|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ثانيًا: أقسام الأخلاق باعتبار علاقاتها
تنقسم الأخلاق باعتبار علاقاتها إلى أربعة أقسام: (القسم الأول: ما يتعلق بوجوه الصلة القائمة بين الإنسان وخالقه... والفضيلة الخلقية في حدود هذا القسم تفرض على الإنسان أنواعًا كثيرة من السلوك الأخلاقي: منها الإيمان به؛ لأنَّه حق، ومنها الاعتراف له بكمال الصفات، والأفعال، ومنها تصديقه فيما يخبرنا به؛ لأنَّ من حق الصادق تصديقه، ومنها التسليم التام لما يحكم علينا به؛ لأنَّه هو صاحب الحق في أن يحكم علينا بما يشاء. فكل هذه الأنواع من السلوك أمور تدعو إليها الفضيلة الخلقية. أما دواعي الكفر بالخالق بعد وضوح الأدلة على وجوده فهي حتمًا دواع تستند إلى مجموعة من رذائل الأخلاق، منها الكبر، ومنها ابتغاء الخروج على طاعة من تجب طاعته، استجابة لأهواء الأنفس وشهواتها، ومنها نكران الجميل وجحود الحق... القسم الثاني: ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان وبين الناس الآخرين. وصور السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم معروفة وظاهرة: منها الصدق، والأمانة، والعفة، والعدل، والإحسان، والعفو، وحسن المعاشرة، وأداء الواجب، والاعتراف لذي الحق بحقه، والاعتراف لذي المزية بمزيته والمواساة والمعونة، والجود، وهكذا إلى آخر جدول فضائل الأخلاق التي يتعدى نفعها إلى الآخرين من الناس. أما صور السلوك الأخلاقي الذميم في حدود هذا القسم فهي أيضًا معروفة وظاهرة: منها الكذب، والخيانة، والظلم، والعدوان، والشح، وسوء المعاشرة، وعدم أداء الواجب، ونكران الجميل، وعدم الاعتراف لذي الحق بحقِّه، وهكذا إلى آخر جدول رذائل الأخلاق التي يتعدى ضررها إلى الآخرين من الناس. القسم الثالث: ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان ونفسه. وصور السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم كثيرة: منها الصبر على المصائب، ومنها الأناة في الأمور، ومنها النظام والإتقان في العمل، ومنها عدم استعجال الأمور قبل أوانها، وكلُّ ذلك يدخل في حسن إدارة الإنسان لنفسه، وحكمته في تصريف الأمور المتعلقة بذاته. وصور السلوك الأخلاقي الذميم في حدود هذا القسم تأتي على نقيض صور السلوك الأخلاقي الحميد. القسم الرابع: ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان والأحياء غير العاقلة. ويكفي أن تتصور من السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم، الرحمة بها، والرفق في معاملتها، وتأدية حقوقها الواجبة. أما الظلم والقسوة وحرمانها من حقوقها؛ فهي من قبائح الأخلاق، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر: ((عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )) ولابد من ملاحظة أنَّ كثيرًا من الأخلاق لها عدد من الارتباطات والتعلقات، ولذلك فقد تدخل في عدد من هذه الأقسام في وقت واحد، إذ قد تكون لفائدة الإنسان نفسه، وتكون في نفس الوقت لفائدة الآخرين، وتكون مع ذلك محققة مرضاة الله تعالى . آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 01:48 PM |
#2
|
||||
|
||||
![]() خصائص الأخلاق الإسلامية أولًا: الأخلاق الإسلامية ربانية المصدر
الأخلاق الإسلامية مصدرها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا مدخل فيها للآراء البشرية، أو النظم الوضعية، أو الأفكار الفلسفية. ولذا اتسمت الأخلاق الإسلامية بسمة الخلود والصدق والصحة. ثانيًا: الشمول والتكامل من خصائص الأخلاق الإسلامية: أنها شاملة، ومتكاملة، وهي خاصية منبثقة من الخاصية الأولى، وهي الربانية، وذلك لأنها تراعي الإنسان، والمجتمع الذي يعيش فيه، وأهداف حياته طبقا للتصور الإسلامي، تحدد أهداف الحياة وغايتها وما وراءها، وتشمل كافة مناشط الإنسان وتوجهاته، وتستوعب حياته كلها من جميع جوانبها، ثم هي أيضًا لا تقف عند حدِّ الحياة الدنيا. ثالثًا: الأخلاق الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان لما كانت الأخلاق الإسلامية ربانية المصدر، كانت صالحة لجميع الناس في كلِّ زمان، وفي أيِّ مكان، نظرًا لما تتميز به من خصائص، فلا يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل بسبب تغير الظروف والأزمان؛ لأنها ليست نتاجًا بشريًّا، بل هي وحي من الله تعالى لنبيه. رابعًا: الإقناع العقلي والوجداني تشريعات الإسلام توافق العقول الصحيحة، وتتوائم مع الفطر السليمة، وتحصل القناعة الكاملة والانسجام التام مع ما أتت به الشريعة الإسلامية من نظم أخلاقية. فالأخلاق الإسلامية بها يقنع العقل السليم، ويرضى بها القلب، فيجد الإنسان ارتياحًا واطمئنانًا تجاه الحسن من الأخلاق، ويجد نفرة وقلقًا