#11
|
||||
|
||||
![]() الملائكة وبني آدم المطلب الثالث سفراء الله إلى رسله وأنبيائه وقد أعلمنا الله أن جبريل يختص بهذه المهمة : ( قل من كان عدوّاً لجبريل فإنَّه نزَّله على قلبك بإذن الله مصدّقاً لما بين يديه ) [ البقرة : 97 ] .وقال : ( نزل به الرُّوح الأمين – على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193-194 ] . وقد يأتي بالوحي غير جبريل – وهذا قليل – كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال : ( بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه ، فرفع رأسه ، فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم ، لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلا اليوم ، فسلّم ، وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ) (1) . وفي التاريخ لابن عساكر عن حذيفة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني مالك فسلم عليّ – نزل من السماء ، لم ينزل قبلها – فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة ) (2) . وفي مسند أحمد وسنن النسائي عن حذيفة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ؟ ) قال : قلت : بلى ، قال : ( فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربه أن يسلم عليّ ، ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأن فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة ) (3) . ليس كل من جاءه ملك فهو رسول أو نبي : ليس كل من جاءه ملك يعدّ رسولاً أو نبياً ، فهذا وَهْم ، فالله قد أرسل جبريل إلى مريم ، كما أرسله إلى أم إسماعيل عندما نفد الماء والطعام منها . ورأى الصحابة جبريل في صورة أعرابي ، وأرسل الله ملكاً إلى ذلك الرجل الذي زار أخاً له في الله يبشره بأن الله يحبه لحبه لأخيه .... ، وهذا كثير وإنما المراد التنبيه . كيف كان يأتي الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم : في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام – رضي الله عنه – سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدّه عليّ ، فَيُفصَم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً ، فيكلمني ، فأعي ما يقول ) (4) . فجبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حالته الملكية ، وهذه شديدة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحالة الثانية كان جبريل ينتقل من حالته الملكية إلى البشرية ، وهذه أخف على الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلقه الله عليها مرتـين : الأولى :بعد البعثة بثلاث سنوات ؛ ففي صحيح البخاري عن جابر ابن عبد الله : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما أنا أمشي ، إذ سمعت صوتاً من السماء ، فرفعت بصري ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فرعبت منه ، فرجعت ، فقلت : زملوني ) (5) . والثانية : عندما عرج به إلى السماء : وهاتان المرتان مذكورتان في سورة النجم في قوله تعالى : ( علَّمه شديد القوى – ذو مرةٍ فاستوى – وهو بالأفق الأعلى – ثمَّ دنا فتدلَّى – فكان قاب قوسين أو أدنى – فأوحى إلى عبده ما أوحى – ما كذب الفؤاد ما رأى – أَفَتُمَارُونَهُ على ما يرى – ولقد رآه نزلةً أخرى – عند سدرة المنتهى – عندها جنَّة المأوى – إذ يغشى السدرة ما يغشى – ما زَاغَ البصر وما طغى ) [ النجم : 5-17 ] . لا تقتصر مهمة جبريل على تبليغ الوحي : لم تقتصر مهمة جبريل على تبليغ الوحي من الله تعالى ، فقد كان يأتيه في كل عام في رمضان في كل ليلة من لياليه ، فيدارسه القرآن . والحديث أورده البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة في رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة " (6) . إمامته للرسول : وقد أمّ جبريلُ الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ كي يعلمه الصلاة كما يريدها الله تعالى ، ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أي مسعود : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( نزل جبريل فأمني فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، يحسب بأصابعه خمس مرات ) (7) . وفي السنن عن ابن عباس : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين ، فصلى بي الظهر ، حين زالت الشمس ، وكانت قدر الشراك ، وصلى بي العصر حين كان ظلّ الشيء مثله ، وصلى بي – يعن المغرب – حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم . فلما كان الغد ، صلى بي الظهر حين كان ظل الشيء مثله ، وصلى بي العصر حين كان ظل الشيء مثليه ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل ، وصلى بي الفجر فأسفر . ثم التفت إليّ فقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت ما بين هذين الوقتين ) (8) . رقية جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم : روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد : أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا محمد اشتكيت ؟ قال : نعم ، قال : بسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كلّ ذي نفس ، أو عين حاسد ، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك ) (9) . أعمال أخرى : ومن ذلك أنّه حارب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر والخندق ، وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم في الإسراء وغير ذلك . لماذا لا يرسل الله رسله من الملائكة : والله لا يرسل رسله إلى البشر من الملائكة ؛ لأن طبيعة الملائكة مخالفة لطبيعة البشر ، فاتصالهم بالملائكة ليس سهلاً ميسوراً ؛ ولذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشق عليه مجيء جبريل إليه بصفته الملائكية كما مضى ، وعندما رأى جبريل على صورته فزع ، وجاء زوجته يقول : دثّروني دّثروني . فلما كانت الطبائع مختلفة ، شاء الله أن يرسل لهم رسولاً من جنسهم ، ولو كان سكان الأرض ملائكة ، لأنزل إليهم ملكاً رسولاً ، قال تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مُطْمَئِنِّينَلنزَّلنا عليهم من السَّماء ملكاً رسولاً ) [ الإسراء : 95 ] . وعلى فرض أن الله اختار رسله إلى عموم البشر من الملائكة ، فإنه لا ينزلهم بصورهم الملائكية ، بل يجعلهم يتمثلون في صفة رجال يلبسون ما يلبس الرجال ، كي يتمكن الناس من الأخذ عنهم : ( وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون – ولو جعلناه ملكاً لَّجعلناه رجلاً وَلَلَبَسْنَاعليهم مَّا يلبسون ) [الأنعام : 8-9]. وقد أخبر تعالى أن طلب الكَفَرَة رؤية الملائكة ، ومجيء رسول من الملائكة ، إنما هو تعنت ، وليس طلباً للهداية ، وعلى احتمال حدوثه فإنهم لن يؤمنوا : ( ولو أننَّا نزَّلنا إليهم الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وحشرنا عليهم كلَّ شيءٍ قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكنَّ أكثرهم يجهلون ) [ الأنعام : 111 ] . -------------------------------- (1) صحيح مسلم : 1/554 . ورقمه : 806 . (2) صحيح الجامع : 1/80 . (3) مسند أحمد 5/391 ، واللفظ له . وصحيح سنن النسائي : 3/226 . ورقمه : 2975 . (4) صحيح البخاري : 1/18 . ورقمه : 2 . (5) صحيح البخاري : 1/27 . ورقمه : 4 . (6) صحيح البخاري : 1/30 . ورقمه : 6 . (7) صحيح البخاري : 6/5-3 . ورقمه : 3221 . صحيح سنن النسائي : 1/108 . ورقمه : 480 . (8) صحيح سنن أبي داود ، واللفظ له : 1/79 . ورقمه : 377 . وصحيح سنن الترمذي : 1/50 . ورقمه : 127 . وصحيح سنن النسائي عن أبي هريرة : 1/109 . ورقمه : 488 . (9) صحيح مسلم : 4/1718 . ورقمه : 2186 . |
العلامات المرجعية |
|
|