|
||||||
| حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
|||
|
|||
|
خُطبةُ عِيدِ الأَضحَى المُبَاركِ 1439هـ
* اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ. اللهُ أَكْبَرُ خَلَقَ الْخَلْقَ وأَحصَاهُمْ عَدَدًا، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا، اللهُ أَكْبَرُ عَزَّ رَبُّنَا سُلْطَانًا وَمَجْدًا، وَتَعَالَى عَظَمَةً وَحِلْمًا، عَنَتِ الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ، وَخَضَعَتِ الْخَلائِقُ لِقُدْرَتِهِ، اللهُ أكْبَرُ مَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَاللهُ أَكْبَرُ مَا هَلَّلَ الْمُهَلِّلُونَ وَكَبَّرَ الْمُكَبِّرُونَ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. * اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَا أَحْرَمَ الْحُجَّاجُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَكُلَّمَا لَبَّى الْمُلَبُّونَ وَزِيدَ فِي الْحَسَنَاتِ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَا دَخَلَ الْحُجَّاجُ مَكَّةَ وَمِنَىً وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَاتَ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَا طَافَ الطَّائِفُونَ بِالْبَيْتِ الْحَرامِ وَعَظَّمُوا الْحُرُمََاتِ. وَاللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ ما ذَبَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الأُضحِياتِ. * الْحَمْدُ للهِ الَّذِي سَهَّلَ لِعِبَادِهِ طُرُقَ الْعِبَادَةِ وَيَسَّرَ، وَتَابَعَ لَهُمْ مَوَاسِمَ الْخَيرَاتِ لِتَزْدَانَ أَوْقَاتُهُمْ بِالطَّاعَاتِ وَتُعَمَّرَ، وَلَهُ الْحَمْدُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَرُ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى آلائِهِ الَّتِي لَا تُقَدَّرُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مَلَكَ فَقَهَرَ، وَتَأَذَّنَ بِالزِّيادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَتَوَعَّدَ بِالْعَذَابِ مَنْ جَحَدَ وَكَفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَأَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَدِيدًا وَأَكْثَرَ. * أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسلمون: نُبَارِكُ لَكُمْ عِيدَكُمُ السَّعِيدَ، وَيَوْمَكُمُ الْكَرِيمَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِنَفْرَحَ فِيهِ بِعَوَائِدِ الإِحْسَانِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَزِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ، نَعَمْ إِنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ، يَوْمُ الْحَمْدِ وَالنِّعْمَةِ، وَتَرْسِيخِ قِيَمِ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ، وَنَشْرِ السَّعَادَةِ وَالْبَسْمَةِ، يَوْمٌ تُعْطَى فِيهِ الْهَدَايَا، وَتُسْتَعْظَمُ فِيهِ الْوَصَايَا، وَإِنَّ أَعْظَمَ وَصِيَّةٍ لِلنَّاسِ تُبْذَلُ، وَفِيهَا مَوَاعِظُ كَثِيرَةٌ، الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ الْقَائِلِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]. * واعْلَمُوا أَنَّ فِي هذَا اليومِ الْعَظِيمِ يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بِنَحْرِ ضَحَايَاهُمْ مُتَّبِعِينَ سُنَّةَ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، ثَمرَةِ فُؤَادِهِ، فَاسْتَجَابَ لأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فجعَلَ اللهُ تعَالَى فِدَاءَ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَبْشًا أَقْرَنَ عَظِيمَ الحَجْمِ والبَرَكَةِ، وَقَدْ أَحْيَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذِهِ السُّنَّةَ العَظِيمَةَ إِلى يَومِ الدِّينِ. * اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ. * تَجْتَمِعُ الْبَهْجَةُ وَالسُّرُورُ وَالْفَرْحَةُ وَالْحُبورُ عَلَى مُسْلِمِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ بِاِجْتِمَاعِ مَرَاسِمِ بَهْجَةِ الْعِيدِ وَفَرْحَتِهِ, فَهَذِهِ الْأيَّامُ تَجْتَمِعُ فيها عِبَادَاتٌ جَلِيلَةٌ وَعَظِيمَةٌ, فَبِالأَمْسِ وَقَفَ النَّاسُ بِعَرَفَاتَ، وَقَبْلَهُ كَانَتِ الْأيَّامُ الْمُبَارَكَاتُ، وَالْيَوْمَ يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ صَلاَةَ الْعِيدِ، وَيَنْحَرُونَ ضَحَايَاهُمْ, وَيَجْتَمِعُ الْحَجِيجُ لإِكْمَالِ مَنَاسِكِهِمْ، هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتُ الْعِظَامُ وَهَذِهِ الرَّحَمَاتُ الْجِسَامُ يَمُنُّ اللهُ بِهَا عَلَينَا، ﴿ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37]. * اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ. * أُمَّةَ الإِسلامِ: في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكةِ، قَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا في النَّاسِ بِبَيتِ اللهِ الحَرَامِ فوَدَّعَ أَصحَابَهُ، وأَرْسَى قَواعِدَ الدِّينِ، وكَمَالَ الشَّريعَةِ، وبَيَّنَ تَمَامَ النِّعمَةِ، وأَنزَلَ اللهُ عَليهِ عَشِيَّةَ عَرفَةَ في يَومِ الجُمُعةِ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قرَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خُطبَتِهِ التَّوحِيدَ، وحِفْظَ النُّفوسِ والأَموَالِ والأَعرَاضِ، وأَلغَى مَعَانِيَ العُنصُرِيَّةِ؛ فرَبُّنَا وَاحِدٌ، ونَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وكِتَابُنَا وَاحِدٌ، وأَصلُ خِلْقَتِنَا وَاحِدٌ؛ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. وحَثَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خُطبَتِهِ على تَوحِيدِ الصَفِّ وجَمعِ الكَلِمَةِ، ونَبذِ الخِلافِ والفُرقَةِ. * وكَانَ مِمَّا قَالَهُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- في ذَلكَ اليَومِ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟"، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟"، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا"، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" رواهُ البُخَاريُّ. * أَيُّهَا المُوَحِّدُونَ: امْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإجْلَالاً، واسْتَشْعِرُوا عَظَمَتَهُ فِي أَحْوَالِكُمْ كُلِّهَا، وَفِي عِبَادَاتِكُمْ جَمِيعِهَا، اسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ سُبْحَانَه وَأَنْتُم لَهُ تَرْكَعُونَ وَتَسْجُدُونَ، واسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُم لَهُ تَذْبَحُونَ وَتَنْسِكُونَ. واسْتَشْعِرُوا عَظَمَتَهُ، وَأَنْتُمْ تُقَلِّبُونَ أَبْصَارَكُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. * عبادَ اللهِ: يَسُنُّ إِذَا رَجَعَ الإِنْسانُ مِنَ الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَمِنْ السُّنَّةِ كَذَلِكَ أَن لاَ يَأْكُلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلاَّ مِنْ أُضحِيَتِهِ، وَأَنْ يُبَادِرَ بِذَبحِ أُضحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ - إِنِ اسْتَطَاعَ - فَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، وَيَذْبَحُ. وَلْيُرِحِ الذَّبيحَةَ عِنْدَ اقْتِيادِهَا وَذَبْحِهَا. وَكُلْ - يا عَبْدَ اللهِ - مِنْ أُضْحِيَتِكَ وَتَصَدَّقْ وَأهْدِ وَادَّخِرْ، وَلاَ تُعْطِ الْجَزَّارَ أُجْرَتَهُ مِنْهَا. ويَمتَدُّ وَقتُ الذَّبْحِ -أَيهَا الإِخوةُ - إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. * أيهَا المُسلِمونَ: أَظْهِرُوا الْبَهْجَةَ وَالسُّرُورَ بِعِيدِكُمْ، وَاجْتَنِبُوا مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَاشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى الَّذِي هَدَاكُمْ وَأَعْطَاكُمْ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى آلاَئِهِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ، وأَنْ يَتوفَّانَا علَى سُنَّةِ نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَاركَ اللهُ لِي ولَكُم... * الخطبة الثانية الْحَمْدُ للَهُ الَّذِي جَعَلَ خَاتِمَةَ الطَّاعَةِ عِيدًا، وَفَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ تَكْرِمَةً مِنْه وَفَضْلاً، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَه حَمْدًا خَالِصًا مَوْصُولاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا محمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. * اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الْحَمْدُ. أَمَّا بَعْدُ: إِخوَةَ الإِسْلامِ: تَفَكَّرُوا فِي نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُمْ، الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَكُلَّمَا تَذَكَّرَ الْعِبَادُ نِعَمَ اللهِ ازْدَادُوا شُكْرًا للهِ؛ تَذَكَّرُوا نِعْمَةَ الْإِسْلامِ أَعَظْمَ النِّعَمِ، وَتَحْكِيمَ الشَّرِيعَةِ وَتَطْبِيقَهَا. تَذَكَّرُوا أَمْنَكُمْ وَاسْتِقْرَارَكُمْ. تَذَكَّرُوا ارْتِبَاطَ قِيَادَتِكُمْ مَعَ مُوَاطِنِيهَا.. تَذَكَّرُوا هَذِهِ النِّعَمَ، وَتَفَكَّرُوا فِي حَالِ أَقْوَامٍ سُلِبُوا هَذِهِ النِّعَمَ. ادْعُوا رَبَّكُمْ أَنْ يُدِيمَ أَمْنَكُمْ وَاسْتِقْرَارَكُمْ وَاشْكُرُوا نِعَمَهُ يَزِدْكُمْ. مَعَاشِرَ النِّساءِ الْعَابِدَاتِ الْقَانِتَاتِ الْمَصَلِيَاتِ، بُشْرَاكُنَّ بقَوْلِ الْمُصْطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَاللهَ اللهَ فِي طَاعَةِ الزَّوْجِ وَحُسْنِ التَبَعُّلِ لَهُ، اللهَ اللهَ فِي رِعايَةِ الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ وَحُسْنِ تَرْبِيَةِ الْأَوْلاَدِ، قَالَ عليهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ: "المَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. * تَأَمَّلِي مَاذَا يَقُولُ عَطَاءٌ، يَقُولُ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ"، قَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. * فَيَا سُبْحَانَ اللهِ! امْرَأَةٌ سَوْداءُ، تَحَمَّلَتِ الصَّرَعَ وَآلاَمَهُ، وَلَمْ تَرْضَ أَنْ تَتكَشَّفَ وَهِيَ مَعْذُورَةٌ شَرْعًا، فَمَا بَالُ بَعْضِ نِسَائِنَا شَغَلَتْهَا الدُّنْيا، فَرُبَّما وَقَعَتْ فِي الْمَحْذُورِ مُجَارَاةً لِلْمَوْضَةِ أَوِ للآخَرِينَ! * فَيَا أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَةُ! أَنْقِذِي نَفْسَكَ، فَإِنَّ مَتَاعِ الدُّنْيا قَلِيلٌ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى، فَلَا تَغْتَرِّي بِمَالِكِ أو جَمَالِكِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُغنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيئًا. * عِبَادَ اللهِ: إِنْ كَانَ لِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ الْفَضْلِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، فَإِنَّ لأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَضْلَهَا وَمَكَانَتَهَا؛ فَهِي الأيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي أُمِرْنَا بِذِكْرِ اللهِ فِيهَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، وكَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ للهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وأيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ. وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهَا فَيَنْبَغِي لَنَا اغْتِنَامُهَا بالذِّكْرِ والتَّكْبِيرِ وَأَلاَّ نَقْتَصِرَ عَلَى الْأَكْلِ والشُّرْبِ فَحَسْبُ، كَمَا وَأَنَّه يُشْرَعُ فِي هَذِهِ الأيَّامِ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، فَكَبِّرُوا وَارْفَعُوا بِهَا أَصْوَاتَكُمْ وَأَحْيُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُمْ وَصَالِحَ أَعْمَالِكُمْ، وَقَبِلَ صِيَامَكُمْ وصَدَقَاتِكُمْ وَدُعَاءَكُمْ، وَضَحَايَاكُمْ وَضَاعَفَ حَسَنَاتِكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا وَأيَّامَكُمْ أَيَّامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ وَأَعَادَ اللهُ عَلَينَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا الْعِيدِ، وَجَعَلَنَا فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ، وَحَشَرَنَا تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ. اللَّهُمَّ احْفَظْ حُجَّاجَ بَيتِكَ الْحَرَامِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعِدْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ سَالِمِينَ غَانِـمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّهُمْ، وَاغْفِرْ ذُنُوبَهُمْ، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ جَزَاءَهُمْ، وتَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ العَمَلِ، الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. اللهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللهُمَّ اخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْرًا، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، اللَّهُمَّ صَوِّبْ رَمْيَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّهِمْ. اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182] أحمد بن عبد الله الحزيمي