تجاه السيئ من الأخلاق. خامسًا: المسؤولية الأخلاق الإسلامية تجعل الإنسان مسؤولًا عما يصدر منه في كلِّ جوانب الحياة، سواء كانت هذه المسؤولية مسؤولية شخصية، أم مسؤولية جماعية، ولا تجعله اتكاليًّا لا يأبه بما يدور حوله من أشياء، وهذه خاصية من خصائص أخلاقنا انفردت بها الشريعة الغراء. ونعني بالمسؤولية الشخصية: أن الإنسان مسؤول عما يصدر منه عن نفسه إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشر، وفي هذا الصدد يقول الله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21]. ويقول تعالى: وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء: 111]. ويقول تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36]. فهذه الآيات وغيرها تبين لنا مدى المسؤولية التي تقع على عاتق الإنسان عما يصدره منه عنه نفسه. ويقول صلى الله عليه وسلم: ((... وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم)) ، يقول ابن حجر في شرح الحديث: (لا يلقي لها بالًا: أي: لا يتأمل بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظنُّ أنَّها تؤثر شيئًا) ، فقبل أن تخرج الكلمة من فيك، أعط نفسك فرصة للتفكير، هل ما ستقوله يرضي الله أم يغضبه؟ هل تكون عاقبته خيرًا أم شرًّا؟ وطالما لم تخرج فأنت مالكها، فإذا خرجت كنت أسيرها، وإذا كان هذا في الكلام ففي سائر التصرفات من باب أولى. ونعني بالمسؤولية العامة (الجماعية): تلك المسؤولية التي تراعي الصالح العام للناس، فلا يكون الرجل إمعة متكاسلًا... أو سلبيًّا بل عليه أن يأمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان)) . سادسًا: العبرة بالظاهر والباطن من الأعمال معًا أخلاقنا الإسلامية لا تكتفي بالظاهر من الأعمال، ولا تحكم عليه بالخير والشر بمقتضى الظاهر فقط، بل يمتدُّ الحكم ليشمل النوايا والمقاصد، وهي أمور باطنية، فالعبرة إذًا بالنية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) ، ... والنية هي مدار التكليف، وعلى ذلك فالإسلام يراعي نية الإنسان في الحكم على عمله الظاهر. سابعًا: الرقابة الدينية الرقابة: تعني مراقبة المسلم لجانب مولاه سبحانه في جميع أمور الحياة. وعلى هذا فإنَّ الرقابة في أخلاقنا الإسلامية لها مدلولها المستقلُّ والمختلف عن الرقابة في مصادر الأخلاق الأخرى، حيث تكون رقابة خارجية من الغير تتمثل في رقابة السلطة، والأفراد. أما الرقابة في الإسلام فهي رقابة ذاتية في المقام الأول، وهي رقابة نابعة من التربية الإسلامية الصحيحة، ومن إيقاظ الضمير، فإذا كان المسلم يعلم أنَّ الله معه، وأنَّه مطلع على حركاته وسكناته، فإنَّه يكون رقيبًا على نفسه، ولا يحتاج إلى رقابة الغير عليه، يقول تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد: 4]، ويقول سبحانه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7]، ويقول عز وجل: إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، فإذا قرأ المسلم هذه الآيات، وعرف معناها فإنَّه حينئذ يتيقن أنَّه إذا تمكن من الإفلات من رقابة السلطة، فإنَّه لن يتمكن من الإفلات من رقابة الله، وهذا في حدِّ ذاته أكبر ضمان لعدم الانحراف والانسياق إلى الأخلاق المذمومة. ثامنًا: الأخلاق الإسلامية ترتبط بالجزاء الدنيوي والأخروي أخلاق الإسلام ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالجزاء، سواء في الدنيا أو الآخرة، لذا وُجد الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب. فالأخيار من الناس: جزاؤهم عظيم في الدنيا والآخرة: ومن ذلك ما أعده الله لهم في الآخرة كما في قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 72]. وكذلك ما وعدهم الله به في الدنيا من الجزاء العاجل، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق 2-3]، وقال أيضًا: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10]. وأما الأشرار من الناس فقد توعدهم الله عزَّ وجلَّ كما في قوله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج: 19-22]. وأما جزاؤهم في الدنيا فمثاله قوله تعالى: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل: 112]. آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 01:50 PM |
#3
|
||||
|
||||
![]() اكتساب الأخلاق (لدينا حقيقة ثابتة لابد من ملاحظتها في مجال كلِّ تكليف رباني: هي أنَّ الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فمسؤولية الإنسان تنحصر في نطاق ما يدخل في وسعه، وما يستطيعه من عمل، أما ما هو خارج عن وسع الإنسان واستطاعته، فليس عليه مسؤولية نحوه، يضاف إلى ذلك أنَّ نسبة المسؤولية تتناسب طردًا وعكسًا مع مقدار الاستطاعة...
