|
#1
|
|||
|
|||
![]() بعض المفاهيم حول الجسيمات الأولية
لقد حدث في العقود الأخيرة من القرن الماضي تزاوج بين فرعين من فروع العلم وهما علم الكون وعلم فيزياء الجسيمات الأولية , في رابطة تآزرية تولد عنها عدد من النتائج المثيرة , وقد بدأت هذه النتائج إعطاء صورة عن خلق الزمكان والمادة في آونة سحيقة وقعت خلال جزء من ترليون ترليون ترليون جزء من الثانية الأولى بعد انبثاق العالم الكوني من الإنفجار البدئي المعروف باسم الإنفجار العظيم ( Big Bang ) ( الترليون = 1000مليار ) , بل أن هناك دلائل مهمة عن طبيعة الإنفجار العظيم نفسه يمكن أن تنتج من نظرية يجري تطويرها اشتهرت باسم ( نظرية كل شيء Theory Of Everything ) النهائية. إن من شأن هذه النظرية أن تصف في عملية كاملة وجريئة كل التفاعلات التي تحدث بين الجسيمات . ![]() وقد بدأ اليوم علم الكون الجديد بتقديم نبؤات عن فيزياء الجسيمات الأولية , وأصبح التفكير ممكناً بأن يتاح اختبار النبؤات الكونية في تجارب مقارنة دقيقة تستخدم المسرعات الجزيئية وقد شهدت النتائج الأولية على صحة نبؤات علم الكون , وإن الوليد الأول الذي خرج من تزاوج علم الكون وفيزياء الجسيمات هو تحديد أن عدد الجسيمات الأولية لابد أن يكون محدوداً خلال التفاعلات النووية التي حدثت في أثناء الثانية الزمنية الأولى تقريباً من عمر الكون وإلا لكان العالم الكوني مختلفاً عما هو عليه الآن . ولكي نشرح كيف تضع الإعتبارات الكونية حدوداً لعدد أنواع الجسيمات الأولية لابد أولاً من إلقاء نظرة قصيرة على فيزياء الجسيمات , ففي النصف الثاني من القرن الماضي تبين من التجارب التي تستخدم مسرعات الجسيمات أن الجسيمات الأساسية يمكن أن تجمل في صنفين كبيرين : الفرميونات Fermions والبوزونات Bosons ( التسمية أتت تخليداً لإسمي العالمين الإيطالي الأمريكي إنريكو فيرمي والهندي س . ن بوز ) والفرميونات هي الجسيمات التي تتشكل منها المادة , أماالبوزونات فهي حاملة القوى بين الجسيمات . ![]() وتنقسم الفرميونات بدورها إلى زمرتين : الكواركات Quarks واللبتونات Leptons ( إن كلمة كوارك جاءت من جملة غريبة وردت في رواية لـ جيمس جويس بعنوان Finnegans Wake تقول ثلاثة كواركات للسيد مارك , أما كلمة لبتون فمشتقة من كلمة يونانية وتعني جسيماً صغيراً ) . الكوارك : هو أصغر جزء معروف في بناء المادة , الكواركات لايمكن أن تتواجد منفردة , لأنها تتواجد دائماً في اتحادات مع كواركات أخرى في جزيئات أكبر للمادة , وقد استطاع العلماء من خلال دراسة هذه الجزيئات الأكبر أن يحددوا الخصائص المميزة للكواركات . إن الجزيئات التي تتشكل منها نواة الذرة وهي البروتونات والنيترونات تتألف من الكواركات , حيث أنه بدون الكواركات سوف لن يكون هناك ذرة , وبالتالي سوف لن يكون هناك مادة . ![]() يوجد 6 أنواع من الكواركات , هي الكوارك الأعلى ( up ) والكوارك الأسفل ( down) والكوارك الساحر ( charm ) والكوارك الغريب ( strang ) والكوارك العلوي ( top ) والكوارك السفلي ( bottom ) , وتتميز الكواركات بكتلة معينة وشحنة كهربائية , ويعتقد العلماء بأن هذه الأنواع الستة من الكواركات قد وجدت مباشرة إثر الإنفجار العظيم الذي انبثق