|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#9
|
||||
|
||||
![]()
ثانياً : التنمية القائمة على الحقوق والتنمية القائمة على القدرات : التلاقي والإثراء المتبادل
كما بيّنا سابقا فإنّ منظور التنمية الذي يقوم على الحقوق يعطي بعدا معياريّا للتنمية ويعدّ ذلك إضافة هامّة إلى مفهوم التنمية البشريّة السّائد. تعرّف التنمية البشريّة بكونها عمليـّة توسيع لخيارات الناس (الحريّات الجوهريّة الفعليّة) عن طريق توسيع الوظائف والقدرات لكلّ فرد من المجتمع(1). ومن الممكن أن تتباين القدرات شكلا ومضمونا غير أنّها مترابطة وتشمل مهما كان مستويات التنمية قدرات ثلاث تعتبر أساسيّة وهي أن: o يحيى الإنسان حياة مديدة وصحيّة o يحصل على المعرفة o يحصل على الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق. وبالتالي فإنّ دليل التنمية البشريّة مكوّن من ثلاثة عناصر أو متغيرات تقيس متوسط الإنجازات المرتبطة بالأبعاد الثلاثة الأساسيّة المذكورة أعلاه وهي : o العمر المتوقّع عند الولادة o التحصيل التعليمي (معرفة الكتابة والقراءة ونسبة الالتحاق المدرسي في كلّ مستويات التعليم) o نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بدولار الولايات المتّحدة حسب تعادل القوة الشرائيّة) انطلاقا من هذا التعريف يمكن أن نجد مجالات الترابط والتلاقي بين مفهوم التنمية القائمة على الحقوق ومفهوم التنمية القائمة على القدرات أو التنمية البشريّة. لكن يجب الاعتراف بأنّ مفهوم التنمية البشريّة بتركيزه على القدرات الأساسيّة الثلاثة لا يشمل الأبعاد الأخرى المتّصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة كالحق في العمل – الحق في الحماية الاجتماعية – الغذاء الكافي والمسكن الملائم والحق في الحياة الثقافيّة. ومن ثم فإنّ مقاربة التنمية القائمة على الحقوق أكثر شموليّة، لكن كما أوردناه سابقا، يمكن اعتبار نسبة التطابق والتلاقي مقبولة ومرضيّة إذا ما قبلنا بمبدأ الأوّليات. وبالتالي باعتبار الالتزامات المتعلّقة والمرتبطة بالقدرات الأساسيّة التزامات أساسيّة دنيا. أمّا السؤال فيبقى إلى أيّ حدّ يمكن قبول هذه الفرضيّة ؟ هذا محلّ جدل قائم حيث إن هناك الكثير ممّا يقضي بعدم تجزئة وتصنيف الحقوق بكيفيّة تراتبيّة. وعلاوة على هذا الإشكال يجب الإشارة إلى نقطتين إضافيتين تهمّ قضيّة المقارنة بين منظور التنمية القائمة على الحقوق وتلك المعتمدة على القدرات الأساسيّة (التنمية البشريّة): أ- النقطة الأولى تتعلّق بما يمكن اعتباره إضافة المفهوم التنموي القائم علـى الحقوق المتمثّلة في التركيز على عمليّة التنمية من منظور الفاعلين الأساسيين وكذلك الوسائل المستعملة. نظريّا، يؤكّد تعريف التنمية البشريّة عامّة أنّ هذه الأخيرة تمثّل عمليّة وغاية في الوقت ذاته، لكن عمليّا يقع التركيز غالبا على الغاية أو النتيجة التي تتحقّق (في الوظائف والقدرات الأساسيّة).