فما كان من الطباع الفطرية قابلًا للتعديل والتبديل، ولو في حدود نسب جزئية، لدخوله تحت سلطان إدارة الإنسان وقدرته، كان خاضعًا للمسؤولية، وداخلًا في إطارها تجاه التكاليف الربانية، وما لم يكن قابلًا للتعديل والتبديل، لخروجه عن سلطان إرادة الإنسان وقدرته، فهو غير داخل في إطار المسؤولية تجاه التكاليف الربانية. وبناء على ذلك فإننا نقول وفق المفاهيم الدينية: لو لم يكن لدى كلِّ إنسان عاقل قدرة على اكتساب حدٍّ ما من الفضائل الأخلاقية؛ لما كلفه الله ذلك. وليس أمر قدرة الإنسان على اكتساب حدٍّ ما من كلِّ فضيلة خلقية بعيدًا عن التصور والفهم، ولكنه بحاجة إلى مقدار مناسب من التأمل والتفكير. أليست استعدادات الناس لأنواع العلوم المختلفة متفاوتة، فبعضهم أقدر على تعلم الفنون الجميلة من بعض، وبعضهم أقدر على تعلم العلوم العقلية من بعض، وبعضهم أقدر على حفظ التواريخ والحوادث أو حفظ النصوص من بعض؟ إنه... ما من إنسان عاقل إلا ولديه قدرة على اكتساب مقدار ما من فضائل الأخلاق، وفي حدود هذا المقدار الذي يستطيعه يكون تكليفه، وتكون مسؤوليته، ثم في حدوده تكون محاسبته ومجازاته. إنَّ أسرع الناس استجابة لانفعال الغضب، يستطيع بوسائل التربية أن يكتسب مقدارًا ما من خلق الحلم، ومتى صمم بإرادته أن يكتسب ذلك فإنه يستطيعه، لذلك فهو مسؤول عن اكتساب ما يستطيعه منه، فإذا هو أهمل تربية نفسه، وتركها من غير تهذيب تنمو نمو أشواك الغاب، فإنَّه سيحاسب على إهماله، وسيجني ثمرات تقصيره. وإن أشد الناس بخلًا وأنانية وحبًّا للتملك، يستطيع بوسائل التربية أن يكتسب مقدارًا ما من خلق حب العطاء، ومتى صمم بإرادته أن يكتسب ذلك فإنه يستطيعه، لذلك فهو مسؤول عن اكتساب القدر الواجب شرعًا منه، فإذا هو أهمل تربية نفسه، وتركها من غير تهذيب فإنَّه سيحاسب على إهماله، وسيجني ثمرات تقصيره. والمفطور على نسبة كبيرة من الجبن، يستطيع أن يكتسب بالتربية المقترنة بالإرادة والتصميم مقدارًا ما من خلق الشَّجاعَة، قد لا يبلغ به مبلغ المفطور على نسبة عالية من الشَّجاعَة، ولكنه مقدار يكفيه لتحقيق ما يجب عليه فيه أن يكون شجاعًا، وضمن الحدود التي هو مسؤول فيها. وأشد الناس أنانية في تكوينه الفطري، يستطيع أن يكتسب بالتربية المقترنة بالإرادة والتصميم مقدارًا ما من الغيرية والإيثار، قد لا يبلغ فيه مبلغ المفطور على محبة الآخرين، والرغبة بأن يؤثرهم على نفسه، ولكنه مقدار يكفيه لتأدية الحقوق الواجبة عليه تجاه الآخرين. وهكذا نستطيع أن نقول: إن أية فضيلة خلقية، باستطاعة أي إنسان عاقل، أن يكتسب منها بالتربية المقترنة بالإرادة والتصميم، المقدار الذي يكفيه لتأدية واجب السلوك الأخلاقي. والناس من بعد ذلك يتفاوتون بمدى سبقهم وارتقائهم في سلم الفضائل. وتفاوت الاستعدادات والطبائع، لا ينافي وجود استعداد عام صالح لاكتساب مقدار ما من أي فرع من فروع الاختصاص، سواء أكان ذلك من قبيل العلوم، أو من قبيل الفنون، أو من قبيل المهارات، أو من قبيل الأخلاق. وفي حدود هذا الاستعداد العام، وردت التكاليف الشرعية الربانية العامة، ثم ترتقي من بعده مسؤوليات الأفراد بحسب ما وهب الله كلًّا منهم من فطر، وبحسب ما وهب كلا منهم من استعدادات خاصة، زائدة على نسبة الاستعداد العام. ولو أنَّ بعض الناس كان محرومًا من أدنى حدود الاستعداد العام الذي هو مناط التكليف، فإنَّ التكليف لا يتوجه إليه أصلًا، ومن سلب منه هذا الاستعداد بسبب ما ارتفع عنه التكليف، ضرورة اقتران التكليف بالاستطاعة، كما أوضحت ذلك نصوص الشريعة الإسلامية. ووفق هذا الأساس، جاءت التكاليف الشرعية بالتزام فضائل الأخلاق واجتناب رذائلها. ووفق هذا الأساس، وضع الإسلام الخطط التربوية التي تنفع في التربية على الأخلاق الفاضلة، فالاستعداد لذلك موجود في الواقع الإنساني، وإن اختلفت نسبة هذا الاستعداد من شخص إلى آخر. وفي الإصلاح التربوي قد يقبل بعض الناس بعض فضائل الأخلاق بسهولة، ولا يقبل بعضها الآخر إلا بصعوبة ومعالجة طويلة المدى، وقد تقل نسبة استجابته) . |
#4
|
||||
|
||||
![]() 1-تصحيح العقيدة إن العقيدة تنعكس ولا بد على أخلاق معتقدها، فالطريق لتصحيح الأخلاق هو تصحيح العقيدة (فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من معتقد، وما يدين به من دين، والانحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي السنة، وهي الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يتفرع عن هذه الأصول، ويلحق بها مما هو من أصول الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا؛ فإذا صحت العقيدة، حسنت الأخلاق تبعًا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة (عقيدة السلف) عقيدة أهل السنة والجماعة التي تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، وتردعه عن مساوئها.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا)). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم)) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وإنَّ حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة)) . آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 10-04-2013 الساعة 10:06 AM |