عنه الكون . ويوجد للكواركات جسيمات أولية مضادة تدعى الكواركات المضادة anti quarks , التي تتحد لتشكل المادة المضادة والتي لاوجود لها في الطبيعة على الأرض , لكن غالبية العلماء تعتقد بوجود هذه المادة المضادة ولو بشكل نادر في الكون لكن الفيزيائيون فد تمكنوا من إنتاج هذه المادة المضادة في المختبرات . تتحد الكواركات مع بعضها لتشكل نوعاً من الجسيمات الأولية والتي تدعى الهادرونات ( hadrons ) , نوعين فقط من الهادرونات تم العثور عليهما في الطبيعة وهما الباريون ( baryon ) والميزون ( meson ) . يتضمن الباريون ثلاثة كواركات , بينما يتضمن الميزون كوارك وكوارك مضاد , علماً أن نظرية الميكانيك الكوانتي لم تحظر من وجود اتحادات أخرى , حيث أن العلماء بدأوا بالبحث عنه فعلياً منذ عام 2003 واقترحوا تسميته الكوارك الخماسي ( penta quark ) لأنه يتألف من خمسة كواركات . ![]() البروتونات والنيترونات هي عبارة عن باريونات , حيث أن البروتون يتألف من كواركين علويين ( up ) وكوارك سفلي ( down ) , والشحنة الكهربائية على هذه الكواركات تشكل شحنة البروتون الموجبة , بينما النيوترونات تحتوي على كوارك واحد علوي ( up ) واثنين من الكواركات السفلية ( down ) والشحنات التي تحملها هذه الكواركات تتعادل مع بعضها بحيث تنعدم بالمحصلة شحنة النيوترون . ![]() لقد أكتشف الفيزيائيون الميزونات خلال دراسة الأشعة الكونية , وهي عبارة عن جزيئات طاقة عالية تنشأ في الفضاء وتخترق الميزونات الغلاف الجوي للأرض , وهي تتألف إما من كوارك واحد علوي ( up ) وكوارك مضاد سفلي ( down ) ويحمل الميزون عندها الشحنة الموجبة , أو كواركاً واحداً سفلياً ( ( down وكواركاً مضاداً علوياً ً ويحمل عندها الشحنة السالبة , أو كواركاً علوياً وكواركاً مضاداً علوياً أيضاً وعندها يكون عديم الشحنة ( متعادل ) , والميزونات تتميز بفترة حياة قصيرة جداً قبل أن تتحول إلى جسيمات أولية أخرى . كما أوجد العلماء معملياً نوعاً آخراً من الميزونات أطلقوا عليه اسم الكاون ( kaon ) , وتحتوي كل الكاونات أيضاً على الكوارك المسمى الغريب ( strange ) أو الكوارك المضاد له كذلك , وهي مثلها مثل الميزونات يمكن أن تأخذ الشحنة الموجبة أو السالبة أو أن تكون متعادلة , وهي أيضاً تتميز بعمر قصير جداً قبل أن تتحول إلى جسيمات أخرى. ![]() إن القوة التي تربط الكواركات مع بعضها البعض في الهادرونات وتربط هذه الأخيرة مع مثيلاتها من الهادرونات هي إحدى القوى النووية والتي تدعى القوة شديد ( strong ) , هذه القوة تعمل أيضاً على ربط كل من البروتونات والنيترونات مع بعضها في نواة الذرة , وتؤثر الكواركات إحداها على الأخرى من خلال قوة ( شديد strong ) عن طريق تبادل الغلونات ( gluons ) , وهي جزيئات طاقية حاملة القوة ( شديد ) , والغلونات تعمل على ربط الكواركات مع بعضها بواسطة تغيير إحدى خصائص الكواركات والتي تدعى شحنة اللون , حيث يمكن للكواركات أن يكون لها شحنة لونية حمراء أو خضراء أو زرقاء بينما يمكن أن يكون للكواركات المضادة شحنة لونية مضادة للحمراء ( cyan ) أو مضادة للخضراء ( magenta ) , أو مضادة للزرقاء ( yellow ) ![]() إن التفاعلات التي تحدث بين شتى الجسيمات