__________________
![]() |
|
#2
|
|||
|
|||
|
خطبة عيد الأضحى المبارك 1439هـ كمال الإسلام
الخطبة الأولى: * الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ عَزَّ سُلْطَانُهُ، وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ. دَائِمٌ لَا يَفُوتُ، وَحَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ. الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا عَذَّبَهُ (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْجَاثِيَةِ: 36- 37]. * الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، الْقَوِيِّ الْمَتِينِ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَغْنَى عَنْهُمْ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ عَلِيمٌ بِهِمْ، قَدِيرٌ عَلَيْهِمْ، يُدَبِّرُهُمْ كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَهْدِيهِمْ لِمَا يَشَاءُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. * (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ)[الْإِسْرَاءِ: 111]، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا. لَهُ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ. وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَمَاتَ وَأَحْيَا. وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ: عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ، أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ، وَوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُهُ، وَقَدَرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَرَادَهُ؛ فَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَطَبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ، فَعَظَّمَ الْحُرُمَاتِ، وَقَالَ: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ لِمَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. * أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَفِيهِ أَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحَاجِّ، وَفِيهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ؛ شُكْرًا لَهُ -سُبْحَانَهُ- عَلَى مَا شَرَعَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِذَبْحِهَا، وَشُكْرًا لَهُ -تَعَالَى- عَلَى مَا رَزَقَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَشُكْرًا لَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى التَّمَتُّعِ بِلُحُومِهَا (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الْحَجِّ: 36- 37]. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * اللَّهُ أَكْبَرُ؛ وَقَفَ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ بِالْأَمْسِ فِي عَرَفَاتٍ. اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ رَفَعُوا لِلَّهِ -تَعَالَى- مِنَ الدَّعَوَاتِ! اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ قَضَى سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنَ الْحَاجَاتِ! اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ مِنْ عَبْدٍ بِالْأَمْسِ مَقْبُولٍ! اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ مِنْ ذَنْبٍ بِالْأَمْسِ مَغْفُورٍ! اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ أَوْجَبَ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَ الرَّحَمَاتِ! وَكَمْ أَعْتَقَ مِنَ النِّيرَانِ! فَاللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَّا وَمِنَ الْحُجَّاجِ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَاجْعَلْنَا وَإِيَّاهُمْ مِمَّنْ غَفَرْتَ ذَنْبَهُ، وَشَكَرْتَ سَعْيَهُ، وَقَبِلْتَ عَمَلَهُ، وَأَوْجَبْتَ لَهُ الرَّحْمَةَ، وَأَعْتَقْتَهُ مِنَ النَّارِ. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * أَيُّهَا النَّاسُ: يَسِيرُ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ الْآنَ إِلَى الْجَمَرَاتِ بَعْدَ أَنْ بَاتُوا بِمُزْدَلِفَةَ فِي جُمُوعٍ غَفِيرَةٍ تُلَبِّي لِلَّهِ -تَعَالَى- وَتُوَحِّدُهُ وَتُكَبِّرُهُ، وَبَعْدَ رَمْيِهِمْ لِلْجِمَارِ يَنْحَرُونَ هَدْيَهُمْ، وَيُحَلِّقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَيَطُوفُونَ طَوَافَ الْحَجِّ، وَيَبِيتُونَ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يُوَدِّعُونَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ، كَمَا اسْتَقْبَلُوهُ بِالطَّوَافِ قَبْلَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ؛ فَسُبْحَانَ مَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ! وَسُبْحَانَ مَنْ عَلَّمَهُمُ الْإِيمَانَ! وَسُبْحَانَ مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى الْمَنَاسِكِ، وَسُبْحَانَ مَنْ ذَلَّلَ قُلُوبَهُمْ لِتَعْظِيمِهِ! وَسُبْحَانَ مَنْ حَرَّكَ أَلْسِنَتَهُمْ بِذِكْرِهِ وَتَكْبِيرِهِ! وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الشَّعَائِرَ الْعَظِيمَةَ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ! وَسُبْحَانَ مَنْ حَرَّكَ بِهَا الْقُلُوبَ فَسَحَّتْ لَهَا الْعُيُونُ! (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الْحَجِّ: 32]. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هِدَايَتُهُمْ لِلْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ الدِّينُ الْحَقُّ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آلِ عِمْرَانَ: 19]، وَلَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 85]. * وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي أَكْمَلَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِعِبَادِهِ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3]، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْأَنْعَامِ: 115]، وَالْإِسْلَامُ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ -تَعَالَى- الَّتِي أَتَمَّهَا صِدْقًا فِي أَخْبَارِهِ، وَعَدْلًا فِي أَحْكَامِهِ. وَهُوَ بِحِفْظِ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُ مَحْفُوظٌ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- خَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ، وَخَتَمَ النُّبُوَّةَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى الْإِسْلَامُ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ؛ لِتَهْتَدِيَ الْبَشَرِيَّةُ بِهِ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الْحِجْرِ: 9]. وَنَزَلَتْ آيَةُ كَمَالِ الْإِسْلَامِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ” (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). * وَالنَّاسُ فِي كَمَالِ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: * فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَحْدَثُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ بِدَعٍ وَضَلَالَاتٍ، لَيْسَتْ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَخَدَعُوا أَتْبَاعَهُمْ بِعِبَادَاتٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَهُمْ عَامَّةُ الْمُبْتَدِعَةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي بِدَعِهِمْ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ” (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). * وَالْقِسْمُ الثَّانِي: خَضَعُوا لِضُغُوطِ الْحَضَارَةِ الْمُعَاصِرَةِ، فَاسْتَدْرَكُوا عَلَى الْإِسْلَامِ جُمْلَةً مِنْ أَحْكَامِهِ، وَحَذَفُوا مِنْهَا مَا لَا يَتَّسِقُ مَعَ الْوَاقِعِ الْمُعَاصِرِ الضَّاغِطِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَحَمَلَتِهِ، فَأَبَاحُوا جُمْلَةً مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَسْقَطُوا كَمًّا مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَتَلَمَّسُوا شُذُوذَ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ؛ لِلْقَضَاءِ بِهِ عَلَى النُّصُوصِ الْوَاضِحَةِ، وَاتَّكَئُوا عَلَى أَخْطَاءِ مَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِبُلُوغِ مُرَادِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ يُرِيدُهُ، فَسَاءَ مَا يَفْعَلُونَ؛ إِذْ بَاعُوا شَيْئًا مِنْ دِينِهِمْ بِمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مَكَاسِبُ دُنْيَوِيَّةٌ. * وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دِفَاعًا عَنِ الْإِسْلَامِ بِزَعْمِهِمْ؛ لِرَدِّ الطُّعُونِ عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِمْ؛ فَإِنَّ الْأَعْدَاءَ لَنْ يَرْضَوْا عَنْهُمْ حَتَّى يَهْدِمُوا الْإِسْلَامَ كُلَّهُ لَا بَعْضَهُ، وَحَتَّى يَتَّبِعُوا مِلَّتَهُمْ، فَأَوْبَقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَأَوْرَدُوهَا مَوَارِدَ الْإِثْمِ وَالْهَلَاكِ، وَدِينُ اللَّهِ -تَعَالَى- عَزِيزٌ مَنْصُورٌ، وَإِنْ جَالَ الْبَاطِلُ جَوْلَتَهُ؛ فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى. * وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: عَلِمُوا كَمَالَ الْإِسْلَامِ، وَدَانُوا اللَّهَ -تَعَالَى- بِهِ، وَالْتَزَمُوا شَرِيعَتَهُ، وَلَمْ يَزِيدُوا فِيهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَنْقُصُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَمْدِ اللَّهِ -تَعَالَى-. وَالْمُقَصِّرُونَ فِي الْتِزَامِ دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقِسْمِ، وَالْمُسْرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْعِصْيَانِ؛ لَا يَسْتَبِيحُونَ مَا يَرْتَكِبُونَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا يُسْقِطُونَ مَا يَتْرُكُونَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَلَا يَمْسَخُونَ شَيْئًا مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَعْتَرِفُونَ بِتَقْصِيرِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَيُقِرُّونَ بِجِنَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيَرْجُونَ التَّوْبَةَ، وَيَسْأَلُونَ غَيْرَهُمُ الدُّعَاءَ لَهُمْ. وَهَؤُلَاءِ قَرِيبُونَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَحَرِيٌّ أَنْ يُوَفَّقُوا لَهَا؛ إِذْ لَمْ يَفْتِكْ بِقُلُوبِهِمْ أَهْوَاءٌ مُتَّبَعَةٌ، وَلَمْ تَحْرِفْهُمْ عَنِ الصَّوَابِ بِدَعٌ مُضِلَّةٌ، فَهُمْ يَعْلَمُونَ كَمَالَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَعْلَمُونَ خَطَأَهُمْ فِي حَقِّ دِينِهِمْ وَحَقِّ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ جِيءَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ لِيُجْلَدَ فِي الْخَمْرِ “فَقَالَ رَجُلٌ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا تَلْعَنُوهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. * وَهَذَا لَا يَعْنِي الِاسْتِهَانَةَ بِالْكَبَائِرِ وَالْمَعَاصِي، وَلَكِنَّ مَنْ يَضْعُفُ أَمَامَهَا فَيَقَعُ فِيهَا وَهُوَ يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى مَا فَعَلَ خَيْرٌ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُهَا أَوْ يُهَوِّنُ مِنْ شَأْنِهَا وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا. * إِنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ بِكَمَالِ الْإِسْلَامِ التَّمَسُّكَ بِشَرِيعَتِهِ كُلِّهَا، وَالْحَذَرَ مِنْ تَجْزِئَتِهَا وَقَبُولِ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- ذَمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِذَلِكَ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ بِخِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، فَخَاطَبَهُمْ -سُبْحَانَهُ- بِقَوْلِهِ: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[الْبَقَرَةِ: 85]. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ… * * الخطبة الثانية: * الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، الْمُنَزَّهِ عَنِ النُّظَرَاءِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. * أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الدِّينِ الحَكِيمِ، وَمَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ شَعَائِرِهِ وَأَحْكَامِهِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الشَّعَائِرِ وَالْأَحْكَامِ، وَسَلُوهُ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللَّهِ -تَعَالَى- يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: دِينُ الْإِسْلَامِ بِكَمَالِهِ وَبِمَا فِيهِ مِنَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَأَحْكَامُهُ لِلنِّسَاءِ هِيَ أَحْكَامُهُ مُنْذُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَلَمْ يُنْقَصْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَمْ يُزَدْ فِيهَا شَيْءٌ، وَإِنْ حَاوَلَ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ تَحْرِيفَهَا وَتَبْدِيلَهَا وَإِنْقَاصَهَا. * إِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُحِبَّةَ لِرَبِّهَا وَدِينِهَا، الْمُوقِنَةَ بِكَمَالِ إِسْلَامِهَا، تَتَمَسَّكُ بِالدِّينِ كُلِّهِ، وَتَأْخُذُهُ بِعَزْمٍ وَقُوَّةٍ، وَلَا يَحْرِفُهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ دِينِهَا كَلَامُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالشُّبُهَاتِ، وَلَا يَصْرِفُهَا عَنْهُ تَسَاهُلُ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَهَا الْأَعْظَمَ رِضَا اللَّهِ -تَعَالَى- وَالدَّارُ الْآخِرَةِ، فَلَا تَتَنَازَلُ عَنْ هَذِهِ الْغَايَةِ وَلَوْ فَقَدَتِ الدُّنْيَا كُلَّهَا، فَكَيْفَ وَهِيَ تَسْتَمْتِعُ بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ -تَعَالَى- لَهَا وَهُوَ كَثِيرٌ، وَقَدْ أَرْضَتْ رَبَّهَا -سُبْحَانَهُ-، وَرَضِيَتْ عَنْ نَفْسِهَا؛ فَإِنَّ عُقْدَةَ الْمُحَرَّمِ لَا تَنْحَلُّ مِنَ الْقَلْبِ إِلَّا بِتَوْبَةٍ، وَإِنَّ أَلَمَ الذَّنْبِ لَا يُفَارِقُ الْمُؤْمِنَ؛ لِحَيَائِهِ مِنْ رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ-، وَاسْتِحْضَارِهِ نِعَمَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ. فَاللَّهَ اللَّهَ -أَيَّتُهَا الْمُؤْمِنَاتُ- فِي الِالْتِزَامِ بِكُلِّ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ دِينُ الْعَدْلِ وَالْكَمَالِ، وَإِنَّ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ عَظِيمٌ، وَإِنَّ أَمَدَ الدُّنْيَا قَصِيرٌ. * حَفِظَ اللَّهُ -تَعَالَى- الْمُؤْمِنَاتِ بِحِفْظِهِ، وَسَتَرَهُنَّ بِسَتْرِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِنَّ عَافِيَتَهُ. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ عِيدِ النَّحْرِ، شَرَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- لَكُمْ فِيهِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، فَتَخْرُجُونَ مِنْ مُصَلَّاكُمْ لِتَتَقَرَّبُوا بِضَحَايَاكُمْ، وَكُلُوا وَأَهْدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ لِرَبِّكُمْ، وَمِنْ رِزْقِهِ -سُبْحَانَهُ- لَكُمْ، فَأَكْثِرُوا مِنْ شُكْرِهِ -سُبْحَانَهُ- عَلَى مَا رَزَقَكُمْ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الَّتِي لَا يَجُوزُ صِيَامُهَا؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ -تَعَالَى- كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. * وَلْتَجْتَمِعْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الْقُلُوبُ الْمُتَبَاعِدَةُ، وَلْتُبْسَطْ فِيهِ الْأَيْدِي الْمُنْقَبِضَةُ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَأَزِيلُوا مَا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى بَعْضِكُمْ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى أَهْلِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، وَتَمَتَّعُوا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ -تَعَالَى- لَكُمْ، وَاحْذَرُوا الْمُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّهَا شَرٌّ وَوَبَالٌ عَلَى أَصْحَابِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا تَنْسَوْا إِخْوَانَكُمُ الْمُضْطَهَدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، كُونُوا بِقُلُوبِكُمْ مَعَهُمْ، وَخَفِّفُوا عَلَيْهِمْ مُصَابَهُمْ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ -تَعَالَى- الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ، وَالْعَافِيَةَ مِنَ الْبَلَاءِ، فَإِنَّهُ لَا أَوْسَعَ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَلَا أَضْيَقَ مِنَ الْبَلَاءِ، وَلَا أَثْقَلَ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ. * اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. * أَعَادَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ. * (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]. الشيخ د. : إبراهيم بن محمد الحقيل خطيب
__________________
![]() آخر تعديل بواسطة abomokhtar ، 20-08-2018 الساعة 03:20 PM |
|
#3
|
|||
|
|||
|
خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1439هـ (وصايا وتوجيهات)
الخطبة الأولى: الحمد لله كثيرًا والله أكبر كبيرًا، الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا، الله أكبر عز سلطانُ ربنا، وعمَّ إحسانُ مولانا، خلَق الجنَّ والإنس لعبادته، وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر عدد ما هلَّلَ المهلِّلون وكبَّر المكبرون، الله أكبر عددَ ما أهَلَّ الحُجَّاجُ والمعتمرون، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا… والحمد لله الذي سهَّل لعباده طُرُق العبادة ويسَّرَ، والحمد لله الذي تابع بين مواسم العبادة لتشيَّدَ الأوقات بالطاعة وتعمر، وأشكره على فضله وإحسانه وحقَّ له أن يُشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله انفرد بالخَلْق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدَّر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل مَن تعبَّد لله وصلى وزكَّى وحج واعتمر، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آَلِهِ وأصحابِه نِعْمَ الصحبُ والمعشرُ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- واعرفوا فضله عليكم بهذا العيد السعيد، وهو يوم الحج الأكبر، عيدٌ امتلأت القلوب به فرحا وسرورًا، وازدانت به الأرض بهجة ونورًا، يوم يخرج المسلمون فيه بالأمصار إلى المصلى لربهم حامدين معظمين وبنعمته مغتبطين فلله الحمد رب العالمين. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. أيها الإخوة: في مثل هذا اليوم وقف رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جماهير المسلمين بمِنًى يخطبهم ويقرر تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ“، ثُمَّ قَالَ: “أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟” قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: “أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟” قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: “فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟” قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: “أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟”، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: “فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟” قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: “أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟” قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ– حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا -أَوْ ضُلَّالًا- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ“، ثُمَّ قَالَ: “أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟” هذا (لفظ مسلم)، وعند (البخاري): أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟”، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: “اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها الوصية لأمته. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. أيها الإخوة: لقد أكد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا اليوم العظيم والموقف والمجمع العظيمين في حجة الوداع تحريم هذه الأشياء الثلاثة: الدم، والمال، والعِرْض، بعد أن قررهم بعظمة الزمان والمكان، وقرَن بينها قرانًا لا انفصام بعده إلى يوم القيامة، بنص محكَم صريح، فمن الذي أباح لأولئك الضُّلَّالِ الخارجين على الأمةِ وسلطانِها دماءَ المسلمين يريقونها بغيًا وعدوانًا؟! ومن الذي أباح لهم أموالَ المسلمين العامةِ والخاصةِ يتلفونها؟! ومن الذي أباح لهم أعراض العلماء وولاة الأمر، ينتهكونها؟! إنه الضلال ولا شيء غيره.. نعوذ بالله من أحوالهم.. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. أيها الإخوة: ما سلَف ذِكره من انتهاك للدماء والأموال والأعراض بتلك الصورة لا يفعله -بفضل الله- إلا شرذمةٌ من الناس قد مكَّن اللهُ مِن كثير منهم وهم في زوال وإلى زوال -إن شاء الله-. وفي هذا الزمان جدَّت وسائل حديثة لانتهاك أعراض المسلمين تعدت حديثَ المجالس إلى ما يسمَّى بالإعلام الجديد؛ من “التوتر والسناب شات والفيس بوك والاستقرام والواتس آب” وغيرها مما يَعمل عبر شبكة الإنترنت أو غيرها من الوسائل. نقول لهؤلاء: اعلموا أن الكتابة أو الحديث أو نقل الأخبار غير الصحيحة عبر هذه الوسائل لا يُخرج الفاعلَ عن دائرة الاعتداء على الأعراض، ويُوقعه بالغيبة أو البهتان أو إشاعة الفاحشة أو الباطل أو الاستهزاء أو السخرية وغيرها من الأعمال المحرمة التي حرمها الدين، بل غلظ في التحريم قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور:19]، قال السعدي -رحمه الله-: “(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) أي: الأمور الشنيعة المستقبَحَة المستعظَمَة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي: مُوجِع للقلب والبدن؛ وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟، وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه”. ألا فليتق الله أولئك الكُتَّاب سواء منهم مَن صرَّح باسمه أو اسْتَرَرَ باسم رمزي وهمي غريب رضيه لنفسه به، وليتذكروا قول الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18]، وقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ)[الانفطار: 10-11]، يوم يقال للخلائق: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية: 29]. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ” (رواه أبو داود، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني). وَرَدْغَةَ الْخَبَالِ: “عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ“، كما فسَّرَها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عجبا لهم! ثم عجبا لهم! كيف لهم أن يطلبوا الحِلَّ مِن كل من اغتابوه أو بهتوه أو سخروا منه؟! بل كيف يستحلون مجتمعًا أشاعوا فيه الفاحشة وسَعَوْا بإفساده علموا أم لم يعلموا! هيهات.. هيهات. وأنى لهم التناوش من مكان بعيد. أيها الأحبة: متى نرتقي بخطابنا النقدي عن الهمز واللمز والافتراء، والتشفي والحسد، ومتى تكون هذه الوسائل أياديَ بِناءٍ وصلة ونشر للفضيلة والدعوة للخير والعلم النافع.. لنسمو بالأمة إلى مدارج التطوُّر والرقي.. لا أن تكون هذه الوسائل معاول هدم أو مضيعة للأوقات بلا فائدة.. أسأل الله -تعالى- أن يتحقق ذلك عاجلا غير آجل. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. أيها الأحبة: في هذه الساعة المباركة يرمي حجاج بيت الله الحرام جمرة العقبة مكبِّرين لله ومعظِّمين، ثم ينصرفون إلى *** هداياهم لله متقربين فهنيئا لهم ذلك وتقبل الله منا منهم. أما بقية أهل الأمصار فقد شرع اللهُ لهم صلاة العيدِ ليقيموا ذِكْرَه، ثم ي***ون ضحاياهم على اسم الله مكبرين. ومن السُّنَّة أن ي*** الإنسان أضحيتَه بنفسه إن أمكن، وإلا فليحضر ***ها. أيها الإخوة: لقد سما هذا الدينُ بالتعامل حتى مع الحيوان، فقد جمع أهل العلم مجموعة من الآداب سموها آداب الذكاة. نذكر منها: رحمة البهيمة، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ فَأَرْحَمُهَا، أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا، قَالَ: “وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا، رَحِمَكَ اللَّهُ” (رواه البخاري بالأدب المفرد وغيره عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، وصححه الألباني). ومنها: الإحسان إلى الذبيحة وسرعة ال*** وإعداد السكين إعدادًا جيدًا قبل ال***، قَالَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ” (رواه مسلم، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-). وأَضْجَعَ رَجُلٌ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟! هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا” (رواه الحاكم والطبراني بالأوسط عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني). “أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِّ الشِّفَارِ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: “إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ” (رواه أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني)؛ يَعْنِي: فَلْيُسْرِعِ الذَّبْحَ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ بِالذَّبِيحَةِ عِنْدَ ذَبْحِهَا. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. أيها الأحبة: وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذِكْر لله ونحر للأضاحي، ومن الذِّكْر المشروع التكبير المقيد عقب الصلوات المفروضة للرجال والنساء، فبعد قول المصلِّي: أستغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام.. يأخذ بالتكبير ما يشاء ثم يعود إلى الذِّكْر المشروع، وينتهي عصر يوم الثالث عشر، ويُشرع التكبير في كل وقت؛ فقد كان السلف يداومون عليه في هذه الأيام العظيمة استجابةً لأمر الله؛ حيث قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ..)[البقرة:203]، قال السعدي: “الأَيَّام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لمزيتها وشرفها، وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها، ولكون الناس أضيافًا لله فيها، ولهذا حرَّم صيامها، وللذكر فيها مزية ليست لغيرها، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ” (رواه مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)”. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. أيها الأحبة: العيد في الإسلام مَظْهَر من مظاهر الدِّين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حِكَمٍ عظيمة ومعانٍ جليلة وأسرارٍ بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها. افرحوا بعيدكم وأَظْهِرُوا السرورَ فيه بما أباح اللهُ، فالفرح بالعيد من الأعمال التي نؤجر عليها؛ لأنها من شعائر الدين التي يفعلها المسلمون حتى وإن كانوا في معاناة أو ترقب محنة. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. أيها الأحبة: الحياة مجموعة من التعاملات بين الناس، وحُسْن التعامل بينهم مطلب إنسانيّ جمعه الغربيون حين رأوا الحاجة الماسَّة إليه وسمَّوه مهارات الاتصال الفعَّال والعلاقات الإنسانية، ولو ذهبت تستقري مفردات تلك التعاملات الراقية التي يدعون إليها لوجدت أن ديننا الإسلامي قد حثَّ عليها ودعا لها، بل ويتميز المسلم عن غيره إذا أحسن التعامل بأن الله يُثيبه عليه ويوفِّقه لما هو أفضل منه من الأخلاق، ولعلي أشير إلى شيء من ذلك مستمدًا من تعاليم ديننا الإسلامي: احرص أن تنادي الآخرين بأحب الأسماء إليهم، وكن صادقا في تحيتك لهم، وبادِر بها مع الابتسامة وصافحهم عند اللقاء، كن مصغيًا جيدًا لمن يحدثك وأَقْبِلْ عليه بكليتك، تعامَلْ مع الناس بالرفق واللين ولا تغضب فإنها وصية رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَوِّدْ نفسك ألَّا تتدخل بما لا يعنيك فمِن حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه، كن سمحًا واقبل والعذر وإن كان أقل مما تريد، لا تُكثر التشكيَ فيملَّك الناسُ وتقع في المحذور، لا تُعامِلِ الناسَ باحتقار واستعلاء؛ فالمسلم أخو المسلم وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه، أَدْخِلِ السرورَ على قلوب إخوانك تَحُزْ حبهم ورضا ربك، ابتسم ثم ابتسم ثم ابتسم فأنت بالابتسامة أجمل، وهي لغة صامتة يفهم منها الآخرون أنك تحبهم وتحترمهم. قَالَ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. (رواه البخاري ومسلم). واعلم أن الآخرين لا يستطيعون قراءة ما يدور في ذهنك إلا أنهم يقرؤون لغة الجسد؛ ولذلك نهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التدابر. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. أيها الأخوات: كان من هدي النبي تخصيص النساء بحديث خاص يوم العيد، ولن أطيل في موعظتكن، لكن حسبي منها هذانِ الحديثانِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ” (رواه أحمد، وابن حبان عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وقال الألباني: هو حسن لغيره)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ” (رواه النسائي، والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وصححه الألباني). أسأل الله بمنه وكرمه أن يُعيد علينا هذا العيد أعواما عديدة ونحن بصحة وعافية وأمتنا بأمن وأمان وعز وتمكين إنه جواد كريم. الشيخ : عبد الله بن علي الطريف
__________________
![]() |
|
#4
|
|||
|
|||
|
خطبة عيد الأضحى 1439هـ
الخطبة الأولى: إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كلما لبَّى ملبٍّ وطاف بالبيت العتيق طائفٌ وكبَّر، الله أكبر عددَ ما خلق اللهُ وعددَ ما تاب تائب من ذنبه واستغفر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، فإنَّ الله يحب من عباده المتقين، وهو وليهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]. عباد الله: إنَّ هذا اليوم يوم فضَّله الله على سائر الأيام، وهو يوم الحج الأكبر، وفيه أُذِّنَ: لا يحج مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[التوبة: 3]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: “لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ” (أخرجه البخاري في كتاب الجزية، باب كيف ينبذ إلى أهل العهد برقم (3177) ومسلم في كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان…برقم (1347)). إنَّ العناية بالعقيدة الصحيحة ودعوة الناس إليها من أهم المهمات وأوجب الواجبات، فلا لمظاهر الشرك في الحج، ولا للعادة الجاهلية بطواف عريان بالبيت، فالمسلمون يؤدُّون حجَّهم مخلصين فيه العبادة لله وحدَه، يعبدون اللهَ لا يشركون به شيئًا، ويلبسون لباس الإحرام، لا كما كان عليه أهل الجاهلية من العُري، نسأل الله أن يتقبل من الحُجَّاج حجَّهم، وأن يُسهِّل عليهم أمورَهم، وأن يردهم إلى بلادهم سالمينَ غانمينَ بالقبول والأجر والثواب. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. معاشر المسلمين: في هذا اليوم يفرح المؤمنون بعيدهم، ويتقربون إلى الله ب*** أضاحيهم بعد تأديتهم صلاةَ العيدِ، يذكرون اسم الله عليها، طيبةً بها نفوسُهم، سائلينَ ربَّهم أن يتقبلها منهم، ي*** كل واحد أضحيته بنفسه أو يُنيب غيرَه، ثم يأكل منها، ويهدي على الجار والقريب، ويتصدق على الفقير والمحتاج، فتقدَّوا فقراءكم وتلَّمسوا حاجات المحتاجين، والله -سبحانه- يَجْزي المتصدقين الذي ينفقون سِرَّا وعلانية. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا. أيها المؤمنون: اذكروا نِعم الله عليكم واشكروه عليها، وإذا رأيتم شاكرًا للنعم مكثرًا حمد الله عليها، فإنَّما هو يرى من نعم الله العظيمة ما لا يرى غيرُه، ممن يتضجر ويتشكى لما عليه حاله، أما المؤمن فإنَّه يحمد الله على كل حال، بلا تأفُّفَ أو تشكِّيَ لأحد، إنَّما يسأل الله صلاح دِينه وصلاح دنياه وصلاح آخرته. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. معاشر المسلمين: ما بال أقوام جعلوا الغِيبَة فاكهة مجالسهم، لا يطيب لهم جلوس إلا بذِكْر معايب فلان أو فلانة، أَمَا علموا أنَّ الغِيبَة من حصائد ألسنتهم التي قد تكبُّهم في النار على وجوههم. إنَّ المغتاب مسكين يظن أنَّه رابح وهو خاسر، خَسِرَ حسناته وما أساء إلا لنفسه. عباد الله: اجعلوا ألسنتكم ذاكرة لله مُثنية عليه، وقولوا القول الحسن للناس، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[البقرة: 83]، ومن القول الحسن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلام الطيب اللَّيِّن، ولو آذاك إنسان بلسانه فادفع أذاه بالتي هي أحسن، قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[فصلت: 34]. قال الإمام السعدي -رحمه الله-: “إذا أساء إليك مسيء من الخَلْق، خصوصًا من له حق كبير عليك؛ كالأقارب، والأصحاب ونحوهم، إساءةً بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصِلْهُ، وإن ظلمك، فَاعْفُ عنه، وإن تكلم فيكَ، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعْفُ عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابْذُلْ له السلامَ، فإذا قابلتَ الإساءةَ بالإحسان، حَصَلَ فائدةٌ عظيمةٌ (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فُصِّلَتْ: 34]؛ أي: كأنه قريب شفيق” (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 749)). الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. معاشر المسلمين: افرحوا بعيدكم، والبسوا جديدكم، وطهِّروا قلوبكم، واجعلوها قلوبًا سليمة، فإنَّ من علامة سلامة القلب أن يُحبَّ أحدكم لأخيه ما يُحب لنفسه، يفرح لأخيه يأتيه الخير، ويدعو له بالبركة والتوفيق، لا يُداخِل القلبَ السليمَ حسدٌ ولا حقدٌ ولا غِلٌّ ولا بغضاء. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا. عباد الله: الزموا الرفق في جميع أموركم، ليرفق الجار بجاره، وليرفق القريب بقريبه، وليرفق الزوج بزوجته وأبنائه، ولترفق الزوجة بزوجها وأبنائها، وليرفق الابن والبنت بالوالدين، اجعلوا الرفق مصاحبًا لكم في تعاملكم مع الناس، وارفقوا في *** أضاحيكم بحدِّ الشفرة وإراحة الذبيحة، قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” (أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله برقم (6024))، وفي زيادة (عند مسلم): “ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على ال***، وما لا يُعطي على ما سواه” (أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم (2593))، وقال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ” (أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم (2592)). اللهم ارزقنا الرفق في الأمر كله. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله على كثرة جوده وعظيم إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خَلَق الخَلْق ليعبدوه، فَمَنْ عَبَدَهُ كما أمر فاز في دار المعاد، ومن عصاه وخالف أمره، خسر خسرانًا مبينًا، وأشهد أنَّ محمدًا رسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، الله الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وأقيموا الصلاة كما أمركم ربكم وأدُّوا زكاة أموالكم واصدقوا في أقوالكم وأخلِصوا في أعمالكم، وصِلوا أرحامكم، وبَرُّوا بآبائكم وأمهاتكم في حياتهم، وكذلك بعد مماتهم، بالدعاء لهم والصدقة عنهم، وغير ذلك من وجوه البر المشروعة. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا. أيتها النساء: اتقينَ الله واحفظنَ ألسنتكنَ من قول الإثم، وربِّين أولادكن تربية صالحة، واحفظن للزوج حقَّه، كما يجب على الزوج حفظ حق زوجته، معاشرةً بالمعروف، وإحسانَ صحبة، وأكثرنَ من الصدقات، والتزمنَ الحجابَ الكاملَ، والبسن الساترَ الواسعَ الطويلَ من الثياب الذي لا يكون فيه فتنةٌ، ولا تَلْبَسْنَ أو تُلْبِسْنَ بناتكن قصيرًا أو ضيِّقًا أو شفافًا فإنكن عن بناتكن مسؤولات. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعزَّ دينك وأعلِ كلمتك، وانشر على العباد رحمتك، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا وذرياتنا بحفظك، وأصلح قلوبنا وأعمالنا واجعلنا جميعا ووالدينا من أهل الجنة، اللهم احْقِنْ دماء المسلمين، وأصلح أحوالهم وولِّ عليهم الصالحين الأخيار، واكفهم شرَّ المفسدين والفجار، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا وقوات التحالف العربي وأهلنا في اليمن، ثبِّت أقدامَهم وسدِّد رميهم واجمع على الحق كلمتهم وانصرهم على الحوثيين، اللهم عليك بالحوثيين ومن يقف معهم من الخونة المفسدين، اللهم عليك بالصهاينة والصليبيين والمجوس والروس والنظام الثوري في إيران، مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وخالف بين قلوبهم وا***هم بسلاحهم وصُبَّ عليهم العذاب صبًّا. اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى وأصلحهما وأصلح بطانتهما وارزقهما بطانة صالحة ناصحة، وأَبْعِد عنهما بطانة السوء، اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها وزِدْها قوةً وأمنًا وزدها تمسُّكًا بالدين، وزدها لك شكرًا يا رب العالمين، اللهم اجعل بلادنا آمنةً مطمئنةً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم تَقَبَّلْ منا صالحَ أعمالنا وبارك لنا في عيدنا (سُبحان رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 – 182]. الشيخ : عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
__________________
![]() |
![]() |
| العلامات المرجعية |
|
|