#5
|
||||
|
||||
![]() 2- العبادات إنَّ (العبادات التي شرعت في الإسلام واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مبهمة في النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة، وحركات لا معنى لها، كلا، كلا، فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه، هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظل مستمسكًا بهذه الأخلاق، مهما تغيرت أمامه الحياة.
والقرآن الكريم والسنة المطهرة، يكشفان -بوضوح- عن هذه الحقائق. فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها، وقال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت: 45]. فالابتعاد عن الرذائل، والتطهير من سوء القول وسوء العمل، هو حقيقة الصلاة... والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي -أولًا- غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات. وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]. فتنظيف النفس من أدران النقص، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى. وكذلك شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائمًا من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة. وإقرارًا لهذا المعنى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) . وقد يحسب الإنسان أن السفر إلى البقاع المقدسة – الذي كلف به المستطيع واعتبر من فرائض الإسلام على بعض أتباعه – يحسب الإنسان هذا السفر رحلة مجردة عن المعاني الخلقية، ومثلًا لما قد تحتويه الأديان أحيانًا من تعبدات غيبية. وهذا خطأ، إذ يقول الله تعالى -في الحديث عن هذه الشعيرة-: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [الحج: 197] . آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 01:51 PM |
#6
|
||||
|
||||
![]() 3- الارتباط بالقرآن الكريم
لا شك أن القرآن كتاب هداية ومنهج حياة، ولا شك أن الارتباط به قراءة وتدبرًا وعملًا من أعظم الوسائل لتحقيق الهداية والحياة الكريمة والأخلاق الفاضلة قال الله عز وجل: إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء: 9]. وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]. وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]. قال ابن كثير: (مَّوْعِظَةٌ: زاجر عن الفواحش، وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ، أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ، أي: محصل لها الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقون الموقنين) . وقال جل ثناؤه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]. قال السعدي: (يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم) . وقال الشنقيطي: (هذه الآية الكريمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدي إلى خير طريق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خير الدنيا والآخرة) . وكم في هذا الكتاب العظيم من توجيه وهداية، فقال سبحانه: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ [البقرة: 231]. فالقرآن الكريم اشتمل على الأمثال والقصص والعبر هداية لخيري الدنيا والآخرة. أ- الأمثال القرآنية: الأمثال القرآنية من أفضل الوسائل لغرس القيم الإسلامية وتهذيب النفوس والأفكار، وتغيير السلوك والاعتبار، ومن خلالها يعيد المرء ترتيب نفسه بالتفكير والإمعان، والعمل على إصلاح النفس وتربيتها. ب- القصص القرآني: للقصص القرآني أثر بالغ في نفس القارئ والسامع، تهفو لها النفوس، وتطمئنُّ بها القلوب، وتسمو بها الأرواح، فيها من السحر الأخَّاذ للسمع والفؤاد، وفيها من الفوائد والعبر والدروس والإرشاد والدلالات لمن أمعن النظر، وألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف: 2-3] . |
#7
|
||||
|
||||
![]() 4- التدريب العملي والرياضة النفسية إن التدريب العملي والممارسة التطبيقية ولو مع التكلف في أول الأمر، وقسر النفس على غير ما تهوى، من الأمور التي تكسب النفس الإنسانية العادة السلوكية، طال الزمن أو قصر.