تحكمها أربع قوى أساسية , كل قوة منها محمولة على بوزون منفصل أو على مجموعة بوزونات , فالفوتون أو ( الكم Quantum ) الضوئي , يحمل القوة الكهرومغناطيسية بين الشحنات الكهربائية , والكرافيتون Graviton يحمل القوة التثاقلية بين الكتل , والقوة النووية ( شديد strong ) تربط بين الكواركات محمولة على ثمانية غليونات Gluons , في حين أن القوة النووية ( ضعيف weake ) المسؤولة عن بعض التفككات النووية محمولة على بوزونات وسيطة متجهة , ويبدو في الوقت الحاضر أن كل التفاعلات التي تحدث في هذا الكون يمكن اختزالها في اتحادات من هذه التفاعلات الأربعة . ![]() إن السمة الأكثر إثارة على طريق تطور فيزياء هذا القرن , كانت البرهان على أن توحيد هذه القوى يبدأ عند الطاقات العليا أو درجات الحرارة العليا , وبصورة خاصة أثبتت التجارب التي تمت في سيرن CERN ( المختبر الأوربي لفيزياء الجسيمات في جنيف ) , أن القوتين الضعيفة والكهرومغناطيسية تجتمعان في قوة واحدة تسمى ( كهروضعيفة ) وذلك عندما تتجاوز طاقة التفاعل القيمة 100 Gev ( كل 1 Gev غيغاإلكترون فولت = 1000000000 ev مليار إلكترون فولت ) , وهذه الطاقة تتوافق مع درجة الحرارة التي كان عليها الكون بعد حوالي 0.00000000001 ثانية من الإنفجار العظيم والتي تقدر بـ 4 ترليون مرة الحرارة على سطح الأرض الآن , وبعد هذا الإكتشاف تعزز الأمل في إمكانية أن تنضم القوة الشديدة إلى القوة الكهروضعيفة عند طاقة قيمتها 1000000000000000 Gev أي ألف ترليون غيغا إلكترون فولت تقريباً وذلك في إطار نظرية توحيد شاملة ( .Grand Unified Th ) ومن ثم تنضم عند حوالي 10000000000000000000 Gev أي (10مليون ترليون ) قوة الثقالة لتؤلف كلها معاً قوة واحدة وحيدة في إطار ما أسميناه ( نظرية كل شيء ) . ![]() ولقد أكتشف حتى الآن بضع عشرات من هذه الجسيمات الأولية والتي تتمتع بصفات غريبة جداً , فمعظمها غير مستقر وحياتها تقاس بأجزاء المليار من الثانية , ثم تتحول إلى دقائق أولية أخرى بشكل عفوي أو يمكن أن تتلاشى في حين يمكن أن يولد ( ينشأ ) البعض الآخر , ويعتبر التحول المتبادل بين الدقائق الأولية أحد القوانين المميزة والخاصة بعالم هذه الجسيمات , وأهم ما يميز هذه الجسيمات هو شحنتها الكهربائية وكتلتها , إذ يوجد ثلاثة أنواع من الدقائق الأولية : 1 ـ دقائق إيجابية الشحنة , 2 ـ دقائق سلبية الشحنة , 3 ـ دقائق معتدلة الشحنة وتمتلك الدقائق المشحونة نفس القيمة المطلقة للشحنة إما ( - e ) أو ( + e ) حيث e واحدة الشحن الكهربائية وتساوي 1.6 × 10 أس -19 كولون , وتختلف كتل هذه الدقائق في حالة السكون عن بعضها كثيراً وتتراوح بين ( صفر و 2600 ) كتلة إلكترونية ( الكتلة الإلكترونية أي كتلة الإلكترون تساوي 9.11 × 10 أس -28 غ ) وقد تبين أنه توجد مقابل كل جسيمة أولية جسيمة مضادة لها تختلف عنها بإشارة الشحنة إذا كانت هذه الجسيمات مشحونة أو بالعزم المغناطيسي والميكانيكي لكمية الحركة ( اللف الذاتي أو الـ Spin ) وتتساوى معها بالكتلة , ويتلاشى كل زوج من هذه الدقائق ( أي الجسيمة وعكسها ) عندما تصطدم إحداها بالأخرى متحولة إلى جسيمات ذات طبيعة أخرى , وتسمى هذه العملية بتلاشي الأزواج . ![]() ونبين فيما يلي بعض الجسيمات الأولية والمعطيات التي تميزها كي نتمكن من فهم تركيب الذرة ونواتها . 