يصلي فيه المسلمون. فوضع الحجرة بالنسبة للمسجد كان - تقريبًا - هو نفس وضع المساجد المتصلة بحجرة فيها ضريح لأحد الأولياء في زماننا، بأن يكون ضريحه متصلاً بالمسجد والناس يصلون في صحن المسجد بالخارج.
وهناك من يعترض على هذا الكلام ويقول : إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم والرد عليه أن الخصوصية في الأحكام بالنبي صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى دليل، والأصل أن الحكم عام ما لم يرد دليل يثبت الخصوصية، ولا دليل، فبطلت الخصوصية المزعومة في هذا الموطن، ونزولاً على قول الخصم من أن هذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو باطل كما بينا ـ فالجواب أن هذه الحجرة دفن فيها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، ومن بعده سيدنا عمر رضي الله عنه، والحجرة متصلة بالمسجد، فهل الخصوصية انسحبت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أم ماذا ؟ والصحابة يصلون في المسجد المتصل بهذه الحجرة التي بها ثلاثة قبور، والسيدة عائشة رضي الله عنها تعيش في هذه الحجرة، وتصلي فيها صلواتها المفروضة والمندوبة، ألا يعد هذا فعل الصحابة وإجماعًا عمليًّا لهم.
ومن إجماع الأمة الفعلي وإقرار علمائها لذلك، صلاة المسلمين سلفاً وخلفاً في مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساجد التي بها أضرحة بغير نكير، وإقرار العلماء من لدن الفقهاء السبعة بالمدينة الذين وافقوا على إدخال الحجرة الشريفة إلى المسجد النبوي، وهي بها ثلاثة قبور، ولم يعترض منهم إلا سعيد بن المسيب رضي الله عنه، ولم يكن اعتراضه لأنه يرى حرمة الصلاة في المساجد التي بها قبور، وإنما اعترض؛ لأنه يريد أن تبقى حجرات النبي صلى الله عليه وسلم كما هي يطلع عليها المسلمون؛ حتى يزهدوا في الدنيا، ويعلموا كيف كان يعيش نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا : اتخاذ القبر مسجدًا ليس هو المسجد الذي به ضريح :
واتخاذ القبر مسجدًا الذي ورد فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس هو ما ذكرنا من بناء المسجد بجوار ضريح متصل به أو منفصل عنه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »([8])، وفي رواية لمسلم بلفظ : «قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد»([9]).بزيادة : «وصالحيهم».
فعلماء الأمة لم يفهموا من هذا الحديث أن المقصود النهي عن اتصال المسجد بضريح نبي أو صالح، وإنما فسروا اتخاذ القبر مسجدًا التفسير الصحيح، وهو أن يُجعل القبر نفسه مكانًا للسجود، ويسجد عليه الساجد لمن في القبر عبادة له، ؛ حيث قال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }([10]). فهذا هو معنى السجود الذي استوجب اللعن، أو جعل القبر قبلة دون القبلة المشروعة، كما يفعل أهل الكتاب؛ حيث يتوجهون بالصلاة إلى قبور أحبارهم ورهبانهم، فتلك الصور هي التي فهمها علماء الأمة من النهي عن اتخاذ القبور مساجد.
فكان ينبغي على المسلمين أن يعرفوا الصورة المنهي عنها، لا أن ينظروا إلى ما فعله المسلمون في مساجدهم، ثم يقولون إن الحديث ورد في المسلمين، فهذا فعل الخوارج والعياذ بالله، كما قال ابن عمر رضي الله عنه ذهبوا إلى آيات نزلت في المشركين، فجعلوها في المسلمين. فليست هناك كنيسة للنصارى ولا معبد لليهود على هيئة مساجد المسلمين التي بها أضرحة، والتي يصر بعضهم أن الحديث جاء في هذه الصورة.
ولكن العلماء فهموا المراد بنظر ثاقب وهو ما اتضح في شروحهم لهذه الأحاديث، فها هو الشيخ السندي يقول بشأن هذا الحديث : «ومراده بذلك أن يحذر أمته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذهم تلك القبور مساجد إما بالسجود إليها تعظيمًا أو بجعلها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، قيل : ومجرد اتخاذ مسجد في جوار صالح تبركًا غير ممنوع»([11]).
وقد نقل العلامة ابن حجر العسقلاني وغيره من شراح السنن قول البيضاوي؛ حيث قال: « قال البيضاوي : لما كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء؛ تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانًا، ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك، ونهاهم عنه، أما من اتخذ مسجدًا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه، ووصول أثر من آثار عبادته إليه، لا التعظيم له، والتوجه فلا حرج عليه، ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحطيم؟ ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة لما فيها من النجاسة انتهى »([12]).
وقد نقل كذلك المباركفوري في شرحه لجامع الإمام الترمذي قول التوربشتي فقال : «قال التوربشتي هو مخرج على الوجهين : أحدهما : كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لهم وقصد العبادة في ذلك. وثانيهما : أنهم كانوا يتحرون الصلاة في مدافن الأنبياء، والتوجه إلى قبورهم في حالة الصلاة والعبادة لله؛ نظرًا منهم أن ذلك الصنيع أعظم موقعًا عند الله لاشتماله على الأمرين»([13]).
و مما سبق يتبين أن حكم الصلاة بالمسجد الذي به ضريح يكون، إذا كان القبر في مكان منعزل عن المسجد، أي لا يصلى فيه، فالصلاة في المسجد الذي يجاوره صحيحة، ولا حرمة ولا كراهة فيها، أما إذا كان القبر في داخل المسجد، فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب أحمد بن حنبل، جائزة وصحيحة عند الأئمة الثلاثة، غاية الأمر أنهم قالوا : يكره أن يكون القبر أمام المصلى؛ لما فيه من التشبه بالصلاة إليه، والله تعالى أعلى وأعلم.

منقول عن فتوى قديمة لدار الافتاء

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 20-12-2013 الساعة 09:47 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:02 AM.