وفي حين أنّ المنظور التنموي القائم على الحقوق بإعطائه بعدا معياريّا للتنمية يسلّط الضوء ليس فقط على النتيجة الحاصلة (إعمال الحق – التمتّع الفعلي بالحق) بل وكذلك على المسئول الأساسي عن إعمال وإحقاق الحق في التنمية وكذلك الوسائل التي سيستعملها من أجل ذلك، وبالتالي فالدولة الطرف المصادقة على العهد تصبح مدينة (دين ملزمة بأدائه) لمواطنيها. وكما سنبيّنه فيما بعد فإنّ مقارنة التنمية القائمة على الحقوق تطرح إشكاليّة المسئوليّة والالتزام، وبالتالي المساءلة فالمحاسبة فالمقاضاة ليس فقط بالنسبة للنتيجة ولكن كذلك بالنسبة للوسيلة المعتمد عليها (الإمكانات – التراتيب – السياسات). ويمثّل هذا البعد إثراءً يطوّر مفهموم التنمية. ب- أمّا النقطة الثانية التي يجدر إثارتها فهي تتعلّق بإمكانيّة تطوير المنظور التنموي القائم على الحقوق بالاعتماد على مقاييس ومؤشّرات ومعطيات كميّة كثيرة الاستعمال في نطاق منظور التنمية البشريّة وذات فوائد عديدة في عمليّة تقييم الأوضاع الميدانيّة في مجال إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. ولابدّ أن نقر هنا أنه في نطاق حقوق الإنسان عامّة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة خاصة، نفتقر غالبا إلى تقاليد في استعمال المعطيات الكميّة والمؤشّرات لمتابعة وتقييم الأوضاع. هـذا وقبل تناول إشكاليّة التقييم المعتمدة على القياسات، لابدّ من توضيح ماهيّة الالتزامات المنصوص عليها في العهد الدولى. ثالثاً : الالتزامات الخاصّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة كنّا قد أشرنا إلى أنّ الحق في التنمية قد أكّد على قضية المسئوليّة لإعمال الحق. كما أنّ برنامج العمل التابع لمؤتمر فينا قد بيّن البعد المعياري للتنمية، حيث شدّد من جديد على إلزاميّة إعمال الحق في التنمية. وبالتالي لا بدّ من تسليط الأضواء على مفاهيم الالتزام والمسئوليّة عندما نتناول إشكاليّة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. فلا سبيل لنا في محاولة لمتابعة وتقييم الأوضاع ما دمنا لم نوضّح بما فيه الكفاية مفهوم ومحتوى الالتزامات وذلك بالاستناد إلى العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. ما هي إذن طبيعة الالتزامات الواقعة على كاهل الدول الأطراف ؟ هناك إجماع عام على تعريف وضبط مسئوليّة الدول الأطراف في مجال حقوق الإنسان على ثلاثة مستويات : o الالتزام باحترام هذه الحقوق o الالتزام بحماية هذه الحقوق o الالتزام بإعمال أو إحقاق أو تفعيل هذه الحقوق (جعلها واقعا حيّا ملموسا) فيما يخصّ العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الذى يهمّنا هنا، يمكن أن نقتصر على ما يلي : 1- فيما يخصّ الالتزام باحترام الحقوق يرد النصّ الصريح على الآتى : أ- المادة 13 الفقرة 3 والخاصـة بالحقّ فـي التربية والتعليم: "أن تتعهّد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حريّة الآباء الآباء أو الأوصياء، عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكوميّة وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيّا وخلقيّا وفقا لقناعتهم الخاصّة". ب- المادّة 15 فقرة 3 حول الحقوق الثقافيّة إذ تتعهّد الدول الأطراف: باحترام الحريّة التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي". ج- المادة 8 فقرة 3 بشأن الحريّة النقابيّة وحقّ التنظيم النقابي (تنصّ على أنه لا يجوز للدول الأطراف (أي "يجب أن تمتنع عن") اتّخاذ تدابير... من شأنها أن تخلّ بالضمانات المتعلّقة بالحريّة النقابيّة وحريّة النشاط النقابي. طرفاً لازماً وطبيعياً لاحترام الحقّ وكذلك عنصراً أو شرطاً أوّل ومسبّقاً لتفعيل وإعمال الحق. 2- أمّا فيما يخصّ الالتزام بحماية الحقوق فيتّفق الخبراء على أنّه ولو لم ينص عليها بصفة جليّة في العهد، فالإلزام ضمني ويعدّ في نفس الوقت طرفاً لازماً وطبيعياً لاحترام الحقّ وكذلك عنصراً أو شرطاَ أوّل ومسبّقاً لتفعيل