1 ـ الفوتون أو " الكوانتوم " : وهي جسيمة الحقل الكهرومغناطيسية , ويمكن اعتبارها للتوضيح قطعة من الأمواج الكهرومغناطيسية وهي متعادلة الشحنة ( شحنتها = صفر ) وميزة هذه الجسيمة " الفوتون " هو أنها لا تمتلك كتلة ساكنة = 0) m) وهذا يعني أنها تنعدم في وضع السكون , أما في وضع الحركة فإن كتلة الفوتون تتحدد بما يحمله الفوتون من الطاقة , وينشأ الفوتون عندما تنتقل الذرات أو النوى إلى حالة من الطاقة أكثر ثباتاً ( أي المستوى الأدنى من الطاقة ) كما ينشأ أيضاً عند تحول الدقائق الأولية ( أي عندما تتحول إحداها إلى أخرى ) , وقد اصطلح على تسمية الفوتونات سواء منها الناتجة عن التحولات النووية أو تحولات الدقائق الأولية ( بفوتونات غاما ) , ويرتبط تلاشي الفوتونات بحادثة امتصاصها من قبل الطبقات الإلكترونية للذرة المثارة , أو امتصاصها من قبل النواة , وكذلك الأمر إمكانية تحولها إلى إلكترونين ( أحدهما موجب والآخر سالب - e + e ) وذلك عندما يحدث تأثير متبادل بينها وبين نوى الذرات , والجدير بالذكر أن زمن حياة الفوتون لامتناهية . 2 ـ النترينو والنترينو المضاد : وهي جسيمات متعادلة وتملك كتلاً ساكنة قريبة من الصفر ( أي أصغر من 0.0005 وحدة كتلة الإلكترون ) وتنشأ هذه الجسيمات أثناء التحولات النووية , ولها قدرة اختراق كبيرة للغاية , فهي تستطيع أن تجتاز طبقة من الحديد الصب سماكتها أكبر من المسافة بين الأرض والشمس بمليون مرة , أما سرعتها فتعتبر معادلة لسرعة الضوء , وينشأ النترينو نتيجة التفاعلات النووية المختلفة , أما السيالة الهائلة من هذه الجسيمات فينشأ نتيجة للعمليات التي تحدث في داخل النجوم ويحمل هذا النوع من الدقائق نحو 5 % من طاقة الإشعاع الشمسي . 3 ـ الإلكترون -e : وهي جسيمة سالبة الشحنة ذات كتلة ساكنة تساوي واحدة الكتل الإلكترونية , وتشكل الإلكترونات الغلاف الذري وهي تنشأ من تحول الدقائق ( الجسيمات ) الأولية وكذلك عند انشطار نوى الذرات النشيطة إشعاعيا ويطلق عليها في هذه الحالة اسم دقائق بيتا , وتعتبر شحنة الإلكترون أصغر كمية معروفة من الكهرباء , ولهذا السبب فقد اتخذت هذه الشحنة في الفيزياء النووية كواحدة للشحن الكهربائية والتي ذكرت سابقاً . 4 ـ البوزيترون +e : وهو عبارة عن إلكترون موجب ويعتبر مضاد للإلكترون السالب , وهو مستقر في الفراغ وهو على خلاف الإلكترون فهو ذو فترة حياة قصيرة في الوسط العادي ( في الهواء جزء من مليون جزء من الثانية ) , وإذا التقى بإلكترون سالب فإنه يحدث ما يسمى " بالتلاشي " ويتحولان إلى فوتونين . 5 ـ الميزون π : الميزونات جسيمات ذات كتلة وسطية وقد عرف عدد كبير منها , بعضها موجب وبعضها سالب وبعضها الآخر معتدل الشحنة , وكلها غير مستقرة إذ تتلاشى فور تشكلها متحولة إلى غيرها من الجسيمات الأولية , ويعود الدور الأساسي في بناء النواة الذرية للميزونات بي " π " إذ تتعلق بها طبيعة القوى النووية التي تؤمن بقاء ومتانة نواة الذرة . 6 ـ البروتون P : وهو جسيمة ثقيلة ذات شحنة موجبة وكتلة تعادل 1836وحدة كتلية إلكترونية , وهي مستقرة وتدخل في صلب تركيب النواة ويعتبر البروتون نواة أبسط ذرة معروفة هي ذرة الهيدروجين . 