والعادة لها تغلغل في النفس يجعلها أمرًا محببًا، وحين تتمكن في النفس تكون بمثابة الخلق الفطري، وحين تصل العادة إلى هذه المرحلة تكون خلقًا مكتسبًا، ولو لم تكن في الأصل الفطري أمرًا موجودًا. وقد عرفنا أنَّ في النفس الإنسانية استعدادًا فطريًّا لاكتساب مقدار ما من كلِّ فضيلة خلقية، وبمقدار ما لدى الإنسان من هذا الاستعداد تكون مسؤوليته، ولو لم يكن لدى النفوس الإنسانية هذا الاستعداد لكان من العبث اتخاذ أية محاولة لتقويم أخلاق الناس. والقواعد التربوية المستمدة من الواقع التجريبي تثبت وجود هذا الاستعداد، واعتمادًا عليه يعمل المربون على تهذيب أخلاق الأجيال التي يشرفون على تربيتها، وقد ورد في الأثر: (العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم). وثبت أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله)) . فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده: ((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)). وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلًا دلَّ فيه على أنَّ التدريب العملي ولو مع التكلف يكسب العادة الخلقية، حتى يصير الإنسان معطاء غير بخيل، ولو لم يكن كذلك أول الأمر. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُنتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده، حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع)) . فدلَّ هذا الحديث على أن المنفق والبخيل كانا في أول الأمر متساويين في مقدار الدرعين. أما المنافق فقد ربت درعه بالإنفاق حتى غطت جسمه كلِّه، بخلاف البخيل الذي لم يدرب نفسه على الإنفاق، فإن نفسه تكز، والله يضيق عليه من وراء ذلك، فيكون البخل خلقًا متمكنًا من نفسه مسيطرًا عليها. ومن ذلك نفهم أمرين: فطرية الخلق، وقابليته للتعديل بالممارسة والتدريب العملي، إنَّ المنفق كان أول الأمر كالبخيل يشبهان لابسي درعين من حديد متساويين ويبدو أن الدرع مثال لما يضغط على الصدر عند إرادة النفقة، فمن يتدرب على البذل تنفتح نفسه كما يتسع الدرع فلا يكون له ضغط، وأما من يعتاد الإمساك فيشتد ضاغط البخل على صدره، فهو يحس بالضيق الشديد كلما أراد البذل، ومع مرور الزمن يتصلب هذا الضاغط. واعتمادًا على وجود الاستعداد الفطري لاكتساب الخلق، وردت الأوامر الدينية بفضائل الأخلاق، ووردت النواهي الدينية عن رذائل الأخلاق. ولكن من الملاحظ أنه قد يبدأ التخلق بخلق ما عملًا شاقًّا على النفس، إذا لم يكن في أصل طبيعتها الفطرية، ولكنه بتدريب النفس عليه، وبالتمرس والمران، يصبح سجية ثابتة، يندفع الإنسان إلى ممارسة ظواهرها اندفاعًا ذاتيًّا، دون أن يجد أية مشقة أو معارضة أو عقبة من داخل نفسه، ولئن وجد شيئًا من ذلك فإنَّ دافع الخلق المكتسب يظلُّ هو الدافع الأغلب، بشرط أن يكون التخلق قد تحول فعلًا إلى خلق مكتسب. وليس التدريب النفسي ببعيد الشبه عن التدريب الجسدي، الذي يكتسب به المهارات العملية الجسدية . آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 01:53 PM |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|