وإعمال الحق. إذن، إذا اعتبرنا الالتزام بالاحترام وذلك المتعلّق بالحماية بالنسبة للعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، نصل إلى استنتاج أنّ هناك ترابطاً وتكاملاً بين الحقوق المدنيّة والسياسيّة من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة من جهة أخرى، حيث إنّ احترام وحماية الحريات في مجال التربية (حريّة الآباء في الاختيار) والثقافة (حريّة البحث والإبداع) والنقابيّة (حريّة التنظيم) التي تصنّف عادّة في الحريّات المدنيّة والسياسيّة هي ضروريّة ولا يمكن إهمالها في أيّة حالة من الحالات. 3- أمّا بخصوص الالتزام بتفعيل أو إحقاق الحقوق وإعطائها مضمونا حيّا على أرض الواقع، فهنا يجب أن نكون أكثر تدقيقا، حيث إن الوضوح قد يسهّل علينا فيما بعد عمليّة التقييم. تنصّ المادة 2: "تتعهّد كل دولة في هذا العهد بأن تتّخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدولي ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة ما يلزم من خطوات لضمان التمتّع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في العهد سالكة إلى تقديم جميع السبل المناسبة وخصوصا سبيل اعتماد تدابير تشريعيّة". هناك إجماع حول فهم نوعيّة هذه الالتزامات حيث إنّ بعضها يخصّ جزءا من الحقوق التي لا تتطلّب تدرجّا في إعمالها بل تستوجب الإعمال الفوري. فمثلا إذا طرحنا ضمان مبدأ عدم التمييز أو مبدأ المساواة بين الذكور والإناث، فالالتزامات هنا غير مشروطة بالموارد المتاحة وتتطلّب التنفيذ الفوري بدون تأجيل وتدرّج...كذلك الشأن بالنسبة لاحترام الحريات التي وقع ذكرها سابقا. أمّا الالتزامات التي تخصّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الأخرى، فالدولة مطالبة وملزمة بأن تشرع في الإعمال (بدون تأجيل) باتّخاذ التدابير لضمان التمتّع التدريجي بالحقوق (تقييم الوضع، اتّخاذ تدابير من بينها تشريعيّة، رصد الموارد اللازمة). إذن الدولة ملزمة باتّخاذ الخطوات بدون تأخير وفي أجل سريع معقول لضمان التمتّع الذي يتمّ شيئا فشيئا. هناك التزام في مستوى السلوك غير مشروط ولا يقبل التأخير، في حين الالتزام بالنتيجة أو الإحقاق الفعلي للحقوق مرتبط بالإمكانيات ويقتضي التدرّج. ومن الظاهر أنّ الالتزام بالنتيجة (الإحقاق الفعلي) معلّق بالالتزام بالسلوك (التحرّك والعمل بالنجاعة والفاعليّة..) إنّ فكـرة التـدرّج لضمـان التمتّع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة قد أوحت إلى البعض إبراز مفهوم الالتزامات الأساسيّة الدنيا. في سنة 1990، أقرّت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة أنّ هذه الالتزامات تتمثّل في ضمان على الأقل التمتّع بما يعتبر أساسيا في كلّ من الحقوق وبالتالي اعتبرت اللجنة أنّ الدولة الطرف التي نجد عندها مثلا عديد من الناس يفتقرون إلى ما هو أساسي من غذاء وصحّة أساسيّة ومسكن وتعليم تكون قد أخلّت بالالتزامات التي تعهّدت بها. وبالتالي فحتى في الحالات الصعبة، ينبغي على كلّ دولة طرف أن لا تتخلّى على هذه الالتزامات الأساسيّة في حقّ الفئات الضعيفة والمحرومة. وبالتالي يشكل هذا الطرح مدخلا منهجيّا يسهّل عمليّة التقييم حيث إنّ التدرّج في التمتّع بالحقوق يستوجب الوفاء في كلّ الحالات بالالتزامات الأساسيّة الدنيا من منظور الفئات الفقيرة. لا بدّ إذن من تحقيق الالتزامات الأساسيّة الدنيا من حيث ضمان حدّ أدنى من التمتّع بالحقوق خاصّة بالنسبة للفقراء. وهذا لا يتناقض مع الإقرار بمبدأ التدرّج في ضمان التمتّع الكامل بالحقوق. الجزء الثانى تقييم التقدّم في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة أولاً : التقارير الرسميّة بعد ما بيّنا ماهيّة الالتزامات الخاصة بتفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، ينبغي الآن أن نطرح السؤال المحوري : كيف نتمكّن من رصد وتقييم التقدّم الحاصل في إعمال الحقوق حتى يتسنّى لنا معرفة مستوى أو نسبة تمتّع الفرد الفعلي بهذه الحقوق؟ ما هي الطرق، والمناهج، والقياسات، والمعايير التى يجب الاعتماد عليها حتى نتكمّن من رصد ومتابعة الإنجاز الحاصل في إعمال الحقوق بوضوح ودقة، وبالتالي نتمكّن من مساءلة الدول الأطراف حول مدى تحقيق وتنفيذ الالتزامات المصادقة عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. في هذا النطاق، تشهد الساحة الدوليّة اتّجاها جديدا يقضي باستعمال آليات قياسيّة ومعطيات إحصائيّة ومؤشّرات كميّة تمكّن من القيام بعمليّة الرصدّ والمتابعة والتقييم بما فيها ضبط الإخلالات والانتهاكات. وسوف نتّبع هذا المنحى ونبادر بضبط منهجيّة مناسبة تعتمد على مؤشّرات قياسيّة تسمح لنا بتقييم الأوضاع العربيّة من وجهة نظر التقدّم الكافي فى مجال إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. لكن قبل ذلك يجب علينا أن نتناول الإجراءات الإشرافيّة القائمة في نطاق المنظّمة الأمميّة والتى تتمثّل في تقديم تقارير من الدول الأطراف بموجب المادّتين 16 و17 من العهد: حيث تتعهّد الدول الأطراف بتقديم تقارير حول التدابير التي تكون قد اتّخذتها وعن التقدّم المحرز على طريق احترام الحقوق المعترف بها في العهد. كما أن على الدول الأطراف أن تشير في تقاريرها إلى العوامل والمصاعب التي تمنعها من الوفاء الكامل بالالتزامات المنصوص عليها في العهد. ومن أجل ضبط وتسهيل عمليّة تقديم التقارير الدوليّة صمّم دليل من طرف المؤسّسات المختصّة في الأمم المتحدة يحتوي على جملة من المبادئ المنهجيّة والتراتيب العمليّة التي يجب الاعتماد عليها للإجابة عن جملة من التساؤلات الدقيقة حول التدابير الذي اتّخذت والتقدّم المحرز. وتنظر اللجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة التّابعة للمجلس الاقتصادي للأمم المتّحدة في التقارير المقدّمة وتدلي بكلّ استقلاليّة بملاحظات ختاميّة توضّح فيها الجوانب التي اعتبرتها إيجابية ثمّ تتناول العوامل والصعوبات التي تعوق تنفيذ العهد ثمّ تعبّر عن شواغلها الرئيسيّة قبل أن تعطي توصيّاتها. أما فيما يخصّ التقارير الرسميّة، فقد يمكن اعتبار الشواغل الرئيسيّة مدخلا هاما ومفيدا لرصد النواقص والإخلالات والانتهاكات في مجال إعمال الحقوق. لهذا رأينا من المفيد التعريف بأهم ما ورد من ملاحظات نهائيّة، خاصّة تلك التي تتناول الشواغل الرئيسيّة لللجنة عند النظر في التقارير المقدّمة من طرف البلدان العربيّة. ركّزنا في هذه العمليّة على الإيجاز والحوصلة بدون أيّة إضافة حتى نعكس وجهة تقييم اللجنة بكلّ أمانة، وقدّمنا ذلك في شكل جدول يصنّف الشواغل حسب الحقوق المتّصلة بها. وكما سنلاحظ فإنّ عدد الدول العربيّة التي قدّمت تقارير للجنة الأممية المعنيّة عشر وهي: الأردن والجزائر والسودان والعراق والمغرب واليمن وتونس وسوريا وليبيا ومصر. وهذا يعني في البداية، أنّ البلدان العربيّة الأخرى إمّا أنّها صادقت على العهد ولم تقدّم حتى الآن تقاريرها وهي كلّ من الصومال والكويت ولبنان أو أنّها لم تصادق على العهد وبالتالي لازالت غير معترفة بهذه الحقوق وهي كلّ من الإمارات والبحرين والسعوديّة وجزر القمر وجيبوتي وعمان وقطر وموريتانيا. لهذا فإن أول ما ينبغي العمل من أجله هو إقناع وحثّ الدول العربيّة المصادقة على العهد بتقديم تقاريرها لأن ذلك يمثّل التزاما، ومطالبة البلدان العربيّة الأخرى أن تنضمّ إلى العهد وتعترف لمواطنيها بالطابع الإلزامي لهذه الحقوق. هذا وقبل أن نشرع في تقديم الجدول حول حوصلة المشاغل الرئيسيّة لللجنة الأممّية لا بدّ أن نبرز ظاهرة عالميّة جديدة وإيجابيّة وهي المتمثّلة في تقديم تقارير موازية أو بديلة من طرف منظّمات غير حكوميّة بمساندة خبراء مستقلّين. هذا شأن بلدان أمريكا الجنوبيّة (البرازيل والمكسيك خاصّة). ويمثّل هذا الإجراء الجديد عنصرا هامّا يساهم في غرس وتوطيد ثقافة المساءلة (عرائض – احتجاجات – مقاضاة ...). والمهم في مثل هذه التجارب أنّها تعبّر عن النضج