7 ـ الأنتي بروتون أو البروتون المضاد -P : وهو سالب الشحنة , فترة حياته قصيرة جداً ( جزء من 500 مليون جزء من الثانية ) ويؤدي اصطدام البروتون ومضاده إلى تلاشيهما وظهور عدد كبير من الدقائق الأولية الأخرى . 8 ـ النترون n : جسيمة معتدلة الشحنة كتلتها الساكنة تعادل كتلة البروتون ولكنها غير مستقرة في الحالة الحرة , إذ ينشطر متحولاً إلى بروتون وإلكترون ونيترينو , والعمر الوسطي للنيترون الحر هو ( 1000 ثانية ) تقريباً , وهو كالبروتون من حيث مساهمته في تركيب نواة الذرة . 9 ـ الأنتي نيترون -n : وهو جسيم غير مستقر متعادل الشحنة كما أن تلاشيه مع النيترون يعطي دقائق أخرى متعددة . وقد دلت الأبحاث على أن البروتونات والنيترونات ليست نقطية وإنما تملك نوى ذات نصف قطر 0.2 × 10 أس -13 سم وغلافاً نصف قطره 1,5 × 10 أس -13 سم وعلى ما يبدو فإن هذا الغلاف يتألف من الميزونات بي " π " وتملك نوى البروتونات والنيترونات شحنة كهربائية موجبة بينما يحمل الغلاف البروتوني شحنة موجبة في حين يملك النيترون غلافاً ذا شحنة سالبة ولهذا فهو متعادل كهربائياً وتتركز الكتلة الأساسية للذرة في هذين النوعين من الجسيمات الأولية . ![]() |
#2
|
|||
|
|||
![]() من الاراء المعرضة لنظرية الاوتار «مشكلة الفيزياء» للفيزيائي لي سمولن: هل الكون مجرد أوتار وأنغامها؟ ![]() يؤكد لي سمولن في كتابه «مشـكلة الفيزياء» على أن الفيزياء تمتعت بنمو هائل في القرنين الماضيين نتيجة تزاوج النظريات والاختبارات العلمية. فالأفكار الجديدة خضعت للتجربة وبُرهن على صدقها، وفسِّرت الاكتشافات التجريبية من خلال هذه النظرية الفيزيائية أو تلك. لكن منذ بداية الثمانينيات من القرن المنصرم تغير المشهد الفيزيائي. في العقود الأخيرة لم يتمكن الفيزيائيون من تحقيق اكتشافات أساسية من خلال التجارب العلمية وتفسيرها على ضوء النظريات الفيزيائية. يضيف سمولن أن هذا لا يعني أنه لم يحدث تقدم في تطبيق النظريات على ميادين مختلفة. لكن المشكلة كامنة في أن الفيزيائيين لم يتمكنوا من تطوير معرفتنا بقوانين الطبيعة في العقود الأخيرة. هكذا وقعت الفيزياء في مشكلتها. ![]() يُقدِّم سمولن تصوراً لمنهج العلوم مفاده أنه في العلم لا بد من الاعتقاد بصدق نظرية معينة فقط إذا تنبأت بتنبؤ جديد وظهر تنبؤها على أنه صادق من جراء الاختبار العلمي. أما إذا أدت النظرية إلى تنبؤات كاذبة، فقط حينها تعتبَر نظرية كاذبة. بكلام آخر، العلم هو القابل للتكذيب أو التصديق من خلال التجربة. أي لا بد أن تكون للنظرية العلمية تنبؤات مُحدَّدة من الممكن البرهنة على صدقها أو كذبها. والأزمة الحالية هي أن النظريات التي طرحت في الثلاثين سنة الأخيرة هي إما نظريات أظهرت كذبها وإما أنه يستحيل اختبار ما إذا كانت صادقة أم كاذبة. ومثال على ذلك نظرية الأوتار. بالنسبة إلى نظرية الأوتار، كل الكون يتكوّن من أوتار لها ذبذبات مختلفة، ومن جراء اختلاف ذبذباتها تنشأ كل الطاقات والجسيمات. هذه الأوتار تستلزم وجود أبعاد عديدة إضافة إلى الأبعاد الأربعة المعروفة وهي الطول والعرض والعمق والزمن. فبفضل قيام الأوتار