|
||||||
| حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
إثبات وجود الجن المطلب الأول لا مجال للتكذيب بعالم الجن أنكرت قلة من الناس وجود الجنّ إنكاراً كلياً ، وزعم بعض المشركين : أن المراد بالجن أرواح الكواكب (1) .وزعمت طائفة من الفلاسفة : أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس الإنسانية وقواها الخبيثة ، كما أن المراد بالملائكة نوازع الخير فيها (2) . وزعم فريق من المحْدَثين ( بفتح الدال المخففة ) : أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث . وقد ذهب الدكتور محمد البهي إلى : أن المراد بالجن الملائكة ، فالجن والملائكة عنده عالم واحد لا فرق بينهما ، ومما استدل به : أن الملائكة مستترون عن الناس ، إلا أنه أدخل في الجن من يتخفى من عالم الإنسان في إيمانه وكفره ، وخيره وشره (3) . عدم العلم ليس دليلاً : وغاية ما عند هؤلاء المكذبين أنه لا علم عندهم بوجودهم ، وعدم العلم ليس دليلاً (4) ، وقبيح بالعاقل أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده، وهذا مما نعاه الله على الكفرة : ( بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) [ يونس : 39] . وهذه المخترعات الحديثة التي لا يستطيع أحد أن يكابر فيها ، أكان يجوز لإنسان عاش منذ مئات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك ؟ وهل عدم سماعنا للأصوات التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها ، حتى إذا اخترعنا ( الراديو ) ، واستطاع التقاط ما لا نسمع بآذاننا صدقنا بذلك ؟! يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله متحدثاً عن النفر من الجن الذين صرفهم الله إلى رسوله ، فاستمعوا منه القرآن . " إنَّ ذكر القرآن لحادث صَرْفِ نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكاية ما قالوا وما فعلوا ، هذا وحده كافٍ بذاته لتقرير وجود الجن ، ولتقرير وقوع الحادث ، ولتقرير أنّ الجن هؤلاء يستطيعون أن يستمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق ، كما يلفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتقرير أن الجن خلق قابلون للإيمان وللكفران ، مستعدون للهدى وللضلال ، وليس هنالك من حاجة إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة ، فما يملك إنسـان أن يزيد الحقيقة التي يقررها سبحانه ثبوتاً . ولكنّا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور الإنساني . إنّ هذا الكون من حولنا حافل بالأسرار ، حافل بالقوى والخلائق المجهولة لنا كنهاً وصفةً وأثراً ، ونحن نعيش في أحضان هذه القوى والأسرار ، نعرف منها القليل ، ونجهل منها الكثير ، وفي كل يوم نكشف بعض هذه الأسرار ، وندرك بعض هذه القوى ، ونتعرف إلى بعض هذه الخلائق تارة بذواتها ، وتارة بصفاتها ، وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا . ونحن ما نزال في أول الطريق ، طريق المعرفة لهذا الكون ، الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا ، ويعش أبناؤنا وأحفادنا ، على ذرة من ذراته الصغيرة ؛ هذا الكوكب الأرضي الذي لا يبلغ أن يكون شيئاً يذكر في حجم الكون أو وزنه ! وما عرفنا اليوم – ونحن في أول الطريق – يُعدّ بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط عجائب أضخم من عجيبة الجن ، ولو قال قائل للناس قبل خمسة قرون عن شيء من أسرار الذرة التي نتحدث عنها اليوم ، لظنه مجنوناً ، أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطعاً ! ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية ، المعدة للخلافة في هذه الأرض ، ووفق مقتضيات هذه الخلافة ، وفي دائرة ما سَخّرَه الله لنا ؛ ليكشف لنا عن أسراره ، وليكون لنا ذلولاً ، كيما نقوم بواجب الخلافة في الأرض ، ولا تتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها مهما امتد بنا الأجل – أي بالبشرية – ومهما سُخّر لنا من قوى الكون ، وكُشِفَ لنا من أسراره – لا تتعدى تلك الدائرة ؛ ما نحتاج إليه للخلافة في هذه الأرض ، وفق حكمة الله وتقديره . وسنكشف كثيراً ، وسنعرف كثيراً ، وستتفتح لنا عجائب من أسرار هذا الكون وطاقاته ، مِمّا قد تعدّ أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال ! ولكننا سنظل في حدود الدائرة المرسومة للبشر في المعرفة ، وفي حدود قول الله سبحانه : ( وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] قليلاً بالقياس إلى ما في هذا الوجود من أسرار وغيوب لا يعلمها إلا خالقه وَقَيّومه ، وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود ، ووسائل المعرفة البشرية المحدودة بقوله : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] . فليس لنا والحالة هذه أن نجزم بوجود شيء أو نفيه ، وبتصوره أو عدم تصوره ، من عالم الغيب والمجهول ، ومن أسرار هذا الوجود وقواه ، لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي ، أو تجاربنا المشهودة ، ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها ، فضلاً عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا ! وقد تكون هنالك أسرار ، ليست داخلة في برنامج ما يُكشَف لنا عنه أصلاً ، وأسرار ليست داخلة في برنامج ما يُكْشَف لنا عن كنهه ، فلا يُكْشَف لنا إلا عن صفته أو أثره ، أو مجرد وجوده ؛ لأن هذا لا يفيدنا في وظيفة الخلافة في الأرض . فإذا كَشَفَ الله لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه الأسرار والقوى ، عن طريق كلامه – لا عن طريق تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضاً – فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلقّى هذه الهبة بالقبول والشكر والتسليم ، نتلقاها كما هي ، فلا نزيد عليها ، ولا ننقص منها ؛ لأن المصدر الوحيد الذي نتلقّى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إلا هذا القدر بلا زيادة ، وليس هنالك مصدر آخر نتلقى عنه مثل هذه الأسرار ! " . والقول الحق أن الجن عالم ثالث غير الملائكة والبشر ، وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ، ليسوا بأعراض ولا جراثيم ، وأنهم مكلفون مأمورون منهيون . المطلب الثاني الأدلة الدالة على وجود الجن 1- وجودهم معلوم من الدين بالضرورة :يقول ابن تيمية (5) : " لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم ، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن . أمّا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فهم مقرّون بهم كإقرار المسلمين ، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك ، كما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك ... كالجهمية والمعتزلة ، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرّين بذلك . وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالضرورة ، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ، بل مأمورون منهيون ، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بالإنسان أو غيره ، كما يزعمه بعض الملاحدة ، فلما كان أمر الجن متواتراً عن الأنبياء تواتراً تعرفه العامة والخاصة ، فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم " . وقال أيضاً : " جميع طوائف المسلمين يقرون بوجود الجن ، وكذلك جمهور الكفار كعامة أهل الكتاب ، وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولاد حام ، وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولاد يافث ، فجماهير الطوائف تقرّ بوجود الجن " (6) . وذكر إمام الحرمين : " أن العلماء أجمعوا في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين ، والاستعاذة بالله تعالى من شرورهم ، ولا يراغم هذا الاتفاق متدين متشبث بمسكة من الدين " (7) . 2- النصوص القرآنية والحديثية : جاءَت نصوص كثيرة تقرر وجودهم كقوله تعالى : ( قل أوحي إليَّ أنَّه استمع نفرٌ من الجن ) [ الجن : 1 ] ، وقوله : ( وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاً ) [ الجن : 6 ] . وهي نصوص كثيرة ذكرنا غالبها في ثنايا هذه الرسالة ، وإن كانت كثرتها وشهرتها تغني عن ذكرها . 3- المشاهدة والرؤية : كثير من الناس في عصرنا وقبل عصرنا شاهد شيئاً من ذلك ، وإن كان كثير من الذين يشاهدونهم ويسمعونهم لا يعرفون أنهم جنّ ؛ إذ يزعمون أنّهم أرواح ، أو رجال الغيب ، أو رجال الفضاء ... وأصدق ما يروى في هذا الموضع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم للجن ، وحديثه معهم ، وحديثهم معه ، وتعليمه إياهم ، وتلاوته القرآن عليهم ، وسيأتي ذكر ذلك في مواضعه . رؤية الحمار والكلب للجن : إذا كنا لا نرى الجن فإنّ بعض الأحياء يرونهم كالحمار والكلب ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم صياح الديكة ، فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمار ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنه رأى شيطاناً ) (8) . وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار ، فتعوذوا بالله ، فإنهن يرون ما لا ترون ) (9) . ورؤية الحيوان لما لا نرى ليس غريباً ، فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه ، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية ، ولذلك فإنّه يرى الشمس حال الغيم ، والبومة ترى الفأر في ظلمة الليل البهيم .... المطلب الثالث الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملائكة سبق أن ذكرنا الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أن الملائكة خلقوا من نور ، وأن الجن خلقوا من نار ) ، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأصلين ، وهذا يدل على أنهما عالمان لا عالماً واحداً .ومن نظر في النصوص المتحدثة عن الملائكة والجن ، أيقن بالفرق الكبير بينهما ، فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والجن يكذبون ويأكلون ويشربون ، ويعصون ربهم ، ويخالفون أمره . نعم هما عالمان محجوبان عنا ، لا تدركهما أبصارنا ، ولكنهما عالمان مختلفان في أصلهما وصفاتهما . -------------------------------- (1) مجموع الفتاوى : 24/280 . (2) مجموع الفتاوى : 4/346 . (3) تفسير سورة الجن : ص 8 . (4) ليس لهم أن يحتجوا بما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان ينكر مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم للجن وتكليمهم له ، فإن إنكاره هنا للمشافهة لا للجن ، ومع ذلك فغير ابن عباس كابن مسعود – يثبت مشافهة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ . (5) مجموع الفتاوى : 19/10 . (6) مجموع الفتاوى 19/13 . (7) آكام المرجان : ص 4 . (8) رواه البخاري : 6/350 . ورقمه : 3303 . ورواه مسلم : 4/2092 . ورقمه : 2729 . وأبو داود في سننه . انظر صحيح سنن أبي داود : 3/961 . ورقمه : 4255 . (9) صحي سنن أبي داود : 3/961 . ورقمه : 4256 . |
![]() |
| العلامات المرجعية |
|
|