الحاصل في المجتمع المدني حيث يعدّ تحضير مثل هذه التقارير البديلة مناسبة ثمينة للتلاقي بين الناشطين في مجال الحقوق الإنسانيّة والعاملين في مجال التنمية البشريّة. وتمثّل عمليّة تحضير وتقديم التقارير فرصة ذهبيّة لتنظيم حوارات متنوّعة ومتعدّدة تدعم المواطنة وتساهم في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. والواقع أنّ المنطقة العربيّة في حاجة إلى مثل هذه الأعمال حتى لا تبقى عمليّة الإشراف والمتابعة والتقييم حكرا على الجانب الرسمي وتصبح العمليّة فرصة لتكريس المساءلة التي تجرّ تدريجيّا إلى المحاسبة فالمقاضاة. ما هيّ الآن أهم الاستنتاجات التي يمكن إبرازها من هذا الجدول اللاحق؟ (جدول0) إنّ أهمّ الصعوبات والعوامل التي عاقت وتعوق تنفيذ العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما وردت في ملاحظات اللجنة الأمميّة المعنيّة بمراقبة التقارير الحكومية تتمثل فيما يلى: 1- الحروب، والنزاعات الداخليّة والحضر، 2- الانعكاسات السلبيّة لسياسات التكيّف أو الإصلاح الهيكلي، 3- الأوضاع الاقتصادية الدوليّة خاصّة المتعلّقة بالتقلبات في أسعار النفط 4- نسبة المديونيّة المرتفعة. * أمّا فيما يخصّ ضمان مبدأ عدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الجغرافي، فما ورد عموما في ملاحظات اللجنة الأمميّة المعنيّة هو وجود ظاهرة التمييز ضدّ الأقليّات العرقيّة أو القوميّة أو الأجانب عموما في كافة البلدان العربيّة ولو بتفاوت، وكذلك بين الحضر والريف، وبين المناطق. * أمّا فيما يخصّ ضمان المساواة بين الرجال والنساء في التمتّع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، فتقرّ اللجنة عامّة وجود ظاهرة التمييز ضدّ المرأة وبحدّة متفاوتة وفي عديد من المجالات. * فيما يخصّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الأساسيّة كما وردت في الميثاق، فنجد في مجال العمل أن نسبة البطالة مرتفعة. أما فيما يخص الأجر الأدنى فهو غالبا غير موجود، وإن وجد فاعتبر غالبا غير كاف لضمان قدرة شرائيّة تمكّن من العيش اللاّئق. * أمّا في مجال الحريات النقابية فهي غالبا إما مغيبة أو مقيدة بدرجات متفاوتة. وفيما يخصّ الحقّ في مستوى معيشي كاف فظاهرة الفقر خاصّة في الأرياف وفي بعض البلدان كالسودان واليمن مثلا، مرتفعة ولو بدرجات متفاوتة. * بالنسبة للحقّ في السكن لوحظ وجود أزمة سكن اجتماعي في كثير من البلدان كمصر والجزائر، مثلا كما تجدر الإشارة إلى قضيّة ندرة المياه الصالحة للشرب في كثير من البلدان العربية، وبالتالي نسبة التمتّع بالماء الصالح للشرب ضعيفة بالأرياف غالبا وبدرجات متفاوتة. * في مجال الحقّ في الصحّة لوحظ أن انتشار فيروس نقص المناعة (SIDA أوAIDS) رغم عدم توفّر الإحصاءات يبدو خطيرا بالنسبة لبعض البلدان كالسودان مثلا. كما أنّ نسبة وفيات الأطفال والأمهات مرتفعة جدّا. * في مجال الحقّ في التعليم لوحظ أن نسبة الأميّة مرتفعة خاصّة لدى النساء وفي الأرياف، كما أنّ نسبة الانقطاع المدرسي تعتبر عالية.فيما يخص التمتّع بالحق في الثقافة وقعت الإشارة إلى وجود رقابة إزاء العمل الثقافي بصفة عامّة. في الخلاصة ، يمكن اعتبار ما ورد في الملاحظات النهائيّة (المشاغل الأساسيّة) للجنة الأمميّة المعنيّة بالإشراف على التقارير الحكوميّة محاولة ولو منقوصة لتقييم درجة إعمال أو إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة في بعض البلدان العربيّة (10من21). وعلاوة على غياب عدد كبير من البلدان العربيّة التي لم تصادق على العهد وبالتالي غير ملزمة بتقديم التقارير الدوريّة، نجد في كثير من الحالات انعدام المعلومات وبالتالي الملاحظات في شأنها (المربّعات الشاغرة) وهذا يمثّل عائقا في عمليّة التقييم. (9)
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم هيا بنا نتعلم الديمقراطية ![]() <!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
|
العلامات المرجعية |
|
|