في أبعاد مختلفة تنمو القوى المختلفة في الطبيعة. ويشير سمولن إلى أن نظرية الأوتار قد سيطرت على فكر العديد من العلماء وسلوكهم رغم أننا لا نعرف ما إذا كانت صادقة. يقول إن هذه النظرية لا تتنبأ بأي تنبؤ جديد، وبذلك يستحيل معرفة ما إذا كانت صادقة أو كاذبة من خلال التجربة العلمية. على هذا الأساس يستنتج سمولن أن نظرية الأوتار لا ترتقي إلى مستوى العلم الحقيقي بل أدت إلى تخبط الفيزياء. والأسوأ من ذلك أن نظرية الأوتار لا تُشكِّـل نظرية حقاً بل هي مجموعة كبيرة من الحسابات التقريبية. فالنظرية لم تكتَب فعلاً؛ فهي تفتقر إلى المبادئ الأساسية التي لا بد أن تحكمها كما تفتقد إلى الصياغة الرياضية. من هنا يقول سمولن إننا لا نعرف حقاً ماذا تقول نظرية الأوتار. ورغم أنها غير كاملة ولا يوجد برهان على صدقها هذا لا يمنع العديد من الفيزيائيين من العمل على أساسها والإيمان بها واعتبارها الطريق الوحيد نحو تقدم الفيزياء النظرية. هكذا ينقسم الفيزيائيون إلى مؤمنين بنظرية الأوتار ورافضين لها. يعتبر سمولن أن العلم مؤسسة إنسانية، وبذلك يمتلك العلم نقاط الضعف الإنساني. ولذا من الممكن للعلم أن ينهار، وهذا ما يحدث الآن , ويعتمد سمولن على موقف الفيلسوف كون في فلسفة العلوم كي يوضِّح ما يحدث في الفيزياء اليوم. بالنسبة إلى كون Kuhn ، ثمة ثورات علمية في مقابل العلم السويّ. فتاريخ العلم ينقسم إلى مراحل حيث في فترات معينة يسود العلم السويّ وفي أزمنة أخرى تسود الثورات العلمية. في العلم السويّ يسيطر نموذج علمي معين بحيث توجد مناهج اختبارية ونظرية علمية مُحدَّدة من خلالها يتشكل البحث العلمي. أما في زمن الثورة العلمية فينهار النموذج العلمي من جراء فشله في التفسير أو التنبؤ بالنتائج المخبرية. على هذا الأساس يعتبر سمولن أننا في زمن الثورة العلمية لكننا نحاول الخروج منها من خلال أدوات غير نافعة كاعتمادنا على نظرية الأوتار ![]() نظرية الأوتار تتمكن نظرية الأوتار من استنتاج كل القوى والجسيمات المعروفة علمياً من جراء اعتبار أن كل شيء يتكوّن من أوتار وأنغامها. تقدِّم نظرية الأوتار صورة بسيطة وجميلة عن الكون بحيث تتوحّد قوى الطبيعة كما تتوحد الجسيمات فيما بينها. فكل قوى الطبيعة والجسيمات ليست سوى أوتار وذبذباتها. فمثلاً، كل قوى الطبيعة تملك أصلاً واحداً هو انفصال الأوتار واتصالها. انفصال الأوتار واتصالها يسببان القوى المختلفة في الطبيعة، والتي هي في الحقيقة قوة واحدة لاختزالها إلى انفصال الأوتار واتصالها. حين يمشي الوتر في الزمن يخلق سطحاً ببعديْن في الزمكان. لهذا السطح مساحة مُحدَّدة من قبل طولها واستمرارها في الزمن. والوتر يتحرك على أساس أن يُقلـِّص تلك المساحة. هذا هو قانون نظرية الأوتار. وهكذا نفسِّر تحرك الأوتار وانفصالها واجتماعها. فانتشار الأوتار وتفاعلها يُفسَّر من خلال القانون نفسه ألا وهو تقليص المساحة في الزمكان. لكن رغم كل قدرتها التفسيرية وجمالها تعاني نظرية الأوتار من مشاكل عدة. يقدِّم سمولن نقداً قوياً ضد نظرية الأوتار وهو التالي: توجد حلول عديدة ومختلفة إن لم تكن لامتناهية لمعادلات نظرية الأوتار. وبذلك تنقسم نظرية الأوتار نفسها إلى نظريات مختلفة وعديدة. أما نظريات الأوتار المعروفة فلا تتفق مع حقائق العالم، ورغم ذلك ما زال العلماء يقبلون نظرية الأوتار لجمالها. فالعلماء في هذا الميدان يتجهون نحو اعتبار كل نظريات الأوتار الممكنة هي مجرد أوصاف ممكنة لعالمنا. وبذلك ثمة نظريات ممكنة ولا متناهية في نظرية الأوتار ذاتها. وإذا كانت كلها منسجمة ستؤدي إلى نتيجة أنه توجد أكوان ممكنة لا متناهية في العدد. بالنسبة إلى سمولن، هذا يبرهن على فشل نظرية الأوتار؛ فالهدف الأساسي منها هو توحيد القوى والجسيمات الطبيعية وبدلاً من ذلك وصلنا إلى نظريات لامتناهية ومختلفة. كل هذا النقد قد لا يُشكِّل تحطيماً لنظرية الأوتار علماً بأنه أولاً ما زال العديد من العلماء يدرسون الكون على أساسها، وثانياً عدم اتفاق نظريات الأوتار المعروفة مع حقائق العالم وتنوع نظريات الأوتار واختلافها ولا تناهيها في العدد قد يشير إلى أن العلم (كسائر الميادين الإبداعية) يدرس الأكوان الممكنة المختلفة واللامتناهية كما تقول السوبر حداثة بالضبط. ويستمرّ الجدل وهذه صفة العلم الأساسية؛ فالعلم عملية تصحيح مستمر، ولذا هو علم وليس خرافة. ![]() أخيراً، يعتمد سمولن على نظرية معينة في تحليل المنهج العلمي ألا وهي أن المنهج العلمي يتضمن بالضرورة إخضاع النظريات للاختبار فالتكذيب أو التصديق. وعلى هذا الأساس يرفض نظرية الأوتار. من جهة أخرى، وكما أكد سمولن نفسه يوجد العديد من العلماء الذين يقبلون نظرية الأوتار ويعملون على أساسها. وبذلك لا بد أنهم يتبنون نظرية أخرى في تحليل المنهج العلمي تختلف عن نظرية سمولن. أي لا بد أنهم مقتنعون بأن المنهج العلمي لا يتضمن بالضرورة إخضاع النظريات للاختبار والتأكيد على كذبها أو صدقها، ولذا هؤلاء العلماء مستمرون في قبول نظرية الأوتار والعمل على أساسها رغم أنها لا ترتبط بالاختبار ويستحيل اليوم تكذيبها أو تصديقها. هكذا نجد أن العلماء منقسمون حول ما هو المنهج العلمي. على هذا الأساس نستنتج أنه من غير المُحدَّد ما هو المنهج العلمي؛ فمن غير المُحدَّد ما إذا كان المنهج العلمي يستلزم بالضرورة الاختبار أم لا. وبما أنه من غير المُحدَّد ما هو المنهج العلمي، إذن من الطبيعي وجود نظريات علمية مختلفة باختلاف المنهج المُعتمَد، ولذا توجد نظرية كنظرية الأوتار رغم عدم ارتباطها بالاختبار وتوجد نظريات أخرى مُصدَّقة اختبارياً . هكذا نتمكن من تفسير اختلاف النظريات العلمية. الآن، تنقسم فلسفة العلوم إلى نظريتين أساسيتين هما النظرية الواقعية والنظرية اللاواقعية (ليس بالمعنى السلبي). ![]() النظرية الواقعية تقول إنه يوجد منهج مُحدَّد للعلم، أما المذهب اللاواقعي antirealism فيؤكد على أنه لا يوجد منهج للعلم أبداً. من جهة أخرى، تختلف السوبر حداثة عن المذهبين السابقين فتقول إنه من غير المُحدَّد ما هو المنهج العلمي. بالنسبة إلى السوبر حداثة، من غير المُحدَّد ما هو الكون ومما يتشكّل، لكن رغم ذلك من الممكن معرفته، لأنه من خلال لا محدديته نتمكن من تفسيره. على هذا الأساس تقول السوبر حداثة بلا محددية المنهج العلمي وعلى ضوء ذلك تفسِّر اختلاف النظريات العلمية. منقول للامانة العلمية ![]() |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|